فصل: كيفية صفة خلوة للمؤلف وغير ذلك من الأدعية المرجية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (نسخة منقحة)



.كيفية صفة خلوة للمؤلف وغير ذلك من الأدعية المرجية:

اعلم أيها الابن المجتهد والمحتسب المقتصد، أن كل خير لا ترقى ذروته إلا بجهد النفس وأتعابها فيه، وقد تكلمنا لك فيما تقدم من المجاهدات والمكابدات، وأن الطرق الموصلة إلى الله تعالى لا تحصى، وكل صاحب طريقة أدرى بما فيه الصلاح لمن يسلكها، ولما أنعم الله علي بنيل هذا المقام وجعلني من خواصه الكرام أذن لي في التكلم والظهور وإبداء طريقة أستقبل بها وأسلك بها المريدين لأجل أن يصلوا بها، إلى حضرة الغفور، فحصل الأمر كما أمر واشتهر ذلك واستمر، فلما أذنت من الحضرتين بإظهار كل ما نراه يصلح لأهل طريقتي بلامين وأفاض علي الوهاب بوارد تأليف هذا الكتاب أردت أن أختمه بصفة خلوتي التي تصلح لأهل طريقتي كما فعل قبلي أهل الطرق بنظرهم الذي يصلح لأهل طرائقهم، وجعلت كيفية هذه الخلوة رسالة مستقرة وأفردتها في هذا المغرب لأجل أن يسهل نقلها ونظرها لمن له رغبة فيها، فمن أراد نقل جميع الكتاب فهي من جملته، ومن أراد الاستقلال بها فليفردها منه من أول البسملة إلى حد الخاتمة الآتية، وهي هذه. انتهى منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص161).
الخلاصة أن الرجل يريد أن يبني له طريقة خاصة لتسليك المريدين، وجمع الأغبياء والمغفلين ومن ثم جمع النذور والقرابين، وبالتالي جعل نفسه في مكان الملوك والسلاطين!!! هذه هي النهاية التي يسعى إليها ملوك التصوف، وأئمة الضلالة ومن أجل هذا كذبوا على الله هذا الكذب المبين ولا يسع المسلم إلا أن يحمد الله على العافية مما ابتلي به هؤلاء المارقون الكاذبون والحمد لله رب العالمين.

.الفصل الحادي عشر: الولاية الصوفية:

.الولاية الرحمانية:

أعلن القرآن أن كل مؤمن صادق في الإيمان ولي لله سبحانه وتعالى. قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 257].
نصت الآية هنا على أن الله ولي كل مؤمن، وأنه بفضل هذه الولاية يخرج الله المؤمنين من الظلمات إلى النور، وقال تعالى أيضًا: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: 196].
وقال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئًا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين} [الجاثية: 18،19].
يخبر سبحانه وتعالى أنه ولي لكل من اتقاه وخافه.. وجاء في دعاء موسى عليه السلام لربه {أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} [الأعراف: 155].
وقال تعالى أيضًا: {وهذا صراط ربك مستقيمًا قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون * لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون} [الأنعام: 126-127].
وقال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس: 62-63].
والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا التي تبين ولايته سبحانه وتعالى لكل مؤمن صالح متق لله سبحانه وتعالى..
والولاية هي المحبة والنصرة.. فالله سبحانه وتعالى إذا والى عبدًا فإنه يحبه وينصره ويعزه ويكرمه كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [المائدة: 54].
وكذلك العبد إذا قيل إنه يوالي الله فمعنى ذلك أنه يحب الله وينصره كما قال تعالى: {والذين آمنوا أشد حبًا لله} [البقرة: 165]. وقال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد: 7]. فولي الله من ينصره ويحبه، ومن يحب الله ينصره..، فكل من أحب الله ونصره، وسار في مرضاته، وحفظ حدوده، وأقام شريعته ودينه، فهو ولي الله سبحانه وتعالى.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم طريق الولاية فقال صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى من عادى لي وليًا فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه»، (رواه البخاري).
هنا بين الرسول فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى أن طريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض أولًا التي هي أحب الطاعات إليه سبحانه وتعالى، ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله، فإذا أحبه الله سبحانه وتعالى كان وليًا حقًا له جل وعلا، وقد جاء في الحديث الصحيح: «إن الله إذا أحب عبدًا قال يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء فيقول إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض». (رواه مسلم).
ولا شك أن ولاية الله سبحانه وتعالى هذه مبذولة لكل من سعى إليها وسار في طريقها ووفقه الله سبحانه وتعالى إلى بلوغها كما قال جل وعلا: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} [الليل: 5-10].
وقال أيضًا جل وعلا:
{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت: 69].
ولا شك أنه على الرغم من أن كل مؤمن هو ولي الله جل وعلا فإن ولاية الله للعبد ومحبته له تتفاوت بحسب الإيمان والتقوى والعمل الصالح فكلما ازداد إيمان العبد وترقى في درجات الكمال والصلاح وتحلى بالتقوى كان أعظم ولاية، وأقرب من ربه سبحانه وتعالى، هذا مفهوم الولاية في الإسلام على وجه الإجمال.

.الولاية الصوفية الشيطانية:

ولكن في التصوف الشيطاني فإن الولاية لها معنى آخر تمامًا في الشكل المضمون والموضوع، فولي الله عند الصوفية الزنادقة من اختاره الله وجذبه إليه، وليس من شرط ذلك أن يكون عند هذا المختار والمجذوب أية مواصفات للصلاح والتقوى إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب، وبغير حكمة، ويجعلون الولاية الكسبية هي ولاية العوام والمتنسكين والولاية الحقيقية عندهم هي الولاية الوهبية، يستدلون لذلك بمثل قوله تعالى: {يختص برحمته من يشاء} [البقرة: 105]. فيقولون:
الولاية اختصاص وهذا تلبيس منهم لأن اختصاص الله من يشاء برحمته لا يكون إلا لحكمة وأسباب اقتضت ذلك كما قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} [المائدة: 35]. فجعل سبحانه وتعالى تقواه واتخاذ الوسيلة منه هي الطريق الموصل لرحمته فيستحيل أن تكون رحمة الله التي يختص بها من يشاء كائنة دون حكمة لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن يجعل رسالته وأين يضع هدايته كما قال تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124]. وقال تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} [الأنعام: 53].
فأخبر سبحانه ردًا على الكفار الذين احتقروا المؤمنين لفقرهم وقالوا: كيف يرزقهم الله التقوى ونحن أكرم على الله منهم لأنه رزقنا الأموال والأولاد. قال تعالى: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} [الأنعام: 54] سبحانه وتعالى إنه أعلم من يوفق لهدايته وهم الذين يحكمون بواجب شكره سبحانه وتعالى ولذلك عبد الرسول ربه حتى أتاه اليقين وهو الموت، وقام من الليل حتى تفطرت قدماه وقيل له: يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» [متفق عليه]..
فالعباد الذين يعلم الله منهم الطاعة والإخلاص والقيام بشكر نعمته هم الذين يوفقهم الله لطاعته ومحبته وولايته.
ولما اعتقد الصوفية الزنادقة أن الولاية قضية وهبية بلا حكمة ولا معقولية جعلوا المجاذيب والمجانين والفسقة والظلمة والملاحدة المشركين من أهل وحدة الوجود، أولياء لله بمجرد أن ظهر على أيديهم بعض خوارق العادات التي ظهر مثلها على الدجال وابن صياد، وأصناف من المشركين وأهل الإلحاد.. فجعلوا الكرامة الشيطانية الإبليسية كالإخبار ببعض المغيبات واحتراف بعض الحيل والشعوذات وإتقانها كزعم الدخول في النيران وضرب الجسم بالسكاكين والسهام واللعب بالعقارب والحيات، وأمثال ذلك من المخاريق والترهات جعلوا أولياء الله هم هؤلاء الذين يدجلون على الناس بمثل هذه الخرافات مع ما هم عليه من مخالفة الإسلام، في الظاهر والباطن فظاهرهم مخالف للشريعة حيث عبدوا الله بالبدع والمظاهر الكاذبة والرياء والسمعة كملبس الخرق الملونة والمرقعات وإظهار الفقر والزهد، وذكر الله بالصياح والهوس والجنون وإقامة مشاعر الشرك عند القبور والمزارات والاستعانة بالأموات، وعبادة المشايخ والذوات، جعلوا من هذه أحوالهم في ظاهرهم أولياء لله، ومن أحوالهم في بواطنهم أشر من ذلك وأمر. فهم من أهل وحدة الوجود الكافرين والزنادقة الملحدين الذين لا يفرقون بين خالق ومخلوق، ورب وعبد، ومن يجعلون النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم هو علة الأكوان، والمستوي على عرش الرحمن، ومبدع الأرض والسماوات إلى آخر هذا الكفر والهذيان مما يأباه من عنده أدنى إسلام وإيمان... هذه هي الولاية الصوفية في زعمهم جعلوها لهؤلاء كما جعلوها أيضًا للمجانين والصبيان ولأهل التخاريف والهذيان حتى عدوا في أوليائهم من يأتي الحمارة في وضح النهار، وأمام الأسماع والأبصار وسلكوا في سلك الولاية الشيطانية هذه من يشرب الخمر جهارًا نهارًا، ويزني ويلوط عيانًا بيانًا، ويزعمون في كل ذلك أن هذا مظاهر غير مراد، وأنه نوع من التخييل للعباد، وأن الولي الصادق لا تضره معصية أبدًا، أو أن الأعيان ينقلب له فالخمر التي يشاهدها الناس خمرًا ينقلب في بطن الولي لبنًا خالصًا، والزانية الفاجرة التي يرى الناس الولي بصحبتها تكون زوجته، ولم يكتفوا بهذا أيضًا في تعريف الولاية عندهم بل قالوا في الفكر الصوفي إن الولي يتصرف في الأكوان ويقول للشيء كن فيكون، وكل ولي عندهم قد وكله الله بتصريف جانب من جوانب الخلق فأربعة أولياء يمسكون العالم من جوانبه الأربعة، ويسمون الأقطاب، وسبعة أولياء آخرون كل منهم في قارة من قارات الأرض السبع ويسمون البدلاء. وعدد آخر من الأولياء في كل إقليم في مصر ثلاثون أو أربعون وفي الشام كذلك، والعراق وهكذا، وكل واحد من هؤلاء قد أوكل إليه التصريف في شيء ما، حتى عدو منهم من صرفه الله في رعاية الكلاب، ومنهم من له التصريف في رعاية الحيات، وفوق هؤلاء الأولياء جميعًا ولي واحد مراد يسمى القطب الأكبر أو الغوث وهو الذي يدبر شأن الملك كله سمواته وأرضه والأولياء جميعًا في بقاع الأرض تحت أمره.
فالأرض والسماوات تدار حسب الولاية الصوفية وأما الملائكة جميعًا فإنهم في خدمة هؤلاء الأولياء ينفذون أوامرهم ويخضعون لمشيئتهم.. هذه هي الولاية الصوفية وهي لا تمت من قريب أو بعيد للولاية الإسلامية القرآنية قط.. فالولي في الإسلام عبد هداه الله ووفقه وسار في مرضاة ربه حسب شريعته، وهو يخشى على نفسه دائمًا من الكفر والنفاق وسوء العاقبة ولا يعلم هل يقبل الله عمله أو لا.. وأما الولي الصوفي فهو رب كبير أو صغير يتصرف في جانب من جوانب الكون ولا يلتزم بشريعة لأن له شريعته المستقلة، والملائكة تحت مشيئته والسماوات والأرض كالخلخال برجله!! ولا يغرب عنه شيء في السماوات ولا في الأرض، ولا خوف عليه مطلقًا لأنه قد جاءه الأمان، ولا يحزن لشيء مطلقًا لأن بيده التصريف.. هذه هي الولاية الصوفية. والحق أن الذي قرأ شيئًا من الفلسفة الإغريقية القديمة يعلم يقينًا أن فكرة الولاية الصوفية هذه منقولة عن هذه الفلسفة فآلهة الإغريق قديمًا- كما صورتها الإلياذة والأوديسيا- يتصرفون في الكون ولكل منهم جانب خاص من جوانب العالم، (فمارس) هو إله الحرب، (وكيوبيد) هو إله الحب و (افروديت) هي إلهة الجمال، و (أبوللو) هو رب الأرباب وهكذا..
إن فكرة تعدد الآلهة عند الإغريق وتصرفهم في الكون هي فكرة الولاية الصوفية تمامًا حيث يعبث هؤلاء الولاية الصوفيون بمصائر البشر، ويتحكمون في أرزاقهم وأعمالهم، ويتصارعون أيضًا ويتنافسون كما يصنع آلهة الإغريق تمامًا..
والآن اصحبني أيها القارئ لأريك نصوص المتصوفة وعباراتهم، وخيالاتهم في وصف ولايتهم الصوفية:
أول من ألف كتابًا مستقلًا في الولاية الصوفية هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي، الذي يسمونه الحكيم، وهو غير الترمذي صاحب السنن المشهورة بسنن الترمذي، وقد نشأ (الحكيم) هذا في أواخر القرن الثالث الهجري، وهو مجهول سنة الولادة والوفاة. وكتابه الذي أشرنا إليه يسمى (خاتم الأولياء) (راجع الفصل بختم الولاية الصوفية)..
والمهم هنا أن الترمذي هذا رسم الملامح الخيالية الزندقية للولاية الصوفية ومن أجل هذا الكتاب شهد علماء زمانه بالزندقة والكفر ونفوه من بلده (ترمذ) كما أخبر بذلك صاحب الطبقات الصوفية أبو عبدالرحمن السلمي، وادعى الترمذي هذا في الولاية ما تابعه بعد ذلك عامة الصوفية عليه من أن الولاية وهب ومنحة إلهية لا كسب وموجدات، وأن الولي يعلم علم البدء وعلم المقادير وعلم الحروف (ختم الولاية ص362).
ووضع الترمذي هذا مراتب للولاية، فجعل منهم المجاذيب وأهل العته والجنون لأن الله جذبهم إليه وأسقط عنهم التكاليف، وأن هناك أربعين من أوليائهم الذين يتصرفون في شئون العالم، وأن هناك القطب الأكبر والخاتم للولاية وأن الأولياء هؤلاء محروسون عند الله فلا يلقى في صدورهم إلا الوحي الرحماني الملائكي فقط!! وجعل هؤلاء الأولياء منهم من بلغ ثلث النبوة، ومنهم من بلغ نصفها ومنهم من زاد على ذلك وهو ختم الأولياء (ختم الولاية ص347). ومن هؤلاء الأولياء تظهر لهم الآيات مثل طي الأرض، والمشي على الماء ومحادثة الخضر (ص361). وزعم كذلك أن قلوب هؤلاء الأولياء هي كتاب الله يطبع فيه ما يشاء!! وأنهم كالأنبياء لهم من الله عقد الولاية ولذلك كشف عن قلوبهم الغطاء فيرون ملك الله في كل أجزائه في العالم العلوي والسفلي، وزعم أن هؤلاء الأولياء يعرفون منازلهم من الجنة، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويقطعون بذلك وأن الكرامات التي تظهر على أيديهم دليل على صدقهم وإيمانهم..، يقول الترمذي:
ما قولك في مُحَدِّث، بشر بالفوز والنجاة فقال: رب اجعل لي آية تحقق لي ذلك الخبر الذي جاءني لينقطع الشك والاعتراض. فقال: (أي الله): آتيك أن أطوي لك الأرض حتى تبلغ بيني الحرام في ثلاث خطوات، وأجعل لك البحر كالأرض تمشي عليه كيف شئت وأجعل لك التراب والجو في يديك ذهبًا، ففعل هذا هل ينبغي له أن يطمئن إلى هذه البشرى بعد ظهور هذه الآية أولًا. اهـ. منه بلفظه (ختم الولاية ص401).
وهذا الكلام من الحكيم الترمذي تلبيس وتدليس كله.. من هذا الذي يخاطبه الله بكلمة بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟! ولا نبي بعد رسول الله، ومن هذا الذي يعطيه من هذه الكرامات المزعومة ما لم يعط رسله وأنبياءه.. فإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما سار على الماء، ولا طار في الهواء، ولا جعلت له الجبال ذهبًا. بل جاع هو وأصحابه وربط الحجر على بطنه أيامًا وسار على قدميه في جيوشه حتى تقطعت أقدامهم وما كان لهم إلا الخرق يلفونها به حتى لقد سمو غزوة من غزواتهم بغزوة ذات الرقاع لأنهم مزقوا فيها بعض ملابسهم ليلفوا أرجلهم ولقد كانوا أفضل الناس وأفضل الأمة، أيأتي بعد ذلك هؤلاء البطالون المتأكلون الآكلون أموال الناس بالباطل المعتقدون عقائد الوثنية والشرك ليعطيهم الله الولاية العظمى يمكنهم من الطيران في الهواء، والسير على الماء، وقلب الأحجار فضة وذهبًا لا شك أن الذي يزعم شيئًا من ذلك قد لبس عليه الشيطان وأدى له بعض الخدمات كأن نقله مرة من مكان إلى مكان بسرعة الشيطان، وسرق له بعض الذهب من مكان وتسمى هذه الأمثلة كرامة رحمانية وما هي إلا حيل شيطانية يلبس بها الشيطان على أوليائه.
ولا غرو أن يدعي الترمذي هذا ما يدعي فأنه قد ذكر على نفسه فيما سماه (بدو شأن الترمذي) أن زوجته قد تنبأت له، وزعمت له أنها رأت في شأنه عشرات من الرؤى منها أنها رأت أن سطح بيتها وكانت نائمة عليه قد هبط إلى الأرض وأنها وجدت داخل بيتها رجلين قاعدين في هيبة وأنهما قالا لها: قولي لزوجك: أنت وتد من أوتاد الأرض تمسك طائفة من الناس!! (بدو شأن الترمذي مطبوع مع ختم الولاية ص25) وأن هذين الرجلين الذين بشراها هما محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وزوجته هذه أيضًا تنبأت له بأنها كانت نائمة مع زوجها في فراش واحد وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل فراشهما معهما!! (بدو شأن الترمذي مطبوع مع ختم الولاية ص38).
ولا يخفى أن أمثال هذه الرؤيا والتنبؤات رؤى شيطانية حتمًا فليس هناك شيء يسمى أوتادًا تمسك الأرض لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41].
وإذا كان الله هو الذي يمسك السماوات والأرض فمعنى ذلك أنه ليس في حاجة إلى الترمذي وغيره ليكون وتدًا يمسك جانبًا من الأرض!! نعم جعل الله الجبال أوتادًا للأرض ولم يجعل الترمذي الذي ينام ليله شاخرًا وتدًا من أوتاد الأرض وأما الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي» يستحيل أن يأتي ليدخل في فراش رجل مع زوجته ولم يدخل مع زوجة الترمذي في فراشها وهي مع زوجها إلا الشيطان حتمًا الذي يعلم من هم أولياؤه.
واسمع إلى الترمذي يحكي عن خرافات زوجته فيقول: ثم رأت رؤيا أخرى وهي بالفارسية وفي آخرها قالت: فانتبهت فوقع عليها حرص الاستماع إلى الموعظة وطلب الحقوق من نفسها. فأول ما ابتدى لها من تحقيق رؤياها أنها كانت في البستان قاعدة وذلك لثلاث بقين من ذي القعدة، بعد أن رأت هذه الرؤيا، بنحو من خمسة أيام (ستة) إذ وقع على قلبها: يا نور كل شيء وهداه أنت الذي فلق الظلمات نوره.
قالت فوجدت كأن شيئًا دخل صدري فدار حول قلبي فأحاط به وامتلأ الصدر إلى الحلق، حتى صرت شبه المخنوق من امتلائه، وله حرارة وحرقات على القلب فتزينت الأشياء كلها لي. فما وقع بصري على أرض ولا سماء وخلق من الخلق إلا رأيته بخلاف ما كنت أراه من الزينة والبهجة والحلاوة.
ثم وقع على قلبي كلمة بالفارسية: (نكيني من ترا داذم)، فامتلأت فرحًا وطيب نفس ونشاطًا فأخبرتني بذلك فلما كان اليوم الثاني قالت: وقع على قلبي أنا أعطيناك ثلاثة أشياء، ووقع الكلام بالفارسية: (سه جيزترا داذم جلال من (و) عظمة من وبهاء من (ومعنى هذه الكلمات بالعربية: أي أعطيناك ثلاثة أشياء هي جلالي وعظمتي وقدرتي!!) وأضاء لي من فوقي فدام هكذا فوق رأسي في الهواء كما كنت رأيته في المنام فترى في ذلك الضوء علم الجلال وعلم العظمة وعلم البهاء..
فأما الجلال فإني رأيت كأن البيت يتحرك (ايذون جيزي همي بيود، وجمش خلق همه ازوي، وعظمة بري (و) همه جيزها ازوي، وبها (و) سرا (ي) همه جيزها همه جيزها (ازوي نخست فر (أي أعطيناك علم الأولين) سمانها وبذم او كنده.. تفروذ).
ثم وقع على قلبها، اليوم الثالث (تراداذم علم اولين وآخرين) فدام بها هذا حتى نطقت بعلم أسماء الله فكان يفتح لها في كل يوم اسم الأصل: ويبدو، ذلك الضوء على قلبها وينكشف لها باطن ذلك. حتى كان يوم الجمعة، في أيام العشرة، حضرت المجلس، فذكرت أنه وقع عليها اسم (اللطيف).
فانظر كيف تنبأت زوجة الترمذي الفارسية وكانت الرؤى تنزل عليها بالفارسية أيضًا وأنها أخبرت أنها أخذت من الله الجلال والعظمة والقدر!! وأنها كذلك نالت علم الأولين والآخرين، وهكذا لم يكتف الترمذي بأن يكون هو الوتد بل رأس الأوتاد الذين زعم أنهم أربعون بل زعم أخيرًا أنهم خاتم الأولياء جميعًا كما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ولم يكتف بكل ذلك إلا أن جعل زوجته متنبئة كذلك وأنها حصلت على علم الأولين والآخرين وأخذت ثلاث صفات من صفات لله تعالى وهي الجلالة والعظمة والقدر!؟
هذا هو الزعيم الأول والرائد الأول لفكرة الولاية الصوفية، وفكرة ختم الولاية. والعجيب أنه كتب كتابه هذا نحو سنة 269هـ- حيث ذكر أن زوجته رأت بعض هذه الرؤى يوم السبت 20 من ذي القعدة سنة 269ه -.. وبذلك يكون الترمذي أول من وضع لبنات الفكر الصوفي في قضية الولاية المزعومة.. ومن أجل هذا الكتاب رماه علماء بلده بالكفر والزندقة واستطاعوا طرده من ترمذ ولكنه عاد إليها بعد ذلك تحت جناح بعض الظالمين.. وقد أفضنا في بيان هذه القضية من كتاب الترمذي لأنه أول من سن هذا الشر المستطير الذي جاء بعده، وكتابه هو أول كتاب فيما أظن قد وضع الأسس الخبيثة هذه لفكرة الولاية الصوفية.