فصل: باب اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوَّلَ قُدُومِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ:

قَوْله فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس: «صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْر وَالْعَصْر جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْر خَوْف وَلَا سَفَر» وَقَالَ اِبْن عَبَّاس حِين سُئِلَ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِج أَحَدًا مِنْ أُمَّته.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: عَنْ اِبْن عَبَّاس: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْن الصَّلَاة فِي سُفْرَة سَافَرَهَا فِي غَزْوَة تَبُوك، فَجَمَعَ بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر، وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء». قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاس: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِج أُمَّته. وَفِي رِوَايَة مُعَاذ بْن جَبَل مِثْله سَوَاء، وَأَنَّهُ فِي غَزْوَة تَبُوك، وَقَالَ مِثْل كَلَام اِبْن عَبَّاس. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْ اِبْن عَبَّاس: «جَمَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر، وَبَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْر خَوْف وَلَا مَطَر، قُلْت لِابْنِ عَبَّاس: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِج أُمَّته». وَفِي رِوَايَة عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَلَى أَبِي الشَّعْثَاء جَابِر بْن زَيْد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيًّا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا، قُلْت: يَا أَبَا الشَّعْثَاء أَظُنّهُ أَخَّرَ الظُّهْر وَعَجَّلَ الْعَصْر، وَأَخَّرَ الْمَغْرِب وَعَجَّلَ الْعِشَاء قَالَ: وَأَنَا أَظُنّ ذَاكَ». وَفِي رِوَايَة: (عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق قَالَ: خَطَبَنَا اِبْن عَبَّاس يَوْمًا بَعْد الْعَصْر حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس وَبَدَتْ النُّجُوم وَجَعَلَ النَّاس يَقُولُونَ: الصَّلَاة الصَّلَاة، فَجَاءَ رَجُل مِنْ بَنِي تَيْم فَجَعَلَ لَا يَفْتُرُ وَلَا يَنْثَنِي الصَّلَاة الصَّلَاة، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس: أَتُعَلِّمُنِي بِالسُّنَّةِ لَا أُمَّ لَك؟ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر، وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيْء؛ فَأَتَيْت أَبَا هُرَيْرَة فَسَأَلْته فَصَدَّقَ مَقَالَته) هَذِهِ الرِّوَايَات الثَّابِتَة فِي مُسْلِم كَمَا تَرَاهَا، وَلِلْعُلَمَاءِ فيها تَأْوِيلَات وَمَذَاهِب، وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي آخِر كِتَابه: لَيْسَ فِي كِتَابِي حَدِيث أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَرْك الْعَمَل بِهِ إِلَّا حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الْجَمْع بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْر خَوْف وَلَا مَطَر، وَحَدِيث قَتْل شَارِب الْخَمْر فِي الْمَرَّة الرَّابِعَة. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث شَارِب الْخَمْر هُوَ كَمَا قَالَ، فَهُوَ حَدِيث مَنْسُوخ دَلَّ الْإِجْمَاع عَلَى نَسْخه.
وَأَمَّا حَدِيث اِبْن عَبَّاس فَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَرْك الْعَمَل بِهِ، بَلْ لَهُمْ أَقْوَال. مِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بِعُذْرِ الْمَطَر، وَهَذَا مَشْهُور عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْكِبَار الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ ضَعِيف بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْر خَوْف وَلَا مَطَر. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْم، فَصَلَّى الظُّهْر ثُمَّ اِنْكَشَفَ الْغَيْم وَبَانَ أَنَّ وَقْت الْعَصْر دَخَلَ فَصَلَّاهَا، وَهَذَا أَيْضًا بَاطِل؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فيه أَدْنَى اِحْتِمَال فِي الظُّهْر وَالْعَصْر لَا اِحْتِمَال فيه فِي الْمَغْرِب وَالْعِشَاء. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى تَأْخِير الْأُولَى إِلَى آخِر وَقْتهَا فَصَلَّاهَا فيه، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا دَخَلْت الثَّانِيَة فَصَلَّاهَا. فَصَارَتْ صَلَاته صُورَة جَمْع. وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيف أَوْ بَاطِل؛ لِأَنَّهُ مُخَالِف لِلظَّاهِرِ مُخَالَفَة لَا تُحْتَمَل، وَفِعْل اِبْن عَبَّاس الَّذِي ذَكَرْنَاهُ حِين خَطَبَ، وَاسْتِدْلَاله بِالْحَدِيثِ لِتَصْوِيبِ فِعْله، وَتَصْدِيق أَبِي هُرَيْرَة لَهُ وَعَدَم إِنْكَاره صَرِيح فِي رَدّ هَذَا التَّأْوِيل، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَحْمُول عَلَى الْجَمْع بِعُذْرِ الْمَرَض أَوْ نَحْوه مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَعْذَار، وَهَذَا قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل وَالْقَاضِي حُسَيْن مِنْ أَصْحَابنَا، وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيّ مِنْ أَصْحَابنَا، وَهُوَ الْمُخْتَار فِي تَأْوِيله لِظَاهِرِ الْحَدِيث وَلِفِعْلِ اِبْن عَبَّاس وَمُوَافَقَة أَبِي هُرَيْرَة، وَلِأَنَّ الْمَشَقَّة فيه أَشَدّ مِنْ الْمَطَر، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّة إِلَى جَوَاز الْجَمْع فِي الْحَضَر لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لَا يَتَّخِذهُ عَادَة، وَهُوَ قَوْل اِبْن سِيرِينَ وَأَشْهَب مِنْ أَصْحَاب مَالِك، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْقَفَّال وَالشَّاشِيّ الْكَبِير مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْمَرْوَزِيِّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب الْحَدِيث، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَيُؤَيِّدهُ ظَاهِر قَوْل اِبْن عَبَّاس: أَرَادَ أَلَّا يُحْرِج أُمَّته، فَلَمْ يُعَلِّلهُ بِمَرَضٍ وَلَا غَيْره وَاللَّهُ أَعْلَم.
1146- سبق شرحه بالباب.
1147- سبق شرحه بالباب.
1148- سبق شرحه بالباب.
1150- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْل عَامِر بْن وَاثِلَة قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ (عَامِر بْن وَاثِلَة) وَكَذَا هُوَ فِي بَعْض نُسَخ بِلَادنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ جُمْهُور رُوَاة صَحِيح مُسْلِم، وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ عَمْرو بْن وَاثِلَة، وَكَذَا وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ أُصُول بِلَادنَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة.
وَأَمَّا الرِّوَايَة الْأُولَى لِمُسْلِمٍ: عَنْ أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه عَنْ زُهَيْر عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَامِر فَهُوَ عَامِر بِاتِّفَاقِ الرُّوَاة هُنَا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَالْمَشْهُور فِي أَبِي الطُّفَيْل عَامِر، وَقِيلَ عَمْرو، وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَاف فيه الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَغَيْره مِنْ الْأَئِمَّة، وَالْمُعْتَمَد الْمَعْرُوف عَامِر. وَاللَّهُ أَعْلَم.
1154- قَوْله: (عَنْ الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيت) هُوَ بِخَاءِ مُعْجَمَة وَرَاء مَكْسُورَتَيْنِ وَالرَّاء مُشَدَّدَة ثُمَّ مُثَنَّاة تَحْت وَمِنْ فَوْق.
قَوْله: (فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيْء) هُوَ بِالْحَاءِ وَالْكَاف أَيْ وَقَعَ فِي نَفْسِي نَوْعُ شَكٍّ وَتَعَجُّب وَاسْتِبْعَاد، يُقَال: حَاكَ يَحِيك، وَحَكَّ يَحِكّ وَاحْتَكَّ. وَحَكَى الْخَلِيل أَيْضًا: أَحَاكَ وَأَنْكَرَهَا اِبْن دُرَيْدٍ.
1155- قَوْله: (لَا أُمَّ لَك) هُوَ كَقَوْلِهِمْ لَا أَب لَهُ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث حُذَيْفَة فِي الْفِتْنَة الَّتِي تَمُوج كَمَوْجِ الْبَحْر.

.باب جَوَازِ الاِنْصِرَافِ مِنَ الصَّلاَةِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ:

1156- قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَة وَوَكِيع عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَبْد اللَّه) هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه كُوفِيُّونَ، وَفيه ثَلَاثَة تَابِعِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض: الْأَعْمَش وَعُمَارَة وَالْأَسْوَد.
قَوْله: فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود (لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسه جُزْءًا: لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَلَّا يَنْصَرِف إِلَّا عَنْ يَمِينه، أَكْثَر مَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِف عَنْ شِمَاله) وَفِي حَدِيث أَنَس: «أَكْثَر مَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِف عَنْ يَمِينه». وَفِي رِوَايَة: «كَانَ يَنْصَرِف عَنْ يَمِينه» وَجْه الْجَمْع بَيْنهمَا: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَل تَارَة هَذَا وَتَارَة هَذَا فَأَخْبَرَ كُلّ وَاحِد بِمَا اِعْتَقَدَ أَنَّهُ الْأَكْثَر فِيمَا يَعْلَمهُ؛ فَدَلَّ عَلَى جَوَازهمَا، وَلَا كَرَاهَة فِي وَاحِد مِنْهُمَا.
وَأَمَّا الْكَرَاهَة الَّتِي اِقْتَضَاهَا كَلَام اِبْن مَسْعُود فَلَيْسَتْ بِسَبَبِ أَصْل الِانْصِرَافِ عَنْ الْيَمِين أَوْ الشِّمَال، وَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقّ مَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ لابد مِنْهُ؛ فَإِنَّ مَنْ اِعْتَقَدَ وُجُوب وَاحِد مِنْ الْأَمْرَيْنِ مُخْطِئ، وَلِهَذَا قَالَ: يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا ذَمَّ مَنْ رَآهُ حَقًّا عَلَيْهِ. وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَة فِي أَحَد مِنْ الْأَمْرَيْنِ، لَكِنْ يُسْتَحَبّ أَنْ يَنْصَرِف فِي جِهَة حَاجَته، سَوَاء كَانَتْ عَنْ يَمِينه أَوْ شِمَاله، فَإِنْ اِسْتَوَى الْجِهَتَانِ فِي الْحَاجَة وَعَدَمهَا فَالْيَمِين أَفْضَل لِعُمُومِ الْأَحَادِيث الْمُصَرِّحَة بِفَضْلِ الْيَمِين فِي بَاب الْمَكَارِم وَنَحْوهَا. هَذَا صَوَاب الْكَلَام فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَقَدْ يُقَال فيهمَا خِلَاف الصَّوَاب. وَاَللَّه أَعْلَم.
1157- سبق شرحه بالباب.
1158- سبق شرحه بالباب.

.باب اسْتِحْبَابِ يَمِينِ الإِمَامِ:

1159- حَدِيث الْبَرَاء: «كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُون عَنْ يَمِينه، يُقْبِل عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَسَمِعْته يَقُول: رَبّ قِنِي عَذَابك يَوْم تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَك» قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون التَّيَامُن عِنْد التَّسْلِيم وَهُوَ الْأَظْهَر؛ لِأَنَّ عَادَتَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِنْصَرَفَ أَنْ يَسْتَقْبِل جَمِيعهمْ بِوَجْهِهِ.
قَالَ: وَإِقْبَاله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون بَعْد قِيَامه مِنْ الصَّلَاة أَوْ يَكُون حِين يَنْفَتِل.

.باب كَرَاهَةِ الشُّرُوعِ فِي نَافِلَةٍ بَعْدَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ:

1160- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَة». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: يُوشِك أَنْ يُصَلِّي أَحَدكُمْ الصُّبْح أَرْبَعًا» فيها النَّهْي الصَّرِيح عَنْ اِفْتِتَاح نَافِلَة بَعْد إِقَامَة الصَّلَاة، سَوَاء كَانَتْ رَاتِبَة كَسُنَّةِ الصُّبْح وَالظُّهْر وَالْعَصْر أَوْ غَيْرهَا، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه: إِذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ سُنَّة الصُّبْح صَلَّاهُمَا بَعْد الْإِقَامَة فِي الْمَسْجِد مَا لَمْ يَخْشَ فَوْت الرَّكْعَة الثَّانِيَة.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ: مَا لَمْ يَخْشَ فَوْت الرَّكْعَة الْأُولَى.
وَقَالَتْ طَائِفَة: يُصَلِّيهِمَا خَارِج الْمَسْجِد وَلَا يُصَلِّيهِمَا بَعْد الْإِقَامَة فِي الْمَسْجِد.
1161- قَوْله: (قَالَ حَمَّاد: ثُمَّ لَقِيت عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَمْ يَرْفَعهُ) هَذَا الْكَلَام لَا يَقْدَح فِي صِحَّة الْحَدِيث وَرَفْعه؛ لِأَنَّ أَكْثَر الرُّوَاة رَفَعُوهُ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرِوَايَة الرَّفْع أَصَحّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُول السَّابِقَة فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب أَنَّ الرَّفْع مُقَدَّم عَلَى الْوَقْف عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح، وَإِنْ كَانَ عَدَد الرَّفْع أَقَلّ فَكَيْف إِذَا كَانَ أَكْثَر.
1162- قَوْله: (عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَالِك اِبْن بُحَيْنَة) ثُمَّ قَالَ مُسْلِم: (قَالَ الْقُعْنَبِيّ: عَبْد اللَّه بْن مَالِك ابْن بُحَيْنَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَبُو الْحُسَيْن: قَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث خَطَأ) أَبُو الْحُسَيْن هُوَ مُسْلِم صَاحِب الْكِتَاب، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُسْلِم هُوَ الصَّوَاب عِنْد الْجُمْهُور، وَقَوْله: عَنْ أَبِيهِ خَطَأ، وَإِنَّمَا هَذَا الْحَدِيث عَلَى رِوَايَة عَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن مَالِك بْن الْقِشْب بِكَسْرِ الْقَاف وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة السَّاكِنَة. وَبُحَيْنَة أُمّ عَبْد اللَّه، وَالصَّوَاب فِي كِتَابَته وَقِرَاءَته عَبْد اللَّه بْن مَالِكٍ اِبْن بُحَيْنَة بِتَنْوِينِ مَالِك، وَكِتَابَة اِبْن بِالْأَلِفِ؛ لِأَنَّهُ صِفَة لِعَبْدِ اللَّه، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه فِي سُجُود السَّهْو وَغَيْره. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (فَلَمَّا اِنْصَرَفْنَا أَحَطْنَا يَقُول) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (أَحَطْنَا نَقُول) وَهُوَ صَحِيح، وَفيه مَحْذُوف تَقْدِيره أَحَطْنَا بِهِ.
1163- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُصَلِّي الصُّبْح أَرْبَعًا» هُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يُشْرَع بَعْد الْإِقَامَة لِلصُّبْحِ إِلَّا الْفَرِيضَة، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَافِلَة بَعْد الْإِقَامَة ثُمَّ صَلَّى مَعَهُمْ الْفَرِيضَة صَارَ فِي مَعْنَى: مَنْ صَلَّى الصُّبْح أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى بَعْد الْإِقَامَة أَرْبَعًا.
قَالَ الْقَاضِي: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ صَلَاة النَّافِلَة بَعْد الْإِقَامَة أَنْ لَا يَتَطَاوَل عَلَيْهَا الزَّمَان فَيُظَنّ وُجُوبهَا، وَهَذَا ضَعِيف، بَلْ الصَّحِيح أَنَّ الْحِكْمَة فيه أَنْ يَتَفَرَّغ لِلْفَرِيضَةِ مِنْ أَوَّلهَا فَيَشْرَع فيها عَقِب شُرُوع الْإِمَام، وَإِذَا اِشْتَغَلَ بِنَافِلَةٍ فَاتَهُ الْإِحْرَام مَعَ الْإِمَام، وَفَاتَهُ بَعْض مُكَمِّلَات الْفَرِيضَة، فَالْفَرِيضَةُ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى إِكْمَالهَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَفيه حِكْمَة أُخْرَى هُوَ النَّهْي عَنْ الِاخْتِلَاف عَلَى الْأَئِمَّة.
1164- قَوْله: «دَخَلَ رَجُل الْمَسْجِد وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاة الْغَدَاة فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِب الْمَسْجِد ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا فُلَان بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اِعْتَدَدْت أَبِصَلَاتِك وَحْدك أَمْ بِصَلَاتِك مَعَنَا؟» فيه دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بَعْد الْإِقَامَة نَافِلَة وَإِنْ كَانَ يُدْرِك الصَّلَاة مَعَ الْإِمَام، وَرَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْرِك الرَّكْعَة الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَة يُصَلِّي النَّافِلَة. وَفيه دَلِيل عَلَى إِبَاحَة تَسْمِيَة الصُّبْح غَدَاة، وَقَدْ سَبَقَ نَظَائِرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ:

1165- قَوْله: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اِفْتَحْ لِي أَبْوَاب رَحْمَتك، إِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك مِنْ فَضْلك» فيه اِسْتِحْبَاب هَذَا الذِّكْر، وَقَدْ جَاءَتْ فيه أَذْكَار كَثِيرَة غَيْر هَذَا فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره، وَقَدْ جَمَعْتهَا مُفَصَّلَة فِي أَوَّل كِتَاب الْأَذْكَار. وَمُخْتَصَر مَجْمُوعهَا (أَعُوذ بِاَللَّهِ الْعَظِيم وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيم وَسُلْطَانه الْقَدِيم مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسْمِ اللَّه وَالْحَمْد لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِ مُحَمَّد وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَاب رَحْمَتك). وَفِي الْخُرُوج يَقُولهُ، لَكِنْ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك مِنْ فَضْلك.
قَوْله: (عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَفَتْح السِّين.
قَوْله: (الْحِمَّانِيّ) بِكَسْرِ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الْمِيم قَالَ السَّمْعَانِيّ: هِيَ نِسْبَة إِلَى بَنِي حِمَّان قَبِيلَة نَزَلَتْ الْكُوفَة.

.باب اسْتِحْبَابِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِرَكْعَتَيْنِ وَكَرَاهَةِ الْجُلُوسِ قَبْلَ صَلاَتِهِمَا وَأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ:

1166- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْل أَنْ يَجْلِس». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَلَا يَجْلِس حَتَّى يَرْكَع رَكْعَتَيْنِ». فيه: اِسْتِحْبَاب تَحِيَّة الْمَسْجِد بِرَكْعَتَيْنِ، وَهِيَ سُنَّة بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ دَاوُدَ وَأَصْحَابه وُجُوبهمَا. وَفيه: التَّصْرِيح بِكَرَاهَةِ الْجُلُوس بِلَا صَلَاة وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه. وَفيه اِسْتِحْبَاب التَّحِيَّة فِي أَيّ وَقْت دَخَلَ، وَهُوَ مَذْهَبنَا، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَة، وَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَة وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْث فِي وَقْت النَّهْي، وَأَجَابَ أَصْحَابنَا: أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَمَّا لَا سَبَب لَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ قَضَاء سُنَّة الظُّهْر، فَخَصَّ وَقْت النَّهْي وَصَلَّى بِهِ ذَات السَّبَب، وَلَمْ يَتْرُك التَّحِيَّة فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال، بَلْ أَمَرَ الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ يَخْطُب فَجَلَسَ أَنْ يَقُوم فَيَرْكَع رَكْعَتَيْنِ، مَعَ أَنَّ الصَّلَاة فِي حَال الْخُطْبَة مَمْنُوع مِنْهَا إِلَّا التَّحِيَّة، فَلَوْ كَانَتْ التَّحِيَّة تُتْرَك فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال لَتُرِكَتْ الْآن؛ لِأَنَّهُ قَعَدَ وَهِيَ مَشْرُوعَة قَبْل الْقُعُود؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ يَجْهَل حُكْمهَا، وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ خُطْبَته وَكَلَّمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّي التَّحِيَّة، فَلَوْلَا شِدَّة الِاهْتِمَام بِالتَّحِيَّةِ فِي جَمِيع الْأَوْقَات لَمَا اِهْتَمَّ عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا الِاهْتِمَام. وَلَا يُشْتَرَط أَنْ يَنْوِي التَّحِيَّة، بَلْ تَكْفيه رَكْعَتَانِ مِنْ فَرْض أَوْ سُنَّة رَاتِبَة أَوْ غَيْرهمَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ التَّحِيَّة وَالْمَكْتُوبَة اِنْعَقَدَتْ صَلَاته وَحَصَلَتَا لَهُ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة أَوْ سَجَدَ شُكْرًا أَوْ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ صَلَّى رَكْعَة بِنِيَّةِ التَّحِيَّة لَمْ تَحْصُل التَّحِيَّة عَلَى الصَّحِيح مِنْ مَذْهَبنَا، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: تَحْصُل وَهُوَ خِلَاف ظَاهِر الْحَدِيث، وَدَلِيله أَنَّ الْمُرَاد إِكْرَام الْمَسْجِد وَيَحْصُل بِذَلِكَ، وَالصَّوَاب أَنَّهُ لَا يَحْصُل، وَأَمَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فَأَوَّل مَا يَدْخُلهُ الْحَاجّ يَبْدَأ بِطَوَافِ الْقُدُوم فَهُوَ تَحِيَّته، وَيُصَلِّي بَعْده رَكْعَتَيْ الطَّوَاف.

.باب اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوَّلَ قُدُومِهِ:

فيه حَدِيث جَابِر قَالَ: «اِشْتَرَى مِنِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة أَمَرَنِي أَنْ آتِي الْمَسْجِد فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «قَالَ جَابِر: قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلِي وَقَدِمْت فَوَجَدْته عَلَى بَاب الْمَسْجِد قَالَ: الْآن جِئْت؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعْ جَمَلك ثُمَّ اُدْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَدَخَلْت فَصَلَّيْت ثُمَّ رَجَعْت» وَفيه حَدِيث كَعْب بْن مَالِك: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْدُم مِنْ سَفَر إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فيه رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فيه». فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث اِسْتِحْبَاب رَكْعَتَيْنِ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَره فِي الْمَسْجِد أَوَّل قُدُومه، وَهَذِهِ الصَّلَاة مَقْصُودَة لِلْقُدُومِ مِنْ السَّفَر، لَا أَنَّهَا تَحِيَّة الْمَسْجِد، وَالْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة صَرِيحَة فِيمَا ذَكَرْته، وَفيه: اِسْتِحْبَاب الْقُدُوم أَوَائِل النَّهَار. وَفيه: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلرَّجُلِ الْكَبِير فِي الْمَرْتَبَة وَمَنْ يَقْصِدهُ النَّاس إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَر لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْعُد أَوَّل قُدُومه قَرِيبًا مِنْ دَاره فِي مَوْضِع بَارِز سَهْل عَلَى زَائِرِيهِ إِمَّا الْمَسْجِد وَإِمَّا غَيْره.
1169- سبق شرحه بالباب.
1170- سبق شرحه بالباب.
1171- سبق شرحه بالباب.

.باب اسْتِحْبَابِ صَلاَةِ الضُّحَى وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلَهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَوْسَطَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتٌّ وَالْحَثِّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا:

فِي الْبَاب عَنْ عَائِشَة: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أَنْ يَجِيء مِنْ مَغِيبه وَأَنَّهَا مَا رَأَتْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَة الضُّحَى قَطُّ قَالَتْ: وَإِنِّي لَأُسَبِّحهَا وَإِنْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَع الْعَمَل وَهُوَ يُحِبّ أَنْ يَعْمَل بِهِ خَشْيَة أَنْ يَعْمَل بِهِ النَّاس فَيُفْرَض عَلَيْهِمْ». وَفِي رِوَايَة عَنْهَا: أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَع رَكَعَات، وَيَزِيد مَا شَاءَ وَفِي رِوَايَة: «مَا شَاءَ اللَّه». وَفِي حَدِيث أُمّ هَانِئ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ثَمَان رَكَعَات». وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ، وَأَبِي هُرَيْرَة وَأَبِي الدَّرْدَاء: «رَكْعَتَانِ». هَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا مُتَّفِقَة لَا اِخْتِلَاف بَيْنهَا عِنْد أَهْل التَّحْقِيق وَحَاصِلهَا: أَنَّ الضُّحَى سُنَّة مُؤَكَّدَة وَأَنَّ أَقَلّهَا رَكْعَتَانِ، وَأَكْمَلهَا ثَمَان رَكَعَات، وَبَيْنهمَا أَرْبَع أَوْ سِتّ كِلَاهُمَا أَكْمَل مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَدُون ثَمَان.
وَأَمَّا الْجَمْع بَيْن حَدِيثَيْ عَائِشَة فِي نَفْي صَلَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى وَإِثْبَاتهَا فَهُوَ: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْض الْأَوْقَات لِفَضْلِهَا، وَيَتْرُكهَا فِي بَعْضهَا خَشْيَة أَنْ تُفْرَض كَمَا ذَكَرْته عَائِشَة، وَيَتَأَوَّل قَوْلهَا: «مَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِلَّا أَنْ يَجِيء مِنْ مَغِيبه» عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: مَا رَأَيْته كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «مَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَة الضُّحَى»، وَسَبَبه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَكُون عِنْد عَائِشَة فِي وَقْت الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِر مِنْ الْأَوْقَات، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُون فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا وَقَدْ يَكُون حَاضِرًا، وَلَكِنَّهُ فِي الْمَسْجِد أَوْ فِي مَوْضِع آخَر، وَإِذَا كَانَ عِنْد نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْم مِنْ تِسْعَة، فَيَصِحّ قَوْلهَا: مَا رَأَيْته يُصَلِّيهَا، وَتَكُون قَدْ عَلِمَتْ بِخَبَرِهِ أَوْ خَبَر غَيْره أَنَّهُ صَلَّاهَا، أَوْ يُقَال: قَوْلهَا: مَا كَانَ يُصَلِّيهَا أَيْ مَا يُدَاوِم عَلَيْهَا، فَيَكُون نَفْيًا لِلْمُدَاوَمَةِ لَا لِأَصْلِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا مَا صَحَّ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ فِي الضُّحَى: هِيَ بِدْعَة. فَمَحْمُول عَلَى أَنَّ صَلَاتهَا فِي الْمَسْجِد وَالتَّظَاهُر بِهَا، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِدْعَة لَا أَنَّ أَصْلهَا فِي الْبُيُوت وَنَحْوهَا مَذْمُوم، أَوْ يُقَال: قَوْله: بِدْعَة. أَيْ الْمُوَاظَبَة عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَاظِب عَلَيْهَا خَشْيَة أَنْ تُفْرَض، وَهَذَا فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ ثَبَتَ اِسْتِحْبَاب الْمُحَافَظَة فِي حَقّنَا بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاء وَأَبِي ذَرّ، أَوْ يُقَال: إِنَّ اِبْن عُمَر لَمْ يَبْلُغهُ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى وَأَمْره بِهَا. وَكَيْف كَانَ فَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب الضُّحَى، وَإِنَّمَا نُقِلَ التَّوَقُّف فيها عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عُمَر، وَاللَّهُ أَعْلَم.
1172- سبق شرحه بالباب.
1173- سبق شرحه بالباب.
1174- قَوْله: «سُبْحَة الضُّحَى» بِضَمِّ السِّين أَيْ نَافِلَة الضُّحَى.
قَوْلهَا: «لَيَدَع الْعَمَل وَهُوَ يُحِبّ أَنْ يَعْمَل». ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْيَاء أَيْ يَعْمَلهُ. وَفيه: بَيَان كَمَالِ شَفَقَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَته بِأُمَّتِهِ. وَفيه: أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصَالِح قُدِّمَ أَهَمُّهَا.
1175- قَوْله: (يَزِيد الرِّشْك) بِكَسْرِ الرَّاء وَإِسْكَان الشِّين الْمُعْجَمَة قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّات.
1177- قَوْله: (أُمّ هَانِئ) هُوَ بِهَمْزَةِ بَعْد النُّون كُنِّيَتْ بِابْنِهَا هَانِئ وَاسْمهَا (فَاخِتَة) عَلَى الْمَشْهُور.
وَقِيلَ: (هِنْد).
1178- قَوْله: (سَأَلْت وَحَرَصْت) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء عَلَى الْمَشْهُور، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن وَفِي لُغَة بِكَسْرِهَا.
1179- قَوْله: (إِنَّ أَبَا مُرَّة مَوْلَى أُمّ هَانِئ). وَفِي رِوَايَة: «مَوْلَى عَقِيل بْن أَبِي طَالِب».
قَالَ الْعُلَمَاء: هُوَ مَوْلَى أُمّ هَانِئ حَقِيقَة، وَيُضَاف إِلَى عَقِيل مَجَازًا لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ وَانْتِمَائِهِ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَوْلَى أُخْته.
قَوْلهَا: «سَلَّمْت» فيه: سَلَام الْمَرْأَة الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ عَلَى الرَّجُل بِحَضْرَةِ مَحَارِمه.
قَوْلهَا: «فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْت: أُمّ هَانِئ بِنْت أَبِي طَالِب» فيه: أَنَّهُ لَا بَأْس أَنْ يَكُنِّي الْإِنْسَان نَفْسه عَلَى سَبِيل التَّعْرِيف إِذَا اِشْتَهَرَ بِالْكُنْيَةِ. وَفيه: أَنَّهُ إِذَا اِسْتَأْذَنَ يَقُول الْمُسْتَأْذِن عَلَيْهِ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُول الْمُسْتَأْذِن: فُلَان بِاسْمِهِ الَّذِي يَعْرِفهُ بِهِ الْمُخَاطَب.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئ» فيه: اِسْتِحْبَاب قَوْل الْإِنْسَان لِزَائِرِهِ وَالْوَارِد عَلَيْهِ: مَرْحَبًا وَنَحْوه مِنْ أَلْفَاظ الْإِكْرَام وَالْمُلَاطَفَة، وَمَعْنَى مَرْحَبًا: صَادَفْت رَحْبًا أَيْ سَعَة. وَسَبَقَ بَسْط الْكَلَام فيه فِي حَدِيث وَفْد عَبْد الْقَيْس. وَفيه: أَنَّهُ لَا بَأْس بِالْكَلَامِ فِي حَال الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء وَلَا بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَائِل. وَفيه: جَوَاز الِاغْتِسَال بِحَضْرَةِ اِمْرَأَة مِنْ مَحَارِمه إِذَا كَانَ مَسْتُور الْعَوْرَة عَنْهَا، وَجَوَاز تَسْتِيرهَا إِيَّاهُ بِثَوْبٍ وَنَحْوه.
قَوْله: «فَصَلَّى ثَمَان رَكَعَات مُلْتَحِفًا فِي ثَوْب وَاحِد» فيه: جَوَاز الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد، وَالِالْتِحَاف بِهِ مُخَالِفًا بَيْن طَرَفيه، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة.
قَوْلهَا: «فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قُلْت: يَا رَسُول اللَّه زَعَمَ اِبْن أُمِّي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْته فُلَان بْن هُبَيْرَة فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمّ هَانِئ» فِي هَذِهِ الْقِطْعَة فَوَائِد مِنْهَا: أَنَّ مَنْ قَصَدَ إِنْسَانًا لِحَاجَةٍ وَمَطْلُوب فَوَجَدَهُ مُشْتَغِلًا بِطَهَارَة وَنَحْوهَا لَمْ يَقْطَعهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَفْرُغ، ثُمَّ يَسْأَل حَاجَته إِلَّا أَنْ يَخَاف فَوْتهَا. وَقَوْلهَا: «زَعَمَ» مَعْنَاهُ هُنَا ذَكَرَ أَمْرًا لَا أَعْتَقِدُ مُوَافَقَته فيه، وَإِنَّمَا قَالَتْ: اِبْن أُمِّي مَعَ أَنَّهُ اِبْن أُمّهَا وَأَبِيهَا؛ لِتَأْكِيدِ الْحُرْمَة وَالْقَرَابَة وَالْمُشَارَكَة فِي بَطْن وَاحِد وَكَثْرَة مُلَازَمَة الْأُمّ، وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِ هَارُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَا اِبْن أُمّ لَا تَأْخُذ بِلِحْيَتِي} وَاسْتَدَلَّ بَعْض أَصْحَابنَا وَجُمْهُور الْعُلَمَاء بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى صِحَّة أَمَان الْمَرْأَة. قَالُوا: وَتَقْدِير الْحَدِيث حُكْم الشَّرْع صِحَّة جَوَاز مَنْ أَجَرْت.
وَقَالَ بَعْضهمْ: لَا حُجَّة فيه؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِل لِهَذَا وَمُحْتَمِل لِابْتِدَاءِ الْأَمَان، وَمِثْل هَذَا الْخِلَاف اِخْتِلَافهمْ فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبَهُ». هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حُكْم الشَّرْع فِي جَمِيع الْحُرُوب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة؟ أَمْ هُوَ إِبَاحَة رَآهَا الْإِمَام فِي تِلْكَ الْمَرَّة بِعَيْنِهَا؟ فَإِذَا رَآهَا الْإِمَام الْيَوْم عَمِلَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا؟ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ، وَبِالثَّانِي أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك. وَيُحْتَجّ لِلْأَكْثَرِينَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِر عَلَيْهَا الْأَمَان، وَلَا بَيَّنَ فَسَاده، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَبَيَّنَهُ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ. وَقَوْلهَا: (فُلَان بْن هُبَيْرَة). وَجَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم (فَرَّ إِلَيَّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي). وَرُوِّينَا فِي كِتَاب الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ أَنَّ فُلَان بْن هُبَيْرَة هُوَ الْحَارِث بْن هِشَام الْمَخْزُومِيّ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ عَبْد اللَّه بْن أَبِي رَبِيعَة. وَفِي تَارِيخ مَكَّة لِلْأَزْرَقِيِّ أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلَيْنِ: أَحَدهمَا: عَبْد اللَّه بْن أَبِي رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَة، وَالثَّانِي: الْحَارِث بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَة، وَهُمَا مِنْ بَنِي مَخْزُوم، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيّ يُوَضِّح الِاسْمَيْنِ، وَيَجْمَع بَيْن الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ.
قَوْلهَا: (وَذَلِكَ ضُحًى) اِسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابنَا وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب جَعْل الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات، وَتَوَقَّفَ فيه الْقَاضِي وَغَيْره وَمَنَعُوا دَلَالَته، قَالُوا: لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ وَقْت صَلَاته، لَا عَنْ نِيَّتهَا، فَلَعَلَّهَا كَانَتْ صَلَاة شُكْر اللَّه تَعَالَى عَلَى الْفَتْح، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ فَاسِد، بَلْ الصَّوَاب صِحَّة الِاسْتِدْلَال بِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أُمّ هَانِئ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْفَتْح صَلَّى سُبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات يُسَلِّم مِنْ كُلّ رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَلَى شَرْط الْبُخَارِيّ.
1181- قَوْله: (عَنْ يَحْيَى بْن عُقَيْل) بِضَمِّ الْعَيْن.
قَوْله: (عَنْ أَبِي الْأَسْوَد الدُّؤَلِيّ) فِي ضَبْطه خِلَاف وَكَلَام طَوِيل سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي كِتَاب الْإِيمَان.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى كُلّ سُلَامَى مِنْ أَحَدكُمْ صَدَقَة» هُوَ بِضَمِّ السِّين وَتَخْفِيف اللَّام، وَأَصْله عِظَام الْأَصَابِع وَسَائِر الْكَفّ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي جَمِيع عِظَام الْبَدَن وَمَفَاصِله، وَسَيَأْتِي فِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خُلِقَ الْإِنْسَان عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثمِائَةِ مَفْصِل عَلَى كُلّ مَفْصِل صَدَقَة».
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعهُمَا مِنْ الضُّحَى» ضَبَطْنَاهُ: «وَيَحْزِي» بِفَتْحِ أَوَّله وَضَمّه، فَالضَّمّ مِنْ الْإِجْزَاء وَالْفَتْح مِنْ جَزَيَ يَجْزِي أَيْ كَفَى، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {لَا تَجْزِي نَفْس} وَفِي الْحَدِيث: «لَا يَجْزِي عَنْ أَحَد بَعْدك». وَفيه دَلِيل عَلَى عِظَم فَضْل الضُّحَى وَكَبِير مَوْقِعهَا، وَأَنَّهَا تَصِحُّ رَكْعَتَيْنِ.
1182- قَوْله: «أَوْصَانِي خَلِيلِي» لَا يُخَالِف قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْت مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا»؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنَع أَنْ يَتَّخِذ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهُ خَلِيلًا، وَلَا يَمْتَنِع اِتِّخَاذ الصَّحَابِيّ وَغَيْره النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلِيلًا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث وَحَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء الْحَثّ عَلَى الضُّحَى وَصِحَّتهَا رَكْعَتَيْنِ، وَالْحَثّ عَلَى صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر، وَعَلَى الْوِتْر، وَتَقْدِيمه عَلَى النَّوْم لِمَنْ خَافَ أَنْ لَا يَسْتَيْقِظ آخِر اللَّيْل. وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّل هَذَانِ الْحَدِيثَانِ لِمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله: (عَنْ أَبِي شَمِر) بِفَتْحِ الشِّين وَكَسْر الْمِيم وَيُقَال بِكَسْرِ الشِّين وَإِسْكَان الْمِيم وَهُوَ مَعْدُود فِيمَنْ لَا يُعْرَف اِسْمه، وَإِنَّمَا يُعْرَف بِكُنْيَتِهِ.
قَوْله: (عَبْد اللَّه الدَّانَاج) هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة وَالنُّون وَالْجِيم وَهُوَ الْعَالِم وَسَبَقَ بَيَانُهُ.
1183- قَوْله: (عَبْد اللَّه بْن حُنَيْنٍ) هُوَ بِالنُّونِ بَعْد الْحَاء.

.باب اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَتَخْفِيفِهِمَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَبَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فيهمَا:

1184- قَوْله: «رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ».
فيه أَنَّهُ يُسَنّ تَخْفِيف سُنَّة الصُّبْح وَأَنَّهُمَا رَكْعَتَانِ.
1185- قَوْله: «كَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْر لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» قَدْ يَسْتَدِلّ بِهِ مَنْ يَقُول: تُكْرَه الصَّلَاة مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَّا سُنَّة الصُّبْح، وَمَا لَهُ سَبَبٌ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَوْجُه: أَحَدهَا: هَذَا، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ مَالِك وَالْجُمْهُور.
وَالثَّانِي: لَا تَدْخُل الْكَرَاهَة حَتَّى يُصَلِّي سُنَّة الصُّبْح.
وَالثَّالِث: لَا تَدْخُل الْكَرَاهَة حَتَّى يُصَلِّي فَرِيضَة الصُّبْح، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل ظَاهِر عَلَى الْكَرَاهَة إِنَّمَا فيه الْإِخْبَار بِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي غَيْر رَكْعَتَيْ السُّنَّة وَلَمْ يَنْهَ عَنْ غَيْرهَا.
1187- قَوْله: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْر إِذَا سَمِعَ الْأَذَان وَيُخَفِّفهُمَا» وَفِي رِوَايَة: «إِذَا طَلَعَ الْفَجْر» فيه: أَنَّ سُنَّة الصُّبْح لَا يَدْخُل وَقْتهَا إِلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْر، وَاسْتِحْبَاب تَقْدِيمهَا فِي أَوَّل طُلُوع الْفَجْر وَتَخْفِيفهَا، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور وَقَالَ بَعْض السَّلَف: لَا بَأْس بِإِطَالَتِهِمَا، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَة، وَلَمْ يُخَالِف فِي اِسْتِحْبَاب التَّخْفِيف.
وَقَدْ بَالَغَ قَوْم فَقَالُوا: لَا قِرَاءَة فيهمَا أَصْلًا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْقَاضِي، وَهُوَ غَلَطٌ بَيِّنٌ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم بَعْد هَذَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ فيهمَا بَعْد الْفَاتِحَة بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وَفِي رِوَايَة: {قُولُوا آمَنَا بِاَللَّهِ} وَ{قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا}. وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة: لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَلَا صَلَاة إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآن وَلَا تُجْزِئ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأ فيها بِالْقُرْآنِ. وَاسْتَدَلَّ بَعْض الْحَنَفِيَّة بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لِلصُّبْحِ قَبْل طُلُوع الْفَجْر؛ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّن بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم». وَهَذَا الْحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب الْمُرَاد بِهِ الْأَذَان الثَّانِي.
1189- قَوْلهَا: «يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْر فَيُخَفِّف حَتَّى إِنِّي أَقُول: هَلْ قَرَأَ فيهمَا بِأُمِّ الْقُرْآن». هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى الْمُبَالَغَة فِي التَّخْفِيف، وَالْمُرَاد الْمُبَالَغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِطَالَة صَلَاة اللَّيْل وَغَيْرهَا مِنْ نَوَافِله، وَلَيْسَ فيه دَلَالَة لِمَنْ قَالَ: لَا تُقْرَأ فيهمَا أَصْلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الدَّلَائِل الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة.
1191- قَوْلهَا: «لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْء مِنْ النَّوَافِل أَشَدّ مُعَاهَدَة مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْل الصُّبْح» فيه دَلِيل عَلَى عِظَم فَضْلهمَا، وَأَنَّهُمَا سُنَّة لَيْسَتَا وَاجِبَتَيْنِ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ- رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى- وُجُوبهمَا. وَالصَّوَاب: عَدَم الْوُجُوب، لِقَوْلِهَا: عَلَى شَيْء مِنْ النَّوَافِل مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْس صَلَوَات» قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرهَا؟ قَالَ: «لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَقَدْ يُسْتَدَلّ بِهِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدنَا فِي تَرْجِيح سُنَّة الصُّبْح عَلَى الْوِتْر، لَكِنْ لَا دَلَالَة فيه: لِأَنَّ الْوِتْر كَانَ وَاجِبًا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَتَنَاوَلهُ هَذَا الْحَدِيث.
1193- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكْعَتَا الْفَجْر خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فيها» أَيْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا.
1195- قَوْله: «قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْر: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّه أَحَد» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «قَرَأَ الْآيَتَيْنِ: {قُولُوا آمَنَا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} وَ{قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا}» هَذَا دَلِيل لِمَذْهَبِنَا، وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَقْرَأ فيهمَا بَعْد الْفَاتِحَة سُورَة، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون هَاتَانِ السُّورَتَانِ أَوْ الْآيَتَانِ كِلَاهُمَا سُنَّة.
وَقَالَ مَالِك وَجُمْهُور أَصْحَابه: لَا يَقْرَأ غَيْر الْفَاتِحَة.
وَقَالَ بَعْض السَّلَف: لَا يَقْرَأ شَيْئًا كَمَا سَبَقَ، وَكِلَاهُمَا خِلَاف هَذِهِ السُّنَّة الصَّحِيحَة الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا.
1196- سبق شرحه بالباب.
1197- سبق شرحه بالباب.