فصل: تفسير الآيات (32- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (32- 34):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34)}
قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} هذا مثل لمن يتعزز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة المؤمنين، وهو متصل بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ}. واختلف في اسم هذين الرجلين وتعيينهما، فقال الكلبي: نزلت في أخوين من أهل مكة مخزوميين، أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، زوج أم سلمة قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد، وهما الاخوان المذكوران في سورة الصافات في قوله: {قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ}، ورث كل واحد منهما أربعة آلاف دينار، فأنفق أحدهما مال في سبيل الله وطلب من أخيه شيئا فقال ما قال...، ذكره الثعلبي والقشيري.
وقيل: نزلت في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واهل مكة.
وقيل: هو مثل لجميع من آمن بالله وجميع من كفر.
وقيل: هو مثل لعيينة بن حصن وأصحابه مع سلمان وصهيب وأصحابه، شبههم الله برجلين من بنى إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا، في قول ابن عباس.
وقال مقاتل: اسمه تمليخا. والآخر كافر واسمه قرطوش. وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة الصافات. وكذا ذكر محمد بن الحسن المقرئ قال: اسم الخير منهما تمليخا، والآخر قرطوش، وأنهما كانا شريكين ثم اقتسما المال فصار لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار، فاشترى المؤمن منهما عبيدا بألف وأعتقهم، وبالألف الثانية ثيابا فكسا العراة، وبالألف الثالثة طعاما فأطعم الجوع، وبنى أيضا مساجد، وفعل خيرا. وأما الآخر فنكح بماله نساء ذوات يسار، واشترى دواب وبقرا فاستنتجها فنمت له نماء مفرطا، وأتجر بباقيها فربح حتى فاق أهل زمانه غنى، وأدركت الأول الحاجة، فأراد أن يستخدم نفسه في جنة يخدمها فقال: لو ذهبت لشريكي وصاحبي فسألته أن يستخدمني في بعض جناته رجوت أن يكون ذلك أصلح بى فجاءه فلم يكد يصل إليه من غلظ الحجاب، فلما دخل عليه وعرفه وسأله حاجته قال له: ألم أكن قاسمتك المال نصفين! فما صنعت بمالك؟. قال: اشتريت به من الله تعالى ما هو خير منه وأبقى. فقال. أينك لمن المصدقين، ما أظن الساعة قائمة وما أراك إلا سفيها، وما جزاؤك عندي على سفاهتك إلا الحرمان، أو ما ترى ما صنعت أنا بمالي حتى آل إلى ما تراه من الثروة وحسن الحال، وذلك أنى كسبت وسفهت أنت، اخرج عنى. ثم كان من قصة هذا الغنى ما ذكره الله تعالى في القرآن من الإحاطة بثمره وذهابها أصلا بما أرسل عليها من السماء من الحسبان. وقد ذكر الثعلبي هذه القصة بلفظ آخر، والمعنى متقارب. قال عطاء: كانا شريكين لهما ثمانية آلاف دينار.
وقيل: ورثاه من أبيهما وكانا أخوين فاقتسماها، فاشترى أحدهما أرضا بألف دينار، فقال صاحبه: اللهم إن فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار وإني اشتريت منك أرضا في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم إن صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال: اللهم إن فلانا بنى دارا بألف دينار وإني اشترى منك دارا في الجنة بألف دينار، فتصدق بألف دينار، بها ثم تزوج امرأة فأنفق عليها ألف دينار، فقال: اللهم إن فلانا تزوج امرأة بألف دينار وإني أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار، فتصدق بألف دينار. ثم اشترى خدما ومتاعا بألف دينار، وإني أشترى منك خدما ومتاعا من الجنة بألف دينار، فتصدق بألف دينار. ثم أصابته حاجة شديدة فقال: لعل صاحبي ينالني معروفه فأتاه فقال: ما فعل ما لك؟ فأخبره قصته فقال: وإنك لمن المصدقين بهذا الحديث والله لا أعطيك شيئا ثم قال له: أنت تعبد إله السماء، وأنا لا أعبد إلا صنما، فقال صاحبه: والله لأعظنه، فوعظه وذكره وخوفه. فقال: سر بنا نصطد السمك، فمن صاد أكثر فهو على حق، فقال له: يا أخى إن الدنيا أحقر عند الله من أن يجعلها ثوابا لمحسن أو عقابا لكافر. قال: فأكرهه على الخروج معه، فابتلاهما الله، فجعل الكافر يرمى شبكته ويسمى باسم صنمه، فتطلع متدفقه سمكا. وجعل المؤمن يرمى شبكته ويسمى باسم الله فلا يطلع له فيها شي، فقال له: كيف ترى أنا أكثر منك في الدنيا نصيبا ومنزلة ونفرا، كذلك أكون أفضل منك في الآخرة إن كان ما تقول بزعمك حقا. قال: فضج الملك الموكل بهما، فأمر الله تعالى جبريل أن يأخذه فيذهب به إلى الجنان فيريه منازل المؤمن فيها، فلما رأى ما أعد الله له قال: وعزتك لا يضره ما ناله من الدنيا بعد ما يكون مصيره إلى هذا، واراه منازل الكافر في جهنم فقال: وعزتك لا ينفعه ما أصابه من الدنيا بعد أن يكون مصيره إلى هذا. ثم إن الله تعالى توفى المؤمن وأهلك الكافر بعذاب من عنده، فلما استقر المؤمن في الجنة وراي ما أعد الله له أقبل هو وأصحابه يتساءلون، فقال: {إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ.} يقول أإنك لمن المصدقين الآية، فنادى مناد: يا أهل الجنة! هل أنتم مطلعون فاطلع إلى جهنم فرآه في سواء الجحيم، فنزلت {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا}. بين الله تعالى حال الأخوين في الدنيا في هذه السورة، وبين حالهما في الآخرة في سورة الصافات في قول: {إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} إلى قوله: {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ}. قال ابن عطية: وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب البلاد أن بحيرة تنيس كانت هاتين الجنتين، وكانتا لأخوين فباع أحدهما نصيبه من الآخر فأنفق في طاعة الله حتى غيره الآخر، وجرت بينهما المحاورة فغرقها الله تعالى في ليلة، وإياها عني بهذه الآية. وقد قيل: إن هذا مثل ضربه الله تعالى لهذه الامة، وليس بخبر عن حال متقدمة، لتزهد في الدنيا وترغب في الآخرة، وجعله زجرا وإنذارا، ذكره الماوردي. وسياق الآية يدل على خلاف هذا، والله اعلم. قوله تعالى: {وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ} أي أطفناهما من جوانبهما بنخل. والحفاف الجانب، وجمعه أحفه، ويقال: حف القوم بفلان يحفون حفا، أي طافوا به، ومنه {حافين من حول العرش} {وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً} أي جعلنا حول الأعناب النخل، ووسط الأعناب الزرع. {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} أي كل واحدة من الجنتين، {آتَتْ أُكُلَها} تاما، ولذلك لم يقل آتنا. واختلف في لفظ {كلتا وكلا} هل هو مفرد أو مثنى، فقال أهل البصرة: هو مفرد، لان كلا وكلتا في توكيد الاثنين نظير {كل} في المجموع، وهو اسم مفرد غير مثنى، فإذا ولى اسما ظاهرا كان في الرفع والنصب والخفض على حالة واحدة، تقول: رأيت كلا الرجلين وجاءني كلا الرجلين ومررت بكلا الرجلين، فإذا اتصل بمضمر قلبت الالف ياء في موضع الجر والنصب، تقول:
رأيت كليهما ومررت بكليهما، كما تقول عليهما.
وقال الفراء: هو مثنى، وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الالف للتثنية. وكذلك كلتا للمؤنث، ولا يكونان إلا مضافين ولا يتكلم بواحد، ولو تكلم به لقيل: كل وكلت وكلان وكلتان. واحتج بقول الشاعر:
في كلت رجليها سلامى واحده ** كلتاهما مقرونة بزائده

أراد في إحدى رجليها فأفرد. وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة، لأنه لو كان مثنى لوجب أن تكون ألفه في النصب والجر ياء مع الاسم الظاهر، ولان معنى {كلا} مخالف لمعنى {كل} لان {كلا} للإحاطة و{كلا} يدل على شيء مخصوص، وأما هذا الشاعر فإنما حذف الالف للضرورة وقدر أنها زائدة، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة، فثبت أنه اسم مفرد كمعى، إلا أنه وضع ليدل على التثنية، كما أن قولهم {نحن} اسم مفرد يدل على اثنين فما فوقهما، يدل على ذلك قول جرير:
كلا يومى أمامة يوم صد ** وإن لم نأتها إلا لماما

فأخبر عن {كلا} بيوم مفرد، كما أفرد الخبر بقوله: {آتَتْ} ولو كان مثنى لقال آتتا، ويوما. واختلف أيضا في الف {كِلْتَا}، فقال سيبويه: ألف {وكِلْتَا} للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل وهى واو والأصل كلوا، وإنما أبدلت تاء لان في التاء علم التأنيث، والألف في {كلتا} قد تصير ياء مع المضمر فتخرج عن علم التأنيث، فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث.
وقال أبو عمر الجرمي: التاء ملحقة والألف لام الفعل، وتقديرها عنده: فعتل، ولو كان الامر على ما زعم، لقالوا في النسبة إليها كلتوى، فلما قالوا كلوى وأسقطوا التاء دل على أنهم أجروها مجرى التاء في أخت إذا نسبت إليها قلت أخوي، ذكره الجوهري. قال أبو جعفر النحاس: وأجاز النحويون في غير القرآن الحمل على المعنى، وأن تقول: كلتا الجنتين آتتا أكلهما، لان المعنى المختار كلتاهما آتتا. وأجاز الفراء: كلتا الجنتين آتى أكله، قال: لان المعنى كل الجنتين. قال: وفى قراءة عبد الله {كل الجنتين أتى أكله}. والمعنى على هذا عند الفراء: كل شيء من الجنتين آتى أكله. والأكل بضم الهمزة ثمر النخل والشجر. وكل ما يؤكل فهو أكل، ومنه قوله تعالى: {أُكُلُها دائِمٌ} وقد تقدم. {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً} أي لم تنقص. قوله تعالى: {وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً} أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين بنهر. {وكان له ثمر} قرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبى إسحاق {ثمر} بفتح الثاء والميم، وكذلك قوله: {وأحيط بثمره} جمع ثمرة. قال الجوهري: الثمرة واحدة الثمر والثمرات، وجمع الثمر ثمار، مثل جبل وجبال. قال الفراء: وجمع الثمار ثمر، مئل كتاب وكتب، وجمع الثمر أثمار، مثل أعناق وعنق. والثمر أيضا المال المثمر، يخفف ويثقل. وقرأ أبو عمرو {وكان له ثمر} بضم الثاء وإسكان الميم، وفسره بأنواع المال. والباقون بضمها في الحرفين. قال ابن عباس: ذهب وفضة وأموال. وقد مضى في الأنعام نحو هذا مبينا. ذكر النحاس: حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال حدثنا شعيب بن إسحاق قال أخبرنا هارون قال حدثني أبان عن ثعلب عن الأعمش أن الحجاج قال: لو سمعت أحدا يقرأ {وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ} لقطعت لسانه، فقلت للأعمش: أتأخذ بذلك؟ فقال: لا! ولا نعمة عين. فكان يقرأ {ثَمَرٌ} ويأخذه من جمع الثمر. قال النحاس: فالتقدير على هذا القول أنه جمع ثمرة على ثمار، ثم جمع ثمار على ثمر، وهو حسن في العربية إلا أن القول الأول أشبه والله اعلم، لان قوله: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها} يدل على أن له ثمرا. قوله تعالى: {فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ} أي يراجعه في الكلام ويجاوبه. والمحاورة المجاوبة، والتحاور التجاوب. ويقال: كلمته فما أحار إلي جوابا، وما رجع إلي حويرا ولا حويرة ولا محورة ولا حوارا، أي ما رد جوابا. {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً} النفر: الرهط وهو ما دون العشرة. وأراد ها هنا الاتباع والخدم والولد، حسبما تقدم بيانه.

.تفسير الآيات (35- 36):

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36)}
قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} قيل: أخذ بيد أخيه المؤمن يطيف به فيها ويريه إياها. {وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ} أي بكفره، وهو جملة في موضع الحال. ومن أدخل نفسه النار بكفره فهو ظالم لنفسه. {قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً} أنكر فناء الدار. {وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً} أي لا أحسب البعث كائنا. {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي} أي وإن كان بعث فكما أعطاني هذه النعم في الدنيا فسيعطيني أفضل منه لكرامتي عليه، وهو معنى قوله: {لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً} وإنما قال ذلك لما دعاه أخوه إلى الايمان بالحشر والنشر.
وفي مصاحف مكة والمدينة والشام {منهما}.
وفي مصاحف أهل البصرة والكوفة {منها} على التوحيد، والتثنية أولى، لان الضمير أقرب إلى الجنتين.

.تفسير الآيات (37- 38):

{قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38)}
قوله تعالى: {قالَ لَهُ صاحِبُهُ} يهوذا أو تمليخا، على الخلاف في اسمه. {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} وعظه وبين له أن ما اعترف به من هذه الأشياء التي لا ينكرها أحد أبدع من الإعادة. و{سَوَّاكَ رَجُلًا} أي جعلك معتدل القامة والخلق، صحيح الأعضاء ذكرا. {لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} كذا قرأه أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية.
وروى عن الكسائي {لكن هو الله} بمعنى لكن الامر هو الله ربي، فأضمر اسمها فيها. وقرأ الباقون {لكِنَّا} بإثبات الالف. قال الكسائي: فيه تقديم وتأخير، تقديره: لكن الله هو ربي أنا، فحذفت الهمزة من {أنا} طلبا للخفة لكثرة الاستعمال وأدغمت إحدى النونين في الأخرى وحذفت ألف {أنا} في الوصل وأثبتت في الوقف.
وقال النحاس: مذهب الكسائي والفراء والمازني أن الأصل لكن أنا فألقيت حركة الهمزة على نون لكن وحذفت الهمزة وأدغمت النون في النون فالوقف عليها لكنا وهي ألف أنا لبيان الحركة.
وقال أبو عبيدة: الأصل لكن أنا، فحذفت الالف فالتقت نونان فجاء بالتشديد لذلك، وأنشدنا الكسائي:
لهنك من عبسية لوسيمة ** على هنوات كاذب من يقولها

أراد: لله إنك لوسيمة، فأسقط إحدى اللامين من {لله} وحذف الالف من إنك.
وقال آخر فجاء به على الأصل:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب ** وتقلينني لكن إياك لا أقلي

أي لكن أنا.
وقال أبو حاتم: ورووا عن عاصم {لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} وزعم أن هذا لحن، يعني إثبات الالف في الإدراج. قال الزجاج: إثبات الالف في {لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} في الإدراج جيد، لأنه قد حذفت الالف من أنا فجاءوا بها عوضا. قال: وفي قراءة أبي {لكن أنا هو الله ربي}. وقرأ ابن عامر والمسيلي عن نافع ورويس عن يعقوب {لكِنَّا} في حال الوقف والوصل معا بإثبات الالف.
وقال الشاعر:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني ** حميدا قد تذريت السناما

وقال الأعشى:
فكيف أنا وانتحال القوافي ** بعد المشيب كفى ذاك عارا

ولا خلاف في إثباتها في الوقف. {هُوَ اللَّهُ رَبِّي} {هُوَ} ضمير القصة والشأن والامر، كقوله: {فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}
دل مفهومه على أن الأخ الآخر كان مشركا بالله تعالى يعبد غيره. ويحتمل أنه أراد لا أرى الغني والفقر إلا منه، واعلم أنه لو أراد أن يسلب صاحب الدنيا دنياه قدر عليه، وهو الذي آتاني الفقر. ويحتمل أنه أراد جحودك البعث مصيره إلى أن الله تعالى لا يقدر عليه، وهو تعجيز الرب سبحانه وتعالى، ومن عجزه سبحانه وتعالى شبهه بخلقه، فهو إشراك.