فصل: الباب الرابع: الشريعة الصوفية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (نسخة منقحة)



.الغوث الصوفي دكتاتور كبير:

وأما الغوث هذا فهو أخطر دكتاتور فإن أي أحد لا يستطيع أن يفتح فمه عنده يقول السلجماسي:
وسألته مرة فقلت: إذا حضر الغوث فهل يقدر أحد على مخالفته فقال رضي الله عنه لا يقدر أن يحرك شفته السفلى بالمخالفة فضلًا عن النطق بها فإنه لو فعل ذلك لخاف على نفسه من سلب الإيمان فضلًا عن شيء آخر والله أعلم. (الإبريز ص169).
ولست أدري ما دام هذا هو حال غوثهم مع سائر أوليائهم المزعومين فلماذا الحضور إذن في هذا الديوان هل هو لمجرد تلقي الأوامر فقط..؟!

.أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ:

ويستطرد السلجماسي مبينًا مراتب الأولياء الذين يحضرون ديوانهم المكذوب فيقول: وسمعته رضي الله عنه يقول ليس كل من يحضر الديوان من الأولياء يقدر على النظر في اللوح المحفوظ بل منهم من يقدر على النظر فيه ومنهم من يتوجه إليه ببصيرته ويعرف ما فيه ومنهم من لا يتوجه إليه لعلمه بأنه ليس من أهل النظر إليه قال رضي الله عنه كالهلال فإن رؤية الناس إليه مخالفة. اهـ..
وأقول ألا لعنة الله على من كذب مثل هذا الكذب الذي لم تعرف البشرية له مثيلًا من قبل قط.. ولكن العجيب أن ينشر مثل هذا الفكر المجنون عند أناس يقرأون كتاب الله الذي يقول: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} [النمل: 65].

.لماذا يجتمع أهل الديوان:

والآن نأتي إلى بيت القصيد كما يقولون فلماذا يجتمع أهل الديوان؟ يقول السلجماسي: وسمعته رضي الله عنه يقول أن أهل الديوان إذا اجتمعوا فيه اتفقوا على ما يكون من ذلك الوقت إلى مثله من الغد فهم رضي الله عنهم يتكلمون في قضاء الله عز وجل في اليوم المستقبل والليلة التي تليه قال رضي الله عنه ولهم التصوف في العوالم كلها السفلية والعلوية وحتى في الحجب السبعين وحتى في عالم الرقا (بالراء وتشديد القاف) وهو ما فوق الحجب السبعين فهم الذين يتصرفون فيه وفي أهله وفي خواطرهم وما تهمس به ضمائرهم فلا يهمس في خاطر واحد منهم شيء إلا بإذن أهل التصرف رضي الله عنه م أجمعين وإذا كان هذا في عالم الرقا الذي هو فوق الحجب السبعين التي هي فوق العرش فما ظنك بغير من العوالم. (الإبريز ص169)..
فانظر كيف يتحكم هؤلاء بخيالاتهم وكذبهم ليس في الأرض فقط بل في الأرض والسماء وما فوق السماء من الحجب والعرش، فماذا أبقى هؤلاء الكاذبون المارقون لله سبحانه وتعالى ليتصرف فيه.. تَبَّتْ عقول استساغت مثل هذا الكذب واعتقدت مثل هذا الهراء!!

.الباب الرابع: الشريعة الصوفية:

في الأبواب والفصول السابقة اطلعنا على حقيقة المعتقد الصوفي، وسبرنا غور هذا الفكر الباطني الذي يتستر بالإسلام. والآن نأتي إلى الشريعة الصوفية ونعني بها العمل الظاهر، والمنهج العملي الذي سلكه رجال التصوف تضليلًا للعامة، ووصولًا إلى العقيدة الباطنية، وتظاهرًا بالتمسك بالإسلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وسيعلم القارئ كيف أن الظاهر الصوفي والشريعة الخاصة الصوفية لا تكاد تخرج عن البدعة والفسق والكفر والشرك. ولنبدأ بأخص أمورهم وأشهرها، التي جعلوها دائمًا المدخل إلى الطريق الصوفي ألا وهو الذكر.

.الفصل الأول: الذكر الصوفي:

.كيفية تلقي الأذكار عند الصوفية:

يخطئ من يظن أن الصوفية أتباع للرسول صلى الله عليه وسلم في هديه في الذكر حيث شرع لنا صلى الله عليه وسلم أن نذكر الله سبحانه وتعالى بأذكار مخصوصة في أوقات معلومة، والنبي عندما أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن من قال كذا وكذا فله كذا وكذا من الأجر إنما يتكلم بالوحي لأن الأجر أمر غيبي يقدره الله ويعلمه، ولكن مشايخ الصوفية أراد كل منهم أن ينصب من نفسه مشرعًا لمجموعة من المريدين، وإلهًا يعبده الأتباع الجاهلون، وكان باب الأذكار هو الباب الذي دخل منه هؤلاء للتشريع للأتباع والمريدين فوضع كل منهم لأتباع طريقته منهجًا خاصًا بالذكر، وأذكارًا مخصوصة وكان لكل واحد منهم أن يضفي على ذكره الخاص هالة من التقديس، وأن يحاول جذب المريدين إليه بشتى الطرق والوسائل فمنهم من زعم أن ذكره الخاص قد أخذه من الرسول منامًا، ومنهم من ادعى أنه أخذه من الرسول يقظة، ومنهم من زعم أن الخضر الذي أوحى له بالذكر، ومنهم من تنازل فنسب ذكره إلى شيخ طريقة ميت، ومنهم من تنازل عن ذلك فأخبر أتباعه أنه جمع لهم هذا الذكر من آيات القرآن، وأحاديث الرسول وتأليفاته، وأنه مجرب وأن من فعله حصل له كذا وكذا من الخير. فقد فعله فلان فحصل له كذا وكذا، وفعله فلان فحصل له كذا وكذا.. وإليك أنماطًا من هذه الافتراءات والأكاذيب والخزعبلات لا يصدقها إلا من طمست بصائرهم:
الزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أذكار الطريقة الشاذلية:
علم جميع المسلمين بالضرورة من دين الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم الناس كيف يذكرون الله ويحمدونه ويمجدونه، وأن ذلك بوحي من الله له، ولكن الصوفية انفردوا عن جميع المسلمين فزعموا أن الرسول يأتيهم بعد موته صلى الله عليه وسلم والتحاقه بالرفيق الأعلى ليعلمهم الطريقة الشاذلية!! يقول صالح محمد الجعفري الذي كان إمامًا لمسجد الأزهر لمدة طويلة (هذه الدعوى بالطبع هي الباب الذي يدخل منه هؤلاء على المسلمين بالخرافات والخزعبلات التي ينسبونها إلى الرسول، ويدعون بها الغيب فما دام أنه رزق عيونًا إلهية فلماذا لا يطلع على الغيب)، في كتابه الذي سماه (مفاتيح كنوز السماوات والأرض المخزونة التي أعطاها صلى الله عليه وسلم لشيخ الطريقة الإدريسية المصونة!!).
يقول: قال سيدي أحمد رضي الله عنه اجتمعت بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اجتماعًا صوريًا ومعه الخضر عليه السلام فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخضر أن يلقنني أذكار الطريقة الشاذلية فلقنني إياها بحضرته صلى الله عليه وسلم.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم للخضر عليه السلام: يا خضر لقنه ما كان جامعًا لسائر الأذكار والصلوات والاستغفار وأفضل ثوابًا وأكثر عددًا فقال أي شيء هو يا رسول الله؟ فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله فقالها وقلتها بعدهما وكررها صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثًا.
ثم قال، قل: اللهم إني أسألك بنور وجه الله العظيم إلى آخرة الصلاة العظيمية ثم قال له استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفار الذنوب ذو الجلال والإكرام إلى آخر الاستغفار الكبير فقلت بعدهما وقد كسبت أنوارًا وقوة محمدية ورزقت عيونًا إلهية (توفي سنة 1979)!!
ثم قال صلى الله عليه وسلم يا أحمد أعطيتك مفاتيح السماوات والأرض وهي الذكر المخصوص والصلاة العظيمة والاستغفار الكبير المرة الواحدة منها بقدر الدنيا والآخرة وما فيها أضعافًا مضاعفة!! واستطرد قائلًا: قال سيدي أحمد رضي الله عنه وقدس سره: ثم لقنها لي صلى الله عليه وسلم من غير وساطة فصرت ألقن المريدين كما لقنني به صلى الله عليه وسلم.
ومرة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله خزنتها لك يا أحمد ما سبقك بها أحد علّمها أصحابك يسبقون بها. وكان رضي الله عنه يقول أملى علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأحزاب من لفظه حتى استشكل بعض أصحابه من العلماء مرة كلمة في الحزب الخامس فقال يا أخانا هكذا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (مفتاح كنوز السماوات والأرض المخزونة ص8،9). اهـ.
فهذه الحكايات التي كان يرويها صالح الجعفري بالسند المتصل حسب زعمه إلى قائلة أحمد الإدريسي فيها من الدعاوي والضلالات شيء كثير جدًا. من ذلك اجتماع لأحمد الإدريسي بالرسول والخضر ولسنا ندري ما علاقة الخضر بالرسول صلى الله عليه وسلم وليس هو من أتباع الرسول محمد ولا من هذه الأمة الإسلامية أصلًا، إنما الخضر صاحب موسى على شريعة غير شريعة موسى أيضًا، وقد مات كما مات الرسل والأنبياء ممن كانوا قبله وممن أتوا بعده، ولو كان حيًا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لاتبعه وحارب معه وشهد معه الجمع والجماعات وإلا كان مرتدًا كافرًا، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لو أن موسى حيًا لما وسعه إلا أن يتبعني»، وبدليل نزول عيسى في آخر الزمان وحكمه بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فما علاقة الخضر أن يكون حاضرًا مع الرسول وأن يأمره الرسول أن يعلم الأذكار والأوراد!؟ (اقرأ الفصل الخاص بالخضر في عقيدة المتصوفة)، ولماذا يلجأ النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه- أن يعلم شيئًا جديدًا بعد إتمام رسالته ولحوقه بربه. ألا تكفي الأذكار والأوراد التي علمها في حياته؟ ألم يقل سبحانه وتعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} [المائدة: 3].
فما الحاجة بعد إلى أذكار جديدة.. وأليس لو كان للرسول هذا الاتصال ببعض الناس أن يكون ذلك لبيان كيف يخرج المسلمون مما يواجهونه من محن ومصائب، ألا يأتي مثلًا الرسول ليحل بعض المعضلات التي تجابه العالم الإسلامي ويحتار فيها العلماء ويختلفون. ثم لننظر ما هي الأوراد والأدعية التي جاء الرسول في زعمهم ليعلمها لهؤلاء، إنها كلمات ركيكة التركيب العربي، فيها جهل عظيم بالله سبحانه وتعالى، وتقول عليه سبحانه وتعالى، وفيها اعتداء في الدعاء بكل معاني الاعتداء، وفيها من أسماء الشياطين ما فيها. وإليكم نماذج من هذه الأدعية التي يزعم أصحابها أنهم اجتمعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وعلمها لهم. هذه هي الصلاة التي يسمونها (الصلاة العظيمية)!! هكذا (والعظيمية!!) وهي: اللهم إني أسألك بنور وجه الله العظيم، الذي ملأ أركان عرش الله العظيم، وقامت به عوالم الله العظيم، أن تصلي على مولانا محمد ذي القدر العظيم، وعلى آل نبي الله العظيم، بقدر عظمة ذات الله العظيم، في كل لمحة ونفس وعدد ما في علم الله العظيم، صلاة دائمة بدوام الله العظيم، تعظيمًا لحقك يا مولانا يا محمد يا ذا الحق العظيم، وسلم عليه وعلى آله مثل ذلك، واجمع بيني وبينه كما جمعت بين الروح والنفس ظاهرًا وباطنًا يقظة ومنامًا واجعله يا رب روحًا لذاتي من جميع الوجوه في الدنيا قبل الآخرة يا عظيم.. اهـ...
فانظر إلى ركاكة التعبير، وخطاب الله بالغيبة وهو سوء أدب مع الله فقوله اللهم إني أسألك وهذا خطاب. ثم يقول: (بنور وجه الله العظيم) وهذه غيبة كأن الله غير المخاطب، والصواب والبلاغة أن تقول: (بنور وجهك العظيم) لأنك تخاطب الله. ولكن الذين ألقوا هذه الأذكار المبتدعة لا يحسنون العربية والعجيب أن ينسبوها بعد ذلك إلى أفصح العرب لسانًا والذي آتاه الله جوامع الكلم. وانظر بعد ذلك تكرار اسم العظيم في غير مناسبة، ثم وصف العرش أن له أركانًا ومن أين لهم ذلك؟ ولم يرد هذا في كتاب أو سنة وإنما جاء في الحديث أن للعرش ساقًا كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم «فأجد موسى باطشًا بساق العرش».
ثم ما معنى أن يدعو المسلم ربه ويسأله أن يجمع بينه وبين الرسول كما جمع بين الروح والنفس!! وأن يكون هذا ظاهرًا وباطنًا، يقظة ومنامًا، وأن يكون الرسول روحًا لذات الداعي وهذا كله من أكبر العدوان في الدعاء، وهو فتح باب الإدعاء بعلم الغيب. فما دام أن الرسول قد امتزجت روحه بالمدعو ظاهرًا وباطنًا، يقظة ومنامًا، فمعنى هذا أنه يتكلم بلسان الرسول ويعلم علم الرسول وهذا فتح لباب التقول على الله!!! فهل هذا الدعاء الركيك السقيم معنى ومبنى يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلمه للناس!!..
هذا من أذكار هذه الطريقة الشاذلية وإليك نماذج أخرى من أدعيتها وأذكارها..
يا خالق السبع سماوات ومن الأرض مثلهن، يتنزل الأمر بينهن، أشهد أنك على كل شيء قدير، وأنك قد أحطت بكل شيء علمًا، أسألك بهذا الأمر الذي هو أصل الموجودات، وإليه المبدأ والمنتهى، وإليه غاية الغايات أن تسخر لنا هذا البحر، بحر الدنيا وما فيه، كما سخرت البحر لموسى، وسخرت النار لإبراهيم، وسخرت الجبال والحديد لداود، وسخرت الرياح والشياطين والجن لسليمان، وسخر لي كل بحر هو لك، وسخر لي كل جبل وسخر لي كل حديد، وسخر لي كل ريح، وسخر لي كل شيطان من الجن والإنس، وسخر لي نفسي، وسخر لي كل شيء، يا من بيده ملكوت كل شيء، وأيدني بالنصر المبين إنك على كل شيء قدير. اهـ. (أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص375).
وعلى الرغم من أن الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر والإمام الأكبر كما يسمونه أورد هذا الدعاء وغيره في ترجمة الشاذلي مستحسنًا له، فإن في هذا الدعاء من التعدي شيئًا عظيمًا جدًا، فإنه لا يجوز لنا أن نسأل ما جعله الله لأنبيائه من هذه المعجزات فتسخير الجن والشياطين لسليمان كان شيئًا خاصًا بسليمان فقط، ولذلك روى البخاري بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جاءني عدو الله إبليس بشهاب من نار ليضعه في وجهي ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقًا بسارية المسجد يلعب به صبيان المدينة». وأما نار إبراهيم الذي يسأل الشاذلي ربه أن يسخرها له!! فإن الله عز وجل جعلها بردًا وسلامًا على إبراهيم في مناسبة خاصة وذلك بعد أن تعرض لما تعرض له من البلاء، ولم يسأل إبراهيم ربه أصلًا بذلك، وكذلك إلانة الحديد لداود إنما كان لأنه يأكل من عمل يده فكافأه الله بأن ألان له الحديد وعلمه صنعة الدروع فكان هذا من الله فضلًا له للمناسبة التي فيه.. أما أن يأتي رجل ليس بنبي فيسأل الله جميع معجزات الأنبياء فلا شك أن يكون قد تعدى في الدعاء وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعدي في الدعاء والحق أننا إذا قارنا هذا التعدي الموجود في أدعية أخرى لهان الأمر فها هو الشاذلي نفسه يقول في دعائه أيضًا:
اللهم هب لي من النور الذي رأى به رسولك صلى الله عليه وسلم ما كان ويكون، ليكون العبد بوصف سيده لا بوصف نفسه. غنيًا بك عن تجديدات النظر لشيء من المعلومات، ولا يلحقه عجز عما أراد من المقدورات، ومحيطًا بذات السر بجميع أنواع الذوات، ومرتبًا البدن مع النفس والقلب مع العقل، والروح مع السر والأمر مع البصيرة والعقل الأول الممد من الروح الأكبر المنفصل عن السر الأعلى. اهـ. (أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص168).
فأي تعد أكبر من هذا أن يدعو إنسان ربه ليعطيه نورًا من النور الذي رأى به النبي ما كان يكون -وهذا كذب أيضًا لأن الرسول لم يكن يعلم من الغيب ما كان وما يكون وما لم يكن منه إلا ما أعلمه الله سبحانه وتعالى إياه، ولكن هؤلاء زعموا هذا للنبي صلى الله عليه وسلم ورتبوا على ذلك أن يجعلهم الله أيضًا كالنبي يعلمون الغيب، وقوله حتى يكون العبد بوصف مولاه- يعني أن يتصف بما اتصف به النبي ويكون الوصف راجعًا في النهاية للنبي لا يعفيه هذا أنه يطلب ما كان للنبي من منزلة وعلم، وصدق الله سبحانه حيث يقول في أمثالهم: {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفًا منشرة} [المدثر: 52].
والحق أن الشاذلي في هذا الدعاء قد طلب ما لله من علم وليس ما للرسول فقط فمولاه هنا راجعة إلى الله سبحانه فكل من هؤلاء يريد أن يكون كالله سبحانه وتعالى في علمه وتصريفه وقدرته. والحق أنه لا يتوقف التعدي في الدعاء عند الصوفية أن يطلبوا منازل الأنبياء وخصائصهم وعلومهم بل وصفات الله وخصوصياته، بل وتعدى ذلك أيضًا إلى أن يتطاولوا على الله فيعلموه كيف يصفح وكيف يرحم؛ انظر إلى هذا الدعاء للشاذلي أيضًا:
ولقد شكا إليك يعقوب فخلصته من حزنه ورددت عليه ما ذهب من بصره وجمعت بينه وبين ولده، ولقد نادى نوح من قبل فنجيته من كربه، ولقد ناداك أيوب بعد فكشفت ما به من ضره، ولقد ناداك يونس فنجيته من غمه، ولقد ناداك زكريا فوهبت له ولدًا من صلبه بعد يأس أهله وكبر سنه، ولقد علمت ما نزل بإبراهيم فأنقذته من نار عدوه، وأنجيت لوطًا وأهله من العذاب النازل بقومه. فها أنذا عبدك إن تعذبني بجميع ما علمت من عذابك فأنا حقيق به وإن ترحمن كما رحمتهم من عظيم إجرامي فأنت أولى بذلك وأحق من أكرم به فليس كرمك مخصوصًا بمن أطاعك وأقبل عليك بل هو مبذول بالسبق لمن شئت من خلقك وإن عصاك وأعرض عنك، وليس من الكرم أن لا تحسن إلا لمن أحسن إليك وأنت الرحيم العلي كيف وقد أمرتنا أن نحسن إلى من أساء إلينا فأنت أولى بذلك منا. (أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص191).
فعلى الرغم من أنه دعا الله سبحانه أن ينجيه كما أنجى عباده الصالحين فإنه تطاول على الله في آخر الدعاء فراح يقول لله: (وليس من الكرم أن لا تحسن إلا لمن أحسن إليك)؟! (بل من الكرم أن تحسن إلى من أساء إليك) وكأنه في هذا يعلم الله سبحانه كيف يتفضل وكيف يحسن وعلى هذا القول تكون عقوبة الله للمسيئين ليست جارية على سنة الله في كرمه وعفوه وصفحه وحلمه وهذا خطأ بالغ لأن الله سبحانه وتعالى لا يضع رحمته إلا فيمن يستحقها، ولا يعفو إلا عمن هو أهل للصفح والمغفرة. كما قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} [الأعراف: 156].
وهذا التعدي في الدعاء هو سمة المتصوفة بوجه عام كما مر بك في دعاء البسطامي: ارفعني إلى أحديتك وأدخلني في صمديتك حتى أكون أنت أنا فإذا رآني عبادك عرفوك.. إلى آخر هذا الهذيان والكفر.. والعجيب أن يأتي من يسطر مثل هذا الهراء وينشره على الناس داعيًا إياهم إلى هذا الطريق الصوفي طريق الظلمات..
هذه هي نماذج من الأدعية والأذكار التي زعم صالح الجعفري أنها رويت بأنها بإسناده إلى شيخه أحمد بن إدريس أن رسول الله علمها إياه وأن أحد المريدين استشكل لفظة من الحزب الخامس فقال له يا أخانا هكذا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم!!