فصل: تفسير الآيات (2- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (2- 3):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}
أخرج البخاري وابن المنذر والطبراني عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية. قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه.
وأخرجه الترمذي من طريق ابن أبي مليكة قال: حدثني عبد الله بن الزبير به.
وأخرج ابن جرير والطبراني من طريق ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أن الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه، فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله. فتكلما عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت الا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه.
وأخرج البزار وابن عدي والحاكم وابن مردويه عن أبي بكر الصديق قال: لما نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} قلت يا رسول الله: والله لا أكلمك إلا كأخي السرار.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال: لما نزلت {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله} قال أبو بكر: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كانوا يجهرون له بالكلام ويرفعون أصواتهم، فأنزل الله: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله: {ولا تجهروا له بالقول} الآية قال: لا تنادوه نداء ولكن قولوا قولاً ليناً يا رسول الله.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو يعلى والبغوي في معجم الصحابة وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال: «لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} إلى قوله: {وأنتم لا تشعرون} وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حبط عملي أنا من أهل النار، وجلس في بيته حزيناً ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: فقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول، حبط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك فقال: لا بل هو من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة قتل».
وأخرج ابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: «لما نزلت هذه الآية {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول} قعد ثابت رضي الله عنه في الطريق يبكي فمرّ به عاصم بن عدي بن العجلان فقال: ما يبكيك يا ثابت؟ قال: هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيَّ وأنا صيّت رفيع الصوت، فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال: اذهب فأدعه لي فجاء فقال: ما يبكيك يا ثابت؟ فقال: أنا صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ قال: رضيت ولا أرفع صوتي أبداً على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأنزل الله تعالى {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله}» الآية.
وأخرج ابن حبان والطبراني وأبو نعيم في المعرفة عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري «أن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله: لقد خشيت أن أكون قد هلكت. قال: لمَ؟ قال: يمنع الله المرء أن يحمد بما لم يفعل وأجدني أحب الحمد، وينهى عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال، وينهى أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا جهير الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟» قال الحافظ ابن حجر في الأطراف: هكذا أخرجه ابن حبان بهذا السياق وليس فيه ما يدل على أن إسماعيل سمعه من ثابت، فهو منقطع، ورواه مالك رضي الله عنه في الموطأ عن ابن شهاب عن إسماعيل عن ثابت أنه قال فذكره ولم يذكره من رواة الموطأ أحد إلا سعيد بن عفير وحده وقال: قال مالك: قتل ثابت بن قيس يوم اليمامة. قال ابن حجر رضي الله عنه: فلم يدركه إسماعيل، فهو منقطع قطعاً، انتهى.
وأخرج ابن جرير عن شمر بن عطية رضي الله عنه قال: جاء ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال: «يا ثابت ما الذي أرى بك؟» قال: آية قرأتها الليلة فأخشى أن يكون قد حبط عملي {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} وكان في أذنه صمم، فقال: أخشى أن أكون قد رفعت صوتي وجهرت لك بالقول، وأن أكون قد حبط عملي وأنا لا أشعر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امشِ على الأرض نشيطاً فإنك من أهل الجنة».
وأخرج البغوي وابن قانع في معجم الصحابة عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن ثابت بن قيس بن شماس قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} قعدت في بيتي، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «تعيش حميداً وتقتل شهيداً». فقتل يوم اليمامة.
وأخرج البغوي وابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه والخطيب في المتفق والمفترق عن عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة فلقيت رجلاً من الأنصار. قلت: حدثني حديث ثابت بن قيس بن شماس. قال: قم معي فانطلقت معه حتى دخلت على امرأة، فقال الرجل: هذه ابنة ثابت بن قيس بن شماس فاسألها عما بدا لك. فقلت: حدثيني. قالت: سمعت أبي يقول: لما أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية دخل بيته وأغلق عليه بابه وطفق يبكي، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما شأن ثابت؟ فقالوا: يا رسول الله ما ندري ما شأنه غير أنه قد أغلق عليه باب بيته فهو يبكي فيه. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله: ما شأنك؟ قال: يا رسول الله: أنزل الله عليك هذه الآية، وأنا شديد الصوت فأخاف أن أكون قد حبط عملي. فقال: لست منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير. قالت: ثم أنزل الله على نبيه {إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور}، فأغلق عليه بابه وطفق يبكي فيه فافتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ثابت ما شأنه؟ قالوا: يا رسول الله، والله ما ندري ما شأنه غير أنه قد أغلق عليه بابه وطفق يبكي فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شأنك؟ قال: يا رسول الله: أنزل الله عليك {إن الله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ} والله إني لأحب الجمال وأحب أن أسود قومي، قال: لست منهم بل تعيش حميداً وتقتل شهيداً ويدخلك الله الجنة بسلام. قالت: فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب فلما لقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انكشفوا فقال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفر كل منهما لنفسه حفرة، وحمل عليهم القوم، فثبتا حتى قتلا وكانت على ثابت يومئذ درع له نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينا رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت بن قيس في منامه فقال له: إني أوصيك بوصية إياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى العسكر وعند خبائه فرس يستن في طوله وقد كفا على الدرع برمة وجعل فوق البرمة رحلاً فائتِ خالد بن الوليد فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمت على خليفة رسول الله فأخبره أن عليَّ من الدين كذا وكذا ولي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق، وفلان فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه.
فأتى الرجل خالد بن الوليد فأخبره، فبعث إلى الدرع فنظر إلى خباء في أقصى العسكر فإذا عنده فرس يستن في طوله فنظر في الخباء فإذا ليس فيه أحد فدخلوا فدفعوا الرجل فإذا تحته برمة ثم رفعوا البرمة فإذا الدرع تحتها، فأتوا به خالد بن الوليد. فلما قدموا المدينة حدّث الرجل أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته بعد موته، ولا يعلم أحد من المسلمين جوّزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس بن شماس.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية، قال: نزلت في قيس بن شماس.
وأخرج الترمذي وابن حبان وابن مردويه عن صفوان بن عسال رضي الله عنه أن رجلاً من أهل البادية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يناديه بصوت له جهوري: يا محمد يا محمد، فقلنا: ويحك أخفض من صوتك فإنك قد نهيت عن هذا، قال: لا والله حتى أسمعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هاؤم»، قال: أرأيت رجلاً يحب قوماً ولم يلحق بهم، قال: «المرء مع من أحب».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما أنزل الله: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منهم ثابت بن قيس بن شماس».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {امتحن} قال: أخلص.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: أخلص الله قلوبهم فيما أحب.
وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال: كتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم}.
وأخرج الحكيم الترمذي عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نفس ابن آدم شابة ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا من امتحن الله قلبه للتقوى وقليل ما هم».
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن أبي الدرداء قال: لا تزال نفس أحدكم شابة من حب الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا الذين امتحن الله قلوبهم وقليل ما هم.

.تفسير الآيات (4- 5):

{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}
أخرج أحمد وابن جرير وأبو القاسم البغوي وابن مردويه والطبراني بسند صحيح من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أخرج إلينا، فلم يجبه، فقال: يا محمد إن حمدي زين، وإن ذمي شين. فقال: «ذاك الله»، فأنزل الله: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} قال ابن منيع: لا أعلم روي للأقرع سند غير هذا.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب في قوله: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} قال: جاء رجل فقال: يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذاك الله».
وأخرج ابن راهويه ومسدد وأبو يعلى والطبراني وابن جرير وابن أبي حاتم بسند حسن عن زيد بن أرقم قال: اجتمع ناس من العرب فقالوا: انطلقوا إلى هذا الرجل فإن يك نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يك ملكاً نعش بجناحه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا فجاؤوا إلى حجرته، فجعلوا ينادونه: يا محمد فأنزل الله: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني، وجعل يقول: لقد صدق الله قولك يا زيد، لقد صدق الله قولك.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن مدحي زين وإن شتمي شين، فقال صلى الله عليه وسلم: «ذاك هو الله» فنزلت {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: أخبرت عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أن تميماً ورجلاً من بني أسد بن خزيمة إستبّا فقال الأسدي: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} أعراب بني تميم فقال سعيد رضي الله عنه: لو كان التميمي فقيهاً إن أولها في بني تميم وآخرها في بني أسد.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن حبيب بن أبي عمرة قال: كان بيني وبين رجل من بني أسد كلام، فقال الأسدي {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} بني تميم {أكثرهم لا يعقلون} فذكرت ذلك لسعيد بن جبير قال: أفلا تقول لبني أسد قال الله: {يمنون عليك أن أسلموا} فإن العرب لم تسلم حتى قوتلت، ونحن أسلمنا بغير قتال فأنزل الله هذا فيهم.
وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: قال رجل من بني أسد لرجل من بني تميم وتلا هذه الآية {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم} بني تميم {لا يعقلون} فلما قام التميمي وذهب قال سعيد بن جبير: أما إن التميمي لو يعلم ما أنزل في بني أسد لتكلم، قلنا: ما أنزل فيهم؟ قال: جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا قد أسلمنا طائعين، وإن لنا حقاً فأنزل الله: {يمنون عليك أن أسلموا} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} قال: أعراب من بني تميم.
وأخرج ابن منده وابن مردويه من طريق يعلى بن الأشدق عن سعد بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} قال: «هم الجفاة من بني تميم لولا أنهم من أشد الناس قتالاً للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم».
وأخرج ابن إسحاق وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد بني تميم وهم سبعون رجلاً أو ثمانون رجلاً منهم الزبرقان بن بدر وعطارد بن معبد وقيس بن عاصم وقيس بن الحارث وعمرو بن أهتم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق معهم عيينة بن حصن بن بدر الفزاري وكان يكون في كل سدة حتى أتوا منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوه من وراء الحجرات بصوت جافٍ يا محمد أخرج إلينا يا محمد أخرج إلينا يا محمد أخرج إلينا، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد إن مدحنا زين وإن شتمنا شين، نحن أكرم العرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبتم بل مدحة الله الزين وشتمه الشين وأكرم منكم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» فقالوا: إنا أتيناك لنفاخرك، فذكره بطوله وقال في آخره: فقام التميميون، فقالوا: والله إن هذا الرجل لمصنوع له، لقد قام خطيبه فكان أخطب من خطيبنا، وقال شاعره فكان أشعر من شاعرنا قال: ففيهم أنزل الله: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} من بني تميم {أكثرهم لا يعقلون} قال: هذا كان في القراءة الأولى {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم}.
وأخرج ابن سعد والبخاري في الأدب وابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن رضي الله عنه قال: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأتناول سقفها بيدي.
وأخرج البخاري في الأدب وابن أبي الدنيا والبيهقي عن داود بن قيس قال: رأيت الحجرات من جريد النخل مغشى من خارج بمسوح الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحواً من ستة أو سبعة أذرع واحزر البيت الداخل عشرة أذرع، وأظن سمكه بين الثمان والسبع.
وأخرج ابن سعد عن عطاء الخراساني قال: أدركت حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ يأمر بإدخال حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوماً أكثر باكياً من ذلك اليوم، فسمعت سعيد بن المسيب رضي الله عنه يقول يومئذ: والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناس من أهل المدينة ويقدم القادم من أهل الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله في حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر فيها، وقال يومئذ أبو أمامة بن سهل بن حنيف: ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويرون ما رضي الله لنبيه ومفاتيح خزائن الدنيا بيده.