فصل: التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


*2*17 -  سورة الإسراء مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة

*3*  مقدمة سورة الإسراء

بسم الله الرحمن الرحيم

أخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت سورة بني إسرائيل بمكة‏.‏

وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه، عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم‏:‏ أنهن من العتاق الأول وهن من تلادي‏.‏

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وابن مردويه، عن عائشة قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمر الشيباني قال‏:‏ صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ بسورتين، الآخرة منهما بنو إسرائيل‏.‏

*3* التفسير

 الآية 1 - 8

أخرج ابن جرير عن حذيفة أنه قرأ ‏"‏سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الرحام إلى المسجد الأقصى‏"‏‏.‏

وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سبحان الذي أسرى بعبده ليلا‏}‏ قال‏:‏ ‏{‏سبحان‏}‏ تنزيه الله تعالى ‏{‏الذي أسرى‏}‏ بمحمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏من المسجد الحرام‏}‏ إلى بيت المقدس، ثم رده إلى المسجد الحرام‏.‏ قال‏:‏ وهل تعرف العرب ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول‏:‏

قلت له لما علا فخره * سبحان من علقمة الفاخر‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من طريق ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه‏.‏‏.‏‏.‏ فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن فقال جبريل‏:‏ اخترت الفطرة‏.‏ ثم عرج بنا إلى سماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير‏.‏

ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل فقيل‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة، عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا، فرحبا بي ودعوا إلي بخير‏.‏

ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير‏.‏

ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير‏.‏

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير‏.‏

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بموسى، فرحب بي ودعا لي بخير‏.‏

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح، فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها فيها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إلي ما أوحى وفرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال‏:‏ ما فرض ربك على أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ خمسين صلاة‏.‏ قال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم‏.‏ فرجعت إلى ربي فقلت‏:‏ يا رب، خفف عن أمتي‏.‏ فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت‏:‏ حط عني خمسا، فقال‏:‏ إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‏.‏ قال‏:‏ فلم أزل أرجع بين ربي وموسى حتى قال‏:‏ يا محمد، إنهن خمس صلوات لكل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة‏.‏ فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقلت‏:‏ قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه‏"‏‏.‏

وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن مردويه من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ليلة برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم‏:‏ أيهم هو‏؟‏ فقال أوسطهم‏:‏ هو خيرهم‏.‏ فقال أحدهم‏:‏ خذوا‏.‏ فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوصعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قالوا‏:‏ مرحبا به وأهلا‏.‏ ووجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل‏:‏ هذا أبوك آدم فسلمه عليه، فسلم عليه ورد عليه آدم وقال‏:‏ مرحبا وأهلا بابني‏.‏‏.‏‏.‏ نعم الابن أنت‏.‏ فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال‏:‏ ما هذان النهرين يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ هذا النيل والفرات عنصرهما‏.‏ ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر‏.‏ قال‏:‏ ما هذا يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك‏.‏

ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد، قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قالوا‏:‏ مرحبا به وأهلا‏.‏

ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية‏.‏

ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة ولم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى‏:‏ رب لم أظن أن ترفع علي أحدا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما يوحي إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال‏:‏ يا محمد، ماذا عهد إليك ربك‏؟‏ قال‏:‏ عهد إلي، خمسين صلاة كل يوم وليلة‏.‏ قال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع ذلك، ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم‏.‏ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يستشيره فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه‏:‏ يا رب، خفف عنا‏.‏‏.‏‏.‏، فإن أمتي لا تستطيع ذلك‏.‏ فوضع عنه عشرات صلوات‏.‏ ثم رجع إلى موسى واحتبسه، قلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال‏:‏ يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارنا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك‏.‏ يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال‏:‏ يا رب، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفف عنا‏.‏ فقال الجبار‏:‏ يا محمد، قال‏:‏ لبيك وسعديك‏.‏ قال‏:‏ إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب، وكل حسنة بعشر أمثالها‏.‏ فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك‏.‏ فرجع إلى موسى فقال‏:‏ كيف فعلت‏؟‏ فقال‏:‏ خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها‏.‏ فقال موسى‏:‏ قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه‏.‏ قال‏:‏ فاهبط بسم الله‏.‏ واستيقظ وهو في المسجد الحرام‏"‏‏.‏

وأخرج النسائي وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أتيت ليلة أسرى بي بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها‏.‏‏.‏‏.‏ كانت تسخر للأنبياء قبلي، فركبته معي جبريل فسرت، فقال‏:‏ أنزل فصل‏.‏ ففعلت‏.‏‏.‏‏.‏ فقال‏:‏ أتدري أين صليت‏؟‏ صليت بطيبة وإليها المهاجر إن شاء الله‏.‏ ثم قال‏:‏ أنزل فصل‏.‏ ففعلت فقال‏:‏ أتدري أين صليت‏؟‏ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى، ثم قال‏:‏ أنزل فصل‏.‏ فصليت فقال أتدري أين صليت‏؟‏ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى‏.‏ ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدمني جبريل فصليت بهم‏.‏

ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها آدم فقال لي‏:‏ سلم عليه فقال‏:‏ مرحبا بابني والنبي الصالح‏.‏

ثم صعد بي إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف‏.‏ ثم صعد بي إلى السماء الرابعة، فإذا فيها هارون‏.‏ ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فإذا فيها إدريس‏.‏ ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها موسى، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا فيها إبراهيم، ثم صعد بي إلى فوق السبع سموات، وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة‏.‏‏.‏‏.‏ فخررت ساجدا، فقيل لي‏:‏ إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك، فمررت على إبراهيم فلم يسألني شيئا، ثم مررت على موسى فقال لي‏:‏ كم فرض عليك وعلى أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ خمسين صلاة‏.‏ قال‏:‏ إنك لن تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فاسأل ربك التخفيف‏.‏ فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجدا‏.‏‏.‏‏.‏ فقلت‏:‏ يا رب، فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي‏.‏‏.‏‏.‏ فخفف عني عشرا‏.‏ فمررت على موسى فسألني فقلت‏:‏ خفف عني عشرا‏.‏ قال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فخفف عني عشرا ثم عشرا حتى قال‏:‏ هن خمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك‏.‏ فعلمت أنها من الله صرى‏.‏ فمررت على موسى فقال لي‏:‏ كم فرض عليك‏؟‏ فقلت‏:‏ خمس صلوات، فقال‏:‏ فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما، فقلت‏:‏ إنها من الله فلم أرجع‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن يزيد بن أبي مالك، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏لما كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاه جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل‏.‏ حمله جبريل عليها ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها‏.‏

فلما بلغ بيت المقدس أتى إلى الحجر الذي ثمة، فغمزه جبريل عليه السلام بأصبعه فثقبه، ثم ربطها ثم صعد‏.‏‏.‏‏.‏

فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل‏:‏ يا محمد، هل سألت ربك أن يريك الحور العين‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فانطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن، وهن جلوس عن يسار الصخرة‏.‏ فأتيتهن فسلمت عليهن فرددن علي السلام، فقلت‏:‏ من أنتن‏؟‏ فقلن‏:‏ خيرات حسان‏.‏‏.‏‏.‏ نساء قوم أبرار نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا‏.‏

ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة، فقمنا صفوفنا فانتظرنا من يؤمنا، فأخذ جبريل بيدي فقدمني‏.‏‏.‏‏.‏ فصليت بهم، فلما انصرفت قال جبريل‏:‏ يا محمد، أتدري من صلى خلفك‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ صلى خلفك كل نبي بعثه الله‏.‏

ثم أخذ بيدي فصعد بي إلى السماء، فلما انتهينا إلى الباب استفتح، قالوا‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قالوا‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ففتحوا له وقالوا‏:‏ مرحبا بك وبمن معك‏.‏ فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم‏.‏ فقال لي جبريل‏:‏ ألا تسلم على أبيك آدم‏؟‏ قلت‏:‏ بلى‏.‏‏.‏‏.‏ فأتيته فسلمت عليه، فرد علي وقال لي‏:‏ مرحبا بابني والنبي الصالح‏.‏

ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها عيسى ويحيى‏.‏

ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها يوسف‏.‏

ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح، قالوا له مثل ذلك، فإذا فيها إدريس‏.‏

ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها هارون‏.‏

ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها موسى‏.‏

ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها إبراهيم‏.‏

ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد، وعليه طير خضر أنعم طير رأيت‏.‏ فقلت‏:‏ يا جبريل، إن هذا الطير لناعم‏.‏ قال‏:‏ يا محمد، آكله أنعم منه‏.‏ ثم قال‏:‏ أتدري أي نهر هذا‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ الكوثر الذي أعطاك الله إياه، فإذا فيه آنية الذهب والفضة تجري على رضراض من الياقوت والزمرد، ماؤه أشد بياضا من اللبن، فأخذت من آنية فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ الآية 1 - 8‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

ثم انطلق بي حتى انتهى إلى الشجرة، فغشيتني سحابة فيها من كل لون، فرفضني جبريل وخررت ساجدا لله‏.‏ فقال الله لي‏:‏ يا محمد، إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك‏.‏ ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعا، فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئا، ثم أتيت على موسى فقال‏:‏ ما صنعت يا محمد‏؟‏ قلت‏:‏ فرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة‏.‏ قال‏:‏ فلن تستطيعها أنت ولا أمتك‏.‏ فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك‏.‏ فرجعت سريعا حتى انتهيت إلى الشجرة، فغشيتني السحابة وخررت ساجدا وقلت‏:‏ ربي، خفف عنا‏.‏ قال‏:‏ قد وضعت عنكم عشرا‏.‏ ثم انجلت عني السحابة، فرجعت إلى موسى فقلت‏:‏ وضع عني عشرا‏.‏ قال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم‏.‏ فوضع عشرا إلى أن قال‏:‏ هن خمس بخمسين، ثم انحدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل‏:‏ ما لي لم آت على أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي، غير رجل واحد سلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك إلي‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ ذاك مالك خازن النار، لم يضحك منذ خلق ولو ضحك لأحد لضحك إليك‏.‏ قال‏:‏ ثم ركبت منصرفا، فبينما هو في بعض طريقه مر بعير من قريش تحمل طعاما منها جمل عليه غرارتان، غرارة سوداء وغرارة بيضاء، فلما حاذى العير نفرت منه واستدارت وصرع ذلك البعير وانكسر، ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر رضي الله عنه فقالوا‏:‏ يا أبا بكر، هل لك في صاحبك‏؟‏ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ثم رجع من ليلته‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ إن كان قاله فقد صدق، وإنا لنصدقنه فيما هو أبعد من هذا، نصدقه على خبر السماء‏.‏ فقال المشركون لرسول الله ما علامة ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا، فنفرت العير منا واستدارت‏.‏‏.‏‏.‏ وفيها بعير عليه غرارتان‏:‏ غرارة بيضاء، وغرارة سوداء‏.‏ فصرع فانكسر، فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك سمي أبو بكر ‏(‏الصديق‏)‏ وسألوه‏:‏ هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قالوا‏:‏ فصفهما‏.‏ قال‏:‏ أما موسى، فرجل آدم كأنه من رجال أزدعمان‏.‏ وأما عيسى، فرجل ربعة سبط، تعلوه حمرة كأنه يتحادر من لحيته الجمان‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق، فكأنها هزت أذنيها فقال جبريل‏:‏ يا براق، فوالله ما ركبك مثله‏.‏ وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال‏:‏ ما هذه يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ سر يا محمد‏.‏ فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول‏:‏ هلم يا محمد، فقال له جبريل‏:‏ سر يا محمد‏.‏ فسار ما شاء الله أن يسير فلقيه خلق من خلق الله فقالوا‏:‏ السلام عليك يا أول‏.‏‏.‏‏.‏ السلام عليك يا آخر‏.‏‏.‏‏.‏ السلام عليك يا حاشر‏.‏ فقال له جبريل عليه السلام‏:‏ اردد السلام‏.‏ فرد السلام، ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء والخمر واللبن، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن‏.‏ فقال له جبريل عليه السلام‏:‏ أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغوت أمتك، ثم بعث له آدم عليه السلام فمن دونه من الأنبياء، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، ثم قال جبريل‏:‏ أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه، فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه‏.‏ وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه من طريق كثير بن خنيس، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بينما أنا مضطجع في المسجد ليلة نائما، إذ رأيت ثلاثة نفر أقبلوا نحوي، فقال الأول‏:‏ هو‏.‏‏.‏‏.‏ هو‏.‏ قال الأوسط‏:‏ نعم‏.‏ قال الآخر‏:‏ خذوا سيد القوم، فرجعوا عني، ثم رأيتهم الليلة الثانية، فقال الأول‏:‏ هو‏.‏‏.‏‏.‏ هو‏.‏ قال الأوسط‏:‏ نعم‏.‏ قال الآخر‏:‏ خذوا سيد القوم، فرجعوا عني حتى إذا كانت الليلة الثالثة رأيتهم، فقال الأول هو هو‏.‏ وقال الأوسط‏:‏ نعم‏.‏ وقال الآخر‏:‏ خذوا سيد القوم، حتى جاؤوا بي زمزم فاستلقوني على ظهري ثم غسلوا حشوة بطني، ثم قال بعضهم لبعض‏:‏ أنقوا‏.‏ ثم أتى بطست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا، فأفرغ في جوفي‏.‏

ثم عرج بي إلى السماء فاستفتح فقالوا‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قالوا‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قالوا‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ففتح‏.‏‏.‏‏.‏فإذا آدم إذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى‏.‏ قلت‏:‏ يا جبريل، من هذا‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ قال‏:‏ هذا أبوك آدم، إذا نظر على يمينه رأى من في الجنة من ذريته ضحك، وإذا نظر عن يساره رأى من في النار من ذريته بكى‏.‏

ثم قال أنس بن مالك‏:‏ يا ابن أخي إنه يطول علي الحديث‏.‏ ثم عرج بي حتى جاء السماء السادسة فاستفتح‏.‏‏.‏‏.‏ فقال‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قال‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قال‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ففتح فإذا موسى‏.‏

ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح‏.‏‏.‏‏.‏ قيل من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قال‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ففتح فإذا إبراهيم، قال مرحبا بالابن والرسول‏.‏

ثم مضى حتى جاء الجنة فاستفتح فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قال‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ففتح الباب‏.‏ قال‏:‏ فدخلت الجنة فأعطيت الكوثر، فإذا نهر في الجنة عضادتاه بيوت مجوفة من لؤلؤ، ثم مضى حتى جاء سدرة المنتهى ‏(‏فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى‏)‏ ‏(‏النجم، آية 9‏)‏‏.‏

ففرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فرجعت حتى أمر موسى فقال‏:‏ كم فرض عليك وعلى أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ خمسين صلاة‏.‏ قال‏:‏ فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك‏.‏ فرجعت إليه فوضع عني عشرا، فمررت على موسى فقال‏:‏ كم فرض عليك وعلى أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ أربعين صلاة‏.‏ قال‏:‏ فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك‏.‏ فرجعت إليه فوضع عني عشرا، فمررت على موسى فقال‏:‏ كم فرض عليك وعلى أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ ثلاثين صلاة‏.‏ قال‏:‏ فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك‏.‏ فرجعت إليه فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال‏:‏ كم فرض عليك وعلى أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ عشرين صلاة‏.‏ قال‏:‏ فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك‏.‏ فرجعت فوضع عني عشرا، ثم مررت على موسى فقال‏:‏ كم فرض عليك وعلى أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ عشر صلوات‏.‏ قال‏:‏ فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك‏.‏ فرجعت فوضع عني خمسا‏.‏ ثم قال‏:‏ إنه لا يبدل قولي ولا ينسخ كتابي، تخفيفها عنكم كتخفيف خمس صلوات، وإنها لكم كأجر خمسين صلاة‏.‏

فمررت على موسى فقال‏:‏ كم فرض عليك وعلى أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ خمس صلوات‏.‏ قال‏:‏ فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك‏.‏ فإن بني إسرائيل قد أمروا بأيسر من هذا فلم يطيقوه‏.‏ قال‏:‏ لقد رجعت إلى ربي حتى إني لأستحي منه‏"‏‏.‏

وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وصححه، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏قلنا يا رسول الله، كيف أسري بك‏؟‏ فقال‏:‏ صليت بأصحابي العتمة بمكة معتما، فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل وقال‏:‏ اركب، فاستصعبت علي فأدارها بأذنها ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا‏.‏‏.‏‏.‏ يقع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا ذات نخل، فقال‏:‏ أنزل‏.‏ فنزلت فقال‏:‏ صل‏.‏ فصليت، ثم ركبنا فقال‏:‏ أتدري أين صليت‏؟‏ قلت‏:‏ الله أعلم‏.‏ قال‏:‏ صليت بيثرب‏.‏‏.‏‏.‏ صليت بطيبة، ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا فقال‏:‏ أنزل‏.‏ فنزلت‏.‏ فقال‏:‏ صل فصليت، ثم ركبنا فقال‏:‏ أتدري أين صليت‏؟‏ قلت‏:‏ الله أعلم‏.‏ قال‏:‏ صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى، ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصورها، فقال‏:‏ أنزل فنزلت، ثم قال‏:‏ صل فصليت، ثم ركبنا فقال‏:‏ أتدري أين صليت‏؟‏ فقلت‏:‏ الله أعلم‏.‏ فقال‏:‏ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد فربط فيه الدابة، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر عسل، أرسل إلي بهما جمعيا فعدلت بينهما، فهداني الله فأخذت اللبن فشربت حتى فرغت منه، وكان إلى جانبي شيخ يبكي متكئ على منبره فقال‏:‏ أخذ صاحبك الفطرة وإنه لمهدي‏.‏

ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي فقلنا‏:‏ يا رسول الله، كيف وجدتها‏؟‏ قال‏:‏ مثل الحمة السخنة‏.‏

ثم انصرف بي فمررنا بعير قريش بمكان كذا وكذا، وقد أضلوا بعير لهم قد جمعه فلان، فسلمت عليهم فقال بعضهم‏:‏ هذا صوت محمد، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة فأتاني أبو بكر فقال‏:‏ يا رسول الله، أين كنت الليلة‏؟‏ قد التمستك في مكانك‏.‏ فقلت‏:‏ أعلمت أني أتيت بيت المقدس الليلة‏؟‏ فقال‏:‏ يا رسول الله، إنه مسيرة شهر فصفه لي‏.‏ قال‏:‏ ففتح لي صراط كأني أنظر إليه، لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم عنه‏.‏ فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ أشهد أنك رسول الله‏.‏ وقال المشركون‏:‏ انظروا إلى ابن أبي كبشة، زعم أنه أتى بيت المقدس الليلة فقال‏:‏ إن من آية ما أقول لكم‏:‏ أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا وقد أضلوا بعير لهم فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا وكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا ويقدمهم جمل آدم عليه شيخ أسود وغراراتن سوداوان، فلما كان ذلك اليوم أشرف القوم ينظرون حتى كان قريبا من نصف النهار قدمت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن مردويه من طريق قتادة رضي الله عنه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن مالك بن صعصعة حدثه أن رسول الله حدثهم عن ليلة أسري به قال‏:‏ ‏"‏بينما أنا في الحطيم - وربما قال قتادة رضي الله عنه - في الحجر مضطجعا، إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه‏:‏ الأوسط بين الثلاثة، فأتاني فشق ما بين هذه إلى هذه - يعني من ثغر نحره إلى شعرته - فاستخرج قلبي، فأوتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا وحكمة فغسل قلبي بماء زمزم ثم حشى ثم أعيد مكانه‏.‏

ثم أوتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق، يقع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء فاستفتح، فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قيل‏:‏ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا فلما خلصت فإذا فيها آدم فقلت‏:‏ يا جبريل، من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا أبوك آدم عليه السلام، فسلم عليه‏.‏ فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال‏:‏ مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح‏.‏

ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثانية فاستفتح، فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ أو قد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قيل‏:‏ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء‏.‏ ففتح لنا فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة فقلت‏:‏ يا جبريل، من هذان‏؟‏ قال‏:‏ هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت عليهما فردا السلام ثم قالا‏:‏ مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح‏.‏

ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثالثة فاستفتح، فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قيل‏:‏ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء‏.‏ ففتح لنا فلما خلصت إذا يوسف عليه السلام فسلمت عليه فرد السلام ثم قال‏:‏ مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح‏.‏

ثم صعد حتى أتى إلى السماء الرابعة فاستفتح، قيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قيل‏:‏ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء‏.‏ ففتح لنا فلما خلصت إذا إدريس عليه السلام فسلمت عليه فرد السلام ثم قال‏:‏ مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح‏.‏

ثم صعد حتى أتى إلى السماء الخامسة فاستفتح، فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قيل‏:‏ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء‏.‏ فلما خلصت إذا هارون فسلمت عليه فرد السلام ثم قال‏:‏ مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح‏.‏

ثم صعد حتى أتى إلى السماء السادسة فاستفتح، فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قيل‏:‏ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء‏.‏ ففتح لنا فلما خلصت إذا أنا بموسى فسلمت عليه فرد السلام ثم قال‏:‏ مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى‏.‏ قيل له‏:‏ ما يبكيك‏؟‏ قال‏:‏ أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي‏.‏

ثم صعد حتى أتى إلى السماء السابعة فاستفتح، فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قيل‏:‏ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء‏.‏ ففتح لنا فلما خلصت إذا إبراهيم، قلت‏:‏ من هذا يا جبريل قال‏:‏ هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال‏:‏ مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح‏.‏

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا أربعة أنهار يخرجن من أصلها‏:‏ نهران باطنان‏:‏ ونهران ظاهران، فقلت‏:‏ يا جبريل، ما هذه الأنهار‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ فقال‏:‏ أما الباطنان، فنهران في الجنة‏.‏ وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع إلي البيت المعمور قلت‏:‏ يا جبريل، ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه، آخر ما عليهم‏.‏

ثم أتيت بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن، فعرضا علي فقيل‏:‏ خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فقيل لي‏:‏ أصبت الفطرة، أنت عليها وأمتك‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 2‏)‏‏:‏ الآية 1 - 8‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

ثم فرضت علي الصلاة خمسون صلاة كل يوم، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال‏:‏ ما فرض ربك على أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ خمسين صلاة كل يوم‏.‏ قال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع ذلك وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك‏.‏ فرجعت إلى ربي فحط عني خمسا، فأقبلت حتى أتيت على موسى فأنبأته بما حط فقال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك‏.‏ قال‏:‏ فما زلت بين موى وبين ربي يحط عني خمسا خمسا حتى أقبلت بخمس صلوات، فأتيت على موسى فقال‏:‏ بم أمرت‏؟‏ قلت‏:‏ بخمس صلوات كل يوم‏.‏ قال‏:‏ إن أمتك لا يطيقون ذلك‏.‏‏.‏‏.‏ إني بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك‏.‏ فقلت‏:‏ لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحيت، ولكني أرضى وأسلم فنوديت أن يا محمد، إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي الحسنة بعشرة أمثالها‏"‏‏.‏

وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وابن مردويه من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله قال‏:‏ ‏"‏فرج سقف بيني وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج عن صدري ثم غسله بما زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء، فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل عليه السلام لخازن السماء‏:‏ افتح‏.‏ قال‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قال‏:‏ هل معك أحد‏؟‏ قال‏:‏ نعم، معي محمد‏.‏ قال‏:‏ أرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ففتح، فلما علونا السماء الدنيا إذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، فإذا نظر قبل يمينه تبسم وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال‏:‏ مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة‏.‏ والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى، ثم عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها افتح‏.‏ فقال له خازنها مثل ما قال الأول، ففتح‏"‏‏.‏

قال أنس رضي الله عنه‏:‏ فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم، ولم يثبت كيف منازلهم‏.‏

قال ابن شهاب‏:‏ وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام‏"‏‏.‏ قال ابن حزم وأنس‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال‏:‏ ما فرض الله على أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ فرض خمسين صلاة‏.‏ قال‏:‏ فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجعت فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال‏:‏ راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك‏.‏ فراجعت ربي فقال‏:‏ هي خمس وهن خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى فقال‏:‏ ارجع إلى ربك‏.‏ قلت‏:‏ قد استحيت من ربي‏.‏ ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيتها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها مسك‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ حدثنا رسول الله بالمدينة عن ليلة أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى قال‏:‏ ‏"‏بينا أنا نائم عشاء بالمسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني، فاستيقظت فلم أر شيئا وإذا أنا بكهيئة خيال فأتبعه بصري حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة أدنى شبهة بدوابكم هذه بغالكم، غير أن مضطرب الأذنين يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي‏.‏‏.‏ يقع حافره عند مد بصره فركبته فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني‏:‏ يا محمد، انظرني أسألك‏.‏ فلم أجبه، ثم دعاني داع عن شمالي يا محمد، انظرني أسألك فلم أجبه، فبينا أنا سائر إذا بامرأة حاسرة عن ذراعيها وعليها من كل زينة خلقها الله، فقالت‏:‏ يا محمد، أنظرني أسألك‏.‏ فلما ألتفت إليها حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء عليهم السلام توثقها بها، ثم أتاني جبريل عليه السلام بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن فشربت اللبن وتركت الخمر، فقال جبريل‏:‏ أصبت الفطرة، أما أنك لو أخذت الخمر غوت أمتك‏.‏ فقلت‏:‏ الله أكبر‏.‏‏.‏‏.‏ الله أكبر‏.‏‏.‏‏.‏ فقال جبريل‏:‏ ما رأيت في وجهك هذا‏؟‏ قلت‏:‏ بينا أنا اسير إذ دعاني داع عن يميني‏:‏ يا محمد، أنظرني أسألك فلم أجبه‏.‏ قال‏:‏ ذاك داعي اليهود، أما لو أنك لو أجبته لتهودت أمتك‏.‏ قلت‏:‏ وبينا أنا أسير إذ دعاني داع عن يساري‏:‏ يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبه‏.‏ قال‏:‏ ذاك داعي النصارى، أما أنك لو أجبته لتنصرت أمتك، فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة، تقول‏:‏ يا محمد، أنظرني أسألك فلم أجبها‏.‏ قال‏:‏ تلك الدنيا أما أنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة‏.‏

ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم، فلم تر الخلائق أحسن من المعراج‏.‏‏.‏‏!‏ أما رأيت الميت حين رمى بصره طامحا إلى السماء عجبه المعراج‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏

فصعدت أنا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل، وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جنده مائة ألف‏.‏ فاستفتح جبريل باب السماء قيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ قد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته لم يتغير منه شيء، وإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول‏:‏ روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عليين‏.‏ ثم تعرض عليه أرواح ذريته الكفار الفجار فيقول‏:‏ روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين‏.‏ فقلت‏:‏ يا جبريل، من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا أبوك آدم فسلم علي ورحب بي فقال‏:‏ مرحبا بالابن الصالح‏.‏

ثم مصيت هنيهة فإذا أنا بأخونة عليها لحم قد أروح وأنتن، عندها أناس يأكلون منها‏.‏ قلت‏:‏ يا جبريل، من هؤلاء‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام‏.‏ وفي لفظ‏:‏ فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم وإذا حوله جيف، فجعلوا يقبلون على الجيف يأكلون منها ويدعون اللحم، فقلت‏:‏ من هؤلاء يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء الزناة‏.‏‏.‏‏.‏ عمدوا إلى ما حرم الله عليهم وتركوا ما أحل الله لهم، ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بقوم بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خر يقول‏:‏ الله لا تقم الساعة وهم على سابلة آل فرعون، فتجيء السابلة فتطؤهم، فسمعتهم يضجون إلى الله قلت‏:‏ من هؤلاء يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا، لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل قد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم، ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار، ثم يخرج من أسافلهم، فسمعتهم يضجون إلى الله‏.‏ قلت‏:‏ يا جبريل، من هؤلاء‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء من أمتك ‏(‏الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا‏)‏ ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن، ونساء منكسات بأرجلهن، فسمعتهن يضججن إلى الله، قلت يا جبريل من هؤلاء النساء‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن، ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم، ثم يدس في أفواههم، ويقول‏:‏ كلوا مما أكلتم، فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك‏.‏ قلت‏:‏ يا جبريل من هؤلاء‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون الذين يأكلون لحوم الناس‏.‏

ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب‏!‏ قلت‏:‏ يا جبريل، من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي‏.‏

ثم صعدنا إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى ومعهما نفر من قومهما شبيه أحدهما بصاحبه ثيابهما وشعرهما، فسلمت عليهما وسلما علي ورحبا بي‏.‏

ثم صعدنا إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانا عليا، فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي‏.‏

ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها، قلت‏:‏ يا جبريل، من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا المحبب في قومه‏.‏‏.‏‏.‏ هذا هرون بن عمران ومعه نفر كثير من قومه، فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي‏.‏

ثم صعدنا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى رجل آدم كثير الشعر، لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما، وإذا هو يقول‏:‏ يزعم الناس أني أكرم الخلق على الله وهذا أكرم على الله مني، ولو كان وحده لم أبال، ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته‏.‏ قلت‏:‏ يا جبريل، من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا أخوك موسى بن عمران ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي‏.‏

ثم صعدنا إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم، وإذا هو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي وقال‏:‏ مرحبا بالابن الصالح، فقيل لي‏:‏ هذا مكانك ومكان أمتك، ثم تلا ‏(‏إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين‏)‏ ‏(‏آل عمران، آية 68‏)‏ وإذا بأمتي شطرين‏:‏ شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس، وشطر عليهم ثياب رمد‏.‏

ثم دخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض، وحجب الآخرون الذين عليهم ثياب رمد، وهم على خير‏.‏ فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور، ثم خرجت أنا ومن معي قال‏:‏ والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة‏.‏

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا كل ورقة منها تكاد تغطي هذه الأمة، وغذا في أصلها عين تجري يقال لها سلسبيل فيشق منها نهران، فقلت‏:‏ ما هذا يا جبريل‏؟‏ فقال‏:‏ أما هذه، فهو نهر الرحمة، وأما هذا، فهو نهر الكوثر الذي أعطاكه الله‏.‏

فاغتسلت في نهر الرحمة فغفر لي من ذنبي ما تقدم وما تأخر، ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة فإذا فيها ما لا عين رأت وما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإذا أنا بأنهار من ماء غير آسن، وأنها من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى‏.‏ وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقتبة، وإذا فيها طير كأنها البخت‏.‏

قال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ يا رسول الله، إن تلك الطير لناعمة‏؟‏ قال‏:‏ آكلها أنعم منها يا أبا بكر، وإني لأرجو أن تأكل منها‏.‏

قال‏:‏ ورأيت فيها جارية لعساء، فسألتها لمن أنت‏؟‏ فقالت‏:‏ لزيد بن حارثة‏.‏ فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا‏.‏

ثم عرضت علي النار فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته، ولو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها ثم غلقت دوني‏.‏

ثم إني رفعت إلى سدرة المنتهى فتغشاها فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى، ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة، ثم إن الله أمرني بأمره وفرض علي خمسين صلاة وقال‏:‏ لك بكل حسنة عشر، وإذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة فإذا عملتها كتبت لك عشرا، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء، فإن عملتها كتبت عليك سيئة‏.‏

ثم دفعت إلى موسى فقال‏:‏ بم أمرك ربك‏؟‏ قلت‏:‏ بخمسين صلاة‏.‏ قال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك‏.‏ فرجعت إلى ربي فقلت‏:‏ يا رب، خفف عن أمتي فإنها أضعف الأمم‏.‏ فوضع عني عشرا‏.‏‏.‏‏.‏فما زلت أختلف بين موسى وبين ربي حتى جعلها خمسا، فناداني ملك‏:‏ عندها تمت فريضتي وخففت عن عبادي، فأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها‏.‏ ثم رجعت إلى موسى فقال‏:‏ بم أمرت‏؟‏ قلت‏:‏ بخمس صلوات‏:‏ قال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك‏.‏ قلت‏:‏ قد رجعت إلى ربي حتى استحييته‏.‏

ثم أصبح بمكة يخبرهم العجائب‏:‏ إني رأيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء ثم رأيت كذا وكذا، فقال أبو جهل‏:‏ ألا تعجبون مما يقول محمد‏؟‏ قال‏:‏ فأخبرته بعير لقريش لما كانت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا وإنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند العقبة وأخبرتهم بكل رجل، وبعيره كذا ومتاعه كذا‏.‏ فقال رجل‏:‏ أنا أعلم الناس ببيت المقدس‏.‏‏.‏‏.‏ فكيف بناؤه وكيف هيئته وكيف قربه من الجبل‏؟‏ فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس فنظر إليه فقال‏:‏ بناؤه كذا وهيئته كذا وقربه من الجبل كذا‏.‏ فقال‏:‏ صدقت‏"‏‏.‏

وأخرج البزار وابو يعلى وابن جرير ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا من حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير‏}‏ قال‏:‏

جاء جبريل عليه السلام إلى النبي ومعه ميكائيل، فقال جبريل لميكائيل عليهما السلام‏:‏ ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه وأشرح صدره‏.‏ فشق عن بطنه فغسله ثلاث مرات واختلف إليه ميكائيل عليه السلام بثلاث طساس من ماء زمزم، فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة، ثم أتاه بفرس فحمل عليه‏.‏‏.‏‏.‏ كل خطوة منه منتهى بصره‏.‏

فسار وسار معه جبريل، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم‏.‏‏.‏‏.‏ كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا جبريل، ما هذا‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه‏.‏

ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال‏:‏ ما هؤلاء يا جبريل‏؟‏ فقال‏:‏ هؤلاء الذين تثتاقل رؤوسهم عن الصلاة‏.‏

ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع‏.‏‏.‏‏.‏ يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها، قال‏:‏ ما هؤلاء يا جبريل‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله شيئا‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏