فصل: الآية 48

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


 الآية 48

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏ويعلمه الكتاب‏}‏ قال‏:‏ الخط بالقلم‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ‏{‏ويعلمه الكتاب‏}‏ قال‏:‏ بيده‏.‏

وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال‏:‏ عندما ترعرع عيسى جاءت به أمه إلى الكتاب فدفعته إليه فقال‏:‏ قل بسم‏.‏ قال عيسى‏:‏ الله‏.‏ فقال المعلم‏:‏ قل الرحمن‏.‏ قال عيسى‏:‏ الرحيم‏.‏ فقال المعلم‏:‏ قل أبو جاد ‏(‏قصد بها أيحد‏)‏‏.‏ قال‏:‏ هو في كتاب‏.‏ فقال عيسى‏:‏ أتدري ما ألف‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ آلاء الله‏.‏ أتدري ما باء‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ بهاء الله‏.‏ أتدري ما جيم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ جلال الله‏.‏ أتدري ما اللام‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ آلاء الله‏.‏ فجعل يفسر على هذا النحو‏.‏

فقال المعلم‏:‏ كيف أعلم من هو أعلم مني‏؟‏‏!‏ قالت‏:‏ فدعه يقعد مع الصبيان‏.‏ فكان يخبر الصبيان بما يأكلون، وما تدخر لهم أمهاتهم في بيوتهم‏.‏

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وابن مسعود مرفوعا ‏"‏ قال‏:‏ إن عيسى بن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم‏:‏ اكتب بسم الله قال عيسى‏:‏ وما بسم‏؟‏ قال له المعلم‏:‏ ما أدري‏؟‏‏!‏ قال له عيسى‏:‏ الباء بهاء الله، والسين سناؤه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الآخرة والدنيا، والرحيم رحيم الآخرة‏.‏ أبو جاد‏:‏ الألف‏.‏ آلاء الله، والباء بهاء الله، جيم جلال الله، دال الله الدائم‏.‏ هوز‏:‏ الهاء الهاوية، واو ويل لأهل النار واد في جهنم، زاي زين أهل الدنيا، حطي‏:‏ حاء الله الحكيم، طاء الله الطالب لكل حق حتى يرده، أي أهل النهار وهو الوجع‏.‏ كلمن‏:‏ الكاف الله الكافي، لام‏:‏ الله القائم، ميم، الله المالك، نون الله البحر، سعفص‏:‏ سين، السلام، صاد الله الصادق، عين الله العالم، فاء الله ذكر كلمة صاد الله الصمد‏.‏

قرشت قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي أخضرت منه السماء، راء رياء الناس بها، سين ستر الله، تاء تمت أبدا،‏.‏ قال ابن عدي، هذا الحديث باطل بهذا الإسناد لا يرويه غير إسمعيل بن يحيى‏.‏

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس‏.‏ أن عيسى بن مريم أمسك عن الكلام بعد إذ كلمهم طفلا حتى بلغ ما يبلغ الغلمان، ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان، فأكثر إليهود فيه وفي أمه من قول الزور، فكان عيسى يشرب اللبن من أمه، فلما فطم أكل الطعام، وشرب الشراب، حتى بلغ سبع سنين أسلمته أمه لرجل يعلمه كما يعلم الغلمان، فلا يعلمه شيئا إلا بدره عيسى إلى علمه قبل أن يعلمه إياه‏.‏

فعلمه أبا جاد فقال عيسى‏:‏ ما أبو جاد‏؟‏ قال المعلم‏:‏ لا أدري‏!‏ فقال عيسى‏:‏ فكيف تعلمني ما لا تدري‏؟‏‏!‏ فقال المعلم‏:‏ إذن فعلمني‏.‏ قال له عيسى‏:‏ فقم من مجلسك فقام، فجلس عيسى مجلسه فقال عيسى‏:‏ سلني‏.‏‏.‏‏.‏فقال المعلم‏:‏ فما أبو أبجد‏؟‏ فقال عيسى‏:‏ الألف آلاء الله، باء بهاء الله، جيم بهجة الله وجماله‏.‏ فعجب المعلم من ذلك، فكان أول من فسر أبجد عيسى ابن مريم عليه السلام‏.‏

قال وسأل عثمان بن عفان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏ يا رسول الله ما تفسسير أبي جاد‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تعلموا تفسير أبي جاد فإن فيه الأعاجيب كلها، ويل لعالم جهل تفسيره‏.‏ فقيل‏:‏ يا رسول الله وما تفسير أبي جاد‏؟‏ قال‏:‏ الألف آلاء الله، والباء بهجة الله وجلاله، والجيم مجد الله، والدال دين الله، هوز الهاوية ويل لمن هوى فيها، والواو ويل لأهل النار، والزاي الزاوية يعني زوايا جهنم‏.‏

حطي‏:‏ الحاء حط خطايا المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبريل مع الملائكة إلى مطلع الفجر، والطاء طوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله بيده، والياء يد الله فوق خلقه‏.‏ كلمن‏:‏ الكاف كلام الله لا تبديل لكلماته، واللام إلمام أهل الجنة بينهم بالزيارة والتحية والسلام وتلاوم أهل النار بينهم، والميم ملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى، ونون ‏(‏نون والقلم وما يسطرون‏)‏ ‏(‏القلم الآية 1 - 2‏)‏ صعفص‏:‏ الصاد صاع بصاع، وقسط بقسط، وقص بقص، يعني الجزاء بالجزاء، وكما تدين تدان، والله لا يريد ظلما للعباد‏.‏ قرشت‏:‏ يعني قرشهم فجمعهم يقضي بينهم يوم القيامة وهم لا يظلمون‏.‏

- ذكر نبذ من حكم عيسى عليه السلام

أخرج ابن المبارك في الزهد أخبرنا ابن عيينة عن خلف بن حوشب قال‏:‏ قال عيسى عليه السلام للحواريين‏:‏ كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك اتركوا لهم الدنيا‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن يونس بن عبيد قال‏:‏ كان عيسى بن مريم عليه السلام يقول‏:‏ لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد عن ثابت البناني قال‏:‏ قيل لعيسى عليه السلام لو اتخذت حمارا تركبه لحاجتك‏؟‏ فقال‏:‏ أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئا يشغلني به‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال‏:‏ قال عيسى‏:‏ معاشر الحواريين إن خشية الله وحب الفردوس يورثان الصبر على المشقة، ويباعدان من زهرة الدنيا‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن عتبة بن يزيد قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ يا ابن آدم الضعيف اتق الله حيثما كنت، وكل كسرتك من حلال، واتخذ المسجد بيتا، وكن في الدنيا ضعيفا، وعود نفسك البكاء، وقلبك التفكر، وجسدك الصبر، ولا تهتم برزقك غدا فإنها خطيئة تكتب عليك‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا والاصبهاني في الترغيب عن محمد بن مطرف‏.‏ أن عيسى قال‏:‏ فذكره‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهيب المكي قال‏:‏ بلغني أن عيسى عليه السلام قال‏:‏ أصل كل خطيئة حب الدنيا‏.‏ ورب شهوة أورثت أهلها حزنا طويلا‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ كان عيسى يقول‏:‏ اعبروا الدنيا ولا تعمروها، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، والنظر يزرع في القلب الشهوة‏.‏

وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن سفيان بن سعيد قال‏:‏ كان عيسى عليه السلام يقول‏:‏ حب الدنيا أصل كل خطيئة، والمال فيه داء كبير‏.‏ قالوا‏:‏ وما داؤه‏؟‏ قال‏:‏ لا يسلم من الفخر والخيلاء‏.‏ قالوا‏:‏ فإن سلم‏؟‏ قال‏:‏ يشغله إصلاحه عن ذكر الله‏.‏

وأخرج ابن المبارك عن عمران الكوفي قال‏:‏ قال عيسى بن مريم للحواريين‏:‏ لا تأخذوا ممن تعلمون الأجر الأمثل الذي أعطيتموني، ويا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيء إذا فسد فإنما يداوى بالملح، وإن الملح إذا فسد فليس له دواء، واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل‏.‏ الضحك من غير عجب، والصبيحة من غير سهر‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي عن يزيد بن ميسرة قال‏:‏ قال عيسى عليه السلام‏:‏ بالقلوب الصالحة يعمر الله الأرض، وبها يخرب الأرض إذا كانت على غير ذلك‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن مالك بن دينار قال‏:‏ كان عيسى بن مريم عليه السلام إذا مر بدار وقد مات أهلها وقف عليها فقال‏:‏ ويح لأربابك الذين يتوارثونك كيف لم يعتبروا فعلك بإخوانهم الماضين‏؟‏‏!‏

وأخرج البيهقي عن مالك بن دينار قال‏:‏ قالوا لعيسى عليه السلام يا روح الله ألا نبني لك بيتا‏؟‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ ابنوه على ساحل البحر قالوا‏:‏ إذن يجيء الماء فيذهب به قال‏:‏ أين تريدون‏؟‏ تبنون لي على القنطرة‏؟‏

وأخرج أحمد في الزهد عن بكر بن عبد الله قال‏:‏ فقد الحواريون عيسى عليه السلام فخرجوا يطلبونه فوجدوه يمشي على الماء فقال بعضهم‏:‏ يا نبي الله أنمشي إليك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فوضع رجله ثم ذهب يضع الأخرى فانغمس فقال‏:‏ هات يدك يا قصير الإيمان‏.‏ لو أن لابن آدم مثقال حبة أو ذرة من اليقين إذن لمشى على الماء‏.‏

وأخرج أحمد عن عبد الله بن نمير قال‏:‏ سمعت أن عيسى عليه السلام قال‏:‏ كانت ولم أكن، وتكون ولا أكون فيها‏.‏

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال‏:‏ لما بعث عيسى عليه السلام أكب الدنيا على وجهها، فلما رفع رفعها الناس بعده‏.‏

وأخرج عبد الله ابنه في زوائده عن الحسن قال‏:‏ قال عيسى عليه السلام‏:‏ اني أكببت الدنيا لوجهها، وقعدت على ظهرها، فليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب‏.‏ قالوا له‏:‏ أفلا نتخذ لك بيتا‏؟‏ قال‏:‏ ابنوا لي على سبيل الطريق بيتا قالوا‏:‏ لا يثبت‏!‏ قالوا‏:‏ أفلا نتخذ لك زوجة‏؟‏ قال‏:‏ ما أصنع بزوجة تموت‏!‏

وأخرج أحمد عن خيثمة قال‏:‏ مرت امرأة على عيسى عليه السلام فقالت‏:‏ طوبى لثدي أرضعك، وحجر حملك‏.‏ فقال عيسى عليه السلام‏:‏ طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم عمل بما فيه‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال‏:‏ أوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ إني وهبت لك حب المساكين ورحمتهم، تحبهم ويحبونك، ويرضون بك إماما وقائدا، وترضى بهم صحابة وتبعا، وهما خلقان‏.‏ اعلم أن من لقيني بهما لقيني بأزكى الأعمال وأحبها إلي‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن ميمون بن سياه قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ يا معشر الحواريين اتخذوا المساجد مساكن، واجعلوا بيوتكم كمنازل الأضياف‏.‏ فما لكم في العالم من منزل، ان أنتم إلا عابري سبيل‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه أن عيسى عليه السلام قال‏:‏ بحق أن أقول لكم أن أكناف السماء لخالية من الأغنياء، ولدخول جمل في سم الخياط أيسر من دخول غني الجنة‏.‏

و اخرج عبد الله في زوائده عن جعفر بن حرفاس أن عيسى بن مريم قال‏:‏ رأس الخطيئة حب الدنيا، والخمر مفتاح كل شر، والنساء حبالة الشيطان‏.‏

وأخرج أحمد عن سفيان قال‏:‏ قال عيسى بن عليه السلام‏:‏ إن للحكمة أهلا‏.‏ فإن وضعتها في غير أهلها أضعتها، وإن منعتها من أهلها ضيعتها‏.‏ كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي‏.‏

وأخرج أحمد عن محمد بن واسع أن عيسى بن مريم قال يا بني إسرائيل إني أعيذكم بالله أن تكونوا عارا على أهل الكتاب‏.‏ يا بني إسرائيل قولكم شفاء يذهب الداء، وأعمالكم داء لا تقبل الدواء‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب قال‏:‏ قال عيسى لأحبار بني إسرائيل‏:‏ لا تكونوا للناس كالذئب السارق، وكالثعلب الخدوع، وكالحدأ الخاطف‏.‏

وأخرج أحمد عن مكحول قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن يبني على موج البحر دارا‏؟‏ قالوا‏:‏ يا روح الله ومن يقدر على ذلك‏!‏ قال‏:‏ إياكم والدنيا فلا تتخذوها قرارا‏.‏

وأخرج أحمد عن زياد أبي عمرو قال‏:‏ بلغني أن عيسى عليه السلام قال‏:‏ إنه ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعلم، ولما تعمل بما قد علمت، إن كثرة العلم لا تزيد إلا كبرا إذا لم تعمل به‏.‏

وأخرج أحمد عن إبراهيم بن الوليد العبدي قال‏:‏ بلغني أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ الزهد يدور في ثلاثة أيام‏:‏ أمس خلا وعظت به، واليوم زادك فيه، وغدا لا تدري ما لك فيه‏.‏ قال‏:‏ والأمر يدور على ثلاثة‏.‏ أمر بان لك رشده فاتبعه، وأمر بان لك غيه فاجتنبه، وأمر أشكل عليك فكله إلى الله عز وجل‏.‏

وأخرج أحمد عن قتادة قال‏:‏ قال عيسى عليه الصلام والسلام‏:‏ سلوني فإن قلبي لين، وإني صغير في نفسي‏.‏

وأخرج أحمد عن بشير الدمشقي قال‏:‏ مر عيسى عليه الصلاة والسلام بقوم فقال‏:‏ اللهم اغفر لنا ثلاثا فقالوا‏:‏ يا روح الله انا نريد أن نسمع منك اليوم موعظة، ونسمع منك شيئا لم نسمعه فيما مضى‏؟‏ فأوحى الله إلى عيسى أن قل لهم ‏"‏ اني من أغفر له مغفرة واحدة أصلح له بها دنياه وآخرته ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خثيمة قال‏:‏ كان عيسى عليه السلام إذا دعا القراء قام عليهم ثم قال‏:‏ هكذا اصنعوا بالقراء‏.‏

وأخرج أحمد عن يزيد بن ميسرة قال‏:‏ قال عيسى عليه السلام‏:‏ إن أحببتم أن تكونوا أصفياء الله، ونور بني آدم من خلقه فاعفوا عمن ظلمكم، وعودوا من لا يعودكم، وأحسنوا إلى من لا يحسن اليكم، وأقرضوا من لا يجزيكم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبيد بن عمير‏.‏ أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يلبس الشعر، ويأكل من ورق الشجر، ويبيت حيث أمسى، ولا يرفع غداء ولا عشاء لغد، ويقول‏:‏ يأتي كل يوم برزقه‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب قال‏:‏ قال عيسى ابن مريم‏:‏ يا دار تخربين ويفنى سكانك، ويا نفس اعملي ترزقي، ويا جسد انصب تسترح‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب ابن منبه قال‏:‏ قال عيسى بن مريم للحواريين‏:‏ بحق أقول لكم - وكان عيسى عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يقول بحق - أقول لكم‏:‏ إن أشدكم حبا للدنيا أشدكم جزعا على المصيبة‏.‏

وأخرج أحمد عن عطاء الأزرق قال‏:‏ بلغنا أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ يا معشر الحواريين كلوا خبز الشعير، ونبات الأرض، والماء القراح، وإياكم وخبز البر، فإنكم لا تقومون بشكره، واعلموا أن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، وأشد مرارة الدنيا حلاوة الآخرة‏.‏

وأخرج ابنه في زوائده عن عبد الله بن شوذب قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ جودة الثياب من خيلاء القلب‏.‏

وأخرج أحمد عن سفيان قال‏:‏ قال عيسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ إني ليس أحدثكم لتعجبوا إنما أحدثكم لتعلموا‏.‏

وأخرج ابنه عن أبي حسان قال‏:‏ قال عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام‏:‏ كن كالطبيب العالم يضع دواءه حيث ينفع‏.‏

وأخرج ابنه عن عمران بن سليمان قال‏:‏ بلغني أن عيسى بن مريم قال‏:‏ يا بني إسرائيل تهاونوا بالدنيا تهن عليكم، وأهينوا الدنيا تكرم الآخرة عليكم، ولا تكرموا الدنيا فتهون الآخرة عليكم، فإن الدنيا ليست بأهل الكرامة، وكل يوم تدعو للفتنة والخسارة‏.‏

وأخرج ابن المبارك وأحمد عن أبي غالب قال في وصية عيسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالمقت لهم، والتمسوا رضاه بسخطهم‏.‏ قالوا‏:‏ يا نبي الله فمن نجالس‏؟‏ قال‏:‏ جالسوا من يزيد في عملكم منطقه، ومن يذكركم الله رؤيته، ويزهدكم في الدنيا عمله‏.‏وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال‏:‏ أوحى الله إلى عيسى ‏"‏ عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستحي مني ‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب قال‏:‏ قال عيسى للحواريين‏:‏ بقدر ما تنصبون ههنا تستريحون ههنا، وبقدر ما تستريحون ههنا تنصبون ههنا‏.‏

وأخرج ابن المبارك وأحمد عن سالم بن أبي الجعد قال‏:‏ قال عيسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ طوبى لمن خزن لسانه، ووسعه بيته، وبكى من ذكر خطيئته‏.‏

وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد عن هلال بن يساف قال‏:‏ كان عيسى يقول‏:‏ إذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها عن شماله، وإذا صام فليدهن وليمسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فلا يرى أنه صائم، وإذا صلى فليدن عليه ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق‏.‏

وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن خالد الربعي قال‏:‏ ثبت أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه‏:‏ أرأيتم لو أن أحدكم أتى على أخيه المسلم وهو نائم وقد كشفت الريح بعض ثوبه‏؟‏ فقالوا‏:‏ إذا كنا نرده عليه قال‏:‏ لا‏.‏ بل تكشفون ما بقي، مثل ضربه للقوم يسمعون الرجل بالسيئة فيذكرون أكثر من ذلك‏.‏

وأخرج أحمد عن أبي الجلد قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ فكرت في الخلق فإذا من لم يخلق كان أغبط عندي ممن خلق‏.‏ وقال‏:‏ لا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب ولكن انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد‏.‏ والناس رجلان‏:‏ مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي الهذيل قال‏:‏ لقي عيسى يحيى فقال‏:‏ أوصني قال‏:‏ لا تغضب قال‏:‏ لا أستطيع قال‏:‏ لا تفتن‏؟‏‏؟‏ مالا قال‏:‏ أما هذا لعله‏.‏

وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال‏:‏ مر عيسى عليه السلام والحواريون رضي الله تعالى عنهم على جيفة كلب فقالوا‏:‏ ما أنتن هذا‏!‏ فقال‏:‏ ما أشد بياض أسنانه‏.‏ يعظهم وينهاهم عن الغيبة‏.‏

وأخرج أحمد عن الأوزاعي قال‏:‏ كان عيسى يحب العبد يتعلم المهنة يستغني بها عن الناس، ويكره العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي الجعد قال‏:‏ قال عيسى عليه السلام‏:‏ اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، انظروا إلى هذا الطير يغدوا ويروح ولا يحرث، ولا يحصد، الله تعالى يرزقها‏.‏ فإن قلتم نحن أعظم بطونا من الطير فإنظروا إلى هذه الأباقر من الوحش والحمر، تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد، الله تعالى يرزقها، اتقوا فضول الدنيا فإن فضول الدنيا عند الله رجز‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب قال‏:‏ إن إبليس قال لعيسى‏:‏ زعمت أنك تحيي الموتى فإن كنت كذلك فادع الله أن يرد هذا الجبل خبزا فقال له عيسى‏:‏ أوكل الناس يعيشون بالخبز‏؟‏ قال‏:‏ فإن كنت كما تقول فثب من هذا المكان فإن الملائكة ستلقاك قال‏:‏ إن ربي أمرني أن لا أجرب نفسي، فلا أدري هل يسلمني أم لا‏.‏

وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد أن عيسى بن مريم كان يقول‏:‏ للسائل حق وإن أتاك على فرس مطوق بالفضة‏.‏

وأخرج عن بعضهم قال أوحى الله إلى عيسى‏:‏ إن لم تطب نفسك أن تصفك الناس بالزاهد في لم أكتبك عندي راهبا، فما يضرك إذا بغضك الناس وأنا عنك راض، وما ينفعك حب الناس وأنا عليك ساخط‏.‏

وأخرج أحمد عن الحضرمي وابن أبي الدنيا وابن عساكر عن فضيل بن عياض قالا‏:‏ قيل لعيسى بن مريم بأي شيء تمشي على الماء‏؟‏ قال‏:‏ بالإيمان واليقين قالوا‏:‏ فإنا آمنا كما آمنت، وأيقنا كما أيقنت‏.‏ قال‏:‏ فامشوا إذن‏.‏ فمشوا معه فجاء الموج فغرقوا، فقال لهم عيسى‏:‏ ما لكم‏؟‏ قالوا‏:‏ خفنا الموج قال‏:‏ ألا خفتم رب الموج فأخرجهم ثم ضرب بيده إلى الأرض فقبض بها ثم بسطها، فإذا في إحدى يديه ذهب وفي الأخرى مدر فقال‏:‏ أيهما أحلى في قلوبكم‏؟‏ قالوا‏:‏ الذهب قال‏:‏ فإنهما عندي سواء‏.‏

وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد وابن عساكر عن الشعبي قال‏:‏ كان عيسى بن مريم إذا ذكر عنده الساعة صاح ويقول‏:‏ لا ينبغي لابن مريم أن تذكر عنده الساعة فيسكت‏.‏

وأخرج أحمد وابن عساكر عن مجاهد قال‏:‏ كان عيسى عليه السلام يلبس الشعر، ويأكل الشجر، ولا يخبئ اليوم لغد، ويبيت حيث أواه الليل‏.‏ ولم يكن له ولد فيموت، ولا بيت فيخرب‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن الحسن‏:‏ إن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة، وإن الفرارين بدينهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى بن مريم، وإن عيسى مر به إبليس يوما وهو متوسد حجرا وقد وجد لذة النوم فقال له إبليس‏:‏ يا عيسى أليس تزعم أنك لا تريد شيئا من عرض الدنيا فهذا الحجر من عرض الدنيا‏؟‏ فقام عيسى فأخذ الحجر فرمى به وقال‏:‏ هذا لك مع الدنيا‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ - ذكر نبذ من حكم عيسى عليه السلام‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن كعب أن عيسى كان يأكل الشعير، ويمشي على رجليه، ولا يركب الدواب، ولا يسكن البيوت، ولا يستصبح بالسراج، ولا يلبس القطن، ولا يمس النساء، ولم يمس الطيب، ولم يمزج شرابه بشيء قط، ولم يبرده، ولم يدهن رأسه قط، ولم يقرب رأسه ولا لحيته غسول قط، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئا قط إلا لباسه، ولم يهتم لغداء قط، ولا لعشاء قط، ولا يشتهي شيئا من شهوات الدنيا‏.‏ وكان يجالس الضعفاء والزمنى والمساكين، وكان إذا قرب إليه الطعام على شيء وضعه على الأرض، ولم يأكل مع الطعام إداما قط، وكان يجتزي من الدنيا بالقوت القليل ويقول‏:‏ هذا لمن يموت ويحاسب عليه كثير‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال‏:‏ بلغني أنه قيل لعيسى بن مريم‏:‏ تزوج‏.‏ قال‏:‏ وما أصنع بالتزويج‏؟‏ قالوا‏:‏ تلد لك الأولاد‏.‏ قال‏:‏ الأولاد إن عاشوا أفتنوا، وإن ماتوا أحزنوا‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن شعيب بن اسحق قال‏:‏ قيل لعيسى‏:‏ لو اتخذت بيتا قال‏:‏ يكفينا خلقان من كان قبلنا‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ميسرة قال‏:‏ قيل لعيسى‏:‏ ألا تبني لك بيتا‏؟‏ قال‏:‏ لا أترك بعدي شيئا من الدنيا أذكر به‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن أبي سليمان قال‏:‏ بينا عيسى يمشي في يوم صائف وقد مسه الحر والعطش، فجلس في ظل خيمة، فخرج إليه صاحب الخيمة فقال‏:‏ يا عبد لله قم من ظلنا‏.‏ فقام عيسى عليه السلام، فجلس في الشمس وقال‏:‏ ليس أنت الذي أقمتني إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئا‏.‏

وأخرج أحمد عن سفيان بن عيينة قال‏:‏ كان عيسى ويحيى عليهما السلام يأتيان القرية فيسأل عيسى عليه السلام عن شرار أهلها، ويسأل يحيى عليه السلام عن خيار أهلها فقال له‏:‏ لم تنزل على شرار الناس‏؟‏ قال‏:‏ إنما أنا طبيب أداوي المرضى‏.‏

وأخرج أحمد عن هشام الدستوائي قال‏:‏ بلغني أن في حكمة عيسى بن مريم عليه السلام‏:‏ تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل، ويحكم‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ علماء السوء‏.‏ الأجر تأخذون والعمل تضيعون، توشكون أن تخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه، والله عز وجل ينهاكم عن المعاصي كما أمركم بالصوم والصلاة‏.‏ كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو في الدنيا أفضل رغبة‏؟‏ كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما ينفعه‏؟‏ وكيف يكون من أهل العلم من سخط واحتقر منزلته وهو يعلم أن ذلك من علم الله وقدرته‏؟‏ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله تعالى في قضاءه فليس يرضى بشيء أصابه‏؟‏ كيف يكون من أهل العلم من طلب الكلام ليتحدث ولم يطلبه ليعمل به‏؟‏

وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه أن عيسى عليه السلام مر بعقبة أفيق ومعه رجل من حواريه، فاعترضهم رجل فمنعهم الطريق وقال‏:‏ لا أترككما تجوزان حتى ألطم كل واحد منكما لطمة، فحاولاه فأبى إلا ذاك فقال عيسى عليه السلام، أما خدي فالطمه‏.‏ فلطمه فخلى سبيله وقال للحواري‏:‏ لا أدعك تجوز حتى ألطمك فتمنع عليه، فلما رأى عيسى ذاك أعطاه خده الآخر فلطمه، فخلى سبيلهما فقال عيسى عليه السلام‏:‏ اللهم إن كان هذا لك رضى فبلغني رضاك، وإن كان هذا سخطا فإنك أولى بالعفو‏.‏

وأخرج عبد الله ابنه عن علي بن أبي طالب قال‏:‏ بينما عيسى عليه السلام جالس مع أصحابه مرت به امرأة‏:‏ فنظر إليها بعضهم فقال له بعض أصحابه‏:‏ زنيت فقال له عيسى‏:‏ أرأيت لو كنت صائما فمررت بشواء فشممته أكنت مفطرا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

وأخرج أحمد عن عطاء قال‏:‏ قال عيسى‏:‏ ما أدخل قرية يشاء أهلها أن يخرجوني منها إلا أخرجوني‏.‏ يعني ليس لي فيها شيء قال‏:‏ وكان عيسى عليه السلام يتخذ نعلين من لحي الشجر، ويجعل شراكهما من ليف‏.‏

وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال‏:‏ قال المسيح‏:‏ ليس كما أريد ولكن كما تريد، وليس كما أشاء ولكن كما تشاء‏.‏

وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال‏:‏ بلغني أنه ما من كلمة كانت تقال لعيسى عليه السلام أحب إليه من أن يقال‏:‏ هذا المسكين‏.‏

وأخرج ابنه عن ابن حليس قال‏:‏ قال عيسى‏:‏ إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع المال، وتزيينه عند الهوى واستكماله عند الشهوات‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن جعفر بن برقان قال‏:‏ كان عيسى يقول‏:‏ اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبح الأمر بيد غيري، وأصبحت مرتهنا بعملي، فلا فقير أفقر مني، فلا تشمت بي عدوي، ولا تسيء بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تسلط علي من لا يرحمني‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال‏:‏ في كتب الحواريين إذا سلك بك سبيل البلاء فاعلم أنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين، وإذا سلك بك سبيل أهل الرخاء فاعلم أنه سلك بك غير سبيلهم، وخولف بك عن طريقهم‏.‏

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال‏:‏ قال عيسى‏:‏ إنما أبعثكم كالكباش تلتقطون خراف بني إسرائيل، فلا تكونوا كالذئاب الضواري التي تخطتف الناس، وعليكم بالخرفان ما لكم تأتون عليكم ثياب الشعر، وقلوبكم قلوب الخنازير، البسوا ثياب الملوك، ولينوا قلوبكم بالخشية‏.‏ وقال عيسى‏:‏ يا ابن آدم اعمل بأعمال البر حتى يبلغ عملك عنان السماء، فإن لم يكن حبا في الله ما أغنى ذلك عنك شيئا‏.‏ وقال عيسى للحواريين‏:‏ إن إبليس يريد أن يبخلكم فلا تقعوا في بخله‏.‏

وأخرج أحمد عن الحسن بن علي الصنعاني قال‏:‏ بلغنا أن عيسى عليه السلام قال‏:‏ يا معشر الحواريين ادع الله أن يخفف عني هذه السكرة - يعني الموت - ثم قال عيسى‏:‏ لقد خفت الموت خوفا أوقفني مخافتي من الموت على الموت‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه أن عيسى عليه السلام كان واقفا على قبر ومعه الحواريون وصاحب القبر يدلى فيه، فذكروا من ظلمة القبر ووحشته وضيقه فقال عيسى‏:‏ قد كنتم فيما هو أضيق منه في أرحام أمهاتكم، فإذا أحب الله أن يوسع وسع‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب قال‏:‏ قال المسيح عليه السلام‏:‏ أكثروا ذكر الله، وحمده، وتقديسه، وأطيعوه، فإنما يكفي أحدكم من الدعاء إذا كان الله تبارك وتعالى راضيا عليه أن يقول‏:‏ اللهم اغفر لي خطيئتي، واصلح لي معيشتي، وعافني من المكاره يا إلهي‏.‏

وأخرج أحمد عن أبي الجلد أن عيسى عليه السلام قال للحواريين‏:‏ بحق أقول لكم‏:‏ ما الدنيا تريدون ولا الآخرة قالوا‏:‏ يا رسول الله فسر لنا هذا فقد كنا نرى أنا نريد إحداهما‏!‏ قال‏:‏ لو أردتم الدنيا لأطعتم رب الدنيا الذي مفاتيح خزائنها بيده فأعطاكم، ولوأردتم الآخرة أطعتم رب الآخرة الذي يملكها فأعطاكم، ولكن لا هذه تريدون ولا تلك‏.‏

وأخرج أحمد عن أبي عبيدة‏.‏ أن الحواريين قالوا لعيسى‏:‏ ماذا نأكل‏؟‏ قال‏:‏ تأكلون خبز الشعير، وبقل البرية‏.‏ قالوا‏:‏ فماذا نشرب‏؟‏ قال‏:‏ تشربون ماء القراح‏.‏ قالوا‏:‏ فماذا نتوسد‏؟‏ قال‏:‏ توسدوا الأرض قالوا‏:‏ ما نراك تأمرنا من العيش إلا بكل شديد‏!‏ قال‏:‏ بهذا تنجون ولا تحلون ملكوت السموات حتى يفعله أحدكم وهو منه على شهوة قالوا‏:‏ وكيف يكون ذلك‏؟‏ قال‏:‏ ألم تروا أن الرجل إذا جاع فما أحب إليه الكسرة وإن كانت شعيرا، وإن عطش فما أحب إليه الماء وإن كان قراحا، وإذا أطال القيام فما أحب إليه أن يتوسد الأرض‏.‏

وأخرج أحمد عن عطاء، أنه بلغه أن عيسى عليه السلام قال‏:‏ ترج ببلاغة، وتيقظ في ساعات الغفلة، واحكم بلطف الفطنة، لا تكن حلسا مطروحا وأنت حي تتنفس‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي هريرة قال‏:‏ كان عيسى عليه السلام يقول‏:‏ يا معشر الحواريين اتخذوا بيوتكم منازل، واتخذوا المساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واخرجوا من الدنيا بسلام‏.‏

وأخرج أحمد عن إبراهيم التيمي أن عيسى عليه السلام قال‏:‏ اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قلب المرء عند كنزه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن سعيد الجعفي قال‏:‏ قال عيسى بن مريم عليه السلام‏:‏ بيتي المسجد، وطيبي الماء، وإدامي الجوع، وشعاري الخوف، ودابتي رجلاي، ومصطلاي في الشتاء مشارق الشمس، وسراجي بالليل القمر، وجلسائي الزمنى والمساكين، وأمسي وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وأنا بخير فمن أغنى مني‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال‏:‏ قال عيسى‏:‏ بطحت لكم الدنيا، وجلستم على ظهرها، فلا ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء‏.‏ فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لم يعرضوا لكم دنياهم وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن سفيان الثوري قال‏:‏ قال المسيح عليه السلام‏:‏ إنما تطلب الدنيا لتبر فتركها أبر‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن شعيب بن صالح قال عيسى بن مريم‏:‏ والله ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا التاط قلبه منها بثلاث‏:‏ شغل لا ينفك عناه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا يدرك منتهاه‏.‏ الدنيا طالبة ومطلوبة‏.‏ فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنقه‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ كما توضعون كذلك ترفعون، وكما ترحمون كذلك ترحمون، وكما تقضون من حوائج الناس كذلك يقضي الله من حوائجكم‏.‏

وأخرج أحمد وابن عساكر عن الشعبي قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك تلك مكافأة، إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن ابن المبارك قال‏:‏ بلغني أن عيسى بن مريم مر بقوم فشتموه فقال خيرا‏.‏ ومر بآخرين فشتموه وزادوا فزادهم خيرا‏.‏ فقال رجل من الحواريين‏:‏ كلما زادوك شرا زدتهم خيرا كأنك تغريهم بنفسك‏!‏ فقال عيسى عليه السلام‏:‏ كل إنسان يعطي ما عنده‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال‏:‏ مر بعيسى بن مريم خنزير فقال‏:‏ مر بسلام‏.‏ فقيل له‏:‏ يا روح الله لهذا الخنزير تقول‏!‏ قال‏:‏ أكره أن أعود لساني الشر‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان قال‏:‏ قالوا لعيسى بن مريم، دلنا على عمل ندخل به الجنة قال‏:‏ لا تنطقوا أبدا قالوا‏:‏ لا نستطيع ذلك‏!‏ قال‏:‏ فلا تنطقوا إلا بخير‏.‏

وأخرج الخرائطي عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق، كونوا منتقدي الكلام كي لا يجوز عليكم الزيوف‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد عن زكريا بن عدي قال‏:‏ قال عيسى ابن مريم‏:‏ يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال‏:‏ قال عيسى بن مريم عليه السلام‏:‏ أكل الشعير مع الرماد، والنوم على المزابل مع الكلاب‏.‏ لقليل في طلب الفردوس‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان عيسى بن مريم يقول‏:‏ لا يطيق عبد أن يكون له ربان‏.‏ إن أرضى أحدهما أسخط الآخر، وإن أسخط أحدهما أرضى الآخر‏.‏ وكذلك لا يطيق عبد أن يكون له خادما للدنيا يعمل عمل الآخرة‏.‏ لا تهتموا بما تأكلون ولا ما تشربون، فإن الله لم يخلق نفسا أعظم من رزقها، ولا جسدا أعظم من كسوته فاعتبروا‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن المقبري‏.‏ أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول‏:‏ يا ابن آدم إذا عملت الحسنة فاله عنها فإنها عند من لا يضيعها، وإذا عملت سيئة فاجعلها نصب عينك‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن أبي هلال أن عيسى بن مريم كان يقول‏:‏ من كان يظن أن حرصا يزيد في رزقه فليزد في طوله، أو في عرضه، أو في عدد بنائه، أو تغير لونه‏.‏ إلا فإن الله خلق الخلق فهيأ الخلق لما خلق، ثم قسم الرزق فمضى الرزق لما قسم، فليست الدنيا بمعطية أحدا شيئا ليس له، ولا بمانعة أحدا شيئا هو لكم، فعليكم بعبادة ربكم فإنكم خلقتم لها‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن عمران بن سليمان قال‏:‏ بلغني أن عيسى بن مريم عليه السلام قال لأصحابه‏:‏ إن كنتم اخواني وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس‏.‏

وأخرج أحمد والبيهقي عن عبد العزيز بن ظبيان قال‏:‏ قال المسيح‏:‏ من تعلم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل فقال‏:‏ يا معشر الحواريين لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، والأمور ثلاثة‏:‏ أمر تبين رشده فاتبعوه، وأمر تبين لكم غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف عليكم فيه فردوا علمه إلى الله تعالى ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن قيس الملائي قال‏:‏ قال عيسى بن مريم‏:‏ إن منعت الحكمة أهلها جهلت، وإن منحتها غير أهلها جهلت‏.‏ كن كالطبيب المداوي ان رأى موضعا للدواء وإلا أمسك‏.‏

وأخرج عبد الله بن أحمد في الزهد وابن عساكر عن عكرمة قال‏:‏ قال عيسى ابن مريم للحواريين‏:‏ يا معشر الحواريين لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤة شيئا، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها فإن الحكمة خير من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنزير‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال‏:‏ قال عيسى‏:‏ يا علماء السوء جلستم على أبواب الجنة‏.‏ فلا أنتم تدخلونها، ولا تدعون المساكين يدخلونها‏.‏ إن شر الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال‏:‏ قال عيسى بن مريم عليه السلام‏:‏ إن مثل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت لا يحرقه، فإنه ينتن ريحه ويغير لونه‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والتوراة والإنجيل‏}

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ كان عيسى يقرأ التوراة والإنجيل‏.‏

 الآية 49

أخرج ابن جرير عن ابن إسحق أن عيسى جلس يوما مع غلمان من الكتاب، فأخذ طينا ثم قال‏:‏ أجعل لكم من هذا الطين طائرا‏؟‏ قالوا‏:‏ أو تستطيع ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ بإذن ربي‏.‏ ثم هيأه حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه ثم قال‏:‏ كن طائرا بإذن الله فخرج يطير من بين كفيه، وخرج الغلمان بذلك من أمره، فذكروه لمعلمهم، فأفشوه في الناس‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج‏.‏ أن عيسى قال‏:‏ أي الطير أشد خلقا‏؟‏ قال‏:‏ الخفاش إنما هو لحم ففعل‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال‏:‏ إنما خلق عيسى طيرا واحدا‏.‏ وهو الخفاش‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأبرئ الأكمه والأبرص‏}

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس ‏{‏الأكمه‏}‏ الذي يولد وهو أعمى‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس قال ‏{‏الأكمه‏}‏ الأعمى الممسوح العين‏.‏

وأخرج أبو عبيد والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال ‏{‏الأكمه‏}‏ الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن عكرمة قال‏:‏ ‏{‏الأكمه‏}‏ الأعمش‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال‏:‏ كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى، والزمنى، والعميان، والمجانين، وغيرهم‏:‏ اللهم أنت إله من في السماء وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك، أنت ملك من في السماء وملك من في الأرض لا ملك فيهما غيرك، قدرتك في السماء كقدرتك في الأرض، وسلطانك في الأرض كسلطانك في السماء، أسألك باسمك الكريم، ووجهك المنير، وملكك القديم، إنك على كل شيء قدير‏.‏ قال وهب‏:‏ هذا للفزع والمجنون يقرأ عليه، ويكتب له، ويسقى ماؤه إن شاء الله تعالى‏.‏

وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن وهب قال‏:‏ لما صار عيسى ابن اثنتي عشرة سنة أوحى الله إلى أمه وهي بأرض مصر - وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر - أن اطلعي به إلى الشام ففعلت، فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة، وكانت نبوته ثلاث سنين، ثم رفعه الله إليه‏.‏ وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفا‏.‏ من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق ذلك منهم أتاه فمشى إليه، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله تعالى‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأحيي الموتى بإذن الله‏}‏‏.‏

أخرج البيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن طلحة عن رجل‏.‏ أن عيسى بن مريم كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الركعة الأولى ‏(‏تبارك الذي بيده الملك‏)‏ ‏(‏الملك الآية 1‏)‏ وفي الثانية ‏(‏تنزيل السجدة‏)‏ ‏(‏السجدة الآية 2‏)‏ فإذا فرغ مدح الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء‏:‏ يا قديم، يا حي، يا دائم، يا فرد، يا وتر، يا أحد، يا صمد‏.‏ قال البيهقي‏:‏ ليس هذا بالقوي‏.‏ وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن أبي بشر عن أبي الهذيل بلفظه، وزاد في آخره‏:‏ وكانت إذا أصابته شدة دعا بسبعة أسماء أخرى‏:‏ يا حي، يا قيوم، يا الله، يا رحمن، يا ذا الجلال والاكرام، يا نور السموات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، يا رب‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن معاوية بن قرة قال‏:‏ سألت بنو إسرائيل عيسى فقالوا‏:‏ إن سام بن نوح دفن ههنا قريبا فادع الله أن يبعثه لنا‏.‏ فهتف فخرج أشمط‏.‏ قالوا‏:‏ إنه قد مات وهو شاب فما هذا البياض‏؟‏ قال‏:‏ ظننت أنها الصيحة ففزعت‏.‏

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال‏:‏ كانت إليهود يجتمعون إلىعيسى ويستهزئون به ويقولون له‏:‏ يا عيسى ما أكل فلان البارحة، وما ادخر في بيته لغد‏.‏ فيخبرهم فيسخرون منه حتى إذا طال به وبهم، وكان عيسى عليه السلام ليس له قرار ولا موضع يعرف إنما هو سائح في الأرض، فمر ذات يوم بامرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فسألها‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏ فقالت‏:‏ ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها‏.‏ فصلى عيسى ركعتين ثم نادى‏:‏ يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي فتحرك القبر، ثم نادى الثانية فانصدع القبر، ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب فقالت أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين‏؟‏ يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله سل ربي أن يردني إلى الأخرة، وأن يهون علي كرب الموت‏.‏ فدعا ربه، فقبضها إليه فاستوت عليها الأرض‏.‏

فبلغ ذلك إليهود فازدادوا عليه غضبا، وكان ملك منهم في ناحية في مدينة يقال لها نصيبين جبارا عاتيا، وأمر عيسى بالمسير إليه ليدعوه وأهل تلك المدينة إلى المراجعة، فمضى حتى شارف المدينة ومعه الحواريون فقال لأصحابه‏:‏ ألا رجل منكم ينطلق إلى المدينة فينادي فيها فيقول‏:‏ إن عيسى عبد الله ورسوله‏.‏

فقام رجل من الحواريين يقال له يعقوب فقال‏:‏ أنا يا روح الله‏.‏ قال‏:‏ فاذهب فأنت أول من يتبرأ مني، فقام آخر يقال له توصار وقال له‏:‏ أنا معه قال‏:‏ وأنت معه ومشيا، فقام شمعون فقال‏:‏ يا روح الله أكون ثالثهم فائذن لي أن أنال منك إن اضطررت إلى ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فانطلقوا حتى إذا كانوا قريبا من المدينة قال لهما شمعون‏:‏ ادخلا المدينة فبلغا ما أمرتما، وأنا مقيم مكاني، فإن ابتليتما أقبلت لكما‏.‏ فانطلقا حتى دخلا المدينة وقد تحدث الناس بأمر عيسى، وهم يقولون فيه أقبح القول وفي أمه‏.‏ فنادى أحدهما وهو الأول‏:‏ ألا إن عيسى عبد الله ورسوله، فوثبوا إليهما من القائل أن عيسى عبد الله ورسوله‏؟‏ فتبرأ الذي نادى فقال‏:‏ ما قلت شيئا فقال الآخر‏:‏ قد قلت وأنا أقول‏:‏ إن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه فآمنوا به يا معشر بني إسرائيل خيرا لكم، فانطلقوا به إلى ملكهم وكان جبارا طاغيا فقال له‏:‏ ويلك ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ أقول‏:‏ إن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه‏.‏ قال‏:‏ كذبت‏.‏ فقذفوا عيسى وأمه بالبهتان ثم قال له‏:‏ تبرأ ويلك من عيسى وقل فيه مقالتنا‏.‏ قال‏:‏ لا أفعل‏.‏ قال‏:‏ إن لم تفعل قطعت يديك ورجليك، وسمرت عينيك‏.‏ فقال‏:‏ افعل بنا ما أنت فاعل‏.‏ ففعل به ذلك فألقاه على مزبلة في وسط مدينتهم‏.‏ ثم أن الملك هم أن يقطع لسانه إذ دخل شمعون وقد اجتمع الناس فقال لهم‏:‏ ما بال هذا المسكين‏؟‏ قالوا‏:‏ يزعم أن عيسى عبد الله ورسوله فقال شمعون‏:‏ إأيها الملك أتأذن لي فأدنو منه فأسأله‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال له شمعون‏:‏ أيها المبتلى ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ أقول أن عيسى عبد الله ورسوله‏.‏ قال‏:‏ فما آية تعرفه‏؟‏ قال ‏{‏يبرئ الأكمه والأبرص‏}‏ والسقيم‏.‏ قال‏:‏ هذا يفعله الأطباء فهل غيره‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏{‏يخبركم بما تأكلون وما تدخرون‏}‏ قال‏:‏ هذا تفعله الكهنة فهل غير هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏{‏يخلق من الطين كهيئة الطير‏}‏ قال‏:‏ هذا قد تفعله السحرة يكون أخذه منهم‏.‏ فجعل الملك يتعجب منه وسؤاله‏.‏ قال‏:‏ هل غير هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ‏{‏يحيي الموتى‏}‏‏.‏

قال‏:‏ أيها الملك إنه ذكر أمرا عظيما وما أظن خلقا يقدر على ذلك إلا بإذن الله، ولا يقضي الله ذلك على يد ساحر كذاب، فإن لم يكن عيسى رسولا فلا يقدر على ذلك، وما فعل الله ذلك لأحد إلا لإبراهيم حين سأل ربه ‏(‏أرني كيف تحيي الموتى‏)‏ ‏(‏البقرة الآية 260‏)‏ ومن مثل إبراهيم خليل الرحمن‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن السدي وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ لما بعث الله عيسى عليه السلام وأمره بالدعوة لقيه بنو إسرائيل فأخرجوه، فخرج هو وأمه يسيحون في الأرض، فنزلوا في قرية على رجل، فأضافهم وأحسن إليهم، وكان لتلك المدينة ملك جبار، فجاء ذلك الرجل يوما حزينا، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها‏:‏ ما شأن زوجك أراه حزينا‏؟‏ قالت‏:‏ إن لنا ملكا يجعل على كل رجل منا يوما يطعمه هو وجنوده ويسقيهم الخمر، فإن لم يفعل عاقبه‏.‏ وإنه قد بلغت نوبته اليوم وليس عندنا سعة قالت‏:‏ قولي له فلا يهتم فاني آمر ابني فيدعو له فيكفى ذلك‏.‏

قالت مريم لعيسى في ذلك‏.‏ فقال عيسى‏:‏ يا أماه إني إن فعلت كان في ذلك شر قالت‏:‏ لا تبال فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا‏.‏ قال عيسى‏:‏ قولي له املأ قدورك وخوابيك ماء‏.‏ فملأهن فدعا الله تعالى، فتحول ما في القدور لحما، ومرقا، وخبزا، وما في الخوابي خمرا لم ير الناس مثله قط‏.‏ فلما جاء الملك أكل منه، فلما شرب الخمر قال‏:‏ من أين لك هذا الخمر‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ هو من أرض كذا وكذا‏.‏‏.‏‏.‏قال الملك‏:‏ فإن خمري أوتى به من تلك الأرض فليس هو مثل هذا‏!‏ قال‏:‏ هو من أرض أخرى‏.‏ فلما خلط على الملك اشتد عليه فقال‏:‏ إني أخبرك‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏عندي غلام لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه، وإنه دعا الله تعالى فجعل الماء خمرا فقال له الملك‏:‏ وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام، وكان أحب الخلق إليه فقال‏:‏ إن رجلا دعا الله تعالى فجعل الماء خمرا ليستجابن له حتى يحيي ابني‏.‏

فدعا عيسى فكلمه وسأله أن يدعو الله أن يحيي ابنه فقال عيسى‏:‏ لا تفعل فإنه إن عاش كان شرا قال الملك‏:‏ لست أبالي أراه فلا أبالي ما كان قال عيسى عليه السلام‏:‏ فإني إن أحييته تتركوني أنا وأمي نذهب حيث نشاء‏؟‏ فقال الملك‏:‏ نعم‏.‏ فدعا الله فعاش الغلام‏.‏ فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا‏:‏ أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه‏.‏ فاقتتلوا وذهب عيسى وأمه وصحبهما يهودي، وكان مع إليهودي رغيفان، ومع عيسى رغيف‏.‏ فقال له عيسى‏:‏ تشاركني‏؟‏ فقال اليهودي‏:‏ نعم‏.‏ فلما رأى أنه ليس مع عيسى عليه السلام إلا رغيف ندم، فلما ناما جعل اليهودي يريد أن يأكل الرغيف‏.‏ فيأكل لقمة فيقول له عيسى‏:‏ ما تصنع‏؟‏ فيقول له‏:‏ لا شيء‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ حتى فرغ من الرغيف‏.‏

فلما أصبحا قال له عيسى‏:‏ هلم بطعامك، فجاء برغيف فقال له عيسى‏:‏ أين الرغيف الآخر‏؟‏ قال‏:‏ ما كان معي إلا واحد‏.‏ فسكت عنه وانطلقوا، فمروا براعي غنم فنادى عيسى‏:‏ يا صاحب الغنم أجزرنا شاة من غنمك‏.‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فأعطاه شاة فذبحها وشواها، ثم قال لليهودي‏:‏ كل ولا تكسر عظما‏.‏ فأكلا فلما شبعوا قذف عيسى العظام في الجلد ثم ضربها بعصاه وقال‏:‏ قومي بإذن الله‏.‏ فقامت الشاة تثغوا فقال‏:‏ يا صاحب الغنم خذ شاتك فقال له الراعي‏:‏ من أنت‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ أنا عيسى ابن مريم قال‏:‏ أنت الساحر‏؟‏ وفر منه‏.‏

قال عيسى لليهودي‏:‏ بالذي أحيا هذه الشاة بعد ما أكلناها كم كان معك من الأرغفة أو - كم رغيف كان معك - فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد‏.‏ فمر بصاحب بقر فقال‏:‏ يا صاحب البقر أجزرنا من بقرك هذه عجلا‏.‏ فأعطاه فذبحه وشواه وصاحب البقر ينظر فقال له عيسى‏:‏ كل ولا تكسر عظما‏.‏ فلما فرغوا قذف العظام في الجلد، ثم ضربه بعصاه وقال‏:‏ قم بإذن الله تعالى، فقام له خوار فقال‏:‏ يا صاحب البقر خذ عجلك‏.‏ قال‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا عيسى قال‏:‏ أنت عيسى الساحر‏؟‏ ثم فر منه‏.‏

قال عيسى لليهودي‏:‏ بالذي أحيا هذه الشاة بعد ما أكلناها، والعجل بعدما أكلناه كم رغيفا كان معك‏؟‏ فحلف بذلك ما كان معه إلا رغيف واحد‏.‏ فانطلقا حتى نزلا قرية، فنزل إليهودي في أعلاها، وعيسى في أسفلها، وأخذ إليهودي عصا مثل عصا عيسى وقال‏:‏ أنا اليوم أحيي الموتى‏.‏ وكان ملك تلك القرية مريضا شديد المرض‏.‏ فانطلق إليهودي ينادي‏:‏ من يبغي طبيبا‏؟‏ فأخبر بالملك وبوجعه فقال‏:‏ أدخلوني عليه فأنا أبرئه، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه فقيل له‏:‏ إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك‏!‏ قال‏:‏ أدخلوني عليه، فأدخل عليه، فأخذ الرجل برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات، فجعل يضربه وهو ميت ويقول‏:‏ قم بإذن الله تعالى‏.‏

فأخذوه ليصلبوه، فبلغ عيسى فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة فقال‏:‏ أرأيتم إن أحييت لكم صاحبكم أتتركون لي صاحبي‏؟‏ فقالوا‏:‏ نعم‏.‏ فأحيا عيسى الملك فقام‏.‏ وأنزل إليهودي فقال‏:‏ يا عيسى أنت أعظم الناس علي منة والله لا أفارقك ابدا‏.‏

قال عيسى أنشدك بالذي أحيا الشاة والعجل بعد ما أكلناهما، وأحيا هذا بعد ما مات، وأنزلك من الجذع بعد رفعك عليه لتصلب‏.‏ كم رغيفا كان معك‏؟‏ فحلف بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد‏.‏ فانطلقا فمرا بثلاث لبنات، فدعا الله عيسى فصيرهن من ذهب قال‏:‏ يا يهودي لبنة لي، ولبنة لك، ولبنة لمن أكل الرغيف‏.‏ قال‏:‏ أنا أكلت الرغيف‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن ليث قال‏:‏ صحب رجل عيسى بن مريم، فانطلقا فانتهيا إلى شاطئ نهر، فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة، فأكلا الرغيفين وبقي رغيف‏.‏ فقام عيسى إلى النهر يشرب ثم رجع فلم يجد الرغيف‏.‏ فقال للرجل‏:‏ من أكل الرغيف‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري‏!‏ فانطلق معه فرأى ظبية معها خشفان، فدعا أحدهما، فأتاه فذبحه وشواه وأكلا ثم قال للخشف‏:‏ قم بإذن الله فقام فقال للرجل‏:‏ أسألك بالذي أراك هذه الآية من أكل الرغيف‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري‏!‏ ثم انتهيا إلى البحر، فأخذ عيسى بيد الرجل، فمشى على الماء ثم قال‏:‏ أنشدك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري‏.‏

ثم انتهيا إلى مفازة وأخذ عيسى ترابا وطينا فقال‏:‏ كن ذهبا بإذن الله‏.‏ فصار ذهبا، فقسمه ثلاثة أثلاث فقال‏:‏ ثلث لك، وثلث لي، وثلث لمن أخذ الرغيف‏.‏ قال‏:‏ أنا أخذته‏.‏ قال‏:‏ فكله لك وفارقه عيسى، فانتهى إليه رجلان فأرادا أن يأخذاه ويقتلاه قال‏:‏ هو بيننا أثلاثا، فابعثوا أحدكم إلى القرية يشتري لنا طعاما‏.‏ فبعثوا أحدهم فقال الذي بعث‏:‏ لأي شيء أقاسم هؤلاء المال، ولكن أضع في الطعام سما فأقتلهما‏.‏ وقال ذانك‏:‏ لأي شيء نعطي هذا ثلث المال، ولكن إذا رجع قتلناه‏.‏ فلما رجع إليهم قتلوه وأكلا الطعام فماتا‏.‏ فبقي ذلك المال في المفازة، وأولئك الثلاثة قتلى عنده‏.‏

وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الحذاء قال‏:‏ كان عيسى بن مريم إذا سرح رسله يحيون الموتى يقول لهم‏:‏ قولوا كذا قولوا كذا، فإذا وجدتم قشعريرة ودمعة فادعوا عند ذلك‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏