فصل: تفسير الآيات (14- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (14- 18):

{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18)}
قال كثير من المفسرين: {الإنسان} آدم. وقال آخرون: أراد اسم الجنس، وساغ ذلك من حيث أبوهم مخلوق من الصلصال.
واختلف الناس في اشتقاق الصلصال، فقال مكي فيما حكى النقاش: هو من صلّ اللحم وغيره إذا نتن، فهي إشارة إلى الحمأة. وقال الطبري وجمهور المفسرين: هو من صلّ إذا صوت، وذلك في الطين لكرمه وجودته، فهي إشارة إلى ما كان من تربة آدم من الطين الحر، وذلك أن الله تعالى خلقه من طيب وخبيث ومختلف اللون، فمرة ذكر في خلقه هذا، ومرة هذا، وكل ما في القرآن في ذلك صفات ترددت على التراب الذي خلق منه. والفخار: الطين الطيب إذا مسه الماء فخر أي ربا وعظم.
و: {الجان} اسم جنس، كالجنة. و: المارج اللهب المضطرب من النار. قال ابن عباس: وهو أحسن النار المختلط من ألوان شتى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: «كيف بك إذا كنت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأمانتهم».
وكرر قوله: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} تأكيداً أو تنبيهاً لنفوس وتحريكاً لها، وهذه طريقة من الفصاحة معروفة، وهي من كتاب الله في مواضع، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كلام العرب وذهب قوم منهم ابن قتيبة وغيره إلى أن هذا التكرار إنما هو لما اختلفت النعم المذكورة كرر التوقيف مع كل واحدة منها، وهذا حسن. قال الحسين بن الفضي: التكرار لطرد الغفلة ولا تأكيد.
وخص ذكر {المشرقين والمغربين} بالتشريف في إضافة الرب إليهما لعظمهما في المخلوقات وأنهما طرفا آية عظيمة وعبرة وهي الشمس وجريها. وحكى النقاش أن {المشرقين} مشرقا الشمس والقمر، {والمغربين} كذلك على ما في ذلك من العبر، وكل متجه، ومتى وقع ذكر المشرق والمغرب فهي إشارة إلى الناحيتين بجملتهما، ومتى وقع ذكر المشارق والمغارب فهي إشارة إلى تفصيل مشرق كل يوم ومغربه، ومتى ذكر المشرقان والمغربان، فهي إشارة إلى نهايتي المشارق والمغارب، لأن ذكر نهايتي الشيء ذكر لجميعه. قال مجاهد: هو مشرق الصيف ومغربه، ومشرق الشتاء ومغربه.

.تفسير الآيات (19- 28):

{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)}
{مرج البحرين} معناه: أرسلهما إرسالاً غير منحاز بعضهما من بعض، ومنه مرجت الدابة، ومنه الأمر المريج، أي المختلط الذي لم يتحصل منه شيء، ومنه من {مارج من نار} [الرحمن: 15].
واختلف الناس في {البحرين} فقال الحسن وقتادة: بحر فارس وبحر الروم. وقال الحسن أيضاً: بحر القلزم واليمن وبحر الشام. وقال ابن عباس وابن جبير: هو بحر في السماء وبحر في الأرض. وقال ابن عباس أيضاً هو مطر السماء سماه بحراً وبحر الأرض. والظاهر عندي أن قوله تعالى: {البحرين} يريد بهما نوعي الماء العذب. والأجاج: أي خلطهما في الأرض وأرسلهما متداخلين في وضعهما في الأرض قريب بعضهما من بعض ولا بغي، والعبرة في هذا التأويل منيرة، وأنشد منذر بن سعيد: [الطويل]
وممزوجة الأمواه لا العذب غالب ** على الملح طيباً لا ولا الملح يعذب

أما قوله: {يلتقيان} فعلى التأولين الأولين معناه: هما معدان للالتقاء، وحقهما أن يلتقيا لولا البرزخ، وعلى القول الثالث روي أنهما يلتقيان كل سنة مرة، فمن ذهب إلى أنه بحر يجتمع في السماء فهو قول ضعيف وإنما يتوجه الالتقاء فيه. وفي القول الرابع بنزول المطر، وفي القول الخامس بالأنهار في البحر وبالعيون قرب البحر. والبرزخ: الحاجز في كل شيء، فهو في بعض هذه الأقوال أجرام الأرض، قاله قتادة. وفي بعضها القدرة والبرزخ أيضاً: المدة التي بين الدنيا والآخرة للموتى، فهي حاجز، وقد قال بعض الناس: إن ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح، بل هو بذاته باق فيه، وهذا يحتاج إلى دليل أو حديث صحيح، وإلا فالعيان لا يقتضيه. وذكر الثعلبي في: {مرج البحرين} ألغازاً وأقوالاً باطنة لا يجب أن يلتفت إلى شيء منها.
واختلف الناس في قوله: {لا يبغيان} فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة معناه: لا يبغي واحد منهما على الآخر. وقال قتادة أيضاً والحسن: {لا يبغيان} على الناس والعمران. وهذان القولان على أن اللفظة من البغي. وقال بعض المتأولين هي من قولك: بغى إذا طلب، فمعناه: {لا يبغيان} حالاً غير حالهما التي خلقا وسخرا لها. وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: {اللؤلؤ}: كبار الجوهر {والمرجان}: صغاره. وقال ابن عباس أيضاً ومرة الهمداني عكس هذا، والوصف بالصغر وهو الصواب في {اللؤلؤ}. وقال ابن مسعود وغيره {المرجان}: حجر أحمر، وهذا هو الصواب في {المرجان}. و{اللؤلؤ}: بناء غريب لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة: اللؤلؤ والجؤجؤ والدؤدؤ واليؤيؤ وهو طائر، والبؤبؤ وهو الأصل.
واختلف الناس في قوله: {منهما} فقال أبو الحسن الأخفش في كتابه الحجة، وزعم قوم أنه قد ينفرج {اللؤلؤ والمرجان} من الملح ومن العذب.
قال القاضي أبو محمد: ورد الناس على هذا القول، لأن الحس يخالفه ولا يخرج ذلك إلا من الملح وقد رد الناس على الشاعر في قوله: [الطويل]
فجاء بها ما شيت من لطمية ** على وجهها ماء الفرات يموج

وقال جمهور من المتأولين: إنما يخرج ذلك من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة، فلذلك قال: {منهما} وهذا مشهور عند الغواصين. وقال ابن عباس وعكرمة: إنما تتكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر، لأن الصدف وغيرها تفتح أجوافها للمطر، فلذلك قال: {منهما} وقال أبو عبيدة ما معناه: إن خروج هذه الأشياء إنما هي من الملح، لكنه قال: {منهما} تجوزاً كما قال الشاعر [عبد الله بن الزبعرى]: [مجزوء الكامل مرفّل]
متقلداً سيفاً ورمحا

وكما قال الآخر:
علفتها تبناً وماءً بارداً.

فمن حيث هما نوع واحد، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما، وهذا كما قال تعالى: {سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن} [نوح: 15-16]، وإنما هو في إحداهن وهي الدنيا إلى الأرض. قال الرماني: العذب فيهما كاللقاح للملح فهو كما يقال: الولد يخرج من الذكر والأنثى.
وقرأ نافع وأبو عمرو وأهل المدينة: {يُخرَج} بضم الياء وفتح الراء. اللؤلؤُ رفعاً. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: {يَخرُج} بضم الياء وفتح الراء على بناء الفعل للفاعل، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر. وقرأ أبو عمرو في رواية حسين الجعفي عنه: {يُخرِج} بضم الياء وكسر الراء على إسناده إلى الله تعالى، أي بتمكينه وقدرته، اللؤلؤَ نصباً، ورواها أيضاً عنه بالنون مضمومة وكسر الراء.
و: {الجواري} جمع جارية، وهي السفن. وقرأ الحسن والنخعي بإثبات الياء. وقرأ الجمهور وأبو جعفر وشيبة بحذفها.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: {المنشآت} بفتح الشين أي أنشأها الله والناس. وقرأ حمزة وأبو بكر بخلاف: {المنشِئات} بكسر الشين، أي تنشئ هي السير إقبالاً وإدباراً، والأعلام الجبال وما جرى مجراها من الظراب والآكام. وقال مجاهد: ما له شراع فهو من {المنشآت}، وما لم يرفع له شراع فليس من {المنشآت}
وقوله: {كالأعلام} هو الذي يقتضي هذا الفرق، وأما لفظة {المنشئات} فيعم الكبير والصغير، والضمير في قوله: {كل من عليها} للأرض، وكنى عنها، ولم يتقدم لها ذكر لوضوح المعنى كما قال تعالى: {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32] إلى غير ذلك من الشواهد، والإشارة بالفناء إلى جميع الموجودات على الأرض من حيوان وغيره، فغلب عبارة من يعقل، فلذلك قال: {من}. والوجه عبارة عن الذات. لأن الجارحة منفية في حق الله تعالى: وهذا كما تقول: هذا وجه القول والأمر، أي حقيقته وذاته.
وقرأ جمهور الناس: {ذو الجلال} على صفة لفظة الوجه. وقرأ عبد الله بن مسعود وأبيّ: {ذي الجلال} على صفات الرب.

.تفسير الآيات (29- 36):

{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)}
قوله: {يسأله} يحتمل أن يكون في موضع الحال من الوجه، والعامل فيه {يبقى} [الرحمن: 27] أي هو دائم في هذه الحال، ويحتمل أن يكون فعلاً مستأنفاً إخراباً مجرداً. والمعنى أن كل مخلوق من الأشياء فهو في قوامه وتماسكه ورزقه إن كان مما يرزق بحال حاجة إلى الله تعالى، فمن كان يسأل بنطق فالأمر فيه بين، ومن كان من غير ذلك فحاله تقتضي السؤال، فأسند فعل السؤال إليه.
وقوله: {كل يوم هو في شأن} أي يظهر شأن من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماتة ورفعة وخفض، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو تعالى. والشأن: اسم جنس للأمور. قال الحسين بن الفضل: معنى الآية، سوق المقادير إلى المواقيت. وورد في بعض الأحاديث، «إن الله تعالى له كل يوم في اللوح المحفوظ ثلاثمائة وستون نظرة، يعز فيها ويذل، ويحيي ويميت، ويغني ويعدم إلى غير ذلك من الأشياء، لا إله إلا هو». وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقيل له ما هذا الشأن يا رسول الله؟ قال: يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع ويضع.
وذكر النقاش أن سبب هذه الآية قول اليهود: إن الله استراح يوم السبت، فلا ينفذ فيه شيئاً.
وقوله تعالى: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} عبارة عن إتيان الوقت الذي قدر فيه وقضى أن ينظر في أمور عباده وذلك يوم القيامة، وليس المعنى: أن ثم شغلاً يتفرغ منه، وإنما هي إشارة وعيد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأزب العقبة لأفرغن لك يا خبيث» والتفرغ من كل آدمي حقيقة.
وفي قوله تعالى: {سنفرغ لكم} جرى على استعمال العرب، ويحتمل أن يكون التوعد بعذاب في الدنيا والأول أبين.
وقرأ نافع واين كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: {سنفرُغ} بضم الراء وبالنون. وقرأ الأعرج وقتادة: ذلك بفتح الراء والنون، ورويت عن عاصم، ويقال فرغ بفتح الراء وفرغ بكسرها. ويصح منهما جميعاً أن يقال يفرغ بفتح الراء وقرأ عيسى بفتح النون وكسر الراء. وقال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: بالياء المفتوحة، قرأ حمزة والكسائي: بضم الراء. وقرأ أبو عمرو: بفتحها. وقرأ الأعمش بخلاف، وأبو حيوة: {سيُفرَغ} بضم الياء وفتح الراء وبناء الفعل للمفعول. وقرأ عيسى بن عمر أيضاً: {سنَفرِغ}، بفتح النون وكسر الراء. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {سنفرغ لكم أيها}.
و{الثقلان} الإنس والجن، ويقال لكل ما يعظم أمره ثقل، ومنه:
{أخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: 2]. وقال النبي عليه السلام: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي». ويقال لبيض النعام ثقل. وقال لبيد: [الكامل]
فتذكرا ثقلاً رئيداً بعدما ** ألقت ذكاء يمينها في كافر

وقال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه: سمي الإنس والجن ثقلين، لأنهما ثقلا بالذنوب وهذا بارع ينظر إلى خلقهما من طين ونار.
وقرأ ابن عامر: {أيُّهُ الثقلان} بضم الهاء.
واختلف الناس في معنى قوله: {إن استطعتم أن تنفذوا} الآية، فقال الطبري، قال قوم: في الكلام محذوف وتقديره: يقال لكم {يا معشر الجن والإنس}، قالوا وهذه حكاية عن حال يوم القيامة في {يوم التنادّ} [غافر: 32] على قراءة من شدد الدال. قال الضحاك: وذلك أنه يفر الناس في أقطار الأرض، والجن كذلك، لما يرون من هول يوم القيامة، فيجدون سبعة صفوف من الملائكة قد أحاطت بالأرض، فيرجعون من حيث جاؤوا، فحينئذ يقال لهم: {يا معشر الجن والإنس}. وقال بعض المفسرين: بل هي مخاطبة في الدنيا. والمعنى: {إن استطعتم} الفرار من الموت ب {أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض}. وقال ابن عباس المعنى: إن استطعتم بأذهانكم وفكركم أن تنفذوا فتعلموا علم أقطار السماوات والأرض. والأقطار: الجهات.
وقوله: {فانفذوا} صيغة الأمر ومعناه التعجيز، والسلطان هنا القوة على غرض الإنسان، ولا يستعمل إلا في الأعظم من الأمر والحجج أبداً من القوي في الأمور، ولذلك يعبر كثير من المفسرين عن السلطان بأنه الحجة. وقال قتادة: السلطان هنا الملك، وليس لهم ملك، والشواظ: لهب النار. قاله ابن عباس وغيره. وقال أبو عمرو بن العلاء: لا يكون الشواظ إلا من النار وشيء معها، وكذلك النار كلها لا تحس إلا وشيء معها. وقال مجاهد: الشواظ، هو اللهب الأخضر المتقطع، ويؤيد هذا القول. قول حسان بن ثابت يهجو أمية بن أبي الصلت:
هجوتك فاختضعت حليفا ذل ** بقاقية تؤجج كالشواظ

وقال الضحاك: هو الدخان الذي يخرج من اللهب وليس بدخان الحطب.
وقرأ الجمهور: {شُواظ} بضم الشين. وقرأ ابن كثير وحده وشبل وعيسى: {شِواظ} بكسر الشين وهما لغتان.
وقال ابن عباس وابن جبير: النحاس الدخان، ومنه قول الأعشى: [المتقارب]
تضيء كضوء سراج السليط ** لم يجعل الله فيه نحاسا

السليط دهن السراج. في النسخ التي بأيدينا دهن الشيرج.
وقرأ جمهور القراء: {ونحاسٌ} بالرفع عطفاً على {شواظ}، فمن قال إن النحاس: هو المعروف، وهو قول مجاهد وابن عباس أيضاً قال يرسل عليهما نحاس: أي يذاب ويرسل عليهما. ومن قال هو الدخان، قال ويعذبون بدخان يرسل عليهما. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والنخعي وابن أبي إسحاق: {ونحاسٍ} بالخفض عطفاً على {نار}، وهذا مستقيم على ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء. ومن رأى الشواظ يختص بالنار قدر هنا: وشيء من نحاس. وحكى أبو حاتم عن مجاهد أنه قرأ: {ونِحاسٍ} بكسر النون والجر. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قرأ: {ونَحُسّ} بفتح النون وضم الحاء والسين المشددة، كأنه يقول: ونقتل بالعذاب. وعن أبي جندب أنه قرأ: {ونحس}، كما تقول: يوم نحس، وحكى أبو عمرو مثل قراءة مجاهد عن طلحة بن مصرف، وذلك لغة في نحاس، وقيل هو جمع نحس.
ومعنى الآية: مستمر في تعجيز الجن والإنس، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا ينتصر.