فصل: تفسير الآية رقم (49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (46- 47):

{وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (47)}
فيه مسألتان: الأولى: اختلف العلماء في قوله تعالى: {وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ} فقال مجاهد: هي محكمة فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله عز وجل، والتنبيه على حججه وآياته، رجاء إجابتهم إلى الايمان، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة. وقوله على هذا: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} معناه ظلموكم، وإلا فكلهم ظلمة على الإطلاق.
وقيل: المعنى لا تجادلوا من آمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل الكتاب المؤمنين كعبد الله بن سلام ومن آمن معه. {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أوائلهم وغير ذلك. وقوله على هذا التأويل: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} يريد به من بقي على كفره منهم، كمن كفر وغدر من قريظة والنضير وغيرهم. والآية على هذا أيضا محكمة.
وقيل: هذه الآية منسوخة بآية القتال قوله تعالى: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. قال قتادة: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي جعلوا لله ولدا، وقالوا: {يد الله مغلولة} و{إن الله فقير} فهؤلاء المشركون الذين نصبوا الحرب ولم يؤدوا الجزية فانتصروا منهم. قال النحاس وغيره: من قال هي منسوخة أحتج بأن الآية مكية، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض، ولا طلب جزية، ولا غير ذلك. وقول مجاهد حسن، لان أحكام الله عز وجل لا يقال فيها إنها منسوخة إلا بخبر يقطع العذر، أو حجة من معقول. واختار هذا القول ابن العربي.
قال مجاهد وسعيد بن جبير: وقوله: {إلا الذين ظلموا منهم} معناه إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب فجدالهم بالسيف حتى يؤمنوا، أو يعطوا الجزية.
الثانية: قوله تعالى: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} روى البخاري عن أبي هريرة: قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية، لأهل الإسلام، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}.
وروى عبد الله بن مسعود أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق وإما أن تصدقوا بباطل».
وفي البخاري: عن حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ} الضمير في {قَبْلِهِ} عائد إلى الكتاب وهو القرآن المنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي وما كنت يا محمد تقرأ قبله، ولا تختلف إلى أهل الكتاب، بل أنزلناه إليك في غاية الاعجاز والتضمين للغيوب وغير ذلك، فلو كنت ممن يقرأ كتابا، ويخط حروفا {لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ} أي من أهل الكتاب، وكان لهم في ارتيابهم متعلق، وقالوا الذي نجده في كتبنا أنه أمي لا يكتب ولا يقرأ وليس به قال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية، قال النحاس: دليلا على نبوته لقريش، لأنه لا يقرأ ولا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب ولم يكن بمكة أهل الكتاب فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم وزالت الريبة والشك.
الثانية: ذكر النقاش في تفسير هذه الآية عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كتب. وأسند أيضا حديث أبي كشة السلولي، مضمنة: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ صحيفة لعيينة بن حصن، وأخبر بمعناها. قال ابن عطية: وهذا كله ضعيف، وقول الباجي رحمه الله منه. قلت: وقع في صحيح مسلم من حديث البراء في صلح الحديبية أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: «أكتب الشرط بيننا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله» فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله تابعناك- وفي رواية بايعناك- ولكن أكتب محمد بن عبد الله فأمر عليا أن يمحوها، فقال علي: والله لا أمحاه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أرني مكانها» فأراه فمحاها وكتب ابن عبد الله. قال علماؤنا رضي الله عنهم: وظاهر هذا أنه عليه السلام محا تلك الكلمة التي هي رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده، وكتب مكانها ابن عبد الله. وقد رواه البخاري بأظهر من هذا. فقال: فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكتاب فكتب. وزاد في طريق أخرى: ولا يحسن أن يكتب. فقال جماعة: بجواز هذا الظاهر عليه وأنه كتب بيده، منهم السمناني وأبو ذر والباجي، ورأوا أن ذلك غير قادح في كونه أميا، ولا معارض بقوله: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ولا بقوله: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» بل رأوه زيادة في معجزاته، واستظهارا على صدقه وصحة رسالته وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة، ولا تعاط لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها ابن عبد الله لمن قراها، فكان ذلك خارقا للعادة، كما أنه عليه السلام علم علم الأولين والآخرين من غير تعلم ولا اكتساب، فكان ذلك أبلغ في معجزاته، وأعظم في فضائله. لا يزول عنه اسم الأمي بذلك، ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: ولا يحسن أن يكتب. فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال كتب. قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر: وقد أنكر هذا كثير من متفقهة الأندلس وغيرهم وشددوا النكير فيه، ونسبوا قائله إلى الكفر، وذلك دليل على عدم العلوم النظرية، وعدم التوقف في تكفير المسلمين، ولم يتفطنوا، لان تكفير المسلم كقتله على ما جاء عنه عليه السلام في الصحيح، لا سيما رمي من شهد له أهل العصر بالعلم والفضل والامامة، على أن المسألة ليست قطعية، بل مستندها ظواهر أخبار أحاد صحيحة، غير أن العقل لا يحيلها. وليس في الشريعة قاطع يحيل وقوعها. قلت: وقال بعض المتأخرين من قال هي آية خارقة، فيقال له: كانت تكون آية لا تنكر لولا أنها مناقضة لآية أخرى وهي كونه أميا لا يكتب، وبكونه أميا في أمة أمية قامت الحجة، وأفحم الجاحدون، وانحسمت الشبهة، فكيف يطلق الله تعالى يده فيكتب وتكون آية. وإنما الآية ألا يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا. وإنما معنى كتب واخذ القلم، أي أمر من يكتب به من كتابه، وكان من كتبة الوحي بين يديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة وعشرون كاتبا.
الثالثة: ذكر القاضي عياض عن معاوية أنه كان يكتب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: «ألق الدواة وحرف القلم واقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم» قال القاضي: وهذا وإن لم تصح الرواية أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب فلا يبعد أن يرزق علم هذا، ويمنع القراءة والكتابة. قلت: هذا هو الصحيح في الباب أنه ما كتب ولا حرفا واحدا، وإنما أمر من يكتب، وكذلك ما قرأ ولا تهجى. فإن قيل: فقد تهجى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ذكر الدجال فقال: «مكتوب بين عينيه ك اف ر» وقلتم إن المعجزة قائمة في كونه أميا، قال الله تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ} الآية وقال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» فكيف هذا؟ فالجواب ما نص عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث حذيفة، والحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضا. ففي حديث حذيفة: «يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» فقد نص في ذلك على غير الكتاب ممن يكون أميا. وهذا من أوضح ما يكون جليا.

.تفسير الآية رقم (49):

{بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (49)}
قوله تعالى: {بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ} يعني القرآن. قال الحسن: وزعم الفراء في قراءة عبد الله {بل هي آيات بينات} المعنى بل آيات القران آيات بينات. قال الحسن: ومثله {هذا بَصائِرُ} ولو كانت هذه لجاز، نظيره {هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} قال الحسن: أعطيت هذه الامة الحفظ، وكان من قبلها لا يقرءون كتابهم إلا نظرا، فإذا أطبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيون. فقال كعب في صفة هذه الامة: إنهم حكماء علماء وهم في الفقه أنبياء. {فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي ليس هذا القرآن كما يقوله المبطلون من أنه سحر أو شعر، ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه. وهي كذلك في صدور الذين أوتوا العلم، وهم أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنون به، يحفظونه ويقرءونه. ووصفهم بالعلم، لأنهم ميزوا بأفهامهم بين كلام الله وكلام البشر والشياطين.
وقال قتادة وابن عباس: {بَلْ هُوَ} يعني محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} من أهل الكتاب يجدونه مكتوبا عندهم في كتبهم بهذه الصفة أميا لا يقرأ، ولا يكتب، ولكنهم ظلموا أنفسهم وكتموا. وهذا اختيار الطبري. ودليل هذا القول قراءة ابن مسعود وابن السميقع: {بل هذا آيات بينات} وكان عليه السلام آيات لا آية واحدة، لأنه دل على أشياء كثيرة من أمر الدين، فلهذا قال: {بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ}.
وقيل: بل هو ذو آيات بينات، فحذف المضاف. {وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ} أي الكفار، لأنهم جحدوا نبوته وما جاء به.

.تفسير الآيات (50- 52):

{وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52)}
قوله تعالى: {وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ} هذا قول المشركين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعناه هلا أنزل عليه آية كآيات الأنبياء. قيل: كما جاء صالح بالناقة، وموسى بالعصا، وعيسى بإحياء الموتى، أي {قُلْ} لهم يا محمد: {إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ} فهو يأتي بها كما يريد، إذا شاء أرسلها وليست عندي {وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}. وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: {آية} بالتوحيد. وجمع الباقون. وهو اختيار أبي عبيد، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ}. قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ} هذا جواب لقولهم {لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ} أي أو لم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله، أو بسورة منه فعجزوا، ولوا أتيتهم بآيات موسى وعيسى لقالوا: سحر ونحن لا نعرف السحر، والكلام مقدور، لهم ومع ذلك عجزوا عن المعارضة.
وقيل: إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيي بن جعدة قال: أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتف فيه كتاب فقال: «كفى بقوم ضلالة وأن يرغبون عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم» فأنزل الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ} أخرجه أبو محمد الدارمي في مسنده. وذكره أهل التفسير في كتبهم.
وفي مثل هذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر رضي الله عنه: «لو كان موسى بن عمران حيا لما وسعه إلا اتباعي» وفي مثله قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» أي يستغني به عن غيره. وهذا تأويل البخاري رحمه الله في الآية. وإذا كان لقاء ربه بكل حرف عشر حسنات فأكثر على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب فالرغبة عنه إلى غيره ضلال وخسران وغبن ونقصان. {إِنَّ فِي ذلِكَ} أي في القرآن {لَرَحْمَةً} في الدنيا والآخرة.
وقيل: رحمة في الدنيا باستنقاذهم من الضلالة. {وَذِكْرى} في الدنيا بإرشادهم به إلى الحق {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. قوله تعالى: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أي قل للمكذبين لك كفى بالله شهيدا يشهد لي بالصدق فيما أدعيه من أنى رسوله، وأن هذا القرآن كتابه. {يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي لا يخفى عليه شي. وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم، لأنهم قد أقروا بعلمه فلزمهم أن يقروا بشهادته. {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ} قال يحيى بن سلام: بإبليس.
وقيل: بعبادة الأوثان والأصنام، قاله ابن شجرة. {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} أي لتكذيبهم برسله، وجحدهم لكتابه.
وقيل: بما أشركوا به من الأوثان، وأضافوا إليه من الأولاد والأضداد. {أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} أنفسهم وأعمالهم في الآخرة.