فصل: تفسير الآيات (29- 30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (22- 26):

{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)}
لما ذكر تعالى حال الكفرة أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين ليبين الفرق وتتحرك النفوس إلى طلب الأفضل، وقرأت عامة القراء {يسْلم} بسكون السين وتخفيف اللام.
وقرأ عبد الله بن مسلم وأبو عبد الرحمن {يسَلّم} بفتح السين وشد اللام ومعناه يخلص ويوجه ويستسلم به، والوجه هنا الجارحة استعير للمقصود لأن القاصد للشيء فهو مستقبله بوجهه فاستعير ذلك للمقاص، والمحسن الذي جمع القول والعمل، وهو الذي شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان، و{العروة الوثقى} استعارة للأمر المنجي الذي لا يخاف عليه استحالة ولا إخلال والعرى موضع التعليق فكأن المؤمن متعلق بأمر الله فشبه ذلك {بالعروة}، و{الأمور} جمع أمر وليس بالمضاد للنهي، ثم سلى عز وجل نبيه عن موجدته لكفر قومه وإعراضهم فأمره لا يحزن لذلك بل يعمد لما كفله من التبليغ ويرجع الكل إلى الله تعالى، وقرأ ت فرقة {يُحزنك} من الرباعي، وقرأت فرقة {يَحزنك} من الثلاثي، و{ذات الصدور} ما فيها والقصد من ذلك إلى المعتقدات والآراء، ومن ذلك قولهم:الذئب مغبوط بذي بطنه، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه:ذو بطن بنت خارجة، والمتاع القليل هو العمر في الدنيا، والعذاب الغليظ معناه المغلظ المؤلم، ثم أقام عليه الحجة في أمر الأصنام بأنهم يقرون بأن الله تعالى خالق المخلوقات ويدعون مع ذلك إلهاً غيره، والمعنى {قل الحمد لله} على ظهور الحجة عليكم، وقوله تعالى: {بل أكثرهم} إضراب عن مقدر تقديره ليس دعواهم بحق ونحو هذا، وقوله: {أكثرهم} على أصله لأن منهم من شذ فعلهم كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس، وورقة بن نوفل، ويحتمل أن تكون الإشارة أيضاً إلى من هو معد أن يسلم، ثم أخبر على جهة الحكم وفصل القضية بأن الله له ملك السماوات والأرض وما فيها، أي وأقوال هؤلاء لا معنى لها ولا حقيقة و{الغني} الذي لا حاجة به في وجوده وكماله إلى شيء ولا نقص بجهة من الجهات، و{الحميد} المحمود أي كذلك هو بذاته وصفاته.

.تفسير الآيات (27- 28):

{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)}
روي عن ابن عباس أن سبب هذه الآية أن اليهود قالت يا محمد كيف عنينا بهذا القول {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85] ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام الله تعالى وأحكامه وعندك أنها تبيان كل شيء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «التوراة قليل من كثير» ونزلت هذه الآية، وهذا هو القول الصحيح، والآية مدنية وقال قوم: سبب الآية أن قريشا قالت سيتم هذا الكلام لمحمد وينجسر فنزلت هذه الآية، وقال السدي: قالت قريش ما أكثر كلام محمد فنزلت.
قال الفقيه الإمام القاضي: والغرض منها الإعلام بكثرة كلمات الله تعالى وهي في نفسها غير متناهية وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى، لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة، وأيضاً فإن الآية إنما تضمنت أن {كلمات الله} لم تكن لتنفد، وليس تقتضي الآية أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور، قال أبو علي: المراد ب الكلمات والله أعلم ما في المقدور دون ما أخرج منه إلى الوجود، وذهبت فرقة إلى أن الكلمات هنا إشارة إلى المعلومات.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول ينحو إلى الاعتزال من حيث يرون في الكلام أنه مخلوق وهذه الآية بحر نظر، نور الله تعالى قلوبنا بهداه، وقرأ أبو عمرو وحده من السبعة وابن أبي إسحاق وعيسى {والبحرَ} بالنصب عطفاً على ما التي هي اسم أن، وقرأ جمهور الناس و{البحرُ} بالرفع على أنه ابتداء وخبره في الجملة التي بعده لأن تقديرها هذه، حاله كذا، قدرها سيبويه وقال بعض النحويين هو عطف على أن لأنها في موضع رفع بالابتداء، وقرأ جمهور الناس {يَمده} من مد وقرأ الحسن بن أبي الحسن {يُمده} من أمد، وقالت فرقة هما بمعنى واحد، وقالت فرقة مد الشيء بعضه بعضاً وأمد الشيء ما ليس منه، فكأن الأبحر السبعة المتوهمة ليست من {البحر} الموجود، وقرأ جعفر بن محمد {والبحر مداده} وهو مصدر، وقرأ ابن مسعود {وبحر يمده}، وقرأ الحسن {ما نفد كلام الله}، ثم ذكر تعالى أمر الخلق والبعث أنه في الجميع وفي شخص واحد بالسواء لأنه كله بكن فيكون قاله مجاهد.
وحكى النقاش أن هذه الآية في أبي بن خلف وأبي الأسود ونبيه ومنبه ابني الحجاج وذلك أنهم قالوا يا محمد إنا نرى الطفل يخلق بتدرج وأنت تقول الله يعيدنا دفعة واحدة فنزلت الآية بسببهم.

.تفسير الآيات (29- 30):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)}
هذا تنبيه خوطب به محمد صلى الله عليه وسلم والمراد به جميع العالم، وهذه عبرة تدل على الخالق المخترع أن يكون الليل بتدرج والنهار كذلك فما قصر من أحدهما زاد في الآخر ثم بالعكس ينقسم بحكمة بارئ العالم لا رب غيره، و{يولج} معناه يدخل، والأجل المسمى القيامة التي تنتقض فيها هذه البنية وتكور الشمس، وقرأ جمهور القراء {بما تعملون} بالتاء من فوق، وقرأ عباس عن أبي عمرو {يعلمون} بالياء، وقوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} الإشارة ب {ذلك} إلى هذه العبرة وما جرى مجراها، ومعنى {هو الحق} أي صفة الألوهية له حق، فيحسن في القول تقدير ذو، وذلك الباب متى أخبر بمصدر عن عين فالتقدير ذو كذا وحق مصدر منه قول الشاعر:
***فإنما هي إقبال وإدبار ** وهذا كثير ومتى قلت كذا وكذا حق فإنما معناه اتصاف كذا بكذا حق، وقوله: {وأن ما تدعون من دونه} يصح أن يريد الأصنام وتكون بمعنى الذي ويكون الإخبار عنها ب {الباطل} على نحو ما قدمناه في {الحق}، ويصح أن تكون {ما} مصدرية كأنه قال وأن دعاءكم من دونه آلهة الباطل أي الفعل الذي لا يؤدي إلى الغاية المطلوبة به، وقرأ الجمهور {تدعون} بالتاء من فوق، وقرأ {يدعون} بالياء ابن وثاب والأعمش وأهل مكة ورويت عن أبي عمرو، وباقي الآية بين.

.تفسير الآيات (31- 32):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}
الرؤية في قوله: {ألم تر} رؤية العين يتركب عليها النظر والاعتبار، والمخاطب محمد صلى الله عليه وسلم والمراد الناس أجمع، و{الفلك} جمع وواحد بلفظ واحد، وقرأ موسى بن الزبير {الفلُك} بضم اللام، وقوله: {بنعمة الله} يحتمل أن يريد ما تحمله السفن من الطعام والأرزاق والتجارات، فالباء للأرزاق، ويحتمل أن يريد الريح وتسخير الله البحر ونحو هذا، فالباء باء السبب، وقرأ الجمهور {بنعمة}، وقرأ الأعرج ويحيى بن يعمر {بنعمات} على الجمع، وقرأ ابن أبي عبلة {بنَعِمات} بفتح النون وكسر العين، وذكر تعالى من صفة المؤمن الصبار والشكور لأنهما عظم أخلاقه الصبر على الطاعات وعلى النوائب وعلى الشهوات، والشكر على الضراء والسراء، وقال الشعبي الصبر نصف الإيمان والشكر نصفه الآخر، واليقين الإيمان كله. وغشي غطى، أو قارب، والظلل السحاب، وقرأ محمد بن الحنفية {الظلال} ومنه قول النابغة الجعدي يصف البحر: [الوافر]
يماشيهن أخضر ذو ظلال ** على حافاته فلق الدنان

ووصف تعالى في هذه الآية حالة البشر الذين لا يعتبرون حق العبرة، والقصد بالآية تبيين آية تشهد العقول بأن الأوثان والأصنام لا شرك لها فيه ولا مدخل وقوله تعالى: {فمنهم مقتصد} قال الحسن منهم مؤمن يعرف حق الله تعالى في هذه النعم.
وقال مجاهد: يريد {فمنهم مقتصد} على كفره أي منهم من يسلم الله ويفهم نحو هذا من القدرة وإن ضل في الأصنام من جهة أنه يعظمها بسيرته ونشأته، والختّار القبيح الغدر وذلك أن نعم الله تعالى على العباد كأنها عهود ومنن يلزم عنها أداء شكرها فمن كفر ذلك وجحد به فكأنه ختر وخان، ومن الختر قول عمرو بن معدي كرب: [الوافر]
وإنك لو رأيت أبا عمير ** ملأت يديك من غدر وختر

وقال الحسن: الختار هو الغدار، و{كفور} بناء مبالغة.

.تفسير الآيات (33- 34):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)}
{يجزي} معناه يقضي، والمعى لا ينفعه بشيء ولا يدفع عنه، و{هو جاز} جملة في موضع الصفة، أي ولا يجزي مولود قد كان في الدنيا يجزي، و{الغرور} التطميع بما لا يتحصل، و{الغرور} الشيطان، بذلك فسر مجاهد والضحاك وقال هو الأمل والتسويف، وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة {الغُرور} بضم العين، وقال سعيد بن جبير: معنى الآية أن تعمل المعصية وتتمنى المغفرة، وقرأ الجمهور {يَجزي} بفتح الياء من جزا، وقرأ عكرمة {يُجزي} بضم الياء على ما لم يسم فاعله، وحكى ابن مجاهد قراءة {لا يُجزئ} بضم الياء والهمز وفي رفع {مولودٌ} اضطراب من النحاة قال المهدوي: ولا يكون مبتدأ لأنه نكرة وما بعده صفة له فيبقى بغير خبر.
وقرأ ابن أبي إسحاق وابن أبي عبلة ويعقوب {ولا يغرنكم} خفيفة النون، وقوله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} ذكرالنقاش أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الخمس وروي أنه سأل عن بعضها عن جنين وعما يكسب ونحو هذا فنزلت الآية حاصرة لمفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله تعالى ولن تجد من المغيبات شيئاً إلا هذه أو ما يعيده النظر، والتأويل إليها، و{علم الساعة} مصدر مضاف إلى المفعول، أي كل ما شأنه أن يعلم من أمر الساعة ولكن الذي استأثر الله تعالى به هو علم الوقت وغير ذلك قد أعلم ببعض منه، وكذلك نزول الغيث أمر قد استأثر الله تعالى بتفصيله وعلم وقته الخاص به، وأمر الأجنة كذلك، وأفعال البشر وجميع كسبهم كذلك وموضع موت كل بشر كذلك إلا الأصقاع والموضع الخاص بالجسد، وقرأ ابن أبي عبلة {بأيَّة أرض} فتح الياء وزيادة تاء تأنيث، و{عليم خبير} صفتان متشابهتان لمعنى الآية، وقال ابن مسعود: كل شيء أوتي نبيكم إلا مفاتيح الخمس ثم تلا الآية، وقرأ {وينزِل} خفيفة أهل الكوفة وأبو عمرو وعيسى، وقرأ {وينزِّل} بالتثقيل نافع وأبو جعفر وعاصم وشيبة، وذكر أبو حاتم في ترجيح التثقيل رؤيا انتهى.

.سورة السجدة:

.تفسير الآيات (1- 4):

{الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)}
{تنزيل} يصح أن يرتفع بالابتداء والخبر {لا ريب} ويصح أن يرتفع على أنه خبر ابتداء، وهو إما الحروف المشار إليها على بعض الأقوال في أوائل السور، وإما ذلك تنزيل أو نحو هذا من التقدير بحسب القول في الحروف وقوله تعالى: {لا ريب فيه} أي هو كذا في نفسه ولا يراعى ارتياب الكفرة، وقوله: {من رب العالمين} متعلق ب {تنزيل}، ففي الكلام تقديم وتأخير، ويجوز أن يتعلق بقوله: {لا ريب} أي لا شك فيه من جهة الله تعالى وإن وقع شك للفكرة فذلك لا يراعى، والريب الشك وكذلك هو في كل القرآن إلا قوله: {ريب المنون} [الطور: 30] وقوله: {أم يقولون} إضراب، كأنه قال بل أيقولون، و{افتراه} اختلقه، ثم رد تعالى على مقالتهم هذه وأخبر أنه {الحق} من عند الله، واللام في قوله: {لتنذر} يجوز أن تتعلق بما قبلها، ولا يجوز الوقف على قوله: {من ربك} ويجوز أن تتعلق بفعل مضمر تقديره أنزله لتنذر فيوقف حينئذ على قوله: {من ربك}، وقوله: {ما أتاهم من نذير} أي لم يباشرهم ولا رأوه هم ولا آباؤهم العرب، وقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24] يعم من بوشر من النذر ومن سمع به فالعرب من الأمم التي خلت فيها النذر على هذا الوجه لأنها علمت بإبراهيم وبنيه ودعوتهم وهم ممن لم يأتهم نذير مباشر لهم سوى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس ومقاتل: المعنى لم يأتهم نذير في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، وقوله تعالى: {في ستة أيام} يقضي بأن يوماً من أيام الجمعة بقي لم يخلق فيه شيءء، وتظاهرت الأحاديث الصحاح أن الخلق ابتدئ يوم الأحد، وخلق آدم يوم الجمعة آخر الأشياء فهذا مستقيم مع هذه الآية.
ووقع في كتاب مسلم أن الخلق ابتدئ يوم السبت، فهذا يخالف الآية اللهم إلا أن يكون أراد في الآية جميع الأشياء غير آدم، ثم يكون يوم الجمعة هو الذي لم يخلق فيه شيء مما بين السماء والأرض، لأن آدم لم يكن حينئذ مما بينهما، وقد تقدم القول في قوله: {استوى على العرش} بما فيه كفاية، و{ثم} في هذا الموضع لترتيب الجمل لأن الاستواء كان بعد أن لم يكن، وهذا على المختار في معنى {استوى} ونفي الشفاعة محمول على أحد وجهين: إما عن الكفرة وإما نفي الشفعاء من ذاتهم على حد شفاعة الدنيا لأن شفاعة الآخرة إنما هي بعد إذن من الله تعالى.