فصل: سورة الأنبياء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (122- 126):

{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}
{اجتباه} معناه تخيره واصطفاه، وتاب عليه معناه رجع به من حال المعصية إلى حال الندم وهداه لصلاح الأقوال والأعمال وأمضى عقوبته عز وجل في إهباطه من الجنة. وقوله: {اهبطا} مخاطبة لآدم وحواء، ثم أخبرهما بقوله: {جميعاً} أن إبليس والحية يهبطان معهما وأخبرهما بأن العداوة بينهم وبين أنسالهم إلى يوم القيامة. و{عدو} يوصف به الواحد والاثنان والجميع، وقوله تعالى: {فإما يأتيكم مني هدى} شرط وجوابه في قوله: {فمن اتبع} وما بعده إلى آخر القسم الثاني. والهدى معناه دعوة شرعي ثم أعلمهم أنه من اتبع هداه وآمن به فإنه لا يضل في الدنيا {ولا يشقى} في الآخرة، وأن {من أعرض} عن ذكر الله وكفر به {فإن له معيشة ضنكاً} والضنك النكد الشاق من العيش أو المنازل أو مواطن الحرب ونحو هذا، ومنه قول عنترة وإن نزلوا بضنك أنزل، وصف به الواحد والجمع ذلك من وعيد لهم ثم أخبر عن حالة أُخرى هي أيضاً في يوم القيامة وهي حشرهم عمياً، ثم يجيء قوله: {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} [طه: 127] معنى هذا الذي ذكرناه من المعيشة والعمى ونحوه هو عذابه في الآخرة وهو {أشد وأبقى} [طه: 127] من كل ما يقع عليه الظن والتخيل، فكأنه ذكر نوعاً من عذاب الآخرة ثم أخبر أن عذاب الآخرة أشد وأبقى. وقرأت فرقة {ونحشره} بالنون، وقرأت فرقة {ويحشره} بالياء وقرأت فرقة {ويحشرْه} بسكون الراء، وقرأت فرقة {أعمى} بالإمالة، وقالت فرقة العمى هنا هو عمى البصيرة عن الحجة.
قال القاضي أبو محمد: ولو كان هذا لم يخش الكافر لأنه كان أعمى البصيرة ويحشر كذلك، وقالت فرقة العمى عمى البصر ع وهذا هو الأوجه مع أن عمى البصيرة حاصل في الوجهين، وأما قوله: {ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً} [طه: 102] فمن رآه في العينين فلابد أن يتأول فيها مع هذه إما أنها في طائفتين أو في موطنين، وقوله تعالى: {كذلك أتتك} ذلك إشارة إلى العمى الذي حل به، أي مثل هذا في الدنيا أن {أتتك آياتنا فنسيتها} والنسيان في هذه الآية بمعنى الترك ولا مدخل للذهول في هذا الموضوع، و{تنسى} بمعنى تترك في العذاب وروي أن هذه الآيات نزلت في المرشي.

.تفسير الآيات (127- 130):

{وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)}
المعنى وكما وصفنا من أليم الأفعال {نجزي} المسرفين الكفار بالله عز وجل، وقوله: {ولعذاب الآخرة} إن كانت معيشة الضنك في الدنيا أو البرزخ فجاء هذا وعيداً في الآخرة بعد وعيد، وإن كانت المعيشة في الآخرة فأكد الوعيد بعينه هذا القول، الذي جعل به عذاب الآخرة فوق كل عذاب يتخيله الإنسان أو يقع في الدنيا، ثم ابتدأ يوبخهم ويذكرهم العبر بقوله: {أفلم يهدِ، لهم} وقرأت فرقة {يهد} بالياء بمعنى يتبين، واختلفت هذه الفرقة في الفاعل فقال بعضها الفاعل {كم} وهذا قول كوفي. ونحاة البصرة لا يجيزونه لأن كم لها صدر الكلام، وفي قراءة ابن مسعود {أفلم يهد لهم من أهلكنا} فكأن هذه القراءة تناسب ذلك التأويل في {كم} وقال بعضهم الفاعل الله عز وجل، والمعنى {أفلم يهد لهم} ما جعل الله لهم من الآيات والعبر فأضاف الفعل إلى الله عز وجل بهذا الوجه قاله الزجاج، وقال بعضهم الفاعل مقدر الهدى أو الأمرع أو النظر او الاعتبار هذا أحسن ما يقدر به عندي، وقرأت فرقة {نهد} بالنون وهذه القراءة تناسب تأويل من قال في التي قبلها الفاعل الله تعالى. و{كم} على هذه الأقوال نصب ب {أهلكنا}، ثم قيد {القرون} بأنهم يمشي هؤلاء الكفرة {في مساكنهم} فإنما أراد عاداً أو ثمود أو الطوائف التي كانت قريش تجوز على بلادهم في المرور إلى الشام وغيره، وقرأت فرقة {يمشون} بفتح الياء، وقرأت فرقة {يُمشّون} بضم الياء وفتح الميم وشد الشين، و{النهى} جمع نهية وهو ما ينهى الإنسان عن فعل القبيح، ثم أعلم عز وجل قبله أن العذاب كان يصير لهم {لزاماً} {لولا كلمة سبقت} من الله تعالى في تأخيره عنهم إلى {أجل مسمى} عنده فتقدير الكلام {ولولا كلمة سبقت} في التأخير {وأجل مسمى} لكان العذاب {لزاماً} كما تقول لكان حتماً أو واجباً واقعاً لكنه قدم وأخر لتشتبه رؤوس الآي. واختلف الناس في الأجل فيحتمل أن يريد يوم القيامة والعذاب المتوعد به على هذا هو عذاب جهنم، ويحتمل أن يريد ب الأجل موت كل واحد منهم فالعذاب على هذا هو ما يلقى في قبره وما بعده، ويحتمل أن يريد بالآجال يوم بدر فالعذاب على هذا هو قتلهم بالسيف وبكل احتمال مما ذكرناه، قالت فرقة، وفي صحيح البخاري، أن يوم بدر وهو اللزام وهو البشطة الكبرى، ثم أمره تعالى بالصبر على أقوالهم إنه ساحر وإنه كاهن وإنه كذاب إلى غير ذلك، والمعنى لا تحفل بهم فإنهم مدركة الهلكة وكون اللزام يوم بدر أبلغ في آيات نبينا عليه السلام وقوله تعالى: {وسبح بحمد ربك} قال أكثر المتأولين هذه إشارة إلى الصلوات الخمس {قبل طلوع الشمس} صلاة الصبح {وقبل غروبها} صلاة العصر و{من آناء الليل} العتمة {وأطراف النهار} المغرب والظهر.
وقالت فرقة {آناء الليل} المغرب والعشاء، {وأطراف النهار} الظهر وحدها، ويحتمل اللفظ أن يراد قول سبحان الله وبحمده من بعد صلاة الصبح إلى ركعتي الضحى وقبل غروب الشمس فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من سبح قبل غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه» ع وسمى الطرفين أطرافاً على أحد وجهين إما على نحو فقد صغت قلوبكما: وإما على أن يجعل النهار للجنس، فلكل يوم طرف وهي التي جمع، وأما من قال: {أطراف النهار} لصلاة الظهر وحدها فلابد له من أن يتمسك بأن يكون النهار للجنس كما قلنا أو نقول إن النهار ينقسم قسمين فصلهما الزوال ولكل قسم طرفان فعند الزوال طرفان الآخر من القسم الأول والأول من القسم الآخر فقال عن الطرفين أطرافاً على نحو فقد صغت قلوبكما، وأشار إلى هذا النظر ابن فورك في المشكل والآناء جمع أنى وهي الساعة من الليل ومنه قول الهذلي:
حلو ومر كعطف القدح مر به ** في كل أنى حداة الليل تنتقل

وقالت فرقة في الآية إشارة إلى نوافل، فمنها {آناء الليل} ومنها {قبل طلوع الشمس} وركعتا الفجر والمغرب {أطراف النهار}، وقرأ الجمهور {لعلك تَرضى} بفتح التاء أي لعلك تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به، وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم {لعلك تُرضى} أي لعلك تُعطى ما يرضيك.

.تفسير الآيات (131- 133):

{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)}
قال بعض الناس سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل به ضيف فلم يكن عنده شيء فبعث إلى يهودي ليسلفه شعيراً فأبى اليهودي إلا برهن فبلغ الرسول بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال «والله إني لأمين في السماء وأمين في الأرض» فرهنه درعه فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا معترض أن يكون سبباً لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم، لأنَّه مات ودرعه مرهونة بهذه القصة التي ذكرت، وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها وذلك أن الله تعالى وبخهم على ترك الأعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم والصبر على أقوالهم والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا إذ ذاك منحصر عندهم صائر بهم إلى خزي، وقوله: {ولا تمدن عينيك} أبلغ من ولا تنظر، لأن الذي يمد بصره إنما يحمله على ذلك حرص مقترن، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه. والأزواج الأنواع فكأنه قال: {إلى ما متعنا به} أقواماً منهم وأصنافاً. وقوله تعالى: {زهرة الحياة الدنيا} شبه نعم هؤلاء الكفار بالزهر وهو ما اصفر من النور، وقيل الزهر النور جملة لأن الزهر له منظر ثم يضمحل فكذلك حال هؤلاء، ونصب {زهرة} يجوز أن ينصب على الحال وذلك أن تعرفها ليس بمحض، وقرأت فرقة {زهْرة} بسكون الهاء، وفرقة {زهَرة} بفتح الهاء ثم أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، أن ذلك إنما هو ليختبرهم به ويجعله فتنة لهم وأمراً يجازون عليه بالسوء لفساد تقلبهم فيه، {ورزق} الله تعالى الذي أحله للمتقين من عباده {خير وأبقى} أي رزق الدنيا ورزق الآخرة أبقى وبين أنه خير من رزق الدينا، ثم أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة وتمثيلها معهم ويصطبر عليها ويلازمها ويتكفل هو برزقه لا إله إلاَّ هو، وأخبره أن العاقبة الأولى التقوى وفي حيزها فثم نصر الله في الدنيا ورحمته في الآخرة، وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ويدخل في عمومه جمع أُمته. وروي أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله وهو يقرأ {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا} الآية إلى قوله: {وأبقى}، ثم ينادي بالصلاة الصلاة يرحكم الله، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي هو ويتمثل بهذه الآية، وقرأ الجمهور {نحن نرزقُك} بضم القاف، وقرأت فرقة {نزرقْك} بسكونها، ثم أخبر تعالى عن طوائف من الكفار قالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم، {لولا يأتينا بآية من ربه} أي بعلامة مما اقترحناها عليه وبما يبهر ويضطر.
قال القاضي أبو محمد: ورسل الله إنما اقترنت معهم آيات معرضة للنظر محفوفة بالبراهين العقلية ليضل من سبق في علم الله تعالى ضلاله ويهتدي من في علم الله تعالى هداه، فيوبخهم الله تعالى بقوله: {أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} يعني التوراة أعظم شاهد وأكبر آية له. وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم {تأتهم} على لفظة {بينة} وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم {يأتهم} بالياء على المعنى، وقرأت فرقة {بينةُ ما} بالإضافة إلى {ما} وقرأت فرقة {بينةٌ} بالتنوين، و{ما} على هذه القراءة فاعلة ب {تأتي}، وقرأ الجمهور {في الصحُف} بضم الحاء، وقرأت فرقة {في الصحْف} بسكونها.

.تفسير الآيات (134- 135):

{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)}
أخبر الله تعالى نبيه عليه السلام أنه لو أهلك هذه الأُمة الكافرة قبل إرساله إليهم محمداً لقامت لهم حجة {ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً} الآية. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال «يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة الهالك في الفترة والمغلوب على عقله والصبي الصغير فيقول المغلوب على عقله رب لم تجعل لي عقلاً ويقول الصبي نحوه ويقول الهالك في الفترة رب لم ترسل إليّ رسولاً ولو جاءني لكنت أطوع خلقك لك. قال: فترفع لهم نار ويقال لهم ردوها قال: فيردها من كان في علم الله تعالى أنه سعيد ويكع عنها الشقي فيقول الله تعالى إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم» أما الصبي والمغلوب على عقله فبين أمرهما وأما صاحب الفترة فليس ككافر قريش قبل النبي صلى الله عليه وسلم لأن كفار قريش وغيرهم ممن علم وسمع عن نبوة ورسالة في أقطار الأرض فليس بصاحب فترة والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال أبي وأبوك في النار ورأى عمرو بن لحي في النار إلى غير هذا مما يطول ذكره، وأما صاحب الفترة يفرض أنه آدمي لم يطرأ إليه أن الله تعالى بعث رسولاً ولا دعا إلى دين وهذا قليل الوجود اللهم إلا أن يشد في أطراف الأرض والمواضع المنقطعة عن العمران، والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة، ثم أمر الله تعالى نبيه أن يتوعدهم ويحملهم ونفسه على التربص وانتظار الفرج. والتربص التأني، و{الصراط} الطريق. وقرأت فرقة {السوي}، وقرأت فرفة {السوء} فكأن هذه القراءة قسمت الفريقين أي ستعلمون هذا من هذا وقرأت فرقة {السوَّي} بشد الواو وفتحها، وقرأت فرقة {السُّوؤى} بضم السين وهمزة على الواو على وزن فعلى، و{اهتدى} معناه رشد.

.سورة الأنبياء:

.تفسير الآيات (1- 2):

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)}
روي أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يبني جداراً فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة فقال الذي كان يبني الجدار ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال الآخر نزل اليوم {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} فنفض يده من البنيان وقال والله لا بنيت أبداً وقد اقترب الحساب، وقوله تعالى: {اقترب للناس حسابهم} عام في جميع الناس، المعنى وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ويدل على ذلك ما بعد من الآيات، وقوله: {وهم في غفلة معرضون} يريد الكفار.
قال القاضي أبو محمد: ويتجه من هذه الألفاظ على العصاة من المؤمنين قسطهم، وقوله: {ما يأتيهم} وما بعده مختص بالكفار، وقوله: {من ذكر من ربهم محدث} قالت فرقة المراد منا ينزل من القرآن ومعناه {محدث} نزوله وإتيانه إياهم لا هو في نفسه، وقالت فرقة المراد ب الذكر أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الشريعة ووعظه وتذكيره فهو محدث على الحقيقة وجعله من ربه من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ولا يقول إلا ما هو من عند الله، وقالت فرقة الذكر الرسول نفسه واحتجت بقوله تعالى {قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات} [الطلاق: 11] فهومحدث على الحقيقة ويكون، قوله: {استمعوه} بمعنى استمعوا إليه، وقوله تعالى: {وهو يلعبون} جملة في موضع الحال أي أسماعهم في حال لعب غير نافع ولا واصل النفس.