فصل: الآيات (12 - 14)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


 الآية 12 - 14

أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن علي رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فاخلع نعليك‏}‏ قال‏:‏ كانتا من جلد حمار ميت، فقيل له اخعلهما‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن الحسن رضي الله عنه قال‏:‏ ما بال خلع النعلين في الصلاة‏؟‏ إنما أمر موسى بخلع نعليه، إنهما كانتا من جلد حمار ميت‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن كعب رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فاخلع نعليك‏}‏ قال‏:‏ كان نعلا موسى من جلد حمار ميت، فأراد ربك أن يمسه القدس كله‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، الزهري في قوله‏:‏ ‏{‏فاخلع نعليك‏}‏ قال‏:‏ كانتا من جلد حمار أهلي‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه قال‏:‏ كانت نعلا موسى التي قيل له اخعلهما‏:‏ من جلد خنزير‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فاخلع نعليك‏}‏ قال كي تمس راحة قدميك الأرض الطيبة‏.‏

وأخرج الطبراني، عن علقمة، أن ابن مسعود أتى أبا موسى الأشعري منزله، فحضرت الصلاة فقال أبو موسى رضي الله عنه‏:‏ - تقدم يا أبا عبد الرحمن، فإنك أقدم سنا وأعلم‏.‏ قال‏:‏ لا‏.‏ بل تقدم أنت، فإنما أتيناك في منزلك، فتقدم أبو موسى رضي الله عنه فخلع نعليه، فلما صلى قال له ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ - لم خلعت نعليك‏؟‏ أبالواد المقدس أنت‏؟‏ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الخفين والنعلين‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏إنك بالواد المقدس‏}‏ قال‏:‏ المبارك ‏{‏طوى‏}‏ قال‏:‏ اسم الوادي‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله‏:‏ ‏{‏بالواد المقدس‏}‏ قال‏:‏ الطاهر‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏بالواد المقدس‏}‏ قال‏:‏ واد بلفلسطين قدس مرتين‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله‏:‏ ‏{‏بالواد المقدس طوى‏}‏ يعني الأرض المقدسى، وذلك أنه مر بواديها ليلا فطوي‏.‏ يقال‏:‏ طويت وادي كذا وكذا، والطاوي من الليل وارتفع إلى أعلى الوادي، وذلك نبي الله موسى عليه السلام‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏إنك بالواد المقدس‏)‏ قال‏:‏ المبارك‏:‏ ‏{‏طوى‏}‏ قال‏:‏ اسم الوادي‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن مبشر بن عبيد ‏{‏طوى‏}‏ بغير نون واد بإيلة زعم أنه طوي بالبركة مرتين‏.‏

وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏طوى‏}‏ قال‏:‏ طا الوادي‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏طوى‏}‏ قال طا الأرض حافيا كما تدخل الكعبة حافيا‏.‏ يقول‏:‏ من بركة الوادي، هذا قول سعيد بن جبير‏.‏ قال‏:‏ وكان مجاهد رضي الله عنه يقول‏:‏ ‏{‏طوى‏}‏ اسم الوادي‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏بالواد المقدس طوى‏}‏ قال‏:‏ واد قدس مرتين واسمه ‏{‏طوى‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن عاصم أنه قرأ ‏{‏طوى‏}‏ برفع الطاء وبنون فيها‏.‏

وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مكتوب على باب الجنة‏:‏ إنني أنا الله لا إله إلا أنا لا أعذب من قالها‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي في الدلائل، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ خرج عمر متقلدا بالسيف فاقيه رجل من بني زهرة فقال له‏:‏ أين تغدو يا عمر، قال‏:‏ أريد أن أقتل محمدا‏.‏ قال‏:‏ وكيف تأمن بني هاشم وبني زهرة‏؟‏ فقال له عمر‏:‏ ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك‏!‏ قال‏:‏ أفلا أدلك على العجب‏؟‏‏!‏ إن أختك وختنك قد صبآ وتركا دينك، فمشى عمرا زائرا حتى أتاهما، وعندهما خباب، فلما سمع خباب بحس عمر، توارى في البيت، فدخل عليهما فقال‏:‏ ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم وكانوا يقرأون ‏{‏طه‏}‏ فقالا‏:‏ ما عدا حديثا تحدثنا به‏.‏ قال‏:‏ فلعلكما قد صبأتما‏.‏ فقال له خنته‏:‏ يا عمر، إن كان الحق في غير دينك‏؟‏ فوثب عمر على خنته فوطئه وطأ شديدا‏:‏ فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفخها نفخة بيده فدمى وجهها‏.‏ فقال عمر‏:‏ أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه، فقالت أخته‏:‏ إنك رجس وإنه ‏(‏لا يمسه إلا المطهرون‏)‏ ‏(‏الواقعة، آية 79‏)‏ فقم فتوضأ، فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ ‏{‏طه‏}‏ حتى انتهى إلى ‏{‏أنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري‏}‏ فقال عمر‏:‏ دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر، خرج من البيت فقال‏:‏ أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك - ليلة الخميس - ‏"‏اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بعمر بن هشام‏"‏ فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرج أبو نعيم في الحلية، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام قال‏:‏ قال الله عز وجل ‏{‏أني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني‏}‏ ‏"‏من جاءني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل حصني، ومن دخل حصني أمن عذابي‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏وأقم الصلاة لذكري‏}‏ قال‏:‏ إذا صلى عبد ذكر ربه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن إبراهيم في قوله‏:‏ ‏{‏وأقم الصلاة لذكري‏}‏ قال‏:‏ حين تذكر‏.‏

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه، عن أنس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال أقم الصلاة لذكري‏"‏‏.‏

وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر أسري ليلة حتى أدركه الكرى، أناخ فعرس ثم قال‏:‏ ‏"‏يا بلال، أكلأنا الليلة‏"‏ قال‏:‏ فصلى بلال ثم تساند إلى راحلته مستقبل الفجر، فغلبته عيناه فنام، فلم يستيقظ أحد منهم حتى ضربتهم الشمس، وكان أولهم استيقاظا النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏أي بلال‏"‏ فقال بلال‏:‏ بأبي أنت يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اقتادوا‏"‏ ثم أناخ فتوضأ وأقام الصلاة ثم صلى مثل صلاته للوقت في تمكث، ثم قال‏:‏ ‏"‏من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال‏:‏ ‏{‏أقم الصلاة لذكري‏}‏ وكان ابن شهاب يقرؤها ‏"‏للذكرى‏"‏‏.‏

وأخرج الطبراني وابن مردويه، عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل غفل عن الصلاة حتى طلعت الشمس أو غربت ما كفارتها‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏يتقرب إلى الله ويحسن وضوءه ويصلي الصلاة ويستغفر الله فلا كفارة لها إلا ذلك‏"‏ إن الله يقول‏:‏ ‏{‏أقم الصلاة لذكري‏}‏‏.‏وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن سمرة بن يحيى قال‏:‏ نسيت صلاة العتمة حتى أصبحت، فغدوت إلى ابن عباس فأخبرته فقال‏:‏ قم فصلها، ثم قرأ ‏{‏أقم الصلاة لذكري‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ إذا نسيت صلاة فاقضها متى ذكرت‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة، عن الشعبي وإبراهيم في قوله‏:‏ ‏{‏أقم الصلاة لذكري‏}‏‏.‏ قالا‏:‏ صلها إذا ذكرتها وقد نسيتها‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة، عن إبراهيم قال‏:‏ من نام عن صلاة أو نسيها، يصلي متى ذكرها عند طلوع الشمس وعند غروبها، ثم قرأ ‏{‏أقم الصلاة لذكري‏}‏ قال‏:‏ إذا ذكرتها فصلها في أي ساعة كنت‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزلنا دهاسا من الأرض - والدهاس الرمل - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من يكلؤنا‏؟‏ قال بلال‏:‏ أنا، فناموا حتى طلعت عليهم الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏افعلوا كما كنتم تفعلون‏"‏ كذلك لمن نام أو نسي‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة، عن أبي جحيفة قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره الذي ناموا فيه، حتى طلعت الشمس ثم قال‏:‏ ‏"‏إنكم كنتم أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم، فمن نام عن الصلاة أو نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، وإذا استيقظ‏"‏‏.‏

 الآية 15 - 24

أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏إن الساعة آتية أكاد أخفيها‏}‏ يقول‏:‏ لا أظهر عليها أحدا غيري‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏إن الساعة آتية أكاد أخفيها‏}‏ قال‏:‏ أكاد أخفيها من نفسي‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏أكاد أخفيها‏}‏ قال‏:‏ من نفسي‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري، عن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أنه قرأ ‏"‏أكاد أخفيها من نفسي‏"‏‏.‏ يقول‏:‏ لأنها لا تخفى من نفس الله أبدا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه قال‏:‏ ليس من أهل السموات والأرض أحد إلا وقد أخفى الله عنه علم الساعة، وهي في قراءة ابن مسعود ‏"‏أكاد أخفيها عن نفسي‏"‏‏.‏ يقول‏:‏ أكتمها من الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي فعلت‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه قال‏:‏ في بعض القراءة ‏"‏أكاد أخفيها عن نفسي‏"‏‏.‏ قال‏:‏ لعمري، لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين، ومن الأنبياء والمرسلين‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن أبي صالح في قوله‏:‏ ‏{‏أكاد أخفيها‏}‏ قال‏:‏ يخفيها من نفسه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري، عن ورقاء قال‏:‏ أقرأنيها سعيد بن جبير ‏{‏أكاد أخفيها‏}‏ يعني بنصب الألف وخفض الفاء‏.‏ يقول‏:‏ أظهرها‏.‏ ثم قال أما سمعت قول الشاعر‏:‏

دأت شهرين ثم شهرا دميكا * ما دميكين يخفيان عميرا

وأخرج ابن الأنباري، عن الفراء قال‏:‏ في قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه ‏"‏أكاد أخفيها من نفسي فكيف أطلعكم عليها‏"‏‏.‏

وأخرج عبد بن جميد وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏لتجزى كل نفس بما تسعى‏}‏ قال‏:‏ لتعطى ثواب ما تعمل‏.‏

أخرج ابن أبي حاتم، عن الشعبي رضي الله عنه وابن شبرمة قال‏:‏ إنما سمي هوى، لأنه يهوي بصاحبه إلى النار‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس‏:‏ عصا موسى - قال - ‏:‏ أعطاه إياها ملك من الملائكة، إذ توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل، ويضرب بها الأرض فيخرج له النبات، ويهش بها على غنمه ورق الشجر‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد في قوله‏:‏ ‏{‏هي عصاي أتوكأ عليها‏}‏ قال‏:‏ إذا مشى مع غنمه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏وأهش بها على غنمي‏}‏ قال‏:‏ أضرب بها الشجر فيتساقط منه الورق على غنمي‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن عمرو بن ميمون في قوله‏:‏ ‏{‏وأهش بها على غنمي‏}‏ قال‏:‏ الهش أن يخبط الرجل بعصاه الشجر، فيتساقط الورق‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن عمرو بن ميمون قال‏:‏ الهش، العصا بين الشعبتين، ثم يحركها حتى يسقط الورق، والخبط، أن يخبط حتى يسقط الورق‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن مالك بن أنس قال‏:‏ الهش، أن يضع الرجل المحجن في الغصن، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره، ولا يكسر العود، فهذا الهش ولا يخبط‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏وأهش بها على غنمي‏}‏ قال‏:‏ أخبط بها الشجر‏.‏ ‏{‏ولي فيها مآرب أخرى‏}‏ قال‏:‏ حاجات أخرى‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏ولي فيها مآرب أخرى‏}‏ قال‏:‏ حوائج‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏مآرب أخرى‏}‏ قال‏:‏ حاجات ومنافع‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏مآرب أخرى‏}‏ يقول‏:‏ حوائج أخرى، أحمل عليها المزود والسقاء‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏ولي فيها مآرب أخرى‏}‏ قال‏:‏ كانت تضيء له بالليل، وكانت عصا آدم عليه السلام‏.‏

وأخلاج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏فألقاها فإذا هي حية تسعى‏}‏ ولم تكن قبل ذلك حية، فمرت بشجرة فأكلتها، ومرت بصخرة فابتلعتها، فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها ف ‏(‏ولى مدبرا‏)‏ ‏(‏النمل، آية 10 والقصص 31‏)‏ فنودي أن يا موسى خذها فلم يأخذها ثم نودي الثانية أن ‏{‏خذها ولا تخف‏}‏ فقيل له في الثالثة‏:‏ ‏(‏إنك من الآمنين‏)‏ ‏(‏القصص، آية 31‏)‏ فأخذها‏.‏

واخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما ‏{‏سنعيدها سيرتها الأولى‏}‏ قال‏:‏ حالتها الأولى‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏سنعيدها سيرتها الأولى‏}‏ قال‏:‏ هيئتها الأولى‏:‏ ‏{‏واضمم يدك إلى جناحك‏}‏ قال‏:‏ أدخل كفك تحت عضدك ‏{‏تخرج بيضاء من غير سوء‏}‏ قال‏:‏ من غير برص‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏من غير سوء‏}‏ قال‏:‏ من غير برص‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه قال‏:‏ أخرجها كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏لنريك من آياتنا الكبرى‏}‏‏.‏

 الآية 25 - 47

أخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر، عن أسماء بنت عميس قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزاء ثبير وهو يقول‏:‏ ‏"‏أشرق ثبير أشرق ثبير اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري وأن تيسر لي أمري وأن تحل عقدة من لساني ‏{‏يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا‏}‏‏.‏

وأخرج السلفي في الطيوريات بسند واه، عن أبي حعفر محمد بن علي قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي أشدد به أزري‏}‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبل، ثم دعا ربه وقال ‏"‏اللهم اشدد أزري بأخي علي‏"‏ فأجابه إلى ذلك‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏واحلل عقدة من لساني‏}‏ قال‏:‏ عجمة بجمرة نار أدخلها في فيه، عن أمر امرأة فرعون تدرأ به عنه عقوبة فرعون حين أخذ موسى بلحيته، وهو لا يعقل‏.‏ قال‏:‏ هذا عدو لي، فقالت امرأته‏:‏ إنه لا يعقل‏.‏

وأخرج ابن المنذر، عن ابن عباس في قوله‏:‏ واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي‏}‏ قال‏:‏ كان أكبر من موسى‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عطية في قوله‏:‏ ‏{‏أشدد به أزري‏}‏ قال ظهري‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد في قوله‏:‏ ‏{‏أشدد به أزري‏}‏ يقول‏:‏ أشدد به أمري وقوني به، فإن لي به قوة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وأشركه في أمري‏}‏ قال‏:‏ نبئ هرون ساعتئذ حين نبئ موسى عليهما السلام‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن عروة أن عائشة سمعت رجلا يقول‏:‏ إني لأدري أي أخ في الدنيا كان أنفع لأخيه‏:‏ موسى حين سأل لأخيه النبوة‏.‏ فقالت‏:‏ صدق والله‏.‏

وأخرج الحاكم، عن وهب قال‏:‏ كان هرون فصيحا بين النطق يتكلم في تؤدة ويقول بعلم وحلم، وكان أطول من موسى طولا، وأكبرهما في السن، وأكثرهما لحما، وأبيضهما جسما، وأعظمهما ألواحا، وكان موسى جعدا آدم طوالا، كأنه من رجال شنؤاة، ولم يبعث الله نبيا إلا وقد كانت عليه شامة النبوة في يده اليمنى، إلا أن يكون نبينا صلى الله عليه وسلم فإن شامة النبوة كانت بين كتفيه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأ ‏{‏كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا‏}‏ بنصب الكاف الأولى في كلهن‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش‏:‏ أنه كان يجزم هذه الكافات كلها‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فاقذفيه في اليم‏}‏ قال هو النيل‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وألقيت عليك محبة مني‏}‏ قال‏:‏ كان كل من رآه ألقيت عليه منه محبة‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سلمة بن كهيل - رضي الله عنه - في قوله‏:‏ ‏{‏وألقيت عليك محبة مني‏}‏ قال‏:‏ حببتك إلى عبادي‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن عكرمة في قوله‏:‏ ‏{‏وألقيت عليك محبة مني‏}‏ قال‏:‏ حيث نظرت آسية وجه موسى، فرأت حسنا وملاحة، فعندها قالت لفرعون‏:‏ ‏(‏قرة عين لي ولك لا تقتلوه‏)‏ ‏(‏القصص، آية 9‏)‏‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي، عن أبي رجاء في قوله‏:‏ ‏{‏وألقيت عليك محبة مني‏}‏ قال‏:‏ الملاحة والحلاوة‏.‏

وأخرج ابن عساكر، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏وألقيت عليك محبة مني‏}‏ قال‏:‏ حلاوة في عيني موسى، لم ينظر إليه خلق إلا أحبه‏.‏

وأخرج ابن المنذر، عن مجاهد - رضي الله عنه - قال‏:‏ كنت مع عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فتلقاه الناس يسلمون عليه ويحيونه ويثنون عليه ويدعون له - فيضحك ابن عمر - فإذا انصرفوا عنه، أقبل علي فقال‏:‏ إن الناس ليجيئون حتى لو كنت أعطيهم الذهب والفضة ما زادوا عليه، ثم تلا هذه الآية ‏{‏وألقيت عليك محبة مني‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي نهيك - رضي الله عنه - في قوله‏:‏ ‏{‏ولتصنع على عيني‏}‏ قال‏:‏ ولتعمل على عيني‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي عمران الجوني رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏ولتصنع على عيني‏}‏ قال‏:‏ تربى بعين الله‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏ولتصنع على عيني‏}‏ قال‏:‏ ولتغذى على عيني‏.‏

وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج في الآية يقول‏:‏ أنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت ثم في البحر ‏{‏إذ تمشي أختك‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب، عن ابن عمر‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ‏.‏ يقول الله‏:‏ ‏{‏وقتلت نفسا فنجيناك من الغم‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فنجيناك من الغم‏}‏ قال‏:‏ من قتل النفس ‏{‏وفتناك فتونا‏}‏ قال‏:‏ أخلصناك إخلاصا‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وفتناك فتونا‏}‏ قال‏:‏ أبتليناك إبتلاء‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وفتناك فتونا‏}‏ قال‏:‏ إبتليناك ببلاء نعمة‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وفتناك فتونا‏}‏ قال‏:‏ اختبرناك إختبارا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏وفتناك فتونا‏}‏ قال‏:‏ بلاء إلقاؤه في التابوت، ثم في اليم، ثم إلتقاط آل فرعون إياه، ثم خروجه خائفا يترقب‏.‏

وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده، وعبد بن حميد، والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال‏:‏ سألت ابن عباس عن قول الله تعالى لموسى عليه السلام‏:‏ ‏{‏وفتناك فتونا‏}‏ فسألت عن الفتون ما هو‏؟‏ فقال‏:‏ استأنف النهار يا ابن جبير، فإن لها حديثا طويلا، فلما أصبحت غدوت على ابن عباس، لأتنجز ما وعدني من حديث الفتون فقال‏:‏ تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله عز وجل - وعد إبراهيم عليه السلام - من أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا‏.‏ فقال بعضهم‏:‏ إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ما يشكون فيه، ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب، فلما هلك قالوا‏:‏ ليس هذا كان وعد الله إبراهيم‏.‏ قال فرعون‏:‏ فكيف ترون‏؟‏ فائتمروا وأجمعوا أمرهم، على أن يبعث رجالا - معه الشفار - يطوفون في بني إسرائيل‏:‏ فلا يجدون مولودا إلا ذبحوه، ففعلوا فلما رأوا أن الكبار يموتون بآجالهم، وأن الصغار يذبحون قالوا‏:‏ يوشك أن يفني بنو إسرائيل، فتصيروا تباشروا الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم، فاقتلوا عاما كل مولود ذكر، فتقل أبناؤهم‏.‏ ودعوا عاما لا تقتلوا منهم أحدا، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إياكم، ولن يفنوا بمن تقتلون فتحتاجون إليهم، فأجمعوا أمرهم على ذلك، فحملت أم موسى بهرون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدت علانية آمنة، حتى إذا كان في قابل حملت بموسى، فوقع في قلبها الهم والحزن، فذلك من الفتون يا ابن جبير، لما دخل عليه في بطن أمه ما يراد به، فأوحى الله إليها أن‏:‏ ‏(‏لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين‏)‏ ‏(‏القصص، آية 7‏)‏ وأمرها إذا ولدته أن تجعله في تابوت، ثم تلقيه في اليم، فلما ولدت فعلت ما أمرت به، حتى إذا توارى عنها ابنها - أتاها الشيطان - وقالت في نفسها‏:‏ ما فعلت بابني‏؟‏‏!‏ لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه‏.‏

فانطلق به الماء حتى أوفى به عند مستقى جواري امرأة فرعون، فرأينه فأخذنه فهممن أن يفتحن الباب، فقال بعضهن لبعض‏:‏ إن في هذا لمالا، وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه، فحملنه بهيئته لم يحركن منه شيئا، حتى دفعنه إليها، فلما فتحته رأت فيه الغلام، فألقي عليها محبة لم تلق منها على أحد من البشر قط، ‏(‏وأصبح فؤاد أم موسى فارغا‏)‏ ‏(‏القصص، آية 10‏)‏ من ذكر كل شيء، إلا من ذكر موسى‏.‏

فلما سمع الذباحون بأمره، أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم يريدون أن يذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن جبير، فقالت للذباحين‏:‏ إن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، وإني آتي فرعون فأستوهبه منه، فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألمكم، فلما أتت به فرعون قالت‏:‏ ‏(‏قرة عين لي ولك لا تقتلوه‏)‏ ‏(‏القصص، آية 9‏)‏ قال فرعون‏:‏ يكون لك، وأما لي فلا حاجة لي فيه‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

والذي يحلف به، لو أقر فرعون بأن يكون قرة عين له، كما قالت امرأته لهداه الله به، كما هدى به امرأته ولكن الله عز وجل - حرمه ذلك، فأرسلت إلى من حولها من كل امرأة لها لبن لتختار له ظئرا، فكلما أخذته امرأة منهن لترضعه، لم يقبل ثديها حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمنتع من اللبن، فيموت فأحزنها ذلك، فأمرت به فأخرج إلى السوق، ومجمع الناس ترجو أن تجد له ظئرا يأخذ منها، فلم يفعل، وأصبحت أم موسى والها، فقالت لأخته‏:‏ قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا‏؟‏ أحي أم قد أكلته الدواب‏؟‏ ونسيت الذي كان وعد الله‏.‏

‏(‏فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون‏)‏ والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه، وهو لا يشعر به ‏(‏فقالت‏)‏ - من الفرح حين أعياهم الظوائر - ‏(‏هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون‏)‏ فأخذوها، فقالوا‏:‏ وما يدريك ما نصحهم له‏؟‏ هل يعرفونه حتى شكوا في ذلك‏؟‏ وذلك من الفتون يا ابن جبير‏.‏

فقالت‏:‏ نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في جانب الملك رجاء شفقته‏.‏ فتركوها فانطلقت إلى أمه فأخبرتها الخبر فجاءت، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريا، وانطلق البشرى إلى امرأة فرعون يبشرونها‏:‏ إنا قد وجدنا لابنك ظئرا‏.‏

فأرسلت إليها فأتيت بها وبه، فلما رأت ما يصنع قالت لها‏:‏ امكثي عندي أرضعني ‏[‏أرضعي‏؟‏‏؟‏‏]‏ ابني هذا - فإني لم أحب حب شيئا قط - قالت‏:‏ لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع، فإن طابت نفسك أن تعطينيه، فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرا فعلت، وإلا فإني غير تاركة بيتي وولدي‏.‏

فذكرت أم موسى ما كان الله عز وجل وعدها، فتعاسرت على امرأة فرعون لذلك، وأيقنت أن الله عز وجل منجز وعده‏.‏ فرجعت بابنها من يومها، فأنبته الله نباتا حسنا، وحفظه لما قد قضى فيه، فلم يزل بنو إسرائيل - وهم يجتمعون في ناحية القرية - يمتنعون به من الظلم والسخرة منذ كان فيهم، فلما ترعرع، قالت امرأة فرعون لأم موسى‏:‏ أريد أن تريني ابني، فوعدتها يوما تزورها فيه به‏.‏ فقالت لخزانها وجواريها وقهارمتها‏:‏ لا يبقى منكم اليوم واحد إلا استقبل ابني بهدية وكرامة أرى ذلك فيه، وأنا باعثة أمينا يحضر ما صنع كل إنسان منكم، فلم تزل الهدايا والنحل والكرامة تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل عليها، فلما دخل عليها أكرمته ونحلته وفرحت به وأعجبها، ونحلت أمه لحسن أثرها عليه، ثم قالت لأنطلقن به إلى فرعون فلينحله وليكرمنه‏.‏

فلما دخلت به عليه وجعلته في حجره، فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض، فقالت له الغواة - من أعداء الله - ‏:‏ ألا ترى إلى ما وعد الله إبراهيم‏؟‏ إنه يرثك ويصرعك ويعلوك‏.‏

فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه‏.‏

وذلك من الفتون يا ابن جبير، بعد كل بلاء ابتلي به، وأريد به فتونا‏.‏

فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون، فقالت‏:‏ ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي‏؟‏

قال‏:‏ ألا ترينه يزعم أنه سيصرعني ويعلوني‏!‏‏؟‏

قالت له‏:‏ اجعل بيني وبينك أمرا تعرف فيه الحق، ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه، فإن بطش بالؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أن يعقل، وإن هو تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين، فاعلم أن أحد لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل‏.‏ فلما قرب إليه الجمرتين واللؤلؤتين أخذ الجمرتين، فانتزعهما منه مخافة أن يحرقا بدنه‏.‏ فقال للمرأة‏:‏ لا يذبح‏.‏

وصرفه الله عنه بعد أن كان هم به، وكان الله بالغ أمره فيه، فلما بلغ أشده - وكان من الرجال - لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم، ولا بسخرة حتى امتنعوا كل الإمتناع‏.‏

فبينما هو يمشي في ناحية المدينة، إذا هو برجلين يقتتلان - أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون - فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى واشتد غضبه، لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل، وحفظه لهم‏:‏ لا يعلم إلا أن ذلك من الرضاع من أم موسى، إلا أن يكون الله تعالى أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع غيره عليه، فوكز موسى الفرعوني فقتله، وليس يراهما أحد إلا الله، وموسى والإسرائيلي‏.‏

‏(‏فقال‏)‏ موسى‏:‏ حين قتل الرجل ‏(‏هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين‏)‏ ‏(‏القصص، آية 15‏)‏ ثم ‏(‏قال ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له، وأصبح في المدينة خائفا يترقب‏)‏ ‏(‏القصص، آية 17‏)‏ الأخبار، فأتى فرعون فقيل له‏:‏ إن بني إسرئيل قتلوا رجلا من آل فرعون، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم‏.‏ فقال ائتوني به ومن شهد عليه، فإن الملك - وإن كان صفوه مع قومه لا يستقيم له، أن يقيد بغير بينة ولا ثبت، فاطلبوا علم ذلك آخذ لكم بحقكمز

فبينما هم يطوفون فلا يجدون بينة ولا ثبتا، إذا موسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا آخر، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فصادف موسى قد ندم على ما كان من وكزه الذي رأى، فغضب من الإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم وقال‏:‏ ‏(‏إنك لغوي مبين‏)‏ ‏(‏القصص، آية 18‏)‏ فنظر الإسرائيلي إلى موسى حين قال له ما قال - فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس - فخاف بعدما قال له‏:‏ ‏(‏إنك لغوي مبين‏)‏ أن يكون إياه أراد، وإنما أراد الفرعوني ‏(‏فقال‏:‏ يا موسى، أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس‏)‏ ‏(‏القصص، آية 19‏)‏ وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى، ليقتله فيتداركا، فانطلق الفرعوني إلى قومه، فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي حين يقول‏:‏ ‏(‏أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس‏)‏ ‏(‏القصص، آية 19‏)‏

فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم يطلبون موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم ‏(‏وجاء رجل‏)‏ من شيعة موسى ‏(‏من أقصى المدينة‏)‏ ‏(‏القصص، آية 20‏)‏ فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر‏.‏ وذلك من الفتون يا ابن جبير‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ الآية 25 - 47‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

فخرج موسى متوجها نحو مدين، لم يلق بلاء مثل ذلك، وليس له بالطريق علم الأحسن ظنه بربه، فإنه ‏(‏قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل‏)‏ ‏(‏القصص، آية 22‏)‏ ‏(‏ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان‏)‏ ‏(‏القصص، آية 23‏)‏ يعني فلم تسقيا غنمهما قال‏:‏ ‏(‏ما خطبكما‏)‏ ‏(‏القصص، آية 23‏)‏ معتزلتين لا تسقيان مع الناس‏؟‏ قالتا‏:‏ ليست لنا قوة نزاحم القوم، وإنما ننتظر فضول حياضهم ‏(‏فسقى لهما‏)‏ ‏(‏القصص، آية 24‏)‏ فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرا حتى كانتا أول الرعاة فراغا - فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما، وانصرف موسى إلى شجرة فاستظل بها ‏(‏فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير‏)‏ ز

فاستنكر أبو الجاريتين سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا وقال‏:‏ إن لكما اليوم لشأنا‏:‏ فحدثتاه بما صنع موسى‏.‏ فأمر إحداهما أن تدعوه له، فأتته فدعته‏.‏ فلما كلمه ‏(‏قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين‏)‏ ‏(‏القصص، آية 25‏)‏ ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطانا، ولسنا في مملكته‏.‏ قالت ابنته‏:‏ ‏(‏يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين‏)‏ ‏(‏القصص، آية 26‏)‏ فحملته الغيرة أن قال‏:‏ وما يدريك ما قوته‏؟‏ وما أمانته‏؟‏ قالت‏:‏ أما قوته‏:‏ فما رأيت منه حين سقى لنا، لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه حين سقى لنا‏:‏ وأمانته‏:‏ فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم أني امرأة، صوب رأسه ولم يرفعه، ولم ينظر إلي حين أقبلت إليه، حتى بلغته رسالتك‏.‏ فقال لي‏:‏ امشي خلفي وانعتي لي الطريق، فلم يقل هذا إلا وهو أمين‏.‏

فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت‏.‏ فقال‏:‏ هل لك ‏(‏أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، على أن تأجرني ثماني حجج، فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك‏)‏ ‏(‏القصص، آية 27‏)‏ ففعل وكانت على موسى ثماني حجج واجبة، وكانت سنتان عدة منه، فقضى الله عدته فأتمها عشرا‏.‏

قال سعيد‏:‏ فسألني رجل من أهل النصرانية من علمائهم‏:‏ هل تدري أي الأجلين قضى موسى‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ وأنا يومئذ لا أعلم‏.‏ فلقيت ابن عباس، فذكرت له الذي قال النصراني فقال‏:‏ أما كنت تعلم أن ثمانيا واجبة‏؟‏ لم يكن موسى لينتقص منها، وتعلم أن الله تعالى كان قاضيا عن موسى عدته التي وعد‏؟‏ فإنه قضى عشرا، فأخبرت النصراني فقال‏:‏ الذي أخبرك بهذا هو أعلم منك‏.‏ قلت‏:‏ أجل وأولى‏!‏

‏(‏سار موسى بأهله‏)‏ ورأى من أمر النار ما قص الله عليك في القرآن، وأمر العصا ويده فشكا إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل، وعقدة لسانه - فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام - فسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون، ليكون له ردءا، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به، فأتاه الله سؤله فحل عقدة من لسانه، وأوحى إلى هارون، وأمره أن يلقى موسى‏.‏

فاندفع موسى بالعصا، ولقي هارون فانطلقا جميعا إلى فرعون، فأقاما ببابه حينا لا يؤذن لهما، ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا‏:‏ ‏{‏إنا رسولا ربك‏}‏ فقال‏:‏ ‏{‏ومن ربكما يا موسى‏}‏ فأخبراه بالذي قص الله في القرآن‏.‏ قال‏:‏ فما تريدان‏؟‏ وذكره بالقتيل فاعتذر بما قد سمعت قال‏:‏ أريد أن تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل‏.‏

فأبى عليه ذلك وقال‏:‏ ائت بآية إن كنت من الصادقين فألقى بعصاه، فتحولت حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون، - فلما رأى فرعون أنها قاصدة إليه - خافها فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى‏:‏ أن يكفها عنه ففعل، وأخرج يده من جيبه بيضاء من غير سوء‏)‏ يعني برص، ثم أعادها إلى كمه فصارت إلى لونها الأول‏.‏ فاستشار الملأ فيما رأى، فقالوا له‏:‏ ‏{‏هذان ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى‏}‏ يعنون ملكهم الذي هم فيه، والعيش، فأبوا على موسى أن يعطوه شيئا مما طلب‏.‏ وقالوا له‏:‏ اجمع لهم السحرة - فإنهم بأرضنا كثير - حتى تغلب بسحرهم سحرهما

(‏فأرسل فرعون في المدائن حاشرين‏)‏ ‏(‏الشعراء، آية 54‏)‏ فحشر له كل ساحر متعالم، فلما أتوا فرعون قالوا‏:‏ بم يعمل هذا الساحر‏.‏ قالوا‏:‏ يعمل بالحيات والحبال‏.‏ قال‏:‏ فلا والله، ما في الأرض قوم يعملون بالحيات والحبال والعصي بالسحر ما نعمل به‏!‏ فما أجرنا إن غلبناه‏؟‏ قال لهم‏:‏ أنتم أقاربي وخاصتي، وأنا صانع بكم كل شيء أحببتم، فتواعدوا ليوم الزينة ‏{‏وأن يحشر الناس ضحى‏}‏ قال سعيد‏:‏ فحدثني ابن عباس‏:‏ إن يوم الزينة - اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة - وهو يوم عاشوراء، فلما اجتمعوا في صعيد واحد‏.‏ قال الناس لبعضهم لبعض‏:‏ اذهبوا بنا فلنحضر هذا الأمر و ‏(‏نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين‏)‏ ‏(‏الشعراء، آية 40‏)‏ - يعنون بذلك موسى وهارون استهزاء بهما - فقالوا‏:‏ يا موسى - ، لقدرتهم بسحرهم - ‏(‏إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين‏)‏ ‏(‏الأعراف، آية 115‏)‏ قال‏:‏ ألقوا ‏{‏فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون‏)‏ ‏(‏الأعراف، آية 44‏)‏

فرأى موسى من سحرهم ما أوجس منه خيفة‏.‏ فأوحى الله إليه ‏(‏أن ألق عصاك‏)‏ ‏(‏القصص، آية 31‏)‏ فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيما فاغرة فاها، فجعل العصا بدعوة موسى تلتبس بالحبال، حتى صارت ‏[‏‏؟‏‏؟‏‏]‏ جردا إلى الثعبان، حتى تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا ابتلعته، فلما عاين السحرة ذلك قالوا‏:‏ لو كان هذا سحرا لم تبتلع من سحرنا كل هذا‏!‏ ولكن هذا من أمر الله عز وجل‏.‏ فآمنا بالله، وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله عز وجل مما كنا فيه، فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، فظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون ‏(‏فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين‏)‏ ‏(‏الأعراف، الآية 119‏)‏ وامرأة فرعون بارزة مبتذلة - تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون - فمن رآها - من آل فرعون ظن أنها تبذلت شفقة على فرعون وأشياعه، وإنما كان حزنها وهمها لموسى‏.‏

فلما طال مكث موسى لمواعد فرعون الكاذبة، كلما جاء بآية وعد عندها أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا كشف ذلك عنه، نكث عهده واختلف وعده، حتى أمر موسى بقومه، فخرج بهم ليلا‏.‏ فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا بعث في المدينة وحولها حاشرين، فتبعتهم جنود عظيمة كثيرة، وأوحى الله إلى البحر‏:‏ إذا ضربك عبدي موسى فانفرق له اثني عشر فرقا، حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التق بعد على من بقي من قوم فرعون وأشياعه‏.‏

فنسي موسى أن يضرب بعصاه، فدفع إلى البحر وله قصيف، مخافة أن يضربه بعصاه وهو غافل فيصير عاصيا ‏(‏فلما تراءى الجمعان‏)‏ وتقاربا ‏(‏قال أصحاب موسى إنا لمدركون‏)‏ ‏(‏الشعراء، الآية 61‏)‏ فافعل ما أمرك به ربك فإنك لم تكذب ولم تكذب‏.‏ قال‏:‏ وعدني ربي إذا انتهيت إلى البحر أن ينفرق لي حتى أجوز، ثم ذكر بعد ذلك العصا، فضرب البحر - حين دنا أوائل جند فرعون - من أواخر جند موسى فانفرق البحر - كما أمره الله وكما وعد موسى، فلما جاز أصحاب موسى كلهم، ودخل أصحاب فرعون كلهم، التقى البحر عليهم كما أمره الله عز وجل، فما أن جاوز البحر ‏(‏قال أصحاب موسى‏:‏ إنا لمدركون‏)‏ ‏(‏الشعراء، الآية 61‏)‏ إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نأمن هلاكه‏!‏ فدعا ربه فأخرجه له ببدنه من البحر، حتى استيقنوا‏.‏

ثم مروا بعد ذلك ‏(‏على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة‏.‏ قال إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون‏)‏ ‏(‏الأعراف، آية 138‏)‏ قد رأيتم من العبر ما يكفيكم وسمعتم به، فمضى حتى أنزلهم منزلا، ثم قال لهم‏:‏ أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم، وإني ذاهب إلى ربي، وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها، فلما أتى ربه وأراد أن يكلمه في ثلاثين يوما - فصامهن ليلهن ونهارهن - كره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم، فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه‏.‏ فقال له ربه‏:‏ - حين أتاه - لم أفطرت‏؟‏ وهو أعلم بالذي كان‏.‏ قال‏:‏ يا رب، إني كرهت أن أكلمك إلا فمي طيب الريح‏.‏ قال‏:‏ وما علمت يا موسى، أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك‏!‏ ارجع حتى تصوم عشرة أيام ثم ائتني‏.‏

ففعل موسى الذي أمره الله به، فلما رأى قوم موسى أنه لم يأتهم للأجل ساءهم ذلك، وقد كان هارون خطبهم وقال لهم‏:‏ إنكم خرجتم من مصر وعندكم ودائع لقوم فرعون وعوار، ولكم فيهم مثل ذلك، وأنا أرى أن تحتسبوا ما كان لكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها أو عارية، ولسنا نرى أداء شيء من ذلك إليهم، ولا ممسكيه‏.‏

فحفر حفرة وأمر كل قوم عندهم شيء من ذلك من متاع أو حلية بأن يدفنوه في الحفرة، ثم أوقد عليه النار فأحرقه وقال‏:‏ لا يكون لنا ولا لهم‏.‏ وكان السامري رجلا من قوم يعبدون البقر، ليس من بني إسرائيل، جار لهم، فاحتمل مع بني إسرئيل حين احتملوا، فقضى له أن رأى أثر الفرس، فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون‏:‏ يا سامري‏.‏ ألا تلقي ما في يديك‏؟‏ - وهو قابض عليه لا يراه أحد ‏[‏‏؟‏‏؟‏‏]‏ طوال ذلك - فقال‏:‏ هذه بضة ‏[‏قبضة‏؟‏‏؟‏‏]‏ من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، فلا ألقيها لشيء، إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها، أن يكون ما أريد‏.‏ قال‏:‏ فألقاها ودعا له هارون‏.‏ قال‏:‏ أريد أن يكون عجلا، فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع‏:‏ نحاس أو حديد أو حلى، فصار عجلا أجوف ليس فيه روح له خوار‏.‏

فقال ابن عباس‏:‏ والله ما كان له صوت، ولكن الريح كانت تدخل في دبره وتخرج من فيه، فكان ذلك الصوت من ذلك‏.‏

فتفرق بنو إسرائيل فقالت فرقة‏:‏ يا سامري، ما هذا فإنك أنت أعلم به‏؟‏ فقال‏:‏ هذا ربكم، ولكن موسى أخطأ الطريق‏.‏ فقالوا‏:‏ لا نكذب بهذا ‏{‏حتى يرجع إلينا موسى‏}‏ ‏(‏طه، آية 91‏)‏ فإن يك ربنا لم يكن ضيعنا وعجزنا حين رأيناه، وإن لم يكن ربنا فإننا نتبع قول موسى‏.‏ وقال فرقة‏:‏ هذا من عمل الشيطان، وليس ربنا ولا نصدق به ولا نؤمن به‏.‏ وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق بما قال السامري في العجل‏:‏ وأعلنوا التكذيب و ‏{‏قال لهم هارون يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن‏}‏ وليس بهكذا‏.‏ قالوا‏:‏ فما بال موسى وعدنا ثلاثين ليلة، ثم أخلفنا فهذه أربعون ليلة‏:‏ فقال سفهاؤهم‏:‏ أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه‏.‏

فلما كلم الله موسى وقال ما قال له، وأخبره بما لقي قومه من بعده، ‏(‏فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا‏)‏ فقال لهم ما سمعتم في القرآن ‏(‏وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه‏)‏ ‏(‏الأعراف، آية 150‏)‏ من الغضب غير أنه عذر أخاه، واستغفر ربه، ثم انصرف إلى السامري فقال له‏:‏ ما حملك على ما صنعت‏؟‏ فقال‏:‏ ‏{‏قبضت قبضة من أثر الرسول‏}‏ وفطنت وعميت عليكم ‏{‏فقذفتها وكذلك سولت لي نفسي‏}‏ ‏{‏قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏في اليم نسفا‏}‏ ولو كان إلها لم يخلص إلى ذلك‏!‏

فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيهم رأي هارون، فقالوا‏:‏ يا موسى، سل ربك أن يفتح لنا باب توبة نعملها ونكفر عنا ما عملنا ‏(‏فاختار موسى من قومه سبعين رجلا‏)‏ ‏(‏الأعراف، آية 155‏)‏ لذلك لا يألوا لخير خيار بني إسرائيل، ومن لم يشرك في العجل، فانطلق بهم ليسأل ربهم التوبة، فرجفت الأرض بهم فاستحيا موسى عليه السلام من قومه، ووفده حين فعل بهم ذلك فقال‏:‏ ‏(‏رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء‏}‏ ‏(‏الأعراف، آية 155‏)‏ الآية‏.‏ ومنهم من قد اطلع الله منه على ما أشرب قلبه العجل والإيمان به، فلذلك رجفت بهم الأرض‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏والإنجيل‏)‏ ‏(‏الأعراف، آية 156‏)‏ فقال‏:‏ رب سألتك التوبة لقومي فقلت‏:‏ إن رحمت ‏[‏رحمتك‏؟‏‏؟‏‏]‏ كتبتها لقوم غير قومي، فليتك أخرتني حتى أخرج في أمة ذلك الرجل المرحومة‏.‏

قال الله عز وجل‏:‏ فإن توبتهم، أن يقتل كل رجل منهم كل من لقي من والد أو ولد، فيقتله بالسيف ولا يبالي من قبل ذلك الموطن‏.‏ فتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون، وما طلع الله عابهم من ذنوبهم فاعترفوا بها‏.‏ وفعلوا ما أمروا به، فغفر الله للقاتل والمقتول‏.‏

ثم سار بهم موسى متوجها نحو الأرض المقدسة، فأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب، وأمرهم بالذي أمره الله أن يبلغهم من الوظائف، فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها، حتى نتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون الأرض، والكتاب الذي أخذوه بأيديهم، وهم ينظرون إلى الجبل مخافة أن يقع عليهم‏.‏

ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا فيها مدينة جبارين، خلقهم خلق منكر، وذكروا من ثمارهم أمرا عجيبا من عظمها‏!‏ فقالوا‏:‏ يا موسى ‏(‏إن فيها قوم جبارين‏)‏ ‏(‏المائدة، آية 22‏)‏ لا طاقة لنا اليوم بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها ‏(‏فإن يخرجوا منها فإنا داخلون‏)‏ قال رجلان من الجبارين‏:‏ آمنا بموسى، فخرجا إليه فقالا‏:‏ نحن أعلم بقومنا إن كنتم تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم، فإنهم ليس لهم قلوب ولا منعة عندهم، ‏(‏فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون‏)‏ ‏(‏المائدة، آية 23‏)‏

ويقول أناس إنهما من قوم موسى، وزعم سعيد أنهما من الجبارين، آمنا بموسى‏.‏ يقول‏:‏ ‏(‏من الذين يخافون أنعم الله عليهما‏)‏ ‏(‏المائدة، آية 33‏)‏ وإنما يعني بذلك الذين يخافهم بنو إسرائيل‏.‏

فقالوا‏:‏ ‏(‏يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون‏)‏ ‏(‏المائدة، آية 24‏)‏ فأغضبوا موسى فدعا عليهم، فسماهم فاسقين، ولم يدع عليهم قبل ذلك، لما رأى فيهم من المعصية وإساءتهم - حتى كان يومئذ - فدعا عليهم فاستجاب الله له، وسماهم كما سماهم موسى فاسقين ‏(‏فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض‏)‏ ‏(‏المائدة، آية 26‏)‏ يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار‏.‏

ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا، وأمر موسى فضربه بعصاه ‏(‏فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا‏)‏ ‏(‏البقرة، آية 60‏)‏ في كل ناحية ثلاث عيون، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها، لا يرتحلون بها من مرحلة إلا وجدوا ذلك الحجر منهم بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأول‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏