فصل: الآيتان 31 - 32

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


 الآيتان 31 - 32

أخرج ابن جرير من طريق بكر بن الأسوف عن الحسن قال ‏"‏ قال قوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا محمد إنا نحب ربنا‏.‏ فأنزل الله ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم لله ويغفر لم ذنوبكم‏}‏ فجعل اتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم علما لحبه، وعذاب من خالفه ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق أبي عبيدة الناجي عن الحسن قال ‏"‏ قال أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ والله يا محمد إنا لنحب ربنا، فأنزل الله ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق عباد بن منصور قال ‏"‏ إن أقواما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعمون أنهم يحبون الله، فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل فقال ‏{‏إن كنتم تحبون الله‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ فكان اتباع محمد صلى الله عليه وسلم تصديقا لقولهم‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي عن يحيى بن أبي كثير قال‏:‏ قالوا إنا لنحب ربنا، فامتحنوا‏.‏ فأنزل الله ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‏}‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال‏:‏ كان أقوام يزعمون أنهم يحبون الله، يقولون‏:‏ إنا نحب ربنا‏.‏ فأمرهم الله أن يتبعوا محمدا، وجعل اتباع محمد صلى الله عليه وسلم علما لحبه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من رغب عن سنتي فليس مني، ثم تلا هذه الآية ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏

وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله‏}‏ أي إن كان هذا من قولكم في عيسى حبا لله وتعظيما له ‏{‏فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم‏}‏ أي ما مضى من كفركم ‏{‏والله غفور رحيم‏}‏‏.‏

أخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لن يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعا لما جئتكم به‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء في قوله ‏{‏إن كنتم تحبون الله فاتبعوني‏}‏ قال‏:‏ على البر، والتقوى، والتواضع، وذلة النفس‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي وأبو نعيم والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‏}‏ قال‏:‏ على البر، والتقوى، والتواضع، وذلة النفس‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن عائشة في هذه الآية ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني‏}‏ قالت‏:‏ على التواضع، والتقوى، والبر، وذلة النفس‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن يحب على شيء من الجور، ويبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا البغض والحب في الله‏؟‏ قال الله تعالى ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حوشب عن الحسن في قوله ‏{‏فاتبعوني يحببكم الله‏}‏ قال‏:‏ فكان علامة حبهم إياه اتباع سنة رسوله‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن قوله ‏"‏المرء مع من أحب فقال‏:‏ ألم تسمع قول الله ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‏}‏ يقول‏:‏ يقربكم‏.‏ والحب هو القرب، والله لا يحب الكافرين، لا يقرب الكافرين ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ‏{‏قل أطيعوا الله والرسول‏}‏ فإنهم يعرفونه‏.‏ يعني الوفد من نصارى نجران، ويجدونه في كتابهم ‏{‏فإن تولوا‏}‏ على كفرهم ‏{‏فإن الله لا يحب الكافرين‏}‏‏.‏

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال ‏"‏ لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول‏:‏ لا ندري‏.‏‏.‏‏.‏ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه‏.‏

 الآيات 34 - 35 - 36

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله ‏{‏وآل إبراهيم وآل عمران‏}‏ قال‏:‏ هم المؤمنون من آل إبراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال‏:‏ ذكر الله أهل بيتين صالحين، ورجلين صالحين، ففضلهم على العالمين، فكان محمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم‏.‏

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال‏:‏ فضلهم الله على العالمين بالنبوة على الناس كلهم، كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربهم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏ذرية بعضها من بعض‏}‏ قال‏:‏ في النية، والعمل، والإخلاص، والتوحيد‏.‏

وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، أن عليا قال للحسن قم فاخطب الناس قال‏:‏ إني أهابك أن أخطب وأنا أراك‏.‏ فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه وتكلم‏.‏ ثم نزل فقال علي رضي الله عنه ‏{‏ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم‏}‏‏.‏

وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ‏{‏إن الله اصطفى‏}‏ يعني اختار من الناس لرسالته ‏{‏آدم ونوحا وآل إبراهيم‏}‏ يعني إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط ‏{‏وآل عمران على العالمين‏}‏ يعني اختارهم للنبوة والرسالة على عالمي ذلك الزمان‏.‏ فهم ذرية بعضها من بعض، فكل هؤلاء من ذرية آدم، ثم ذرية نوح، ثم من ذرية إبراهيم، ‏{‏إذ قالت امرأة عمران‏}‏ بن ماثان واسمها حنة بنت فاقوذ، وهي أم مريم ‏{‏رب إني نذرت لك ما في بطني محررا‏}‏ وذلك أن أم مريم حنة كانت جلست عن الولد والمحيض، فبينما هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخا له، فتحركت نفسها للولد، فدعت الله أن يهب لها ولدا، فحاضت من ساعتها، فلما طهرت أتاها زوجها، فلما أيقنت بالود‏؟‏‏؟‏ قالت‏:‏ لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لأجعلنه محررا‏.‏ وبنو ماثان من ملوك بني إسرائيل من نسل داود‏.‏ والمحرر لا يعمل للدنيا، ولا يتزوج، ويتفرغ لعمل الآخرة‏.‏ يعبد الله تعالى، ويكون في خدمة الكنيسة، ولم يكن محررا في ذلك الزمان إلا الغلمان‏.‏ فقالت لزوجها‏:‏ ليس جنس من جنس الأنبياء إلا وفيهم محرر غيرنا، وإني جعلت ما في بطني نذيرة تقول‏:‏ نذرت أن أجعله لله فهو المحرر‏.‏ فقال زوجها‏:‏ أرأيت إن كان الذي في بطنك أنثى - والأنثى عورة - فكيف تصنعين‏؟‏ فاغتمت لذلك فقالت عند ذلك ‏{‏رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم‏}‏ يعني تقبل مني ما نذرت لك‏.‏

{‏فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى‏}‏ والأنثى عورة ثم قالت ‏{‏وإني سميتها مريم‏}‏ وكذلك كان اسمها عند الله ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ يعني الملعون، فاستجاب الله لها، فلم يقربها الشيطان ولا ذريتها عيسى‏.‏

قال ابن عباس ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كل ولد آدم ينال منه الشيطان يطعنه حين يقع بالأرض بأصبعه لما يستهل، لا ما كان من مريم وابنها لم يصل إبليس إليهما قال ابن عباس‏:‏ لما وضعتها خشيت حنة أم مريم أن لا تقبل أنثى محررة، فلفتها في الخرقة ووضعتها في بيت المقدس عند القراء، فتساهم القراء عليها لأنها كانت بنت إمامهم، وكان إمام القراء من ولد هارون‏.‏ أيهم يأخذها فقال زكريا - وهو رأس الأحبار - أنا آخذها وأنا أحقهم بها لأن خالتها عندي - يعني أم يحيى - فقال القراء‏:‏ وإن كان في القوم من هو أفقر إليها منك‏؟‏ ولو تركت لأحق الناس بها تركت لأبيها ولكنها محررة، غير أن نتساهم عليها فمن خرج سهمه فهو أحق بها، فقرعوا ثلاث مرات بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي ‏{‏أيهم يكفل مريم‏}‏ يعني أيهم يقبضها فقرعهم زكريا‏.‏وكانت قرعة أقلامهم أنهم جمعوها في موضع ثم غطوها فقالوا لبعض خدم بيت المقدس من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم‏:‏ أدخل يدك فأخرج قلما منها، فأدخل يده فأخرج قلم زكريا فقالوا‏:‏ لا نرضى ولكن نلقي الأقلام في الماء فمن خرج قلمه في جرية الماء ثم ارتفع فهو يكفلها‏.‏ فألقوا أقلامهم في نهر الأردن، فارتفع قلم زكريا في جرية الماء فقالوا‏:‏ نقترع الثالثة فمن جرى قلمه مع الماء فهو يكفلها‏.‏ فألقوا أقلامهم، فجرى قلم زكريا مع الماء، وارتفعت أقلامهم في جرية الماء وقبضها عند ذلك زكريا‏.‏ فذلك قوله ‏{‏وكفلها زكريا‏}‏ يعني قبضها ثم قال ‏{‏فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا‏}‏ يعني رباها تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها حتى ترعرعت، وبنى لها زكريا محرابا في بيت المقدس، وجعل بابه في وسط الحائط لا يصعد إليها إلا بسلم‏.‏

و كان استأجر لها ظئرا، فلما تم لها حولان فطمت وتحركت، فكان يغلق عليها الباب والمفتاح معه لا يأمن عليه أحدا، لا يأتيها بما يصلحها أحد غيره حتى بلغت‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن عكرمة قال‏:‏ اسم أم مريم حنة‏.‏

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة قال‏:‏ حنة ولدت مريم أم عيسى‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏نذرت لك ما في بطني محررا‏}‏ قال‏:‏ كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد بها، وكانت ترجو أن يكون ذكرا‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال‏:‏ نذرت أن تجعله محررا للعبادة‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏محررا‏}‏ قال‏:‏ خادما للبيعة‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد في قوله ‏{‏محررا‏}‏ قال‏:‏ خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال‏:‏ كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها، وكانوا إنما يحررون الذكور، وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة لا يبرحها، يقوم عليها ويكنسها، وكانت المرأة لا تستطيع أن تصنع بها ذلك لما يصيبها من الأذى، فعند ذلك قالت ‏{‏وليس الذكر كالأنثى‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير ‏{‏محررا‏}‏ قال‏:‏ جعلته لله والكنيسة فلا يحال بينه وبين العبادة‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال‏:‏ كانت المرأة في زمان بني إسرائيل إذا ولدت غلاما أرضعته حتى إذا أطاق الخدمة دفعته إلى الذين يدرسون الكتب، فقالت‏:‏ هذا محرر لكم يخدمكم‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال‏:‏ إن امرأة عمران كانت عجوزا عاقرا تسمى حنة، وكانت لا تلد، فجعلت تغبط النساء لأولادهن فقالت‏:‏ اللهم إن علي نذرا شكرا إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس، فيكون من سدنته وخدامه ‏{‏فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى‏.‏‏.‏ وليس الذكر كالأنثى‏}‏ يعني في المحيض ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال، ثم خرجت أم مريم تحملها في خرقتها إلى بني الكاهن ابن هارون أخي موسى قال‏:‏ وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم‏:‏ دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي ابنتي ولا يدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي فقالوا‏:‏ هذه ابنة إمامنا - وكان عمران يؤمهم في الصلاة - فقال زكريا‏:‏ ادفعوها إلي فإن خالتها تحتي فقالوا‏:‏ لا تطيب أنفسنا بذلك‏.‏ فذلك حين اقترعوا عليها بالأقلام التي يكتبون بها التوراة، فقرعهم زكريا فكفلها‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقرأ ‏{‏والله أعلم بما وضعت‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ ‏{‏بما وضعت‏}‏ برفع التاء‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه كان يقرؤها برفع التاء‏.‏

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سفيان بن حسين ‏{‏والله أعلم بما وضعت‏}‏ قال‏:‏ على وجه الشكاية إلى الرب تبارك وتعالى‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن الأسود أنه كان يقرؤها ‏{‏والله أعلم بما وضعت‏}‏ بنصب العين‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يقرؤها ‏{‏والله أعلم بما وضعت‏}‏ بنصب العين‏.‏

أما قوله تعالى ‏{‏وإني أعيذها‏}‏ الآية‏.‏

أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها ‏"‏ ثم قال أبو هريرة‏:‏ واقرأوا إن شئتم ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ كل مولود من ولد آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل الصبي، إلا ما كان من مريم بنت عمران وولدها، فإن أمها قالت حين وضعتها ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ فضرب بينهما حجاب، فطعن في الحجاب‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما من مولود يولد إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى بن مريم ومريم، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال‏:‏ ما ولد مولود إلا قد استهل غير المسيح ابن مريم لم يسلط عليه الشيطان ولم ينهزه‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن وهب بن منبه قال‏:‏ لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا‏:‏ أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها فقال‏:‏ هذا حدث مكانكم، فطار حتى جاب خافقي الأرض فلم يجد شيئا، ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء، ثم طار أيضا فوجد عيسىعليه السلام قد ولد عند مدود حمار، وإذا الملائكة قد حفت حوله، فرجع إليهم فقال‏:‏ ان نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا‏.‏ فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏ ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ كل بني آدم طعن الشيطان في جنبه إلا عيسى بن مريم وأمه، جعل بينهما وبينه حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ اليهما شيء‏.‏ وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبه سائر بني آدم‏.‏ وذكر لنا أن عيسى عليه السلام كان يمشي على البحر كما يمشي على البر، مما أعطاه الله من اليقين والإخلاص ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير عن الربيع ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏إن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ كل آدمي طعن الشيطان في جنبه غير عيسى وأمه كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم‏.‏ قال‏:‏ وقال عيسى صلى الله عليه وسلم فيما يثني على ربه‏:‏ وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن له علينا سبيل ‏"‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال‏:‏ لولا أنها قالت ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ إذن لم تكن لها ذرية‏.‏

 الآية 37

أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ‏{‏فتقبلها ربها بقبول حسن‏}‏ قال‏:‏ تقبل من أمها ما أرادت بها الكنيسة فأجرها فيه ‏{‏وأنبتها نباتا حسنا‏}‏ قال‏:‏ نبتت في غذاء الله‏.‏

وأخرج ابن جرير عن الربيع وكفلها زكريا قال‏:‏ ضمها إليه‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال‏:‏ كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها رزقا عنبا في مكتل في غير حينه ‏{‏قال‏:‏ أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏ قال‏:‏ إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدا ‏{‏هنالك دعى زكريا ربه‏}‏ فلما بشر بيحيى قال ‏{‏رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس‏}‏ قال‏:‏ يعتقل لسانك من غير مرض وأنت سوي‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وآدم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله ‏{‏وكفلها زكريا‏}‏ قال‏:‏ سهمهم بقلمه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال‏:‏ كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها، وكان زكريا زوج خالتها، فكفلها وكانت عنده وحضنتها‏.‏

وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة، أن الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان محرر واقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه، وكان زكريا أفضلهم يومئذ، وكان معهم، وكانت أخت أم مريم تحته، فلما أتوا بها قال لهم زكريا‏:‏ أنا أحقكم بها، تحتي أختها‏.‏ قال‏:‏ فخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام، وقام قلم زكريا على قرنيه كأنه في طين فأخذ الجارية‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ‏{‏وكفلها زكريا‏}‏ قال‏:‏ جعلها معه في محرابه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأها ‏{‏وكفلها‏}‏ مشددة ‏{‏زكرياء‏}‏ ممدودة مهموز منصوب‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ‏{‏وجد عندها رزقا‏}‏ قال‏:‏ مكتلا فيه عنب في غير حينه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن ابن جرير عن مجاهد ‏{‏وجد عندها رزقا‏}‏ قال‏:‏ عنبا في غير زمانه‏.‏

وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد ‏{‏وجد عندها رزقا‏}‏ قال‏:‏ فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد ‏{‏وجد عندها رزقا‏}‏ قال‏:‏ علما‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ‏{‏وجد عندها رزقا‏}‏ قال‏:‏ وجد عندها ثمار الجنة‏.‏ فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ‏{‏وجد عندها رزقا‏}‏ قال‏:‏ الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك ‏{‏أنى‏}‏ يعني من أين‏.‏

وأخرج عن الضحاك ‏{‏أنى لك هذا‏}‏ يقول من أتاك بهذا‏.‏

وأخرج أبو يعلى عن جابر‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فاني جائع‏؟‏ فقالت‏:‏ لا والله‏.‏ فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت‏:‏ والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له‏:‏ - بأبي أنت وأمي - قد أتى الله بشيء قد خبأته لك فقال‏:‏ هلمي يا بنية بالجفنة فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله‏.‏ فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حمد الله وقال‏:‏ من أين لك هذا يا بنية‏؟‏ قالت‏:‏ يا أبت ‏{‏هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏ ‏"‏‏.‏

 الآية 38

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال‏:‏ لما رأى ذلك زكريا يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال‏:‏ إن الذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه قادر على أن يرزقني ولدا فذلك حين دعا ربه‏.‏ وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال‏:‏ لما وجد زكريا عند مريم ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء يأتيها به جبريل قال لها‏:‏ أنى لك هذا في غير حينه‏؟‏ فقالت‏:‏ هذا رزق من عند الله يأتي به الله ‏{‏إن الله يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏ فطمع زكريا في الولد فقال‏:‏ إن الذي أتى مريم بهذه الفاكهة في غير حينها لقادر أن يصلح لي زوجتي، ويهب لي منها ولدا، فعند ذلك ‏{‏دعا زكريا ربه‏}‏ وذلك لثلاث ليال بقين من المحرم‏.‏ قام زكريا فاغتسل ثم ابتهل في الدعاء إلى الله قال‏:‏ يا رازق مريم ثمار الصيف في الشتاء وثمار الشتاء في الصيف هب لي من لدنك - يعني من عندك - ذرية طيبة، يعني تقيا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ‏{‏ذرية طيبة‏}‏ يقول‏:‏ مباركة‏.‏