فصل: كتاب العتق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.كتاب العتق:

قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْعِتْق الْحُرِّيَّة. يُقَال مِنْهُ: عَتَقَ يَعْتِق عِتْقًا بِكَسْرِ الْعَيْن وَعِتْقًا بِفَتْحِهَا أَيْضًا، حَكَاهُ صَاحِب الْمُحْكَم وَغَيْره. وَعَتَاقًا وَعَتَاقَة فَهُوَ عَتِيق وَعَاتِق أَيْضًا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ وَهُمْ عُتَقَاء وَأَعْتَقَهُ فَهُوَ مُعْتَق، وَهُمْ عُتَقَاء، وَأَمَة عَتِيق وَعَتِيقَة وَإِمَاء عَتَائِق، وَحَلَفَ بِالْعَتَاقِ أَيْ الْإِعْتَاق.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ: هُوَ مُشْتَقّ مِنْ قَوْلهمْ: عَتَقَ الْفَرَس إِذَا سَبَقَ وَنَجَا، وَعَتَقَ الْفَرْخ طَارَ وَاسْتَقَلَّ، لِأَنَّ الْعَبْد يَتَخَلَّص بِالْعِتْقِ وَيَذْهَب حَيْثُ شَاءَ.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره: وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ أَعْتَقَ نَسَمَة أَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَة وَفَكَّ رَقَبَة فَخُصَّتْ الرَّقَبَة دُون سَائِر الْأَعْضَاء مَعَ أَنَّ الْعِتْق يَتَنَاوَل الْجَمِيع، لِأَنَّ حُكْم السَّيِّد عَلَيْهِ وَمِلْكه لَهُ كَحَبْلٍ فِي رَقَبَة الْعَبْد وَكَالْغَلِّ الْمَانِع لَهُ مِنْ الْخُرُوج، فَإِذَا أَعْتَقَ فَكَأَنَّهُ أُطْلِقَتْ رَقَبَته مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ:

قَوْله: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْد، وَكَانَ لَهُ مَال يَبْلُغ ثَمَن الْعَبْد، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَة الْعَدْل، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصهمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْد وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَفِي نُسْخَة: «مَا أَعْتَقَ» هَذَا حَدِيث اِبْن عُمَر. وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ فِي الْمَمْلُوك بَيْن الرَّجُلَيْنِ فَيُعْتَق أَحَدهمَا قَالَ: يَضْمَن» وَفِي رِوَايَة: «قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْد، فَخَلَاصه فِي مَاله إِنْ كَانَ لَهُ مَال، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَال اِسْتَسْعَى الْعَبْد غَيْر مَشْقُوق عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَة: «إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَال قُوِّمَ عَلَيْهِ الْعَبْد قِيمَة عَدْل، ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيب الَّذِي لَمْ يُعْتَق غَيْر مَشْقُوق عَلَيْهِ».
2758- قَالَ الْقَاضِي: وَقَوْله فِي حَدِيث اِبْن عُمَر: «وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ظَاهِره أَنَّهُ مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِك وَعُبَيْد اللَّه الْعُمَرِيّ فَوَصَلَاهُ بِكَلَامِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَاهُ مِنْهُ وَرَوَاهُ أَيُّوب عَنْ نَافِع فَقَالَ: قَالَ نَافِع: «وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» فَفَصَلَهُ مِنْ الْحَدِيث وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْل نَافِع.
وَقَالَ أَيُّوب مَرَّة: لَا أَدْرِي هُوَ مِنْ الْحَدِيث أَمْ هُوَ شَيْء قَالَهُ نَافِع؟، وَلِهَذِهِ الرِّوَايَة قَالَ اِبْن وَضَّاح: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَمَا قَالَهُ مَالِك وَعُبَيْد اللَّه الْعُمَرِيّ أَوْلَى، وَقَدْ جَوَّدَهُ. وَهُمَا فِي نَافِع أَثْبَت مِنْ أَيُّوب عِنْد أَهْل هَذَا الشَّأْن، فَكَيْفَ وَقَدْ شَكّ أَيُّوب فيه كَمَا ذَكَرْنَاهُ؟ قَالَ: وَقَدْ، رَوَاهُ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ نَافِع، وَقَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِع: وَإِلَّا فَقَدْ جَازَ مَا صَنَعَ فَأَتَى بِهِ عَلَى الْمَعْنَى.
قَالَ: وَهَذَا كُلّه يَرُدّ قَوْل مَنْ قَالَ بِالِاسْتِسْعَاءِ وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب ذِكْرِ سِعَايَةِ الْعَبْدِ:

2760- قَوْلُه: «إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَال قُوِّمَ عَلَيْهِ الْعَبْد قِيمَة عَدْل، ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيب الَّذِي لَمْ يُعْتَق غَيْر مَشْقُوق عَلَيْهِ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض فِي ذِكْر الِاسْتِسْعَاء: هُنَا خِلَاف بَيْن الرُّوَاة قَالَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَى هَذَا الْحَدِيث شُعْبَة وَهِشَام عَنْ قَتَادَة، وَهُمَا أَثْبَت، فَلَمْ يَذْكُرَا فيه الِاسْتِسْعَاء وَوَافَقَهُمَا هَمَّام فَفَصَلَ الِاسْتِسْعَاء مِنْ الْحَدِيث، فَجَعَلَهُ مِنْ رَأْي أَبِي قَتَادَة قَالَ: وَعَلَى هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَهُوَ الصَّوَاب.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَمِعْت أَبَا بَكْر النَّيْسَابُورِيّ يَقُول: مَا أَحْسَن مَا رَوَاهُ هَمَّام وَضَبَطَهُ، فَفَصَلَ قَوْل قَتَادَة عَنْ الْحَدِيث.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ الْأَصِيلِيّ وَابْن الْقَصَّار وَغَيْرهمَا مَنْ أَسْقَطَ السِّعَايَة مِنْ الْحَدِيث أَوْلَى مِمَّنْ ذَكَرَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْأَحَادِيث الْآخَر مِنْ رِوَايَة اِبْن عُمَر.
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبُرّ: الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوا السِّعَايَة أَثْبَت مِمَّنْ ذَكَرُوهَا.
قَالَ غَيْره: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فيها عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة فَتَارَة ذَكَرَهَا وَتَارَة لَمْ يَذْكُرهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْده مِنْ مَتْن الْحَدِيث. كَمَا قَالَ غَيْره هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْعُلَمَاء وَمَعْنَى الِاسْتِسْعَاء فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْعَبْد يُكَلَّف الِاكْتِسَاب وَالطَّلَب حَتَّى تَحْصُل قِيمَة نَصِيب الشَّرِيك الْآخَر، فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ عَتَقَ. هَكَذَا فَسَّرَهُ جُمْهُور الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِسْعَاءِ وَقَالَ بَعْضهمْ: هُوَ أَنْ يَخْدُم سَيِّده الَّذِي لَمْ يَعْتِق بِقَدْرِ مَا لَهُ فيه مِنْ الرِّقّ فَعَلَى هَذَا تَتَّفِق الْأَحَادِيث.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيْر مَشْقُوق عَلَيْهِ» أَيْ لَا يُكَلَّف مَا يَشُقّ عَلَيْهِ. وَالشِّقْص بِكَسْرِ الشِّين النَّصِيب قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَيُقَال لَهُ: الشَّقِيص أَيْضًا. بِزِيَادَةِ الْيَاء وَيُقَال لَهُ أَيْضًا الشِّرْك بِكَسْرِ الشِّين.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبه مِنْ عَبْد مُشْتَرَك قُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيه إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ عَدْل سَوَاء كَانَ الْعَبْد مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَسَوَاء كَانَ الشَّرِيك مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَسَوَاء كَانَ الْعَتِيق عَبْدًا أَوْ أَمَة. وَلَا خِيَار لِلشَّرِيكِ فِي هَذَا وَلَا لِلْعَبْدِ وَلَا لِلْمُعْتَقِ، بَلْ يَنْفُذ هَذَا الْحُكْم وَإِنْ كَرِهَهُ كُلّهمْ مُرَاعَاة لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى فِي الْحُرِّيَّة. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ نَصِيب الْمُعْتَق يُعْتَق بِنَفْسِ الْإِعْتَاق، إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رَبِيعَة أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْتَق نَصِيب الْمُعْتَق مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل مُخَالِف لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة كُلّهَا وَالْإِجْمَاع.
وَأَمَّا نَصِيب الشَّرِيك فَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمه إِذَا كَانَ الْمُعْتَق مُوسِرًا عَلَى سِتَّة مَذَاهِب:
أَحَدهَا وَهُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَبِهِ قَالَ اِبْن شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق وَبَعْض الْمَالِكِيَّة، أَنَّهُ عَتَقَ بِنَفْسِ الْإِعْتَاق، وَيَقُوم عَلَيْهِ نَصِيب شَرِيكه بِقِيمَتِهِ يَوْم الْإِعْتَاق، وَيَكُون وَلَاء جَمِيعه لِلْمُعْتَقِ، وَحُكْمه مِنْ حِين الْإِعْتَاق حُكْم الْأَحْرَار فِي الْمِيرَاث وَغَيْره وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ إِلَّا الْمُطَالَبَة بِقِيمَةِ نَصِيبه كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَوْ أُعْسِرَ الْمُعْتَق بَعْد ذَلِكَ اِسْتَمَرَّ نُفُوذ الْعِتْق وَكَانَتْ الْقِيمَة دَيْنًا فِي ذِمَّته، وَلَوْ مَاتَ أَخَذَتْ مِنْ تَرِكَته فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَة ضَاعَتْ الْقِيمَة وَاسْتَمَرَّ عِتْق جَمِيعه قَالُوا: وَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيك نَصِيبه بَعْد إِعْتَاق الْأَوَّل نَصِيبه كَانَ إِعْتَاقه لَغْوًا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كُلّه حُرًّا.
وَالْمَذْهَب الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُعْتِق إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَة وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك وَبِهِ قَالَ أَهْل الظَّاهِر وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ.
الثَّالِث مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة لِلشَّرِيكِ الْخِيَار إِنْ شَاءَ اِسْتَسْعَى الْعَبْد فِي نِصْف قِيمَته، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبه وَالْوَلَاء بَيْنهمَا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ نَصِيبه عَلَى شَرِيكه الْمُعْتَق ثُمَّ رَجَعَ الْمُعْتَق بِمَا دَفَعَ إِلَى شَرِيكه عَلَى الْعَبْد يَسْتَسْعِيه فِي ذَلِكَ، وَالْوَلَاء كُلّه لِلْمُعْتَقِ قَالَ: وَالْعَبْد فِي مُدَّة الْكِتَابَة بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَب فِي كُلّ أَحْكَامه.
الرَّابِع مَذْهَب عُثْمَان الْبَتِّيّ لَا شَيْء عَلَى الْمُعْتَق إِلَّا أَنْ تَكُون جَارِيَة رَائِعَة تُرَاد لِلْوَطْءِ فَيَضْمَن مَا أَدْخَلَ عَلَى شَرِيكه فيها مِنْ الضَّرَر.
الْخَامِس حَكَاهُ اِبْن سِيرِينَ أَنَّ الْقِيمَة فِي بَيْت الْمَال.
السَّادِس مَحْكِيّ عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْم لِلْعَبِيدِ دُون الْإِمَاء، وَهَذَا الْقَوْل شَاذّ مُخَالِف لِلْعُلَمَاءِ كَافَّة وَالْأَقْوَال الثَّلَاثَة قَبْله فَاسِدَة مُخَالِفَة لِصَرِيحِ الْأَحَادِيث فَهِيَ مَرْدُودَة عَلَى قَائِلِيهَا.
هَذَا كُلّه فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُعْتَق لِنَصِيبِهِ مُوسِرًا.
فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا حَال الْإِعْتَاق فَفيه أَرْبَعَة مَذَاهِب:
أَحَدهَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبِي عُبَيْد وَمُوَافِقِيهِمْ، يَنْفُذ الْعِتْق فِي نَصِيب الْمُعْتَق فَقَطْ وَلَا يُطَالِب الْمُعْتَق بِشَيْءٍ وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْد بَلْ يَبْقَى نَصِيب الشَّرِيك رَقِيقًا كَمَا كَانَ؛ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُور عُلَمَاء الْحِجَاز لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر.
الْمَذْهَب الثَّانِي مَذْهَب اِبْن شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَابْن أَبِي لَيْلَى وَسَائِر الْكُوفِيِّينَ وَإِسْحَاق، يُسْتَسْعَى الْعَبْد فِي حِصَّة الشَّرِيك وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي رُجُوع الْعَبْد بِمَا أَدَّى فِي سِعَايَته عَلَى مُعْتَقه فَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى: يَرْجِع بِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَصَاحِبَاهُ: لَا يَرْجِع. ثُمَّ هُوَ عِنْد أَبِي حَنِيفَة فِي مُدَّة السِّعَايَة بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَب وَعِنْد الْآخَرِينَ هُوَ حُرّ بِالسِّرَايَةِ.
الْمَذْهَب الثَّالِث مَذْهَب زُفَر وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ، أَنَّهُ يُقَوَّم عَلَى الْمُعْتَق وَيُؤَدِّي الْقِيمَة إِذَا أَيْسَر.
الرَّابِع حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء، أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتَق مُعْسِرًا بَطَلَ عِتْقه فِي نَصِيبه أَيْضًا فَيَبْقَى الْعَبْد كُلّه رَقِيقًا كَمَا كَانَ، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل.
أَمَّا إِذَا مَلَكَ الْإِنْسَان عَبْدًا بِكَمَالِهِ فَأَعْتَقَ بَعْضه فَيُعْتِق كُلّه فِي الْحَال بِغَيْرِ اِسْتِسْعَاء، هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَالْعُلَمَاء كَافَّة، وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَة فَقَالَ: يُسْتَسْعَى فِي بَقِيَّته لِمَوْلَاهُ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابه فِي ذَلِكَ فَقَالُوا بِقَوْلِ الْجُمْهُور. وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رَوَى عَنْ طَاوُسٍ وَرَبِيعَة وَحَمَّاد وَرِوَايَة عَنْ الْحَسَن كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة، وَقَالَ أَهْل الظَّاهِر وَعَنْ الشَّعْبِيّ وَعُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن الْعَنْبَرِيّ، أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْتِق مِنْ عَبْده مَا شَاءَ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قِيمَة عَدْل» بِفَتْحِ الْعَيْن أَيْ لَا زِيَادَة وَلَا نَقْص وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ:

فيه حَدِيث عَائِشَة فِي قِصَّة بَرِيرَة وَأَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَة فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَة وَأَعْتَقَتْهَا وَأَنَّهُمْ شَرَطُوا وَلَاءَهَا.
وَقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ كَثِيرُ الْأَحْكَام وَالْقَوَاعِد وَفيه مَوَاضِع تَشَعَّبَتْ فيها الْمَذَاهِبُ.
أَحَدهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَة وَبَاعَهَا الْمَوَالِي وَاشْتَرَتْهَا عَائِشَة وَأَقَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعهَا، فَاحْتَجَّ بِهِ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء فِي أَنَّهُ يَجُوز بَيْع الْمُكَاتَب، وَمِمَّنْ جَوَّزَهُ عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَأَحْمَد وَمَالِك وَفِي رِوَايَة عَنْهُ.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَرَبِيعَة وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَبَعْض الْمَالِكِيَّة وَمَالِك فِي رِوَايَة عَنْهُ: لَا يَجُوز بَيْعه.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: يَجُوز بَيْعه لِلْعِتْقِ لَا لِلِاسْتِخْدَامِ. وَأَجَابَ مَنْ أَبْطَلَ بَيْعه عَنْ حَدِيث بَرِيرَة بِأَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسهَا وَفَسَخُوا الْكِتَابَة وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَوْضِع الثَّانِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِشْتَرِيهَا وَاعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاء فَإِنَّ الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهَذَا مُشْكِل مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا اِشْتَرَتْهَا وَشَرَطَتْ لَهُمْ الْوَلَاء وَهَذَا الشَّرْط يُفْسِد الْبَيْع، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا خَدَعَتْ الْبَائِعِينَ وَشَرَطَتْ لَهُمْ مَا لَا يَصِحّ وَلَا يَحْصُل لَهُمْ، وَكَيْف أَذِنَ لِعَائِشَة فِي هَذَا؟ وَلِهَذَا الْإِشْكَال أَنْكَرَ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْحَدِيث بِجُمْلَتِهِ وَهَذَا مَنْقُول عَنْ يَحْيَى بْن أَكْثَم وَاسْتَدَلَّ بِسُقُوطِ هَذِهِ اللَّفْظَة فِي كَثِير مِنْ الرِّوَايَات، وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء: هَذِهِ اللَّفْظَة صَحِيحَة، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلهَا فَقَالَ بَعْضهمْ: قَوْله: «اِشْتَرِطِي لَهُمْ» أَيْ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَهُمْ اللَّعْنَةُ} بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}، أَيْ فَعَلَيْهَا وَهَذَا مَنْقُول عَنْ الشَّافِعِيّ وَالْمُزَنِيّ، وَقَالَهُ غَيْرهمَا أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ الِاشْتِرَاط، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ صَاحِب هَذَا التَّأْوِيل لَمْ يُنْكِرهُ وَقَدْ يُجَاب عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنْكَرَ مَا أَرَادُوا اِشْتِرَاطه فِي أَوَّل الْأَمْر، وَقِيلَ: مَعْنَى: «اِشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاء» أَظْهَرِي لَهُمْ حُكْم الْوَلَاء، وَقِيلَ: الْمُرَاد الزَّجْر وَالتَّوْبِيخ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيَّنَ لَهُمْ حُكْم الْوَلَاء، وَأَنَّ هَذَا الشَّرْط لَا يَحِلّ فَلَمَّا أَلَحُّوا فِي اِشْتِرَاطه وَمُخَالَفَة الْأَمْر، قَالَ لِعَائِشَة هَذَا بِمَعْنَى لَا تُبَالِي سَوَاء شَرَطْتِهِ أَمْ لَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ بَيَان ذَلِكَ لَهُمْ، فَعَلَى هَذَا لَا تَكُون لَفْظَة: «اِشْتَرِطِي» هُنَا لِلْإِبَاحَةِ، وَالْأَصَحّ فِي تَأْوِيل الْحَدِيث مَا قَالَ أَصْحَابنَا فِي كُتُب الْفِقْه: إِنَّ هَذَا الشَّرْط خَاصّ فِي قِصَّة عَائِشَة، وَاحْتَمَلَ هَذَا الْإِذْن وَإِبْطَاله فِي هَذِهِ الْقِصَّة الْخَاصَّة وَهِيَ قَضِيَّة عَيْن لَا عُمُوم لَهَا، قَالُوا: وَالْحِكْمَة فِي إِذْنه ثُمَّ إِبْطَاله، أَنْ يَكُون أَبْلَغ فِي قَطْع عَادَتهمْ فِي ذَلِكَ وَزَجْرهمْ عَنْ مِثْله، كَمَا أَذِنَ لَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ فِي حَجَّة الْوَدَاع ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِهِ، وَجَعْله عُمْرَة بَعْد أَنْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي زَجْرهمْ وَقَطْعهمْ عَمَّا اِعْتَادُوهُ مِنْ مَنْع الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ، وَقَدْ تُحْتَمَل الْمَفْسَدَةُ الْيَسِيرَةُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَة عَظِيمَة وَاللَّهُ أَعْلَم.
الْمَوْضِع الثَّالِث قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوت الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْده أَوْ أَمَته عَنْ نَفْسه وَأَنَّهُ يَرِث بِهِ، وَأَمَّا الْعَتِيق فَلَا يَرِث سَيِّده عِنْد الْجَمَاهِير، وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ: يَرِثهُ كَعَكْسِهِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاء لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَا لِمُلْتَقِطِ اللَّقِيط وَلَا لِمَنْ حَالَفَ إِنْسَانًا عَلَى الْمُنَاصَرَة، وَبِهَذَا كُلّه قَالَ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، قَالُوا: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَارِث فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَال، وَقَالَ رَبِيعَة وَاللَّيْث وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُل فَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَقَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ: يَثْبُت لِلْمُلْتَقِطِ الْوَلَاء عَلَى اللَّقِيط، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَثْبُت الْوَلَاء بِالْحِلْفِ وَيَتَوَارَثَانِ بِهِ، دَلِيل الْجُمْهُور حَدِيث: «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْده سَائِبَة، أَيْ عَلَى أَلَّا وَلَاء لَهُ عَلَيْهِ يَكُون الشَّرْط لَاغِيًا، وَيَثْبُت لَهُ الْوَلَاء عَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَال أَوْ بَاعَهُ نَفْسه يَثْبُت لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاء، وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوْ اِسْتَوْلَدَهَا وَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ، فَفِي كُلّ هَذِهِ الصُّوَر يَثْبُت الْوَلَاء، وَيَثْبُت الْوَلَاء لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِر وَعَكْسه، وَإِنْ كَانَا لَا يَتَوَارَثَانِ فِي الْحَال لِعُمُومِ الْحَدِيث.
الْمَوْضِع الرَّابِع أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ بَرِيرَة فِي فَسْخ نِكَاحهَا، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّهَا إِذَا عَتَقَتْ كُلّهَا تَحْت زَوْجهَا وَهُوَ عَبْد كَانَ لَهَا الْخِيَار فِي فَسْخ النِّكَاح، فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا خِيَار لَهَا عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَهَا الْخِيَارُ، وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ زَوْجهَا حُرًّا، وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِم مِنْ رِوَايَة شُعْبَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم لَكِنْ قَالَ شُعْبَة: ثُمَّ سَأَلْته عَنْ زَوْجهَا فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِأَنَّهَا قَضِيَّة وَاحِدَة، وَالرِّوَايَات الْمَشْهُورَة فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره أَنَّ زَوْجهَا كَانَ عَبْدًا، قَالَ الْحُفَّاظ: وَرِوَايَة مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ حُرًّا غَلَط وَشَاذَّة مَرْدُودَة لِمُخَالَفَتِهَا الْمَعْرُوف فِي رِوَايَات الثِّقَات. وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا قَوْل عَائِشَة قَالَتْ: «كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي هَذَا الْكَلَام دَلِيلَانِ: أَحَدهمَا إِخْبَارهَا أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَهِيَ صَاحِبَة الْقَضِيَّة؛ وَالثَّانِي قَوْلهَا: «لَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرهَا». وَمِثْل هَذَا لَا يَكَاد أَحَد يَقُولهُ إِلَّا تَوْقِيفًا وَلِأَنَّ الْأَصْل فِي النِّكَاح اللُّزُوم وَلَا طَرِيق إِلَى فَسْخه إِلَّا بِالشَّرْعِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْعَبْد فَبَقِيَ الْحُرّ عَلَى الْأَصْل وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَر وَلَا عَار عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّة فِي الْمُقَام تَحْت حُرّ، وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ تَحْت عَبْد فَأَثْبَتَ لَهَا الشَّرْع الْخِيَار فِي الْعَبْد لِإِزَالَةِ الضَّرَر بِخِلَافِ الْحُرّ. قَالُوا: وَلِأَنَّ رِوَايَة هَذَا الْحَدِيث تَدُور عَلَى عَائِشَة وَابْن عَبَّاس، فَأَمَّا اِبْن عَبَّاس فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَات عَنْهُ أَنَّ زَوْجهَا كَانَ عَبْدًا؛ وَأَمَّا عَائِشَة فَمُعْظَم الرِّوَايَات عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَوَجَبَ تَرْجِيحهَا وَاللَّهُ أَعْلَم.
الْمَوْضِع الْخَامِس قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ شَرْط لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَة شَرْط» صَرِيح فِي إِبْطَال كُلّ شَرْط لَيْسَ لَهُ أَصْل فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَمَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ كَانَ مِائَة شَرْط» أَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ مِائَة مَرَّة تَوْكِيدًا فَهُوَ بَاطِل. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: «مَنْ اِشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَهُ مِائَة مَرَّة» قَالَ الْعُلَمَاء: الشَّرْط فِي الْبَيْع وَنَحْوه أَقْسَام:
أَحَدُهَا شَرْطٌ يَقْتَضِيه إِطْلَاق الْعَقْد بِأَنْ شَرَطَ تَسْلِيمه إِلَى الْمُشْتَرِي أَوْ تَبْقِيَة الثَّمَرَة عَلَى الشَّجَر إِلَى أَوَان الْجِدَاد أَوْ الرَّدّ بِالْعَيْبِ.
الثَّانِي شَرْطٌ فيه مَصْلَحَة وَتَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَة كَاشْتِرَاطِ الرَّهْن وَالضَّمِين وَالْخِيَار وَتَأْجِيل الثَّمَن وَنَحْو ذَلِكَ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ جَائِزَانِ وَلَا يُؤَثِّرَانِ فِي صِحَّة الْعَقْد بِلَا خِلَاف.
الثَّالِث اِشْتِرَاط الْعِتْق فِي الْعَبْد الْمَبِيع أَوْ الْأَمَة وَهَذَا جَائِز أَيْضًا عِنْد الْجُمْهُور لِحَدِيثِ عَائِشَة وَتَرْغِيبًا فِي الْعِتْق لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَته.
الرَّابِع مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوط كَشَرْطِ اِسْتِثْنَاء مَنْفَعَة وَشَرْط أَنْ يَبِيعهُ شَيْئًا آخَر أَوْ يُكْرِيه دَاره أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَهَذَا شَرْط بَاطِل مُبْطِل لِلْعَقْدِ. هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُور، وَقَالَ أَحْمَد: لَا يُبْطِلهُ شَرْط وَاحِد وَإِنَّمَا يُبْطِلهُ شَرْطَانِ وَاللَّهُ أَعْلَم.
الْمَوْضِع السَّادِس قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّحْم الَّذِي تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَة بِهِ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» دَلِيل عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَتْ الصِّفَة تَغَيَّرَ حُكْمُهَا، فَيَجُوز لِلْغَنِيِّ شِرَاؤُهَا مِنْ الْفَقِير وَأَكْلهَا إِذَا أَهْدَاهَا إِلَيْهِ وَلِلْهَاشِمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا تَحِلّ لَهُ الزَّكَاة اِبْتِدَاء وَاللَّهُ أَعْلَم. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيث بَرِيرَة هَذَا فَوَائِد وَقَوَاعِد كَثِيرَة وَقَدْ صَنَّفَ فيه اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن جَرِير تَصْنِيفَيْنِ كَبِيرَيْنِ: إِحْدَاهَا ثُبُوت الْوَلَاء لِلْمُعْتِقِ، الثَّانِيَة أَنَّهُ لَا وَلَاء لِغَيْرِهِ.
الثَّالِثَة ثُبُوت الْوَلَاء لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِر وَعَكْسه.
الرَّابِعَة جَوَاز الْكِتَابَة.
الْخَامِسَة جَوَاز فَسْخ الْكِتَابَة إِذَا عَجَّزَ الْمُكَاتَب نَفْسه وَاحْتَجَّ بِهِ طَائِفَة لِجَوَازِ بَيْع الْمُكَاتَب كَمَا سَبَقَ.
السَّادِسَة جَوَاز كِتَابَة الْأَمَة كَكِتَابَةِ الْعَبْد.
السَّابِعَة جَوَاز كِتَابَة الْمُزَوَّجَة.
الثَّامِنَة أَنَّ الْمُكَاتَب لَا يَصِير حُرًّا بِنَفْسِ الْكِتَابَة بَلْ هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَم كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض السَّلَف أَنَّهُ يَصِير حُرًّا بِنَفْسِ الْكِتَابَة وَيَثْبُت الْمَال فِي ذِمَّته وَلَا يَرْجِع إِلَى الرِّقّ أَبَدًا، وَعَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ إِذَا أَدَّى نِصْف الْمَال صَارَ حُرًّا وَيَصِير الْبَاقِي دَيْنًا عَلَيْهِ، قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ عُمَر وَابْن مَسْعُود وَشُرَيْح مِثْل هَذَا إِذَا أَدَّى الثُّلُث، وَعَنْ عَطَاء مِثْله إِذَا أَدَّى ثَلَاثَة أَرْبَاع الْمَال.
التَّاسِعَة أَنَّ الْكِتَابَة تَكُون عَلَى نُجُوم لِقَوْلِهِ فِي بَعْض رِوَايَات مُسْلِم هَذِهِ: إِنَّ بَرِيرَة قَالَتْ إِنَّ أَهْلهَا كَاتَبُوهَا عَلَى تِسْع أَوَاقٍ فِي تِسْع سِنِينَ كُلّ سَنَة أُوقِيَّة. وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهَا لَا تَجُوز عَلَى نَجْم وَاحِد بَلْ لابد مِنْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، وَقَالَ مَالِك وَالْجُمْهُور: تَجُوز عَلَى نُجُوم وَتَجُوز عَلَى نَجْم وَاحِد.
الْعَاشِرَة ثُبُوت الْخِيَار لِلْأَمَةِ إِذَا عَتَقَتْ تَحْت عَبْد.
الْحَادِيَة عَشَر تَصْحِيح الشُّرُوط الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا أُصُول الشَّرْع وَإِبْطَال مَا سِوَاهَا.
الثَّانِيَة عَشَر جَوَاز الصَّدَقَة عَلَى مَوَالِي قُرَيْش.
الثَّالِثَة عَشَر جَوَاز قَبُول هَدِيَّة الْفَقِير وَالْمُعْتَق.
الرَّابِعَة عَشَر تَحْرِيم الصَّدَقَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهَا: «وَأَنْتَ لَا تَأْكُل الصَّدَقَة». وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ كَانَ تَحْرُم عَلَيْهِ صَدَقَة الْفَرْض بِلَا خِلَاف وَكَذَا صَدَقَة التَّطَوُّع عَلَى الْأَصَحّ.
الْخَامِسَة عَشَر أَنَّ الصَّدَقَة لَا تَحْرُم عَلَى قُرَيْش غَيْر بَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب؛ لِأَنَّ عَائِشَة قُرَشِيَّة وَقَبِلَتْ ذَلِكَ اللَّحْم مِنْ بَرِيرَة عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْم الصَّدَقَة وَأَنَّهَا حَلَال لَهَا دُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِر عَلَيْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الِاعْتِقَاد.
السَّادِسَة عَشَر جَوَاز سُؤَال الرَّجُل عَمَّا يَرَاهُ فِي بَيْته وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا فِي حَدِيث أُمّ زَرْع فِي قَوْلهَا: «وَلَا يَسْأَل عَمَّا عَهِدَ» لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَسْأَل عَنْ شَيْء عَهِدَهُ وَفَاتَ، فَلَا يَسْأَل: أَيْنَ ذَهَبَ؟ وَأَمَّا هُنَا فَكَانَتْ الْبُرْمَة وَاللَّحْم فيها مَوْجُودَيْنِ حَاضِرَيْنِ. فَسَأَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فيها لِيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمه لِأَنَّهُ يَعْلَم أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ إِحْضَاره لَهُ شُحًّا عَلَيْهِ بِهِ، بَلْ لِتَوَهُّمِهِمْ تَحْرِيمه عَلَيْهِ، فَأَرَادَ بَيَان ذَلِكَ لَهُمْ.
السَّابِعَة عَشَر جَوَاز السَّجْع إِذَا لَمْ يَتَكَلَّف وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَجْع الْكُهَّان وَنَحْوه مِمَّا فيه تَكَلُّف.
الثَّامِنَة عَشَر إِعَانَة الْمُكَاتَب فِي كِتَابَته.
التَّاسِعَة عَشَر جَوَاز تَصَرُّف الْمَرْأَة فِي مَالهَا بِالشِّرَاءِ وَالْإِعْتَاق وَغَيْره إِذَا كَانَتْ رَشِيدَة.
الْعِشْرُونَ أَنَّ بَيْع الْأَمَة الْمُزَوَّجَة لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا يُفْسَخ بِهِ النِّكَاح وَبِهِ قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: هُوَ طَلَاق. وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ يَنْفَسِخ بِهِ النِّكَاح، وَحَدِيث بَرِيرَة يَرُدُّ الْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّهَا خُيِّرَتْ فِي بَقَائِهَا مَعَهُ.
الْحَادِيَة وَالْعِشْرُونَ جَوَاز اِكْتِسَاب الْمُكَاتَب بِالسُّؤَالِ.
الثَّانِيَة وَالْعِشْرُونَ اِحْتِمَال أَخَفّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْظَمهمَا وَاحْتِمَال مَفْسَدَة يَسِيرَة لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَة عَظِيمَة عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي تَأْوِيل شَرْط الْوَلَاء لَهُمْ.
الثَّالِثَة وَالْعِشْرُونَ جَوَاز الشَّفَاعَة مِنْ الْحَاكِم إِلَى الْمَحْكُوم لَهُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجَوَاز الشَّفَاعَة إِلَى الْمَرْأَة فِي الْبَقَاء مَعَ زَوْجهَا.
الرَّابِعَة وَالْعِشْرُونَ لَهَا الْفَسْخ بِعِتْقِهَا وَإِنْ تَضَرَّرَ الزَّوْج بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حُبّه إِيَّاهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَبْكِي عَلَى بَرِيرَة.
الْخَامِسَة وَالْعِشْرُونَ جَوَاز خِدْمَة الْعَتِيق لِمُعْتِقِهِ بِرِضَاهُ.
السَّادِسَة وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ عِنْد وُقُوع بِدْعَة أَوْ أَمْر يَحْتَاج إِلَى بَيَانه أَنْ يَخْطُب النَّاس وَيُبَيِّن لَهُمْ حُكْم ذَلِكَ وَيُنْكِر عَلَى مَنْ اِرْتَكَبَ مَا يُخَالِف الشَّرْع.
السَّابِعَة وَالْعِشْرُونَ اِسْتِعْمَال الْأَدَب وَحُسْن الْعِشْرَة وَجَمِيل الْمَوْعِظَة كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَال أَقْوَام يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَاب اللَّه» وَلَمْ يُوَاجِه صَاحِب الشَّرْط بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُود يَحْصُل لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ غَيْر فَضِيحَة وَشَنَاعَة عَلَيْهِ.
الثَّامِنَة وَالْعِشْرُونَ أَنَّ الْخُطَب تَبْدَأ بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى وَالثَّنَاء عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله.
التَّاسِعَة وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ فِي الْخُطْبَة أَنْ يَقُول بَعْد حَمْد اللَّه تَعَالَى وَالثَّنَاء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا بَعْد.
وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا فِي خُطَب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَقَ بَيَانه فِي مَوَاضِع.
الثَّلَاثُونَ التَّغْلِيظ فِي إِزَالَة الْمُنْكَر وَالْمُبَالَغَة فِي تَقْبِيحه وَاللَّهُ أَعْلَم.
2761- سبق شرحه بالباب.
2762- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَرْط اللَّه أَحَقّ» قِيلَ: الْمُرَاد بِهِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ} الْآيَة: قَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدِي أَنَّهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ» قَوْله: «قَالُوا: إِنْ شَاءَتْ تَحْتَسِب عَلَيْك فَلْتَفْعَلْ» مَعْنَاهُ إِنْ أَرَادَتْ الثَّوَاب عِنْد اللَّه وَأَلَا يَكُون لَهَا وَلَاء فَلْتَفْعَلْ.
قَوْلهَا: «فِي كُلّ عَامّ أُوقِيَّة» وَقَعَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى فِي بَعْض النُّسَخ: «وُقِيَّة» وَفِي بَعْضهَا: «أُوقِيَّة» بِالْأَلِفِ وَأَمَّا الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «فَوُقِيَّة» بِغَيْرِ أَلِف بِاتِّفَاقِ النُّسَخ وَكِلَاهُمَا صَحِيح وَهُمَا لُغَتَانِ إِثْبَات الْأَلِف أَفْصَح وَالْأُوقِيَّة الْحِجَازِيَّة أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
2763- قَوْلهَا: «فَانْتَهَرَتْهَا فَقَالَتْ لَا هَا اللَّه ذَلِكَ» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «لَا هَاء اللَّه إِذَا»، هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ، وَفِي رِوَايَات الْمُحَدِّثِينَ: «لَا هَاء اللَّه إِذَا»، بِمَدِّ قَوْله (هَاء)، وَبِالْأَلِفِ فِي (إِذَا)، قَالَ الْمَازِرِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة: هَذَانِ لَحْنَانِ وَصَوَابه: «لَا هَا اللَّه ذَا» بِالْقَصْرِ فِي (هَا) وَحَذْف الْأَلِف مِنْ (إِذَا) قَالُوا: وَمَا سِوَاهُ خَطَأ قَالُوا. وَمَعْنَاهُ (ذَا يَمِينِي) وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيّ وَغَيْره. أَنَّ الصَّوَاب (لَا هَا اللَّه ذَا) بِحَذْفِ الْأَلِف، وَقَالَ أَبُو زَيْد النَّحْوِيّ وَغَيْره: يَجُوز الْقَصْر وَالْمَدّ فِي (هَا) وَكُلّهمْ يُنْكِرُونَ الْأَلِف فِي (إِذَا)، وَيَقُولُونَ: صَوَابه (ذَا). قَالُوا: وَلَيْسَتْ الْأَلِف مِنْ كَلَام الْعَرَب.
قَالَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِيّ: جَاءَ فِي الْقَسَم (لَهَاء اللَّه)، قَالَ: وَالْعَرَب تَقُولهُ بِالْهَمْزَةِ وَالْقِيَاس تَرْكه، قَالَ: وَمَعْنَاهُ (لَا وَاَللَّه هَذَا مَا أُقْسِم بِهِ). فَأَدْخَلَ اِسْم اللَّه تَعَالَى بَيْن (هَا وَذَا) وَاسْم زَوْج بَرِيرَة (مُغِيث) بِضَمِّ الْمِيم وَاَللَّه أَعْلَم.
2764- سبق شرحه بالباب.
2765- سبق شرحه بالباب.
2766- سبق شرحه بالباب.
2768- سبق شرحه بالباب.
2769- سبق شرحه بالباب.

.باب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ:

2770- قَوْله: «إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْع الْوَلَاء وَهِبَته» فيه تَحْرِيم بَيْع الْوَلَاء وَهِبَته، وَأَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِل الْوَلَاء عَنْ مُسْتَحَقّه بَلْ هُوَ لُحْمَة كَلُحْمَةِ النَّسَب، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف. وَأَجَازَ بَعْض السَّلَف نَقَلَهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغهُمْ الْحَدِيث.

.باب تَحْرِيمِ تَوَلِّي الْعَتِيقِ غَيْرَ مَوَالِيهِ:

فيه نَهْيه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَتِيق غَيْر مَوَالِيه، وَأَنَّهُ لُعِنَ فَاعِل ذَلِكَ. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَنْتَمِي الْعَتِيق إِلَى وَلَاء غَيْر مُعْتَقه، وَهَذَا حَرَام لِتَفْوِيتِهِ حَقّ الْمُنْعِم عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَلَاء كَالنَّسَبِ فَيَحْرُم تَضْيِيعه كَمَا يَحْرُم تَضْيِيع النَّسَب وَانْتِسَاب الْإِنْسَان إِلَى غَيْر أَبِيهِ.
2771- قَوْله: «كَتَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلّ بَطْن عُقُوله» هُوَ بِضَمِّ الْعَيْن وَالْقَاف وَنَصْب اللَّام مَفْعُول كَتَبَ وَالْهَاء ضَمِير الْبَطْن. وَالْعُقُول الدِّيَات، وَاحِدهَا عَقْل كَفَلْسٍ وَفُلُوس وَمَعْنَاهُ أَنَّ الدِّيَة فِي قَتْل الْخَطَأ وَعَمْد الْخَطَأ تَجِب عَلَى الْعَاقِلَة وَهُمْ الْعَصَبِيَّات سَوَاء الْآبَاء وَالْأَبْنَاء وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا.
2772- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْن مَوَالِيه» فَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ قَوْم عَلَى جَوَاز التَّوَلِّي بِإِذْنِ مَوَالِيه، وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهُ لَا يَجُوز وَإِنْ أَذِنُوا. كَمَا لَا يَجُوز الِانْتِسَاب إِلَى غَيْر أَبِيهِ وَإِنْ أَذِنَ أَبُوهُ فيه، وَحَمَلُوا التَّقْيِيد فِي الْحَدِيث عَلَى الْغَالِب لِأَنَّ غَالِب مَا يَقَع هَذَا بِغَيْرِ إِذْن الْمَوَالِي، فَلَا يَكُون لَهُ مَفْهُوم يَعْمَل بِهِ، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ مِنْ إِمْلَاق}، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الَّتِي قَيَّدَ فيها بِالْغَالِبِ وَلَيْسَ لَهَا مَفْهُوم يُعْمَل بِهِ.
2774- وَأَمَّا حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي الصَّحِيفَة: «وَأَنَّ الْمَدِينَة حَرَم...» إِلَى آخِره فَسَبَقَ شَرْحه وَاضِحًا فِي آخِر كِتَاب الْحَجّ.

.باب فَضْلِ الْعِتْقِ:

2775- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَة أَعْتَقَ اللَّه بِكُلِّ عُضْو مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّار حَتَّى فَرْجه بِفَرْجِهِ» وَفِي رِوَايَة: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَة مُؤْمِنَة أَعْتَقَ اللَّه بِكُلِّ إِرْب مِنْهَا إِرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّار» الْإِرْب بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الرَّاء هُوَ الْعُضْو بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْرهَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان فَضْل الْعِتْق وَأَنَّهُ مِنْ أَفْضَل الْأَعْمَال وَمِمَّا يَحْصُل بِهِ الْعِتْق مِنْ النَّار وَدُخُول الْجَنَّة.
وَفيه اِسْتِحْبَاب عِتْق كَامِل الْأَعْضَاء فَلَا يَكُون خَصِيًّا وَلَا فَاقِد غَيْره مِنْ الْأَعْضَاء وَفِي الْخَصِيّ وَغَيْره أَيْضًا الْفَضْل الْعَظِيم لَكِنْ الْكَامِل أَوْلَى وَأَفْضَله أَعْلَاهُ ثَمَنًا وَأَنْفَسه كَمَا سَبَقَ بَيَانه فِي أَوَّل الْكِتَاب فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث: «أَيّ الرِّقَاب أَفْضَل؟».
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيْرهمْ عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ أَبِي أُمَامَة وَغَيْره مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَيّمَا اِمْرِئٍ مُسْلِم أَعْتَقَ اِمْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكه مِنْ النَّار يَجْزِي كُلّ عُضْو مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ وَأَيّمَا اِمْرِئٍ مُسْلِم أَعْتَقَ اِمْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكه مِنْ النَّار يَجْزِي كُلّ عُضْو مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ وَأَيّمَا اِمْرَأَة مُسْلِمَة أَعْتَقَتْ اِمْرَأَة مُسْلِمَة كَانَتْ فِكَاكهَا مِنْ النَّار يَجْزِي كُلّ عُضْو مِنْهُ عُضْوًا مِنْهَا».
قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح قَالَ هُوَ وَغَيْره.
وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّ عِتْق الْعَبْد أَفْضَل مِنْ عِتْق الْأَمَة: قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيّمَا أَفْضَل عِتْق الْإِنَاث أَمْ الذُّكُور؟ فَقَالَ بَعْضهمْ: الْإِنَاث أَفْضَل لِأَنَّهَا إِذَا عَتَقَتْ كَانَ وَلَدهَا حُرًّا سَوَاء تَزَوَّجَهَا حُرّ أَوْ عَبْد.
وَقَالَ آخَرُونَ: عِتْق الذُّكُور أَفْضَل لِهَذَا الْحَدِيث وَلِمَا فِي الذِّكْر مِنْ الْمَعَانِي الْعَامَّة الْمَنْفَعَة الَّتِي لَا تُوجَد فِي الْإِنَاث مِنْ الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَالْجِهَاد وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَخُصّ بِالرِّجَالِ إِمَّا شَرْعًا وَإِمَّا عَادَة، وَلِأَنَّ مِنْ الْإِمَاء مَنْ لَا تَرْغَب فِي الْعِتْق وَتَضِيع بِهِ بِخِلَافِ الْعَبِيد. وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الصَّحِيح.
وَأَمَّا التَّقْيِيد بِالرَّقَبَةِ بِكَوْنِهَا مُؤْمِنَة فَيَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفَضْل الْخَاصّ إِنَّمَا هُوَ فِي عِتْق الْمُؤْمِنَة.
وَأَمَّا غَيْر الْمُؤْمِنَة فَفيه أَيْضًا فَضْل بِلَا خِلَاف وَلَكِنْ دُون فَضْل الْمُؤْمِنَة، وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَط فِي عِتْق كَفَّارَة الْقَتْل كَوْنهَا مُؤْمِنَة، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ مَالِك: أَنَّ الْأَعْلَى ثَمَنًا أَفْضَل وَإِنْ كَانَ كَافِرًا. وَخَالَفَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَابه وَغَيْرهمْ قَالَ: وَهَذَا أَصَحّ.
2776- قَوْله: (دَاوُدَ بْن رُشَيْد) بِضَمِّ الرَّاء.
2777- سبق شرحه بالباب.
2778- سبق شرحه بالباب.