فصل: المقدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار (نسخة منقحة)


القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار
تأليف فضيلة الشيخ / حمود بن عقلاء الشعيبي
1420هـ.

.سيرة المؤلف لأحد تلامذته:

هو الشيخ العلامة أبو عبد الله حمود بن عبد الله بن عقلاء بن محمد ابن علي بن عقلاء الشعيبي الخالدي من آل جناح من بني خالد، ولد سنة 1346هـ ونشأ في بلدة الشقة من أعمال بريدة، وعندما بلغ السابعة من عمره كف بصره بسبب مرض الجدري، وعلى الرغم من ذلك واصل دراسته في الكتَّاب، وكان لوالده جهدٌ كبير في تنشئته وتعليمه، وقد حفظ القرآن وعمره خمسة عشر عامًا في الكتَّاب أيضًا على يد الشيخ عبد الله بن مبارك العمري، ثم رحل إلى الرياض لطلب العلم وذلك في سنة 1367هـ بإشارة من والده، فبدأ بتلقي العلوم على فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، أخذ عنه مبادئ العلوم، ثم انتقل إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ سنة 1368هـ، فلازمه وأكثر من الأخذ عنه في شتى فنون العلم، وقد تتلمذ على عدة مشائخ غير هؤلاء منهم فضيلة الشيخ إبراهيم بن سليمان وفضيلة الشيخ سعود بن رشود وفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد ابن حميد وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن رشيد وغيرهم.
وبعد أن فتحت كلية الشريعة بالرياض أخذ فيها عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وعلى الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فلازمه حتى في بيته فأخذ عنه المنطق وأصول الفقه والتفسير، وفي سنة 1376هـ تخرج من كلية الشريعة وعين في نفس السنة مدرسًا في المعهد العلمي بالرياض، وفي عام 1378هـ عين مدرسًا في كلية الشريعة، وتولى فيها على مدى أربعين سنة تدريس الحديث والفقه وأصول الفقه، والتوحيد والنحو والتفسير، ثم ترقى خلالها حتى وصل إلى درجة أستاذ ولشيخنا بحوث ومؤلفات عدة، منها: الإمامة العظمى، والبراهين المتظاهرة في حتمية الإيمان بالله والدار الآخرة، وشرح جزء من بلوغ المرام، وشارك في تأليف كتاب تسهيل الوصول إلى علم الأصول المقرر في الجامعة الإسلامية، وهذا البحث المبارك (القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار) وله فتاوى ومذكرات كثيرة متفرقة متداولة، تتضمن الوقوف ضد التيارات المنحرفة والمبتدعة، منها في التصوير والتحذير من الحفلات الغنائية، والأعياد المبتدعة وقيادة المرأة السيارة وغيرها، ومنها تزكيات للعلماء والمصلحين، فجزاه الله خيرًا من مجاهد صادق، وقد تخرج على يده ثلة غفيرة من العلماء والأساتذة والوزراء، منهم معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية، ومعالي الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل، وفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، وفضيلة الشيخ المجاهد سلمان بن فهد العودة، وفضيلة الشيخ المجاهد علي ابن خضير الخضير، وفضيلة الشيخ قاضي تمييز عبد الرحمن بن صالح الجبر، وفضيلة الشيخ قاضي تمييز عبد الرحمن بن سليمان الجار الله، وفضيلة الشيخ قاضي تمييز عبد الرحمن بن عبد العزيز الكِليِّة، وفضيلة الشيخ قاضي تمييز عبد الرحمن بن غيث، وفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله العجلان رئيس محاكم منطقة القصيم، وفضيلة الشيخ سليمان ابن مهنا رئيس محاكم الرياض، وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورئيس هيئة التحقيق والادعاء العام فضيلة الشيخ محمد بن مهوس، وفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله الغنيمان، وفضيلة الشيخ حمد بن فريان وكيل وزارة العدل، وفضيلة الشيخ إبراهيم بن داود وكيل وزارة الداخلية، وممن أشرف على رسائلهم العلمية سواء في الدكتوراه أو الماجستير: الدكتور محمد عبد الله السكاكر، والدكتور عبد الله بن صالح المشيقح، والدكتور عبد الله بن سليمان الجاسر، والدكتور صالح بن عبد الرحمن المحيميد، والدكتور محمد بن لاحم، والدكتور عبد العزيز بن صالح الجوعي، والدكتور ناصر السعوي، والدكتور خليفة الخليفة، والدكتور إبراهيم ابن محمد الدوسري وغيرهم كثير، فجزاه الله خير الجزاء ونفع الله بعلمه وختم له بخير.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
15/2/1420هـ

.المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين. أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى لما أراد بأهل الأرض خيرًا أرسل إليهم محمدًا بالهدى ودين الحق وأمره أن يبلغ هذا الدين لأمته، فقام صلوات الله وسلامه عليه بهذا الأمر أتم قيام فما ترك خيرًا وصلاحًا إلا دل الأمة عليه وأمرهم به وبين لهم أسباب الوصول إليه، وما ترك شرًا إلا وحذر الأمة منه ونهاهم عنه وبين لهم الطرق الموصلة إليه ليجتنبوه، فما توفي عليه الصلاة والسلام إلا وقد بين لأمته كل ما تحتاج إليه ويصلحها في دنياها وأخراها. قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}. وقال عليه الصلاة والسلام: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك». وقال أبو ذر: «ما توفى رسول الله وطائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وذكر لنا منه علمًا».
وإن مما حذر منه عليه الصلاة والسلام ونهى عنه في آخر حياته وفي مرض موته إقامة اليهود والنصارى والمشركين في جزيرة العرب واستعانة المسلمين بالكفار في القتال وفي غيره، والمستقرئ لكتاب الله العزيز يجد فيه النصوص الكثيرة في تحريم الركون إلى الكفار وموالاتهم والاستعانة بهم، وكذلك في سنة النبي نصوص كثيرة متظافرة تنهى نهيًا مؤكدًا عن إقامة اليهود والنصارى والمشركين في جزيرة العرب، وعن الاستعانة بالكفار والركون إليهم وموالاتهم كذلك، وهذا ثابت عنه في الصحيحين والمسانيد والسنن وغيرها كما ستقف عليه إن شاء الله في أثناء هذا البحث، ولما رأيت بعض الحكومات- التي تدعي الإسلام- في الجزيرة العربية قد تجاهلت مدلول هذه النصوص فسهلت الطريق لدخول اليهود والنصارى إلى الجزيرة ومكنتهم من الإقامة فيها وتكديس ترسانات أسلحتهم المتنوعة فيها لإرهاب المسلمين وتهديد استقرار الشعوب العربية المسلمة ومهاجمتهم بالأسلحة الفتاكة واستمرار الهجمات والضربات العسكرية عليهم من وقت لآخر... رأيت لزامًا عليَّ أن أبين هذه الحقيقة وفق ما يفهم من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فكتبت هذا البحث المختصر وضمنته بعضًا من النصوص الواردة في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة في هذا الشأن كما ذكرت فيه جملة من أقوال علماء الأمة الذين أدوا الأمانة ووفوا بالعهود التي أخذها الله عليهم فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
ولقد عزمت على كتابة هذا البحث إبراءًا للذمة وأداءًا للأمانة واتقاءًا للوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}.
والله أسأل أن ينفع به ويجعله خالصًا لوجهه الكريم.
حمود بن عبد الله بن عقلاء الشعيبي.
الأستاذ سابقًا في كلية الشريعة وأصول الدين.
في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
فــــــرع القصــــــــيم.
15 شوال 1419هـ.

.تمهيد:

قبل الشروع في البحث لابد لي من تمهيد بين يديه تعرف من خلاله السبب الذي من أجله أوصى عليه الصلاة والسلام بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب ونهى عن الاستعانة بالكفار.
فأقول: أعلم وفقنا الله وإياك أنه منذ أشرق نور الإسلام في ربوع مكة المكرمة جُنَّ جنون أعداء الرسل من يهود ونصارى ومشركين ومنافقين فشمَّروا عن سواعدهم لمحاربة الإسلام ومعارضته وقاموا بحملات كلامية استهدفوا فيها شخص النبي حيث نعتوه بشتَّى نعوت الذم والعيب والتنقص ليشوهوا ما جاء به وينفروا عنه الناس فتارة قالوا ساحر ومرة قالوا شاعر وأخرى معلَّم مجنون وقالوا: مفترٍ ولكن الله سبحانه وتعالى ردَّ عليهم في كتابه العزيز ونفى كل هذه النعوت الكاذبة الحاقدة عن نبيه عليه الصلاة والسلام فقال {وما صاحبكم بمجنون} وقال: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون}. وقال:
{وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين}. وقال: {إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلًا ما تؤمنون} إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي نزه الله بها نبيه عن تلك النعوت الكاذبة.
ولما لم تنجح هذه الأساليب في صد الناس عن اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام لجئوا إلى إيذاء أصحابه وأتباعه وتسلطوا عليهم بالتعذيب والإهانة والقتل أحيانًا رجاء أن يرجعوا عن اعتناقهم الإسلام واتباع النبي ولما لم تكن هذه الأساليب ناجحة في صرف المسلمين عن اتباع نبيهم لجأ قتلة الأنبياء إلى محاولة القضاء على النبي فتارة وضعوا له السُّم في الطعام ومرة سحروه وأخرى حاولوا إلقاء حجر عليه من شاهق غير أن هذه المحاولات الحاقدة باءت بالفشل حيث حمى الله نبيه وأطلعه على هذه المحاولات الشريرة التي استهدفت القضاء على النبي وعلى دين الإسلام الذي جاء به ولما استفحل أمرهم وعظم شرهم وتكرر نقضهم للعهود والمواثيق قاومهم النبي وجرت بينه وبينهم معارك عسكرية هي غزوة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وغزوة خيبر، وفي كل هذه المعارك انتصر الإسلام، وانهزم أعداء الله، وعندما فتح الله على نبيه خيبر صالح عليه الصلاة والسلام اليهود على البقاء فيها والعمل في أرضها بشطر ما يخرج منها ولكنه صُلْح جعل الخيار فيه للمسلمين بأن قال عليه الصلاة والسلام: «نقركم فيها ما شئنا». فمقتضى هذا الصلح أن للمسلمين الخيار، فمتى شاءوا أخرجوا اليهود وأنهوا الصلح معهم وهذه الصورة للصلح هي إحدى صورتين صالح فيهما النبي أعداءه، والأخرى صلْحه مع المشركين يوم الحديبية وهو صُلْح محدد بزمن معين ينتهي بانتهاء ذلك الزمن، أما غير هاتين الصورتين فلم يحصل صُلْح بين النبي وبين الكفار حسب علمي اللهم إلا أن يقال إنه عند قدومه للمدينة وادع اليهود وهذا صحيح ولكن وادعهم على ألا يعتدوا عليه ولا يعينوا عليه أحدًا مقابل بقائهم في قراهم ومزارعهم، أما صُلْح يتضمن تنازل المسلمين عن شيء من أراضيهم لليهود أو أحد من الكفار وتبقى ملك للعدو إلى الأبد ويكونون أصدقاء لهم ويعترفون بهم ويلغون مقاتلتهم وجهادهم فهذا لم يقع منه حسب ما علمت.
جرت هذه المعارك بين النبي وبين اليهود كما جرت بينه وبين النصارى معارك أخرى هي مؤتة وهي غزوة موجهة إلى نصارى العرب وغزوة تبوك الموجهة إلى الروم النصارى وما ذاك إلا لعلمه بخطرهم على الإسلام والمسلمين ثم جدد الإخطبوط- اليهود والنصارى- صراعهم بعد عهد النبوة فحاولوا القضاء على الخلافة الإسلامية بالجهود التي قام بها طاغوتهم وأشقاهم عبد الله بن سبأ اليهودي فقد تآمروا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقتلوه، وتآمروا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان فخلعوه من الخلافة وقتلوه، ثم قتلوا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، ثم فيما بعد ما قام به النصارى الصليبيون في الداخل من التعاون مع أعداء الدين ضد المسلمين ثم ما قاموا به من حملات صليبية عسكرية استولوا بها على أجزاء من بلاد المسلمين حتى جاءت فتنة الاستعمار العسكري المباشر في القرن الماضي، ثم الغزو الفكري، ثم التغريب والتبعية، ثم العلمنة، واليوم يقومون بنفس الدور في محاربة الإسلام والمسلمين لكن بأسماء مختلفة وشعارات مخدرة بما يسمى بالنظام العالمي الجديد، ومظلة الأمم المتحدة، والشرعية الدولية، ومن تلك الأساليب ما يطلقونه على المجاهدين من ألقاب كالأصولية والإرهاب والتطرف والتشدد، فعادوا إلى المنطقة الإسلامية بأسماء مستعارة كالصداقة ومسمى التعاون أو الاستعانة أو إعادة الشرعية، والواقع أن اليهود والنصارى من أخطر أعداء الإسلام، ولذا جاء ذمهم كثيرًا في القرآن الكريم والسنة المطهرة والتحذير من شرورهم.
وفي الجملة فإن كل فساد وضلال وقع في العقيدة الإسلامية فاليهود والنصارى وراؤُه، فإذا تأملت ضلالة الخوارج وبدعتهم وجدت أن وراءَها اليهود، لأن محدثها اليهودي الذي سمى نفسه عبد الله بن سبأ، وإذا تأملت بدعة الرفض وجدت أن محدثها هو ابن سبأ، وإذا تأملت ضلالة القدرية وجدت أن محدثها يهودي من يهود البصرة يقال له سوسن اليهودي، وإذا تأملت كفر الباطنية وجدت أن محدثه ميمون بن ديصان اليهودي، وإذا تأملت بدعة الجهمية وجدت أن سند الجهم بن صفوان يتصل بلبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي، وحتى المذاهب الكفرية المعاصرة، مثل الشيوعية والبهائية والقاديانية وجدتَ أن محدثيها اليهود والنصارى، فإن إمام الشيوعية كارل ماركس يهودي، والقاديانية والبهائية من صنع البريطانيين، أحدثوها في الهند وفارس ودعوا إليها وعملوا على نشرها في العالم الإسلامي.
وبهذا التمهيد المختصر تعرف الأسباب التي من أجلها أمرنا رسول الله بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، ونهانا أن نستعين بهم أو نركن إليهم، ولأن الاستعانة بهم تستلزم موالاتهم والركون إليهم واتخاذهم أولياء وأصدقاء.
قبل الكلام على حكم إجلاء اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب لابد من بيان الجزيرة العربية وموقعها وحدودها وأهميتها والدول الواقعة فيها.
تعريف الجزيرة:
لغة: جاء في المصباح المنير: (جزر الماء جزرًا من بابي ضرب وقتل انحسر وهو رجوعه إلى خلف ومنه الجزيرة سميت بذلك لانحسار الماء عنها).
اصطلاحًا: والجزيرة في اصطلاح الجغرافيين والمؤرخين وعلماء البلدان: (بقعة من اليابسة يحيط بها الماء من جميع جهاتها ولذا سميت جزيرة لأن الماء جزر عنها وبقيت يابسة).
وجزيرة العرب بهذا التعريف تكون شبه جزيرة لأن الماء يحيط بها من أغلب جهاتها لا من جميع جهاتها ونسبت إلى العرب لأنها مقرهم منذ كانوا.
موقعها:
فأما موقعها فهي تقع في الطرف الجنوبي الغربي من قارة آسيا.
حدودها:
وأما حدودها فقد أتفق المؤرخون والجغرافيون تقريبًا على حدودها الثلاثة الغربي والجنوبي والشرقي واختلفوا في الحد الشمالي اختلافًا يقرب من أن يكون لفظيًا.
والذي يتلخص من كلام المؤرخين والجغرافيين في تحديد الجزيرة أنها تحد من الغرب ببحر القلزم المعروف بالبحر الأحمر، ومن الجنوب بالبحر العربي، ومن الشرق بالخليج العربي (خليج البصرة)، ومن الشمال ببادية الشام.
قال شيخ الإسلام تقي الدين: (جزيرة العرب التي هي من بحر القلزم إلى بحر البصرة، ومن أقصى حجر اليمامة إلى أوائل الشام بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم ولا تدخل فيها الشام، وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعث وقبله) اهـ.
قال أبو عبيد والأصمعي: (هي من ريف العراق إلى عدن طولًا، ومن تهامة وما وراءها إلى أطراف الشام عرضًا) اهـ.
وقال أبو عبيدة: (هي من حفر أبي موسى إلى اليمن طولًا ومن رمل يبرين إلى منقطع السماوة عرضًا) اهـ.
قال الخليل: (إنما قيل لها جزيرة العرب لأن بحر الحبش وبحر فارس والفرات قد أحاطت بها) اهـ.
وقال سماحة الشيخ العلامة بكر أبو زيد: (حدود الجزيرة العربية غربًا بحر القلزم والقلزم مدينه على طرفه الشمالي وهو المعروف باسم البحر الأحمر، ويحدها جنوبًا بحر العرب ويقال بحر اليمن، وشرقًا خليج البصرة (الخليج العربي) والتحديد من هذه الجهات الثلاث بالأبحر المذكورة محل اتفاق بين المحدثين والفقهاء والمؤرخين والجغرافيين وغيرهم الحد الشمالي يحدها شمالًا ساحل البحر الأحمر الشرقي وما على ماسامته شرقًا من مشارف الشام وأطرافه (الأردن حاليًا) ومنقطع السماوة من ريف العراق والحد غير داخل في المحدود هنا) اهـ.
وبالجملة فالجزيرة العربية هي قاعدة الإسلام والمسلمين ومنطلقه العريق وهي أولى البلاد بأن تكون خالصة للإسلام والمسلمين طاهرة من رجس اليهود والنصارى. بأي مسمى جاؤوا إليها سواء مسمى الإعانة أو الدفاع أو الإقامة، ولذا جاء التحذير من الرسول بتطهير الجزيرة العربية منهم.
قال ممليه عفا الله عنه: والعجب مما ذهب إليه بعض العلماء من أن المراد بجزيرة العرب التي ورد ذكرها في الأحاديث هي الحجاز فقط حيث خصصوا الحكم بإجلاء اليهود والنصارى والمشركين من الحجاز مع أن الحجاز لا ينطبق عليه تعريف الجزيرة لأن الجزيرة جزء من اليابسة يحيط به الماء من جميع جهاته أو من أغلبها والحجاز لا يحيط به الماء من جميع جهاته ولا من أغلبه وإنما يحده من جهة واحدة وهي الجهة الغربية فكيف يطلق عليه الرسول جزيرة العرب في الأحاديث الكثيرة، وقد بحثت عن دليل يخص الحجاز بهذه التسمية فلم أجد سوى أمرين استدل بهما القائلون بأن الحجاز هي جزيرة العرب، وهما دليلان لا يوصلان إلى المدعى، أما الأول فقالوا إنه ورد عنه في أكثر من حديث قوله: «أخرجوا اليهود من الحجاز»، وأما الثاني: فإنهم قالوا إن الحكَّام وبعض العلماء تركوا اليهود في اليمن وتيماء فلو كانت هذه الأماكن من الجزيرة لما تركوا اليهود فيها.
الجواب عن هذين الدليلين:
أما الأول: فإنه قوله : «أخرجوا اليهود من الحجاز» وهو لا يتنافى مع قوله : أخرجوهم من جزيرة العرب» لأن الحجاز جزء من جزيرة العرب ومعلوم أنه قد تقرر في علم الأصول أن ذكر بعض أفراد العام أو أجزاء الكل لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون ذكر بعض أفراد العام أو أجزاء الكل مخالفًا لحكم العام أو الكل أو موافقًا له، فإن كان موافقًا له فهو مؤكد له غير معارض له كما في ذكر إجلاء اليهود من الحجاز فإنه موافق لقوله: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب» غير معارض له لأن الحجاز من جزيرة العرب وإن كان ذكر بعض أفراد العام أو أجزاء الكل مخالفًا لحكم العام أو الكل فهو مخصص له غير ناسخ له.
ثانيًا: أما استدلالهم بترك بعض الحكَّام والعلماء لليهود في تيماء واليمن فالجواب عنه أن يقال: أولًا: قد يكون لتركهم لليهود في اليمن وغيره مبرر يقتضي ذلك بأن يكون تركهم في هذه الأماكن وعدم إجلائهم فيه مصلحة للإسلام والمسلمين تربوا على مفسدة بقائهم. ثانيًا: وقد يكونون غير قادرين على إجلائهم.
وقد تعرض الإمام الصنعاني في كتاب الجهاد من كتاب سبل السلام لهذا فقال رحمه الله: قلت: لا يخفى أن الأحاديث الماضية فيها الأمر بإخراج من ذكر من أهل الأديان غير دين الإسلام من جزيرة العرب والحجاز بعض جزيرة العرب وورد في حديث أبي عبيدة الأمر بإخراجهم من الحجاز وهو بعض مسمى جزيرة العرب والحكم على بعض مسمياتها بحكم لا يعارض الحكم عليها كلها بذلك الحكم كما قرر في الأصول أن الحكم على بعض أفراد العام لا يخصص العام.
وهذا نظيره، وليست جزيرة العرب من ألفاظ العموم كما وهم فيه جماعة من العلماء وغاية ما أفاده حديث أبي عبيدة زيادة التأكيد من إخراجهم من الحجاز لأنه أدخل إخراجهم من الحجاز تحت الأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، ثم أفرد بالأمر زيادة تأكيد لا أنه تخصيص أو نسخ كيف وقد كان آخر كلامه: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب».
وأخرج البيهقي من حديث مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: بلغني أنه كان آخر ما تكلم به رسول الله أنه قال: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب».
وأما قول الشافعي: إنه لا يعلم أحدًا أجلاهم من اليمن فليس ترك إجلائهم بدليل فإن أعذار من ترك ذلك كثيرة، وقد ترك أبو بكر إجلاء أهل الحجاز مع الاتفاق على وجوب إجلائهم لشغله بجهاد أهل الردة ولم يكن ذلك دليلًا على أنهم لا يجلون بل أجلاهم عمر، وأما القول بأنه أقرهم في اليمن بقوله لمعاذ: «خذ من كل حالم دينارًا أو عدله معافريًّا» فهذا كان قبل أمره بإخراجهم فإنه كان عند وفاته كما عرفت، فالحق وجوب إجلائهم من اليمن لوضوح دليله، وكذا القول بأن تقريرهم في اليمن قد صار إجماعًا سكوتيًّا لا ينهض على دفع الأحاديث فإن السكوت من العلماء على أمر وقع من الآحاد أو من خليفة أو غيره من فعل محظور أو ترك واجب لا يدل على جواز ما وقع ولا على جواز ما ترك فإنه إن كان الواقع فعلًا أو تركًا لمنكر وسكتوا لم يدل سكوتهم على أنه ليس بمنكر لما علم من أن مراتب الإنكار ثلاث باليد أو اللسان أو القلب، وانتفاء الإنكار باليد واللسان لا يدل على انتفائه بالقلب وحينئذ فلا يدل سكوته على تقريره لما وقع حتى يقال قد أجمع عليه إجماعًا سكوتيًّا إذ لا يثبت أنه قد أجمع الساكت إذا علم رضاه بالواقع ولا يعلم ذلك إلا علام الغيوب. وبهذا يعرف بطلان القول بأن الإجماع السكوتي حجة ولا أعلم أحدًا قد حرر هذا في رد الإجماع السكوتي مع وضوحه والحمد لله المنعم المتفضل، فقد أوضحناه في رسالة مستقلة، فالعجب ممن قال: ومثله قد يفيد القطع وكذلك قول من قال إنه يحتمل أن حديث الأمر بالإخراج كان عند سكوتهم بغير جزية باطل لأن الأمر بإخراجهم عند وفاته، والجزية فرضت في التاسعة من الهجرة عند نزول براءة فكيف يتم هذا، ثم إن عمر أجلى أهل نجران وقد كان صالحهم على مال واسع كما هو معروف وهو جزية والتكلف لتقويم ما عليه الناس وردِّ ما ورد من النصوص بمثل هذه التأويلات مما يطيل تعجب الناظر المنصف اهـ.
فأما الدول الواقعة فيها فمنها جمهورية اليمن والمملكة والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان.
وبعد الفراغ من بيان الجزيرة العربية وموقعها وحدودها وأهميتها والدول الواقعة فيها نتكلم على حكم إقامة اليهود والنصارى والمشركين فيها.