فصل: تفسير الآيات (29- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (19- 22):

{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)}
{الحي} و{الميت} في هذه الآية يستعمل حقيقة ويستعمل مجازاً، فالحقيقة المني يخرج منه الإنسان والبيضة يخرج منها الطائر وهذه بعينها ميتة تخرج من حي وما جرى هذا المجرى، وبهذا المعنى فسر ابن عباس وابن مسعود وقال الحسن: المعنى المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي هذ المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية عندما كلمته بالإسلام أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، والمجاز إخراج النبات الأخضر من الأرض وإخراج الطعم من النبات وما جرى هذا المجرى، ومثل بعد إحياء الأرض بالمطر بعد موتها بالدثور والعطش، ثم بعد هذا الأمثلة القاضية بتجويز بعث الأجساد عقلاً ساق الخبر بأن كذلك خروجنا من القبور. وقرأت فرقة فرقة {يخرجون} بالياء من تحت، وقرأ عامة القرأ {تُخرجون} بالتاء المضمومة، وقرأ الحسن وابن وثاب والأعمش وطلحة بفتح التاء وضم الراء، و{من} في قوله: {ومن آياته أن خلقكم} للتبعيض، وقال {خلقكم} من حيث خلق أباهم آدم قاله قتادة، و{تنتشرون} معناه تتصرفون وتتفرقون في الأغراض والأسفار ونحوها، وقوله: {من أنفسكم} يحتمل أن يريد خلقه حواء من ضلع آدم فحمل ذلك على جميع النساء من حيث أمهم مخلوقة من نفس آدم، أي من ذات شخصه، ويحتمل أن يريد من نوعكم ومن جنسكم، والمودة والرحمة على بابها المشهور من التواد والتراحم، هذا هو البليغ، وقال مجاهد والحسن وعكرمة: عنى ب المودة الجماع وب الرحمة الولد، ثم نبه تعالى على خلق السماوات والأرض واختلاف اللغات والألوان وهذه عظم مواقع العبرة من هذه الآيات، وقوله: {وألوانكم} يحتمل أن يريد البياض والسواد وغيرهما، ويحتمل أن يريد ضروب بني آدم وأنواعهم نعم وأشخاص الأخوة ونحوهم تختلف بالألوان ونعم الألسنة وبذلك تصح الشهادات والمداينات وتقع الفروق والتعيين فهكذا تبين النعمة، وقرأ جمهور القراء {لَلعالمين} بفتح اللام، وقرأ حفص عن عصام {لِلعالمين} بكسر اللام فالأولى على أن هذه الآية هي نفسها منصوبة لجميع العالم والثانية على معنى أن أهل الانتفاع بالنظر فيها إنما هم أهل العلم.

.تفسير الآيات (23- 25):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}
ذكر تعالى النوم {بالليل والنهار} وعرف النوم إنما هو بالليل وحده، ثم ذكر الابتغاء {من فضله} كأنه فيهما وإنما معنى ذلك أنه عم بالليل والنهار فسمى الزمان وقصد من ذلك تعديد آية النوم وتعديد آية ابتغاء الفضل فإنهما آيتان تكونان في ليل ونهار، والعرف يجيز كل واحدة من النعمتين أي محلها من الأغلب وقال بعض المفسرين في الكلام تقديم وتأخير.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف وإنما أراد أن يرتب النوم لليل والابتغاء للنهار ولفظ الآية لا يعطي ما أراد، وقوله تعالى: {يريكم} فعل مرتفع لما حذفت أن التي لو كانت لنصبته فلما حل الفعل محل الاسم أعرب برفع.
ومنه قول طرفة: [الطويل]
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى ** وأن أشهد للذات هي أنت مخلدي

قال الرماني: وتحتمل الآية أن يكون التقدير {ومن آياته} آية {يريكم البرق} وحذفت الآية لدلالة من عليها ومنه قول الشاعر:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما ** أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

التقدير فمنها تارة أموت.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا على أن {من} للتبعيض كسائر هذه الآيات، ويحتمل في هذه وحدها أن تكون {من} لابتداء الغاية فلا يحتاج إلى تقدير أن ولا إلى تقدير آية، وإنما يكون الفعل مخلصاً للاستقبال وقوله: {خوفاً وطمعاً}، قال قتادة {خوفاً} للمسافر {وطمعاً} للمقيم.
قال الفقيه الإمام القاضي: ولا وجه لهذا التخصيص ونحوه بل فيه الخوف والطمع لكل بشر، قال الضحاك: الخوف من صواعقه والطمع في مطره، وقوله تعالى: {أن تقوم السماء والأرض} معناه تثبت، كقوله تعالى {وإذا أظلم عليهم قاموا} [البقرة: 20] وهذا كثير، وقيل هو فعل مستقبل أحله محل الماضي ليعطي فيه معنى الدوام الذي هو في المستقبل، والدعوة من الأرض هي البعث و{من الأرض} حال للمخاطبين كأنه قال: خارجين من الأرض، ويجوز أن يكون {من الأرض} صفة للدعوة.
قال الفقيه الإمام القاضي: و{من}، عندي هاهنا لانتهاء الغاية كما تقول دعوتك من الجبل إذا كان المدعو في الجبل، والوقف في هذه الآية عند نافع ويعقوب الحضرمي على {دعوة}، والمعنى بعد إذا أنتم تخرجون من الأرض، وهذا على أن {من} لابتداء الغاية، والوقف عند أبي حاتم على قوله: {من الأرض}، وهذا على أن {من} لانتهاء الغاية، قال مكي: والأحسن عند أهل النظر أو الوقف في آخر الآية لأن مذهب الخليل وسيبويه في {إذا} الثانية أنها جواب الأولى كأنه قال: ثم إذا دعاكم خرجتم وهذا أسدّ الأقوال.
وقرأ حمزة والكسائي {تَخرجون} بفتح التاء، وقرأ الباقون {تُخرجون} بضم التاء.

.تفسير الآيات (26- 28):

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)}
اللام في {له} الأولى لام الملك، وفي الثانية لام تعدية ل قنت إذ قنت بمعنى خضع في طاعته وانقياده، وهذه الآية ظاهر لفظها العموم في القنت والعموم في كل من يعقل، وتعميم ذلك في المعنى لا يصح لأنه خبر، ونحن نجد كثيراً من الجن والإنس لا يقنت في كثير من المعتقد والأعمال، فلابد أن عموم ظاهر هذه الآية معناه الخصوص، واختلف المتألون في هذا الخصوص أي هو، فقال ابن عباس وقتادة: هو في القنت والطاعة وذلك أن جميع من يعقل هو قانت لله في معظم الأمور من الحياة والموت والرزق والقدرة ونحو ذلك، وبعضهم يبخل بالعبادة وبالمعتقدات فلا يقنت فيها فكأنه قال كل له قانتون في معظم الأمور وفي غالب الشأن، وقال ابن زيد ما معناه: إن الخصوص هو في الأعيان المذكورين كأنه قال: {وله من في السماوات والأرض} من ملك ومؤمن، وقوله: {يبدأ الخلق} معناه ينشئه ويخرجه من العدم، وجاء الفعل بصيغة الحال لما كان في هذا المعنى ما قد مضى كآدم وسائر القرون وفيه ما يأتي في المستقبل، فكانت صيغة الحال تعطي هذا كله، و{يعيده} معناه يبعثه من القبور وينشئه تارة أخرى، واختلف المتأولون في قوله: {وهو أهون عليه}، فقال ابن عباس والربيع بن خيثم: المعنى وهو هين ونظيره قول الشاعر:
لعمرك ما أدري وأني لأوجل

بمعنى لوجل، وقول الآخر:
بيت دعائمه أعز وأطول

وقولهم في الأذان الله أكبر وقال الآخر وهو الشافعي:
فتلك سبيل لست فيها بأوحد

واستشهد بهذا البيت أبو عبيدة وهذا شاهده كثير، وفي مصحف ابن مسعود: {وهو هين عليه}، وفي بعض المصاحف و{كل هين عليه}، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة: المعنى وهو أيسر عليه، وإن كان الكل من اليسر عليه في حيز واحد وحال متماثلة، ولكن هذا التفضيل بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون علينا من البداءة للتمرن والاستغناء عن الروية التي كانت في البدأة، وهذان القولان الضمير فيهما عائد على الله تعالى، وقالت فرقة أخرى: الضمير في {عليه} عائد على الخلق.
قال الفقيه الإمام القاضي: فهذا بمعنى المخلوق فقط، وعلى التأويلين يصح أن يكون المخلوق أو يكون مصدراً من خلق، فقال الحسن بن أبي الحسن إن الإعادة أهون على المخلوق من إنشائه لأنه في إنشائه يصير من حالة إلى حالة، من نطفة إلى علقة إلى مضغة ونحو هذا، وفي الإعادة إنما يقوم في حين واحد، فكأنه قال وهو أيسر عليه، أي أقصر مدة وأقل انتقالاً، وقال بعضها: المعنى وهو أهون على المخلوق أن يعيد شيئاً بعد إنشائه، أي فهذا عرف المخلوقين فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى ويؤيده قوله تعالى {وله المثل الأعلى} لما جاء بلفظ فيه استعارة واستشهاد بالمخلوق على الخالق وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم خلص جانب العظمة بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به تكييف ولا تماثل مع شيء والعزة والحكمة، صفتان موافقتان لمعنى الآية، فبهما يعيد وينفذ أمره في عباده كيف شاء، ثم بين تعالى أمر الأصنام وفساد معتقد من يشركها بالله بضربه هذا المثل، ومعناه أنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيد تملكونهم فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ومهمّ أموركم، ولا في شيء على جهة استواء المنزلة، وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم أو يقاسموكم إياها في حياتكم كما يفعل بعضكم ببعض فإذا كان هذا فيكم فكيف تقولون إن من عبيده وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته، وتثبتون في جانبه ما لا يليق بكم عندكم بجوانبكم، هذا تفسير ابن عباس والجماعة.
وجاء هذا المعنى في معرض السؤال والتقرير، وقرأ الناس {كخيفتكم أنفسَكم} بنصب السين، وقرأ ابن أبي عبلة {أنفسُكم} بضمها، وقرأ الجمهور {نفصل} بالنون حملاً على {رزقناكم}، وقرأ عباس عن أبي عمرو {يفصل} بالياء حملاً على {ضرب لكم مثلاً}.

.تفسير الآيات (29- 32):

{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}
الإضراب ب {بل} هو عما تضمنه معنى الآية المتقدمة، كأنه يقول: ليس لهم حجة ولا معذرة فيما فعلوا من تشريكهم مع الله تعالى، بل اتبعوا أهواءهم جهالة وشهوة وقصداً لأمر دنياهم، ثم قرر على جهة التوبيخ لهم على من يهدي إذا أضل الله، أي لا هادي لأهل هذه الحال، ثم أخبر أنه لا ناصر لهم، ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام بإقامة وجهه للدين المستقيم وهو دين الإسلام، وإقامة الوجه هي تقويم المقصد والقوة على الجد في أعمال الدين، وذكر الوجه لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه، و{حنيفاً}، معناه معتدلاً مائلاً عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة، وقوله: {فطرةَ الله} نصب على المصدر، كقوله: {صبغة الله} [البقرة: 138] وقيل هو نصب بفعل مضمر تقديره اتبع والتزم {فطرة الله}، واختلف الناس في الفطرة ها هنا، فذكر مكي وغيره في ذلك جميع ما يمكن ان تصرف هذه اللفظة عليه وفي بعض ذلك قلق، والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة في نفس الطفل التي هي معدة مهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به، فكأنه قال: {فأقم وجهك للدين} الذي هو الحنيف وهو {فطرة الله} الذي على الإعداد له فطر البشر لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه» الحديث، فذكر الأبوين: إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة وقوله تعالى: {لا تبديل لخلق الله} يحتمل تأويلين: أحدهما أن يريد بها هذه الفطرة المذكورة أي اعلم أن هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخلق، ولا يجيء الأمر على خلاف هذا بوجه، والآخران أن يكون قوله: {لا تبديل لخلق الله} إنحاء على الكفرة اعترض به أثناء الكلام كأنه يقول أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا فإن هؤلاء الكفار قد خلق الله لهم الكفر ولا تبديل لخلق الله أي إنهم لا يفلحون، وقال مجاهد: المعنى لا تبديل لدين الله، وهو قول ابن جبير والضحاك وابن زيد والنخعي.
قال القاضي أبو محمد: وهذا معناه لا تبديل للمعتقدات التي هي في الدين الحنيف فإن كل شريعة هي عقائدها، وذهب بعض المفسرين في هذه الآية إلى تأويلات منها عكرمة، وقد روي عن ابن عباس {لا تبديل لخلق الله} معناه النهي عن خصاء الفحول من الحيوان، ومنها قول بعضهم في الفطرة الملة على أنه قد قيل في الفطرة الدين وتأول قوله: {فطر الناس} على الخصوص أي المؤمنين، وقيل الفطرة هو العهد الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم حين أخرجهم نسماً من ظهره، ونحوه حديث معاذ بن جبل حين مر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال يا معاذ ما قوام هذه الأمة؟ قال: الإخلاص وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والصلاة وهي الدين والطاعة وهي العصمة فقال عمر: صدقت، و{القيم} بناء مبالغة من القيام الذي هو بمعنى الاستقامة، وقوله: {منيبين} يحتمل أن يكون حالاً من قوله: {فطر الناس عليها} لاسيما على رأي من رأى أن ذلك خصوص في المؤمنين، ويحتمل أن يكون حالاً من قوله: {أقم وجهك} وجمعه لأن الخطاب بإقامة الوجه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، نظيرها قوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} [الطلاق: 1]، والمنيب الراجع المخلص المائل إلى جهة ما بوده ونفسه، والمشركون المشار إليهم في هذه الآية هم اليهود والنصارى، قاله قتادة وقال ابن زيد: هم اليهود، وقالت عائشة وأبو هريرة: هي في أهل القبلة.
قال الفقيه الإمام القاضي: فلفظة الإشراك على هذا فيها تجوز فإنهم صاروا في دينهم فرقاً، والشيع الفرق واحدها شيعة، وقوله: {كل حزب بما لديهم فرحون} معناه أنهم مفتونون بآرائهم معجبون بضلالهم، وذلك أضل لهم، وقرأت فرقة {فارقوا} دينهم بالألف.