فصل: باب الاِسْتِخْلاَفِ وَتَرْكِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآيَةَ:

3373- قَوْله: (يُرِيدُونَ غِرَّته) أَيْ غَفْلَته.
قَوْله: (فَأَخَذَهُمْ سَلَمًا) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: بِفَتْحِ السِّين وَاللَّام، وَالثَّانِي: بِإِسْكَانِ اللَّام مَعَ كَسْر السِّين وَفَتْحهَا، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: وَمَعْنَاهُ: الصُّلْح، قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق: هَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَكْثَرُونَ، قَالَ: فيه وَفِي الشَّرْح الرِّوَايَة الْأُولَى أَظْهَر، وَمَعْنَاهَا: أَسَرَهُمْ، وَالسَّلَم الْأَسْر، وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِفَتْحِ اللَّام وَالسِّين، قَالَ: وَالْمُرَاد بِهِ الِاسْتِسْلَام وَالْإِذْعَان، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَم} أَيْ: الِانْقِيَاد، وَهُوَ مَصْدَر يَقَع عَلَى الْوَاحِد وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع، قَالَ اِبْن الْأَثِير: هَذَا هُوَ الْأَشْبَه بِالْقِصَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤْخَذُوا صُلْحًا، وَإِنَّمَا أُخِذُوا قَهْرًا وَأَسْلَمُوا أَنْفُسهمْ عَجْزًا، قَالَ: وَلِلْقَوْلِ الْآخَر وَجْه، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجْرِ مَعَهُمْ قِتَال، بَلْ عَجَزُوا عَنْ دَفْعهمْ وَالنَّجَاة مِنْهُمْ، فَرَضَوْا بِالْأَسْرِ، فَكَأَنَّهُمْ قَدْ صُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ.

.باب غَزْوَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ:

3374- قَوْله: (أَنَّ أُمّ سُلَيْم اِتَّخَذَتْ يَوْم حُنَيْنٍ خِنْجَرًا) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ الْمُعْتَمَدَة (يَوْم حُنَيْنٍ) بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَبِالنُّونَيْنِ، وَفِي بَعْضهَا: (يَوْم خَيْبَر) بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب، وَالْخِنْجَر بِكَسْرِ الْخَاء وَفَتْحهَا، وَلَمْ يَذْكُر الْقَاضِي فِي الشَّرْح إِلَّا الْفَتْح، وَذَكَرَهُمَا مَعًا فِي الْمَشَارِق، وَرَجَّحَ الْفَتْح، وَلَمْ يَذْكُر الْجَوْهَرِيّ غَيْر الْكَسْر، فَهُمَا لُغَتَانِ، وَهِيَ سِكِّين كَبِيرَة ذَات حَدَّيْنِ، وَفِي هَذَا الْغَزْو بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ.
قَوْلهَا: (بَقَرْت بَطْنه) أَيْ شَقَقْته.
قَوْلهَا: (اُقْتُلْ مَنْ بَعْدنَا مِنْ الطُّلَقَاء) هُوَ بِضَمِّ الطَّاء وَفَتْح اللَّام، وَهُمْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْل مَكَّة يَوْم الْفَتْح، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَطْلَقَهُمْ، وَكَانَ فِي إِسْلَامهمْ ضَعْف، فَاعْتَقَدَتْ أُمّ سَلِيم أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، وَأَنَّهُمْ اِسْتَحَقُّوا الْقَتْل بِانْهِزَامِهِمْ وَغَيْره. وَقَوْلهَا: (مَنْ بَعْدنَا) أَيْ: مَنْ سِوَانَا.
3375- قَوْله: «كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ، فَيَسْقِينَ الْمَاء وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» فيه خُرُوج النِّسَاء فِي الْغَزْوَة وَالِانْتِفَاع بِهِنَّ فِي السَّقْي وَالْمُدَاوَاة وَنَحْوهمَا، وَهَذِهِ الْمُدَاوَاة لِمَحَارِمِهِنَّ وَأَزْوَاجهنَّ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لِغَيْرِهِمْ لَا يَكُون فيه مَسّ بَشَرَة إِلَّا فِي مَوْضِع الْحَاجَة.
3376- قَوْله: (أَبُو مَعْمَر الْمِنْقَرِيّ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان النُّون وَفَتْح الْقَاف مَنْسُوب إِلَى مِنْقَر بْن عُبَيْد بْن مُقَاعِس بْن عَمْرو بْن كَعْب بْن سَعْد بْن زَيْد بْن مَنَاة بْن تَمِيم بْن مُرَّة بْن أَسَد بْن طَلْحَة بْن إِلْيَاس بْن مُضَر بْن نِزَار بْن مَعْد بْن عَدْنَان.
قَوْله: (مُجَوِّب عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ) أَيْ: مُتَرِّس عَنْهُ لِيَقِيَهُ سِلَاح الْكُفَّار.
قَوْله: (كَانَ أَبُو طَلْحَة رَامِيًا شَدِيد النَّزْع) أَيْ شَدِيد الرَّمْي.
قَوْله: (الْجَعْبَة) بِفَتْحِ الْجِيم.
قَوْله: (أَرَى خَدَم سُوقهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْمَلَة، الْوَاحِدَة خِدْمَة، وَهِيَ الْخَلْخَال، وَأَمَّا السُّوق: فَجَمْع سَاق، وَهَذِهِ الرِّوَايَة لِلْخَدَمِ لَمْ يَكُنْ فيها نَهْي؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ يَوْم أُحُد قَبْل أَمْر النِّسَاء بِالْحِجَابِ، وَتَحْرِيم النَّظَر إِلَيْهِنَّ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُر هُنَا أَنَّهُ تَعَمَّدَ النَّظَر إِلَى نَفْس السَّاق، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ تِلْكَ النَّظْرَة فَجْأَة بِغَيْرِ قَصْد وَلَمْ يَسْتَدِمْهَا.
قَوْله: (نَحْرِي دُونَ نَحْرك) هَذَا مِنْ مَنَاقِب أَبِي طَلْحَة الْفَاخِرَة.
قَوْله: (عَلَى مُتُونهمَا) أَيْ: عَلَى ظُهُورهمَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِخْتِلَاط النِّسَاء فِي الْغَزْو بِرِجَالِهِنَّ فِي حَال الْقِتَال لِسَقْيِ الْمَاء وَنَحْوه.

.باب النِّسَاءُ الْغَازِيَاتُ يُرْضَخُ لَهُنَّ وَلاَ يُسْهَمُ وَالنَّهْيُ عَنْ قَتْلِ صِبْيَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ:

3377- قَوْله: (فَقَالَ اِبْن عَبَّاس: لَوْلَا أَنْ أَكْتُم عِلْمًا مَا كَتَبْت إِلَيْهِ) يَعْنِي إِلَى نَجْدَة الْحَرُورِيّ مِنْ الْخَوَارِج، مَعْنَاهُ: أَنَّ اِبْن عَبَّاس يَكْرَه نَجْدَة لِبِدْعَتِهِ، وَهِيَ كَوْنه مِنْ الْخَوَارِج الَّذِينَ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّين مُرُوق السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة، وَلَكِنْ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ الْعِلْم لَمْ يُمْكِنهُ كَتْمه فَاضْطُرَّ إِلَى جَوَابه، وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ أَكْتُم عِلْمًا مَا كَتَبْت إِلَيْهِ أَيْ لَوْلَا أَنِّي إِذَا تَرَكْت الْكِتَابَة أَصِير كَاتِمًا لِلْعِلْمِ، مُسْتَحِقًّا لِوَعِيدِ كَاتِمه لَمَا كَتَبْت إِلَيْهِ.
قَوْله: «كَانَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَة وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِب لَهُنَّ» فيه: حُضُور النِّسَاء الْغَزْو وَمُدَاوَاتهنَّ الْجَرْحَى كَمَا سَبَقَ فِي الْبَاب قَبْله، وَقَوْله: (يُحْذَيْنَ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء وَإِسْكَان الْحَاء الْمُهْمَلَة وَفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة، أَيْ: يُعْطَيْنَ تِلْكَ الْعَطِيَّة، وَتُسَمَّى الرَّضْخ، وَفِي هَذَا أَنَّ الْمَرْأَة تَسْتَحِقّ الرَّضْخ وَلَا تَسْتَحِقّ السَّهْم، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: تَسْتَحِقّ السَّهْم إِنْ كَانَتْ تُقَاتِل أَوْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَقَالَ مَالِك: لَا رَضْخ لَهَا، وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مَرْدُودَانِ بِهَذَا الْحَدِيث الصَّرِيح.
قَوْله: «إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُل الصِّبْيَان فَلَا تَقْتُل الصِّبْيَان» فيه: النَّهْي عَنْ قَتْل صِبْيَان أَهْل الْحَرْب، وَهُوَ حَرَام إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا، وَكَذَلِكَ النِّسَاء، فَإِنْ قَاتَلُوا جَازَ قَتْلهمْ.
قَوْله: (وَكَتَبْت تَسْأَلنِي: مَتَى يَنْقَضِي يُتْم الْيَتِيم؟ فَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُل لَتَنْبُتُ لِحْيَته وَإِنَّهُ لَضَعِيف الْأَخْذ لِنَفْسِهِ ضَعِيف الْعَطَاء مِنْهَا، فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِح مَا يَأْخُذ النَّاس فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْم) مَعْنَى هَذَا: مَتَى يَنْقَضِي حُكْم الْيُتْم وَيَسْتَقِلّ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَاله؟ وَأَمَّا نَفْس الْيُتْم فَيَنْقَضِي بِالْبُلُوغِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُتْم بَعْد الْحُلُم»، وَفِي هَذَا دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ حُكْم الْيُتْم لَا يَنْقَطِع بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغ وَلَا بِعُلُوِّ السِّنّ، بَلْ لابد أَنْ يَظْهَر مِنْهُ الرُّشْد فِي دِينه وَمَالِه، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَة زَالَ عَنْهُ حُكْم الصِّبْيَان، وَصَارَ رَشِيدًا يَتَصَرَّف فِي مَالِه، وَيَجِب تَسْلِيمه إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْر ضَابِط لَهُ، وَأَمَّا الْكَبِير إِذَا طَرَأَ تَبْذِيره فَمَذْهَب مَالِك وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء وُجُوب الْحَجْر عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُحْجَر، قَالَ اِبْن الْقَصَّار وَغَيْره: الصَّحِيح الْأَوَّل، وَكَأَنَّهُ إِجْمَاع.
قَوْله: (وَكَتَبْت تَسْأَلنِي عَنْ الْخُمُس لِمَنْ هُوَ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَقُول: هُوَ لَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمنَا ذَاكَ) مَعْنَاهُ: خُمُس خُمُس الْغَنِيمَة الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِذَوِي الْقُرْبَى، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فيه فَقَالَ الشَّافِعِيّ مِثْل قَوْل اِبْن عَبَّاس، وَهُوَ أَنَّ خُمُس الْخُمُس مِنْ الْفَيْء وَالْغَنِيمَة يَكُون لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُمْ عِنْد الشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرِينَ: بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِب.
وَقَوْله: (أَبَى عَلَيْنَا قَوْمنَا ذَاكَ) أَيْ: رَأَوْا لَا يَتَعَيَّن صَرْفه إِلَيْنَا، بَلْ يَصْرِفُونَهُ فِي الْمَصَالِح، وَأَرَادُوا بِقَوْمِهِ وُلَاة الْأَمْر مِنْ بَنِي أُمَيَّة، وَقَدْ صَرَّحَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَة لَهُ بِأَنَّ سُؤَال نَجْدَة لِابْنِ عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِل كَانَ فِي فِتْنَة اِبْن الزُّبَيْر، وَكَانَتْ فِتْنَة اِبْن الزُّبَيْر بَعْد بِضْع وَسِتِّينَ سَنَة مِنْ الْهِجْرَة، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه: يَجُوز أَنَّ اِبْن عَبَّاس أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (أَبَى ذَاكَ عَلَيْنَا قَوْمنَا) مِنْ بَعْد الصَّحَابَة وَهُمْ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «فَلَا تَقْتُل الصِّبْيَان إِلَّا أَنْ تَكُون تَعْلَم مَا عَلِمَهُ الْخَضِر مِنْ الصَّبِيّ الَّذِي قَتَلَ» مَعْنَاهُ: أَنَّ الصِّبْيَان لَا يَحِلّ قَتْلهمْ، وَلَا يَحِلّ لَك أَنْ تَتَعَلَّق بِقِصَّةِ الْخَضِر وَقَتْله صَبِيًّا؛ فَإِنَّ الْخَضِر مَا قَتَلَهُ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى لَهُ عَلَى التَّعْيِين، كَمَا قَالَ فِي آخِر الْقِصَّة: {وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي} فَإِنْ كُنْت أَنْتَ تَعْلَم مِنْ صَبِيّ ذَلِكَ فَاقْتُلْهُ، وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا عِلْم لَهُ بِذَلِكَ، فَلَا يَجُوز لَهُ الْقَتْل.
قَوْله: «وَتُمَيِّز الْمُؤْمِن فَتَقْتُل الْكَافِر وَتَدَع الْمُؤْمِن» مَعْنَاهُ: مَنْ يَكُون إِذَا عَاشَ إِلَى الْبُلُوغ مُؤْمِنًا، وَمَنْ يَكُون إِذَا عَاشَ كَافِرًا، فَمَنْ عَلِمْت أَنَّهُ يَبْلُغ كَافِرًا فَاقْتُلْهُ، كَمَا عَلِمَ الْخَضِر أَنَّ ذَلِكَ الصَّبِيّ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا، وَأَعْلَمَهُ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ، وَمَعْلُوم أَنَّك أَنْتَ لَا تَعْلَم ذَلِكَ، فَلَا تَقْتُل صَبِيًّا.
3378- قَوْله: (لَوْلَا أَنْ يَقَع فِي أُحْمُوقَة مَا كَتَبْت إِلَيْهِ) هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالْمِيم يَعْنِي فِعْلًا مِنْ أَفْعَال الْحَمْقَى، وَيَرَى رَأْيًا كَرَأْيِهِمْ، وَمِثْله قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (وَاَللَّه لَوْلَا أَنْ أَرُدّهُ عَنْ نَتْن يَقَع فيه مَا كَتَبْت إِلَيْهِ) يَعْنِي بِالنَّتْنِ الْفِعْل الْقَبِيح، وَكُلّ مُسْتَقْبَح يُقَال لَهُ: النَّتْن، وَالْخَبِيث وَالرِّجْس وَالْقَذَر وَالْقَاذُورَة.
قَوْله: (لَا يَنْقَطِع عَنْهُ اِسْم الْيُتْم حَتَّى يَبْلُغ وَيُؤْنَس مِنْهُ رُشْد) يَعْنِي لَا يَنْقَطِع عَنْهُ حُكْم الْيُتْم كَمَا سَبَقَ، وَأَرَادَ بِالِاسْمِ الْحُكْم.
3379- قَوْله: (وَلَا نَعْمَة عَيْن) هُوَ بِضَمِّ النُّون وَفَتْحهَا، أَيْ: مَسَرَّة عَيْن، وَمَعْنَاهُ: لَا تُسَرّ عَيْنه، يُقَال: نَعْمَة عَيْن، وَنُعْمَة عَيْن، وَنَعَامَة عَيْن، وَنُعْمَى عَيْن نُعْمًا وَنَعِيم وَنَعِيم عَيْن، وَنَعَام عَيْن بِمَعْنًى، وَأَنْعَمَ اللَّه عَيْنك، أَيْ: أَقَرَّهَا فَلَا يَعْرِض لَك نَكَد فِي شَيْء مِنْ الْأُمُور.
قَوْله بَعْد هَذَا: (وَسَأَلْت عَنْ الْمَرْأَة وَالْعَبْد: هَلْ كَانَ لَهُمْ سَهْم مَعْلُوم إِذَا حَضَرُوا الْبَأْس؟ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْم مَعْلُوم إِلَّا أَنْ يُحْذَيَا مِنْ غَنَائِم الْقَوْم.؟) فيه: أَنَّ الْعَبْد يُرْضَخ لَهُ وَلَا يُسْهَم لَهُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَقَالَ مَالِك: لَا رَضْخ لَهُ. كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَة، وَقَالَ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ وَالنَّخَعِيّ وَالْحَكَم: إِنْ قَاتَلَ أُسْهِمَ لَهُ.
قَوْله: (إِذَا حَضَرُوا الْبَأْس) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة، وَهُوَ الشِّدَّة، وَالْمُرَاد هُنَا الْحَرْب.

.باب عَدَدِ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

ذَكَرَ فِي الْبَاب مِنْ رِوَايَة زَيْد بْن أَرْقَم وَجَابِر وَبُرَيْدَةَ: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَة» وَفِي رِوَايَة بُرَيْدَةَ: «قَاتَلَ فِي ثَمَان مِنْهُنَّ» قَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْمَغَازِي فِي عَدَد غَزَوَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ، فَذَكَرَ اِبْن سَعْد وَغَيْره عَدَدهنَّ مُفَصَّلَات عَلَى تَرْتِيبهنَّ فَبَلَغَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاة، وَسِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّة، قَالُوا: قَاتَلَ فِي تِسْع مِنْ غَزَوَاته وَهِيَ بَدْر، وَأُحُد، وَالْمُرَيْسِيع، وَالْخَنْدَق، وَقُرَيْظَة، وَخَيْبَر، وَالْفَتْح، وَحُنَيْن وَالطَّائِف. هَكَذَا عَدُّوا الْفَتْح فيها، وَهَذَا عَلَى قَوْل مَنْ يَقُول: فُتِحَتْ مَكَّة عَنْوَة، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَان الْخِلَاف فيها، وَلَعَلَّ بُرَيْدَةَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: قَاتَلَ فِي ثَمَان إِسْقَاط غَزَاة الْفَتْح، وَيَكُون مَذْهَبه أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ.
3381- قَوْله: (قُلْت: فَمَا أَوَّل غَزْوَة غَزَاهَا؟ قَالَ: ذَات الْعُسَيْر أَوْ الْعُشَيْر) هَكَذَا فِي جَمِيع نُسَخ صَحِيح مُسْلِم (الْعُسَيْر) أَو: (الْعُشَيْر) الْعَيْن مَضْمُومَة، وَالْأَوَّل بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة، وَالثَّانِي بِالْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق: هِيَ ذَات الْعُشَيْرَةِ بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح الشِّين الْمُعْجَمَة، قَالَ: وَجَاءَ فِي كِتَاب الْمَغَازِي- يَعْنِي مِنْ صَحِيح الْبُخَارِيّ- عَسِير، بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر السِّين الْمُهْمَلَة بِحَذْفِ الْهَاء، قَالَ: وَالْمَعْرُوف فيها (الْعُشَيْرَة) مُصَغَّرَة بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْهَاء، قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهَا أَبُو إِسْحَاق، وَهِيَ مِنْ أَرْض مَذْحِج.
3382- قَوْله: (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن شَيْبَة حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدَم حَدَّثَنَا وُهَيْب عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر نُسَخ بِلَادنَا (وُهَيْب) عَنْ أَبِي إِسْحَاق، وَفِي بَعْضهَا: (زُهَيْر عَنْ أَبِي إِسْحَاق) وَنَقَلَ الْقَاضِي أَيْضًا الِاخْتِلَاف فيه، قَالَ: وَقَالَ عَبْد الْغَنِيّ: الصَّوَاب: زُهَيْر، وَأَمَّا (وُهَيْب) فَخَطَأ، قَالَ: لِأَنَّ وُهَيْبًا لَمْ يَلْقَ أَبَا إِسْحَاق، وَذَكَرَ خَلَف فِي الْأَطْرَاف فَقَالَ: زُهَيْر، وَلَمْ يَذْكُر: وُهَيْبًا.
3383- قَوْله: (عَنْ جَابِر: لَمْ أَشْهَد بَدْرًا وَلَا أُحُدًا) قَالَ الْقَاضِي: كَذَا فِي رِوَايَة مُسْلِم أَنَّ جَابِرًا لَمْ يَشْهَدهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْد أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: الصَّحِيح أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ اِبْن الْكَلْبِيّ أَنَّهُ شَهِدَ أُحُدًا.
قَوْله: (عَنْ جَابِر قَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَة وَلَمْ أَشْهَد أُحُدًا وَلَا بَدْرًا) هَذَا صَرِيح مِنْهُ بِأَنَّ غَزَوَات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ مُنْحَصِرَة فِي تِسْعَ عَشْرَةَ، بَلْ زَائِدَة، وَإِنَّمَا مُرَاد زَيْد بْن أَرْقَم وَبُرَيْدَةَ بِقَوْلِهِمَا: تِسْعَ عَشْرَةَ، أَنَّ مِنْهَا تِسْعَ عَشْرَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَابِر، فَقَدْ أَخْبَرَ جَابِر أَنَّهَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ كَمَا تَرَى، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا سَبْع وَعِشْرُونَ، وَأَمَّا قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْ بُرَيْدَةَ: (سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَة) فَلَيْسَ فيه نَفْي الزِّيَادَة.

.باب غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ:

3387- قَوْله: (وَنَحْنُ سِتَّة نَفَر بَيْننَا بَعِير نَعْتَقِبهُ) أَيْ يَرْكَبهُ كُلّ وَاحِد مِنَّا نَوْبَةً، فيه: جَوَاز مِثْل هَذَا إِذَا لَمْ يَضُرّ بِالْمَرْكُوبِ، قَوْله: (فَنَقِبَتْ أَقْدَامنَا) هُوَ بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْقَاف، أَيْ: قَرِحَتْ مِنْ الْحَفَاء.
قَوْله: (فَسُمِّيَتْ ذَات الرِّقَاع لِذَلِكَ) هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا، وَقَالَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِجَبَلٍ هُنَاكَ فيه بَيَاض وَسَوَاد وَحُمْرَة وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِاسْمِ شَجَرَة هُنَاكَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَلْوِيَتهمْ رِقَاع، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِالْمَجْمُوعِ.
قَوْله: (وَكَرِهَ أَنْ يَكُون شَيْئًا مِنْ عَمَله أَفْشَاهُ) فيه اِسْتِحْبَاب إِخْفَاء الْأَعْمَال الصَّالِحَة، وَمَا يُكَابِدهُ الْعَبْد مِنْ الْمَشَاقّ فِي طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وَلَا يُظْهِر شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ مِثْل بَيَان حُكْم ذَلِكَ الشَّيْء، وَالتَّنْبِيه عَلَى الِاقْتِدَاء بِهِ فيه وَنَحْو ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَل مَا وُجِدَ لِلسَّلَفِ مِنْ الْإِخْبَار بِذَلِكَ.

.باب كَرَاهَةِ الاِسْتِعَانَةِ فِي الْغَزْوِ بِكَافِرٍ:

3388- قَوْله: «عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ قِبَل بَدْر فَلَمَّا كَانَ بِحِرَّةِ الْوَبَرَة» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْبَاء، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع رُوَاة مُسْلِم، قَالَ: وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِإِسْكَانِهَا، وَهُوَ مَوْضِع عَلَى نَحْو مِنْ أَرْبَعَة أَمْيَال مِنْ الْمَدِينَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِين بِمُشْرِكٍ» وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَعَانَ بِصَفْوَانَ بْن أُمَيَّة قَبْل إِسْلَامه» فَأَخَذَ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء بِالْحَدِيثِ الْأَوَّل عَلَى إِطْلَاقه، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ: إِنْ كَانَ الْكَافِر حَسَن الرَّأْي فِي الْمُسْلِمِينَ، وَدَعَتْ الْحَاجَة إِلَى الِاسْتِعَانَة بِهِ اُسْتُعِينَ بِهِ، وَإِلَّا فَيُكْرَه، وَحَمَلَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ، وَإِذَا حَضَرَ الْكَافِر بِالْإِذْنِ رُضِخَ لَهُ، وَلَا يُسْهَم لَهُ، هَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَالْجُمْهُور، وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُسْهَم لَهُ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُل» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ (حَتَّى إِذَا كُنَّا) فَيَحْتَمِل أَنَّ عَائِشَة كَانَتْ مَعَ الْمُودَعِينَ، فَرَأَتْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا: (كُنَّا) كَانَ الْمُسْلِمُونَ. وَاَللَّه أَعْلَم.

.كتاب الإمارة:

.باب النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ وَالْخِلاَفَةُ فِي قُرَيْشٍ:

3389- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاس تَبَع لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْن مُسْلِمهمْ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرهمْ لِكَافِرِهِمْ»، وَفِي رِوَايَة: «النَّاس تَبَع لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْر وَالشَّرّ»، وَفِي رِوَايَة: «لَا يَزَال هَذَا الْأَمْر فِي قُرَيْش مَا بَقِيَ مِنْ النَّاس اِثْنَانِ»، وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اِثْنَانِ»، هَذِهِ الْأَحَادِيث وَأَشْبَاههَا دَلِيل ظَاهِر أَنَّ الْخِلَافَة مُخْتَصَّة بِقُرَيْشٍ، لَا يَجُوز عَقْدهَا لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرهمْ، وَعَلَى هَذَا اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع فِي زَمَن الصَّحَابَة، فَكَذَلِكَ بَعْدهمْ، وَمَنْ خَالَفَ فيه مِنْ أَهْل الْبِدَع أَوْ عَرَّضَ بِخِلَافٍ مِنْ غَيْرهمْ فَهُوَ مَحْجُوج بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة.
قَالَ الْقَاضِي: اِشْتِرَاط كَوْنه قُرَشِيًّا هُوَ مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة، قَالَ: وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى الْأَنْصَار يَوْم السَّقِيفَة، فَلَمْ يُنْكِرهُ أَحَد، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ عَدَّهَا الْعُلَمَاء فِي مَسَائِل الْإِجْمَاع، وَلَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَد مِنْ السَّلَف فيها قَوْل وَلَا فِعْل يُخَالِف مَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدهمْ فِي جَمِيع الْأَعْصَار، قَالَ: وَلَا اِعْتِدَاد بِقَوْلِ النَّظَّام وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْخَوَارِج وَأَهْل الْبِدَع أَنَّهُ يَجُوز كَوْنه مِنْ غَيْر قُرَيْش، وَلَا بِسَخَافَةِ ضِرَار بْن عَمْرو فِي قَوْله: إِنَّ غَيْر الْقُرَيْشِيّ مِنْ النَّبَط وَغَيْرهمْ يُقَدَّم عَلَى الْقُرَشِيّ لِهَوَانِ خَلْعه إِنْ عَرَضَ مِنْهُ أَمْر، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ بَاطِل الْقَوْل وَزُخْرُفه مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَة إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ. وَاَللَّه أَعْلَم.
3390- سبق شرحه بالباب.
3391- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاس تَبَع لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْر وَالشَّرّ» فَمَعْنَاهُ: فِي الْإِسْلَام وَالْجَاهِلِيَّة، كَمَا هُوَ مُصَرَّح بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة رُؤَسَاء الْعَرَب، وَأَصْحَاب حَرَم اللَّه، وَأَهْل حَجّ بَيْت اللَّه، وَكَانَتْ الْعَرَب تَنْظُر إِسْلَامهمْ فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَفُتِحَتْ مَكَّة تَبِعَهُمْ النَّاس، وَجَاءَتْ وُفُود الْعَرَب مِنْ كُلّ جِهَة، وَدَخَلَ النَّاس فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا، وَكَذَلِكَ فِي الْإِسْلَام هُمْ أَصْحَاب الْخِلَافَة وَالنَّاس تَبَع لَهُمْ؛ وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْم مُسْتَمِرّ إِلَى آخِر الدُّنْيَا مَا بَقِيَ مِنْ النَّاس اِثْنَانِ، وَقَدْ ظَهَرَ مَا قَالَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ زَمَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْآنَ الْخِلَافَة فِي قُرَيْش مِنْ غَيْر مُزَاحَمَة لَهُمْ فيها، وَتَبَقَّى اِثْنَانِ كَمَا قَالَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: اِسْتَدَلَّ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى فَضِيلَة الشَّافِعِيّ، قَالَ: وَلَا دَلَالَة فيه لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُرَاد تَقْدِيم قُرَيْش فِي الْخِلَافَة فَقَطْ، قُلْت: هُوَ حُجَّة فِي مَزِيَّة قُرَيْش عَلَى غَيْرهمْ، وَالشَّافِعِيّ قُرَشِيّ.
3392- سبق شرحه بالباب.
3393- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فيهمْ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة كُلّهمْ مِنْ قُرَيْش»، وَفِي رِوَايَة: «لَا يَزَال أَمْر النَّاس مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمْ اِثْنَا عَشَرَ رَجُلًا كُلّهمْ مِنْ قُرَيْش»، وَفِي رِوَايَة: «لَا يَزَال الْإِسْلَام عَزِيزًا إِلَى اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَة كُلّهمْ مِنْ قُرَيْش» قَالَ الْقَاضِي: قَدْ تَوَجَّهَ هُنَا سُؤَالَانِ: أَحَدهمَا: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «الْخِلَافَة بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَة ثُمَّ تَكُون مُلْكًا» وَهَذَا مُخَالِف لِحَدِيثِ اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَة، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَة إِلَّا الْخُلَفَاء الرَّاشِدُونَ الْأَرْبَعَة، وَالْأَشْهُر الَّتِي بُويِعَ فيها الْحَسَن بْن عَلِيّ قَالَ: وَالْجَوَاب عَنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَاد فِي حَدِيث: «الْخِلَافَة ثَلَاثُونَ سَنَة» خِلَافَة النُّبُوَّة، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْض الرِّوَايَات: «خِلَافَة النُّبُوَّة بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَة ثُمَّ تَكُون مُلْكًا» وَلَمْ يُشْتَرَط هَذَا فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ.
السُّؤَال الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ وَلِيَ أَكْثَر مِنْ هَذَا الْعَدَد، قَالَ: وَهَذَا اِعْتِرَاض بَاطِل؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ: لَا يَلِي إِلَّا اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة، وَإِنَّمَا قَالَ: يَلِي، وَقَدْ وَلِيَ هَذَا الْعَدَد، وَلَا يَضُرّ كَوْنه وُجِدَ بَعْدهمْ غَيْرهمْ، هَذَا إِنْ جُعِلَ الْمُرَاد بِاللَّفْظِ (كُلّ وَالٍ) وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد مُسْتَحِقّ الْخِلَافَة الْعَادِلِينَ، وَقَدْ مَضَى مِنْهُمْ مَنْ عُلِمَ، ولابد مِنْ تَمَام هَذَا الْعَدَد قَبْل قِيَام السَّاعَة، قَالَ: وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي عَصْر وَاحِد يَتَّبِع كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ طَائِفَة، قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون هَذَا قَدْ وُجِدَ إِذَا تَتَبَّعْت التَّوَارِيخ، فَقَدْ كَانَ بِالْأَنْدَلُسِ وَحْدَهَا مِنْهُمْ فِي عَصْر وَاحِد بَعْد أَرْبَعمِائَةِ وَثَلَاثِينَ سَنَة ثَلَاثَة كُلّهمْ يَدَّعِيهَا، وَيُلَقَّب بِهَا، وَكَانَ حِينَئِذٍ فِي مِصْر آخَر، وَكَانَ خَلِيفَة الْجَمَاعَة الْعَبَّاسِيَّة بِبَغْدَاد سِوَى مَنْ كَانَ يَدَّعِي ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت فِي أَقْطَار الْأَرْض، قَالَ: وَيُبْعِد هَذَا التَّأْوِيل قَوْله فِي كِتَاب مُسْلِم بَعْد هَذَا: «سَتَكُونُ خُلَفَاء فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: فُوا بَيْعَة الْأَوَّل فَالْأَوَّل»، قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد مَنْ يَعِزّ الْإِسْلَام فِي زَمَنه وَيَجْتَمِع الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، كَمَا جَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ: «كُلّهمْ تَجْتَمِع عَلَيْهِ الْأُمَّة»، وَهَذَا قَدْ وُجِدَ قَبْل اِضْطِرَاب أَمْر بَنَى أُمَيَّة وَاخْتِلَافهمْ فِي زَمَن يَزِيد بْن الْوَلِيد، وَخَرَجَ عَلَيْهِ بَنُو الْعَبَّاس، وَيَحْتَمِل أَوْجُهًا أُخَر. وَاَللَّه أَعْلَم بِمُرَادِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3394- سبق شرحه بالباب.
3395- سبق شرحه بالباب.
3396- سبق شرحه بالباب.
3397- قَوْله: (فَقَالَ كَلِمَة صَمَّنِيهَا النَّاس) هُوَ بِفَتْحِ الصَّاد وَتَشْدِيد الْمِيم الْمَفْتُوحَة، أَيْ: أَصَمُّونِي عَنْهَا، فَلَمْ أَسْمَعهَا لِكَثْرَةِ الْكَلَام، وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ (صَمَّتَنِيهَا النَّاس) أَيْ: سَكَّتُونِي عَنْ السُّؤَال عَنْهَا.
3398- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُصَيْبَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْت الْأَبْيَض بَيْت كِسْرَى» هَذَا مِنْ الْمُعْجِزَات الظَّاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ فَتَحُوهُ- بِحَمْدِ اللَّه- فِي زَمَن عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَالْعُصَيْبَة تَصْغِير عُصْبَة، وَهِيَ الْجَمَاعَة، وَكِسْرَى بِكَسْرِ الْكَاف وَفَتْحهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَعْطَى اللَّه أَحَدكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ» هُوَ مِثْل حَدِيث: «اِبْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُول».
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا الْفَرَط عَلَى الْحَوْض» «الْفَرَط» بِفَتْحِ الرَّاء، وَمَعْنَاهُ: السَّابِق إِلَيْهِ وَالْمُنْتَظِر لِسَقْيِكُمْ مِنْهُ. وَالْفَرَط وَالْفَارِط، هُوَ: الَّذِي يَتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمَاء لِيُهَيِّئ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.
قَوْله: (عَنْ عَامِر بْن سَعْد أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى اِبْن سَمُرَة الْعَدَوِيِّ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (الْعَدَوِيُّ) قَالَ الْقَاضِي: هَذَا تَصْحِيف فَلَيْسَ هُوَ بِعَدَوِيٍّ، إِنَّمَا هُوَ عَامِرِيّ مِنْ بَنِي عَامِر بْن صَعْصَعَة فَيُصَحَّف بِالْعَدَوِيِّ. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب الاِسْتِخْلاَفِ وَتَرْكِهِ:

3399- قَوْله: (رَاغِب وَرَاهِب) أَيْ: رَاجِح وَخَائِف، وَمَعْنَاهُ النَّاس صِنْفَانِ: أَحَدهمَا: يَرْجُو، وَالثَّانِي: يَخَاف. أَيْ: رَاغِب فِي حُصُول شَيْء مِمَّا عِنْدِي، أَوْ رَاهِب مِنِّي، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنِّي رَاغِب فِيمَا عِنْد اللَّه تَعَالَى، وَرَاهِب مِنْ عَذَابه، فَلَا أُعَوِّل عَلَى مَا أَتَيْتُمْ بِهِ عَلَيَّ، وَقِيلَ: الْمُرَاد الْخِلَافَة، أَيْ النَّاس فيها ضَرْبَانِ: رَاغِب فيها فَلَا أُحِبّ تَقْدِيمه لِرَغْبَتِهِ، وَكَارِه لَهَا فَأَخْشَى عَجْزه عَنْهَا.
قَوْله: (إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اِسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْر مِنِّي... إِلَى آخِره) حَاصِله: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَة إِذَا حَضَرَتْهُ مُقَدِّمَات الْمَوْت، وَقَبْل ذَلِكَ يَجُوز لَهُ الِاسْتِخْلَاف، وَيَجُوز لَهُ تَرْكه، فَإِنْ تَرَكَهُ فَقَدْ اِقْتَدَى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ اِقْتَدَى بِأَبِي بَكْر، وَأَجْمَعُوا عَلَى اِنْعِقَاد الْخِلَافَة بِالِاسْتِخْلَافِ، وَعَلَى اِنْعِقَادهَا بِعَقْدِ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد لِإِنْسَانٍ إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِف الْخَلِيفَة، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز جَعْل الْخَلِيفَة الْأَمْر شُورَى بَيْن جَمَاعَة، كَمَا فَعَلَ عُمَر بِالسِّتَّةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْب خَلِيفَة وَوُجُوبه بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ، وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْأَصَمّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجِب، وَعَنْ غَيْره أَنَّهُ يَجِب بِالْعَقْلِ لَا بِالشَّرْعِ فَبَاطِلَانِ، أَمَّا الْأَصَمّ فَمَحْجُوج بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْله، وَلَا حُجَّة لَهُ فِي بَقَاء الصَّحَابَة بِلَا خَلِيفَة فِي مُدَّة التَّشَاوُر يَوْم السَّقِيفَة، وَأَيَّام الشُّورَى بَعْد وَفَاة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا تَارِكِينَ لِنَصْبِ الْخَلِيفَة، بَلْ كَانُوا سَاعِينَ فِي النَّظَر فِي أَمْر مَنْ يُعْقَد لَهُ، وَأَمَّا الْقَائِل الْآخَر فَفَسَاد قَوْله ظَاهِر؛ لِأَنَّ الْعَقْل لَا يُوجِب شَيْئًا وَلَا يُحَسِّنهُ وَلَا يُقَبِّحهُ، وَإِنَّمَا يَقَع ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَة لَا بِذَاتِهِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصّ عَلَى خَلِيفَة، وَهُوَ إِجْمَاع أَهْل السُّنَّة وَغَيْرهَا، قَالَ الْقَاضِي: وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَكْر اِبْن أُخْت عَبْد الْوَاحِد فَزَعَمَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَبِي بَكْر، وَقَالَ اِبْن رَاوَنْدِيّ: نَصَّ عَلَى الْعَبَّاس، وَقَالَتْ الشِّيعَة وَالرَّافِضَة: عَلَى عَلِيّ، وَهَذِهِ دَعَاوَى بَاطِلَة، وَجَسَارَة عَلَى الِافْتِرَاء وَوَقَاحَة فِي مُكَابَرَة الْحِسّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى اِخْتِيَار أَبِي بَكْر وَعَلَى تَنْفِيذ عَهْده إِلَى عُمَر، وَعَلَى تَنْفِيذ عَهْد عُمَر بِالشُّورَى، وَلَمْ يُخَالِف فِي شَيْء مِنْ هَذَا أَحَد، وَلَمْ يَدَّعِ عَلِيّ وَلَا الْعَبَّاس وَلَا أَبُو بَكْر وَصِيَّة فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات، وَقَدْ اِتَّفَقَ عَلِيّ وَالْعَبَّاس عَلَى جَمِيع هَذَا مِنْ غَيْر ضَرُورَة مَانِعَة مِنْ ذِكْر وَصِيَّة لَوْ كَانَتْ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَصِيَّة فَقَدْ نَسَبَ الْأُمَّة إِلَى اِجْتِمَاعهَا عَلَى الْخَطَأ، وَاسْتِمْرَارهَا عَلَيْهِ، وَكَيْف يَحِلّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْل الْقِبْلَة أَنْ يَنْسِب الصَّحَابَة إِلَى الْمُوَاطَأَة عَلَى الْبَاطِل فِي كُلّ هَذِهِ الْأَحْوَال؟!!، وَلَوْ كَانَ شَيْء لَنُقِلَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْأُمُور الْمُهِمَّة.
3400- قَوْله: (آلَيْت أَنْ أَقُولهَا) أَيْ حَلَفْت.

.باب النَّهْيِ عَنْ طَلَبِ الإِمَارَةِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهَا:

3401- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْأَل الْإِمَارَة فَإِنَّك إِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَة أُكِلْت عَلَيْهَا» هَكَذَا هُوَ فِي كَثِير مِنْ النُّسَخ أَوْ أَكْثَرهَا: (أُكِلْت) بِالْهَمْزِ، وَفِي بَعْضهَا (وُكِلْت) قَالَ الْقَاضِي: هُوَ فِي أَكْثَرهَا بِالْهَمْزِ قَالَ: وَالصَّوَاب بِالْوَاوِ، أَيْ أُسْلِمْت إِلَيْهَا، لَمْ يَكُنْ مَعَك إِعَانَة، بِخِلَافِ مَا إِذَا حَصَلَتْ بِغَيْرِ مَسْأَلَة.
3402- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا وَاَللَّه لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَل أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» يُقَال: حَرَصَ بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْرهَا، وَالْفَتْح أَفْصَح، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَر النَّاس وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِينَ} قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي أَنَّهُ لَا يُوَلَّى مَنْ سَأَلَ الْوِلَايَة أَنَّهُ يُوكَل إِلَيْهَا، وَلَا تَكُون مَعَهُ إِعَانَة كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة السَّابِق، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ إِعَانَة لَمْ يَكُنْ كُفْئًا وَلَا يُوَلَّى غَيْر الْكُفْء؛ وَلِأَنَّ فيه تُهْمَة لِلطَّالِبِ وَالْحَرِيص. وَاَللَّه أَعْلَم.
3403- قَوْله: «وَأَلْقَى لَهُ وِسَادَة» فيه إِكْرَام الضَّيْف بِهَذَا وَنَحْوه.
قَوْله فِي الْيَهُودِيّ الَّذِي أَسْلَمَ ثُمَّ اِرْتَدَّ فَقَالَ: «لَا أَجْلِس حَتَّى يُقْتَل فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ» فيه: وُجُوب قَتْل الْمُرْتَدّ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْله، لَكِنْ اِخْتَلَفُوا فِي اِسْتِتَابَته، هَلْ هِيَ وَاجِبَة أَمْ مُسْتَحَبَّة؟ وَفِي قَدْرهَا وَفِي قَبُول تَوْبَته، وَفِي أَنَّ الْمَرْأَة كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا.؟ فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْجَمَاهِير مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف: يُسْتَتَاب، وَنَقَلَ اِبْن الْقَصَّار الْمَالِكِيّ إِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَيْهِ، وَقَالَ طَاوُس وَالْحَسَن وَالْمَاجِشُون الْمَالِكِيّ وَأَبُو يُوسُف وَأَهْل الظَّاهِر: لَا يُسْتَتَاب، وَلَوْ تَابَ نَفَعَتْهُ تَوْبَته عِنْد اللَّه تَعَالَى، وَلَا يَسْقُط قَتْله لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينه فَاقْتُلُوهُ» وَقَالَ عَطَاء: إِنْ كَانَ وُلِدَ مُسْلِمًا لَمْ يُسْتَتَبْ، وَإِنْ كَانَ وُلِدَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ اِرْتَدَّ يُسْتَتَاب.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الِاسْتِتَابَة وَاجِبَة أَمْ مُسْتَحَبَّة؟ وَالْأَصَحّ عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه أَنَّهَا وَاجِبَة، وَأَنَّهَا فِي الْحَال، وَلَهُ قَوْل إِنَّهَا ثَلَاثَة أَيَّام، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَعَنْ عَلِيّ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَتَاب شَهْرًا، قَالَ الْجُمْهُور: وَالْمَرْأَة كَالرَّجُلِ فِي أَنَّهَا تُقْتَل إِذَا لَمْ تَتُبْ، وَلَا يَجُوز اِسْتِرْقَاقهَا، هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَالْجَمَاهِير، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَطَائِفَة: تُسْجَن الْمَرْأَة وَلَا تُقْتَل، وَعَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةَ أَنَّهَا تُسْتَرَقّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَفيه أَنَّهُ لِأُمَرَاء الْأَمْصَار إِقَامَة الْحُدُود فِي الْقَتْل وَغَيْره، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَالْعُلَمَاء كَافَّة، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا يُقِيمهُ إِلَّا فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَلَا يُقِيمهُ عَامِل السَّوَاد، قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَضَاء إِذَا كَانَتْ وَلَا يُتَّهَم مُطْلَقَة لَيْسَتْ مُخْتَصَّة بِنَوْعٍ مِنْ الْأَحْكَام، فَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء: تُقِيم الْقُضَاة الْحُدُود، وَيَنْظُرُونَ فِي جَمِيع الْأَشْيَاء إِلَّا مَا يَخْتَصّ بِضَبْطِ الْبَيْضَة مِنْ إِعْدَاد الْجُيُوش وَجِبَايَة الْخَرَاج، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا وِلَايَة فِي إِقَامَة الْحُدُود.
قَوْله: (أَمَّا أَنَا فَأَنَام وَأَقُوم وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي) مَعْنَاهُ: أَنِّي أَنَام بِنِيَّةِ الْقُوَّة وَإِجْمَاع النَّفْس لِلْعِبَادَةِ وَتَنْشِيطهَا لِلطَّاعَةِ، فَأَرْجُو فِي ذَلِكَ الْأَجْر كَمَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي، أَيْ: صَلَوَاتِي.