فصل: باب فَضْلِ الْمَاهِرِ بِالْقُرْآنِ وَالَّذِي يَتَتَعْتَعُ فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب نُزُولِ السَّكِينَةِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:

1325- قَوْله: «وَعِنْده فَرَس مَرْبُوط بِشَطَنَيْنِ» هُوَ بِفَتْحِ الشِّين الْمُعْجَمَة وَالطَّاء وَهُمَا تَثْنِيَة (شَطَن) وَهُوَ الْحَبْل الطَّوِيل الْمُضْطَرِب.
قَوْله: «وَجَعَلَ فَرَسه يَنْفِر». وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «فَجَعَلَتْ تَنْفِر». وَفِي الثَّالِثَة (غَيْر أَنَّهُمَا قَالَا يَنْقُز). أَمَّا الْأُولَيَانِ فَبِالْفَاءِ وَالرَّاء بِلَا خِلَاف.
وَأَمَّا الثَّالِثَة فَبِالْقَافِ الْمَضْمُومَة وَبِالزَّايِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَوَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ بِلَادنَا فِي الثَّالِثَة (يَنْفِز) بِالْفَاءِ وَالزَّاي، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ بَعْضهمْ وَغَلَّطَهُ وَمَعْنَى يَنْفِز بِالْقَافِ وَالزَّاي يَثِب.
قَوْله: «فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَة فَجَعَلَتْ تَدُور وَتَدْنُو فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ السَّكِينَة نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ» وَفِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة: «تِلْكَ الْمَلَائِكَة كَانَتْ تَسْتَمِع لَك وَلَوْ قَرَأْت لَأَصْبَحْت يَرَاهَا النَّاس مَا تَسْتَتِر مِنْهُمْ». قَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى (السَّكِينَة) هُنَا أَشْيَاء الْمُخْتَار مِنْهَا: أَنَّهَا شَيْء مِنْ مَخْلُوقَات اللَّه تَعَالَى فيها طُمَأْنِينَة وَرَحْمَة وَمَعَهُ الْمَلَائِكَة. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز رُؤْيَة آحَاد الْأُمَّة الْمَلَائِكَة. وَفيه فَضِيلَة الْقِرَاءَة وَأَنَّهَا سَبَب نُزُول الرَّحْمَة وَحُضُور الْمَلَائِكَة. وَفيه فَضِيلَة اِسْتِمَاع الْقُرْآن.
1326- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِقْرَأْ فُلَان» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «اِقْرَأْ ثَلَاث مَرَّات» وَمَعْنَاهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَمِرّ عَلَى الْقُرْآن، وَتَغْتَنِم مَا حَصَلَ لَك مِنْ نُزُول السَّكِينَة وَالْمَلَائِكَة، وَتَسْتَكْثِر مِنْ الْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ سَبَب بَقَائِهَا.
1327- قَوْله: (أَنَّ عَبْد اللَّه بْن خَبَّاب حَدَّثَهُ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
قَوْله: (أُسَيْد بْن حُضَيْرٍ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة.
قَوْله: «بَيْنَمَا هُوَ» قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَعْنَاهُ بَيْن أَوْقَاته.
قَوْله: «فِي مِرْبَده» هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الْمُوَحَّدَة، وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَيْبَس فيه التَّمْر، كَالْبَيْدَرِ لِلْحِنْطَةِ وَنَحْوهَا.
قَوْله: «جَالَتْ فَرَسه» أَيْ وَثَبَتَ، وَقَالَ هُنَا: «جَالَتْ» فَأَنَّثَ الْفَرَس. وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: «وَعِنْده فَرَس مَرْبُوط» فَذَكَرَهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَالْفَرَس يَقَع عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى.

.باب فَضِيلَةِ حَافِظِ الْقُرْآنِ:

1328- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَل الْمُؤْمِن الَّذِي يَقْرَأ الْقُرْآن» إِلَى آخِره. فيه: فَضِيلَة حَافِظ الْقُرْآن وَاسْتِحْبَاب ضَرْب الْأَمْثَال لِإِيضَاحِ الْمَقَاصِد.

.باب فَضْلِ الْمَاهِرِ بِالْقُرْآنِ وَالَّذِي يَتَتَعْتَعُ فيه:

1329- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاهِر بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَة الْكِرَام الْبَرَرَة وَاَلَّذِي يَقْرَأ الْقُرْآن وَيَتَتَعْتَع فيه وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقّ لَهُ أَجْرَانِ». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَهُوَ يَشْتَدّ عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ». السَّفَرَة جَمِيع سَافِر كَكَاتِبٍ وَكَتَبَة، وَالسَّافِر: الرَّسُول، وَالسَّفَرَة: الرُّسُل، لِأَنَّهُمْ يُسْفِرُونَ إِلَى النَّاس بِرِسَالَاتِ اللَّه، وَقِيلَ: السَّفَرَة: الْكَتَبَة، وَالْبَرَرَة: الْمُطِيعُونَ، مِنْ الْبِرّ وَهُوَ الطَّاعَة، وَالْمَاهِر: الْحَاذِق الْكَامِل الْحِفْظ الَّذِي لَا يَتَوَقَّف وَلَا يَشُقّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة بِجَوْدَةِ حِفْظه وَإِتْقَانه، قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى كَوْنه مَعَ الْمَلَائِكَة أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَة مَنَازِل يَكُون فيها رَفِيقًا لِلْمَلَائِكَةِ السَّفَرَة، لِاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ حَمْل كِتَاب اللَّه تَعَالَى.
قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد أَنَّهُ عَامِل بِعَمَلِهِمْ وَسَالِك مَسْلَكهمْ.
وَأَمَّا الَّذِي يَتَتَعْتَع فيه فَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّد فِي تِلَاوَته لِضَعْفِ حِفْظه فَلَهُ أَجْرَانِ: أَجْر بِالْقِرَاءَةِ، وَأَجْر بِتَتَعْتُعِهِ فِي تِلَاوَته وَمَشَقَّته.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء: وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الَّذِي يَتَتَعْتَع عَلَيْهِ لَهُ مِنْ الْأَجْر أَكْثَر مِنْ الْمَاهِر بِهِ، بَلْ الْمَاهِر أَفْضَل وَأَكْثَر أَجْرًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ السَّفَرَة وَلَهُ أُجُور كَثِيرَة، وَلَمْ يَذْكُر هَذِهِ الْمَنْزِلَة لِغَيْرِهِ، وَكَيْف يَلْحَق بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِكِتَابِ اللَّه تَعَالَى وَحِفْظه وَإِتْقَانه وَكَثْرَة تِلَاوَته وَرِوَايَته كَاعْتِنَائِهِ حَتَّى مَهَرَ فيه وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْحُذَّاقِ فيه وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ:

1330- قَالَ مُسْلِم: حَدَّثَنَا هَدَّاب بْن خَالِد حَدَّثَنَا هَمَّام حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُبَيٍّ: «إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأ عَلَيْك. قَالَ: اللَّه سَمَّانِي لَك؟ قَالَ: اللَّه سَمَّاك لِي فَجَعَلَ أُبَيّ يَبْكِي». قَالَ مُسْلِم: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَابْن بَشَّار قَالَ مُحَمَّد بْن جَعْفَر: حَدَّثَنَا شُعْبَة قَالَ: سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّث عَنْ أَنَس قَالَ: «قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْن كَعْب: إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأ عَلَيْك: {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا}. قَالَ: وَسَمَّانِي لَك؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَبَكَى».
قَالَ مُسْلِم: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن حَبِيب الْحَارِثِيّ حَدَّثَنَا خَالِد يَعْنِي اِبْن الْحَارِث، حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْت أَنَسًا يَقُول: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ بِمِثْلِهِ. هَذِهِ الْأَسَانِيد الثَّلَاثَة رُوَاتهَا كُلّهمْ بَصْرِيُّونَ، وَهَذَا مِنْ الْمُسْتَطْرَفَات أَنْ يَجْتَمِع ثَلَاثَة أَسَانِيد مُتَّصِلَة مُسَلْسَلُونَ بِغَيْرِ قَصْد، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان مِثْله، وَشُعْبَة وَاسِطِيّ بَصْرِيّ، سَبَقَ بَيَانه مَرَّات. وَفِي الطَّرِيق الثَّالِث فَائِدَة حَسَنَة وَهِيَ أَنَّ قَتَادَةَ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ مِنْ أَنَس بِخِلَافِ الْأُولَيَيْنِ، وَقَتَادَةُ مُدَلِّس فَيَنْتَفِي أَنْ يُخَاف مِنْ تَدْلِيسِهِ بِتَصْرِيحِهِ بِالسَّمَاعِ، وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيه عَلَى مِثْل هَذَا مَرَّات. وَفِي الْحَدِيث فَوَائِد كَثِيرَة. مِنْهَا: اِسْتِحْبَاب قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَى الْحُذَّاق فيه وَأَهْل الْعِلْم بِهِ وَالْفَضْل، وَإِنْ كَانَ الْقَارِئ أَفْضَل مِنْ الْمَقْرُوء عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: الْمَنْقَبَة الشَّرِيفَة لِأُبَيٍّ بِقِرَاءَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْلَم أَحَد مِنْ النَّاس شَارَكَهُ فِي هَذَا، وَمِنْهَا: مَنْقَبَة أُخْرَى لَهُ بِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى لَهُ، وَنَصّه عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَة الرَّفِيعَة، وَمِنْهَا: الْبُكَاء لِلسُّرُورِ وَالْفَرَح مِمَّا يُبَشَّر الْإِنْسَان بِهِ وَيُعْطَاهُ مِنْ مَعَالِي الْأُمُور.
وَأَمَّا قَوْله: «آللَّه سَمَّانِي لَك» فيه: أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأ عَلَى رَجُل مِنْ أُمَّته وَلَمْ يَنُصّ عَلَى أُبَيّ فَأَرَادَ أُبَيّ أَنْ يَتَحَقَّق هَلْ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ: عَلَى رَجُل؟ فَيُؤْخَذ مِنْهُ الِاسْتِثْبَات فِي الْمُحْتَمَلَات. وَاخْتَلَفُوا فِي الْحِكْمَة فِي قِرَاءَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيّ، وَالْمُخْتَار أَنَّ سَبَبهَا أَنْ تَسْتَنّ الْأُمَّة بِذَلِكَ فِي الْقِرَاءَة عَلَى أَهْل الْإِتْقَان وَالْفَضْل وَيَتَعَلَّمُوا آدَاب الْقِرَاءَة وَلَا يَأْنَف أَحَد مِنْ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: لِلتَّنْبِيهِ عَلَى جَلَالَة أُبَيّ وَأَهْلِيَّتِهِ لِأَخْذِ الْقُرْآن عَنْهُ، وَكَانَ يَعُدّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسًا وَأَمَامًا فِي إِقْرَاء الْقُرْآن، وَهُوَ أَجَلّ نَاشِرَته أَوْ مِنْ أَجَلّهمْ. وَيَتَضَمَّن مُعْجِزَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا تَخْصِيص هَذِهِ السُّورَة فَلِأَنَّهَا وَجِيزَة جَامِعَة لِقَوَاعِد كَثِيرَة مِنْ أُصُول الدِّين وَفُرُوعه وَمُهِمَّاته وَالْإِخْلَاص وَتَطْهِير الْقُلُوب، وَكَانَ الْوَقْت يَقْتَضِي الِاخْتِصَار. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب فَضْلِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَطَلَبِ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَافِظِهِ لِلاِسْتِمَاعِ وَالْبُكَاءِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّدَبُّرِ:

1332- قَالَ مُسْلِم: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنْ حَفْص قَالَ أَبُو بَكْر: حَدَّثَنَا حَفْص بْن غِيَاث عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآن...» إِلَى آخِره.
قَالَ مُسْلِم: (حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَمِنْجَاب بْن الْحَارِث عَنْ عَلِيّ بْن مُسْهِر عَنْ الْأَعْمَش بِهَذَا).
قَالَ مُسْلِم: (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ أَبُو أُسَامَة: حَدَّثَنِي مِسْعَر عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ إِبْرَاهِيم) قَالَ مُسْلِم: (حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه) هَذِهِ الْأَسَانِيد الْأَرْبَعَة كُلّهمْ كُوفِيُّونَ وَهُوَ مِنْ الطُّرُق الْمُسْتَحْسَنَة وَجَرِير رَازِيٌّ كُوفِيّ، وَفيه ثَلَاثَة تَابِعِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض: الْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ وَعَبِيدَة السَّلْمَانِيُّ- بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر الْبَاء- وَأَيْضًا الْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم وَعَلْقَمَة. وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود هَذَا فَوَائِد مِنْهَا: اِسْتِحْبَاب اِسْتِمَاع الْقِرَاءَة وَالْإِصْغَاء لَهَا وَالْبُكَاء عِنْدهَا وَتَدَبُّرهَا، وَاسْتِحْبَاب طَلَب الْقِرَاءَة مِنْ غَيْره لِيَسْتَمِع لَهُ، وَهُوَ أَبْلَغ فِي التَّفَهُّم وَالتَّدَبُّر مِنْ قِرَاءَته بِنَفْسِهِ. وَفيه: تَوَاضُع أَهْل الْعِلْم وَالْفَضْل وَلَوْ مَعَ أَتْبَاعهمْ.
1333- سبق شرحه بالباب.
1334- قَوْله: (إِنَّ اِبْن مَسْعُود وَجَدَ مِنْ الرَّجُل رِيح الْخَمْر فَحَدَّهُ) هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ اِبْن مَسْعُود كَانَ لَهُ وِلَايَة إِقَامَة الْحُدُود لِكَوْنِهِ نَائِبًا لِلْإِمَامِ عُمُومًا أَوْ فِي إِقَامَة الْحُدُود أَوْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَة أَوْ اِسْتَأْذَنَ مَنْ لَهُ إِقَامَة الْحَدّ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ فَفَوَّضَهُ إِلَيْهِ، وَيُحْمَل أَيْضًا عَلَى أَنَّ الرَّجُل اِعْتَرَفَ بِشُرْبِ خَمْر بِلَا عُذْر، وَإِلَّا فَلَا يَجِب الْحَدّ بِمُجَرَّدِ رِيحهَا لِاحْتِمَالِ النِّسْيَان وَالِاشْتِبَاه وَالْإِكْرَاه وَغَيْر ذَلِكَ. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب آخَرِينَ.
قَوْله: (وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ) مَعْنَاهُ تُنْكِر بَعْضه جَاهِلًا وَلَيْسَ الْمُرَاد التَّكْذِيب الْحَقِيقِيّ فَإِنَّهُ لَوْ كَذَّبَ حَقِيقَة لَكَفَرَ، وَصَارَ مُرْتَدًّا يَجِب قَتْله، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن فَهُوَ كَافِر تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدِّينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ وَتَعَلُّمِهِ:

1335- (الْخَلِفَات) بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكَسْر اللَّام، الْحَوَامِل مِنْ الْإِبِل إِلَى أَنْ يَمْضِي عَلَيْهَا نِصْف أَمَدهَا ثُمَّ هِيَ عِشَار، وَالْوَاحِدَة خَلِفَة وَعُشَرَاء.
1336- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَغْدُو كُلّ يَوْم إِلَى بُطْحَان» هُوَ بِضَمِّ الْبَاء وَإِسْكَان الطَّاء، مَوْضِع بِقُرْبِ الْمَدِينَة. وَالْكَوْمَا مِنْ الْإِبِل- بِفَتْحِ الْكَاف- الْعَظِيمَة السَّنَام.

.باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ:

1337- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَة وَسُورَة آلِ عِمْرَان» قَالُوا: سُمِّيَتَا الزَّهْرَاوَيْنِ لِنُورِهِمَا وَهِدَايَتهمَا وَعَظِيم أَجْرهمَا. وَفيه: جَوَاز قَوْل سُورَة آلَ عِمْرَان وَسُورَة النِّسَاء وَسُورَة الْمَائِدَة وَشَبَههَا، وَلَا كَرَاهَة فِي ذَلِكَ، وَكَرِهَهُ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ: إِنَّمَا يُقَال السُّورَة الَّتِي يُذْكَر فيها آلُ عِمْرَان، وَالصَّوَاب الْأَوَّل، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْلُوم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ» قَالَ أهَلْ اللُّغَة: الْغَمَامَة وَالْغَيَايَة، كُلّ شَيْء أَظَلَّ الْإِنْسَان فَوْق رَأْسه مِنْ سَحَابَة وَغَبَرَة وَغَيْرهمَا.
قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُرَاد أَنَّ ثَوَابهمَا يَأْتِي كَغَمَامَتَيْنِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ كَأَنَّمَا فِرْقَان مِنْ طَيْر صَوَافّ». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «كَأَنَّهُمَا حِزْقَان مِنْ طَيْر صَافٍ» الْفِرْقَان بِكَسْرِ الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء، وَالْحِزْقَان بِكَسْرِ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الزَّاي وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد، وَهُمَا قَطِيعَانِ وَجَمَاعَتَانِ، يُقَال فِي الْوَاحِد: فِرْق وَحِزْق وَحَزِيقَة أَيْ جَمَاعَة.
1338- قَوْله: (عَنْ الْوَلِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْجُرَشِيّ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيم (وَالنَّوَّاس بْن سَمْعَان) يُقَال: سَمْعَان بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحهَا.
قَوْله: «أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنهمَا شَرْق» هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَإِسْكَانهَا أَيْ ضِيَاء وَنُور، وَمِمَّنْ حَكَى فَتْح الرَّاء وَإِسْكَانهَا الْقَاضِي وَآخَرُونَ، وَالْأَشْهَر فِي الرِّوَايَة وَاللُّغَة الْإِسْكَان.

.باب فَضْلِ الْفَاتِحَةِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْحَثِّ عَلَى قِرَاءَةِ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ:

1339- قَوْله: (أَحْمَد بْن جَوَّاس) بِفَتْحِ الْجِيم وَتَشْدِيد الْوَاو.
قَوْله: (عَمَّار بْن رُزَيْق) بِرَاءٍ ثُمَّ زَاي.
قَوْله: (سَمِعَ نَقِيضًا) هُوَ بِالْقَافِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ صَوْتًا كَصَوْتِ الْبَاب إِذَا فُتِحَ.
1340- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْآيَتَانِ مِنْ آخِر سُورَة الْبَقَرَة مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَة كَفَتَاهُ» قِيلَ: مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل وَقِيلَ: مِنْ الشَّيْطَان، وَقِيلَ: مِنْ الْآفَات، وَيَحْتَمِل مِنْ الْجَمِيع.

.باب فَضْلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ:

1342- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْر آيَات مِنْ أَوَّل سُورَة الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّال» وَفِي رِوَايَة: «مِنْ آخِر الْكَهْف». قِيلَ: سَبَب ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلهَا مِنْ الْعَجَائِب وَالْآيَات، فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَن بِالدَّجَّالِ، وَكَذَا فِي آخِرهَا قَوْله تَعَالَى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا}.
1343- قَوْله: (عَنْ أَبِي السَّلِيل) هُوَ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة، وَاسْمه (ضُرَيْب بْن نُقَيْر) بِالتَّصْغِيرِ فيهمَا (وَنُقَيْر) بِالْقَافِ، وَقِيلَ: بِالْفَاءِ، وَقِيلَ: نُفَيْل بِالْفَاءِ وَاللَّام.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِأُبَيِّ بْن كَعْب لِيَهْنِكَ الْعِلْم أَبَا الْمُنْذِر» فيه مَنْقَبَة عَظِيمَة لِأُبَيٍّ وَدَلِيل عَلَى كَثْرَة عِلْمه. وَفيه تَبْجِيل الْعَالِم فُضَلَاء أَصْحَابه وَتَكْنِيَتهمْ، وَجَوَاز مَدْح الْإِنْسَان فِي وَجْهه إِذَا كَانَ فيه مَصْلَحَة، وَلَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ إِعْجَاب وَنَحْوه؛ لِكَمَالِ نَفْسه وَرُسُوخه فِي التَّقْوَى.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه مَعَك أَعْظَم؟ قُلْت: اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: فيه حُجَّة لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْضِيل بَعْض الْقُرْآن عَلَى بَعْض، وَتَفْضِيله عَلَى سَائِر كُتُب اللَّه تَعَالَى.
قَالَ: وَفيه خِلَاف لِلْعُلَمَاءِ فَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَأَبُو بَكْر الْبَاقِلَّانِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء؛ لِأَنَّ تَفْضِيل بَعْضه يَقْتَضِي نَقْص الْمَفْضُول، وَلَيْسَ فِي كَلَام اللَّه نَقْص بِهِ، وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ مَا وَرَدَ مِنْ إِطْلَاق أَعْظَم وَأَفْضَل فِي بَعْض الْآيَات وَالسُّوَر. بِمَعْنَى عَظِيم وَفَاضِل، وَأَجَازَ ذَلِكَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ، قَالُوا: وَهُوَ رَاجِع إِلَى عِظَم أَجْر قَارِئ ذَلِكَ وَجَزِيل ثَوَابه، وَالْمُخْتَار جَوَاز قَوْل هَذِهِ الْآيَة أَوْ السُّورَة أَعْظَم أَوْ أَفْضَل، بِمَعْنَى أَنَّ الثَّوَاب الْمُتَعَلِّق بِهَا أَكْثَر وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيث، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْعُلَمَاء: إِنَّمَا تَمَيَّزَتْ آيَة الْكُرْسِيّ بِكَوْنِهَا أَعْظَم لِمَا جَمَعَتْ مِنْ أُصُول الْأَسْمَاء وَالصِّفَات مِنْ الْإِلَهِيَّة الْوَحْدَانِيَّة وَالْحَيَاة وَالْعِلْم وَالْمُلْك وَالْقُدْرَة وَالْإِرَادَة، وَهَذِهِ السَّبْعَة أُصُول الْأَسْمَاء وَالصِّفَات. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب فَضْلِ قِرَاءَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}:

1344- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِل ثُلُث الْقُرْآن» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّ اللَّه جَزَّأَ الْقُرْآن ثَلَاثَة أَجْزَاء فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد جُزْءًا مِنْ أَجْزَاء الْقُرْآن» قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْقُرْآن عَلَى ثَلَاثَة أَنْحَاء قَصَص وَأَحْكَام وَصِفَات لِلَّهِ تَعَالَى، وَ{قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد} مُتَضَمِّنَة لِلصِّفَاتِ. فَهِيَ ثُلُث، وَجُزْء مِنْ ثَلَاثَة أَجْزَاء، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَاب قِرَاءَتهَا يُضَاعَف بِقَدْرِ ثَوَاب قِرَاءَة ثُلُث الْقُرْآن بِغَيْرِ تَضْعِيف.
1345- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُحْشُدُوا» أَيْ اِجْتَمِعُوا.
1347- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الَّذِي قَالَ فِي قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد لِأَنَّهَا صِفَة الرَّحْمَن فَأَنَا أُحِبّ أَنْ أَقْرَأ بِهَا. أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّه يُحِبّهُ» قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَحَبَّة اللَّه تَعَالَى لِعِبَادِهِ إِرَادَة ثَوَابهمْ وَتَنْعِيمهمْ، وَقِيلَ: مَحَبَّته لَهُمْ نَفْس الْإِثَابَة وَالتَّنْعِيم لَا الْإِرَادَة.
قَالَ الْقَاضِي: وَأَمَّا مَحَبَّتهمْ لَهُ سُبْحَانه فَلَا يَبْعُد فيها الْمَيْل مِنْهُمْ إِلَيْهِ سُبْحَانه وَهُوَ مُتَقَدِّس عَلَى الْمَيْل.
قَالَ: وَقِيلَ: مَحَبَّتهمْ لَهُ اِسْتِقَامَتهمْ عَلَى طَاعَته، وَقِيلَ: الِاسْتِقَامَة ثَمَرَة الْمَحَبَّة، وَحَقِيقَة الْمَحَبَّة لَهُ مَيْلهمْ إِلَيْهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى الْمَحَبَّة مِنْ جَمِيع وُجُوههَا.

.باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ:

1348- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ تَرَ آيَات أُنْزِلَتْ اللَّيْلَة لَمْ يُرَ مِثْلهنَّ قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق وَقُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس» فيه بَيَان عِظَم فَضْل هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا الْخِلَاف فِي إِطْلَاق تَفْضِيل بَعْض الْقُرْآن عَلَى بَعْض. وَفيه دَلِيل وَاضِح عَلَى كَوْنهمَا مِنْ الْقُرْآن، وَرُدَّ عَلَى مَنْ نَسَبَ إِلَى اِبْن مَسْعُود خِلَاف هَذَا. وَفيه أَنَّ لَفْظَة (قُلْ) مِنْ الْقُرْآن ثَابِتَة مِنْ أَوَّل السُّورَتَيْنِ بَعْد الْبَسْمَلَة، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى هَذَا كُلّه.
1349- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الرِوَايَة: «أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَات لَمْ يُرَ مِثْلهنَّ قَطُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ» ضَبَطْنَا (نَرَ) بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَة، وَبِالْيَاءِ الْمَضْمُومَة وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُعَوِّذَتَيْنِ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ، وَهُوَ صَحِيح، وَهُوَ مَنْصُوب بِفِعْلٍ مَحْذُوف أَيْ أَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْوَاو.

.باب فَضْلِ مَنْ يَقُومُ بِالْقُرْآنِ وَيُعَلِّمُهُ وَفَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ حِكْمَةً مِنْ فِقْهٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَمِلَ بِهَا وَعَلَّمَهَا:

1350- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اِثْنَتَيْنِ» قَالَ الْعُلَمَاء: الْحَسَد قِسْمَانِ: حَقِيقِيّ وَمَجَازِيّ، فَالْحَقِيقِيّ: تَمَنِّي زَوَال النِّعْمَة عَنْ صَاحِبهَا، وَهَذَا حَرَام بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة مَعَ النُّصُوص الصَّحِيحَة.
وَأَمَّا الْمَجَازِيّ فَهُوَ الْغِبْطَة وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْل النِّعْمَة الَّتِي عَلَى غَيْره مِنْ غَيْر زَوَالهَا عَنْ صَاحِبهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَة، وَإِنْ كَانَتْ طَاعَة فَهِيَ مُسْتَحَبَّة، وَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ لَا غِبْطَة مَحْبُوبَة إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار» أَيْ سَاعَاته وَوَاحِده الْآن وَإِنًا وَإِنْيٌ وَإِنْوٌ أَرْبَع لُغَات.
1352- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَته فِي الْحَقّ» أَيْ إِنْفَاقه فِي الطَّاعَات.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُل آتَاهُ اللَّه حِكْمَة فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمهَا» مَعْنَاهُ: يَعْمَل بِهَا وَيُعَلِّمهَا اِحْتِسَابًا، وَالْحِكْمَة كُلّ مَا مَنَعَ مِنْ الْجَهْل وَزَجَرَ عَنْ الْقَبِيح.

.باب بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَبَيَانِ مَعْنَاهُ:

1354- قَوْله: (لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْبَاء الْأُولَى مَعْنَاهُ: أَخَذْت بِمَجَامِع رِدَائِهِ فِي عُنُقه وَجَرَرْته، بِهِ مَأْخُوذ مِنْ اللَّبَّة بِفَتْحِ اللَّام؛ لِأَنَّهُ يَقْبِض عَلَيْهَا، وَفِي هَذَا بَيَان مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِنَاء بِالْقُرْآنِ وَالذَّبّ عَنْهُ، وَالْمُحَافَظَة عَلَى لَفْظه كَمَا سَمِعُوهُ مِنْ غَيْر عُدُول إِلَى مَا تُجَوِّزهُ الْعَرَبِيَّة.
وَأَمَّا أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَر بِإِرْسَالِهِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت عِنْده مَا يَقْتَضِي تَعْزِيره، وَلِأَنَّ عُمَر إِنَّمَا نَسَبَهُ إِلَى مُخَالَفَته فِي الْقِرَاءَة، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَم مِنْ جَوَاز الْقِرَاءَة وَوُجُوههَا مَا لَا يَعْلَمهُ عُمَر، وَلِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ يَلْبَث لَمْ يَتَمَكَّن مِنْ حُضُور الْبَال وَتَحْقِيق الْقِرَاءَة تَمَكُّن الْمُطْلَق.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآن أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب إِنْزَاله عَلَى سَبْعَة التَّخْفِيف وَالتَّسْهِيل، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي» كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِسَبْعَةِ أَحْرُف.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قِيلَ هُوَ تَوْسِعَة وَتَسْهِيل لَمْ يَقْصِد بِهِ الْحَصْر، قَالَ: وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ حَصْر لِلْعَدَدِ فِي سَبْعَة، ثُمَّ قِيلَ: هِيَ سَبْعَة فِي الْمَعَانِي كَالْوَعْدِ وَالْوَعِيد وَالْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه وَالْحَلَال وَالْحَرَام وَالْقَصَص وَالْأَمْثَال وَالْأَمْر وَالنَّهْي. ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي تَعْيِين السَّبْعَة.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ فِي أَدَاء التِّلَاوَة وَكَيْفِيَّة النُّطْق بِكَلِمَاتِهَا مِنْ إِدْغَام وَإِظْهَار وَتَفْخِيم وَتَرْقِيق وَإِمَالَة وَمَدٍّ؛ لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ مُخْتَلِفَة اللُّغَات فِي هَذِهِ الْوُجُوه، فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ لِيَقْرَأ كُلّ إِنْسَان بِمَا يُوَافِق لُغَته وَيَسْهُل عَلَى لِسَانه.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْأَلْفَاظ وَالْحُرُوف، وَإِلَيْهِ أَشَارَ اِبْن شِهَاب بِمَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْهُ فِي الْكِتَاب، ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقِيلَ: سَبْع قِرَاءَات وَأَوْجُه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: سَبْع لُغَات الْعَرَب يَمَنهَا وَمَعَدّهَا وَهِيَ أَفْصَح اللُّغَات وَأَعْلَاهَا.
وَقِيلَ: بَلْ السَّبْعَة كُلّهَا لِمُضَرَ وَحْدهَا وَهِيَ مُتَفَرِّقَة فِي الْقُرْآن غَيْر مُجْتَمِعَة فِي كَلِمَة وَاحِدَة.
وَقِيلَ: بَلْ هِيَ مُجْتَمِعَة فِي بَعْض الْكَلِمَات كَقَوْله تَعَالَى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوت} وَ{نَرْتَع وَنَلْعَب} وَ{بَاعِدْ بَيْن أَسْفَارنَا} وَ{بِعَذَابٍ بَئِيس} وَغَيْر ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْبَاقِلَّانِيّ: الصَّحِيح أَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُف السَّبْعَة ظَهَرَتْ وَاسْتَفَاضَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَبَطَهَا عَنْهُ الْأُمَّة، وَأَثْبَتَهَا عُثْمَان وَالْجَمَاعَة فِي الْمُصْحَف وَأَخْبَرُوا بِصِحَّتِهَا، وَإِنَّمَا حَذَفُوا مِنْهَا مَا لَمْ يَثْبُت مُتَوَاتِرًا، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُف تَخْتَلِف مَعَانِيهَا تَارَة وَأَلْفَاظهَا أُخْرَى وَلَيْسَتْ مُتَضَارِبَة وَلَا مُتَنَافِيَة. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْقُرَّاء بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَة كَانَتْ فِي أَوَّل الْأَمْر خَاصَّة لِلضَّرُورَةِ لِاخْتِلَافِ لُغَة الْعَرَب وَمَشَقَّة أَخْذ جَمِيع الطَّوَائِف بِلُغَةٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاس وَالْكِتَاب وَارْتَفَعَتْ الضَّرُورَة كَانَتْ قِرَاءَة وَاحِدَة.
قَالَ الدَّاوُدِيُّ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَات السَّبْع الَّتِي يَقْرَأ النَّاس الْيَوْم بِهَا لَيْسَ كُلّ حَرْف مِنْهَا هُوَ أَحَد تِلْكَ السَّبْعَة بَلْ تَكُون مُفَرَّقَة فيها.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي صُفْرَة: الْقِرَاءَات السَّبْع إِنَّمَا شُرِعَتْ مِنْ حَرْف وَاحِد مِنْ السَّبْعَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث، وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ عُثْمَان عَلَيْهِ الْمُصْحَف، وَهَذَا ذَكَرَهُ النَّحَّاس وَغَيْره.
قَالَ غَيْره: وَلَا تَكُنْ الْقِرَاءَة بِالسَّبْعِ الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث فِي خِتْمَة وَاحِدَة، وَلَا يُدْرَى أَيّ هَذِهِ الْقِرَاءَات كَانَ آخِر الْعَرْض عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلّهَا مُسْتَفِيضَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَبَطَهَا عَنْهُ الْأُمَّة وَأَضَافَتْ كُلّ حَرْف مِنْهَا إِلَى مَنْ أُضِيفَ إِلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَة، أَيْ أَنَّهُ كَانَ أَكْثَر قِرَاءَة بِهِ، كَمَا أُضِيفَ كُلّ قِرَاءَة مِنْهَا إِلَى مَنْ اِخْتَارَ الْقِرَاءَة بِهَا مِنْ الْقُرَّاء السَّبْعَة وَغَيْرهمْ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ: الْمُرَاد سَبْعَة مَعَانٍ مُخْتَلِفَة كَالْأَحْكَامِ وَالْأَمْثَال وَالْقَصَص فَخَطَأ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى جَوَاز الْقِرَاءَة بِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْحُرُوف وَإِبْدَال حَرْف بِحَرْفٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَحْرُم إِبْدَال آيَة أَمْثَال بِآيَةِ أَحْكَام.
قَالَ: وَقَوْل مَنْ قَالَ الْمُرَاد خَوَاتِيم الْآي فَيَجْعَل مَكَان: {غَفُور رَحِيم} سَمِيع بَصِير فَاسِد أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْع تَغْيِير الْقُرْآن لِلنَّاسِ، هَذَا مُخْتَصَر مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض فِي الْمَسْأَلَة. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله: (فَكِدْت أُسَاوِرُهُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة أَيْ أُعَاجِلهُ وَأُوَاثِبهُ.
1355- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيل عَلَى حَرْف فَرَاجَعْته فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدهُ فَيَزِيدنِي حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى سَبْعَة أَحْرُف» مَعْنَاهُ: لَمْ أَزَلْ أَطْلُب مِنْهُ أَنْ يَطْلُب مِنْ اللَّه الزِّيَادَة فِي الْحَرْف لِلتَّوْسِعَةِ وَالتَّخْفِيف وَيَسْأَل جِبْرِيل رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيَزِيدهُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى السَّبْعَة.
1356- قَوْله: «عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب فَحَسَّنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْن الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْقِرَاءَة، قَالَ: فَسُقِطَ فِي نَفْسِي مِنْ التَّكْذِيب وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّة» مَعْنَاهُ: وَسْوَسَ لِي الشَّيْطَان تَكْذِيبًا لِلنُّبُوَّةِ أَشَدَّ مِمَّا كُنْت عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة؛ لِأَنَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ غَافِلًا أَوْ مُتَشَكِّكًا فَوَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَان الْجَزْم بِالتَّكْذِيبِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: مَعْنَى قَوْله: «سُقِطَ فِي نَفْسِي» أَنَّهُ اِعْتَرَتْهُ حِيرَة وَدَهْشَة.
قَالَ: وَقَوْله: «وَلَا إِذْ كُنْت فِي الْجَاهِلِيَّة» مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّيْطَان نَزَغَ فِي نَفْسه تَكْذِيبًا لَمْ يَعْتَقِدهُ.
قَالَ: وَهَذِهِ الْخَوَاطِر إِذَا لَمْ يَسْتَمِرّ عَلَيْهَا لَا يُؤَاخَذ بِهَا.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْس أُبَيّ بْن كَعْب نَزْعَة مِنْ الشَّيْطَان غَيْر مُسْتَقِرَّة، ثُمَّ زَالَتْ فِي الْحَال حِين ضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي صَدْره فَفَاضَ عَرَقًا.
قَوْله: «فَلَمَّا رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي فَفِضْت عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُر إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَرَقًا» قَالَ الْقَاضِي: ضَرَبَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْره تَثَبُّتًا لَهُ حِين رَآهُ قَدْ غَشِيَهُ ذَلِكَ الْخَاطِر الْمَذْمُوم.
قَالَ: وَيُقَال: فِضْت عَرَقًا وَفِصْت بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْمَلَة قَالَ: وَرِوَايَتنَا هُنَا بِالْمُعْجَمَةِ قُلْت: وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم أُصُول بِلَادنَا، وَفِي بَعْضهَا بِالْمُهْمَلَةِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ اِقْرَأْ عَلَى حَرْف فَرَدَدْت إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَة أَنْ اِقْرَأْ عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْت إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي إِلَى الثَّالِثَة اِقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف» هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة الْأُولَى فِي مُعْظَم الْأُصُول، وَوَقَعَ فِي بَعْضهَا زِيَادَة: «قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ اِقْرَأْ الْقُرْآن عَلَى حَرْف فَرَدَدْت إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَة اِقْرَأْهُ عَلَى حَرْف فَرَدَدْت إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَة اِقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف». وَوَقَعَ فِي الطَّرِيق الَّذِي بَعْد هَذَا مِنْ رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة أَنْ قَالَ اِقْرَأْهُ عَلَى حَرْف، وَفِي الْمَرَّة الثَّانِيَة عَلَى حَرْفَيْنِ، وَفِي الثَّالِثَة عَلَى ثَلَاثَة، وَفِي الرَّابِعَة عَلَى سَبْعَة. هَذَا مِمَّا يُشْكِل مَعْنَاهُ وَالْجَمْع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَقْرَب مَا يُقَال فيه أَنَّ قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: «فَرَدَّ إِلَى الثَّالِثَة» الْمُرَاد بِالثَّالِثَةِ الْأَخِيرَة وَهِيَ الرَّابِعَة فَسَمَّاهَا ثَالِثَة مَجَازًا، وَحَمَلْنَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيل تَصْرِيحه فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنَّ الْأَحْرُف السَّبْعَة إِنَّمَا كَانَتْ فِي الْمَرَّة الرَّابِعَة وَهِيَ الْأَخِيرَة، وَيَكُون قَدْ حَذَفَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى أَيْضًا بَعْض الْمَرَّات.
قَوْله تَعَالَى: «وَلَك بِكُلِّ رَدَّة رَدَدْتهَا» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «رَدَدْتُكَهَا» هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى ذِكْر بَعْض الرَّدَّات الثَّلَاث وَقَدْ جَاءَتْ مُبَيَّنَة فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة.
قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى: «وَلَك بِكُلِّ رَدَّة رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَة تَسْأَلنِيهَا» مَعْنَاهُ: مَسْأَلَة مُجَابَة قَطْعًا.
وَأَمَّا بَاقِي الدَّعَوَات فَمَرْجُوَّة لَيْسَتْ قَطْعِيَّة الْإِجَابَة، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذَا الشَّرْح فِي كِتَاب الْإِيمَان.
1357- قَوْله: (عِنْد أَضَاة بَنِي غِفَار) هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَبِضَادٍ مُعْجَمَة مَقْصُورَة، وَهِيَ الْمَاء الْمُسْتَنْقَع كَالْغَدِيرِ وَجَمْعهَا أَضًا كَحَصَاةٍ وَحَصًا وَإِضَاء بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَالْمَدّ كَأَكَمَةٍ وَإِكَام.
قَوْله: «إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَقْرَأ أُمَّتك عَلَى سَبْعَة أَحْرُف فَأَيُّمَا حَرْف قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا» مَعْنَاهُ: لَا يَتَجَاوَز أُمَّتك سَبْعَة أَحْرُف وَلَهُمْ الْخِيَار فِي السَّبْعَة وَيَجِب عَلَيْهِمْ نَقْل السَّبْعَة إِلَى مَنْ بَعْدهمْ بِالتَّخَيُّرِ فيها وَإِنَّهَا لَا تُتَجَاوَز. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.