فصل: تفسير الآيات (46- 52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (46- 52):

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}
هذه {أم} التي تتضمن الإضراب عن الكلام الأول لا على جهة الرفض له، لكن على جهة الترك والإقبال على سواه، وهذا التوقيف لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد به توبيخ الكفار لأنه لو سألهم أجراً فأثقلهم غرم ذلك لكان لهم بعض العذر في إعراضهم وقرارهم، وقوله تعالى: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} معناه: هل لهم علم بما يكون فيدعون مع ذلك أن الأمر على اختيارهم جار، ثم أمر تعالى نبيه بالصبر لحكمه، وأن يمضي لما أمر به من التبليغ واحتمال الأذى والمشقة، ونهى عن الضجر والعجلة التي وقع فيها يونس صلى الله عليه وسلم، ثم اقتضبت القصة، وذكر ما وقع في آخرها من ندائه من بطن الحوت {وهو مكظوم}، أي غيظه في صدره. وحقيقة الكظم: هو الغيظ والحزن والندم فحمل المكظوم عليه تجوزاً، وهو في الحقيقة كاظم، ونحو هذا قول ذي الرمة: [البسيط]
وأنت من حب مني مضمر حزناً ** عاني الفؤاد قريح القلب مكظوم

وقال النقاش: المكظوم، الذي أخذ بكظمه وهو مجاري القلب، ومنه سميت الكاظمة وهي القناة في جوف الأرض. وقرأ جمهور الناس: {لولا أن تداركه} أسند الفعل دون علامة تأنيث، لأن تأنيث النعمة غير حقيقي وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس: {تداركته} على إظهار العلامة، وقرأ ابن هرمز والحسن: {تدّاركه} بشد الدال على معنى: تتداركه وهي حكاية حال تام، فلذلك جاء الفعل مستقبلاً بمعنى: {لولا أن}، يقال فيه تتداركه نعمة من ربه ونحوه، قوله تعالى: {فوجد فيها رجلين يقتتلان} فهذا وجه القراءة، ثم أدغمت التاء في الدال، والنعمة: هي الصفح والتوب، والاجتباء: الذي سبق له عنده، والعراء: الأرض الواسعة التي ليس فيها شيء يوارى من بناء ولا نبات ولا غيره من جبل ونحوه، ومنه قول الشاعر [أبو الخراش الهذلي]: [الكامل]
رفعت رجلاً لا أخاف عثارها ** ونبذت بالأرض العراء ثيابي

وقد نبذ يونس عليه السلام {بالعراء} ولكن غير مذموم، و{واجتباه} معناه: اختاره واصطفاه. ثم أخبر تعالى نبيه بحال نظر الكفار إليهم، وأنهم يكادون من الغيظ والعداوة، يزلقونه فيذهبون قدمه من مكانها ويسقطونه. وقرأ جمهور القراء: {يُزلقونك} بضم الياء من أزلق، وقرأ نافع وحده: {يَزلقونك}. بفتح الياء من زلقت الرجل، يقال: زلِق الرجل بكسر اللام وزلَقته بفتحها مثل: حزن وحزنته وشترت العين بكسر التاء وشترتها، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {ليزهقونك} بالهاء، وروى النخعي أن في قراءة ابن مسعود: {لينفدونك}، وفي هذا المعنى الذي في نظرهم من الغيظ والعداوة قول الشاعر: [الكامل]
يتقارضون إذا التقوا في مجلس ** نظراً يزيل مواطئ الأقدام

وذهب قوم من المفسرين إلى أن المعنى: يأخذونك بالعين، وذكر أن الدفع بالعين كان في بني أسد، قال ابن الكلبي: كان رجل يتجوع ثلاثة أيام لا يتكلم على شيء إلا أصابه بالعين، فسأله الكفار أن يصيب النبي عليه السلام، فأجابهم إلى ذلك، ولكن عصم الله تعالى نبيه، قال الزجاج: كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يعتان شيئاً، تجوع ثلاثة أيام، وقال الحسن: دواء من أصابه العين أن يقرأ هذه الآية، و{الذكر} في الآية القرآن، ثم قرر تعالى أن هذا القرآن العزيز {ذكر للعالمين} من الجن والإنس، ووعظ لهم وحجة عليهم، فالحمد لله الذي أنعم علينا به وجعلنا أهله وحماته لا رب غيره.
نجز تفسير سورة {ن والقلم} بحمد الله تعالى وعونه وصلى الله على محمد وآله وسلم.

.سورة الحاقة:

.تفسير الآيات (1- 8):

{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)}
{الحاقة} اسم فاعل، من حق الشيء يحق إذا كان صحيح الوجود، ومنه {حقت كلمة العذاب} [الزمر: 71]، والمراد به القيامة والبعث، قاله ابن عباس وقتادة، لأنها حقت لكل عامل عمله. وقال بعض المفسرين: {الحاقة} مصدر كالعاقبة والعافية، فكأنه قال: ذات الحق. وقال ابن عباس وغيره: سميت القيامة حاقة، لأنها تبدي حقائق الأشياء واللفظة رفع بالابتداء، و{ما}، رفع بالابتداء أيضاً، و{الحاقة} الثانية: خبر {ما}، والجملة خبر الأول، وهذا كما تقول: زيد ما زيد، على معنى التعظيم له والإبهام في التعظيم أيضاً، ليتخيل السامع أقصى جهده. وقوله تعالى: {وما أدراك ما الحاقة} مبالغة في هذا المعنى: أي أن فيها ما لم تدره من أهوالها، وتفصيل صفاتها. {وما}، تقرير وتوبيخ. وقوله تعالى: {ما الحاقة} ابتداء وخبر في موضع نصب ب {أدراك}، و{ما} الأولى، ابتداء وخبرها {أدراك ما الحاقة}، وفي {أدراك}، ضمير عائد على {ما} هو ضمير الفاعل. ثم ذكر تعالى تكذيب {ثمود وعاد} بهذا الأمر الذي هو حق مشيراً إلى أن من كذب بذلك ينزل عليه مثل ما نزل بأولئك. و{القارعة} من أسماء القيامة أيضاً، لأنها تقرع القلوب بصدمتها، و{ثمود} اسم عربي معرفة، فإذا أريد به القبيلة لم ينصرف، وإذا أريد به الحي انصرف، وأما {عاد}: فكونه على ثلاثة أحرف ساكن الوسط دفع في صدر كل علة فهو مصروف. و{الطاغية} قال قتادة: معناه الصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة، وقال قوم: المراد بسبب الفئة الطاغية، وقال آخرون منهم مجاهد وابن زيد: المعنى بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها. وقال ابن زيد: ما معناه: {الطاغية} مصدر كالعاقبة فكأنه قال بطغيانهم، وقاله أبو عبيدة ويقوي هذا {كذبت ثمود بطغواها} [الشمس: 11] وأولى الأقوال وأصوبها الأول لأنه مناسب لما ذكر في عاد، إذ ذكر فيها الوجه الذي وقع به الهلاك، وعلى سائر الأقوال لا يتناسب الأمران لأن طغيان ثمود سبب والريح لا يناسب ذلك لأنها ليست سبب الإهلاك، بل هي آلة كما في الصيحة، و: الصرصر يحتمل أن يكون من الصر أي البرد، وهو قول قتادة، ويحتمل أن يكون من صر الشيء إذا صوت، فقال قوم: صوت الريح {صرصر}، كأنه يحكي هذين الحرفين. والعاتية معناه: الشديدة المخالفة، فكانت الريح عتت على الخزان بخلافها وعتت على قوم عاد بشدتها. وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما قالا: إنه لم ينزل من السماء قطرة ماء إلا بمكيال على يد ملك ولا هبت ريح إلا كذلك إلا ما كان من طوفان نوح وريح عاد، فإن الله أذن لهما في الخروج دون إذن الخزان.
والتسخير: استعمال الشيء باقتدار عليه. وروي أن الريح بدأت بهم صبح يوم الأربعاء لثمان بقين لشوال، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكملة الشهر. و{حسوماً}، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وأبو عبيدة معناه: كاملة تباعاً لم يتخللها غير ذلك، وهذه كما تقول العرب ما لقيته حولاً محرماً، قال الشاعر [طفيل الغنوي]: [الطويل]
عوازب لم تسمع نبوح مقامة ** ولم تر ناراً ثم حول محرم

وقال الخليل: {حسوماً}، أي شؤماً ونحساً، وقال ابن زيد: {حسوماً} جمع حاسم كجالس وقاعد، ومعناه أن تلك الأيتام قطعتهم بالإهلاك، ومنه حسم العلل ومنه الحسام. والضمير في قوله: {فيها صرعى} يحتمل أن يعود على دارهم وحلتهم لأن معنى الكلام يقتضيها وإن لم يلفظ بها. قال الثعلبي، وقيل يعود على الريح، وقد تقدم القول في التشبيه ب أعجاز النخل في سورة {اقتربت الساعة}. والخاوية: الساقطة التي قد خلت أعجازها بِلىً وفساداً. ثم وقف تعالى على أمرهم توقيف اعتبار ووعظ بقوله: {هل ترى لهم من باقية} اختلف المتأولون في: {باقية}، فقال قوم منهم ابن الأنباري: هي هاء مبالغة كعلامة ونسابة والمعنى من باق. وقال ابن الأنباري أيضاً معناه: من فئة باقية وقال آخرون: {باقية} مصدر فالمعنى من بقاء.

.تفسير الآيات (9- 17):

{وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)}
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة وأبو جعفر وشيبة وأبو عبد الرحمن والناس: {من قَبْله} بفتح القاف وسكون الباء أي الأمم الكافرة التي كانت قبله، ويؤيد ذلك ذكره قصة نوح في طغيان الماء لأن قوله: {من قبله}، قد تضمنه فحسن اقتضاب أمرهم بعد ذلك دون تصريح. وقال أبو عمرو والكسائي وعاصم في رواية أبان والحسن بخلاف عنه وأبو رجاء والجحدري وطلحة: {ومن قِبَله}، بكسر القاف وفتح الباء أي أجناده وأهل طاعته ويؤيد ذلك أن في مصحف أبيّ بن كعب: {وجاء فرعون ومن معه}، وفي حرف أبي موسى: {ومن تلقاءه}. وقرأ طلحة بن مصرف: {ومن حوله}. وقبل الإنسان: ما يليه في المكان وكثر استعمالها حتى صارت بمنزلة عندي وفي ذمتي وما يليني بأي وجه وليني. و: {المؤتفكات} قرى قوم لوط، وكانت أربعاً فيما روي، وائتفكت: قلبت وصرفت عاليها سافلها فائتفكت هي فهي مؤتفكة، وقرأ الحسن هنا: {والمؤتفكة} على الإفراد، و{الخاطئة}: إما أن تكون صفة لمحذوف كأنه قال بالفعل الخاطئة، وإما أن يريد المصدر، أي بالخطأ في كفرهم وعصيانهم. وقوله تعالى: {فعصوا رسول ربهم} يحتمل أن يكون الرسول: اسم جنس كأنه قال: فعصا هؤلاء الأقوام والفرق أنبياء الله الذين أرسلهم إليهم، ويحتمل أن يكون الرسول بمعنى: الرسالة، وقال الكلبي: يعني موسى، وقال غيره في كتاب الثعلبي: يعني لوطاً والرابية: النامية التي قد عظمت جداً، ومنه ربا المال، ومنه الربا، ومنه اهتزت وربت. ثم عدد تعالى على الناس نعمته في قوله: {إنَّا لمّا طغا الماء} الآية، والمراد: {طغا الماء} في وقت الطوفان الذي كان على قوم نوح. والطغيان: الزيادة على الحدود المتعارفة في الأشياء، ومعناه طغا على خزانه في خروجه وعلى البشر في أن أغرقهم، قال قتادة: علا على كل شيء خمسة عشر ذراعاً، و{الجارية}: السفينة، والضمير في {لنجعلها} عائد على الفعلة أي من يذكرها ازدجر، ويحتمل أن يعود على {الجارية}، أي من سمعها اعتبر. و{الجارية} يراد بها سفينة نوح قاله منذر، وقال المهدوي: المعنى في السفن الجارية، وقال قتادة: أبقى الله تعالى تلك السفينة حتى رأى بعض عيدانها أوائل هذه الأمة وغيرها من السفن التي صنعت بعدها قد صارت رموداً. وقوله تعالى: {وتعيها أذن واعية} عبارة عن الرجل الفهم المنور القلب، الذي يسمع القول فيتلقاه بفهم وتدبر. قال أبو عمران الجوني: {واعية} عقلت عن الله عز وجل. ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إني دعوت الله تعالى أن يجعلها أذنك يا علي». قال علي: فما سمعت بعد ذلك شيئاً فنسيته. وقرأ الجمهور: {تعِيها} بكسر العين على وزن تليها. وقرأ ابن كثير في رواية الحلواني وقنبل وابن مصرف: {وتَعْيها} بسكون العين جعل التاء التي هي علامة في المضارع بمنزلة الكاف من كتف إذ حرف المضارع لا يفارق الفعل فسكن تخفيفاً كما يقال: كتف ونحو هذا قول الشاعر:
قالت سليمى اشترْ لنا سويقا

على أن هذا البيت منفصل، فهو أبعد لكن ضرورة الشعر تسامح به، ثم ذكر تعالى أمر القيامة، و{الصور}: القرن الذي ينفخ فيه، قال سليمان بن أرقم: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن {الصور} فقال: «هو قرن من نور فمه أوسع من السماوات»، والنفخة المشار إليها في هذه الآية، نفخة القيامة التي للفزع ومعها يكون الصعق، ثم نفخة البعث، وقيل: هي نفخات ثلاثة: نفخة الفزع ونفخة الصعق ثم نفخة البعث، والإشارة بآياتنا هذه إلى نفخة الفزع، لأن حمل الجبال هو بعدها. وقرأ الجمهور: {نفخةٌ} بالرفع، لما نعت صح رفعه، وقرأ أبو السمال: {نفخةً واحدةً} بالنصب. وقرأ جمهور القراء: {وحمَلت} بتخفيف الميم بمعنى حملتها الرياح والقدرة، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه: {وحمّلت} بشد الميم، وذلك يحتمل معنيين أحدهما أنها حاملة حملت قدرة وعنفاً وشدة نفثها فهي محملة حاملة. والآخر أن يكون محمولة حملت ملائكة أو قدرة. وقوله تعالى: {فدكتا} وقد ذكر جمعاً ساغ، ذلك لأن المذكور فرقتان وهذا كما قال الشاعر [القطامي]: [الوافر]
ألم يحزنك أن حبال قومي ** وقومك قد تباينتا انقطاعا

ومنه قوله تعالى: {كانتا رتقاً} [الأنبياء: 30] و{دكتا} معناه: سوى جميعها كما يقال: ناقة دكاً: إذا ضعفت فاستوت حدبتها مع ظهرها، و{الواقعة}: القيامة والطامة الكبرى، وقال بعض الناس: هي إشارة إلى صخرة بيت المقدس وهذا ضعيف، وانشقاق السماء هو تفطيرها وتمييز بعضها عن بعض وذلك هو الوهي الذي ينالها كما يقال في الجدارات البالية المتشققة واهية، {والملك} اسم الجنس يريد به الملائكة، وقال جمهور المفسرين: الضمير في {أرجائها} عائد على {السماء} أي الملائكة على نواحيها وما لم يَهِ منها والرجا: الجانب من الحائط والبئر ونحوه ومنه قول الشاعر [المرادي]: [الطويل]
كأن لم تري قبلي أسيراً مقيداً ** ولا رجلاً يرعى به الرجوان

أي يلقى في بئر فهو لا يجد ما يتمسك به. وقال الضحاك أيضاً وابن جبير: الضمير في {أرجائها} عائد على الأرض وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب لأن القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك، وفسر هذه الآية بما روي أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفاً على حافات الأرض ثم يأمر ملائكة السماء الثانية فيصفون خلفهم ثم كذلك ملائكة كل سماء، فكلما فر أحد من الجن والإنس وجد الأرض قد أحيط بها، قالوا فهذا تفسير هذه الآيات، وهو أيضاً معنى قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} [الفجر: 22] وهو أيضاً تفسير قوله: {يوم التناد يوم تولون مدبرين} [غافر: 32-33] على قراءة من شد الدال، وهو تفسير قوله: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33]، واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش، فقال ابن عباس: هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدتهم. وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول، وقال جماعة من المفسرين: هم على هيئة الناس، أرجلهم تحت الأرض السفلى ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة قواهم الله بأربعة سواهم». والضمير في قوله: {فوقهم} للملائكة الحملة، وقيل للعالم كله وكل قدرة كيفما تصورت فإنما هي بحول الله وقوته.