فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (56):

{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} قال: بعدما أصلحها الأنبياء وأصحابهم.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر بن عياش. أنه سئل عن قوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} فقال: إن الله بعث محمداً إلى أهل الأرض وهم في فساد فأصلحهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الأرض.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان في قوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} قال: أحللت حلالي، وحرمت حرامي، وحددت حدودي، فلا تعتدوها.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {وادعوه خوفاً وطمعاً} قال: خوفاً منه، وطمعاً لما عنده {إن رحمة الله قريب من المحسنين} يعني من المؤمنين، ومن لم يؤمن بالله فهو من المفسدين.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مطر الوراق قال: تنجزوا موعود الله بطاعة الله، فإنه قضى إن رحمته قريب من المحسنين.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)}
أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {وهو الذي يرسل الرياح} على الجماع {بشراً} خفيفة بالباء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان فيخرجه من ثَمَّ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {بشراً بين يدي رحمته} قال: يستبشر بها الناس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله اليماني أنه كان يقرأها {بشراً} من قبل مبشرات.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {بين يدي رحمته} قال: هو المطر. وفي قوله: {كذلك نخرج الموتى} قال: وكذلك تخرجون، كذلك النشور كما يخرج الزرع بالماء.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وكذلك نخرج الموتى} قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى تمطر السماء حتى تشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح فيهوي كل روح إلى جسده، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كاحيائه الأرض.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والبلد الطيب...} الآية. قال: هذا مثل ضربه الله للمؤمن يقول: هو طيب وعمله طيب، كما أن البلد الطيب ثمرها طيب، والذي خبث ضرب مثلاً للكافر كالبلد السبخة المالحة التي لا يخرج منها البركة، والكافر هو الخبيث وعمله خبيث.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {والبلد الطيب... والذي خبث} قال: كل ذلك في الأرض السباخ وغيرها، مثل آدم وذريته فيهم طيب وخبيث.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {والبلد الطيب} قال: هذا مثل المؤمن سمع كتاب الله فوعاه وأخذ به، وعمل به، وانتفع به، كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت {والذي خبث} قال: هذا مثل الكافر لم يعقل القرآن، ولم يعمل به، ولم يأخذ به، ولم ينتفع به، فهو كمثل الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئاً ولم تمرع.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال: هذا مثل ضربه للقلوب يقول: ينزل الماء فيخرج البلد الطيب نباته بإذن الله {والذي خبث} هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكداً، فكذلك القلوب لما نزل القرآن بقلب المؤمن آمن به وثبت الإِيمان في قلبه، وقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه، ولم يثبت فيه من الإِيمان شيء إلا ما لا ينفعه، كما لم يخرج هذا البلد إلا ما لم ينفع من النبات والنكد: الشيء القليل الذي لا ينفع.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {والبلد الطيب يخرج نباته} بنصب الياء ورفع الراء.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {والبلد الطيب...} الآية. قال الطيب ينفعه المطر فينبت {والذي خبث} السباخ لا ينفعه المطر {لا يخرج نباته إلا نكداً} هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم، إنما خلقوا من نفس واحدة فمنهم من آمن بالله وكتابه فطاب، ومنهم من كفر بالله وكتابه فخبث.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {والبلد الطيب} الآية. قال: هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضاً فكانت منها بقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به».

.تفسير الآية رقم (59):

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول نبي أرسل نوح».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال: إنما سمي نوح عليه السلام نوحاً لطول ما ناح على نفسه.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: إنما سمي نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن مقاتل وجويبر. أن آدم حين كبر ورقَّ عظمه قال: يا رب إلى متى أكد وأسعى؟ قال: يا آدم حتى يولد لك ولد مختون. فولد له نوح بعد عشرة أبطن، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاماً، فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس، وهو اخنوخ بن يرد بن مهلايبل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، وكان اسم نوح السكن، وإنما سمي نوح السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه فهو أبوهم، وإنما سمي نوحاً لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسن عاماً يدعوهم إلى الله، فإذا كفروا بكى وناح عليهم.
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: كان بين نوح وآدم عشرة آباء، وكان بين إبراهيم ونوح عشرة آباء.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق.
وأخرج ابن عساكر عن نوف الشامي قال: خمسة من الأنبياء من العرب: محمد، ونوح، وهود، وصالح، وشعيب، عليهم الصلاة والسلام.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس. أن نوحاً بعث في الألف الثاني، وأن آدم لم يمت حتى ولد له نوح في آخر الألف الأول، وكان قد فشت فيهم المعاصي، وكثرت الجبابرة، وعتوا عتوّاً كبيراً، وكان نوح يدعوهم ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، صبوراً حليماً ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح، فكانوا يدخولن عليه فيخنقونه ويضرب في المجالس ويطرد، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم، ويقول: يا رب اغفر لقومي فانهم لا يعلمون، فكان لا يزيدهم ذلك إلا فراراً منه، حتى إنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه ويجعل أصابعه في أذنيه لكيلا يسمع شيئاً من كلامه، فذلك قوله الله {جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم} [ نوح: 7] ثم قاموا من المجلس فاسرعوا المشي، وقالوا: امضوا فإنه كذاب. واشتد عليه البلاء، وكان ينتظر القرن بعد القرن، والجيل بعد الجيل، فلا يأتي قرن إلا وهو أخبث من الأول وأعتى من الأول، ويقول الرجل منهم: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا، فلم يزل هكذا مجنوناً، وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده: احذروا هذا المجنون فإنه قد حدثني آبائي: إن هلاك الناس على يدي هذا.
فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم، حتى إن كان الرجل ليحمل ولده على عاتقه، ثم يقف به وعليه فيقول: يا بني ان عشت ومت أنا فاحذروا هذا الشيخ، فلما طال ذلك به وبهم {قالوا: يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [ هود: 32].
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة. أن نوحاً بعث من الجزيرة، وهوداً من أرض الشحر أرض مهرة، وصالحاً من الحجر، ولوطاً من سدوم، وشعيباً من مدين، ومات إبراهيم وآدم وإسحق ويوسف بأرض فلسطين، وقتل يحيى بن زكريا بدمشق.
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: كانوا يضربون نوحاً حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم وابن عساكر من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير قال: إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه، ثم يفيق فيقول: اهد قومي فإنهم لا يعلمون، وقال شقيق: قال عبد الله: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم «وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يحكي نبياً من الأنبياء وهو يقول: اللهمَّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون».
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبيد بن عمير الليثي. نحوه.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان قوم نوح يخنقونه حتى تترقى عيناه، فإذا تركوه قال: اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم جهلة.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن ماجة عن ابن مسعود قال: «كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء قد ضربه قومه وهو يمسح الدم عن جبينه ويقول: اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي مهاجر الرقي قال: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً في بيت من شعر، فيقال له: يا نبي الله ابن بيتا. فيقول: أموت اليوم أموت غداً.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن وهيب بن الورد قال: بنى نوح بيتاً من قصب فقيل له: لو بنيت غير هذا؟ فقال: هذا كثير لمن يموت.
وأخرج ابن أبي الدنيا والعقيلي وابن عساكر والديلمي عن عائشة مرفوعاً: «نوح كبير الأنبياء، لم يخرج من خلاء فقط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني طعمه وأبقى في منفعته، وأخرج مني أذاه.
وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن مسعود قال: بعث الله نوحاً فما أهلك أمته إلا الزنادقة، ثم نبي فنبي والله لا يهلك هذه الأمة إلا الزنادقة»
.
وأخرج أبو الشيخ عن سعد بن حسن قال: كان قوم نوح عليه السلام يزرعون في الشهر مرتين، وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: ما عذب قوم نوح، حتى ما كان في الأرض سهل ولا جبل إلا له عامر يعمره وحائز يحوزه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم. أن أهل السهل كان قد ضاق بهم وأهل الجبل، حتى ما يقدر أهل السهل أن يرتقوا إلى الجبل ولا أهل الجبل أن ينزلوا إلى أهل السهل في زمان نوح. قال: حسوا.
وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن وهب بن منبه قال: كان نوح أجمل أهل زمانه، وكان يلبس البرقع، فاصابتهم مجاعة في السفينة، فكان نوح إذا تجلى بوجهه لهم شبعوا.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن ابن عباس قال: «لما حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي عسفان فقال: لقد مر بهذا الوادي هود وصالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف، أُزُرُهُمْ العباء وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمرو «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر».
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والبزار والحاكم وابن مردويه والبيهقي والصفات عن عبد الله بن عمرو «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن نوحاً لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصر عليك الوصية، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعن في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء وأنهاك عن الشرك الأكبر».
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمكم ما علم نوح ابنه؟ قالو: بلى، قال: آمرك أن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فإن السموات لو كانت في كفة لرجحت بها، ولو كانت حلقة قصمتها، وآمرك بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق».