فصل: حكم هذه العبارة (السيدة عائشة- رضي الله عنها-):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المناهي اللفظية (نسخة منقحة)



.حكم هذه العبارة (السيدة عائشة- رضي الله عنها-):

60- وسئل فضيلته عن هذه العبارة (السيدة عائشة- رضي الله عنها-)؟.
فأجاب قائلا: لا شك أن عائشة- رضي الله عنها- من سيدات نساء الأمة، ولكن إطلاق (السيدة) على المرأة و(السيدات) على النساء هذه الكلمة متلقاة فيما أظن من أوضع النساء، لأنهم يسودون النساء أي يجعلونهم سيدات مطلقا، والحقيقة أن المرأة مرأة، وأن الرجل رجل، وتسميه المرأة بالسيدة على الإطلاق ليس بصحيح، نعم من كانت منهن سيدة لشرفها في دينها أو جاهها أو غير ذلك من الأمور المقصودة فلنا أن نسميها سيدة، ولكن ليس مقتضى ذلك إننا نسمي كل امرأة سيدة.
كما أن التعبير بالسيدة عائشة، والسيدة خديجة، والسيدة فاطمة وما أشبه ذلك لم يكن معروفا عند السلف بل كانوا يقولون أم المؤمنين عائشة أم المؤمنين خديجة، فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك.

.الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «السيد الله تبارك وتعالى» وقوله، صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم» وقوله: «قوموا إلى سيدكم» وقوله في الرقيق: «وليقل سيدي»:

61- سئل فضيلة الشيخ: عن الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «السيد الله تبارك وتعالى» وقوله، صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم» وقوله: «قوموا إلى سيدكم» وقوله في الرقيق: «وليقل سيدي»؟.
فأجاب بقوله: أختلف على ذلك في أقوال:
القول الأول: أن النهي على سبيل الأدب، والإباحة على سبيل الجوز، فالنهي ليس للتحريم حتى يعارض الجواز.
القول الثاني: أن النهي حيث يخشى منه المفسدة وهي التدرج إلى الغلو، والإباحة إذ لم يكن هناك محذور.
القول الثالث: أن النهي بالخطاب أي أن تخاطب الغير بقولك (سيدي أو سيدنا) لأنه ربما يكون في نفسه عجب وغلو إذا دعي بذلك، ولأن فيه شيئا آخر وهو خضوع هذا المتسيد له وإذلال نفسه له، بخلاف إذا جاء على غير هذا الوجه مثل (قوموا إلى سيدكم) و (أنا سيد ولد آدم) لكن هذا يرد على إباحته صلى الله عليه وسلم للرقيق أن يقول لمالكه (سيدي)؟
لكن يجاب عن هذا بأن قول الرقيق لمالكه (سيدي) أمر معلوم لا غضاضة فيه، ولهذا يحرم عليه أن يمتنع مما يجب عليه نحو سيده والذي يظهر لي- والله أعلم- أن هذا جائز لكن بشرط أن يكون الموجه إليه السيادة أهلا لذلك، وأن لا يخشى محذور من إعجاب المخاطب ونخوع المتكلم، أما إذ لم يكن أهلا، كما لو كان فاسقا أو زنديقا فلا يقال له ذلك حتى لو فرض عنه أعلى منه رتبة أو جاهلا فقد جاء في الحديث: «لا تقولوا للمنافق سيد فإنكم إذ قلتم ذلك أغضبتم الله».
وكذلك لا يقال إذا خشي محذور من إعجاب المخاطب أو نخوع المتكلم.

.قول: (شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا)،و(شاءت الأقدار كذا وكذا):

62- وسئل فضيلة الشيخ: عن قول: (شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا)،و(شاءت الأقدار كذا وكذا)؟.
فأجاب قائلا: قول: (شاءت الأقدار)، و (شاءت الظروف) ألفاظ منكرة؛ لأن الظروف جمع ظرف هو الأزمان، والزمن لا مشيئة له، وإنما يشاء هو الله، عز وجل، نعم لو قال الإنسان: (اقتضى قدر الله كذا وكذا). فلا بأس به. أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، إنما للإرادة للموصوف.

.قول (وشاءت الأقدار) و (شاء القدر):

63- سئل فضيلته: عن حكم قول (وشاءت الأقدار) و (شاء القدر)؟.
فأجاب بقوله: لا يصح أن نقول (شاءت قدرة الله) لأن المشيئة إرادة، والقدرة معنى، والمعنى لا إرادة له، وإنما الإرادة للمريد، والمشيئة لمن يشاء، ولكننا نقول اقتضت حكمة الله كذا وكذا، أو نقول عن شيء إذا وقع هذه قدرة الله أي مقدوره كما تقول: هذا خلق الله أي مخلوقه. أما أن نضيف أمرا يقتضي الفعل الاختياري إلى القدرة فإن هذا لا يجوز ومثال لذلك قولهم (شاءت القدر كذا وكذا) هذا لا يجوز لأن القدر والقدرة أمران معنويات ولا مشيئة لهما، إنما المشيئة لمن هو قادر ولمن مقدر. والله أعلم.

.إطلاق (شهيد) على شخص بعينه ويقال الشهيد فلان:

64- سئل فضيلته: هل يجوز إطلاق (شهيد) على شخص بعينه ويقال الشهيد فلان؟.
فأجاب بقوله: لا يجوز لنا أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد حتى، لو قتل مظلومًا أو قتل وهو يدافع عن الحق، فإنه لا يجوز أن نقول فلان شهيد وهذا مخالف لما عليه الناس اليوم حيث رخصوا هذه الشهادة وجعلوا كل من قتل حتى ولو كان مقتولا في عصبة جاهلية يسمونها شهيدا، وهذا حرام لأن قولك عن شخص قتل وهو شهيد يعتبر شهادة سوف تسأل عنها يوم القيامة، سوف يقال لك هل عندك علم أنه قتل شهيدا؟ ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمة يعثب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك» فتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والله أعلم بمن يكلم في سبيله»- يكلم: يعني يجرح- فإن بعض الناس قد يكون ظاهرهم أنه يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ولكن الله يعلم ما في قلبه وأنه خلاف ما يظهر من فعله، وهذا باب البخاري- رحمه الله- على هذه المسألة في صحيحه فقال (باب لا يقال فلان شهيد) لأن مدار الشهادة على القلب، لا يعلم ما في القلب إلا الله عز وجل فأمر النية أمر عظيم، وكم من رجلين يقومان بأمر واحد يكون بينهما كما بين السماء والأرض وذلك من أجل النية فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
65- سئل فضيلة الشيخ: عن حكم قول فلان شهيد؟.
فأجاب بقوله: الوجوب على ذلك أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون وجهين:
أحدهما: أن تقيد بوصف مثل أن يقال كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعنى بقولنا- جائز- أنه غير ممنوع وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول بعينه إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك وقد ترجم البخاري- رحمه الله- لهذا بقوله: (باب لا يقال فلان شهيد) قال في الفتح (90/6): (أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي) وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال تقولون في مغازيكم فلان شهيد، ومات فلان شهيدا ولعله قد يكون أوقر رحالته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مات في سبيل الله، أو قتل فهو شهيد وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد ابن منصور وغيرهما من طريق محمد ابن سريرين عن أبي العجفاء عن عمر. أ. هـ. كلامه.
ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا أن علم له، وشرط كون الإنسان شهيدا أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا والنية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرا إلى ذلك: «مثل المجاهد في سيبل الله، والله أعلم لمن يجاهد في سبيله». وقال: «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دما اللون لون الدم، والريح ريح المسك». رواهما البخاري من حديث أبى هريرة. ولكن من ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك، ولا نشهد له به ولا ننسي به الظن. والرجاء مرتبة بين المرتبتين، ولكننا نعامله في الدنيا بأحكام الشهداء فإذا كان مقتولا في الجهاد في سبيل الله دفن بدمه في ثيابه من غير صلاة عليه، وإن كان من الشهداء الآخرين فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه.
ولأننا لو شهدنا لأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، بالوصف أو بالشخص، وذهب آخرون منهم إلى جواز الشهادة بذلك لمن اتفق الأمة على الثناء عليه وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه- رحمه الله تعالى-. وبهذا تبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص أنه شهيد إلا بنص أو اتفاق، ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك كما ثبت، وهذا كاف في منقبته، وعلمه عند خالقه- سبحانه وتعالى-.

.لقب (شيخ الإسلام):

66- سئل فضيلة الشيخ: عن لقب (شيخ الإسلام) هل يجوز؟.
فأجاب بقوله: لقب شيخ الإسلام عند الإطلاق لا يجوز أن يوصف به الشخص، لأنه لا يعصم أحد من الخطأ فيما يقول في الإسلام إلا الرسل.
أما إذا قصد بشيخ الإسلام أنه شيخ كبير وله قدم صدق في الإسلام فإنه لا بأس بوصف الشيخ به وتلقيبه به.

.كلمة (صدفة):

67- وسئل ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة (صدفة)؟.
فأجاب بقوله: رأينا في هذا القول أنه لا بأس به وهذا أمر متعارف وأظن أن فيه أحاديث بهذا التعبير صادفنا رسول الله صادفنا رسول الله ولكن لا يحضرني الآن حديث معين بهذا الخصوص.
والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به ومن غير مقدمات له ولا توقع له، ولكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا، فإن كل شيء عند الله معلوم وكل شيء عنده بمقدار وهو- سبحانه وتعالى- لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبدا، ولكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له صدفة، ولا حرج فيه، أما بالنسبة لأمر الله فهذا فعل ممتنع لا يجوز.

.تسمية بعض الزهور بـ: (عباد الشمس) لأنه يستقبل الشمس عند الشروق وعند الغروب:

68- سئل فضيلة الشيخ عن تسمية بعض الزهور بـ: (عباد الشمس لأنه يستقبل الشمس عند الشروق وعند الغروب)؟
فأجاب بقوله: هذا لا يجوز لأن الأشجار لا تعبد الشمس، إنما تعبد الله عز وجل كما قال الله تعالى: {لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ}.وإنما يقال عبارة أخرى ليس فيها ذكر العبودية كمراقبة الشمس، ونحو ذلك من العبارات.

.لماذا كان التسمي بعبد الحارث من الشرك مع أن الله هو الحارث؟

69- وسئل فضيلة الشيخ لماذا كان التسمي بعبد الحارث من الشرك مع أن الله هو الحارث؟.
فأجاب قائلا: التسمي بعبد الحارث فيه نسبة العبودية لغير الله عز وجل فإن الحارث هو الإنسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم حارث وكلكم همام» فإذا أضاف الإنسان العبودية إلى المخلوق كان هذا نوعا من الشرك، لكنه لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، ولهذا لو سمي رجلا بهذا الاسم لوجب أن يغيره فيضاف إلى اسم الله- سبحانه وتعالى- أو يسمى باسم آخر غير مضاف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» وما اشتهر عند العامة من قولهم خير الأسماء ما حمد وعبد ونسبتهم ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس ذلك بصحيح أي ليس نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، صحيحة فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا اللفظ وإنما ورد: «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن».
أما قول السائل في سؤاله (مع أن الله هو الحارث) فلا أعلم اسما لله تعالى بهذا اللفظ، وإنما يوصف عز وجل بأنه الزارع لا يسمى به كما في قوله تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أمن نحن الزارعون}.

.عبارة: (العصمة لله وحده):

70- سئل فضيلة الشيخ عن هذه العبارة: (العصمة لله وحده)، مع أن العصمة لابد فيها من عاصم؟.
فأجاب قائلا: هذه العبارة قد يقولها من يقولها يريد بذلك أن كلام الله عز وجل وحكمه كله صواب، وليس فيه خطأ وهي بهذا المعنى صحيحة، لكن لفظها مستنكر ومستكره، لأنه كما قال السائل قد يوحي بأن هناك عاصما عصم الله عز وجل والله- سبحانه وتعالى- هو الخالق، وما سواء مخلوق، فالأولى أن لا يعبر الإنسان بمثل هذا التعبير، بل يقول الصواب في كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.