فصل: تفسير الآية رقم (29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (28):

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)}
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ} هذا مثل قوله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ} الأنعام. وقد مضى الكلام فيه.
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: جاءت المؤلف قلوبهم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عيينة بن حصن والافرع بن حابس فقالوا: يا رسول الله، إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم- يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها- جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى: {وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} حتى بلغ: {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها}. يتهددهم بالنار. فقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال: «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا ومعكم المماتة». {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي طاعته. وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} وحجتهم أنها في السواد بالواو.
وقال أبو جعفر النحاس: وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو، ولا تكاد العرب تقول الغدوة لأنها معروفة. روى عن الحسن {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ} أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبا لزينتها، حكاه اليزيدي.
وقيل: لا تحتقرهم عيناك، كما يقال فلان تنبو عنه العين، أي مستحقرا. {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا} أي تزيين بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا أبعاد الفقراء من مجلسك، ولم يرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفعل ذلك، ولكن الله نهاه عن أن يفعله، وليس هذا بأكثر من قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}. وإن كان الله أعاذه من الشرك. و{تُرِيدُ} فعل مضارع في موضع الحال، أي لا تعد عينا مريدا، كقول امرئ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنما ** نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

وزعم بعضهم أن حق الكلام: لا تعد عينيك عنهم، لان {تعد} متعد بنفسه. قيل له: والذي وردت به التلاوة من رفع العينين يئول إلى معنى النصب فيها، إذا كان لا تعد عيناك عنهم بمنزلة لا تنصرف عيناك عنهم، ومعنى لا تنصرف عيناك عنهم لا تصرف عينيك عنهم، فالفعل مسند إلى العينين وهو في الحقيقة موجه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال تعالى: {فلا تعجبك أموالهم} فأسند الإعجاب إلى الأموال، والمعنى: لا تعجبك يا محمد أموالهم. ويزيدك وضوحا قول الزجاج: إن المعنى لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوى الهيئات والزينة. قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا} يروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا} قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وذلك أنه دعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا} يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد. {وَاتَّبَعَ هَواهُ} يعني الشرك. {وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} قيل: هو من التفريط الذي هو التقصير وتقديم العجز بترك الايمان.
وقيل: من الافراط ومجاوزة الحد، وكان القوم قالوا: نحن أشراف مضر إن أسلمنا أسلم الناس، وكان هذا من التكبر والافراط في القول.
وقيل: {فُرُطاً} أي قدما في الشر، من قولهم: فرط منه أمر أي سبق.
وقيل: معنى {أَغْفَلْنا قَلْبَهُ} وجدناه غافلا، كما تقول: لقيت فلانا فأحمدته، أي وجدته محمودا.
وقال عمرو بن معد يكرب لبنى الحارث بن كعب: والله لقد سألناكم فما أبخلناكم، وقاتلناكم فما أجبناكم، وهاجيناكم فما أفحمناكم، أي ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين.
وقيل: نزلت، {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا} في عيينة بن حصن الفزاري، ذكره عبد الرزاق، وحكاه النحاس عن سفيان الثوري. والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29)}
قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} {الْحَقُّ} رفع على خبر الابتداء المضمر، أي قل هو الحق.
وقيل: هو رفع على الابتداء، وخبره في قوله:
{مِنْ رَبِّكُمْ}. ومعنى الآية: قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا: أيها الناس! من ربكم الحق فإليه التوفيق والخذلان، وبيده الهدى والضلال، يهدى من يشاء فيؤمن، ويضل من يشاء فيكفر، ليس إلى من ذلك شي، فالله يؤتى الحق من يشاء وإن كان ضعيفا، ويحرمه من يشاء وإن كان قويا غنيا، ولست بطارد المؤمنين لهواكم، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا. وليس هذا بترخيص وتخيير بين الايمان والكفر، وإنما هو وعيد وتهديد. أي إن كفرتم فقد أعد لكم النار، وإن آمنتم فلكم الجنة. قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنا} أي أعددنا. {لِلظَّالِمِينَ} أي للكافرين الجاحدين. {ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها} قال الجوهري: السرادق واحد السرادقات التي تمد فوق صحن الدار. وكل بيت من كرسف فهو سرادق. قال رؤبة:
يا حكم بن المنذر بن الجارود ** سرادق المجد عليك ممدود

يقال: بيت مسردق.
وقال سلامة بن جندل يذكر أبرويز وقتله النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة:
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه ** صدور الفيول بعد بيت مسردق

وقال ابن الاعرابي: {سُرادِقُها} سورها. وعن ابن عباس: حائط من نار. الكلبي: عنق تخرج من النار فتحيط بالكفار كالحظيرة. القتبي: السرادق الحجزة التي تكون حول الفسطاط.
وقال ابن عزيز.
وقيل: هو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الذي ذكره الله تعالى في سورة {والمرسلات}. حيث يقول: {انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} وقوله: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} قاله قتادة.
وقيل: إنه البحر المحيط بالدنيا.
وروى يعلى بن أمية قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «البحر هو جهنم- ثم تلا- {نارا أحاط بهم سرادقها}-
ثم قال- والله لا أدخلها أبدا دمت حيا ولا يصيبني منها قطرة»
ذكره الماوردي. وخرج ابن المبارك من حديث أبى سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «لسرادق النار أربع جدر كثف كل جدار مسيرة أربعين سنة». وخرجه أبو عيسى الترمذي، وقال فيه: حديث حسن صحيح غريب. قلت: وهذا يدل على أن السرادق ما يعلو الكفار من دخان أو نار، وجدره ما وصف. قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} قال ابن عباس: المهل ماء غليظ مثل دردي الزيت. مجاهد: القيح والدم. الضحاك: ماء أسود، وإن جهنم لسوداء، وماؤها أسود وشجرها أسود وأهلها سود.
وقال أبو عبيدة: هو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديد ورصاص ونحاس وقصدير، فتموج بالغليان، فذلك المهل. ونحوه عن ابن مسعود قال سعيد بن جبير: هو الذي قد انتهى حره. وقال: المهل ضرب من القطران، يقال: مهلت البعير فهو ممهول. وفيل: هو السم. والمعنى في هذه الأقوال متقارب. وفى الترمذي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {كَالْمُهْلِ} قال: «كعكر الزيت فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه» قال أبو عيسى: هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد ورشدين قد تكلم فيه من قبل حفظه. وخرج عن أبى أمامة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ} قال: «يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه إذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره. يقول الله تعالى: {وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} يقول: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً}» قال: حديث غريب. قلت: وهذا يدل على صحة تلك الأقوال، وأنها مرادة، والله اعلم. وكذلك نص عليها أهل اللغة. في الصحاح {المهل} النحاس المذاب. ابن الاعرابي: المهل لمذاب من الرصاص.
وقال أبو عمرو. المهل دردي الزيت. والمهل أيضا القيح والصديد. وفى حديث أبى بكر: ادفنوني في ثوبي هذين فإنهما للمهل والتراب. {مُرْتَفَقاً} قال مجاهد: معناه مجتمعا، كأنه ذهب إلى معنى المرافقة. ابن عباس: منزلا. عطاء: مقرا. وقيل مهادا.
وقال القتبي: مجلسا، والمعنى متقارب، وأصله من المتكأ، يقال منه: ارتفقت أي اتكأت على المرفق. قال الشاعر:
قالت له وارتفقت ألا فتى ** يسوق بالقوم غزالات الضحا

ويقال: ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه لا يأتيه نوم. قال أبو ذؤيب الهذلي:
نام الخلى وبت الليل مرتفقا ** كأن عيني فيها الصاب مدبوح

الصاب: عصارة شجر مر.

.تفسير الآيات (30- 31):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)}
لما ذكر ما أعد للكافرين من الهوان ذكر أيضا ما للمؤمنين من الثواب. وفى الكلام إضمار، أي نضيع أجر من أحسن منهم عملا، فأما من أحسن عملا من غير المؤمنين فعمله محبط. {عَمَلًا} نصب على التمييز، وإن شئت بإيقاع {أَحْسَنَ} عليه.
وقيل: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} كلام معترض، والخبر قوله: {أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} و{جَنَّاتُ عَدْنٍ} سرة الجنة، أي وسطها وسائر الجنات محدقة بها وذكرت بلفظ الجمع لسعتها، لان كل بقعة منها تصلح أن تكون جنة وقيل: العدن الإقامة، يقال: عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنت الإبل بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه، ومنه {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أي جنات إقامة ومنه سمى المعدن بكسر الدال، لان الناس يقيمون فيه بالصيف والشتاء ومركز كل شيء معدنه والعادن: الناقة المقيمة في المراعى. وعدن بلد، قاله الجوهري. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ} تقدم في غير موضع. {يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} وهو جمع سوار. قال سعيد بن جبير: على كل واحد منهم ثلاثة أسورة: واحد من ذهب، وواحد من ورق، وواحد من لؤلؤ. قلت: هذا منصوص في القرآن، قال هنا {مِنْ ذَهَبٍ} وقال في الحج وفاطر {مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} وفى الإنسان {مِنْ فِضَّةٍ}.
وقال أبو هريرة: سمعت خليلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» خرجه مسلم. وحكى الفراء: {يُحَلَّوْنَ} بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام خفيفة، يقال: حليت المرأة تحلى فهي حالية إذا لبست الحلي. وحلى الشيء بعيني يحلى، ذكره النحاس. والسوار سوار المرأة، والجمع أسورة، وجمع الجمع أساورة. وقرى {فلولا ألقى عليه أساورة من ذهب}: وقد يكون الجمع أساور.
وقال الله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} قاله الجوهري.
وقال ابن عزيز: أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار وسوار، وهو الذي يلبس في الذراع من ذهب، فإن كان من فضة فهو قلب وجمعه قلبة، فإن كان من قرن أو عاج فهي مسكة وجمعه مسك. قال النحاس: وحكى قطرب في واحد الأساور إسوار، وقطرب صاحب شذوذ، قد تركه يعقوب وغيره فلم يذكره.
قلت: قد جاء في الصحاح وقال أبو عمرو بن العلاء: واحدها إسوار.
وقال المفسرون: لما كانت الملفى الدنيا الأساور. والتيجان جعل الله تعالى ذلك لأهل الجنة. قوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} السندس: الرفيق النحيف، واحده سندسة، قال الكسائي. والإستبرق: ما ثخن منه- عن عكرمة- وهو الحرير. قال الشاعر:
تراهن يلبسن المشاعر مرة ** وإستبرق الديباج طورا لباسها

فالاستبرق الديباج. ابن بحر: المنسوج بالذهب. القتبي: فارسي معرب. الجوهري: وتصغيره أبيرق.
وقيل: هو استفعل من البريق. والصحيح أنه وفاق بين اللغتين، إذ ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب، على ما تقدم، والله اعلم. وخص الأخضر بالذكر لأنه الموافق للبصر، لان البياض يبدد النظر ويؤلم، والسواد يذم، والخضرة بين البياض والسواد، وذلك يجمع الشعاع. والله اعلم. روى النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص فال: بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن ثياب الجنة، أخلق يخلق أم نسج ينسج؟ فضحك بعض القوم. فقال لهم: «مم تضحكون من جاهل يسأل عالما»؟ فجلس يسيرا أو قليلا فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أين السائل عن ثياب الجنة؟ فقال: ها هو ذا يا رسول الله، قال لا بل تشقق عنها ثمر الجنة قالها ثلاثا».
وقال أبو هريرة: دار المؤمن درة مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل ويأخذ بإصبعه أو قال بإصبعيه سبعين حلة منظمة بالدر والمرجان. ذكره يحيى بن سلام في تفسيره وابن المبارك في رقائقه. وقد ذكرنا إسناده في كتاب التذكرة. وذكر في الحديث أنه يكون على كل واحد منهم الحلة لها وجهان لكل وجه لون، يتكلمان به بصوت يستحسنه سامعه، يقول أحد الوجهين للآخر: أنا أكرم على ولى الله منك، أنا ألى جسده وأنت لا تلى. ويقول الآخر: أنا أكرم على ولى الله منك، أنا أبصر وجهه وأنت لا تبصر.
قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ} {الْأَرائِكِ} جمع أريكة، وهى السرر في الحجال. وقيل الفرش في الحجال، قاله الزجاج. ابن عباس: هي الأسرة من ذهب، وهى مكللة بالدر والياقوت عليها الحجال، الأريكة ما بين صنعاء إلى أيلة وما بين عدن إلى الجابية. واصل متكئين موتكئين، وكذلك اتكأ أصله أو تكأ، واصل التكأة وكأة، ومنه التوكؤ للتحامل على الشيء، فقلبت الواو تاء وأدغمت. ورجل وكأة كثير الاتكاء. {نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} يعني الجنات، عكس {وَساءَتْ مُرْتَفَقاً}. وقد تقدم. ولو كان {نعمت} لجاز لأنه اسم للجنة. وعلى هذا {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً}.
وروى البراء ابن عازب أن أعرابيا قام إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقف بعرفات على ناقته العضباء فقال: إنى رجل مسلم فأخبرني عن هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} الآية، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما أنت منهم ببعيد ولا هم ببعيد منك هم هؤلاء الاربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى فأعلم قومك أن هذه الآية نزلت فيهم» ذكره الماوردي، وأسنده النحاس في كتاب معاني القرآن، قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن سهل قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا يحيى بن الضريس عن زهير بن معاوية عن أبن إسحاق عن البراء بن عازب قال: قام أعرابي...، فذكره. وأسنده السهيلي في كتاب الاعلام. وقد روينا جميع ذلك بالإجارة، والحمد لله.