فصل: تفسير الآيات (1- 16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (15- 26):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} قال: عصى وفي قوله: {فأراه الآية الكبرى} قال: عصاه ويده، وفي قوله: {ثم أدبر يسعى} قال: يعمل بالفساد، وفي قوله: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} قال: الأولى ما علمت لكم من إله غيري، والآخرة قوله: أنا ربكم الأعلى.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {فأراه الآية الكبرى} قال: عصاه ويده، وفي قوله: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} قال: صابته عقوبة الدنيا والآخرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن مثله.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن صخر بن جويرية قال: لما بعث الله موسى إلى فرعون قال: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} إلى قوله: {وأهديك إلى ربك فتخشى} ولن يفعله، فقال موسى: يا رب كيف أذهب إليه وقد علمت أنه لا يفعل، فأوحى الله إليه أن امض إلى ما أمرت به فإن في السماء اثني عشر ألف ملك يطلبون علم القدر، فلم يبلغوه، ولم يدركوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {هل لك إلى أن تزكى} قال: هل لك إلى أن تقول لا إله إلا الله.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {هل لك إلى أن تزكى} قال: إلى أن تقول لا إله إلا الله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {هل لك إلى أن تزكى} قال: إلى أن تخلص، وفي قوله: {ثم أدبر يسعى} قال: ليس بالشد يعمل بالفساد والمعاصي.
وأخرج ابن المنذر عن الربيع في قوله: {ثم أدبر يسعى} قال: أدبر عن الحق وسعى يجمع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: قال موسى: يا فرعون هل لك في أن أعطيك شبابك لا تهرم، وملكك لا ينزع منك، وترد إليك لذة المناكح والمشارب والركوب، وإذا مت دخلت الجنة وتؤمن بي فوقعت في نفسه هذه الكلمات وهي اللينات، قال: كما أنت حتى يأتي هامان، فلما جاء هامان أخبره فعجزه هامان، وقال تصير تعبد إذا كنت رباً تُعْبَدُ فذلك حين خرج عليهم فقال لقومه وجمعهم {أنا ربكم الأعلى}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} قال: بقوله: {أنا ربكم الأعلى} والأولى قوله: ما علمت.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة والضحاك مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} قال: هما كلمتاه الأولى {ما علمت لكم من إله غيري} [ القصص: 38] والأخرى {أنا ربكم الأعلى} وكان بينهما أربعون سنة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبدالله بن عمرو قال: بين كلمتيه أربعون سنة.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن خيثمة قال: كان بين قول فرعون {ما علمت لكم من إله غيري} وقوله: {أنا ربكم الأعلى} أربعون سنة.

.تفسير الآيات (27- 46):

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {رفع سمكها} قال: بناها {وأغطش ليلها} قال: أظلم ليلها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {رفع سمكها} قال: رفع بنيانها بغير عمد {وأغطش ليلها} قال: أظلم ليلها {وأخرج ضحاها} قال: ابرزه {والأرض بعد ذلك دحاها} قال: بسطها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {رفع سمكها} قال: رفع بنيانها {وأغطش ليلها} قال: أظلم ليلها {وأخرج ضحاها} قال: نور ضوئها {والأرض بعد ذلك دحاها} قال: بسطها {والجبال أرساها} قال: أثبتها بها أن تميد بأهلها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وأغطش ليلها} قال: العشاء {وأخرج ضحاها} قال: الشمس.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {وأغطش ليلها} قال: أظلم ليلها {وأخرج ضحاها} قال: أخرج نهارها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {والأرض بعد ذلك دحاها} قال: مع ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجلاً قال له: آيتان في كتاب الله تخالف إحداهما الأخرى فقال: إنما أتيت من قبل رأيك اقرأ {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} [ فصلت: 9] حتى بلغ {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} [ فصّلت: 41] وقوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} قال: خلق الأرض قبل أن يخلق السماء ثم خلق السماء ثم دحا بعد ما خلق السماء، وإنما قوله: دحاها بسطها.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم النخعي {والأرض بعد ذلك دحاها} قال: دحيت من مكة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {أخرج منها ماءها} قال: فجر منها الأنهار {ومرعاها} قال: ما خلق الله من نبات أو شيء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في {دحاها} قال: دحيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشقق فيها الأنهار، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام وما بينهما في يومين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {متاعاً لكم} قال: منفعة.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: بلغني أن الأرض دحيت دحياً من تحت الكعبة.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن عليّ قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما قضى صلاته رفع رأسه فقال: تبارك رافعها ومدبرهاثم رمى ببصره إلى الأرض فقال: تبارك داحيها وخالقها».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فإذا جاءت الطامة الكبرى} قال: الطامة من أسماء يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن القاسم بن الوليد الهمذاني في قوله: {فإذا جاءت الطامة الكبرى} قال: إذا سيق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمرو بن قيس الكندي {فإذا جاءت الطامة الكبرى} قال: إذا قيل اذهبوا به إلى النار.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وبرزت الجحيم لمن يرى} قال: لمن ينظر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فإذا جاءت الطامة} قال: إذا دفعوا إلى مالك خازن النار وفي قوله: {فأما من طغى} قال: عصى، وفي قوله: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} قال: حينها {فيم أنت من ذكراها} قال: الساعة.
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة فنزلت {فيم أنت من ذكراها}.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: إن مشركي أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: متى تقوم الساعة استهزاء منهم، فنزلت {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} يعني متى مجيئها {فيم أنت من ذكراها} ما أنت من علمها يا محمد {إلى ربك منتهاها} يعني منتهى علمها {إنما أنت منذر من يخشاها} يعني من يخشى القيامة {كأنهم يوم يرونها} يعني يرون القيامة {لم يلبثوا} في الدنيا ولم ينعموا بشيء من نعيمها {إلا عشية} ما بين الظهر إلى غروب الشمس {أو ضحاها} ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار.
وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى أنزل عليه {فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} فلم يسأل عنها.
وأخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عروة مرسلاً.
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن طارق بن شهاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت {فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} فكف عنها.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: «كانت الأعراب إذا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة فينظر إلى أحدث إنسان فيهم فيقول: إن يعش هذا قرناً قامت عليكم ساعتكم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما يدخل الجنة من يرجوها، وإنما يجتنب النار من يخشاها، وإنما يرحم الله من يرحم».
وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير في قوله: {إلى ربك منتهاها} قال: علمها، وفي قوله: {إلا عشية} قال: من الدنيا {أو ضحاها} قال: العشية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {كأنهم يوم يرونها} الآية قال: تدق الدنيا في أنفس القوم حين عاينوا أمر الآخرة.

.سورة عبس:

.تفسير الآيات (1- 16):

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}
وأخرج ابن الضريس عن أبي وائل: «أن وفد بني أسد أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو الزينة أحلاس الخيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم بنو رشدة فقال الحضرمي بن عامر: والله لا نكون كبني المحوسلة، وهم بنو عبدالله بن غطفان كان يقال لهم بنو عبد العزى بن غطفان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: هل تقرأ من القرآن شيئاً؟ قال: نعم، فقال: اقرأه فقرأ من {عبس وتولى} ما شاء الله أن يقرأ، ثم قال: وهو الذي منَّ على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى بين شراسيف وحشا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تزد فيها فإنها كافية».
وأخرج ابن النجار عن أنس قال: «استأذن العلاء بن يزيد الحضرمي على النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له فتحدثا طويلاً ثم قال له: يا علاء تحسن من القرآن شيئاً؟ قال: نعم، ثم قرأ عليه عبس حتى ختمها فانتهى إلى آخرها وزاد في آخرها من عنده: وهو الذي أخرج من الحبلى نسمة تسعى من بين شراسيف وحشا فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم: يا علاء إنته فقد انتهت السورة» والله أعلم.
أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: أنزل سورة عبس وتولى في ابن أم مكتوم والأعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، ويقبل على الآخر، ويقول أترى بما أقول بأساً فيقول لا، ففي هذا أنزلت.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس من ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة فيقول لهم أليس حسناً أن جئت بكذا وكذا؟ فيقولون: بلى والله، فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله فأعرض عنه، فأنزل الله: {أما من استغنى فأنت له تصدى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى} يعني ابن أم مكتوم».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى عن أنس قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبيّ بن خلف، فأعرض عنه، فأنزل الله: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبا جهل بن هشام، وكان يتصدى لهم كثيراً، ويحرص أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبدالله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبدالله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن. قال يا رسول الله: علمني مما علمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه، وتولى، وكره كلامه، وأقبل على الآخرين. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه، وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله ببعض بصره ثم خفق برأسه ثم أنزل الله: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} فلما نزل فيه ما نزل أكرمه نبي الله وكلمه يقول له: ما حاجتك؟ هل تريد من شيء؟».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك في قوله: {عبس وتولى} قال: جاءه عبدالله بن أم مكتوم فعبس في وجهه وتولى، وكان يتصدى لأمية بن خلف، فقال الله: {أما من استغنى فأنت له تصدى}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم قال: ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية متصدياً لغني ولا معرضاً عن فقير.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي كتم هذا عن نفسه.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة قال: «أقبل ابن أم مكتوم الأعمى وهو الذي نزل فيه {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} فقال يا رسول الله كما ترى قد كبرت سني ورق عظمي وذهب بصري ولي قائد لا يلائمني قياده إياي فهل تجد لي من رخصة أصلي الصلوات الخمس في بيتي؟ قال هل تسمع المؤذن؟ قال: نعم، قال: ما أجد لك من رخصة».
وأخرج ابن مردويه عن كعب بن عجرة: «إن الأعمى الذي أنزل الله فيه {عبس وتولى} أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أني أسمع النداء ولعلي لا أجد قائداً، فقال: إذا سمعت النداء فأجب داعي الله».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أن جاءه الأعمى} قال: رجل من بين فهر اسمه عبدالله بن أم مكتوم {أما من استغنى} عتبة بن ربيعة وأميه بن خلف.
وأخرج ابن سعد وابن المنذر عن الضحاك في قوله: {عبس وتولى} قال: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلاً من أشراف قريش فدعاه إلى الإِسلام، فأتاه عبدالله بن أم مكتوم، فجعل يسأله عن أشياء من أمر الإِسلام، فعبس في وجهه، فعاتبه الله في ذلك، فلما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم فأكرمه، واستخلفه على المدينة مرتين.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه في شعب الإِيمان عن مسروق قال: دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل، فقلت: من هذا يا أم المؤمنين؟ فقالت: هذا ابن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم قالت: أتى نبي الله وعنده عتبة وشيبة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما فنزلت {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} ابن أم مكتوم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مستخلياً بصنديد من صناديد قريش وهو يدعوه إلى الله وهو يرجو أن يسلم إذا أقبل عبدالله بن أم مكتوم الأعمى، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كره مجيئه، وقال في نفسه: يقول هذا القرشي إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد، فعبس فنزل الوحي {عبس وتولى} إلى آخر الآية.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة} قال: هي عند الله {بأيدي سفرة} قال: هي القرآن.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {بأيدي سفرة} قال: كتبة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب بن منبه {بأيدي سفرة كرام بررة} قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: السفرة الكتبة من الملائكة.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {بأيدي سفرة} قال: كتبة.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن عطاء بن أبي رباح مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس {سفرة} قال: بالنبطية القراء.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {كرام بررة} قال: الملائكة.
وأخرج أحمد والأئمة الستة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه، وهو عليه شاق له أجران» والله أعلم.