فصل: القطب الغوث واحد في الزمان فقط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (نسخة منقحة)



.مراتب الولاية عند الصوفية:

وقد ذهب المتصوفة إلى تقسيم مراتب الولاية عندهم فمنهم من قالوا إنهم يتقسمون إلى الغوث وهو أكبر الأولياء جميعًا وهو واحد في كل زمان وتحته الأوتاد الأربعة وكل واحد منهم في ركن من أركان العالم يقوم به ويحفظه والأقطاب السبعة وكل منهم في إقليم من أقاليم الأرض السبعة أي في قارة من القارات السبع، (والأبدال) وزعموا أنهم أربعون وهم يعيشون في العالم، وكلما هلك واحد منهم أبدله الله بغيره لحفظ الكون!! (والنجباء) وهم ثلاثمائة كل منهم يتولى شأنًا من شئون الخلق..
ولا يشك مسلم يعلم شيئًا من الكتاب والسنة ولا عالم قد اطلع على علوم الكتاب والسنة أن ما قاله الصوفية في هذا الصدد هراء وكذب لا أساس له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن الصوفية أرادوا أن يؤسسوا لهم دولة في الباطن تحكم وتنفذ وتتحكم في شئون الناس فبنوا هذه الدولة العجيبة الباطنية التي يتحكم فيها هؤلاء الذين سموهم بالغوث والأقطاب والأبدال والنجباء والأوتاد.. ويتعجب الإنسان وهو يطالع الفكر الصوفي في هذا الصدد كيف أن المتصوفة أحكموا خطتهم للسيطرة على عقول الناس، ولإدخالهم إلى دينهم العجب العجيب حيث أوهموهم أن التصريف في الأرض والسماء والخلق أجمعين إنما هو لدولتهم الخفية التي يتحكم فيها أولياء الصوفية.. هؤلاء الأولياء الذين قد يكونون أحيانًا أميين لا يعرفون قراءة ولا كتابة وأحيانًا مجاذيب يصرخون ويبولون في الطرقات وأحيانًا زناة وشاربي خمور قد رفعت عنهم التكاليف الظاهرة وأن منهم من يعيش طيلة عمره قذرًا وسخًا لا يتطهر بماء قط أو صابون ليوفر الماء (انظر) للفقراء!! ومع ذلك فهؤلاء الأولياء يعلمون الغيب كله ولا يخفى عليهم شيء في الأرض ولا في السماء ولا يعجزهم شيء ولا يقف أمام إرادتهم أحد أبدًا.. وتعال معي في جولة مع خرافات القوم وترهاتهم لتعلم أي عالم يعيش فيه رجال التصوف.
وقد كفانا عبد الوهاب الشعراني مئونة تجميع أقوالهم في مراتب الولاية حيث جمع أقوال ابن عربي في الفتوحات ولنبدأ أولًا بمفهوم القطب الغوث أو القطب الأكبر عند الصوفية:
يقول الشعراني:
وأما القطب فقد ذكر الشيخ في الباب الخامس وخمسين ومائتين أنه لا يتمكن القطب من أن يقوم في القطابة إلا بعد أن يحصل معاني الحروف التي في أوائل السور المقطعة مثل ألم، والمص، ونحوهما فإذا أوقفه الله تعالى على حقائقها ومعانيها تعينت له الخلافة وكان أهلًا لها.
(فإن قلت) فما علامة القطب فإن جماعة في عصرنا ادعوا القطبية وليس معنا علم برد دعواهم.
(فالجواب) قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه أن للقطب خمس عشرة علامة: أن يمد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش العظيم ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ويكرم بكرامة الحلم والفضل بين الموجودين وانفصال الأول عن الأول وما انفصل عنه إلى منتهاه وما ثبت فيه حكم ما قبل وما بعد وحكم من لا قبل له ولا بعد، وعلم الإحاطة بكل علم ومعلوم ما بدا من السر الأول إلى منتهاه ثم يعود إليه.. انتهى.
وقال في الفتوحات في الباب السبعين ومائتين: إن اسم القطب في كل زمان عبد الله وعبد الجامع المنعوت بالتخلق والتحقق بمعاني جميع الأسماء الإلهية (أي أن يتصف بما يتصف به الله من السمع والبصر والقدرة.. إلخ)، بحكم الخلافة وهو مرآة الحق تعالى ومجلى النعوت المقدسة ومحل المظاهر الإلهية (يعني ظهور صفات الله فيه)، وصاحب الوقت (أي المتصرف في الخلق)، وعين الزمان وصاحب علم سر القدر وله علم دهر الدهور (فهو يعلم ما مضى وما يأتي)، ومن شأنه أن يكون الغالب عليه الخفاء لأنه محفوظ في خزائن الغيرة ملتحف بأردية الصون لا يعتريه شبهة في دينه قط ولا يخطر له خاطر يناقض مقامه، كثير النكاح وراغب فيه، محب للنساء، يوفي الطبيعة حقها على الحد المشروع له، ويوفي الروحانية حقها على الحد الإلهي، يضع الموازين ويتصرف على المقدار المعين الموقت له لا يحكم عليه وقت إنما هو لله وحده حاله دائمًا العبودية والافتقار، يقبح القبيح ويحسن الحسن، يحب الجمال المقيد في الزينة والأشخاص، تأتيه الأرواح في أحسن الصور يذوب عشقًا يغار لله عز وجل، ويغضب له تعالى، له الإطلاق في المظاهر من غير تقييد، لا تظهر روحانيته إلا من خاف حجاب الشهادة والغيب، لا يرى من الأشياء إلا محل نظر الحق فيها، يضع الأسباب ويقيمها، ويدل عليها، ويجري بحكمها، ينزل إليها حتى يحكم عليه، ويؤثر فيه رياسة على أحد من الخلق بوجه من الوجوه مصاحب لهذا الحال دائمًا إن كان صاحب دنيا وثروة تصرف فيها تصرف عبد في مال سيد كريم وإن لم يكن بيده دنيا وكان على ما يفتح الله تعالى له به لم تستشرف له نفس بل يقصد بنفسه عند الحاجة بيت صديق ممن يعرفه يعرض عليه ما تحتاج إليه طبيعته كالشافع لها عنده فيتناول لها منه قدر ما تحتاج إليه ثم ينصرف لا يجلس عن حاجته إلا لضرورة فإن لم يجد حاجته لجأ إلى الله تعالى في حاجة طبيعة لأنه مسؤول عنها ومتول عليها ثم ينتظر الإجابة من الله فيما سأل فإن شاء الله تعالى أعطاه ما سأل عاجلًا أو آجلًا فمرتبته الإلحاح في الدعاء والشفاعة في حق طبيعته بخلاف أصحاب الأحوال فإن الأشياء كلها تتكون عن هممهم لأن الله تعالى عجل لهم نصيبًا من أحوالهم في الجنة فهم ربانيون والقطب منزه عن الحال ثابت في العلم فإن أطلعه الله على ما يكون أخبر بذلك على وجه الافتقار الله لا على وجه الافتخار لا تطوى له أرض ولا يمشي في هواء ولا على ماء ولا يأكل من غير سبب ولا يطرأ عليه شيء من خرق العوائد إلا في النادر لا ما يراه الحق تعالى فيفعله بإذن الله من غير أن يكون ذلك مطلوبًا له وكذلك من شأنه أن يجوع اضطرارًا لا اختيارًا ويصبر على النكاح كذلك لعدم الطول يعلم من تجلي النكاح ما يحرضه على طلبه والتعشق به لا يتحقق قط بالعبودية في شيء أكثر مما يتحقق به في النكاح لا يرغب في النكاح للنسل وإنما يرغب ففيه لمجرد الشهوة وإحضار التناسل في نفسه لأمر مشروع فنكاحه لمجرد اللذة كنكاح أهل الجنة. وقد غاب عن هذه الحقيقة أكثر العارفين لما فيه من شهود الضعف وقهر اللذة المغيبة له عن إحساسه فهو قهر لذيذ وذلك من خصائص الأنبياء ولعلو مراقي هذا المقام جهله أكثر الأولياء وجعلوا النكاح شهوة حيوانية ونزهوا أنفسهم عن الإكثار منها. (اليواقيت والجواهر ج2 ص79). اهـ..
فانظر كيف لبس على الناس ووصف الولي المزعوم بصفات الربوبية الكاملة ثم راح يصفه بصفات العبودية أيضًا تلبيسًا على الناس.
ويستطرد الشعراني ناقلًا عن ابن عربي وصفه للغوث فيقول:
واعلم أن من مقام القطب أن يتلقى أنفاسه إذا دخلت وإذا خرجت بأحسن الأدب لأنها رسل الله إليه فترجع منه إلى ربها شاكرة له لا يتكلف لذلك (وهذا كذب محض فالتنفس عملية لا إرادية شأنها واحد في كل إنسان وليس هناك نفس مسبح ونفس غير مسبح إلا أنه يعتقد المؤمن أن حياته لا تقوم إلا بالله فيؤجر على ذلك ويكون عائدًا لله من هذا الوجه).
وأطال الشيخ في ذلك ثم قال فإذن القطب هو الرجل الكامل الذي حصل أربعة الدنانير منها خمسة وعشرون قيراطًا وبها توزن الرجال والأربعة هم الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنون فهو وارثهم كلهم رضي الله عنه. وقال الشيخ في الباب الحادي والخمسين وثلاثمائة: من شأن القطب الوقوف دائمًا خلف الحجاب الذي بينه وبين الحق جل وعلا فلا يرتفع حجابه حتى يموت فإن مات لقي الله عز وجل فهو كالحجاب الذي ينفذ أوامر الملك وليس له من الله تعالى إلا صفة الخطاب لا الشهود. (عاد إلى التلبيس مرة ثانية فزعم أن الولي يتصرف في الخلق بأمر الله).

.القطب الغوث واحد في الزمان فقط:

ويستطرد أيضًا مبينًا أن القطب الأكبر أو ما يسمونه بالغوث واحد في كل زمان. فيقول:
قال الشيخ في الباب الخامس والخمسين ومائتين:
ومن خصائص القطب أن يختلي بالله تعالى وحده ولا تكون هذه المرتبة لغيره من الأولياء أبدًا ثم إذا مات القطب الغوث انفرد تعالى بتلك الخلوة لقطب آخر لا ينفرد قط بالخلوة لشخصين في زمان واحد أبدًا. وهذه الخلوة من علوم الأسرار. وأما ما ورد في الآخرة من أن الحق تعالى يخلو بعبده ويعاتبه فذلك من باب انفراد العبد بالحق تعالى لا من باب انفراد الحق بالعبد فافهم واكتم. انتهى (اليواقيت والجواهر).
وحتى لا يقع المتصوفة في الأشكال المعروفة وهو أن كان أقطاب التصوف في عهد الخلافة الراشدة لذلك بادر ابن عربي للقول أن أبا بكر وعمر كانوا أقطابًا بالمعنى الصوفي.. ونقول حاشا الصحابة أن يدخلوا في هذا الزور والبهتان.
يقول ابن عربي:
ثم اعلم أنه لما كان نصب الإمام واجبًا لإقامة الدين وجب أن يكون واحدًا لئلا يقع التنازع والتضاد والفساد فحكم هذا الإمام في الوجود حكم القطب. قال: وقد يكون من ظهر الأئمة بالسيف أيضًا قطب الوقت كأبي بكر وعمر في وقته، وقد لا يكون قطب الوقت فتكون الخلافة لقطب الوقت الذي لا يكون إلا بصفة العدل، ويكون هذا الخليفة الظاهر من جملة نواب القطب في الباطن من حيث لا يشعر فإن الجور والعدل يقع من أئمة الظاهر ولا يكون القطب إلا عادلًا. واعلم أن القطبية كما أنها قد تكون لولاة الأمور كذلك قد تكون في الأئمة المجتهدين من الأربعة وغيرهم بل هي فيهم أظهر ويكون تظاهرهم بالاشتغال بالعلم الكسبي حجابًا عليهم لكون القطب من شأنه الخفاء رضي الله عنه م أجمعين. (اليواقيت والجواهر ج2 ص80).
وهكذا يجعل ابن عربي بعض الخلفاء أقطابًا وبعض الفقهاء كذلك. ولقد من ابن عربي على الإمام الشافعي فأعطاه رتبة (الوتد) في مملكته الصوفية، أي أنه كان يسيطر على ربع العالم. وأما الإمام أحمد فأن ابن عربي لم يمن عليه بشيء من هذه الرتب الصوفية واكتفى بأن جعله مجرد (صديق)!! وهي منزلة العامة عندهم ممن يؤمن بالخرافات الصوفية.
يقول الشعراني:
قال الشيخ محيي الدين: وقد اجتمعت بالخضر عليه السلام وسألته عن مقام الإمام الشافعي فقال: كان من الأوتاد الأربعة فسألته عن مقام الإمام أحمد فقال: هو صديق وأطال في ذلك ثم قال في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} المراد بأولي الأمر الأقطاب والخلفاء والولاة ولكن فيما لا يخالف شرعًا مأمورًا به وذلك هو المباح الذي لا أجر فيه ولا وزر فإن الواجب والمندوب والحرام والمكروه من طاعة الله ورسوله فما بقي لأولي الأمر إلا المباح فإذا أمرك الإمام الذي بايعته على السمع والطاعة بمباح من المباحات وجب عليك طاعته في ذلك وحرمت عليك مخالفته وصار حكم الإباحة منه بأمر هذا الإمام الذي بايعته. اهـ..
ولا شك أن الإمام أحمد لم يكن ممن يؤمن بهذه الخرافات بل قال لمن سأله عن كتب الحارث المحاسبي هذه كتب بدع وضلالات ولكن الصوفية لا يستطيعون أن يسبوا أحد الأئمة الأربعة المتبعين وذلك لمنزلة هؤلاء الأئمة من قلوب الناس.
والمهم أن الصوفية قد بنوا لهم دولة في الباطن على هذا النحو الذي أسلفناه.. أيضًا لأجل التلبيس على الناس وتمريغ عقولهم في الأوحال والإلقاء بهم بعيدًا في مهاوي الضلال زعم ابن عربي أيضًا أن الأوتاد الأربعة يكونون على قلوب الرسل الذين زعم أنهم ما زالوا أحياء، وهم:
إدريس، وإلياس، وعيسى، والخضر، وأن هؤلاء جميعًا يرجعون في الأخذ من القطب الأكبر (الغوث) الذي هو واحد في الأرض فقط وأنه إذا مات أقام الله غيره. فهؤلاء الأولياء الأربعة (الأوتاد) الذين طبعوا على قلوب الأنبياء الأربعة الأحياء يرجعون في أحكامهم للقطب الغوث..
وكل هذه الخرافات والخزعبلات قد عرفها ابن عربي عن طريق الكشف الخاص له والعلم اللدني ولذلك سماه المتصوفة بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر!!
يقول الشعراني عن شيخه ابن عربي في بيان هذه الخرافات:
(فإن قلت) فالمراد بقولهم القطب لا يموت:
(فالجواب) كما قال الشيخ في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات:
أن المراد به من أن العالم لا يخلو زمانًا واحدًا من قطب يكون فيه كما هو في الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولذلك أبقى الله تعالى من الرسل الأحياء بأجسادهم في الدنيا أربعة: ثلاثة مشرعون، وهم إدريس وإلياس وعيسى، وواحد حامل العلم اللدني هو الخضر عليه السلام. وإيضاح ذلك أن الدين الحنيف له أربعة أركان كأركان البيت وهم الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنون، والرسالة هي الركن الجامع للبيت وأركانه، فلا يخلوا زمان من رسول يكون فيه، وذلك هو القطب الذي هو محل النظر الحق سبحانه وتعالى من العالم كما يليق بجلاله. ومن هذا القطب يتفرع جميع الأمداد الإلهية على جميع العالم العلوي والسفلي.
قال الشيخ محيي الدين: ومن شرطه أن يكون ذا جسم طبيعي وروح ويكون موجودًا في هذه الدار الدنيا بجسده وحقيقته فلا بد أن يكون موجودًا في هذه الدار بجسده وروحه من عهد آدم إلى يوم القيامة ولما كان الأمر على ما ذكرناه ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما قرر الدين الذي لا ينسخ والشرع الذي لا يتبدل دخلت الرسل كلها في شريعته ليقوموا بها فلا تخلو الأرض من رسول حي جسمه إذ هو قطب العالم الإنساني ولو كانوا في العدد ألف رسول فإن المقصود من هؤلاء هو الواحد؛ فإدريس في السماء الرابعة، وعيسى في السماء الثانية، وإلياس والخضر في الأرض. ومعلوم أن السماوات السبع من عالم الدنيا لكونها تبقى بقاء الدنيا بفنائها فهي جزء من دار الدنيا بخلاف الفلك الأطلس فإنه معدود من الآخرة في يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات يعني يبدلهم بغيرهن، كما تبدل هذه النشأة الترابية منا أيها السعداء بنشأة أخرى أرقى وأصفى وألطف فهي نشأة طبيعية جسمية لا يبول أهلها ولا يتغوطون كما وردت بذلك الأخبار. وقد أبقى الله في الأرض إلياس والخضر وكذلك عيسى إذا نزل وهم من المرسلين؛ فهم القائمون في الأرض بالدين الحنيف فما زال المرسلون لا يزولون في هذه الدار لكن من باطنية شرع محمد صلى الله عليه وسلم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فالقطب هو الواحد من عيسى وإدريس وإلياس والخضر وهو أحد أركان بيت الدين وهو كركن الحجر الأسود واثنان منهم هما الإمامان وأربعتهم هم الأوتاد فبالواحد يحفظ الله الإيمان وبالثاني يحفظ الله الولاية وبالثالث يحفظ الله النبوة وبالرابع يحفظ الله الرسالة وبالمجموع يحفظ الله الدين الحنيف فالقطب من هؤلاء لا بعينه. قال الشيخ: ولكل واحد من هؤلاء الأربعة من هذه الأمة من كل زمان شخص على قلبه نائبًا عنه مع وجودهم وأكثر الأولياء لا يعرفون القطب والإمامين والأوتاد ولا النواب ولا هؤلاء المرسلين الذين ذكرناهم، ولها يتطاول كل أحد لنيل هذه المقامات ثم إذا خصوا بها عرفوا عند ذلك أنهم نواب لذلك القطب فاعرف هذه النكتة فإنك لا تراها في كلام أحد غيرنا ولولا ما ألقي في سري من إظهارها ما أظهرتها. (اليواقيت والجواهر ج2 ص81). انتهى منه بلفظه.
ولعلك أيها القارئ بعد هذه الجولة الخرافية الصوفية تريد أن تعرف أين يسكن القطب ويجيبك ابن عربي قائلًا: فإن قيل هل يكون محل إقامة القطب بمكة دائمًا كما هو مشهور. (فالجواب) هو بجسمه حيث شاء الله لا يتقيد بالمكث في مكان بخصوصه ومن شأنه الخفاء فتارة يكون حدادًا وتارة تاجرًا وتارة يبيع الفول، ونحو ذلك والله أعلم. (اليواقيت والجواهر ج2 ص81). اهـ..
ولعلك الآن أيها القارئ تريد أن تعرف كيفية تولي القطب منصبه الباطني هذا وهل تكون له مبايعة كما يبايع الأمراء والخلفاء..
وقد تفضل ابن عربي أيضًا فأجاب عن هذا التساؤل بقوله: فإن قلت: فهل يحتاج القطب في توليته إلى مبايعة في دولة الباطن كما هي الخلافة في الظاهر؟
(فالجواب) نعم كما قاله الشيخ في الباب السادس والثلاثين وثلاثمائة وعبارته:
(اعلم أن الحق تعالى لا يولي قط عبدًا مرتبة القطابة إلا وينصب له سرير في حضرة المثال يقعده عليه ينبي صورة ذلك المكان عن صورة المكانة كما ينبي صورة الاستواء على العرش عن صورة إحاطته تعالى علمًا بكل شيء ولله المثل الأعلى فإذا نصب له ذلك السرير فلا بد أن يخلع عليه جميع الأسماء التي يطلبها العالم وتطلبه فيظهر بها حللًا وزينة متوجًا مسورًا من ملجا لتعمه الزينة علوًا وسفلًا ووسطًا وظاهرًا وباطنًا فإذا قعد عليه وقعد بصورة الخلافة وأمر الله العالم ببيعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره دخل في تلك البيعة كل مأمور من أدنى وأعلى إلا العالون المهيمنون في جلال الله عز وجل العابدون لله تعالى بالذات لا بأمر إلهي ظاهر على لسان رسول. واعلم أن أول من يدخل عليه الملأ الأعلى على مراتبهم الأول فيأخذون يده على السمع والطاعة ولا يتقيدون بمنشط ولا مكره لأنهم لا يعرفون هاتين الصفتين فيهم إذ لا يعرف شيء إلا بضده فهم في منشط لا يعرفون لها طعمًا لعدم ذوقهم للمكره وما منهم روح يدخل عليه للمبايعة إلا يسأله عن مسألة من العلم الإلهي فيقول له يا هذا أنت القائل كذا وكذا فيقول له نعم فيقول له في هذه المسألة وجهان يتعلقان بالعلم بالله تعالى أحدهما أعلى من الذي كان عند ذلك الشخص فيستفيد منه كل من بايعه علمًا ليس عنده ثم يخرج. قال الشيخ: وقد ذكرنا جميع سؤالات القطابة في جزء مستقل ما سبقنا أحد إليه وليست هذه المسائل معينة يتحرر السؤال بها لكل قطب وإنما يخطر الله تعالى ذلك لمن يسأل القطب حال السؤال بعد أن جرى ذلك على خاطره فيما مضى من الزمان.
قال الشيخ وأول من يبايعه العقل الأول ثم النفس ثم المقدمون من عمار السماوات والأرض من الملائكة المسخرة ثم الأرواح المدبرة للهياكل التي فارقت أجسامها بالموت ثم الجن ثم المولدات ثم سائر ما سبح الله تعالى من مكان ومتمكن ومحل حال فيه إلا العالون من الملائكة كما مر، وكذلك الأفراد من البشر لا يدخلون تحت دائرة القطب وماله فيهم تصرف إذ هم كمل مثله مؤهلون لما ناله هذا الشخص من القطبية لكن لما كان الأمر يقتضي أن لا يكون في الزمان إلا واحد تقوم بهذا الأمر تعين ذلك الواحد لكن لا بأولية وإنما هو يسبق العلم فيه بأن يكون هو الوالي وفي الأفراد من يكون أكبر منه في العلم بالله تعالى وحده. انتهى بلفظه (اليواقيت والجواهر ج2 ص79،80).
فانظر أيها المسلم هذا التهريج والتخريف والخبط الذي يريد هؤلاء الأفاكون جذب الناس إليه وإيقاع الناس فيه، وأحمد الله على نعمة العقل التي أعطاك إياها ونعمة الإيمان والإسلام إن كنت من أهله، وانظر كيف يتلاعب الشيطان بهؤلاء المتهوكين الفارغين إلا من الخرافات والخزعبلات والزندقة والكفر الذي ليس له مثل في الأرض. والعجيب أن ابن عربي لا يقف خياله الزندقي عند حد مطلقًا فقد ذهب ليزعم أيضًا أنه عرف أسماء الأقطاب منذ آدم وحتى بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث ينقل عنه الشعراني أنه قال في الفتوحات ما نصه:
فإن قلت فهل كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم أقطاب وكم عددهم (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الرابع عشر من الفتوحات:
(إن الأقطاب لا يخلو عصر منهم قال وجملة الأقطاب المكملين من الأمم السالفة من عهد آدم إلى محمد عليهما الصلاة والسلام خمسة وعشرون قطبًا أشهدنيهم الحق تعالى في مشهد قدس في حضرة برزخية وأنا بمدينة قرطبة وهم: الفرق ومداوي الكلوم والبكاء والمرتفع والشفار والماضي والماحق والعاقب والمنحور وسجر الماء وعنصر الحياة والشريد والصائغ والمراجع والطيار والسالم والخليفة والمقسوم والحي والراقي والواسع والبحر والمنصف والهادي الأصلح والباقي فهؤلاء هم الأقطاب الذين سموا لنا من آدم إلى محمد عليهما الصلاة والسلام وأما القطب الواحد الممد لجميع الأنبياء والرسل من حيث النشء الإنساني إلى يوم القيامة فهو روح محمد صلى الله عليه وسلم (اليواقيت والجواهر ج2 ص82). اهـ..
فانظر كيف اكتشف ابن عربي أسماء الأقطاب المزعومين منذ آدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكيف راح يزعم أن هؤلاء جميعًا الذين افترى أسماءهم يستمدون علومهم من روح الرسول التي زعم أنها هي المستوي على العرش الرحماني كما مر تفصيل ذلك في الحقيقة المحمدية.
وذلك أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أول موجود في زعمهم وهو الحق الذي خلق العرش من نوره والكرسي والسماوات والأرض والجن صلى الله عليه وسلم هو المستوي على عرش الرحمن تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا..
وهكذا نجد الصوفية قلبوا كل موازين الشريعة وغيروا جميع عقائد الدين وابتدعوا دينًا جديدًا بعيدًا عن الإسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد المشرق عن المغرب.
قطب سنة 593هـ- من مدينة فاس بالمغرب:
ويستطرد ابن عربي في تخريفاته وكذبه فيزعم أن لكل إقليم بلدة وقرية قطبًا صغيرًا آخر يحفظ هذه المدينة!! وأنه التقى بالقطب الأكبر في المغرب في مدينة فاس وأنه كان مشلول اليد:
يقول الشعراني:
قال الشيخ محيي الدين في الباب الثاني والستين وأربعمائة:
واعلم أن لكل بلد أو قرية أو إقليم قطبًا غير الغوث يحفظ الله تعالى تلك الجهة سواء أكان أهلها مؤمنين أو كفارًا وكذلك القول في الزهاد والعباد والمتوكلين وغيرهم لا بد لكل صنف منهم من قطب يكون مدارهم عليه. قال الشيخ: قد اجتمعت بقطب المتوكلين فرأيت مقام المتوكل يدور عليه دوران الرحى حين تدور على قطبها وهو عبدالله بن الأستاذ ببلاد الأندلس صحبته زمانًا طويلًا وكذلك اجتمعت بقطب الزمان سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بمدينة فاس وكان أشل اليد فتكلمت على مقام القطبية في مجلس كان فيه فأشار علي أن أستره عن الحاضرين ففعلت. (اليواقيت والجواهر ج2 ص83). اهـ..
وهكذا تتم السيطرة الباطنية المزعومة من هؤلاء الأولياء على كل مدينة وقرية من قرى العالم، وهكذا يحكم الصوفية شباكهم ويصطادون العقول المريضة والضعيفة والتي سيقتلها الخوف عندما تعلم أن الدولة الباطنية قد أحكمت سيطرتها على العالم وأنه ليس هناك من قرية ولا مدينة إلا فيها حاكم باطني يحكم أو قالوا يحفظ هذه المدينة والقرية، وقد أعطاه الله في زعمهم التصريف في شئون عبادها..