فصل: التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


*2*36 -  سورة يس مكية وآياتها ثلاث وثمانون

*3*  مقدمة سورة يس

بسم الله الرحمن الرحيم

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت سورة يس بمكة‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت‏:‏ نزلت سورة يس بمكة‏.‏

وأخرج الدارمي والترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن لكل شيء قلبا، وقلب القلب ‏(‏يس‏)‏ ومن قرأ ‏(‏يس‏)‏ كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات‏"‏‏.‏

وأخرج البزار عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن لكل شيء قلبا، وقلب القرآن ‏(‏يس‏)‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج الدارمي وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من قرأ ‏(‏يس‏)‏ في ليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له تلك الليلة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن حبان عن جندب بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قرأ ‏(‏يس‏)‏ في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له‏"‏‏.‏

وأخرج الدارمي عن الحسن قال‏:‏ من قرأ ‏(‏يس‏)‏ في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له، وقال‏:‏ بلغني أنها تعدل القرآن كله‏.‏

وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة ومحمد بن نصر وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن معقل بن يسار‏.‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يس قلب القرآن، لا يقرأها عبد يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له ما تقدم من ذنبه، فاقرأوها على موتاكم‏"‏‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن حسان بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏سورة ‏(‏يس‏)‏ تدعى في التوراة ‏(‏المعمة‏)‏ تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة، وتكابد عنه بلوى الدنيا والآخرة، وتدفع عنه أهاويل الدنيا والآخرة‏.‏ وتدعى ‏(‏المدافعة القاضية‏)‏ تدفع عن صاحبها كل سوء، وتقضي له كل حاجة‏.‏ من قرأها عدلت له عشرين حجة، ومن سمعها عدلت له ألف دينار في سبيل الله، ومن كتبها ثم شربها أدخلت جوفه ألف دواء، وألف نور، وألف يقين، وألف بركة، وألف رحمة، ونزعت عنه كل غل وداء قال البيهقي تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني عن سليمان بن رفاع الجندي، وهو منكر‏"‏‏.‏

وأخرج الخطيب من حديث أنس‏.‏ مثله‏.‏

وأخرج الخطيب عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من سمع سورة ‏(‏يس‏)‏ عدلت له عشرين دينارا في سبيل الله، ومن قرأها عدلت له عشرين حجة، ومن كتبها وشربها أدخلت جوفه ألف يقين، وألف نور، وألف بركة، وألف رحمة، وألف رزق، ونزعت منه كل غل وداء‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أبي عثمان النهدي قال أبو برزة‏:‏ من قرأ ‏(‏يس‏)‏ مرة فكأنما قرأ القرآن عشر مرات، وقال أبو سعيد‏:‏ من قرأ ‏(‏يس‏)‏ مرة فكأنما قرأ القرآن مرتين قال أبو برزة‏:‏ تحدث أنت بما سمعت، وأحدث أنا بما سمعت‏.‏

وأخرج البزار عن ابن عباس قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي‏"‏ يعني ‏(‏يس‏)‏‏.‏

وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من داوم على قراءة ‏(‏يس‏)‏ كل ليلة ثم مات، مات شهيدا‏"‏‏.‏

وأخرج الدارمي عن عطاء بن أبي رباح قال‏:‏ بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من قرأ ‏(‏يس‏)‏ في صدر النهار، قضيت حوائجه‏"‏‏.‏

وأخرج الدارمي عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏من قرأ يس حين يصبح أعطى يسر يومه حتى يمسي، ومن قرأها في صدر ليله، أعطى يسر ليله حتى يصبح‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما من ميت يقرأ عنده ‏(‏يس‏)‏ إلا هون الله عليه‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ في فضائل القرآن والديلمي من حديث أبي ذر‏.‏ مثله‏.‏

وأخرج ابن سعد وأحمد في مسنده عن صفوان بن عمرو قال‏:‏ كانت المشيخة يقولون‏:‏ إذا قرأت ‏(‏يس‏)‏ عند الميت خفف عنه بها‏.‏

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي قلابة قال‏:‏ من قرأ ‏(‏يس‏)‏ غفر له، ومن قرأها عند طعام خاف قلته كفاه، ومن قرأها عند ميت هون عليه، ومن قرأها عند امرأة عسر عليها ولدها يسر عليها، ومن قرأها فكأنما قرأ القرآن إحدى عشرة مرة، ولكل شيء قلب، وقلب القرآن ‏(‏يس‏)‏ قال البيهقي‏:‏ هكذا نقل إلينا عن أبي قلابة وهو من كبار التابعين، ولا يقول ذلك إن صح عنه إلا بلاغا‏.‏

وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي جعفر محمد بن علي قال‏:‏ من وجد في قلبه قسوة فليكتب ‏(‏يس والقرآن الحكيم‏)‏ في جام من زعفران، ثم يشربه‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور من طريق سماك بن حرب عن رجل من أهل المدينة ‏"‏عمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة‏.‏ فقرأ ‏(‏بقاف والقرآن المجيد‏)‏ ‏(‏سورة ق الآية 1‏)‏ و ‏(‏يس والقرآن الحكيم‏)‏ ‏(‏سورة يس الآية 1‏)‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قرأ ‏(‏يس‏)‏ فكأنما قرأ القرآن عشر مرات‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لكل شيء قلب وقلب القرآن ‏(‏يس‏)‏ ومن قرأ ‏(‏يس‏)‏ فكأنما قرأ القرآن عشر مرات‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة وأنس‏.‏ مثله‏.‏

وأخرج ابن سعد عن عمار بن ياسر‏.‏ أنه كان يقرأ كل يوم جمعة على المنبر ‏(‏يس‏)‏‏.‏

وأخرج محمد بن عثمان وابن أبي شيبة في تاريخه والطبراني وابن عساكر عن خريم بن فاتك قال‏:‏ خرجت في طلب ابل لي، وكنا إذا نزلنا بواد نقول‏:‏ نعوذ بعزيز هذا الوادي، فتوسدت ناقة وقلت‏:‏ أعوذ بعزيز هذا الوادي، فإذا هاتف يهتف بي ويقول‏:‏

ويحك عذ بالله ذي الجلال * منزل الحرام والحلال

ووحد الله ولا تبالي * ما كيد ذا الجن من الأهوال

إذ يذكر الله على الأميال * وفي سهول الأرض والجبال

وصار كيد الجن في سفال * إلا التقى وصالح الأعمال

فقلت له‏:‏

أيها القائل ما تقول * أرشد عندك أم تضليل

فقال‏:‏ هذا رسول الله ذا الخيرات * جاء بياسين وحاميمات

وسور بعد مفصلات * يأمر بالصلاة والزكاة

ويزجر الأقوام عن هنات * فذاك في الأنام نكرات

فقلت له‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ ملك من ملوك الجن، بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جن نجد‏.‏ قلت‏:‏ أما كان لي من يؤدي إبلي هذه إلى أهلي‏.‏ لآتيه حتى أسلم قال‏:‏ فأنا أؤديها، فركبت بعيرا منها، ثم تقدمت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، فلما رآني قال‏:‏ ما فعل الرجل الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك‏؟‏ أما إنه قد أداها سالمة‏.‏

وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن سمرة قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح ب ‏{‏يس‏}‏‏.‏

وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أبي بكر الصديق قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من زار قبر والديه، أو أحدهما في كل جمعة، فقرأ عندها ‏(‏يس‏)‏ غفر الله له بعدد كل حرف منها‏"‏‏.‏

وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة وحسنه عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن في القرآن لسورة تدعى العظيمة عند الله، يدعى صاحبها الشريف عند الله، يشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة ومضر‏.‏ وهي سورة ‏{‏يس‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج الترمذي والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال‏:‏ قال علي بن أبي طالب يا رسول الله إن القرآن ينفلت من صدري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع من علمته‏؟‏ قال‏:‏ نعم بأبي أنت وأمي قال‏:‏ صل ليلة الجمعة أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ‏{‏ويس‏}‏‏.‏ وفي الثانية بفاتحة الكتاب ‏(‏وحم‏)‏ الدخان‏.‏ وفي الثالثة بفاتحة الكتاب ‏(‏وألم تنزيل‏)‏ السجدة‏.‏ وفي الرابعة بفاتحة الكتاب ‏(‏وتبارك‏)‏ المفصل‏.‏ فإذا فرغت من التشهد، فأحمد الله، وأثن عليه، وصل على النبيين، واستغفر للمؤمنين، ثم قل‏:‏ اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني ما لا أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، وأسألك أن تنور بالكتاب بصري، وتطلق به لساني، وتفرج به عن قلبي، وتشرح به صدري، وتستعمل به بدني، وتقويني على ذلك، وتعينني عليه‏.‏ فإنه لا يعينني على الخير غيرك، ولا يوفق له إلا أنت، فافعل ذلك ثلاث جمع، أو خمسا، أو سبعا، تحفظه بإذن الله‏.‏ وما أخطأ مؤمنا قط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد سبع جمع، فأخبره بحفظه القرآن والحديث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مؤمن ورب الكعبة علم أبا حسن علم أبا حسن‏"‏‏.‏

*3* التفسير

 الآيات 1 - 11

أخرج ابن مردويه من طريق ابن عباس قال ‏{‏يس‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي لفظ قال‏:‏ يا محمد‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن محمد بن الحنفية في قوله ‏{‏يس‏}‏ قال‏:‏ يا محمد‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ‏{‏يس‏}‏ قال‏:‏ يا إنسان‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وعكرمة والضحاك‏.‏ مثله‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏يس‏}‏ قال‏:‏ يا إنسان بالحبشية‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أشهب قال‏:‏ سألت مالك بن أنس أينبغي لأحد أن يتسمى بيس‏؟‏ فقال‏:‏ ما أراه ينبغي لقوله ‏{‏يس والقرآن الحكيم‏}‏ يقول‏:‏ هذا اسمي، تسميت به‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله الله ‏{‏يس والقرآن الحكيم‏}‏ قال‏:‏ يقسم الله بما يشاء، ثم نزع بهذه الآية ‏{‏سلام على إل ياسين‏}‏ ‏(‏الصافات 130‏)‏ كأنه يرى أنه سلم على رسوله‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي كثير في قوله ‏{‏يس والقرآن الحكيم‏}‏ قال‏:‏ يقسم بألف عالم ‏{‏إنك لمن المرسلين‏}‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن كعب الأحبار في قوله ‏{‏يس‏}‏ قال‏:‏ هذا قسم، أقسم به ربك قال ‏{‏يا محمد إنك لمن المرسلين‏}‏ قبل أن أخلق الخلق بألفي عام‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{‏يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين‏}‏ قال‏:‏ أقسم كما تسمعون أنه ‏{‏لمن المرسلين على صراط مستقيم‏}‏ أي على الإسلام ‏{‏تنزيل العزيز الرحيم‏}‏ قال‏:‏ هو القرآن ‏{‏لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم‏}‏ قال‏:‏ قريش لم يأت العرب رسول قبل محمد صلى الله عليه وسلم، لم يأتهم ولا آباءهم رسول قبله‏.‏

وأخرج ابن جرير عن عكرمة ‏{‏لتنذر قوما ما أنذر آباءهم‏}‏ قال بعضهم ‏{‏لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم‏}‏ ما أنذر الناس من قبلهم، وقال بعضهم ‏{‏لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم‏}‏ أي هذه الأمة لم يأتهم نذير حتى جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ‏{‏لقد حق القول على أكثرهم‏}‏ قال‏:‏ سبق في علمه‏.‏

وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‏"‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المسجد، فيجهر بالقراءة، حتى تأذى به ناس من قريش، حتى قاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا هم لا يبصرون، فجاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ ننشدك الله والرحم يا محمد، ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم‏.‏ فنزلت ‏{‏يس والقرآن الحكيم‏}‏ إلى قوله ‏{‏أم لم تنذرهم لا يؤمنون‏}‏ قال‏:‏ فلم يؤمن من ذلك النفر أحد‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه قال‏:‏ قال أبو جهل‏:‏ لئن رأيت محمدا لأفعلن‏.‏ ولأفعلن‏.‏‏.‏‏.‏ فنزلت ‏{‏إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا‏}‏ إلى قوله ‏{‏لا يبصرون‏}‏ فكانوا يقولون‏:‏ هذا محمد فيقول‏:‏ أين هو أين هو‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏ لا يبصره‏.‏

وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏وجعلنا من بين أيديهم سدا‏}‏ قال‏:‏ كفار قريش غطاء ‏{‏فأغشيناهم‏}‏ يقول‏:‏ ألبسنا أبصارهم ‏{‏فهم لا يبصرون‏}‏ النبي صلى الله عليه وسلم فيؤذونه، وذلك أن ناسا من بني مخزوم تواطؤا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه‏.‏ منهم أبو جهل، والوليد بن المغيرة‏.‏ فبينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يسمعون قراءته، فأرسلوا إليه الوليد ليقتله، فانطلق حتى أتى المكان الذي يصلي فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فانصرف إليهم، فأعلمهم ذلك، فأتوه فلما انتهوا إلى المكان الذي يصلي فيه، سمعوا قراءته فيذهبون إليه فيسمعون أيضا من خلفهم، فانصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلا‏.‏ فذلك قوله ‏{‏وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏

وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ اجتمع قريش‏.‏ وفيهم أبو جهل على باب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا على بابه‏:‏ إن محمدا يزعم أنكم إن بايعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، وبعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم نار تحرقون فيها، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ حفنة من تراب في يده قال‏:‏ ‏"‏نعم‏.‏ أقول ذلك، وأنت أحدهم، وأخذ الله على أبصارهم فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم، وهو يتلو هذه الآيات ‏{‏يس والقرآن الحكيم‏}‏ إلى قوله ‏{‏فأغشيناهم فهم لا يبصرون‏}‏ حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات، فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه ترابا، فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، وإذا عليه تراب فقالوا‏:‏ لقد كان صدقنا الذي حدثنا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‏{‏الأغلال‏}‏ ما بين الصدر إلى الذقن ‏{‏فهم مقمحون‏}‏ كما تقمح الدابة باللجام‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ ‏{‏إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏مقمحون‏}‏ قال‏:‏ مجموعة أيديهم إلى أعناقهم تحت الذقن‏.‏

وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ‏{‏مقمحون‏}‏ قال المقمح‏:‏ الشامخ بأنفه، المنكس برأسه‏.‏ قال‏:‏ وهل تعرف العرب ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ أما سمعت قول الشاعر‏:‏

ونحن على جوانبها قعود * نغض الطرف كالإبل القماح

وأخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ‏{‏إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا‏}‏ قال‏:‏ البخل‏.‏ أمسك الله أيديهم عن النفقة في سبيل الله ‏{‏فهم لا يبصرون‏}‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{‏إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا‏}‏ قال‏:‏ في بعض القراءآت ‏"‏إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون‏)‏ قال‏:‏ مغلولون عن كل خير‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ‏{‏فهم مقمحون‏}‏ قال‏:‏ رافعوا رؤوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ‏"‏وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا‏"‏ برفع السين فيهما ‏{‏فأغشيناهم‏}‏ بالغين‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ اجتمعت قريش بباب النبي صلى الله عليه وسلم، ينتظرون خروجه ليؤذوه، فشق ذلك عليه، فأتاه جبريل بسورة ‏{‏يس‏}‏ وأمره بالخروج عليهم، فأخذ كفا من تراب، وخرج وهو يقرأوها ويذر التراب على رؤوسهم، فما رأوه حتى جاز، فجعل أحدهم يلمس رأسه، فيجد التراب وجاء بعضهم فقال‏:‏ ما يجلسكم‏؟‏ قالوا‏:‏ ننتظر محمدا فقال‏:‏ لقد رأيته داخلا المسجد قالوا‏:‏ قوموا فقد سحركم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال‏:‏ اجتمعت قريش فبعثوا عتبة بن ربيعة فقالوا‏:‏ ائت هذا الرجل، فقل له إن قومك يقولون‏:‏ إنك جئت بأمر عظيم، ولم يكن عليه آباؤنا، ولا يتبعك عليه أحلامنا، وإنك إنما صنعت هذا أنك ذو حاجة، فإن كنت تريد المال فإن قومك سيجمعون لك ويعطونك، فدع ما تريد وعليك بما كان عليه آباؤك، فانطلق إليه عتبة فقال له‏:‏ الذي أمروه، فلما فرغ من قوله وسكت‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، حم تنزيل من الرحمن الرحيم‏)‏ ‏(‏فصلت 1 - 2‏)‏ فقرأ عليه من أولها حتى بلغ ‏(‏فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود‏)‏ ‏(‏فصلت 13‏)‏ فرجع عتبة فأخبرهم الخبر، فقال‏:‏ لقد كلمني بكلام ما هو بشعر، ولا بسحر، وإنه لكلام عجيب، ما هو بكلام الناس، فوقعوا به، وقالوا نذهب إليه بأجمعنا، فلما أرادوا ذلك، طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعمدهم حتى قام على رؤوسهم، وقال بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏يس والقرآن الحكيم‏}‏ حتى بلغ ‏{‏إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا‏}‏ فضرب الله بأيديهم على أعناقهم، فجعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا، فأخذ ترابا، فجعله على رؤوسهم، ثم انصرف عنهم، ولا يدرون ما صنع بهم، فعجبوا وقالوا‏:‏ ما رأينا أحدا قط أسحر منه أنظروا ما صنع بنا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال‏:‏ ائتمر ناس من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم ليسطوا عليه، فجاؤا يريدون ذلك، فجعل الله ‏{‏من بين أيديهم سدا‏}‏ قال‏:‏ ظلمة ‏{‏ومن خلفهم سدا‏}‏ قال‏:‏ ظلمة ‏{‏فأغشيناهم فهم لا يبصرون‏}‏ قال‏:‏ فلم يبصروا النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال‏:‏ كان ناس من المشركين من قريش يقول بعضهم لبعض‏:‏ لو قد رأيت محمدا لفعلت به كذا وكذا، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم في حلقة في المسجد، فوقف عليهم فقرأ ‏{‏يس والقرآن الحكيم‏}‏ حتى بلغ ‏{‏لا يبصرون‏}‏ ثم أخذ ترابا، فجعل يذره على رؤوسهم، فما يرفع إليه رجل طرفه، ولا يتكلم كلمة، ثم جاوز النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا ينفضون التراب عن رؤوسهم ولحاهم، والله ما سمعنا، والله ما أبصرنا، والله ما عقلنا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا‏}‏ قال‏:‏ عن الحق ‏{‏فهم‏}‏ يترددون ‏{‏فأغشيناهم فهم لا يبصرون‏}‏ هدى، ولا ينتفعون به‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال‏:‏ جعل هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان، فلم يخلصوا إليه‏.‏ وقرأ ‏{‏وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون‏}‏ من منعه الله لا يستطيع‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم النخعي، أنه كان يقرأ ‏"‏من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا‏"‏ بنصب السين‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه قرأ ‏{‏فأغشيناهم‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏إنما تنذر من اتبع الذكر‏}‏ قال‏:‏ اتباع الذكر اتباع القرآن ‏{‏وخشي الرحمن بالغيب‏}‏ قال‏:‏ خشي عذاب الله وناره ‏{‏فبشره بمغفرة وأجر كريم‏}‏ قال‏:‏ الجنة‏.‏

 الآية 12

أخرج عبد الرزاق والترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ كان بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فأنزل الله ‏{‏إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم‏}‏ فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏إنه يكتب آثاركم، ثم قرأ عليهم الآية، فتركوا‏"‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ‏{‏إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم‏}‏ قال‏:‏ الخطا‏.‏

وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ كانت الأنصار منازلهم بعيدة من المسجد، فأرادوا أن ينتقلوا قريبا من المسجد، فنزلت ‏{‏ونكتب ما قدموا وآثارهم‏}‏ فقالوا‏:‏ بل نمكث مكاننا‏.‏

وأخرج مسلم وابن جرير وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ إن بني سلمة أرادوا أن يبيعوا ديارهم، ويتحولوا قريبا من المسجد، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا بني سلمة دياركم نكتب آثاركم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبه وأحمد وابن مردويه عن أنس قال‏:‏ أراد بنو سلمة أن يبيعوا دورهم، ويتحولوا قريب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فكره أن تعرى المدينة فقال ‏"‏يا بني سلمة أما تحبون أن تكتب آثاركم إلى المسجد‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى‏.‏ فأقاموا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس رضي الله عنه في قوله ‏{‏ونكتب ما قدموا وآثارهم‏}‏ قال‏:‏ هذا في الخطو يوم الجمعة‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود وابن ماجة وابن مردويه عن أبي بن كعب قال‏:‏ كان رجل ما يعلم من أهل المدينة ممن يصلي القبلة أبعد منزلا منه من المسجد، فكان يشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء والظلمات، فقال والله ما يسرني أن منزلي بلصق المسجد، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال‏:‏ يا رسول الله كيما يكتب أثري، وخطاي، ورجوعي إلى أهلي، وإقبالي، وإدباري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أعطاك الله ذلك كله، وأعطاك ما احتسبت أجمع‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من حين يخرج أحدكم من منزله إلى منزل رجل يكتب له حسنة، ويحط عنه سيئة‏)‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن مسروق قال‏:‏ ما خطا رجل خطوة إلا كتب الله له حسنة أو سيئة‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا‏"‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه ‏{‏ونكتب ما قدموا‏}‏ قال‏:‏ أعمالهم ‏{‏وآثارهم‏}‏ قال‏:‏ خطاهم بأرجلهم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ لو كان مغفلا شيئا من أثر ابن آدم لأغفل هذا الأثر التي تعفها الرياح، ولكن أحصر على ابن آدم أثره، وعمله كله، حتى أحصي هذا الأثر فيما هو في طاعة الله أو معصيته، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله، فليفعل‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ‏{‏ونكتب ما قدموا وآثارهم‏}‏ قال‏:‏ ما سنوا من سنة، فعملوا بها من بعد موتهم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏{‏نكتب ما قدموا‏}‏ قال‏:‏ ما قدموا من خير ‏{‏وآثارهم‏}‏ قال‏:‏ ما أورثوا من الضلالة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيء‏.‏ ثم تلا هذه الآية ‏{‏ونكتب ما قدموا وآثارهم‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن الضريس في فضائل القرآن وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏{‏وكل شيء أحصيناه في إمام مبين‏}‏ قال‏:‏ أم الكتاب‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{‏وكل شيء أحصيناه في إمام مبين‏}‏ قال‏:‏ كل شيء من إمام عند الله محفوظ، يعني في كتاب‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم رضي الله عنه ‏{‏وكل شيء أحصيناه في إمام مبين‏}‏ قال‏:‏ كتاب‏.‏

 الآيات 13 - 27

أخرج الفريابي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏واضرب لهم مثلا أصحاب القرية‏}‏ قال‏:‏ هي أنطاكية‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن بريدة ‏{‏أصحاب القرية‏}‏ قال‏:‏ أنطاكية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ‏{‏أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون‏}‏ قال‏:‏ أنطاكية‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله ‏{‏أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون‏}‏ قال‏:‏ ذكر لنا أنها قرية من قرى الروم، بعث عيسى بن مريم إليها رجلين، فكذبوهما‏.‏

وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ كان موسى بن عمران عليه السلام بينه وبين عيسى ألف سنة، وتسعمائة سنة ولم يكن بينهما، وإنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل، ثم من أرسل من غيرهم، وكان بين ميلاد عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاثة أنبياء‏.‏ وهو قوله ‏{‏إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث‏}‏ والذي عززبه‏:‏ شمعون‏.‏ وكان من الحواريين، وكانت الفترة التي ليس فيها رسول أربعمائة سنة وأربعة وثلاثين سنة‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{‏إذ أرسلنا إليهم اثنين‏}‏ قال‏:‏ بلغني أن عيسى بن مريم بعث إلى أهل القرية - وهي أنطاكية - رجلين من الحواريين، وأتبعهم بثالث‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله ‏{‏إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث‏}‏ قال‏:‏ لكي تكون عليهم الحجة أشد، فأتوا أهل القرية، فدعوهم إلى الله وحده وعبادته لا شريك له، فكذبوهم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال‏:‏ اسم الرسولين اللذين قالا ‏{‏إذ أرسلنا إليهم اثنين‏}‏ شمعون‏.‏ ويوحنا‏.‏ واسم ‏(‏الثالث‏)‏ بولص‏.‏

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏{‏فعززنا بثالث‏}‏ مخففة‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ‏{‏إذ أرسلنا إليهم اثنين‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ قال‏:‏ اسم الثالث الذي عزز به سمعون بن يوحنا‏.‏ والثالث بولص، فزعموا أن الثلاثة قتلوا جميعا، وجاء حبيب وهو يكتم إيمانه ‏{‏فقال يا قوم اتبعوا المرسلين‏}‏ فلما رأوه أعلن بإيمانه فقال ‏{‏إني آمنت بربكم فاسمعون‏}‏ وكان نجارا ألقوه في بئر، وهي الرس، وهم أصحاب ‏"‏الرس‏"‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{‏قالوا إنا تطيرنا بكم‏}‏ قال‏:‏ يقولون إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم ‏{‏لئن لم تنتهوا لنرجمنكم‏}‏ بالحجارة ‏{‏قالوا طائركم معكم‏}‏ أي أعمالكم معكم ‏{‏أئن ذكرتم‏}‏ يقول‏:‏ أئن ذكرناكم بالله، تطيرتم بنا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله ‏{‏لنرجمنكم‏}‏ قال‏:‏ لنشتمنكم قال والرجم في القرآن كله الشتم وفي قوله ‏{‏طائركم معكم أئن ذكرتم‏}‏ يقول‏:‏ ما كتب عليكم واقع بكم‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏طائركم معكم‏}‏ قال‏:‏ شؤمكم معكم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن يحيي بن وثاب أنه قرأها ‏"‏أئن ذكرتم‏"‏ بالخفض وقرأها زر بن حبيش ‏"‏أن ذكرتم‏"‏ بالنصب‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ‏{‏وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى‏}‏ قال‏:‏ هو حبيب النجار‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد‏.‏ مثله‏.‏

وأخرج ابن جرير عن أبي مجلز قال‏:‏ كان اسم صاحب ‏(‏يس‏)‏ حبيب بن مري‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ اسم صاحب ‏(‏يس‏)‏ حبيب وكان الجذام قد أسرع فيه‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى‏}‏ قال‏:‏ بلغني أنه رجل كان يعبد الله في غار، واسمه حبيب، فسمع بهؤلاء النفر الذين أرسلهم عيسى إلى أهل أنطاكية، فجاءهم فقال‏:‏ تسألون أجرا فقالوا‏:‏ لا، فقال لقومه ‏{‏يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون‏}‏ حتى بلغ ‏{‏فاسمعون‏}‏ قال‏:‏ فرجموه بالحجارة فجعل يقول‏:‏ رب اهد قومي فإنهم لا يعلمون ‏{‏بما غفر لي ربي‏}‏ حتى بلغ ‏{‏إن كانت إلا صيحة واحدة‏}‏ قال‏:‏ فما نوظروا بعد قتلهم إياه حتى أخذتهم ‏{‏صيحة واحدة فإذا هم خامدون‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الحكم في قوله ‏{‏وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى‏}‏ قال‏:‏ بلغنا أنه كان قصارا‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ‏{‏وجاء من أقصى المدينة رجل‏}‏ كان حراثا‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن كعب أن ابن عباس سأله عن أصحاب الرس فقال‏:‏ إنكم معشر العرب تدعون البئر رسا وتدعون القبر رسا فخدوا خدودا في الأرض، وأوقدوا فيها النيران للرسل الذين ذكر الله في ‏{‏يس‏}‏ ‏{‏إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث‏}‏ وكان الله تعالى إذا جمع لعبد النبوة والرسالة منعه من الناس، وكانت الأنبياء تقتل، فلما سمع بذلك رجل من أقصى المدينة، وما يراد بالرسل أقبل يسعى ليدركهم، فيشهدهم على إيمانه، فأقبل على قومه فقال ‏{‏يا قوم اتبعوا المرسلين‏}‏ إلى قوله ‏{‏لفي ضلال مبين‏}‏ ثم أقبل على الرسل فقال ‏{‏إني آمنت بربكم فاسمعون‏}‏ ليشهدهم على إيمانه فأخذ فقذف في النار فقال الله تعالى ‏{‏ادخل الجنة‏}‏ قال ‏{‏يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين‏}‏‏.‏

وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال‏:‏ لما قال صاحب ‏(‏يس‏)‏ ‏{‏يا قوم اتبعوا المرسلين‏}‏ خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال ‏{‏إني آمنت بربكم فاسمعون‏}‏ أي فاشهدوا لي‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏قيل ادخل الجنة‏}‏ قال‏:‏ وجبت له الجنة ‏{‏قال يا ليت قومي يعلمون‏}‏ قال‏:‏ هذا حين رأى الثواب‏.‏

 الآيات 28 - 29

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ‏{‏وما أنزلنا على قومه‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ قال‏:‏ ما استعنت عليهم جندا من السماء ولا من الأرض‏.‏

وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سيرين قال‏:‏ في قراءة ابن مسعود ‏"‏إن كانت إلا رتقة واحدة‏"‏ وفي قراءتنا ‏{‏إن كانت إلا صيحة واحدة‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ‏{‏فإذا هم خامدون‏}‏ قال‏:‏ ميتون‏.‏

وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ السبق ثلاثة‏.‏ فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس‏.‏ والسابق إلى محمد صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب‏.‏

وأخرج ابن عساكر من طريق صدقة القرشي عن رجل قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أبو بكر الصديق خير أهل الأرض إلا أن يكون نبي، وإلا مؤمن آل ياسين، وإلا مؤمن آل فرعون‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عدي وابن عساكر‏:‏ ثلاثة ما كفروا بالله قط‏.‏ مؤمن آل ياسين، وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون‏.‏

وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الصديقون ثلاثة‏.‏ حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل ياسين، وعلي بن أبي طالب‏"‏‏.‏

وأخرج أبو داود وأبو نعيم وابن عساكر والديلمي عن أبي ليلى قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الصديقون ثلاثة‏.‏ حبيب النجار مؤمن آل ياسين، الذي قال ‏{‏يا قوم اتبعوا المرسلين‏}‏ وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال ‏(‏أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله‏)‏ ‏(‏غافر الآية 28‏)‏ وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن عروة قال‏:‏ قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن ليرجع إلى قومه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنهم قاتلوك‏؟‏ قال‏:‏ لو وجدوني نائما ما أيقظوني، فرجع إليهم، فدعاهم إلى الإسلام، فعصوه وأسمعوه من الأذى، فلما طلع الفجر قام على غرفة، فأذن بالصلاة‏.‏ وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتله‏:‏ مثل عروة‏.‏ مثل صاحب يس‏.‏ دعا قومه إلى الله فقتلوه‏)‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه من حديث ابن شعبة موصولا‏.‏ نحوه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد والطبراني عن مقسم عن ابن عباس‏.‏أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عروة بن مسعود إلى الطائف إلى قومه ثقيف، فدعاهم إلى الإسلام، فرماه رجل بسهم فقتله، فقال‏:‏ ‏"‏ما أشبهه بصاحب ‏(‏يس‏)‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر الشعبي قال‏:‏ شبه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أمته قال ‏"‏دحية الكلبي يشبه جبريل وعروة بن مسعود الثقفي يشبه عيسى بن مريم، وعبد العزى يشبه الدجال‏)‏‏.‏

 الآية 30

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏يا حسرة على العباد‏}‏ يقول‏:‏ يا ويلا للعباد‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه قال ‏{‏يا حسرة على العباد‏}‏‏.‏

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ‏{‏يا حسرة على العباد‏}‏ قال‏:‏ كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏يا حسرة على العباد‏}‏ يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضيعت من أمر الله، وفرطت في جنب الله تعالى قال‏:‏ وفي بعض القراءة ‏"‏يا حسرة العباد على أنفسها ما يأتيهم من رسول‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏يا حسرة على العباد‏}‏ قال‏:‏ الندامة على العباد الذين ‏{‏ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن‏}‏ يقول‏:‏ الندامة عليهم إلى يوم القيامة‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏يا حسرة على العباد‏}‏ قال‏:‏ يا حسرة لهم‏.‏

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال‏:‏ في حرف أبي بن كعب ‏"‏يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن‏"‏‏.‏

 الآيات 31 - 34

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون‏}‏ قال‏:‏ عادا، وثمودا، وقرونا بين ذلك كثيرا ‏{‏وإن كل لما جميع لدينا محضرون‏}‏ قال‏:‏ يوم القيامة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هارون عن الأعرج وأبي عمرو في قوله ‏{‏أنهم إليهم لا يرجعون‏}‏ قالا‏:‏ ليس في مدة اختلاف هذا من رجوع الدنيا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي إسحق قال‏:‏ قيل لابن عباس إن ناسا يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة‏.‏ فسكت ساعة ثم قال‏:‏ بئس القوم نحن إن كنا أنكحنا نساءه، واقتسمنا ميراثه، أما تقرأون ‏{‏ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون‏}‏‏.‏

 آية 35

أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس أنه قرأ ‏{‏وما عملته أيديهم‏}‏ قال‏:‏ وجدوه معمولا لم تعمله أيديهم‏.‏ يعني الفرات، ودجلة، ونهر بلخ، وأشباهها ‏{‏أفلا يشكرون‏}‏ لهذا‏.‏ والله أعلم‏.‏