فصل: باب صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ بِالصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ التَّغْلِيسُ وَبَيَانِ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فيها:

1020- قَوْله: (إِنَّ نِسَاء الْمُؤْمِنَات) صُورَته صُورَة إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه، وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله وَتَقْدِيره، فَقِيلَ: تَقْدِيره: نِسَاء الْأَنْفُس الْمُؤْمِنَات، وَقِيلَ: نِسَاء الْجَمَاعَات الْمُؤْمِنَات وَقِيلَ: إِنَّ نِسَاء هُنَا بِمَعْنَى الْفَاضِلَات، أَيْ فَاضِلَات الْمُؤْمِنَات: كَمَا يُقَال: رِجَال الْقَوْم، أَيْ فُضَلَاؤُهُمْ وَمُقَدَّمُوهُمْ.
قَوْله: «مُتَلَفِّعَات» هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة بَعْد الْفَاء، أَيْ مُتَجَلِّلَات وَمُتَلَفِّفَات.
قَوْله: «بِمُرُوطِهِنَّ» أَيْ بِأَكْسِيَتِهِنَّ، وَاحِدُهَا مِرْطٌ بِكَسْرِ الْمِيم. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث اِسْتِحْبَاب التَّبْكِير بِالصُّبْحِ، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْجُمْهُور.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: الْإِسْفَار أَفْضَل. وَفيها: جَوَاز حُضُور النِّسَاء الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد وَهُوَ إِذَا لَمْ يُخْشَ فِتْنَة عَلَيْهِنَّ أَوْ بِهِنَّ.
1022- قَوْله: «مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَس» هُوَ بَقَايَا ظَلَام اللَّيْل.
قَالَ الدَّاوُدِيّ: مَعْنَاهُ مَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاء هُنَّ أَمْ رِجَال، وَقِيلَ: مَا يُعْرَف أَعْيَانهنَّ، وَهَذَا ضَعِيف؛ لِأَنَّ الْمُتَلَفِّعَة فِي النَّهَار أَيْضًا لَا يُعْرَف عَيْنهَا فَلَا يَبْقَى فِي الْكَلَام فَائِدَة.
1023- قَوْله: «وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْر بِالْهَاجِرَةِ» هِيَ شِدَّة الْحَرّ نِصْف النَّهَار عَقِب الزَّوَال، قِيلَ: سُمِّيَتْ (هَاجِرَة) مِنْ الْهَجْر وَهُوَ التَّرْك؛ لِأَنَّ النَّاس يَتْرُكُونَ التَّصَرُّف حِينَئِذٍ بِشِدَّةِ الْحَرّ، وَيَقِيلُونَ. وَفيه: اِسْتِحْبَاب الْمُبَادَرَة بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّل الْوَقْت.
قَوْله: «وَالشَّمْس نَقِيَّة» أَيْ صَافِيَة خَالِصَة لَمْ يَدْخُلهَا بَعْدُ صُفْرَةٌ.
قَوْله: «وَالْمَغْرِب إِذَا وَجَبَتْ» أَيْ غَابَتْ الشَّمْس، وَالْوُجُوب: السُّقُوط كَمَا سَبَقَ، وَحَذَفَ ذِكْر الشَّمْس لِلْعِلْمِ بِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}.
1024- قَوْله: «وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْح فَيَنْصَرِف الرَّجُل فَيَنْظُر إِلَى وَجْه جَلِيسه الَّذِي يَعْرِفهُ فَيَعْرِفُهُ»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَكَانَ يَنْصَرِف حِين يَعْرِف بَعْضنَا وَجْه بَعْض» مَعْنَاهُمَا وَاحِد، وَهُوَ أَنَّهُ يَنْصَرِف، أَيْ يُسَلِّم فِي أَوَّل مَا يُمْكِن أَنْ يَعْرِف بَعْضنَا وَجْه مَنْ يَعْرِفهُ، مَعَ أَنَّهُ يَقْرَأ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَة قِرَاءَة مُرَتَّلَة، وَهَذَا ظَاهِر فِي شِدَّة التَّبْكِير وَلَيْسَ فِي هَذَا مُخَالَفَة لِقَوْلِهِ فِي النِّسَاء: «مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَس»؛ لِأَنَّ هَذَا إِخْبَار عَنْ رُؤْيَة جَلِيسه، وَذَاكَ إِخْبَار عَنْ رُؤْيَة النِّسَاء مِنْ بُعْدٍ.
1025- قَوْله: (حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُعَاذ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ سَيَّار بْن سَلَامَة قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَرْزَة) هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه بَصْرِيُّونَ.
1026- قَوْله: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّر الْعِشَاء إِلَى ثُلُث اللَّيْل وَيَكْرَه النَّوْم قَبْلهَا وَالْحَدِيث بَعْدهَا».
قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب كَرَاهَة النَّوْم قَبْلهَا أَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِفَوَاتِ وَقْتهَا بِاسْتِغْرَاقِ النَّوْم، أَوْ لِفَوَاتِ وَقْتهَا الْمُخْتَار وَالْأَفْضَل، وَلِئَلَّا يَتَسَاهَل النَّاس فِي ذَلِكَ فَيَنَامُوا عَنْ صَلَاتهَا جَمَاعَة، وَسَبَب كَرَاهَة الْحَدِيث بَعْدهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى السَّهَر، وَيُخَاف مِنْهُ غَلَبَة النَّوْم عَنْ قِيَام اللَّيْل، أَوْ الذِّكْر فيه، أَوْ عَنْ صَلَاة الصُّبْح فِي وَقْتهَا الْجَائِز، أَوْ فِي وَقْتهَا الْمُخْتَار أَوْ الْأَفْضَل، وَلِأَنَّ السَّهَر فِي اللَّيْل سَبَب لِلْكَسَلِ فِي النَّهَار عَمَّا يَتَوَجَّه مِنْ حُقُوق الدِّين وَالطَّاعَات وَمَصَالِح الدُّنْيَا.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْمَكْرُوه مِنْ الْحَدِيث بَعْد الْعِشَاء هُوَ مَا كَانَ فِي الْأُمُور الَّتِي لَا مَصْلَحَة فيها. أَمَّا مَا فيه مَصْلَحَة وَخَيْر فَلَا كَرَاهَة فيه، وَذَلِكَ كَمُدَارَسَةِ الْعِلْم، وَحِكَايَات الصَّالِحِينَ، وَمُحَادَثَة الضَّيْف وَالْعَرُوس لِلتَّأْنِيسِ، وَمُحَادَثَة الرَّجُل أَهْله وَأَوْلَاده لِلْمُلَاطَفَةِ وَالْحَاجَة، وَمُحَادَثَة الْمُسَافِرِينَ بِحِفْظِ مَتَاعهمْ أَوْ أَنْفُسهمْ، وَالْحَدِيث فِي الْإِصْلَاح بَيْن النَّاس وَالشَّفَاعَة إِلَيْهِمْ فِي خَيْر، وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر، وَالْإِرْشَاد إِلَى مَصْلَحَة وَنَحْو ذَلِكَ، فَكُلُّ هَذَا لَا كَرَاهَة فيه، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث صَحِيحَة بِبَعْضِهِ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِير مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَبْوَاب وَالْبَاقِي مَشْهُور. ثُمَّ كَرَاهَة الْحَدِيث بَعْد الْعِشَاء الْمُرَاد بِهَا بَعْد صَلَاة الْعِشَاء لَا بَعْد دُخُول وَقْتهَا. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة الْحَدِيث بَعْدهَا إِلَّا مَا كَانَ فِي خَيْر كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَأَمَّا النَّوْم قَبْلهَا فَكَرِهَهُ عُمَر وَابْنه وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمْ مِنْ السَّلَف، وَمَالِك وَأَصْحَابنَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَرَخَّصَ فيه عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَالْكُوفِيُّونَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يُرَخَّصُ فيه بِشَرْطِ أَنْ يَكُون مَعَهُ مَنْ يُوقِظهُ، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر مِثْله. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب كَرَاهِيَةِ تَأْخِيرِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَمَا يَفْعَلُهُ الْمَأْمُومُ إِذَا أَخَّرَهَا الإِمَامُ:

1027- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْف أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا؟ قَالَ: قُلْت: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاة لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة»، وَفِي رِوَايَة: «صَلُّوا الصَّلَاة لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتكُمْ مَعَهُ نَافِلَة» مَعْنَى يُمِيتُونَ الصَّلَاة: يُؤَخِّرُونَهَا؛ فَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحه، وَالْمُرَاد بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتهَا، أَيْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار لَا عَنْ جَمِيع وَقْتهَا، فَإِنَّ الْمَنْقُول عَنْ الْأُمَرَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار، وَلَمْ يُؤَخِّرهَا أَحَد مِنْهُمْ عَنْ جَمِيع وَقْتهَا، فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الْأَخْبَار عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِع، وَفِي هَذَا الْحَدِيث: الْحَثّ عَلَى الصَّلَاة أَوَّل الْوَقْت. وَفيه: أَنَّ الْإِمَام إِذَا أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّل وَقْتهَا يُسْتَحَبّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيهَا فِي أَوَّل الْوَقْت مُنْفَرِدًا، ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَام فَيَجْمَع فَضِيلَتَيْ أَوَّل الْوَقْت وَالْجَمَاعَة، فَلَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَار عَلَى إِحْدَاهُمَا فَهَلْ الْأَفْضَل الِاقْتِصَار عَلَى فِعْلهَا مُنْفَرِدًا فِي أَوَّل الْوَقْت أَمْ الِاقْتِصَار عَلَى فِعْلهَا جَمَاعَة فِي آخِر الْوَقْت؟ فيه خِلَاف مَشْهُور لِأَصْحَابِنَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِح وَقَدْ وَضَّحْته فِي بَاب التَّيَمُّم مِنْ شَرْح الْمُهَذَّب، وَالْمُخْتَار اِسْتِحْبَاب الِانْتِظَار إِنْ لَمْ يَفْحُش التَّأْخِير. وَفيه: الْحَثّ عَلَى مُوَافَقَة الْأُمَرَاء فِي غَيْر مَعْصِيَة لِئَلَّا تَتَفَرَّق الْكَلِمَة وَتَقَع الْفِتْنَة، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَع وَأُطِيع وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّع الْأَطْرَاف» وَفيه: أَنَّ الصَّلَاة الَّتِي يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ تَكُون الْأُولَى فَرِيضَة وَالثَّانِيَة نَفْلًا، وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِي ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيح بِهِ فِي غَيْر هَذَا الْحَدِيث أَيْضًا، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة، وَفِي مَذْهَبنَا فيها أَرْبَعَة أَقْوَال: الصَّحِيح: أَنَّ الْفَرْض هِيَ الْأُولَى لِلْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْخِطَاب سَقَطَ بِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَرْض أَكْمَلَهُمَا. وَالثَّالِث كِلَاهُمَا فَرْض.
وَالرَّابِع: الْفَرْض إِحْدَاهُمَا عَلَى الْإِبْهَام يَحْتَسِب اللَّهُ تَعَالَى بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ لَا بَأْس بِإِعَادَةِ الصُّبْح وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب كَبَاقِي الصَّلَوَات؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الْأَمْر بِإِعَادَةِ الصَّلَاة، وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن صَلَاة وَصَلَاة، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَبنَا. وَلَنَا وَجْه أَنَّهُ لَا يُعِيد الصُّبْح وَالْعَصْر؛ لِأَنَّ الثَّانِيَة نَفْل وَلَا تَنَفُّل بَعْدهمَا، وَوَجْه أَنَّهُ لَا يُعِيد الْمَغْرِب لِئَلَّا تَصِير شَفْعًا وَهُوَ ضَعِيف.
1028- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاء يُمِيتُونَ الصَّلَاة» فيه: دَلِيل مِنْ دَلَائِل النُّبُوَّة وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فِي زَمَن بَنِي أُمَيَّة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَصَلِّ الصَّلَاة لِوَقْتِهَا فَإِنْ صَلَّيْت لِوَقْتِهَا كَانَتْ لَك نَافِلَة وَإِلَّا كُنْت قَدْ أَحْرَزْت صَلَاتك» مَعْنَاهُ: إِذَا عَلِمْت مِنْ حَالهمْ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار فَصَلِّهَا لِأَوَّلِ وَقْتهَا، ثُمَّ إِنْ صَلُّوهَا لِوَقْتِهَا الْمُخْتَار فَصَلِّهَا أَيْضًا مَعَهُمْ، وَتَكُون صَلَاتك مَعَهُمْ نَافِلَة، وَإِلَّا كُنْت قَدْ أَحْرَزْت صَلَاتك بِفِعْلِك فِي أَوَّل الْوَقْت، أَيْ حَصَّلْتهَا وَصُنْتهَا وَاحْتَطْت لَهَا.
1029- قَوْله: «أَوْصَانِي خَلِيلِي أَنْ أَسْمَع وَأُطِيع وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّع الْأَطْرَاف» أَيْ مُقَطَّع الْأَطْرَاف؛ وَالْجَدْع: بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة الْقَطْع، وَالْمُجَدَّع أَرْدَأ الْعَبِيد لِخِسَّتِهِ، وَقِلَّة قِيمَته وَمَنْفَعَته، وَنُفْرَة النَّاس مِنْهُ. وَفِي هَذَا: الْحَثُّ عَلَى طَاعَة وُلَاة الْأُمُور مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَة، فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَكُون الْعَبْد إِمَامًا، وَشَرْط الْإِمَام أَنْ يَكُون حُرًّا قُرَشِيًّا سَلِيم الْأَطْرَاف؟ فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوط وَغَيْرهَا إِنَّمَا تُشْتَرَط فِيمَنْ تُعْقَد لَهُ الْإِمَامَة بِاخْتِيَارِ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد، وَأَمَّا مَنْ قَهَرَ النَّاس لِشَوْكَتِهِ وَقُوَّة بَأْسه وَأَعْوَانه وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ وَانْتَصَبَ إِمَامًا، فَإِنَّ أَحْكَامه تَنْفُذ، وَتَجِب طَاعَته وَتَحْرُم مُخَالَفَته فِي غَيْر مَعْصِيَة عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا أَوْ فَاسِقًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُون مُسْلِمًا. الْجَوَاب الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث أَنَّهُ يَكُون إِمَامًا، بَلْ هُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ يُفَوِّض إِلَيْهِ الْإِمَام أَمْرًا مِنْ الْأُمُور أَوْ اِسْتِيفَاء حَقّ أَوْ نَحْو ذَلِكَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ أَدْرَكْت الْقَوْم وَقَدْ صَلَّوْا كُنْت قَدْ أَحْرَزْت صَلَاتك، وَإِلَّا كَانَتْ لَك نَافِلَة»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «صَلِّ الصَّلَاة لِوَقْتِهَا ثُمَّ اِذْهَبْ لِحَاجَتِك، فَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِد فَصَلِّ» مَعْنَاهُ: صَلِّ فِي أَوَّل الْوَقْت وَتَصَرَّفْ فِي شُغْلِك فَإِنْ صَادَفْتهمْ بَعْد ذَلِكَ وَقَدْ صَلَّوْا أَجْزَأَتْك صَلَاتُك، وَإِنْ أَدْرَكْت الصَّلَاة مَعَهُمْ فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَتَكُون هَذِهِ الثَّانِيَة لَك نَافِلَة.
1030- قَوْله: «وَضَرَبَ فَخِذِي» أَيْ لِلتَّنْبِيهِ وَجَمْع الذِّهْن عَلَى مَا يَقُولهُ لَهُ.
1031- قَوْله: (عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الْبَرَّاء) هُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاء وَبِالْمَدِّ كَانَ يَبْرِي النَّبْل وَاسْمُهُ: زِيَاد بْن فَيْرُوز الْبَصْرِيّ، وَقِيلَ: اِسْمه كُلْثُوم، تُوُفِّيَ يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي شَوَّال سَنَة تِسْعِينَ.
فِي رِوَايَة: «إِنَّ صَلَاة الْجَمَاعَة تَفْضُل صَلَاة الْمُنْفَرِد بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» وَفِي رِوَايَة: «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة» وَفِي رِوَايَة: «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة» وَالْجَمْع بَيْنهَا مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُه: أَحَدهَا: أَنَّهُ لَا مُنَافَاة بَيْنهَا فَذِكْر الْقَلِيل لَا يَنْفِي الْكَثِير، وَمَفْهُوم الْعَدَد بَاطِل عِنْد جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُون أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّه تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْل فَأَخْبَرَ بِهَا.
الثَّالِث: أَنَّهُ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ أَحْوَال الْمُصَلِّينَ وَالصَّلَاة، فَيَكُون لِبَعْضِهِمْ خَمْس وَعِشْرُونَ وَلِبَعْضِهِمْ سَبْع وَعِشْرُونَ، بِحَسَبِ كَمَالِ الصَّلَاة وَمُحَافَظَته عَلَى هَيْئَاتِهَا وَخُشُوعهَا، وَكَثْرَة جَمَاعَتهَا وَفَضْلهمْ، وَشَرَف الْبُقْعَة وَنَحْو ذَلِكَ، فَهَذِهِ هِيَ الْأَجْوِبَة الْمُعْتَمَدَة.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الدَّرَجَة غَيْر الْجُزْء، وَهَذَا غَفْلَة مِنْ قَائِله؛ فَإِنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة، فَاخْتَلَفَ الْقَدْر مَعَ اِتِّحَاد لَفْظ الدَّرَجَة. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَاحْتَجَّ أَصْحَابنَا وَالْجُمْهُور بِهَذِهِ الْأَحَادِيث عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَة لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاة، خِلَافًا لِدَاوُدَ، وَلَا فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَان خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاء، وَالْمُخْتَار أَنَّهَا فَرْض كِفَايَة، وَقِيلَ: سُنَّة، وَبَسَطْت دَلَائِل كُلّ هَذَا وَاضِحَة فِي شَرْح الْمُهَذَّب.

.باب فَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَبَيَانِ التَّشْدِيدِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا:

1035- قَوْله: «تَفْضُل صَلَاة فِي الْجَمِيع عَلَى صَلَاة الرَّجُل وَحْده بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة» وَفِي رِوَايَة: «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول، وَرَوَاهُ بَعْضهمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة وَخَمْسَة وَعِشْرِينَ جُزْءًا. هَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى اللُّغَة. وَالْأَوَّل مُؤَوَّل عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِالدَّرَجَةِ الْجُزْء وَبِالْجُزْءِ الدَّرَجَة.
1037- قَوْله: (عَطَاء بْن أَبِي الْخُوَار) هُوَ بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْوَاو.
وَقَوْله: (خَتَن زَيْد بْن زَبَّان) هُوَ بِفَتْحِ الزَّاي وَتَشْدِيد الْبَاء الْمُوَحَّدَة، وَالْخَتَن زَوْج بِنْت الرَّجُل أَوْ أُخْته وَنَحْوهَا.
1040- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُر رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَال يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ بِحُزَمِ الْحَطَب بُيُوتَهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدهمْ أَنَّهُ يَجِد عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا» هَذَا مِمَّا اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: الْجَمَاعَة فَرْض عَيْن، وَهُوَ مَذْهَب عَطَاء وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر وَابْن خُزَيْمَةَ وَدَاوُد.
وَقَالَ الْجُمْهُور: لَيْسَتْ فَرْض عَيْن، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ سُنَّة أَمْ فَرْض كِفَايَة كَمَا قَدَّمْنَاهُ؟ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفِينَ كَانُوا مُنَافِقِينَ، وَسِيَاق الْحَدِيث يَقْتَضِيه، فَإِنَّهُ لَا يُظَنّ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ الْعَظْم السَّمِين عَلَى حُضُور الْجَمَاعَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مَسْجِده، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُحَرِّق بَلْ هَمَّ بِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْض عَيْن لَمَا تَرَكَهُ.
قَالَ بَعْضهمْ: فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَة كَانَتْ فِي أَوَّل الْأَمْر بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيق الْبُيُوت عُقُوبَة مَالِيَّة.
وَقَالَ غَيْره: أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى مَنْع الْعُقُوبَة بِالتَّحْرِيقِ فِي غَيْر الْمُتَخَلِّف عَنْ الصَّلَاة وَالْغَالّ مِنْ الْغَنِيمَة، وَاخْتَلَفَ السَّلَف فيهمَا، وَالْجُمْهُور عَلَى مَنْع تَحْرِيق مَتَاعهمَا. وَمَعْنَى: أُخَالِف إِلَى رِجَال، أَيْ أَذْهَب إِلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاة الَّتِي هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ لِلتَّخَلُّفِ عَنْهَا هِيَ الْعِشَاء، وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا الْجُمُعَة، وَفِي رِوَايَة يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاة مُطْلَقًا، وَكُلُّهُ صَحِيحٌ، وَلَا مُنَافَاة بَيْن ذَلِكَ.
1041- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» الْحَبْو: حَبْو الصَّبِيّ الصَّغِير عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، مَعْنَاهُ: لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فيهمَا مِنْ الْفَضْل وَالْخَيْر ثُمَّ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الْإِتْيَان إِلَيْهِمَا إِلَّا حَبْوًا لَحَبَوْا إِلَيْهِمَا، وَلَمْ يُفَوِّتُوا جَمَاعَتهمَا فِي الْمَسْجِد، فَفيه: الْحَثّ الْبَلِيغ عَلَى حُضُورهمَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمُر بِالصَّلَاةِ فَتُقَام ثُمَّ آمُر رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ» فيه: أَنَّ الْإِمَام إِذَا عَرَضَ لَهُ شُغْل يَسْتَخْلِف مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَإِنَّمَا هَمَّ بِإِتْيَانِهِمْ بَعْد إِقَامَة الصَّلَاة؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْوَقْت يَتَحَقَّق مُخَالَفَتهمْ وَتَخَلُّفهمْ، فَيَتَوَجَّهُ اللَّوْم عَلَيْهِمْ، وَفيه جَوَاز الِانْصِرَاف بَعْد إِقَامَة الصَّلَاة لِعُذْرٍ.
1042- قَوْله: (جَعْفَر بْن بُرْقَان) هُوَ بِضَمِّ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَإِسْكَان الرَّاء.

.باب يَجِبُ إِتْيَانُ الْمَسْجِدِ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ:

1044- قَوْله: «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِد يَقُودنِي إِلَى الْمَسْجِد، فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّص لَهُ فَيُصَلِّي فِي بَيْته فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَع النِّدَاء بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ» هَذَا الْأَعْمَى هُوَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم، جَاءَ مُفَسَّرًا فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره، وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَنْ قَالَ: الْجَمَاعَة فَرْض عَيْن. وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْهُ بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَة أَنْ يُصَلِّي فِي بَيْته وَتَحْصُل لَهُ فَضِيلَة الْجَمَاعَة بِسَبَبِ عُذْره؟ فَقِيلَ: لَا. وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّ حُضُور الْجَمَاعَة يَسْقُط بِالْعُذْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَلِيله مِنْ السُّنَّة حَدِيث عِتْبَانَ بْن مَالِك الْمَذْكُور بَعْد هَذَا.
وَأَمَّا تَرْخِيص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَدُّهُ، وَقَوْله: فَأَجِبْ، فَيَحْتَمِل أَنَّهُ بِوَحْيٍ نَزَلَ فِي الْحَال، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ تَغَيَّرَ اِجْتِهَاده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَقَوْل الْأَكْثَرِينَ إِنَّهُ يَجُوز لَهُ الِاجْتِهَاد، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ أَوَّلًا وَأَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْك الْحُضُور إِمَّا لِعُذْرٍ وَإِمَّا لِأَنَّ فَرْض الْكِفَايَة حَاصِل بِحُضُورِ غَيْره، وَإِمَّا الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ نَدَبَهُ إِلَى الْأَفْضَل فَقَالَ: الْأَفْضَل لَك وَالْأَعْظَم لِأَجْرِك أَنْ تُجِيب وَتَحْضُر فَأَجِبْ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «رَأَيْتنَا وَمَا يَتَخَلَّف عَنْ الصَّلَاة إِلَّا مُنَافِق قَدْ عُلِمَ نِفَاقه أَوْ مَرِيض» هَذَا دَلِيل ظَاهِر لِصِحَّةِ مَا سَبَقَ تَأْوِيله فِي الَّذِينَ هَمَّ بِتَحْرِيقِ بُيُوتهمْ أَنَّهُمْ كَانُوا مُنَافِقِينَ.

.باب صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى:

1045- قَوْله: «عَلَّمَنَا سُنَن الْهُدَى» رَوَى بِضَمِّ السِّين وَفَتْحهَا وَهُمَا بِمَعْنًى مُتَقَارِب، أَيْ طَرَائِق الْهُدَى وَالصَّوَاب.
1046- قَوْله: «وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُل يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْن الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَام فِي الصَّفّ» مَعْنَى يُهَادَى أَيْ يُمْسِكهُ رَجُلَانِ مِنْ جَانِبَيْهِ بِعَضُدَيْهِ يَعْتَمِد عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مُرَاده بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: إِنْ كَانَ الْمَرِيض لَيَمْشِي بَيْن رَجُلَيْنِ. وَفِي هَذَا كُلّه تَأْكِيد أَمْر الْجَمَاعَة، وَتَحَمُّل الْمَشَقَّة فِي حُضُورهَا، وَأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْمَرِيض وَنَحْوه التَّوَصُّل إِلَيْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ حُضُورهَا.

.باب النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ:

1048- وَقَوْله فِي الَّذِي خَرَجَ فِي الْمَسْجِد بَعْد الْأَذَان: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فيه: كَرَاهَة الْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد بَعْد الْأَذَان حَتَّى يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة إِلَّا لِعُذْرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب فَضْلِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ:

1050- قَوْله: (عَنْ جُنْدُب بْن عَبْد اللَّه)، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (جُنْدُب بْن سُفْيَان)، وَهُوَ جُنْدُب بْن عَبْد اللَّه بْن سُفْيَان يُنْسَب تَارَة إِلَى أَبِيهِ وَتَارَة إِلَى جَدِّهِ.
1051- قَوْله: (سَمِعْت جُنْدُبًا الْقَسْرِيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان السِّين الْمُهْمَلَة، وَقَدْ تَوَقَّفَ بَعْضهمْ فِي صِحَّة قَوْلهمْ الْقَسْرِيّ، لِأَنَّ جُنْدُبًا لَيْسَ مِنْ بَنِي قَسْر، إِنَّمَا هُوَ بَجَلِيٍّ عَلَقِيّ، وَعَلَقَة: بَطْن مِنْ بَجِيلَة، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَهْل التَّوَارِيخ وَالْأَنْسَاب وَالْأَسْمَاء. وَقَسْر هُوَ أَخُو عَلَقَة.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: لَعَلَّ لِجُنْدُبٍ حِلْفًا فِي بَنِي قَسْر أَوْ سَكَنًا أَوْ جِوَارًا فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ لِذَلِكَ، أَوْ لَعَلَّ بَنِي عَلَقَة يُنْسَبُونَ إِلَى عَمّهمْ قَسْر كَغَيْرِ وَاحِدَة مِنْ الْقَبَائِل يُنْسَبُونَ بِنِسْبَةِ بَنِي عَمّهمْ لِكَثْرَتِهِمْ أَوْ شُهْرَتهمْ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذِمَّة اللَّه» قِيلَ: الذِّمَّة هُنَا الضَّمَان. وَقِيلَ: الْأَمَان.

.باب الرُّخْصَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِعُذْرٍ:

1052- (عِتْبَانُ بْن مَالِك) بِكَسْرِ الْعَيْن عَلَى الْمَشْهُور وَحُكِيَ ضَمّهَا. قَوْله فِي حَدِيث عِتْبَانَ: «فَلَمْ يَجْلِس حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّي مِنْ بَيْتك؟ فَأَشَرْت إِلَى نَاحِيَة مِنْ الْبَيْت» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ صَحِيح مُسْلِم، فَلَمْ يَجْلِس حَتَّى دَخَلَ، وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ صَوَابه: حِين، قَالَ الْقَاضِي هَذَا غَلَط، بَلْ الصَّوَاب: حَتَّى، كَمَا ثَبَتَتْ الرِّوَايَات، وَمَعْنَاهُ: لَمْ يَجْلِس فِي الدَّار وَلَا فِي غَيْرهَا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت مُبَادِرًا إِلَى قَضَاء حَاجَتِي الَّتِي طَلَبْتهَا وَجَاءَ بِسَبَبِهَا وَهِيَ الصَّلَاة فِي بَيْتِي، وَهَذَا الَّذِي قَالَ الْقَاضِي وَاضِحٌ مُتَعَيِّنٌ، وَوَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ الْبُخَارِيّ (حِين)، وَفِي بَعْضهَا (حَتَّى) وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
قَوْله: (وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِير) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَبِالزَّايِ وَآخِره رَاء وَيُقَال: خَزِيرَة بِالْهَاءِ، قَالَ اِبْن قُتَيْبَة: الْخَزِيرَة: لَحْم يُقَطَّع صِغَارًا ثُمَّ يُصَبّ عَلَيْهِ مَاء كَثِير، فَإِذَا نَضِجَ ذُرَّ عَلَيْهِ دَقِيق، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيها لَحْم فَهِيَ عَصِيدَة. وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ قَالَ: قَالَ النَّضْر: الْخَزِيرَة مِنْ النُّخَالَة، وَالْحَرِيرَة بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالرَّاء الْمُكَرَّرَة مِنْ اللَّبَن، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِذَا كَانَتْ مِنْ نُخَالَة فَهِيَ خَزِيرَة، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ دَقِيق فَهِيَ حَرِيرَة، وَالْمُرَاد نُخَالَة فيها غَلِيظ الدَّقِيق.
قَوْله: «فَثَابَ رِجَالًا مِنْ أَهْل الدَّار» هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة وَآخِره بَاء مُوَحَّدَة أَيْ اِجْتَمَعُوا، وَالْمُرَاد بِالدَّارِ هُنَا الْمَحَلَّة.
قَوْله: (مَالِك بْن الدُّخْشُن) هَذَا تَقَدَّمَ ضَبْطه وَشَرْح حَدِيثه فِي كِتَاب الْإِيمَان.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ» أَيْ لَا تَقُلْ فِي حَقّه ذَلِكَ.
وَقَدْ جَاءَتْ اللَّام بِمَعْنَى (فِي) فِي مَوَاضِع كَثِيرَة نَحْو هَذَا، وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي كِتَاب الْإِيمَان مِنْ هَذَا الشَّرْح.
قَوْله: «وَهُوَ مِنْ سَرَاتهمْ» هُوَ بِفَتْحِ السِّين أَيْ سَادَاتهمْ.
قَوْله: «نَرَى أَنَّ الْأَمْر اِنْتَهَى إِلَيْنَا» ضَبَطْنَاهُ (نَرَى) بِفَتْحِ النُّون وَضَمّهَا. وَفِي حَدِيث عِتْبَانَ هَذَا فَوَائِد كَثِيرَة تَقَدَّمَتْ فِي كِتَاب الْإِيمَان، مِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ قَالَ: سَأَفْعَلُ كَذَا أَنْ يَقُول: إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِلْآيَةِ وَالْحَدِيث وَمِنْهَا: التَّبَرُّك بِالصَّالِحِينَ وَآثَارهمْ، وَالصَّلَاة فِي الْمَوَاضِع الَّتِي صَلَّوْا بِهَا، وَطَلَب التَّبْرِيك مِنْهُمْ. وَمِنْهَا: أَنَّ فيه زِيَارَة الْفَاضِل الْمَفْضُول وَحُضُور ضِيَافَته، وَفيه: سُقُوط الْجَمَاعَة لِلْعُذْرِ، وَفيه: اِسْتِصْحَاب الْإِمَام وَالْعَالِم وَنَحْوهمَا بَعْض أَصْحَابه. وَفيه الِاسْتِئْذَان عَلَى الرَّجُل فِي مَنْزِله وَإِنْ كَانَ صَاحِبه، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ اِسْتِدْعَاء وَفيه الِابْتِدَاء فِي الْأُمُور بِأَهَمِّهَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَجْلِس حَتَّى صَلَّى. وَفيه: جَوَاز صَلَاة النَّفْل جَمَاعَة. وَفيه: أَنَّ الْأَفْضَل فِي صَلَاة النَّهَار أَنْ تَكُون مَثْنَى كَصَلَاةِ اللَّيْل، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور. وَفيه: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِأَهْلِ الْمَحَلَّة وَجِيرَانهمْ إِذَا وَرَدَ رَجُل صَالِح إِلَى مَنْزِل بَعْضهمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا إِلَيْهِ، وَيَحْضُرُوا مَجْلِسه لِزِيَارَتِهِ وَإِكْرَامه وَالِاسْتِفَادَة مِنْهُ. وَفيه: أَنَّهُ لَا بَأْس بِمُلَازَمَةِ الصَّلَاة فِي مَوْضِع مُعَيَّن مِنْ الْبَيْت. وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث النَّهْي عَنْ إِيطَان مَوْضِع مِنْ الْمَسْجِد لِلْخَوْفِ مِنْ الرِّيَاء وَنَحْوه. وَفيه: الذَّبّ عَمَّنْ ذُكِرَ بِسُوءٍ وَهُوَ بَرِيء مِنْهُ. وَفيه: أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّار مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيد، وَفيه غَيْر ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «جَشِيشَة» قَالَ شَمِر: هِيَ أَنْ تُطْحَن الْحِنْطَة طَحْنًا جَلِيلًا ثُمَّ يُلْقَى فيها لَحْم أَوْ تَمْر فَتُطْبَخ بِهِ.
قَوْله: «إِنِّي لَأَعْقِلُ مَجَّة مَجَّهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيح مُسْلِم، وَزَادَ: «فِي» فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «مَجَّهَا فِي وَجْهِي».
قَالَ الْعُلَمَاء: الْمَجّ طَرْح الْمَاء مِنْ الْفَم بِالتَّزْرِيقِ، وَفِي هَذَا مُلَاطَفَة الصِّبْيَان وَتَأْنِيسهمْ وَإِكْرَام آبَائِهِمْ بِذَلِكَ، وَجَوَاز الْمِزَاح.
قَالَ بَعْضهمْ: وَلَعَلَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَحْفَظَهُ مَحْمُودٌ، فَيَنْقُلهُ كَمَا وَقَعَ فَتَحْصُل لَهُ فَضِيلَة نَقْل هَذَا الْحَدِيث وَصِحَّة صُحْبَته، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمَيِّزًا وَكَانَ عُمْره حِينَئِذٍ خَمْس سِنِينَ، وَقِيلَ: أَرْبَعًا. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب جَوَازِ الْجَمَاعَةِ فِي النَّافِلَةِ وَالصَّلاَةِ عَلَى حَصِيرٍ وَخُمْرَةٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الطَّاهِرَاتِ:

1053- قَوْله: (أَنَّ جَدَّته مُلَيْكَة) الصَّحِيح أَنَّهَا جَدَّة إِسْحَاق فَتَكُون أُمّ أَنَس؛ لِأَنَّ إِسْحَاق اِبْن أَخِي أَنَس لِأُمِّهِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا جَدَّة أَنَس، وَهِيَ مُلَيْكَة بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح اللَّام، هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُور مِنْ الطَّوَائِف. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ الْأَصِيلِيّ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر اللَّام، وَهَذَا غَرِيب ضَعِيف مَرْدُود. وَفِي هَذَا الْحَدِيث إِجَابَة الدَّعْوَة، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلِيمَة عُرْس، وَلَا خِلَاف فِي أَنَّ إِجَابَتهَا مَشْرُوعَة، لَكِنْ هَلْ إِحَابَتهَا وَاجِبَة أَمْ فَرْض كِفَايَة أَمْ سُنَّة؟ فيه خِلَاف مَشْهُور لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرهمْ، وَظَاهِر الْأَحَادِيث الْإِيجَاب، وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا فَأُصَلِّي لَكُمْ» فيه: جَوَاز النَّافِلَة جَمَاعَة، وَتَبْرِيك الرَّجُل الصَّالِح وَالْعَالِم أَهْل الْمَنْزِل بِصَلَاتِهِ فِي مَنْزِلهمْ. فَقَالَ بَعْضهمْ: وَلَعَلَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ تَعْلِيمهمْ أَفْعَال الصَّلَاة مُشَاهَدَة مَعَ تَبْرِيكهمْ، فَإِنَّ الْمَرْأَة قَلَّمَا تُشَاهِد أَفْعَاله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد، فَأَرَادَ أَنْ تُشَاهِدهَا وَتَتَعَلَّمهَا وَتُعَلِّمهَا غَيْرهَا.
قَوْله: «فَقُمْت إِلَى حَصِير لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُول مَا لُبِسَ فَنَضَحْته بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيم وَرَاءَهُ وَالْعَجُوز مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اِنْصَرَفَ» فيه: جَوَاز الصَّلَاة عَلَى الْحَصِير وَسَائِر مَا تُنْبِتهُ الْأَرْض، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز مِنْ خِلَاف هَذَا مَحْمُول عَلَى اِسْتِحْبَاب التَّوَاضُع بِمُبَاشَرَةِ نَفْس الْأَرْض. وَفيه: أَنَّ الْأَصْل فِي الثِّيَاب وَالْبُسُط وَالْحُصْر وَنَحْوهَا الطَّهَارَة، وَأَنَّ حُكْم الطَّهَارَة مُسْتَمِرّ حَتَّى تَتَحَقَّق نَجَاسَته. وَفيه: جَوَاز النَّافِلَة جَمَاعَة وَفيه: أَنَّ الْأَفْضَل فِي نَوَافِل النَّهَار أَنْ تَكُون رَكْعَتَيْنِ كَنَوَافِل اللَّيْل، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه فِي الْبَاب قَبْله. وَفيه: صِحَّة صَلَاة الصَّبِيّ الْمُمَيِّز لِقَوْلِهِ: صَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيم وَرَاءَهُ. وَفيه: أَنَّ لِلصَّبِيِّ مَوْقِفًا مِنْ الصَّفّ وَهُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَبنَا، وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء. وَفيه: أَنَّ الِاثْنَيْنِ يَكُونَانِ صَفًّا وَرَاء الْإِمَام، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا اِبْن مَسْعُود وَصَاحِبَيْهِ فَقَالُوا: يَكُونَانِ هُمَا وَالْإِمَام صَفًّا وَاحِدًا فَيَقِف بَيْنهمَا. وَفيه: أَنَّ الْمَرْأَة تَقِف خَلْف الرِّجَال، وَأَنَّهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا اِمْرَأَة أُخْرَى تَقِف وَحْدهَا مُتَأَخِّرَة. وَاحْتَجَّ بِهِ أَصْحَاب مَالِك فِي الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة بِالْخِلَافِ وَهِيَ: إِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَس ثَوْبًا فَافْتَرَشَهُ فَعِنْدهمْ يَحْنَث، وَعِنْدنَا لَا يَحْنَث، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: مِنْ طُول مَا لُبِسَ، وَأَجَابَ أَصْحَابنَا بِأَنَّ لُبْس كُلّ شَيْء بِحَسَبِهِ، فَحَمَلْنَا اللُّبْس فِي الْحَدِيث عَلَى الِافْتِرَاش لِلْقَرِينَةِ، وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُوم مِنْهُ، بِخِلَافِ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَس ثَوْبًا، فَإِنَّ أَهْل الْعُرْف لَا يَفْهَمُونَ مِنْ لُبْسه الِافْتِرَاش، وَأَمَّا قَوْله: «حَصِير قَدْ اِسْوَدَّ» فَقَالُوا: اِسْوِدَاده لِطُولِ زَمَنه وَكَثْرَة اِسْتِعْمَاله، وَإِنَّمَا نَضَحَهُ لِيَلِينَ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ جَرِيد النَّخْل- كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى- وَيَذْهَب عَنْهُ الْغُبَار وَنَحْوه هَكَذَا فَسَّرَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل الْمَالِكِيّ وَآخَرُونَ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: الْأَظْهَر أَنَّهُ كَانَ لِلشَّكِّ فِي نَجَاسَته، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبه فِي أَنَّ النَّجَاسَة الْمَشْكُوك فيها تَطْهُرُ بِنَضْحِهَا مِنْ غَيْر غَسْل، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور: أَنَّ الطَّهَارَة لَا تَحْصُل إِلَّا بِالْغَسْلِ، فَالْمُخْتَار التَّأْوِيل الْأَوَّل. وَقَوْله: أَنَا وَالْيَتِيم. هَذَا الْيَتِيم اِسْمه: ضُمَيْر بْن سَعْد الْحِمْيَرِيّ، وَالْعَجُوز هِيَ: أُمّ أَنَس، أُمّ سُلَيْمٍ.
1055- قَوْله فِي الْحَدِيث: «ثُمَّ دَعَا لَنَا أَهْل الْبَيْت بِكُلِّ خَيْر إِلَى آخِره» فيه: مَا أَكْرَم اللَّه تَعَالَى بِهِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اِسْتِجَابَة دُعَائِهِ لِأَنَسٍ فِي تَكْثِير مَاله وَوَلَده. وَفيه: طَلَب الدُّعَاء مِنْ أَهْل الْخَيْر، وَجَوَاز الدُّعَاء بِكَثْرَةِ الْمَال وَالْوَلَد مَعَ الْبَرَكَة فيهمَا.
قَوْله: (وَأُمّ حَرَام) هِيَ بِالرَّاءِ.
قَوْله: «فِي غَيْر وَقْت صَلَاة» يَعْنِي فِي غَيْر وَقْت فَرِيضَة.
1056- قَوْله: «فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينه» هَذِهِ قَضِيَّة أُخْرَى فِي يَوْمٍ آخَر.
1057- قَوْله: «وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَة» هَذَا الْحَدِيث تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِر كِتَاب الطَّهَارَة.

.باب فَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَانْتِظَارِ الصَّلاَةِ:

1059- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاة الرَّجُل فِي جَمَاعَة تَزِيد عَلَى صَلَاته فِي بَيْته، وَصَلَاته فِي سُوقه بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة» الْمُرَاد صَلَاته فِي بَيْته وَسُوقه مُنْفَرِدًا هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَقِيلَ فيه غَيْر هَذَا، وَهُوَ قَوْل بَاطِل نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ. وَالْبِضْع- بِكَسْرِ الْبَاء وَفَتْحهَا- وَهُوَ مِنْ الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة هَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَفيه: كَلَام طَوِيل سَبَقَ بَيَانه فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَالْمُرَاد بِهِ هُنَا خَمْس وَعِشْرُونَ وَسَبْع وَعِشْرُونَ دَرَجَة، كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَات السَّابِقَات.
قَوْله: «لَا تَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاة» هُوَ بِفَتْحِ أَوَّله وَفَتْح الْهَاء وَبِالزَّايِ أَيْ لَا تُنْهِضُهُ وَتُقِيمهُ، وَهُوَ بِمَعْنًى قَوْله بَعْده: «لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة».
قَوْله: (حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة ثُمَّ الْمُثَلَّثَة الْمَفْتُوحَة.
قَوْله: (مُحَمَّد بْن بَكَّار بْن الرَّيَّان) هُوَ بِالرَّاءِ وَالْمُثَنَّاة تَحْت الْمُشَدَّدَة.
1061- قَوْله: «يَضْرِط» هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ.

.باب فَضْلِ كَثْرَةِ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ:

1065- قَوْله: «إِنِّي أُرِيدَ أَنْ يُكْتَب لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِد وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْت إِلَى أَهْلِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ جَمَعَ اللَّه لَك ذَلِكَ كُلّه» فيه: إِثْبَات الثَّوَاب فِي الْخُطَا فِي الرُّجُوع مِنْ الصَّلَاة كَمَا يَثْبُت فِي الذَّهَابِ.
1066- قَوْله: (مَا أُحِبّ أَنَّ بَيْتِي مُطَنَّب بِبَيْتِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَا أُحِبّ أَنَّهُ مَشْدُود بِالْأَطْنَابِ وَهِيَ الْحِبَال إِلَى بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ أُحِبّ أَنْ يَكُون بَعِيدًا مِنْهُ لِتَكْثِيرِ ثَوَابِي وَخُطَايَ إِلَيْهِ.
قَوْله: (مُطَنَّب) بِفَتْحِ النُّون.
قَوْله: «فَحَمَلْت بِهِ حِمْلًا حَتَّى أَتَيْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» هُوَ بِكَسْرِ الْحَاء قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَظُمَ عَلَيَّ وَثَقُلَ وَاسْتَعْظَمْته لِبَشَاعَةِ لَفْظه، وَهَمَّنِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الْحَمْل عَلَى الظَّهْر.
قَوْله: «يَرْجُو فِي أَثَره الْأَجْر» أَيْ فِي مَمْشَاهُ.
1068- قَوْله: «بَنِي سَلِمَة دِيَارَكُمْ تُكْتَبُ آثَارَكُمْ» مَعْنَاهُ: اِلْزَمُوا دِيَاركُمْ فَإِنَّكُمْ إِذَا لَزِمْتُمُوهَا كُتِبَتْ آثَاركُمْ وَخُطَاكُمْ الْكَثِيرَة إِلَى الْمَسْجِد. وَبَنُو سَلِمَة- بِكَسْرِ اللَّام- قَبِيلَة مَعْرُوفَة مِنْ الْأَنْصَار رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.