فصل: بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ أَحْكَام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.بَاب التَّحِيَّة وَالْإِمَام يَخْطُب:

قَوْله: «بَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب يَوْم الْجُمُعَة إِذْ جَاءَ رَجُل فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَلَّيْت يَا فُلَان؟ قَالَ: لَا. قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ» وَفِي رِوَايَة: «قُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ»، وَفِي رِوَايَة: «صَلِّ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي رِوَايَة: «أَرَكَعْت رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: اِرْكَعْ» وَفِي رِوَايَة: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ يَوْم الْجُمُعَة وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَام لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي رِوَايَة قَالَ: «جَاءَ سُلَيْك الْغَطَفَانِيّ يَوْم الْجُمُعَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب فَجَلَسَ فَقَالَ: يَا سُلَيْك قُمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فيهمَا ثُمَّ قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يَخْطُب فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فيهمَا» هَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا صَرِيحَة فِي الدَّلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَفُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَامِع يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يَخْطُب اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّة الْمَسْجِد، وَيَكْرَه الْجُلُوس قَبْل أَنْ يُصَلِّيهِمَا، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَتَجَوَّز فيهمَا لِيَسْمَع بَعْدهمَا الْخُطْبَة، وَحَكَى هَذَا الْمَذْهَب أَيْضًا عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَغَيْره مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ مَالِك وَاللَّيْث وَأَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَجُمْهُور السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ: لَا يُصَلِّيهِمَا، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَحُجَّتهمْ الْأَمْر بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ، وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِيَرَاهُ النَّاس وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل يَرُدّهُ صَرِيح قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يَخْطُب فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فيهمَا» وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ تَأْوِيل، وَلَا أَظُنّ عَالِمًا يَبْلُغهُ هَذَا اللَّفْظ صَحِيحًا فَيُخَالِفهُ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَيْضًا جَوَاز الْكَلَام فِي الْخُطْبَة لِحَاجَةٍ، وَفيها: جَوَازه لِلْخَطِيبِ وَغَيْره. وَفيها الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِرْشَاد إِلَى الْمَصَالِح فِي كُلّ حَال وَمَوْطِن. وَفيها أَنَّ تَحِيَّة الْمَسْجِد رَكْعَتَانِ وَأَنَّ نَوَافِل النَّهَار رَكْعَتَانِ وَأَنَّ تَحِيَّة الْمَسْجِد لَا تَفُوت بِالْجُلُوسِ فِي حَقِّ جَاهِل حُكْمهَا وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابنَا فَوَاتهَا بِالْجُلُوسِ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْعَالِم بِأَنَّهَا سُنَّة، أَمَّا الْجَاهِل فَيَتَدَارَكهَا عَلَى قُرْب لِهَذَا الْحَدِيث. وَالْمُسْتَنْبَط مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّ تَحِيَّة الْمَسْجِد لَا تُتْرَك فِي أَوْقَات النَّهْي عَنْ الصَّلَاة وَأَنَّهَا ذَات سَبَب تُبَاح فِي كُلّ وَقْت، وَيَلْحَق بِهَا كُلّ ذَوَات الْأَسْبَاب كَقَضَاءِ الْفَائِتَة وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ فِي حَال لَكَانَ هَذَا الْحَال أَوْلَى بِهَا فَإِنَّهُ مَأْمُور بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَة. فَلَمَّا تُرِكَ لَهَا اِسْتِمَاع الْخُطْبَة وَقَطَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا الْخُطْبَة وَأَمَرَهُ بِهَا بَعْد أَنْ قَعَدَ وَكَانَ هَذَا الْجَالِس جَاهِلًا حُكْمهَا دَلَّ عَلَى تَأَكُّدهَا وَأَنَّهَا لَا تُتْرَك بِحَالٍ وَلَا فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1444- سبق شرحه بالباب.
1445- سبق شرحه بالباب.
1446- سبق شرحه بالباب.
1447- سبق شرحه بالباب.
1448- سبق شرحه بالباب.
1449- سبق شرحه بالباب.

.باب حَدِيثِ التَّعْلِيمِ فِي الْخُطْبَةِ:

قَوْله: «اِنْتَهَيْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُب فَقُلْت: يَا رَسُول اللَّه رَجُل غَرِيب جَاءَ يَسْأَل عَنْ دِينه لَا يَدْرِي مَا دِينه قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ خُطْبَته حَتَّى اِنْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْت قَوَائِمه حَدِيدًا قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُعَلِّمنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّه ثُمَّ أَتَى خُطْبَته فَأَتَمَّ آخِرهَا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «حَسِبْت» وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم: «خِلْت» بِكَسْرِ الْخَاء وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ بِمَعْنَى حَسِبْت.
قَالَ الْقَاضِي: وَوَقَعَ فِي نُسْخَة اِبْن الْحَذَّاء: «خَشَب» بِالْخَاءِ وَالشِّين الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَفِي كِتَاب اِبْن قُتَيْبَة: «خُلَب» بِضَمِّ الْخَاء وَآخِره بَاء مُوَحَّدَة، وَفَسَّرَهُ بِاللِّيفِ، وَكِلَاهُمَا تَصْحِيف، وَالصَّوَاب: «حَسِبْت» بِمَعْنَى ظَنَنْت كَمَا هُوَ فِي نُسَخ مُسْلِم وَغَيْره مِنْ الْكُتُب الْمُعْتَمَدَة.
وَقَوْله: «رَجُل غَرِيب يَسْأَل عَنْ دِينه لَا يَدْرِي مَا دِينه» فيه اِسْتِحْبَاب تَلَطُّف السَّائِل فِي عِبَارَته وَسُؤَاله الْعَالِم. وَفيه تَوَاضُع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِفْقه بِالْمُسْلِمِينَ، وَشَفَقَته عَلَيْهِمْ، وَخَفْض جَنَاحه لَهُمْ. وَفيه الْمُبَادَرَة إِلَى جَوَاب الْمُسْتَفْتِي وَتَقْدِيم أَهَمّ الْأُمُور فَأَهَمّهَا، وَلَعَلَّهُ كَانَ سَأَلَ عَنْ الْإِيمَان وَقَوَاعِده الْمُهِمَّة.
وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ يَسْأَل عَنْ الْإِيمَان وَكَيْفِيَّة الدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَجَبَ إِجَابَته وَتَعْلِيمه عَلَى الْفَوْر وَقُعُوده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُرْسِيّ لِيَسْمَع الْبَاقُونَ كَلَامه وَيَرَوْا شَخْصه الْكَرِيم. وَيُقَال: كُرْسِيّ بِضَمِّ الْكَاف وَكَسْرهَا وَالضَّمّ أَشْهَر. وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَة الَّتِي كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها خُطْبَة أَمْر غَيْر الْجُمُعَة، وَلِهَذَا قَطَعَهَا بِهَذَا الْفَصْل الطَّوِيل، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا كَانَتْ الْجُمُعَة وَاسْتَأْنَفَهَا، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ لَمْ يَحْصُل فَصْل طَوِيل، وَيَحْتَمِل أَنَّ كَلَامه لِهَذَا الْغَرِيب كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْخُطْبَةِ فَيَكُون مِنْهَا وَلَا يَضُرّ الْمَشْي فِي أَثْنَائِهَا.

.باب مَا يُقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ:

1451- قَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى مِنْ صَلَاة الْجُمُعَة سُورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة الْمُنَافِقِينَ» فيها اِسْتِحْبَاب قِرَاءَتهمَا بِكَمَالِهِمَا فيهمَا، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب آخَرِينَ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي قِرَاءَة الْجُمُعَة اِشْتِمَالهَا عَلَى وُجُوب الْجُمُعَة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامهَا وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا فيها مِنْ الْقَوَاعِد وَالْحَثّ عَلَى التَّوَكُّل وَالذِّكْر وَغَيْر ذَلِكَ. وَقِرَاءَة سُورَة الْمُنَافِقِينَ لِتَوْبِيخِ حَاضِرِيهَا مِنْهُمْ وَتَنْبِيهِمْ عَلَى التَّوْبَة وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا فيها مِنْ الْقَوَاعِد لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِس أَكْثَر مِنْ اِجْتِمَاعهمْ فيها.
1452- قَوْله: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَة بِـ {سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى} و{هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة}» فيه اِسْتِحْبَاب الْقِرَاءَة فيهمَا بِهِمَا وَفِي الْحَدِيث الْآخَر (الْقِرَاءَة فِي الْعِيد بِـ: قاف وَاقْتَرَبَتْ) وَكِلَاهُمَا صَحِيح. فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْت يَقْرَأ فِي الْجُمُعَة: الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ. وَفِي وَقْت: سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك. وَفِي وَقْت يَقْرَأ فِي الْعِيد: قَاف وَاقْتَرَبَتْ. وَفِي وَقْت: سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك.

.باب مَا يُقْرَأُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ:

1454- قَوْله: (عَنْ مُخَوِّل عَنْ مُسْلِم الْبَطِين) أَمَّا (مُخَوِّل) فَبِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْوَاو الْمُشَدَّدَة هَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْأَصْوَب، وَحَكَى صَاحِب الْمَطَالِع هَذَا عَنْ الْجُمْهُور.
قَالَ: وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الْخَاء وَأَمَّا (الْبَطِين) فَبِفَتْحِ الْبَاء وَكَسْر الطَّاء.
قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ فِي الصُّبْح يَوْم الْجُمُعَة فِي الْأُولَى الم تَنْزِيل السَّجْدَة وَفِي الثَّانِيَة هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر» فيه دَلِيل لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَب مُوَافِقِينَا فِي اِسْتِحْبَابهمَا فِي صُبْح الْجُمُعَة، وَأَنَّهُ لَا تُكْرَه قِرَاءَة آيَة السَّجْدَة فِي الصَّلَاة وَلَا السُّجُود، ذَكَرَ مَالِك وَآخَرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة الْمَرْوِيَّة مِنْ طُرُق عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.

.بَاب الصَّلَاة بَعْد الْجُمُعَة:

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ الْجُمُعَة فَلْيُصَلِّ بَعْدهَا أَرْبَعًا» وَفِي رِوَايَة: «إِذَا صَلَّيْتُمْ بَعْد الْجُمُعَة فَصَلُّوا أَرْبَعًا» وَفِي رِوَايَة: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْد الْجُمُعَة فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا». وَفِي رِوَايَة: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدهَا رَكْعَتَيْنِ» فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث اِسْتِحْبَاب سُنَّة الْجُمُعَة بَعْدهَا وَالْحَثّ عَلَيْهَا وَأَنَّ أَقَلّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلَهَا أَرْبَع، فَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ بَعْد الْجُمُعَة فَلْيُصَلِّ بَعْدهَا أَرْبَعًا» عَلَى الْحَثّ عَلَيْهَا فَأَتَى بِصِيغَةِ الْأَمْر وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا» عَلَى أَنَّهَا سُنَّة لَيْسَتْ وَاجِبَة، وَذَكَرَ الْأَرْبَع لِفَضِيلَتِهَا، وَفَعَلَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي أَوْقَات بَيَانًا لِأَنَّ أَقَلّهَا رَكْعَتَانِ. وَمَعْلُوم أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَر الْأَوْقَات أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِهِنَّ وَحَثَّنَا عَلَيْهِنَّ وَهُوَ أَرْغَب فِي الْخَيْر وَأَحْرَص عَلَيْهِ وَأَوْلَى بِهِ.
1457- سبق شرحه بالباب.
1458- سبق شرحه بالباب.
1459- سبق شرحه بالباب.
1460- سبق شرحه بالباب.
1461- قَوْله: (قَالَ يَحْيَى أَظَنَّنِي قَرَأْت فَيُصَلِّي أَوْ أَلْبَتَّةَ) مَعْنَاهُ أَظُنّ، أَنِّي قَرَأْت عَلَى مَالِك فِي رِوَايَتِي عَنْهُ فَيُصَلِّي أَوْ أَجْزِم بِذَلِكَ فَحَاصِله أَنَّهُ قَالَ: أَظُنّ هَذِهِ اللَّفْظَة أَوْ أَجْزِم بِهَا.
1463- قَوْله: (اِبْن أَبِي الْخُوَار) هُوَ بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة.
قَوْله: (صَلَّيْت مَعَهُ الْجُمُعَة فِي الْمَقْصُورَة) فيه دَلِيل عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذهَا فِي الْمَسْجِد إِذَا رَآهَا وَلِيّ الْأَمْر مَصْلَحَة قَالُوا: وَأَوَّل مَنْ عَمِلَهَا مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان حِين ضَرَبَهُ الْخَارِجِيّ.
قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَقْصُورَة فَأَجَازَهَا كَثِيرُونَ مِنْ السَّلَف وَصَلُّوا فيها مِنْهُمْ الْحَسَن وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد وَسَالِم وَغَيْرهمْ، وَكَرِهَهَا اِبْن عُمَر وَالشَّعْبِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَكَانَ اِبْن عُمَر إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة وَهُوَ فِي الْمَقْصُورَة خَرَجَ مِنْهَا إِلَى الْمَسْجِد.
قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: إِنَّمَا يَصِحّ فيها الْجُمُعَة إِذَا كَانَتْ مُبَاحَة لِكُلِّ أَحَد فَإِنْ كَانَتْ مَخْصُوصَة بِبَعْضِ النَّاس مَمْنُوعَة مِنْ غَيْرهمْ لَمْ تَصِحّ فيها الْجُمُعَة لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْم الْجَامِع.
قَوْله: (فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَلَّا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّم أَوْ نَخْرُج) فيه دَلِيل لِمَا قَالَهُ أَصْحَابنَا أَنَّ النَّافِلَة الرَّاتِبَة وَغَيْرهَا يُسْتَحَبّ أَنْ يَتَحَوَّل لَهَا عَنْ مَوْضِع الْفَرِيضَة إِلَى مَوْضِع آخَر، وَأَفْضَله التَّحَوُّل إِلَى بَيْته، وَإِلَّا فَمَوْضِع آخَر مِنْ الْمَسْجِد أَوْ غَيْره لِيَكْثُر مَوَاضِع سُجُوده وَلِتَنْفَصِل صُورَة النَّافِلَة عَنْ صُورَة الْفَرِيضَة وَقَوْله: (حَتَّى نَتَكَلَّم) دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفَصْل بَيْنهمَا يَحْصُل بِالْكَلَامِ أَيْضًا، وَلَكِنْ بِالِانْتِقَالِ أَفْضَل لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.كتاب صلاة العيدين:

.بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ أَحْكَام:

هِيَ عِنْد الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور أَصْحَابه وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء سُنَّة مُؤَكَّدَة وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة: هِيَ فَرْض كِفَايَة، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: هِيَ وَاجِبَة فَإِذَا قُلْنَا: فَرْض كِفَايَة فَامْتَنَعَ أَهْل مَوْضِع مِنْ إِقَامَتهَا قُوتِلُوا عَلَيْهَا كَسَائِرِ فُرُوض الْكِفَايَة، وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا سُنَّة لَمْ يُقَاتِلُوا بِتَرْكِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْر وَغَيْرهَا، وَقِيلَ: يُقَاتَلُونَ لِأَنَّهَا شِعَار ظَاهِر قَالُوا: وَسُمِّيَ عِيدًا لِعَوْدِهِ وَتَكَرُّره، وَقِيلَ: لِعَوْدِ السُّرُور فيه، وَقِيلَ: تَفَاؤُلًا بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ كَمَا سُمِّيَتْ الْقَافِلَة حِين خُرُوجهَا تَفَاؤُلًا لِقُفُولِهَا سَالِمَة، وَهُوَ رُجُوعهَا وَحَقِيقَتهَا الرَّاجِعَة.
1464- قَوْله: (شَهِدْت صَلَاة الْفِطْر مَعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فَكُلّهمْ يُصَلِّيهَا قَبْل الْخُطْبَة ثُمَّ يَخْطُب) فيه دَلِيل لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاء كَافَّة أَنَّ خُطْبَة الْعِيد بَعْد الصَّلَاة.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا هُوَ الْمُتَّفَق عَلَيْهِ مِنْ مَذَاهِب عُلَمَاء الْأَمْصَار وَأَئِمَّة الْفَتْوَى، وَلَا خِلَاف بَيْن أَئِمَّتهمْ فيه، وَهُوَ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ بَعْده إِلَّا مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَان فِي شَطْر خِلَافَته الْأَخِير قَدَّمَ الْخُطْبَة لِأَنَّهُ رَأَى مِنْ النَّاس مَنْ تَفُوتهُ الصَّلَاة. وَرُوِيَ مِثْله عَنْ عُمَر، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ- وَقِيلَ: إِنَّ أَوَّل مَنْ قَدَّمَهَا مُعَاوِيَة، وَقِيلَ: مَرْوَان بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَة مُعَاوِيَة، وَقِيلَ: زِيَاد بِالْبَصْرَةِ فِي خِلَافَة مُعَاوِيَة، وَقِيلَ: فَعَلَهُ اِبْن الزُّهْرِيّ فِي آخِر أَيَّامه.
قَوْله: (يُجَلِّس الرِّجَال بِيَدِهِ)، هُوَ بِكَسْرِ اللَّام الْمُشَدَّدَة أَيْ يَأْمُرهُمْ بِالْجُلُوسِ.
قَوْله: «فَقَالَتْ اِمْرَأَة وَاحِدَة لَمْ يُجِبْهُ غَيْرهَا مِنْهُنَّ يَا نَبِيّ اللَّه لَا يَدْرِي حِينَئِذٍ مَنْ هِيَ» هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم (حِينَئِذٍ) وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع النُّسَخ.
قَالَ هُوَ وَغَيْره: وَهُوَ تَصْحِيف وَصَوَابه لَا يَدْرِي (حَسَن) مَنْ هِيَ، وَهُوَ حَسَن بْن مُسْلِم رِوَايَة عَنْ طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ عَلَى الصَّوَاب مِنْ رِوَايَة إِسْحَاق بْن نَصْر عَنْ عَبْد الرَّزَّاق (لَا يَدْرِي حَسَن) قُلْت: وَيَحْتَمِل تَصْحِيح (حِينَئِذٍ) وَيَكُون مَعْنَاهُ لِكَثْرَةِ النِّسَاء وَاشْتِمَالهنَّ ثِيَابهنَّ لَا يَدْرِي مَنْ هِيَ.
قَوْله: «فَنَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ النِّسَاء وَمَعَهُ بِلَال» قَالَ الْقَاضِي: هَذَا النُّزُول كَانَ فِي أَثْنَاء الْخُطْبَة، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ إِنَّمَا إِلَيْهِنَّ بَعْد فَرَاغ خُطْبَة الْعِيد وَبَعْد اِنْقِضَاء وَعْظ الرِّجَال، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم صَرِيحًا فِي حَدِيث جَابِر.
قَالَ: فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ النَّاس فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاء فَذَكَّرَهُنَّ فَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ أَتَاهُنَّ بَعْد فَرَاغ خُطْبَة الرِّجَال. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث اِسْتِحْبَاب وَعْظ النِّسَاء وَتَذْكِيرهنَّ الْآخِرَة وَأَحْكَام الْإِسْلَام وَحَثّهنَّ عَلَى الصَّدَقَة، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَة وَخَوْف عَلَى الْوَاعِظ أَوْ الْمَوْعُوظ أَوْ غَيْرهمَا. وَفيه أَنَّ النِّسَاء إِذَا حَضَرْنَ صَلَاة الرِّجَال وَمَجَامِعهمْ يَكُنَّ بِمَعْزِلٍ عَنْهُمْ خَوْفًا مِنْ فِتْنَة أَوْ نَظْرَة أَوْ فِكْر وَنَحْوه. وَفيه أَنَّ صَدَقَة التَّطَوُّع لَا تَفْتَقِر إِلَى إِيجَاب وَقَبُول بَلْ تَكْفِي فيها الْمُعَاطَاة لِأَنَّهُنَّ أَلْقَيْنَ الصَّدَقَة فِي ثَوْب بِلَال مِنْ غَيْر كَلَام مِنْهُنَّ وَلَا مِنْ بِلَال وَلَا مِنْ غَيْره، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَبنَا وَقَالَ أَكْثَر أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيِّينَ: تَفْتَقِر إِلَى إِيجَاب وَقَبُول بِاللَّفْظِ كَالْهِبَةِ وَالصَّحِيح الْأَوَّل وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ.
قَوْله: «فِدًى لَكُنَّ أَبِي وَأُمِّي» هُوَ مَقْصُور بِكَسْرِ الْفَاء وَفَتْحهَا وَالظَّاهِر أَنَّهُ مِنْ كَلَام بِلَال.
قَوْله: «فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخ وَالْخَوَاتِيم فِي ثَوْب بِلَال» هُوَ بِفَتْحِ الْفَاء وَالتَّاء الْمُثَنَّاة فَوْق وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَاحِدهَا فَتَخَة كَقَصَبَةٍ وَقَصَب. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرهَا فَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ: هِيَ الْخَوَاتِيم الْعِظَام، وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: هِيَ خَوَاتِيم لَا فُصُوص لَهَا، وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت: خَوَاتِيم تُلْبَس فِي أَصَابِع الْيَد، وَقَالَ ثَعْلَب: وَقَدْ يَكُون فِي أَصَابِع الْوَاحِد مِنْ الرِّجَال، وَقَالَ اِبْن دُرَيْدٍ: وَقَدْ يَكُون لَهَا فُصُوص وَتُجْمَع أَيْضًا فَتَخَات وَأَفْتَاخ، وَالْخَوَاتِيم جَمْع خَاتَم وَفيه أَرْبَع لُغَات: فَتْح التَّاء وَكَسْرهَا وَخَاتَام وَخَيْتَام. وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز صَدَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَالهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا وَلَا يَتَوَقَّف ذَلِكَ عَلَى ثُلُث مَالهَا، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز الزِّيَادَة عَلَى ثُلُث مَالهَا إِلَّا بِرِضَاءِ زَوْجهَا. وَدَلِيلنَا مِنْ الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلهُنَّ أَسْتَأْذَنَّ أَزْوَاجهنَّ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ هُوَ خَارِج مِنْ الثُّلُث أَمْ لَا؟ وَلَوْ اِخْتَلَفَ الْحُكْم بِذَلِكَ لَسَأَلَ. وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى الْجَوَاب عَنْ مَذْهَبهمْ بِأَنَّ الْغَالِب حُضُور أَزْوَاجهنَّ فَتَرْكُهُمْ الْإِنْكَار يَكُون رِضَاء بِفِعْلِهِنَّ. وَهَذَا الْجَوَاب ضَعِيف أَوْ بَاطِل لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُعْتَزِلَات لَا يَعْلَم الرِّجَال مَنْ الْمُتَصَدِّقَة مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرهَا وَلَا قَدْر مَا يَتَصَدَّق بِهِ، وَلَوْ عَلِمُوا فَسُكُوتهمْ لَيْسَ إِذْنًا.
1465- قَوْله: «وَبِلَال قَائِل بِثَوْبِهِ» هُوَ بِهَمْزَةٍ قَبْل اللَّام وَيُكْتَب بِالْيَاءِ أَيْ فَاتِحًا ثَوْبه لِلْأَخْذِ فيه. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَبِلَال بَاسِط ثَوْبه»، مَعْنَاهُ أَنَّهُ بَسَطَهُ لِيَجْمَع الصَّدَقَة فيه ثُمَّ يُفَرِّقهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ كَمَا كَانَتْ عَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَات الْمُتَطَوَّع بِهَا وَالزَّكَوَات. وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّ الصَّدَقَات الْعَامَّة إِنَّمَا يَصْرِفهَا فِي مَصَارِفهَا الْإِمَام.
1466- قَوْله: «يُلْقِينَ النِّسَاء صَدَقَة» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «يُلْقِينَ» وَهُوَ جَائِز عَلَى تِلْكَ اللُّغَة الْقَلِيلَة الِاسْتِعْمَال مِنْهَا: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَة» وَقَوْله: أَكَلُونِي الْبَرَاغِيث.
قَوْله: «تُلْقِي الْمَرْأَة فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ وَيَلْقِينَ» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ مُكَرَّر وَهُوَ صَحِيح وَمَعْنَاهُ وَيُلْقِينَ كَذَا وَيَلْقِينَ كَذَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَاقِي الرِّوَايَات.
قَوْله لِعَطَاءٍ (أَحَقًّا عَلَى الْإِمَام الْآن أَنْ يَأْتِي النِّسَاء حِين يَفْرُغ فَيُذَكِّرهُنَّ قَالَ: أَيْ لَعَمْرِي إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ) قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَطَاء غَيْر مُوَافَق عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي، بَلْ يُسْتَحَبّ إِذَا لَمْ يَسْمَعهُنَّ أَنْ يَأْتِيهِنَّ بَعْد فَرَاغه وَيَعِظهُنَّ وَيُذَكِّرهُنَّ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّب مَفْسَدَة الْآن وَفِي كُلّ الْأَزْمَان بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة، وَأَيُّ دَافِع يَدْفَعنَا عَنْ هَذِهِ السُّنَّة الصَّحِيحَة. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1467- قَوْله: (فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْل الْخُطْبَة بِغَيْرِ أَذَان وَلَا إِقَامَة) هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة لِلْعِيدِ، وَهُوَ إِجْمَاع الْعُلَمَاء الْيَوْم، وَهُوَ الْمَعْرُوف مِنْ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ. وَنُقِلَ عَنْ بَعْض السَّلَف فيه شَيْء خِلَاف إِجْمَاع مَنْ قَبْله وَبَعْده، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يُقَال فيها: الصَّلَاة جَامِعَة بِنَصْبِهَا الْأَوَّل عَلَى الْإِغْرَاء وَالثَّانِي عَلَى الْحَال.
قَوْله: «فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ سِطَة النِّسَاء» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ سِطَة بِكَسْرِ السِّين وَفَتْح الطَّاء الْمُخَفَّفَة، وَفِي بَعْض النُّسَخ: «وَاسِطَة النِّسَاء» قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ مِنْ خِيَارهنَّ، وَالْوَسَط الْعَدْل وَالْخِيَار قَالَ: وَزَعَمَ حُذَّاق شُيُوخنَا أَنَّ هَذَا الْحَرْف مُغَيَّر فِي كِتَاب مُسْلِم، وَأَنَّ صَوَابه: «مِنْ سَفَلَة النِّسَاء» وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة فِي مُسْنَده، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنه، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أَبِي شَيْبَة اِمْرَأَة لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَة النِّسَاء، وَهَذَا ضِدُّ التَّفْسِير الْأَوَّل، وَيُعَضِّدهُ قَوْله: بَعْده سَفْعَاء الْخَدَّيْنِ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَهَذَا الَّذِي اِدَّعَوْهُ مِنْ تَغْيِير الْكَلِمَة غَيْر مَقْبُول بَلْ هِيَ صَحِيحَة، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَا مِنْ خِيَار النِّسَاء كَمَا فَسَّرَهُ هُوَ، بَلْ الْمُرَاد اِمْرَأَة مِنْ وَسَط النِّسَاء جَالِسَة فِي وَسَطهنَّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة: يُقَال وَسَطْت الْقَوْم أَسِطهُمْ وَسْطًا وَسِطَة أَيْ تَوَسَّطْتهمْ.
قَوْله: «سَفْعَاء الْخَدَّيْنِ» بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة أَيْ فيها تَغَيُّر وَسَوَاد.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُكْثِرْنَ الشَّكَاة» هُوَ بِفَتْحِ الشِّين أَيْ الشَّكْوَى.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير» قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: هُوَ الْعَشِير الْمُعَاشِر وَالْمُخَالِط، وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا عَلَى الزَّوْج.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كُلّ مُخَالِط.
قَالَ الْخَلِيل: يُقَال: هُوَ الْعَشِير وَالشَّعِير عَلَى الْقَلْب وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُنَّ يَجْحَدْنَ الْإِحْسَان لِضَعْفِ عَقْلهنَّ وَقِلَّة مَعْرِفَتهنَّ فَيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى ذَمّ مَنْ يَجْحَد إِحْسَان ذِي إِحْسَان.
قَوْله: «مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ» هُوَ جَمْع قُرْط.
قَالَ اِبْن دُرَيْدٍ: كُلّ مَا عُلِّقَ مِنْ شَحْمَة الْأُذُن فَهُوَ قُرْط سَوَاء كَانَ مِنْ ذَهَب أَوْ خَرَز وَأَمَّا الْخُرْص فَهُوَ الْحَلْقَة الصَّغِيرَة مِنْ الْحُلِيّ.
قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: الصَّوَاب قُرْطَتهِنَّ بِحَذْفِ الْأَلِف وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي جَمْع قُرْط كَخُرْجٍ وَخُرْجَة، وَيُقَال فِي جَمْعه قِرَاط كَرُمْحٍ وَرِمَاح.
قَالَ الْقَاضِي: لَا يَبْعُد صِحَّة أَقْرِطَة، وَيَكُون جَمْع جَمْع أَيْ جَمْع قِرَاط لاسيما وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث.
1468- قَوْله: (عَنْ جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَا أَذَان يَوْم الْفِطْر وَلَا إِقَامَة وَلَا نِدَاء أَوْ لَا شَيْء) هَذَا ظَاهِره مُخَالِف لِمَا يَقُولهُ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُقَال: الصَّلَاة جَامِعَة، كَمَا قَدَّمْنَا فَيُتَأَوَّل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة وَلَا نِدَاء فِي مَعْنَاهُمَا وَلَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ.
1472- قَوْله: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج يَوْم الْأَضْحَى وَيَوْم الْفِطْر فَيَبْدَأ بِالصَّلَاةِ» هَذَا دَلِيل لِمَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوج لِصَلَاةِ الْعِيد إِلَى الْمُصَلَّى، وَأَنَّهُ أَفْضَل مَنْ فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِد، وَعَلَى هَذَا عَمَل النَّاس فِي مُعْظَم الْأَمْصَار، وَأَمَّا أَهْل مَكَّة فَلَا يُصَلُّونَهَا إِلَّا فِي الْمَسْجِد مِنْ الزَّمَن الْأَوَّل، وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ أَحَدهمَا الصَّحْرَاء أَفْضَل لِهَذَا الْحَدِيث، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحّ عِنْد أَكْثَرهمْ الْمَسْجِد أَفْضَل إِلَّا أَنْ يَضِيق. قَالُوا: وَإِنَّمَا صَلَّى أَهْل مَكَّة فِي الْمَسْجِد لِسَعَتِهِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى لِضِيقِ الْمَسْجِد، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِد أَفْضَل إِذَا اِتَّسَعَ.
قَوْله: (فَخَرَجْت مُخَاصِرًا مَرْوَان) أَيْ مُمَاشِيًا لَهُ يَده فِي يَدَيَّ هَكَذَا فَسَّرُوهُ.
قَوْله: (فَإِذَا مَرْوَان يُنَازِعنِي يَده كَأَنَّهُ يَجُرّنِي نَحْو الْمِنْبَر وَأَنَا أَجُرّهُ نَحْو الصَّلَاة) فيه أَنَّ الْخُطْبَة لِلْعِيدِ بَعْد الصَّلَاة وَفيه الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَإِنْ كَانَ الْمُنْكَر عَلَيْهِ وَالِيًا وَفيه أَنَّ الْإِنْكَار عَلَيْهِ يَكُون بِالْيَدِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ، وَلَا يُجْزِي عَنْ الْيَد اللِّسَان مَعَ إِمْكَان الْيَد.
قَوْله: (أَيْنَ الِابْتِدَاء الصَّلَاة) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَلَى الْأَكْثَر وَفِي بَعْض الْأُصُول (أَلَا اِبْتِدَاء) بِأَلَا الَّتِي هِيَ لِلِاسْتِفْتَاحِ وَبَعْدهَا نُون ثُمَّ بَاءَ مُوَحَّدَة وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْأَوَّل أَجْوَد فِي هَذَا الْمَوْطِن لِأَنَّهُ سَاقَهُ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِ.
قَوْله: (لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَم) هُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ الَّذِي يَعْلَم هُوَ طَرِيق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْف يَكُون غَيْره خَيْرًا مِنْهُ.
قَوْله: (ثُمَّ اِنْصَرَفَ) قَالَ الْقَاضِي عَنْ جِهَة الْمِنْبَر إِلَى جِهَة الصَّلَاة وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ اِنْصَرَفَ مِنْ الْمُصَلَّى وَتَرَكَ الصَّلَاة مَعَهُ، بَلْ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ أَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ، وَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ بَعْد الصَّلَاة، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة الصَّلَاة بَعْد الْخُطْبَة، وَلَوْلَا صِحَّتهَا كَذَلِكَ لَمَا صَلَّاهَا مَعَهُ، وَاتَّفَقَ أَصْحَابنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الصَّلَاة صَحَّتْ، وَلَكِنَّهُ يَكُون تَارِكًا لِلسُّنَّةِ مُفَوِّتًا لِلْفَضِيلَةِ بِخِلَافِ خُطْبَة الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يُشْتَرَط لِصِحَّةِ صَلَاة الْجُمُعَة تَقَدُّم خُطْبَتهَا عَلَيْهَا، لِأَنَّ خُطْبَة الْجُمُعَة وَاجِبَة وَخُطْبَة الْعِيد مَنْدُوبَة.

.باب ذِكْرِ إِبَاحَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمُصَلَّى وَشُهُودِ الْخُطْبَةِ مُفَارِقَاتٍ لِلرِّجَالِ:

1473- قَوْلهَا: «أَمَرَنَا أَنْ نُخْرِج فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُور» قَالَ أَهْل اللُّغَة الْعَوَاتِق جَمْع عَاتِق وَهِيَ الْجَارِيَة الْبَالِغَة، وَقَالَ اِبْن دُرَيْدٍ: هِيَ الَّتِي قَارَبَتْ الْبُلُوغ.
قَالَ اِبْن السِّكِّيت: هِيَ مَا بَيْن أَنْ تَبْلُغ إِلَى أَنْ تَعْنُس مَا لَمْ تَتَزَوَّج. وَالتَّعْنِيس طُول الْمَقَام فِي بَيْت أَبِيهَا بِلَا زَوْج حَتَّى تَطْعَنَ فِي السِّنّ.
قَالُوا: سُمِّيَتْ عَاتِقًا لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنْ اِمْتِهَانهَا فِي الْخِدْمَة وَالْخُرُوج فِي الْحَوَائِج، وَقِيلَ: قَارَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّج فَتُعْتَق مِنْ قَهْر أَبَوَيْهَا وَأَهْلهَا وَتَسْتَقِلّ فِي بَيْت زَوْجهَا وَالْخُدُور: الْبُيُوت، وَقِيلَ: الْخِدْر سِتْر يَكُون فِي نَاحِيَة الْبَيْت.
1474- قَوْلهَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة: «وَالْمُخَبَّأَة» هِيَ بِمَعْنَى ذَات الْخِدْر.
قَالَ أَصْحَابنَا: يُسْتَحَبّ إِخْرَاج النِّسَاء غَيْر ذَوَات الْهَيْئَات وَالْمُسْتَحْسَنَات فِي الْعِيدَيْنِ دُون غَيْرهنَّ، وَأَجَابُوا عَلَى إِخْرَاج ذَوَات الْخُدُور وَالْمُخَبَّأَة بِأَنَّ الْمَفْسَدَة فِي ذَلِكَ الزَّمَن كَانَتْ مَأْمُونَة بِخِلَافِ الْيَوْم، وَلِهَذَا صَحَّ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: لَوْ رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاء لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِد كَمَا مُنِعَتْ نِسَاء بَنِي إِسْرَائِيل.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي خُرُوجهنَّ لِلْعِيدَيْنِ، فَرَأَى جَمَاعَة ذَلِكَ حَقًّا عَلَيْهِنَّ مِنْهُمْ أَبُو بَكْر وَعَلِيّ وَابْن عُمَر وَغَيْرهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ عُرْوَة وَالْقَاسِم وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيّ وَمَالِك وَأَبُو يُوسُف، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَة مَرَّة وَمَنَعَهُ مَرَّة.
قَوْلهَا: فِي الْحَيْض: «يُكَبِّرْنَ مَعَ النِّسَاء» فيه جَوَاز ذِكْر اللَّه تَعَالَى لِلْحَائِضِ وَالْجُنُب، وَإِنَّمَا يَحْرُم عَلَيْهَا الْقُرْآن.
وَقَوْلهَا: «يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاس» دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب التَّكْبِير لِكُلِّ أَحَد فِي الْعِيدَيْنِ، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابنَا: يُسْتَحَبّ التَّكْبِير لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَحَال الْخُرُوج إِلَى الصَّلَاة.
قَالَ الْقَاضِي: التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ أَرْبَعَة مَوَاطِن فِي السَّعْي إِلَى الصَّلَاة إِلَى حِين يَخْرُج الْإِمَام، وَالتَّكْبِير فِي الصَّلَاة، وَفِي الْخُطْبَة، وَبَعْد الصَّلَاة. أَمَّا الْأَوَّل فَاخْتَلَفُوا فيه فَاسْتَحَبَّهُ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالسَّلَف فَكَانُوا يُكَبِّرُونَ إِذَا خَرَجُوا حَتَّى يَبْلُغُوا الْمُصَلَّى يَرْفَعُونَ أَصْوَاتهمْ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَزَادَ اِسْتِحْبَابه لَيْلَة الْعِيدَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يُكَبِّر فِي الْخُرُوج لِلْأَضْحَى دُون الْفِطْر، وَخَالَفَهُ أَصْحَابه فَقَالُوا بِقَوْلِ الْجُمْهُور.
وَأَمَّا التَّكْبِير بِتَكْبِيرِ الْإِمَام فِي الْخُطْبَة فَمَالِك يَرَاهُ، وَغَيْره يَأْبَاهُ.
وَأَمَّا التَّكْبِير لِلشُّرُوعِ فِي أَوَّل صَلَاة الْعِيد فَقَالَ الشَّافِعِيّ هُوَ سَبْع فِي الْأُولَى غَيْر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَخَمْس فِي الثَّانِيَة غَيْر تَكْبِيرَة الْقِيَام.
وَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر كَذَلِكَ، لَكِنْ سَبْع فِي الْأُولَى إِحْدَاهُنَّ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة، خَمْس فِي الْأُولَى وَأَرْبَع فِي الثَّانِيَة بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَام وَالْقِيَام. وَجُمْهُور الْعُلَمَاء يَرَى هَذِهِ التَّكْبِيرَات مُتَوَالِيَة مُتَّصِلَة وَقَالَ عَطَاء وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد: يُسْتَحَبّ بَيْن كُلّ تَكْبِيرَتَيْنِ ذِكْر اللَّه تَعَالَى، وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَأَمَّا التَّكْبِير بَعْد الصَّلَاة فِي عِيد الْأَضْحَى فَاخْتَلَفَ عُلَمَاء السَّلَف وَمَنْ بَعْدهمْ فيه عَلَى نَحْو عَشْرَة مَذَاهِب: هَلْ اِبْتِدَاؤُهُ مِنْ صُبْح يَوْم عَرَفَة أَوْ ظُهْره، أَوْ صُبْح يَوْم النَّحْر أَوْ ظُهْره، وَهَلْ اِنْتِهَاؤُهُ فِي ظُهْر يَوْم النَّحْر أَوْ ظُهْر أَوَّل أَيَّام النَّفَر، أَوْ فِي صُبْح أَيَّام التَّشْرِيق أَوْ ظُهْره أَوْ عَصْره؟ وَاخْتَارَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة اِبْتِدَاءَهُ مِنْ ظُهْر يَوْم النَّحْر وَانْتِهَاءَهُ صُبْح آخِر أَيَّام التَّشْرِيق، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْل الْعَصْر مِنْ آخِر أَيَّام التَّشْرِيق. وَقَوْل أَنَّهُ مِنْ صُبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى عَصْر آخِر أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا، وَعَلَيْهِ الْعَمَل فِي الْأَمْصَار.
1475- قَوْلهَا: «وَأَمَرَ الْحُيَّض أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْمِيم فِي (أَمَرَ) فيه مَنْع الْحُيَّض مِنْ الْمُصَلَّى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي هَذَا الْمَنْع فَقَالَ الْجُمْهُور: هُوَ مَنْع تَنْزِيه لَا تَحْرِيم، وَسَبَبه الصِّيَانَة وَالِاحْتِرَاز مِنْ مُقَارَنَة النِّسَاء لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْر حَاجَة وَلَا صَلَاة، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُم لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْجِدًا. وَحَكَى أَبُو الْفَرَج الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ بَعْض أَصْحَابنَا أَنَّهُ قَالَ: يَحْرُم الْمُكْث فِي الْمُصَلَّى عَلَى الْحَائِض كَمَا يَحْرُم مُكْثهَا فِي الْمَسْجِد لِأَنَّهُ مَوْضِع لِلصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْمَسْجِد. وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
قَوْلهَا: «وَيَشْهَدْنَ الْخَيْر وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ» فيه اِسْتِحْبَاب حُضُور مَجَامِع الْخَيْر وَدُعَاء الْمُسْلِمِينَ وَحِلَق الذِّكْر وَالْعِلْم وَنَحْو ذَلِكَ.
فَقَوْله: «لَا يَكُون لَهَا جِلْبَاب» قَالَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ هُوَ ثَوْب أَقْصَر وَأَعْرَض مِنْ الْخِمَار وَهِيَ الْمِقْنَعَة تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَة رَأْسهَا وَقِيلَ: هُوَ ثَوْب وَاسِع دُون الرِّدَاء تُغَطِّي بِهِ صَدْرهَا، وَظَهْرهَا، وَقِيلَ: هُوَ كَالْمَلَاءَةِ وَالْمِلْحَفَة، وَقِيلَ: هُوَ الْإِزَار، وَقِيلَ: الْخِمَار.
قَوْله: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتُلْبِسهَا أُخْتهَا مِنْ جِلْبَابهَا» الصَّحِيح أَنَّ مَعْنَاهُ لِتُلْبِسْهَا جِلْبَابًا لَا تَحْتَاج إِلَيْهِ عَارِيَة. وَفيه الْحَثّ عَلَى حُضُور الْعِيد لِكُلِّ أَحَد، وَعَلَى الْمُوَاسَاة وَالتَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى.