فصل: منزلة الولاء والبراء في الإسلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار (نسخة منقحة)



.منزلة الولاء والبراء في الإسلام:

الولاء والبراء قاعدة من قواعد الدين وأصل من أصول الإيمان والعقيدة، فلا يصح إيمان شخص بدونهما، فيجب على المرء المسلم أن يوالي في الله ويحب في الله ويعادي في الله فيوالي أولياء الله ويحبهم ويعادي أعداء الله ويتبرأ منهم ويبغضهم، قال: «أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله».
قال ممليه عفا الله عنه: الناس بالنسبة للموالاة والمعاداة ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من آمن بالله ورسوله، وصدق بدينه وشرعه، وامتثل لأوامره، وتجنب معاصيه، فهذا القسم أهله يستحقون الولاية الكاملة من جميع الوجوه.
القسم الثاني: من كفر بالله ورسوله، ولم يؤمن بدينه وشرعه، فهؤلاء يستحقون المعاداة الكاملة من جميع الوجوه.
القسم الثالث: الذين آمنوا بالله ورسوله ودينه وشرعه، ولكن حصلت منهم بعض المخالفات من ارتكابه بعض المعاصي وترك بعض الواجبات فهؤلاء يوالون من جهة إيمانهم بالله ورسوله ويعادون من جهة تقصيرهم في الأوامر والنواهي.
ومما تقدم يتبين لك أيها القارئ أن الولاء يقوم على المحبة والنصرة والاتباع، فمن أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فهو ولي الله.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئًا).
أما من والى الكافرين واتخذهم أصدقاء وإخوانًا فهو مثلهم، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}.
والقرآن العزيز مشتمل على كثير من الآيات التي تحذر من اتخاذ الكافرين أولياء كقوله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالًا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضو عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور. إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط}.
قال ابن جرير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآيات الكريمة: يعني بذلك تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم {لا تتخذوا بطانة من دونكم} يقول: لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم {من دونهم} من دون أهل دينكم وملتكم يعني من غير المؤمنين، وإنما جعل (البطانة) مثلًا لخليل الرجل فشبهه بما وَلِىَ بطنه من ثيابه لحلوله منه في اطِّلاعه على أسراره وما يطويه عن أباعده، وكثير من أقاربه محل ما وَلِىَ جَسَده من ثيابه، فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار به أخلاّء وأصفياء ثم عرفهم ما هم عليه لهم منطوون من الغش والخيانة وبغيهم إياهم الغوائل فحذرهم بذلك منهم ومن مخالتهم فقال تعالى ذكره {لا يألونكم خبالًا} يعني لا يستطيعونكم شرًا من (ألوت آلُو ألوًا)، يقال ما ألا فلان كذا: أي ما استطاع كما قال الشاعر:
جهراء لا تألو إذا هي أظْهرتْ ** بَصَــرًا ولا مِنْ عَيْلةٍ تغنينـي

يعني: لا تستطيع عند الظهر إبصارًا، وإنما يعني جل ذكره بقوله: {لا يألونكم خبالًا} البطانة التي نهى المؤمنين عن اتخاذها من دونهم فقال: إن هذه البطانة لا تترككم طاقتها خبالًا أي لا تدع جهدها فيما أورثكم الخبال، وأصل الخبْل والخبال الفساد ثم يستعمل في معان كثيرة يدل على ذلك الخبر عن النبي من أصيب بخبْل أو جراح. وأما قوله: {ودوا ما عنتم} فإنه يعني ودوا عنتكم يقول: يتمنون لكم العنَت والشرَّ في دينكم وما يسوءكم ولا يسرُّكم، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين كانوا يخالطون حلفاءهم من اليهود وأهل النفاق منهم ويصافونهم المودَّة بالأسباب التي كانت بينهم في جاهليتهم قبل الإسلام فنهاهم الله عن ذلك، وأن يستنصحوهم في شيء من أمورهم، ثم استشهد رحمه الله على صحة تغير هذه الآيات بأحاديث وآثار كثيرة نكتفي منها بما رواه رحمه الله، فقد روى بسنده عن ابن عباس قال، كان رجال من المسلمين يواصلون رجالًا من اليهود لما كان بينهم من الجوار والحِلْف في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوُّف الفتنة عليهم منهم {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم- إلى قوله- وتؤمنون بالكتاب كله}. اهـ.
قال ممليه عفا الله عنه: وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة معان جليلة منها:
أولًا: نهيه سبحانه وتعالى وتحذيره لعباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين بطانة أي أولياء وأصدقاء.
ثانيًا: بين سبحانه وتعالى الأسباب المقتضية للنهي عن موالاة الكافرين والتحذير من مودتهم والركون إليهم، من هذه الأسباب: أنهم لا يألون خبالًا في إعنات المؤمنين وإيذائهم بكل ما يستطيعونه من الأذى، ومنها: أنهم أعداء للمؤمنين عِداءًا مستحكمًا بحيث تظهر البغضاءُ والكراهيةُ على ألسنتهم وما يخفونه من العداء والبغضاء في صدورهم أكبر مما يبدو على ألسنتهم، ومنها: أنهم لا يحبون المؤمنين ولا يؤمنون بما جاء به النبي إلا ظاهرًا أما في الباطن فإنهم يكفرون بما جاء به النبي {وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضُّو عليكم الأنامل من الغيظ}. ومنها: أن ما يصيب المؤمنين من خير يسوءهم وما يصيب المؤمنين من شر فإنهم يفرحون به ويسرهم، وقال سبحانه وتعالى مبينًا الموالاة الحقيقية: {إنما وليُّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتولّ الله ورسولَه والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون. يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين}. بعد أن نهى سبحانه وتعالى عن موالاة اليهود والنصارى وبين أن من اتخذهم أولياء فهو منهم حصر الولاية الصحيحة بموالاة الله ورسوله والمؤمنين بإنما التي هي أبلغ طرق الحصر بعد الحصر بالنفي والاستثناء حيث تقرر في علم المعاني أن أبلغ طرق القصر هي النفي والاستثناء كقولك: (لا إله إلا الله) ويليها في البلاغة الحصر بإنما، كما تضمنت هذه الآية الكريمة أن النصر والغلبة والتأييد يحصل بتولي الله ورسوله والمؤمنين فقط {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}.
قال ابن جرير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: يعني تعالى ذكره بقوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}، أنه ليس لكم أيها المؤمنون ناصر إلا الله ورسوله والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من وَلايتهم ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء فليسوا لكم أولياء ولا نُصَراء بل بعضهم أولياء بعض ولا تتخذوا منهم وليًا ولا نصيرًا. اهـ.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: عند قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا...الآية} وهذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون وهي شرائع الإسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي يتخذونها هزوًا يستهزئون بها، ولعبًا يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد وفكرهم الفاسد. اهـ.
وقال أيضًا ابن كثير رحمه الله عند تفسيره تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا...} الآية، قال: وما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم ولهذا قتلوا كثيرًا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله غير مره وسموه وسحروه وألّبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة اهـ.
ثم ذكر رواية الحافظ أبو بكر ابن مردويه بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «ما خلا يهودي بمسلم قط إلا هم بقتله».
وصدق رحمه الله فيما ذكره من صفات اليهود من أنهم أشد الناس عداءًا للرسل والأديان وخصوصًا عدائهم لنبينا، والقرآن الكريم، استدل على ذلك بعشرات الآيات التي تذم اليهود وتبين مكرهم وغدرهم بالرسل واتباعهم، وقد اطلعت على كلام لبعض العلماء ذكره عنهم ابن النقاش في كتابه (المذمَّة في استعمال أهل الذمة) تضمن بيان بعض صفات اليهود والنصارى الذميمة التي جاءت في القرآن فأحببت ذكره للقارئ على ما فيه من طول لجودته وكثرة فوائده فقال رحمه الله: ومعلوم أن اليهود والنصارى موسومون بغضب الله ولعنته، والشرك به، والجحد لوحدانيته، وقد فرض الله على عباده في جميع صلواتهم أن يسألوا هداية سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وتجنبهم سبيل الذين أبعدهم من رحمته وطردهم من جنته فباءوا بغضبه ولعنته من المغضوب عليهم والضالين، فالأمة الغضبية هم اليهود بنص القرآن، وأمة الضلال هم النصارى المثلثة عباد الصلبان، وقد أخبر تعالى عن اليهود بأنهم بالذلة والمسكنة والغضب موسومون فقال تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}، وأخبر سبحانه بأنهم باءوا بغضب على غضب وذلك جزاء المفترين، فقال سبحانه:
{بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيًا أن ينزِّل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين}. وأخبر سبحانه أنه لعنهم ولا أصدق من الله قيلًا فقال سبحانه: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولًا}، وحكم سبحانه بينهم وبين المسلمين حكمًا ترتضيه العقول ويتلقاه كل منصف بالإذعان والقبول فقال سبحانه: {قل هل أنبئكم بشَّرٍ من ذلك مثوبةً عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شرٌ مكانًا وأضل عن سواءَ السبيل}، وأخبر سبحانه عما أحل بهم من العقوبة التي صاروا بها مثلًا في العالمين فقال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون. فلما عتو عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين}. ثم حكم عليهم حكمًا مشتملًا عليهم في الذراري والأعقاب على مر السنين والأحقاب فقال تعالى: {وإذ تأذّن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوءَ العذاب إن ربك لسريع العقاب} الآية، فكان هذا العذاب في الدنيا بعض الاستحقاق {ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق}، فهم أنجس الأمم قلوبًا، وأخبثهم طوية وأرداهم سجية وأولاهم بالعذاب الأليم {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهِّر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}، فهم أمة الخيانة لله ورسوله ودينه وكتابه وعباده المؤمنين فقال سبحانه: {ولا تزال تطَّلع على خائنة منهم إلا قليلًا منهم فاعف عنهم وأصفح إن الله يحب المحسنين}، وأخبر عن سوء ما يصنعون ويقولون وخبث ما يأكلون ويحكمون فقال تعالى وهو أصدق القائلين: {سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين}، وأخبر تعالى أنه لعنهم على ألسنة أنبيائه ورسله بما كانوا يكسبون فقال سبحانه:
{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون}، وقطع الموالاة بين اليهود والنصارى وبين المؤمنين وأخبر أن من تولاهم فإنه منهم في حكمه المبين فقال تعالى وهو أصدق القائلين: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}، وأخبر عن حال متوليهم بما في قلبه من المرض المؤدي إلى فساد العقل والدين بقوله:
{فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}، ثم أخبر عن حبوط أعمال متوليهم ليكون المؤمن لذلك من الحذرين فقال: {ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين}، ونهى المؤمنين عن اتخاذ أعدائه أولياء وقد كفروا بالحق الذي جاءهم من ربهم وأنهم لا يمنعون من سوء ينالونهم به بأيديهم أو ألسنتهم إذا قدروا عليه فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق- إلى قوله- إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون} وجعل سبحانه لعباده المسلمين أسوة حسنة في إمام الحنفاء ومن معه من المؤمنين إذا تبرءوا مما ليس على دينهم امتثالًا لأمر الله وإيثار مرضاته وما عنده فقال تعالى:
{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبد ون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتى تؤمنوا بالله وحده}، وتبرأ سبحانه ممن اتخذ الكفار أولياء من دون المؤمنين فقال تعالى وهو أصدق القائلين:
{ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير}، فمن ضروب الطاعات أهانتهم في الدنيا قبل الآخرة التي هم إليها صائرون، ومن حقوق الله الواجبة: أخذ جزية رؤوسهم التي يعطونها عن يد وهم صاغرون. ومن الأحكام الدينية: أن تعم جميع الذمة إلا من لا تجب عليه باستخراجها وأن يعتمد في ذلك سلوك سبيل السنة المحمدية ومناهجها وألا يسامح بها أحد منهم ولو كان في قومه عظيمًا وألا يقبل إرساله بها ولو كان فيهم زعيمًا وألا يحيل بها على أحد من المسلمين ولا يوكل من إخراجها عنه أحدًا من الموحدين بل تؤخذ منه على وجه الذلة والصغار إعزازًا للإسلام وأهله وإذلالًا لطائفة الكفار وأن تستوفى من جميعهم حق الاستيفاء وأهل خيبر وغيرهم في ذلك على السواء، وأما ما ادعاه الجبابرة من وضع الجزية عنهم بعهد من رسول الله فإن ذلك زور وبهتان وكذب ظاهر يعرفه أهل العلم والإيمان لفَّقَه القوم البهت وزوّروه وضعوه من تلقاء أنفسهم وتمموه وظنوا أن ذلك يخفى على الناقدين أو يروج على علماء المسلمين ويأبى الله إلا أن يكشف محال المبطلين وإفك المفترين وقد تظاهرت السنن وصح الخبر بأن خيبر فتحت عنوة وأوجف عليها رسول الله والمسلمون الخيل والركاب فعزم رسول الله على إجلائهم عنها كما أجلى إخوانهم من أهل الكتاب، فلما ذكروا أنهم أعرف بسقي نخلها ومصالح أرضها أقرهم فيها كالأُجَرَاء وجعل لهم نصف الأبضاع وكان ذلك شرطًا مبنيًا وقال: «نقركم فيها ما شئنا»، فأقر بذلك الجبابرة صاغرين وأقاموا على هذا الشرط في الأرض عاملين ولم يكن للقوم من الذمام والحرمة ما يوجب إسقاط الجزية عنهم دون من عداهم من أهل الذمة كيف وفي الكتاب المشحون بالكذب والمين شهادة سعد بن معاذ وكان قد توفى قبل ذلك بأكثر من سنتين وشهادة معاوية ابن أبي سفيان وإنما أسلم عام الفتح بعد خيبر سنة ثمان وفي الكتاب المكذوب أنه أسقط عنهم الكُلَفْ والسُخَر، ولم يكن على زمانه في شيء من ذلك ولا على زمان خلفائه الذين ساروا في الناس أحسن السير. ولما اتسعت رقعة الإسلام ودخل فيه الخاص والعام وكان في المسلمين من يقوم بعمل الأرض وسقى النخل أجلى عمر ابن الخطاب اليهود من خيبر بل من جزيرة العرب ممتثلًا أمر رسول الله: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب». وقال: «لئن بقيت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا».