فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (9):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} أي صدقوا. {وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ} أي يزيدهم هداية، كقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً} [محمد: 17].
وقيل: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ} إلى مكان تجري من تحتهم الأنهار.
وقال أبو روق: يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة.
وقال عطية: {يَهْدِيهِمْ} يثيبهم ويجزيهم.
وقال مجاهد: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ} بالنور على الصراط إلى الجنة، يجعل لهم نورا يمشون به. ويروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يقوي هذا أنه قال: «يتلقى المؤمن عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله». هذا معنى الحديث.
وقال ابن جريج: يجعل عملهم هاديا لهم. الحسن: {يَهْدِيهِمْ} يرحمهم. قوله تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ} قيل: في الكلام واو محذوفة، أي وتجري من تحتهم، أي من تحت بساتينهم.
وقيل: من تحت أسرتهم، وهذا أحسن في النزهة والفرجة.

.تفسير الآية رقم (10):

{دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)}
قوله تعالى: {دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ} دعوا هم: ادعاؤهم، والدعوى مصدر دعا يدعو، كالشكوى مصدر شكا يشكو، أي دعاو هم في الجنة أن يقولوا سبحانك اللهم وقيل: إذا أرادوا أن يسألوا شيئا أخرجوا السؤال بلفظ التسبيح ويختمون بالحمد.
وقيل: نداؤهم الخدم ليأتوهم بما شاءوا ثم سبحوا.
وقيل: إن الدعاء هنا بمعنى التمني قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ} [فصلت: 31] أي ما تتمنون. والله أعلم. قوله تعالى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ} أي تحية الله لهم أو تحية الملك أو تحية بعضهم لبعض: سلام. وقد مضى في النساء معنى التحية مستوفى. والحمد لله. قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} فيه أربع مسائل:
الأولى: قيل: إن أهل الجنة إذا مر بهم الطير واشتهوه قالوا: سبحانك اللهم، فيأتيهم الملك بما اشتهوا، فإذا أكلوا حمدوا الله فسؤالهم بلفظ التسبيح والختم بلفظ الحمد. ولم يحك أبو عبيد إلا تخفيف {أن} ورفع ما بعدها، قال: وإنما نراهم اختاروا هذا وفرقوا بينها وبين قوله عز وجل: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ} و{أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ} لأنهم أرادوا الحكاية حين يقال الحمد لله. قال النحاس: مذهب الخليل وسيبويه أن {أن} هذه مخففة من الثقيلة، والمعنى أنه الحمد لله. قال محمد بن يزيد: ويجوز {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} يعملها خفيفة عملها ثقيلة، والرفع أقيس. قال النحاس: وحكى أبو حاتم أن بلال بن أبي بردة قرأ {وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}. قلت: وهى قراءة ابن محيصن، حكاها الغزنوي لأنه يحكي عنه.
الثانية: التسبيح والحمد والتهليل قد يسمى دعاء، روى مسلم والبخاري عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم. لا إله إلا الله رب العرش العظيم. لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم». قال الطبري: كان السلف يدعون بهذا الدعاء ويسمونه دعاء الكرب.
وقال ابن عيينة وقد سئل عن هذا فقال: أما علمت أن الله تعالى يقول: «إذا شغل عبدي ثناؤه عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين». والذي يقطع النزاع وأن هذا يسمى دعاء وإن لم يكن فيه من معنى الدعاء شيء وإنما هو تعظيم لله تعالى وثناء عليه ما رواه النسائي عن سعد ابن أبي وقاص قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دعوة ذي النون إذا دعا بها في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إلا استجيب له».
الثالثة: من السنة لمن بدأ بالأكل أن يسمي الله عند أكله وشربه ويحمده عند فراغه اقتداء بأهل الجنة، وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الاكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها».
الرابعة: يستحب للداعي أن يقول في آخر دعائه كما قال أهل الجنة: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، وحسن أن يقرأ آخر {والصافات} فإنها جمعت تنزيه البارئ تعالى عما نسب إليه، والتسليم على المرسلين، والختم بالحمد لله رب العالمين.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}
قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ} قيل: معناه ولو عجل الله للناس العقوبة كما يستعجلون الثواب والخير لماتوا، لأنهم خلقوا في الدنيا خلقا ضعيفا، وليس هم كذا يوم القيامة، لأنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء.
وقيل: المعنى لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم، وهو معنى {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}.
وقيل: إنه خاص بالكافر، أي ولو يجعل الله للكافر العذاب على كفره كما عجل له خير الدنيا من المال والولد لعجل له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة، قاله ابن إسحاق. مقاتل: هو قول النضر بن الحارث: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فلو عجل لهم هذا لهلكوا.
وقال مجاهد: نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب: اللهم أهلكه، اللهم لا تبارك له فيه وألعنه، أو نحو هذا، فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم. فالآية نزلت ذامه لخلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة ثم يحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر، فلو عجل لهم لهلكوا.
الثانية: واختلف في إجابة هذا الدعاء، فروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إني سألت الله عز وجل ألا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه».
وقال شهر بن حوشب: قرأت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول للملائكة الموكلين بالعبد: لا تكتبوا على عبدي في حال ضجره شيئا، لطفا من الله تعالى عليه. قال بعضهم: وقد يستجاب ذلك الدعاء، واحتج بحديث جابر الذي رواه مسلم في صحيحه آخر الكتاب، قال جابر: سرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة بطن بواط وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني وكان الناضح يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له فأناخه فركب، ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن، فقال له: شا، لعنك الله! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من هذا اللاعن بعيره؟» قال: أنا يا رسول الله، قال: «انزل عنه فلا تصحبنا بملعون لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم». في غير كتاب مسلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في سفر فلعن رجل ناقته فقال: «أبن الذي لعن ناقته؟» فقال الرجل: أنا هذا يا رسول الله، فقال: «أخرها عنك فقد أجبت فيها» ذكره الحليمي في منهاج الدين. شا يروى بالسين والشين، وهو زجر للبعير بمعنى سر.
الثالثة: قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ} قال العلماء: التعجيل من الله، والاستعجال من العبد.
وقال أبو علي: هما من الله، وفي الكلام حذف، أي ولو يعجل الله للناس الشر تعجيلا مثل استعجالهم بالخير، ثم حذف تعجيلا وأقام صفته مقامه، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه، هذا مذهب الخليل وسيبويه. وعلى قول الأخفش والفراء كاستعجالهم، ثم حذف الكاف ونصب. قال الفراء: كما تقول ضربت زيدا ضربك، أي كضربك. وقرأ ابن عامر {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}. وهي قراءة حسنة، لأنه متصل بقوله: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ}. قوله تعالى: {فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} أي لا يعجل لهم الشر فربما يتوب منهم تائب، أو يخرج من أصلابهم مؤمن. {فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي يتحيرون. والطغيان: العلو والارتفاع، وقد تقدم في البقرة. وقد قيل: إن المراد بهذه الآية أهل مكة، وإنها نزلت حين قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32] الآية، على ما تقدم والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
قوله تعالى: {وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ} قيل: المراد بالإنسان هنا الكافر، قيل: هو أبو حذيفة بن المغيرة المشرك، تصيبه البأساء والشدة والجهد. {دَعانا لِجَنْبِهِ} أي على جنبه مضطجعا. {أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً} وإنما أراد جميع حالاته، لان الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات الثلاثة. قال بعضهم: إنما بدأ بالمضطجع لأنه بالضر أشد في غالب الامر، فهو يدعو أكثر، واجتهاده أشد، ثم القاعد ثم القائم. {فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ} أي استمر على كفره ولم يشكر ولم يتعظ. قلت: وهذه صفة كثير من المخلطين الموحدين، إذا أصابته العافية مر على ما كان عليه من المعاصي، فالآية تعم الكافر وغيره. {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا} قال الأخفش: هي {كأن} الثقيلة خففت، والمعنى كأنه وأنشد:
وي كأن من يكن له نشب يح ** بب ومن يفتقر يعش عيش ضر

{كَذلِكَ زُيِّنَ} أي كما زين لهذا الدعاء عند البلاء والاعراض عند الرخاء. {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} أي للمشركين أعمالهم من الكفر والمعاصي. وهذا التزيين يجوز أن يكون من الله، ويجوز أن يكون من الشيطان، وإضلاله دعاؤه إلى الكفر.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} يعني الأمم الماضية من قبل أهل مكة أهلكناهم. {لَمَّا ظَلَمُوا} أي كفروا وأشركوا. {وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ}
أي بالمعجزات الواضحات والبراهين النيرات. {وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} أي أهلكنا هم لعلمنا أنهم لا يؤمنون. يخوف كفار مكة عذاب الأمم الماضية، أي نحن قادرون على إهلاك هؤلاء بتكذيبهم محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن نمهلهم لعلمنا بأن فيهم من يؤمن، أو يخرج من أصلابهم من يؤمن. وهذه الآية ترد على أهل الضلال القائلين بخلق الهدى والايمان.
وقيل: معنى {ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} أي جازاهم على كفرهم بأن طبع على قلوبهم، ويدل على هذا أنه قال: {كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}.

.تفسير الآية رقم (14):

{ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ} مفعولان. والخلائف جمع خليفة، وقد تقدم آخر الأنعام أي جعلنا كم سكانا في الأرض. {مِنْ بَعْدِهِمْ} أي من بعد القرون المهلكة. {لِنَنْظُرَ} نصب بلام كي، وقد تقدم نظائره وأمثاله، أي ليقع منكم ما تستحقون به الثواب والعقاب، ولم يزل يعلمه غيبا.
وقيل: يعاملكم معاملة المختبر إظهارا للعدل.
وقيل: النظر راجع إلى الرسل، أي لينظر رسلنا وأولياؤنا كيف أعمالكم. و{كَيْفَ} نصب بقوله: تعملون: لان الاستفهام له صدر الكلام فلا يعمل فيه ما قبله.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا} {تُتْلى} تقرأ، و{بَيِّناتٍ} نصب على الحال، أي واضحات لا لبس فيها ولا إشكال. {قال الذين لا يرجون لقائنا} يعني لا يخافون يوم البعث والحساب ولا يرجون الثواب. قال قتادة: يعني مشركي أهل مكة. {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ} والفرق بين تبديله والإتيان بغيره أن تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه، وفي قو لهم ذلك ثلاثة أوجه: أحد ها- أنهم سألوه أن يحول الوعد وعيدا والوعيد وعدا، والحلال حراما والحرام حلالا، قاله ابن جرير الطبري.
الثاني- سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، قاله ابن عيسى.
الثالث- أنهم سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور، قاله الزجاج.
الثانية: قوله تعالى: {قُلْ ما يَكُونُ لِي} أي قل يا محمد ما كان لي. {أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي} ومن عندي، كما ليس لي أن ألقاه بالرد والتكذيب. {إن أتبع إلا ما يوحى إلي} أي لا أتبع إلا ما أتلوه عليكم من وعد ووعيد، وتحريم وتحليل، وأمر ونهي. وقد يستدل بهذا من يمنع نسخ الكتاب بالسنة، لأنه تعالى قال: {قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي} وهذا فيه بعد، فإن الآية وردت في طلب المشركين مثل القرآن نظما، ولم يكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قادرا على ذلك، ولم يسألوه تبديل الحكم دون اللفظ، ولان الذي يقوله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان وحيا لم يكن من تلقاء نفسه، بل كان من عند الله تعالى.
الثالثة: قوله تعالى: {إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} أي إن خالفت في تبديله وتغييره أو في ترك العمل به. {عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني يوم القيامة.