فصل: بَاب الْأَمْر بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى دَعْوَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب فَضِيلَةِ إِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا:

2561- قَوْله: «فَصَلَّيْنَا عِنْدهَا صَلَاة الْغَدَاة» دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَة فِي تَسْمِيَتهَا الْغَدَاة، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: يُكْرَه، وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
قَوْله: «وَأَنَا رَدِيف أَبِي طَلْحَة» دَلِيل لِجَوَازِ الْإِرْدَاف إِذَا كَانَتْ الدَّابَّة. مُطِيقَة، وَقَدْ كَثُرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِمِثْلِهِ.
قَوْله: «فَأَجْرَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاق خَيْبَر» دَلِيل لِجَوَازِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْمُرُوءَة، وَلَا يُخِلّ بِمَرَاتِب أَهْل الْفَضْل لاسيما عِنْد الْحَاجَة لِلْقِتَالِ أَوْ رِيَاضَة الدَّابَّة أَوْ تَدْرِيب النَّفْس وَمُعَانَاة أَسْبَاب الشَّجَاعَة.
قَوْله: «وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسّ فَخِذ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْحَسَرَ الْإِزَار عَنْ فَخِذ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لِأَرَى بَيَاض فَخِذ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» هَذَا مِمَّا يَسْتَدِلّ بِهِ أَصْحَاب مَالِك وَغَيْرهمْ مِمَّنْ يَقُول: الْفَخِذ لَيْسَ بِعَوْرَةِ، وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ عَوْرَة، وَيَحْمِل أَصْحَابنَا هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ اِنْحِسَار الْإِزَار وَغَيْره كَانَ بِغَيْرِ اِخْتِيَاره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْحَسَرَ لِلزَّحْمَةِ وَإِجْرَاء الْمَرْكُوب، وَوَقَعَ نَظَر أَنَس إِلَيْهِ فَجْأَة لَا تَعَمُّدًا، وَكَذَلِكَ مَسَّتْ رُكْبَته الْفَخِذ مِنْ غَيْر اِخْتِيَارهمَا بَلْ لِلزَّحْمَةِ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، وَلَا أَنَّهُ حَسَرَ الْإِزَار بَلْ قَالَ: اِنْحَسَرَ بِنَفْسِهِ.
قَوْله: «فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَة قَالَ: اللَّه أَكْبَر خَرِبَتْ خَيْبَر» فيه دَلِيل لِاسْتِحْبَابِ الذِّكْر وَالتَّكْبِير عِنْد الْحَرْب، وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا} وَلِهَذَا قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الثَّلَاث كَثِير، وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرِبَتْ خَيْبَر» فَذَكَرُوا فيه وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا أَنَّهُ دُعَاء تَقْدِيره أَسْأَل اللَّه خَرَابهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ إِخْبَار بِخَرَابِهَا عَلَى الْكُفَّار وَفَتْحهَا لِلْمُسْلِمِينَ.
قَوْله: «مُحَمَّد وَالْخَمِيس» هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَبِرَفْعِ السِّين الْمُهْمَلَة، وَهُوَ الْجَيْش.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره، سُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقْسَام: مُقَدِّمَة وَسَاقَة وَمَيْمَنَة وَمَيْسَرَة وَقَلْب، وَقِيلَ لِتَخْمِيسِ الْغَنَائِم، وَأَبْطَلُوا هَذَا الْقَوْل لِأَنَّ هَذَا الِاسْم كَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَخْمِيس.
قَوْله: «وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَة» هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن أَيْ قَهْرًا لَا صُلْحًا، وَبَعْض حُصُون خَيْبَر أُصِيب صُلْحًا، وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله: «فَجَاءَهُ دِحْيَة» إِلَى قَوْله: «فَأَخَذَ صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ» أَمَّا (دِحْيَة) فَبِفَتْحِ الدَّال وَكَسْرهَا وَأَمَّا (صَفِيَّة) فَالصَّحِيح أَنَّ هَذَا كَانَ اِسْمهَا قَبْل السَّبْي، وَقِيلَ: كَانَ اِسْمهَا (زَيْنَب) فَسُمِّيَتْ بَعْد السَّبْي وَالِاصْطِفَاء (صَفِيَّة).
قَوْله: «أَعْطَيْت دِحْيَة صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ سَيِّد قُرَيْظَة وَالنَّضِير، مَا تَصْلُح إِلَّا لَك قَالَ: اُدْعُوهُ بِهَا قَالَ: فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَر إِلَيْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خُذْ جَارِيَة مِنْ السَّبْي غَيْرهَا» قَالَ الْمَازِرِيّ وَغَيْره يَحْتَمِل مَا جَرَى مَعَ دِحْيَة وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا أَنْ يَكُون رَدَّ الْجَارِيَة بِرِضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي غَيْرهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي جَارِيَة لَهُ مِنْ حَشْو السَّبْي لَا أَفْضَلهنَّ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخَذَ أَنْفَسهنَّ وَأَجْوَدهنَّ نَسَبًا وَشَرَفًا فِي قَوْمهَا وَجَمَالًا اِسْتَرْجَعَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَن فيها، وَرَأَى فِي إِبْقَائِهَا لِدِحْيَة مَفْسَدَة لِتَمَيُّزِهِ بِمِثْلِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْش، وَلِمَا فيه مِنْ اِنْتِهَاكهَا مَعَ مَرْتَبَتهَا وَكَوْنهَا بِنْت سَيِّدهمْ، وَلِمَا يَخَاف مِنْ اِسْتِعْلَائِهَا عَلَى دِحْيَة بِسَبَبِ مَرْتَبَتهَا، وَرُبَّمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ شِقَاق أَوْ غَيْره فَكَانَ أَخْذه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا لِنَفْسِهِ قَاطِعًا لِكُلِّ هَذِهِ الْمَفَاسِد الْمُتَخَوَّفَة، وَمَعَ هَذَا فَعَوَّضَ دِحْيَة عَنْهَا.
وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْم دِحْيَة فَاشْتَرَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُس» يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ: «وَقَعَتْ فِي سَهْمه» أَيْ حَصَلَتْ بِالْإِذْنِ فِي أَخْذ جَارِيَة لِيُوَافِق بَاقِي الرِّوَايَات. وَقَوْله: «اِشْتَرَاهَا» أَيْ أَعْطَاهُ بَدَلهَا سَبْعَة أَنْفُس تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، لَا أَنَّهُ جَرَى عَقْد بَيْع، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِق الرِّوَايَات. وَهَذَا الْإِعْطَاء لِدِحْيَة مَحْمُول عَلَى التَّنْفِيل، فَعَلَى قَوْل مَنْ يَقُول: التَّنْفِيل يَكُون مِنْ أَصْل الْغَنِيمَة لَا إِشْكَال فيه، وَعَلَى قَوْل مَنْ يَقُول: إِنَّ التَّنْفِيل مِنْ خُمْس الْخُمْس يَكُون هَذَا التَّنْفِيل مِنْ خُمْس الْخُمْس بَعْد أَنْ مُيِّزَ أَوْ قَبْله وَيُحْسَب مِنْهُ. فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار، وَحَكَى الْقَاضِي مَعْنَى بَعْضه، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ تَكُون صَفِيَّة فَيْئًا لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَة كِنَانَة بْن الرَّبِيع، وَهُوَ وَأَهْله مِنْ بَنِي أَبِي الْحَقِيق كَانُوا صَالَحُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَكْتُمُوهُ كَنْزًا، فَإِنْ كَتَمُوهُ فَلَا ذِمَّة لَهُمْ. وَسَأَلَهُمْ عَنْ كَنْز حُيَيّ بْن أَخْطَبَ فَكَتَمُوهُ، وَقَالُوا: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَات، ثُمَّ عَثَرَ عَلَيْهِ عِنْدهمْ، فَانْتَقَضَ عَهْدهمْ فَسَبَاهُمْ. ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره. فَصَفِيَّة مِنْ سَبْيهمْ فَهِيَ فَيْء لَا يُخَمَّس، بَلْ يَفْعَل فيه الْإِمَام مَا رَأَى. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَهَذَا تَفْرِيع مِنْهُ عَلَى مَذْهَبه أَنَّ الْفَيْء لَا يُخَمَّس، وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ يُخَمَّس كَالْغَنِيمَةِ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «فَقَالَ لَهُ ثَابِت: يَا أَبَا حَمْزَة مَا أَصْدَقهَا؟ قَالَ: نَفْسهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا» فيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُعْتِق الْأَمَة وَيَتَزَوَّجهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْده: «لَهُ أَجْرَانِ». وَقَوْله: «أَصْدَقهَا نَفْسهَا» اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَالصَّحِيح الَّذِي اِخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا تَبَرُّعًا بِلَا عِوَض وَلَا شَرْط، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِلَا صَدَاق، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَجُوز نِكَاحه بِلَا مَهْر لَا فِي الْحَال، وَلَا فِيمَا بَعْد بِخِلَافِ غَيْره.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ يُعْتِقهَا وَيَتَزَوَّجهَا فَقَبِلَتْ فَلَزِمَهَا الْوَفَاء بِهِ.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتهَا، وَكَانَتْ مَجْهُولَة وَلَا يَجُوز هَذَا وَلَا الَّذِي قَبْله لِغَيْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُمَا مِنْ الْخَصَائِص كَمَا قَالَ أَصْحَاب الْقَوْل الْأَوَّل. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَته عَلَى أَنْ تَتَزَوَّج بِهِ، وَيَكُون عِتْقهَا صَدَاقهَا فَقَالَ الْجُمْهُور: لَا يَلْزَمهَا أَنْ تَتَزَوَّج بِهِ، وَلَا يَصِحّ هَذَا الشَّرْط. وَمِمَّنْ قَالَهُ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَزُفَر.
قَالَ الشَّافِعِيّ: فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْط فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ، وَلَا يَلْزَمهَا أَنْ تَتَزَوَّجهُ، بَلْ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعِتْقِهَا مَجَّانًا، فَإِنْ رَضِيَتْ وَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْر يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَلَهُ عَلَيْهَا الْقِيمَة، وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْر الْمُسَمَّى مِنْ قَلِيل أَوْ كَثِير، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتهَا فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَة مَعْلُومَة لَهُ وَلَهَا صَحَّ الصَّدَاق وَلَا تَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا قِيمَة وَلَا لَهَا عَلَيْهِ صَدَاق، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَة فَفيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا، أَحَدهمَا يَصِحّ الصَّدَاق كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَة لِأَنَّ هَذَا الْعَقْد فيه ضَرْب مِنْ الْمُسَامَحَة وَالتَّخْفِيف. وَأَصَحّهمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا لَا يَصِحّ الصَّدَاق بَلْ يَصِحّ النِّكَاح، وَيَجِب لَهَا مَهْر الْمِثْل.
وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُف وَأَحْمَد وَإِسْحَاق: يَجُوز أَنْ يُعْتِقهَا عَلَى أَنْ تَتَزَوَّج بِهِ، وَيَكُون عِتْقهَا صَدَاقهَا، وَيَلْزَمهَا ذَلِكَ، وَيَصِحّ الصَّدَاق عَلَى ظَاهِر لَفْظ هَذَا الْحَدِيث، وَتَأَوَّلَهُ الْآخَرُونَ بِمَا سَبَقَ.
قَوْله: «حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْل فَأَصْبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا» وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ: «ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمّ سُلَيْمٍ تَصْنَعهَا وَتُهَيِّئهَا قَالَ: وَأَحْسَبهُ قَالَ: وَتَعْتَدّ فِي بَيْتهَا».
أَمَّا قَوْله: (تَعْتَدّ) فَمَعْنَاه تَسْتَبْرِئ فَإِنْ كَانَتْ مَسْبِيَّة يَجِب اِسْتِبْرَاؤُهَا وَجَعَلَهَا فِي مُدَّة الِاسْتِبْرَاء فِي بَيْت أُمّ سُلَيْمٍ، فَلَمَّا اِنْقَضَى الِاسْتِبْرَاء جَهَّزَتْهَا أُمّ سُلَيْمٍ وَهَيَّأَتْهَا أَيْ زَيَّنَتْهَا وَجَمَّلْتهَا عَلَى عَادَة الْعَرُوس بِمَا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ مِنْ وَشْم وَوَصْل وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَنْهِيّ عَنْهُ. وَقَوْله: «أَهْدَتْهَا» أَيْ زَفَّتْهَا يُقَال: أَهْدَيْت الْعَرُوس إِلَى زَوْجهَا أَيْ زَفَفْتهَا. وَالْعَرُوس يُطْلَق عَلَى الزَّوْج وَالزَّوْجَة جَمِيعًا. وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير وَمَعْنَاهُ اِعْتَدَّتْ أَيْ اِسْتَبْرَأَتْ، ثُمَّ هَيَّأَتْهَا، ثُمَّ أَهْدَتْهَا. وَالْوَاو لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبهَا. وَفيه: الزِّفَاف بِاللَّيْلِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيث تَزَوُّجه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الزِّفَاف نَهَارًا، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ جَوَاز الْأَمْرَيْنِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ عِنْده شَيْء فَلْيَجِئْنِي بِهِ» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «فَلْيَجِئْ بِهِ» بِغَيْرِ نُون فيه دَلِيل لِوَلِيمَةِ الْعُرْس، وَأَنَّهَا بَعْد الدُّخُول، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَجُوز قَبْله وَبَعْده، وَفيه إِدْلَال الْكَبِير عَلَى أَصْحَابه وَطَلَب طَعَامهمْ فِي نَحْو هَذَا.
وَفيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِأَصْحَابِ الزَّوْج وَجِيرَانه مُسَاعَدَته فِي وَلِيمَته بِطَعَامٍ مِنْ عِنْدهمْ.
قَوْله: «وَبَسَطَ نِطَعًا» فيه أَرْبَع لُغَات مَشْهُورَات فَتْح النُّون وَكَسْرهَا مَعَ فَتْح الطَّاء وَإِسْكَانهَا أَفْصَحهنَّ كَسْر النُّون مَعَ فَتْح الطَّاء، وَجَمْعه نُطُوع وَأَنْطَاع.
قَوْله: «فَجَعَلَ الرَّجُل يَجِيء بِالْأَقِطِ، وَجَعَلَ الرَّجُل يَجِيء بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُل يَجِيء بِالسَّمْنِ، فَحَاسُوا حَيْسًا» (الْحَيْس) هُوَ الْأَقِط وَالتَّمْر وَالسَّمْن يُخْلَط وَيُعْجَن، وَمَعْنَاهُ جَعَلُوا ذَلِكَ حَيْسًا ثُمَّ أَكَلُوهُ.
2563- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يُعْتِق جَارِيَته ثُمَّ يَتَزَوَّجهَا: «لَهُ أَجْرَانِ» هَذَا الْحَدِيث سَبَقَ بَيَانه وَشَرْحه وَاضِحًا فِي كِتَاب الْأَيْمَان حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِم، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَفِيَّة لِهَذِهِ الْفَضِيلَة الظَّاهِرَة.
2564- قَوْله: «حِين بَزَغَتْ الشَّمْس» هُوَ بِفَتْحِ الْبَاء وَالزَّاي وَمَعْنَاهُ عِنْد اِبْتِدَاء طُلُوعهَا.
قَوْله: «وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلهمْ وَمُرُورهمْ» أَمَّا الْفُؤُوس فَبِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ عَلَى وَزْن (فُعُول) جَمْع فَأْس بِالْهَمْزَةِ، وَهِيَ مَعْرُوفَة. (وَالْمَكَاتِل) جَمْع مِكْتَل وَهُوَ الْقُفَّة وَالزِّنْبِيل، (وَالْمُرُور) جَمْع مَرّ بِفَتْحِ الْمِيم، وَهُوَ مَعْرُوف، نَحْو الْمِجْرَفَة وَأَكْبَر مِنْهَا، يُقَال لَهَا الْمَسَاحِي. هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَعْنَاهُ، وَحَكَى الْقَاضِي قَوْلَيْنِ أَحَدهمَا هَذَا، وَالثَّانِي الْمُرَاد بِالْمُرُورِ هُنَا الْحِبَال كَانُوا يَصْعَدُونَ بِهَا إِلَى النَّخِيل قَالَ: وَاحِدهَا (مَرّ) بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْرهَا لِأَنَّهُ يَمُرّ حِين يُفْتَل.
قَوْله: «فُحِصَتْ الْأَرْض أَفَاحِيص» هُوَ بِضَمِّ الْفَاء وَكَسْر الْحَاء الْمُهْمَلَة الْمُخَفَّفَة أَيْ كُشِفَ التُّرَاب مِنْ أَعْلَاهَا وَحُفِرَتْ شَيْئًا يَسِيرًا لِجَعْلِ الْأَنْطَاع فِي الْمَحْفُور وَيَصُبّ فيها السَّمْن فَيَثْبُت وَلَا يَخْرُج مِنْ جَوَانِبهَا. وَأَصْل الْفَحْص الْكَشْف، وَفَحَصَ عَنْ الْأَمْر وَفَحَصَ الطَّائِر لِبَيْضِهِ وَالْأَفَاحِيص جَمْع أُفْحُوص.
قَوْله: «فَعَثَرَتْ النَّاقَة الْعَضْبَاء وَنَدَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ فَقَامَ فَسَتَرَهَا» قَوْله: (عَثَرَتْ) بِفَتْحِ الثَّاء، (وَنَدَرَ) بِالنُّونِ أَيْ سَقَطَ وَأَصْل النُّدُور الْخُرُوج وَالِانْفِرَاد، وَمِنْهُ كَلِمَة (نَادِرَة) أَيْ فَرْدَة عَنْ النَّظَائِر.
قَوْله قَبْل هَذَا: (إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ اِمْرَأَته) اِسْتَدَلَّتْ بِهِ الْمَالِكِيَّة وَمِمَّنْ وَافَقَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَصِحّ النِّكَاح بِغَيْرِ شُهُود إِذَا أُعْلِن، لِأَنَّهُ لَوْ أَشْهَد لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مَذْهَب جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ مَذْهَب الزُّهْرِيِّ وَمَالِك. وَأَهْل الْمَدِينَة شَرَطُوا الْإِعْلَان دُون الشَّهَادَة، وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَمَنْ بَعْدهمْ: تُشْتَرَط الشَّهَادَة دُون الْإِعْلَان، وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد وَغَيْرهمْ، وَكُلّ هَؤُلَاءِ يَشْتَرِطُونَ شَهَادَة عَدْلَيْنِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَة فَقَالَ: يَنْعَقِد بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ سِرًّا بِغَيْرِ شَهَادَة لَمْ يَنْعَقِد، وَأَمَّا إِذَا عَقَدَ سِرًّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَهُوَ صَحِيح عِنْد الْجَمَاهِير، وَقَالَ مَالِك: لَا يَصِحّ. وَاَللَّه أَعْلَم.
2565- قَوْله: «فَجَعَلَ يَمُرّ عَلَى نِسَائِهِ فَيُسَلِّم عَلَى كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سَلَام عَلَيْكُمْ كَيْف أَنْتُمْ يَا أَهْل الْبَيْت؟ فَيَقُولُونَ: بِخَيْرٍ يَا رَسُول اللَّه كَيْف وَجَدْت أَهْلك؟ فَيَقُول: بِخَيْرٍ» فِي هَذِهِ الْقِطْعَة فَوَائِد مِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا أَتَى مَنْزِله أَنْ يُسَلِّم عَلَى اِمْرَأَته وَأَهْله، وَهَذَا مِمَّا يَتَكَبَّر عَنْهُ كَثِير مِنْ الْجَاهِلِينَ الْمُتَرَفِّعِينَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى وَاحِد قَالَ: سَلَام عَلَيْكُمْ، أَوْ السَّلَام عَلَيْكُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْع. قَالُوا: لِيَتَنَاوَلهُ وَمَلِكَيْهِ.
وَمِنْهَا سُؤَال الرَّجُل أَهْله عَنْ حَالهمْ، فَرُبَّمَا كَانَتْ فِي نَفْس الْمَرْأَة حَاجَة فَتَسْتَحْيِي أَنْ تَبْتَدِئ بِهَا، فَإِذَا سَأَلَهَا اِنْبَسَطَتْ لِذِكْرِ حَاجَتهَا.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُقَال لِلرَّجُلِ عَقِب دُخُوله كَيْف حَالك؟ وَنَحْو هَذَا.
قَوْله: «فَلَمَّا وَضَعَ رِجْله فِي أُسْكُفَّة الْبَاب» هِيَ بِهَمْزَةِ قَطْع مَضْمُومَة وَبِإِسْكَانِ السِّين.
2566- قَوْله: «فَجَعَلَ الرَّجُل يَجِيء بِفَضْلِ التَّمْر وَفَضْل السَّوِيق حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا حَيْسًا» السَّوَاد بِفَتْحِ السِّين، وَأَصْل السَّوَاد الشَّخْص، وَمِنْهُ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء: «رَأَى آدَم عَنْ يَمِينه أَسْوِدَة، وَعَنْ يَسَاره أَسْوِدَة أَيْ أَشْخَاصًا» وَالْمُرَاد هُنَا حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَوْمًا شَاخِصًا مُرْتَفِعًا فَخَلَطُوهُ وَجَعَلُوا حَيْسًا.
قَوْله: «حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُر الْمَدِينَة هَشَّنَا إِلَيْهَا» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ (هَشَّنَا) بِفَتْحِ الْهَاء وَتَشْدِيد الشِّين الْمُعْجَمَة ثُمَّ نُون، وَفِي بَعْضهَا (هَشِشْنَا) بِشِينَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَة مُخَفَّفَة، وَمَعْنَاهُمَا نَشِطْنَا وَخَفَفْنَا وَانْبَعَثَتْ نُفُوسنَا إِلَيْهَا، يُقَال مِنْهُ: (هَشِشْت) بِكَسْرِ الشِّين فِي الْمَاضِي وَفَتْحهَا فِي الْمُضَارِع، وَذَكَرَ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ.
قَالَ: وَالرِّوَايَة الْأُولَى عَلَى الْإِدْغَام لِالْتِقَاءِ الْمِثْلَيْنِ، وَهِيَ لُغَة مَنْ قَالَ: هَزَّتْ سَيْفِي، وَهِيَ لُغَة بَكْر بْن وَائِل.
قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ (هِشْنَا) بِكَسْرِ الْهَاء وَإِسْكَان الشِّين وَهُوَ مِنْ هَاشَ يَهِيش بِمَعْنَى هَشَّ.
قَوْله: «فَخَرَجَ جِوَارِي نِسَائِهِ» أَيْ صَغِيرَات الْأَسْنَان مِنْ نِسَائِهِ.
قَوْله: «يَشْمَتْنَ» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَالْمِيم.

.باب زَوَاجِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَنُزُولِ الْحِجَابِ وَإِثْبَاتِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ:

2567- قَوْله: «قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» أَيْ فَاخْطُبْهَا لِي مِنْ نَفْسهَا فيه دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْس أَنْ يَبْعَث الرَّجُل لَخِطْبَة الْمَرْأَة لَهُ مَنْ كَانَ زَوْجهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَه ذَلِكَ كَمَا كَانَ حَال زَيْد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «فَلَمَّا رَأَيْتهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَنْظُر إِلَيْهَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْت عَلَى عَقِبِي» مَعْنَاهُ أَنَّهُ هَابَهَا وَاسْتَجَلَّهَا مِنْ أَجَل إِرَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوُّجهَا، فَعَامَلَهَا مُعَامَلَة مَنْ تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِعْظَام وَالْإِجْلَال وَالْمَهَابَة.
وَقَوْله: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرهَا» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ: «أَنَّ» أَيْ مِنْ أَجْل ذَلِكَ.
وَقَوْله: «نَكَصْت» أَيْ رَجَعْت. وَكَانَ جَاءَ إِلَيْهَا لِيَخْطُبهَا، وَهُوَ يَنْظُر إِلَيْهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَادَتهمْ، وَهَذَا قَبْل نُزُول الْحِجَاب، فَلَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ الْإِجْلَال تَأَخَّرَ وَخَطَبَهَا وَظَهْره إِلَيْهَا لِئَلَّا يَسْبِقهُ النَّظَر إِلَيْهَا.
قَوْلهَا: «مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أَوَامِر رَبِّي فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا» أَيْ مَوْضِع صَلَاتهَا مِنْ بَيْتهَا. وَفيه اِسْتِحْبَاب صَلَاة الِاسْتِخَارَة لِمَنْ هَمَّ بِأَمْرٍ سَوَاء كَانَ ذَلِكَ الْأَمْر ظَاهِر الْخَيْر أَمْ لَا، وَهُوَ مُوَافِق لِحَدِيثِ جَابِر فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمنَا الِاسْتِخَارَة فِي الْأُمُور كُلّهَا يَقُول: «إِذَا هَمَّ أَحَدكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْر الْفَرِيضَة إِلَى آخِره»، وَلَعَلَّهَا اِسْتَخَارَتْ لِخَوْفِهَا مِنْ تَقْصِير فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «وَنَزَلَ الْقُرْآن وَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن» يَعْنِي نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكهَا} فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِهَذِهِ الْآيَة.
قَوْله: «وَلَقَدْ رَأَيْتنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا الْخُبْز وَاللَّحْم حِين اِمْتَدَّ النَّهَار» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ (أَنَّ). وَقَوْله: «حِين اِمْتَدَّ النَّهَار» أَيْ اِرْتَقَعَ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ (حِين) بِالنُّونِ.
قَوْله: «يَتَتَبَّع حُجَر نِسَائِهِ يُسَلِّم عَلَيْهِنَّ» إِلَى آخِره سَبَقَ شَرْحه فِي الْبَاب قَبْله.
2569- قَوْله: «أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى تَرَكُوهُ» يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا وَتَرَكُوهُ لِشِبَعِهِمْ.
قَوْله: «مَا أَوْلَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اِمْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَر أَوْ أَفْضَل مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَب» يَحْتَمِل أَنَّ سَبَب ذَلِكَ الشُّكْر لِنِعْمَةِ اللَّه فِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِالْوَحْيِ لَا بِوَلِيٍّ وَشُهُود، بِخِلَافِ غَيْرهَا. وَمَذْهَبنَا الصَّحِيح الْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا صِحَّةُ نِكَاحه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَلِيّ وَلَا شُهُود لِعَدَمِ الْحَاجَة إِلَى ذَلِكَ فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْخِلَاف فِي غَيْر زَيْنَب، وَأَمَّا زَيْنَب فَمَنْصُوص عَلَيْهَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
2570- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَز) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الْجِيم وَفَتْح اللَّام وَبَعْدهَا زَاي، وَحُكِيَ بِفَتْحِ الْمِيم، وَالْمَشْهُور الْأَوَّل، وَاسْمه (لَاحِق بْن حُمَيْدٍ) قِيلَ: وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَنْ أَوَّل اِسْمه لَام أَلِف غَيْره.
2572- قَوْله: «عَنْ أَنَس قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمّ سُلَيْمٍ حَيْسًا فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْر فَقَالَتْ: يَا أَنَس اِذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْك أُمِّي وَهِيَ تُقْرِئك السَّلَام وَتَقُول: إِنَّ هَذَا لَك مِنَّا قَلِيل يَا رَسُول اللَّه» فيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِأَصْدِقَاءِ الْمُتَزَوِّج أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ بِطَعَامٍ يُسَاعِدُونَهُ بِهِ عَلَى وَلِيمَته، وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي الْبَاب قَبْله، وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَان الْحَيْس، وَفيه الِاعْتِذَار إِلَى الْمَبْعُوث إِلَيْهِ وَقَوْل الْإِنْسَان نَحْو قَوْل أُمّ سُلَيْمٍ: «هَذَا لَك مِنَّا قَلِيل»، وَفيه اِسْتِحْبَاب بَعْث السَّلَام إِلَى الصَّاحِب وَإِنْ كَانَ أَفْضَل مِنْ الْبَاعِث، لَكِنَّ هَذَا يَحْسُن إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنْ مَوْضِعه، أَوْ لَهُ عُذْر فِي عَدَم الْحُضُور بِنَفْسِهِ لِلسَّلَامِ.
(وَالتَّوْر) بِتَاءٍ مُثَنَّاة فَوْق مَفْتُوحَة ثُمَّ وَاو سَاكِنَة إِنَاء مِثْل الْقَدَح سَبَقَ بَيَانه فِي بَاب الْوُضُوء.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنْ لَقِيت وَسَمَّى رِجَالًا. قَالَ: فَدَعَوْت مَنْ سَمَّى، وَمَنْ لَقِيت. قَالَ: قُلْت لِأَنَسٍ عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاء ثَلَاثمِائَةٍ» قَوْله (زُهَاء) بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْح الْهَاء وَبِالْمَدِّ، وَمَعْنَاهُ نَحْو ثَلَاثمِائَةٍ. وَفيه أَنَّهُ يَجُوز فِي الدَّعْوَة أَنْ يَأْذَن الْمُرْسِل فِي نَاسٍ مُعَيَّنِينَ، وَفِي مُبْهَمِين كَقَوْلِهِ: (مَنْ لَقِيت)، (مَنْ أَرَدْت). وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَكْثِيرِ الطَّعَام كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْكِتَاب.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «يَا أَنَس هَاتِ التَّوْر» هُوَ بِكَسْرِ التَّاء مِنْ (هَاتِ) كُسِرْت لِلْأَمْرِ كَمَا تُكْسَر الطَّاء مِنْ أَعْطِ.
قَوْله: «وَزَوْجَته مُوَلِّيَة وَجْههَا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (وَزَوْجَته) بِالتَّاءِ، وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيث وَالشِّعْر، وَالْمَشْهُور حَذْفهَا.
قَوْله: «ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ» هُوَ بِضَمِّ الْقَاف الْمُخَفَّفَة.

.بَاب الْأَمْر بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى دَعْوَة:

دَعْوَة الطَّعَام بِفَتْحِ الدَّال وَدَعْوَة النَّسَب بِكَسْرِهَا هَذَا قَوْل جُمْهُور الْعَرَب، وَعَكَسَهُ تَيْم الرِّبَاب بِكَسْرِ الرَّاء، فَقَالُوا: الطَّعَام بِالْكَسْرِ، وَالنَّسَب بِالْفَتْحِ.
وَأَمَّا قَوْل قُطْرُب فِي الْمُثَلَّث إِنَّ دَعْوَة الطَّعَام بِالضَّمِّ فَغَلَّطُوهُ فيه.
2574- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى وَلِيمَة فَلْيَأْتِهَا» فيه الْأَمْر بِحُضُورِهَا، وَلَا خِلَاف فِي أَنَّهُ مَأْمُور بِهِ، وَلَكِنْ هَلْ هُوَ أَمْر إِيجَاب أَوْ نَدْب؟ فيه خِلَاف. الْأَصَحّ فِي مَذْهَبنَا أَنَّهُ فَرْض عَيْن عَلَى كُلّ مَنْ دُعِيَ، لَكِنْ يَسْقُط بِأَعْذَارٍ سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالثَّانِي أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة. وَالثَّالِث مَنْدُوب. هَذَا مَذْهَبنَا فِي وَلِيمَة الْعُرْس، وَأَمَّا غَيْرهَا فَفيها وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: أَحَدهمَا أَنَّهَا كَوَلِيمَةِ الْعُرْس، وَالثَّانِي أَنَّ الْإِجَابَة إِلَيْهَا نَدْب، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعُرْس وَاجِبَة. وَنَقَلَ الْقَاضِي اِتِّفَاق الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب الْإِجَابَة فِي وَلِيمَةِ الْعُرْس.
قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا. فَقَالَ مَالِك وَالْجُمْهُور: لَا تَجِب الْإِجَابَة إِلَيْهَا.
وَقَالَ أَهْل الظَّاهِر: تَجِب الْإِجَابَة إِلَى كُلّ دَعْوَة مِنْ عُرْس وَغَيْره، وَبِهِ قَالَ بَعْض السَّلَف.
وَأَمَّا الْأَعْذَار الَّتِي يَسْقُط بِهَا وُجُوب إِجَابَة الدَّعْوَة أَوْ نَدْبهَا فَمِنْهَا أَنْ يَكُون فِي الطَّعَام شُبْهَة، أَوْ يَخُصّ بِهَا الْأَغْنِيَاء، أَوْ يَكُون هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مَعَهُ، أَوْ لَا تَلِيق بِهِ مُجَالَسَته، أَوْ يَدْعُوهُ لِخَوْفِ شَرّه، أَوْ لِطَمَعٍ فِي جَاهه، أَوْ لِيُعَاوِنهُ عَلَى بَاطِل، وَأَنْ لَا يَكُون هُنَاكَ مُنْكَر مِنْ خَمْر أَوْ لَهْو أَوْ فُرُش حَرِير أَوْ صُوَر حَيَوَان غَيْر مَفْرُوشَة أَوْ آنِيَة ذَهَب أَوْ فِضَّة. فَكُلّ هَذِهِ أَعْذَار فِي تَرْك الْإِجَابَة وَمِنْ الْأَعْذَار أَنْ يَعْتَذِر إِلَى الدَّاعِي فَيَتْرُكهُ. وَلَوْ دَعَاهُ ذِمِّيّ لَمْ تَجِب إِجَابَته عَلَى الْأَصَحّ. وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَة ثَلَاثَة أَيَّام فَالْأَوَّل تَجِب الْإِجَابَة فيه، وَالثَّانِي تُسْتَحَبّ، وَالثَّالِث تُكْرَه.
2576- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى وَلِيمَة عُرْس فَلْيُجِبْ» قَدْ يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يَخُصّ وُجُوب الْإِجَابَة بِوَلِيمَةِ الْعُرْس، وَيَتَعَلَّق الْآخَرُونَ بِالرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَة.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ: «إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوه» وَيَحْمِلُونَ هَذَا عَلَى الْغَالِب أَوْ نَحْوه مِنْ التَّأْوِيل. و(الْعُرْس) بِإِسْكَانِ الرَّاء وَضَمّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَة، وَفيها لُغَة بِالتَّذْكِيرِ.
2581- قَوْله: (وَكَانَ عَبْد اللَّه يَعْنِي اِبْن عُمَر يَأْتِي الدَّعْوَة فِي الْعُرْس وَغَيْر الْعُرْس وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِم) فيه أَنَّ الصَّوْم لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْإِجَابَة، وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابنَا قَالُوا: إِذَا دُعِيَ وَهُوَ صَائِم لَزِمَهُ الْإِجَابَة كَمَا يَلْزَم الْمُفْطِر، وَيَحْصُل الْمَقْصُود بِحُضُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُل فَقَدْ يَتَبَرَّك بِهِ أَهْل الطَّعَام وَالْحَاضِرُونَ، وَقَدْ يَتَجَمَّلُونَ بِهِ، وَقَدْ يَنْتَفِعُونَ بِدُعَائِهِ أَوْ بِإِشَارَتِهِ، أَوْ يَنَصَانُون عَمَّا لَا يَنَصَانُون عَنْهُ فِي غَيْبَته وَاَللَّه أَعْلَم.
2582- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى كُرَاع فَأَجِيبُوا» وَالْمُرَاد بِهِ عِنْد جَمَاهِير الْعُلَمَاء كُرَاع الشَّاة، وَغَلَّطُوا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى كُرَاع الْغَمِيم، وَهُوَ مَوْضِع بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة عَلَى مَرَاحِل مِنْ الْمَدِينَة.
2583- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى (فَلْيُصَلِّ) قَالَ الْجُمْهُور: مَعْنَاهُ فَلْيَدْعُ لِأَهْلِ الطَّعَام بِالْمَغْفِرَةِ وَالْبَرَكَة وَنَحْو ذَلِكَ، وَأَصْل الصَّلَاة فِي اللُّغَة الدُّعَاء، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} وَقِيلَ: الْمُرَاد الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود، أَيْ يَشْتَغِل بِالصَّلَاةِ لِيَحْصُل لَهُ فَضْلهَا، وَلِتَبَرُّكِ أَهْل الْمَكَان وَالْحَاضِرِينَ.
وَأَمَّا الْمُفْطِر فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ، وَفِي الْأُولَى مُخَيَّر وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ، وَالْأَصَحّ فِي مَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا يَجِب الْأَكْل فِي وَلِيمَة الْعُرْس وَلَا فِي غَيْرهَا، فَمَنْ أَوْجَبَهُ اِعْتَمَدَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَتَأَوَّلَ الْأُولَى عَلَى مَنْ كَانَ صَائِمًا. وَمَنْ لَمْ يُوجِبهُ اِعْتَمَدَ التَّصْرِيح بِالتَّخْيِيرِ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى، وَحَمَلَ الْأَمْر فِي الثَّانِيَة عَلَى النَّدْب. وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الْأَكْل فَأَقَلّه لُقْمَة، وَلَا تَلْزَمهُ الزِّيَادَة لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَكْلًا، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُل حَنِثَ بِلُقْمَةٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَخَيَّل صَاحِب الطَّعَام أَنَّ اِمْتِنَاعه لِشُبْهَةٍ يَعْتَقِدهَا فِي الطَّعَام، فَإِذَا أَكَلَ لُقْمَة زَالَ ذَلِكَ التَّخَيُّل، هَكَذَا صَرَّحَ بِاللُّقْمَةِ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا.
وَأَمَّا الصَّائِم فَلَا خِلَاف أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْأَكْل، لَكِنْ إِنْ كَانَ صَوْمه فَرْضًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْل لِأَنَّ الْفَرْض لَا يَجُوز الْخُرُوج مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا جَازَ الْفِطْر وَتَرْكه. فَإِنْ كَانَ يَشُقّ عَلَى صَاحِب الطَّعَام صَوْمه فَالْأَفْضَل الْفِطْر، وَإِلَّا فَإِتْمَام الصَّوْم. وَاَللَّه أَعْلَم.
2584- سبق شرحه بالباب.
2585- قَوْله: «شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة» ذَكَرَهُ مُسْلِم مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَة، وَمَرْفُوعًا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَدِيث إِذَا رُوِيَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا حُكِمَ بِرَفْعِهِ عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح لِأَنَّهَا زِيَادَة ثِقَة.
وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث الْإِخْبَار بِمَا يَقَع مِنْ النَّاس بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُرَاعَاة الْأَغْنِيَاء فِي الْوَلَائِم وَنَحْوهَا، وَتَخْصِيصهمْ بِالدَّعْوَةِ، وَإِيثَارهمْ بِطَيِّبِ الطَّعَام، وَرَفْع مَجَالِسهمْ وَتَقْدِيمهمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ الْغَالِب فِي الْوَلَائِم. وَاَللَّه الْمُسْتَعَان.
2586- قَوْله: (سَمِعْت ثَابِتًا الْأَعْرَج يُحَدِّث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) هُوَ ثَابِت بْن عِيَاض الْأَعْرَج الْأَحْنَف الْقُرَشِيّ الْعَدَوِيُّ مَوْلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب، وَقِيلَ: مَوْلَى عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب، وَقِيلَ: اِسْمه ثَابِت بْن الْأَحْنَف بْن عِيَاض. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب لاَ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَيَطَأَهَا ثُمَّ يُفَارِقَهَا وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا:

2587- قَوْلهَا (فَتَزَوَّجْت عَبْد الرَّحْمَن بْن الزَّبِير) هُوَ بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْر الْبَاء بِلَا خِلَاف وَهُوَ الزَّبِير بْن بَاطَّاء وَيُقَال بَاطَيَاء وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَن صَحَابِيًّا وَالزَّبِير قَتَلَ يَهُودِيًّا فِي غَزْوَة بَنِي قُرَيْظَة. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن الزَّبِير بْن بَاطَّاء الْقُرَظِيّ هُوَ الَّذِي تَزَوَّجَ اِمْرَأَة رِفَاعَة الْقُرَظِيّ، هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ اِبْن مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْم الْأَصْبِهَانِي فِي كِتَابَيْهِمَا فِي مَعْرِفَة الصَّحَابَة: إِنَّمَا هُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الزَّبِير بْن زَيْد بْن أُمَيَّة بْن زَيْد بْن مَالِك بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَوْف بْن مَالِك بْن أَوْس، وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
قَوْلهَا: «فَبَتَّ طَلَاقِي» أَيْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا.
قَوْلهَا (هُدْبَة الثَّوْب) هُوَ بِضَمِّ الْهَاء وَإِسْكَان الدَّال وَهِيَ طَرَفه الَّذِي لَمْ يُنْسَج شَبَّهُوهَا بِهُدْبِ الْعَيْن وَهُوَ شَعْر جَفْنهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك» هُوَ بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح السِّين تَصْغِير عَسَلَة وَهِيَ كِنَايَة عَنْ الْجِمَاع شَبَّهَ لَذَّته بِلَذَّةِ الْعَسَل وَحَلَاوَته، قَالُوا: وَأَنَّثَ الْعُسَيْلَة لِأَنَّ فِي الْعَسَل نَعْتَيْنِ التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث، وَقِيلَ: أَنَّثَهَا عَلَى إِرَادَة النُّطْفَة، وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّ الْإِنْزَال لَا يُشْتَرَط.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْمُطَلَّقَة ثَلَاثًا لَا تَحِلّ لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْره، وَيَطَأهَا ثُمَّ يُفَارِقهَا، وَتَنْقَضِي عِدَّتهَا. فَأَمَّا مُجَرَّد عَقْده عَلَيْهَا فَلَا يُبِيحهَا لِلْأَوَّلِ. وَبِهِ قَالَ جَمِيع الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ، وَانْفَرَدَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَقَالَ: إِذَا عَقَدَ الثَّانِي عَلَيْهَا ثُمَّ فَارَقَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَا يُشْتَرَط وَطْء الثَّانِي لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْره}.
وَالنِّكَاح حَقِيقَة فِي الْعَقْد عَلَى الصَّحِيح وَأَجَابَ الْجُمْهُور، بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيث مُخَصِّص لِعُمُومِ الْآيَة، وَمُبَيِّن لِلْمُرَادِ بِهَا.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَعَلَّ سَعِيدًا لَمْ يَبْلُغهُ هَذَا الْحَدِيث.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: لَمْ يَقُلْ أَحَد بِقَوْلِ سَعِيد فِي هَذَا إِلَّا طَائِفَة مِنْ الْخَوَارِج.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ تَغْيِيب الْحَشَفَة فِي قُبُلهَا كَافٍ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْر إِنْزَال الْمَنِيّ. وَشَذَّ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فَشَرَطَ إِنْزَال الْمَنِيّ وَجَعَلَهُ حَقِيقَة الْعُسَيْلَة.
قَالَ الْجُمْهُور: بِدُخُولِ الذَّكَر تَحْصُل اللَّذَّة وَالْعُسَيْلَة، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي نِكَاح فَاسِد لَمْ تَحِلّ لِلْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ.
قَوْله: (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ).
قَالَ الْعُلَمَاء: إِنَّ التَّبَسُّم لِلتَّعَجُّبِ مِنْ جَهْرهَا وَتَصْرِيحهَا بِهَذَا الَّذِي تَسْتَحْيِي النِّسَاء مِنْهُ فِي الْعَادَة، أَوْ لِرَغْبَتِهَا فِي زَوْجهَا الْأَوَّل وَكَرَاهَة الثَّانِي وَاَللَّه أَعْلَم.