فصل: كِتَاب الْأَضْحَى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب تَحْرِيمِ أَكْلِ لَحْمِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ:

3581- قَوْله: «إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَة النِّسَاء يَوْم خَيْبَر، وَعَنْ لُحُوم الْحُمُر الْإِنْسِيَّة» أَمَّا الْإِنْسِيَّة فَبِإِسْكَانِ النُّون مَعَ كَسْر الْهَمْزَة وَبِفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، سَبَقَ بَيَانهمَا وَسَبَقَ بَيَان حُكْم نِكَاح الْمُتْعَة، وَشَرْح أَحَادِيثه فِي كِتَاب النِّكَاح، وَأَمَّا الْحُمُرُ الْإِنْسِيَّة فَقَدْ وَقَعَ فِي أَكْثَر الرِّوَايَات أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْم خَيْبَر عَنْ لُحُومهَا، وَفِي رِوَايَة: «حَرَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة». وَفِي رِوَايَات أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ الْقُدُور تَغْلِي فَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا وَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومهَا شَيْئًا. وَفِي رِوَايَة: «نُهِينَا عَنْ لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة»، وَفِي رِوَايَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وأَهْرِيقُوها وَاكْسِرُوهَا، فَقَالَ رَجُل: يَا رَسُول اللَّه أَوْ أَوَنُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلهَا؟ قَالَ: أَوَذَاكَ»، وَفِي رِوَايَة: «نَادَى مُنَادِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا إِنَّ اللَّه وَرَسُوله يَنْهَيَانِكُمْ عَنْهَا؛ فَإِنَّهُ رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان»، وَفِي رِوَايَة: «يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُوم الْحُمُر فَإِنَّهَا رِجْس أَوْ نَجَس فَأُكْفِئَتْ الْقُدُور بِمَا فيها». اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَسْأَلَة؛ فَقَالَ الْجَمَاهِير مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ بِتَحْرِيمِ لُحُومهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة، وَقَالَ اِبْن عَبَّاس: لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، وَعَنْ مَالِك ثَلَاث رِوَايَات: أَشْهَرهَا أَنَّهَا مَكْرُوهَة كَرَاهِيَة تَنْزِيه شَدِيدَة، وَالثَّانِيَة: حَرَام، وَالثَّالِثَة: مُبَاحَة، وَالصَّوَاب التَّحْرِيم كَمَا قَالَهُ الْجَمَاهِير لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَة.
وَأَمَّا الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ غَالِب بْن أَبْجَرَ قَالَ: «أَصَابَتْنَا سَنَة فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْء أُطْعِم أَهْلِي إِلَّا شَيْء مِنْ حُمُر، وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة، فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رَسُول اللَّه أَصَابَتْنَا السَّنَة فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِم أَهْلِي إِلَّا سِمَان حُمُر، وَإِنَّك حَرَّمْت لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة، فَقَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِين حُمُرك، فَإِنَّمَا حَرَّمْتهَا مِنْ أَجْل جَوَّال الْقَرْيَة» يَعْنِي بِالْجَوَّالِ الَّتِي تَأْكُل الْجُلَّة، وَهِيَ الْعُذْرَة. فَهَذَا الْحَدِيث مُضْطَرِب مُخْتَلَف الْإِسْنَاد شَدِيد الِاخْتِلَاف، وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْأَكْل مِنْهَا فِي حَال الِاضْطِرَار وَاللَّهُ أَعْلَم.
3585- قَوْله: «نَادَى أَنْ اِكْفَئُوا الْقُدُور» قَالَ الْقَاضِي: ضَبَطْنَاهُ بِأَلِفِ الْوَصْل وَفَتْح الْفَاء، مِنْ كَفَأْت، ثُلَاثِي وَمَعْنَاهُ: قَلَبْت، قَالَ: وَيَصِحّ قَطْع الْأَلِف وَكَسْر الْفَاء مِنْ أَكْفَأْت رُبَاعِي، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى عِنْد كَثِيرِينَ مِنْ أَهْل اللُّغَة، مِنْهُمْ الْخَلِيل وَالْكِسَائِيّ وَابْن السِّكِّيت وَابْن قُتَيْبَة وَغَيْرهمْ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: يُقَال: كَفَأْت، وَلَا يُقَال: أَكْفَأْت بِالْأَلِفِ.
3590- قَوْله: «لُحُوم الْحُمُر نِيئَة وَنَضِيجَة» هُوَ بِكَسْرِ النُّون وَبِالْهَمْزِ أَيْ غَيْر مَطْبُوخَة.
3591- قَوْله: «كَانَ حَمُولَة النَّاس» بِفَتْحِ الْحَاء أَيْ الَّذِي يَحْمِل مَتَاعهمْ.
3592- قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قُدُور لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة: أَهْرِيقُوها وَاكْسِرُوهَا، فَقَالَ رَجُل: أَوْ أَوَنُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلهَا؟ قَالَ: أَوَ ذَاكَ» هَذَا صَرِيح فِي نَجَاسَتهَا وَتَحْرِيمهَا، وَيُؤَيِّدهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَإِنَّهَا رِجْس»، وَفِي الْأُخْرَى: «رِجْس أَوْ نَجَس» وَفيه وُجُوب غَسْل مَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَة، وَأَنَّ الْإِنَاء النَّجِس يَطْهُر بِغَسْلِهِ مَرَّة وَاحِدَة، وَلَا يَحْتَاج إِلَى سَبْع إِذَا كَانَتْ غَيْر نَجَاسَة الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدهمَا، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَعِنْد أَحْمَد يَجِب سَبْع فِي الْجَمِيع عَلَى أَشْهَر الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَمَوْضِع الدَّلَالَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الْأَمْر بِالْغَسْلِ، وَيَصْدُق ذَلِكَ عَلَى مَرَّة، وَلَوْ وَجَبَتْ الزِّيَادَة لَبَيَّنَهَا، فَإِنَّ فِي الْمُخَاطَبِينَ مَنْ هُوَ قَرِيب الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ فِي مَعْنَاة مِمَّنْ لَا يَفْهَم مِنْ الْأَمْر بِالْغَسْلِ إِلَّا مُقْتَضَاهُ عِنْد الْإِطْلَاق، وَهُوَ مَرَّة.
وَأَمَّا أَمْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا بِكَسْرِهَا فَيُحْتَمَل أَنَّهُ كَانَ بِوَحْيٍ أَوْ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ نُسِخَ وَتَعَيَّنَ الْغَسْل، وَلَا يَجُوز الْيَوْم الْكَسْر؛ لِأَنَّهُ إِتْلَاف مَال. وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّهُ إِذَا غُسِلَ الْإِنَاء النَّجِس فَلَا بَأْس بِاسْتِعْمَالِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.بَاب إِبَاحَة أَكْل لُحُوم الْخَيْل:

قَوْله: «إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْم خَيْبَر عَنْ لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة، وَأَذِنَ فِي لُحُوم الْخَيْل»، وَفِي رِوَايَة: «قَالَ جَابِر: أَكَلْنَا مِنْ خَيْبَر الْخَيْل وَحُمُر الْوَحْش وَنَهَانَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِمَار الْأَهْلِيّ» وَفِي حَدِيث أَسْمَاء قَالَتْ: نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي إِبَاحَة لُحُوم الْخَيْل؛ فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَالْجُمْهُور مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف أَنَّهُ مُبَاح لَا كَرَاهَة فيه، وَبِهِ قَالَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَفَضَالَة بْن عُبَيْد وَأَنَس بْن مَالِك وَأَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر وَسُوَيْد بْن غَفَلَة وَعَلْقَمَة وَالْأَسْوَد وَعَطَاء وَشُرَيْح وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ وَحَمَّاد بْن سُلَيْمَان وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد وَدَاوُد وَجَمَاهِير الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرهمْ، وَكَرِهَهَا طَائِفَة مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَكَم وَمَالك وَأَبُو حَنِيفَة، قَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَأْثَم بِأَكْلِهِ وَلَا يُسَمَّى حَرَامًا، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة} وَلَمْ يَذْكُر الْأَكْل، وَذَكَرَ الْأَكْل مِنْ الْأَنْعَام فِي الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا، وَبِحَدِيثِ صَالِح بْن يَحْيَى بْن الْمِقْدَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ خَالِد بْن الْوَلِيد: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُوم الْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير وَكُلّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاع»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَة بَقِيَّة بْن الْوَلِيد عَنْ صَالِح بْن يَحْيَى. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء مِنْ أَئِمَّة الْحَدِيث وَغَيْرهمْ عَلَى أَنَّهُ حَدِيث ضَعِيف وَقَالَ بَعْضهمْ: هُوَ مَنْسُوخ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ مُوسَى بْن هَارُون الْحَمَّال (بِالْحَاءِ) الْحَافِظ قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، قَالَ: وَلَا يُعْرَف صَالِح بْن يَحْيَى وَلَا أَبُوهُ، وَقَالَ الْبُخَارِيّ: هَذَا الْحَدِيث فيه نَظَر، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَاد مُضْطَرِب، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي إِسْنَاده نَظَر، قَالَ: وَصَالِح بْن يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه لَا يُعْرَف سَمَاع بَعْضهمْ مِنْ بَعْض، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدِيث الْإِبَاحَة أَصَحّ، قَالَ: وَيُشْبِه إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا أَنْ يَكُون مَنْسُوخًا. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِأَحَادِيث الْإِبَاحَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم وَغَيْره، وَهِيَ صَحِيحَة صَرِيحَة، وَبِأَحَادِيث أُخَر صَحِيحَة جَاءَتْ بِالْإِبَاحَةِ، وَلَمْ يَثْبُت فِي النَّهْي حَدِيث.
وَأَمَّا الْآيَة فَأَجَابُوا عَنْهَا بِأَنَّ ذِكْر الرُّكُوب وَالزِّينَة لَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْفَعَتهمَا مُخْتَصَّة بِذَلِكَ، فَإِنَّمَا خُصَّ هَذَانِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَم الْمَقْصُود مِنْ الْخَيْل كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير} فَذَكَرَ اللَّحْم لِأَنَّهُ أَعْظَم الْمَقْصُود، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيم شَحْمه وَدَمه وَسَائِر أَجْزَائِهِ، قَالُوا: وَلِهَذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْر حَمْل الْأَثْقَال عَلَى الْخَيْل مَعَ قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {وَتَحْمِل أَثْقَالكُمْ} وَلَمْ يَلْزَم مِنْ هَذَا تَحْرِيم حَمْل الْأَثْقَال عَلَى الْخَيْل. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْلهَا: «نَحَرْنَا فَرَسًا»، وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «ذَبَحْنَا فَرَسًا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نَحَرْنَا» كَمَا ذَكَرَ مُسْلِم، فَيُجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، فَمَرَّة نَحَرُوهَا وَمَرَّة ذَبَحُوهَا، وَيَجُوز أَنْ تَكُون قَضِيَّة وَاحِدَة، وَيَكُون أَحَد اللَّفْظَيْنِ مَجَازًا، وَالصَّحِيح الْأَوَّل؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَار إِلَى الْمَجَاز إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة، وَالْحَقِيقَة غَيْر مُتَعَذِّرَة، بَلْ فِي الْحَمْل عَلَى الْحَقِيقَة فَائِدَة مُهِمَّة، وَهِيَ أَنَّهُ يَحُوز ذَبْح الْمَنْحُور وَنَحْر الْمَذْبُوح، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فَاعِله مُخَالِفًا الْأَفْضَل، وَالْفَرَس يُطْلَق عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى. وَاللَّهُ أَعْلَم.
3595- سبق شرحه بالباب.
3596- سبق شرحه بالباب.
3597- سبق شرحه بالباب.

.بَاب إِبَاحَة الضَّبّ:

ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم وَغَيْره أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الضَّبّ: «لَسْت بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمه»، وَفِي رِوَايَات: «لَا آكُلهُ وَلَا أُحَرِّمهُ» وَفِي رِوَايَة: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُوا فَإِنَّهُ حَلَال وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي»، وَفِي رِوَايَة: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَده مِنْهُ فَقِيلَ: أَحَرَام هُوَ يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدنِي أَعَافهُ» فَأَكَلُوهُ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَنْظُر صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: مَعْنَى (أَعَافهُ) أَكْرَههُ تَقَذُّرًا، وَأَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الضَّبّ حَلَال لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة مِنْ كَرَاهَته، وَإِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ قَوْم أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ حَرَام، وَمَا أَظُنّهُ يَصِحّ عَنْ أَحَد، وَإِنْ صَحَّ عَنْ أَحَد فَمَحْجُوج بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاع مَنْ قَبْله.
3598- سبق شرحه بالباب.
3599- سبق شرحه بالباب.
3600- سبق شرحه بالباب.
3601- سبق شرحه بالباب.
3602- سبق شرحه بالباب.
3603- قَوْله: «إِنَّ خَالِدًا أَخَذَ الضَّبّ فَأَكَلَهُ مِنْ غَيْر اِسْتِئْذَان» هَذَا مِنْ بَاب الْإِدْلَال وَالْأَكْل مِنْ بَيْت الْقَرِيب وَالصِّدِّيق الَّذِي لَا يَكْرَه ذَلِكَ، وَخَالِدًا أَكَلَ هَذَا فِي بَيْت خَالَته مَيْمُونَة وَبَيْت صَدِيقه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَحْتَاج إِلَى اِسْتِئْذَان، لاسيما وَالْمُهْدِيَة خَالَته، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ جَبْر قَلْب خَالَته أُمّ حُفَيْد الْمُهْدِيَة.
قَوْله فِي مَيْمُونَة: (وَهِيَ خَالَته وَخَالَة اِبْن عَبَّاس) يَعْنِي خَالَة خَالِد بْن الْوَلِيد، وَخَالَة اِبْن عَبَّاس، وَأُمّ خَالِد لُبَابَة الصُّغْرَى، وَأُمّ اِبْن عَبَّاس لُبَابَة الْكُبْرَى، وَمَيْمُونَة وَأُمّ حُفَيْد كُلّهنَّ أَخَوَات وَالِدهنَّ الْحَارِث.
قَوْله: (قَدِمَتْ بِهِ أُخْتهَا حُفَيْدَة)، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (أُمّ حُفَيْد) وَفِي بَعْض النُّسَخ (أُمّ حُفَيْدَة) بِالْهَاءِ، وَفِي بَعْضهَا فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن النَّضْر: (أُمّ حُمَيْدٍ) وَفِي بَعْضهَا: (حُمَيْدَة) وَكُلّه بِضَمِّ الْحَاء مُصَغَّر.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: وَالْأَصْوَب وَالْأَشْهَر: (أُمّ حُفَيْد) بِلَا هَاء، وَاسْمهَا: هُزَيْلَة، وَكَذَا ذَكَرَهَا اِبْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره فِي الصَّحَابَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ النِّسْوَة الْحُضُور) كَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (النِّسْوَة الْحُضُور).
3604- قَوْله: (وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا تَصْرِيح بِمَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء، وَهُوَ إِقْرَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّيْء وَسُكُوته عَلَيْهِ إِذَا فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ يَكُون دَلِيلًا لِإِبَاحَتِهِ، وَيَكُون بِمَعْنَى قَوْله: أَذَنْت فيه وَأَبَحْته، فَإِنَّهُ لَا يَسْكُت عَلَى بَاطِل، وَلَا يُقِرّ مُنْكَرًا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
3605- قَوْله: (دَعَانَا عَرُوس بِالْمَدِينَةِ) يَعْنِي رَجُلًا تَزَوَّجَ قَرِيبًا، وَالْعَرُوس يَقَع عَلَى الْمَرْأَة وَعَلَى الرَّجُل.
قَوْله: (قَرَّبَ إِلَيْهِمْ خِوَان) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاء وَضَمّهَا لُغَتَانِ، الْكَسْر أَفْصَح. وَالْجَمْع: أَخْوِنَة وَخُوُن، لَيْسَ الْمُرَاد بِهَذَا الْخِوَان مَا نَفَاهُ فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور فِي قَوْله: «مَا أَكَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَان قَطُّ» بَلْ شَيْء مِنْ نَحْو السُّفْرَة.
3608- قَوْله: (إِنَّا بِأَرْضٍ مَضَبَّة) فيها لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: فَتْح الْمِيم وَالضَّاد، وَالثَّانِيَة: ضَمّ الْمِيم وَكَسْر الضَّاد، وَالْأَوَّل أَشْهَر، وَأَفْصَح أَيْ ذَات ضِبَاب كَثِيرَة.
3609- قَوْله: (إِنِّي فِي غَائِط مَضَبَّة) الْغَائِط: الْأَرْض الْمُطَمْئِنَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَسَخَهُمْ دَوَابّ يَدِبُّونَ فِي الْأَرْض» أَمَّا (يَدِبُّونَ) فَبِكَسْرِ الدَّال، وَأَمَّا (دَوَابّ) فَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ، وَوَقَعَ فِي أَكْثَرهَا (دَوَابًّا) بِالْأَلِفِ، وَالْأَوَّل هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَعْرُوف الْمَشْهُور فِي الْعَرَبِيَّة. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب إِبَاحَةِ الْجَرَادِ:

3610- قَوْله: (عَنْ أَبِي يَعْفُور) هُوَ بِالْفَاءِ وَالرَّاء، وَهُوَ أَبُو يَعْفُور الْأَصْغَر، اِسْمه: عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد بْن نِسْطَاس.
وَأَمَّا أَبُو يَعْفُور الْأَكْبَر، فَيُقَال لَهُ وَاقِد، وَيُقَال وَقْدَان، وَسَبَقَ بَيَانهمَا فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَكِتَاب الصَّلَاة.
قَوْله: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْع غَزَوَات نَأْكُل الْجَرَاد» فيه إِبَاحَة الْجَرَاد، وَأَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَته، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة، وَأَحْمَد وَالْجَمَاهِير: يَحِلّ، سَوَاء مَاتَ بِذَكَاةٍ أَوْ بِاصْطِيَادِ مُسْلِم أَوْ مَجُوسِيّ، أَوْ مَاتَ حَتْف أَنْفه، سَوَاء قُطِعَ بَعْضه أَوْ أُحْدِثَ فيه سَبَب، وَقَالَ مَالِك فِي الْمَشْهُور عَنْهُ، وَأَحْمَد فِي رِوَايَة: لَا يَحِلّ إِلَّا إِذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يُقْطَع بَعْضه أَوْ يُسْلَق أَوْ يُلْقَى فِي النَّار حَيًّا أَوْ يُشْوَى، فَإِنْ مَاتَ حَتْف أَنْفه أَوْ فِي وِعَاء لَمْ يَحِلّ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب إِبَاحَةِ الأَرْنَبِ:

3611- قَوْله: «فَاسْتَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَوْا عَلَيْهِ فَلَغَبُوا» مَعْنَى اِسْتَنْفَجْنَا: أَثَرْنَا وَنَفَرْنَا. وَمَرّ الظَّهْرَان بِفَتْحِ الْمِيم وَالظَّاء مَوْضِع قَرِيب مِنْ مَكَّة.
قَوْله: (فَلَغَبُوا) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة فِي اللُّغَة الْفَصِيحَة الْمَشْهُورَة، وَفِي لُغَة ضَعِيفَة بِكَسْرِهَا، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره، وَضَعَّفُوهَا أَيْ أَعْيَوْا، وَأَكْل الْأَرْنَب حَلَال عِنْد مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْعُلَمَاء كَافَّة، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ وَابْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا كَرِهَاهَا. دَلِيل الْجُمْهُور هَذَا الْحَدِيث مَعَ أَحَادِيث مِثْله، وَلَمْ يَثْبُت فِي النَّهْي عَنْهَا شَيْء.

.بَاب إِبَاحَة مَا يُسْتَعَان بِهِ عَلَى الِاصْطِيَاد وَالْعَدُوّ وَكَرَاهَة الْخَذْف:

ذُكِرَ فِي الْبَاب النَّهْي عَنْ الْخَذْف؛ لِكَوْنِهِ لَا يَنْكَأ الْعَدُوّ، وَلَا يَقْتُل الصَّيْد، وَلَكِنْ يَفْقَأ الْعَيْن وَيَكْسِر السِّنّ. أَمَّا الْخَذْف- فَبِالْخَاءِ وَالذَّال مُعْجَمَتَيْنِ- وَهُوَ رَمْي الْإِنْسَان بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاة وَنَحْوهمَا يَجْعَلهَا بَيْن أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ أَوْ الْإِبْهَام وَالسَّبَّابَة.
3612- وَقَوْله: (يَنْكَأ) بِفَتْحِ الْيَاء وَبِالْهَمْزِ فِي آخِره، وَهَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة، قَالَ الْقَاضِي: كَذَا رَوَيْنَاهُ، قَالَ: وَفِي بَعْض الرِّوَايَات: (يَنْكِي) بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الْكَاف غَيْر مَهْمُوز، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَوْجَه؛ لِأَنَّ الْمَهْمُوز إِنَّمَا هُوَ مِنْ نَكَأْت الْقُرْحَة، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه إِلَّا عَلَى تَجَوُّز، وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ النِّكَايَة، يُقَال: نَكَيْت الْعَدُوّ وَأَنْكَيْتُه نِكَايَة وَنَكَأْت بِالْهَمْزِ لُغَة فيه.
قَالَ: فَعَلَى هَذِهِ اللُّغَة تَتَوَجَّه رِوَايَة شُيُوخنَا، وَيَفْقَأ الْعَيْن مَهْمُوز. فِي هَذَا الْحَدِيث: النَّهْي عَنْ الْخَذْف؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَة فيه وَيُخَاف مَفْسَدَته، وَيَلْتَحِق بِهِ كُلّ مَا شَارَكَهُ فِي هَذَا. وَفيه: أَنَّ مَا كَانَ فيه مَصْلَحَة أَوْ حَاجَة فِي قِتَال الْعَدُوّ وَتَحْصِيل الصَّيْد فَهُوَ جَائِز، وَمِنْ ذَلِكَ رَمْي الطُّيُور الْكِبَار بِالْبُنْدُقِ إِذَا كَانَ لَا يَقْتُلهَا غَالِبًا، بَلْ تُدْرَك حَيَّة وَتُذَكَّى فَهُوَ جَائِز.
قَوْله: «أُحَدِّثك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَذْف ثُمَّ تَخْذِف؟!! لَا أُكَلِّمك أَبَدًا» فيه: هِجْرَان أَهْل الْبِدَع وَالْفُسُوق وَمُنَابِذِي السُّنَّة مَعَ الْعِلْم. وَأَنَّهُ يَجُوز هِجْرَانه دَائِمًا، وَالنَّهْي عَنْ الْهِجْرَان فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظّ نَفْسه وَمَعَايِش الدُّنْيَا، وَأَمَّا أَهْل الْبِدَع وَنَحْوهمْ فَهِجْرَانهمْ دَائِمًا، وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُؤَيِّدهُ مَعَ نَظَائِر لَهُ كَحَدِيثِ كَعْب بْن مَالِك وَغَيْره.

.باب الأَمْرِ بِإِحْسَانِ الذَّبْحِ وَالْقَتْلِ وَتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ:

3615- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّه كَتَبَ الْإِحْسَان عَلَى كُلّ شَيْء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْح، وَلْيُحِدَّ أَحَدكُمْ شَفْرَته وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته» أَمَّا (الْقِتْلَة) فَبِكَسْرِ الْقَاف، وَهِيَ الْهَيْئَة وَالْحَالَة، وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَحْسِنُوا الذَّبْح» فَوَقَعَ فِي كَثِير مِنْ النُّسَخ أَوْ أَكْثَرهَا: «فَأَحْسِنُوا الذَّبْح» بِفَتْحِ الذَّال بِغَيْرِ هَاء، وَفِي بَعْضهَا: «الذِّبْحَة» بِكَسْرِ الذَّال وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ، وَهِيَ الْهَيْئَة وَالْحَالَة أَيْضًا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلْيُحِدَّ» هُوَ بِضَمِّ الْيَاء يُقَال: أَحَدّ السِّكِّين وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا بِمَعْنًى، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته، بِإِحْدَادِ السِّكِّين وَتَعْجِيل إِمْرَارهَا وَغَيْر ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُحِدّ السِّكِّين بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَة، وَأَلَّا يَذْبَح وَاحِدَة بِحَضْرَةِ أُخْرَى، وَلَا يَجُرّهَا إِلَى مَذْبَحهَا.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة» عَامّ فِي كُلّ قَتِيل مِنْ الذَّبَائِح، وَالْقَتْل قِصَاصًا، وَفِي حَدّ وَنَحْو ذَلِكَ. وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَحَادِيث الْجَامِعَة لِقَوَاعِد الْإِسْلَام. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب النَّهْيِ عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ:

3616- قَوْله: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِم» وَفِي رِوَايَة: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فيه الرُّوح غَرَضًا» قَالَ الْعُلَمَاء: صَبْر الْبَهَائِم: أَنْ تُحْبَس وَهِيَ حَيَّة لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوه، وَهُوَ مَعْنَى: لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فيه الرُّوح غَرَضًا، أَيْ لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَان الْحَيّ غَرَضًا تَرْمُونَ إِلَيْهِ، كَالْغَرَضِ مِنْ الْجُلُود وَغَيْرهَا، وَهَذَا النَّهْي لِلتَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر الَّتِي بَعْد هَذِهِ: «لَعَنْ اللَّه مَنْ فَعَلَ هَذَا» وَلِأَنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَاف لِنَفْسِهِ، وَتَضْيِيع لِمَالِيَّتِهِ، وَتَفْوِيت لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى، وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى.
3619- قَوْله: «نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «طَيْرًا» وَالْمُرَاد بِهِ وَاحِد وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة أَنَّ الْوَاحِد يُقَال لَهُ: طَائِر، وَالْجَمْع طَيْر، وَفِي لُغَة قَلِيلَة إِطْلَاق الطَّيْر عَلَى الْوَاحِد. وَهَذَا الْحَدِيث جَارٍ عَلَى تِلْكَ اللُّغَة.
قَوْله: «وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْر كُلّ خَاطِئَة مِنْ نَبْلهمْ» هُوَ بِهَمْزِ خَاطِئَة أَيْ مَا لَمْ يُصِبْ الْمَرْمَى، وَقَوْله: (خَاطِئَة) لُغَة، وَالْأَفْصَح مُخْطِئَة، يُقَال لِمَنْ قَصَدَ شَيْئًا فَأَصَابَ غَيْره غَلَطًا: أَخْطَأَ فَهُوَ مُخْطِئ، وَفِي لُغَة قَلِيلَة: خَطَأ فَهُوَ خَاطِئ. وَهَذَا الْحَدِيث جَاءَ عَلَى اللُّغَة الثَّانِيَة، حَكَاهَا أَبُو عُبَيْد وَالْجَوْهَرِيّ وَغَيْرهمَا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم

.كِتَاب الْأَضْحَى:

قَالَ الْجَوْهَرِيّ: قَالَ الْأَصْمَعِيّ: فيها أَرْبَع لُغَات: أُضْحِيَة، وَإِضْحِيَة بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْرهَا، وَجَمْعهَا بِتَشْدِيدِ الْيَاء وَتَخْفِيفهَا، وَاللُّغَة الثَّالِثَة: ضَحِيَّة، وَجَمْعهَا: ضَحَايَا. وَالرَّابِعَة: أَضْحَاة بِفَتْحِ الْهَمْزَة، وَالْجَمْع: أَضْحَى، كَأَرْطَاة وَأَرْطَى، وَبِهَا سُمِّيَ يَوْم الْأَضْحَى، قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَل فِي الضُّحَى، وَهُوَ اِرْتِفَاع النَّهَار. وَفِي الْأَضْحَى لُغَتَانِ: التَّذْكِير لُغَة قَيْس، وَالتَّأْنِيث لُغَة تَمِيم. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّته قَبْل أَنْ يُصَلِّي أَوْ نُصَلِّي، فَلْيَذْبَحْ مَكَانهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَح فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّه» وَفِي رِوَايَة: «عَلَى اِسْم اللَّه» قَالَ الْكُتَّاب مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة: إِذَا قِيلَ بِاسْمِ اللَّه، تَعَيَّنَ كَتْبه بِالْأَلِفِ، وَإِنَّمَا تُحْذَف الْأَلِف إِذَا كُتِبَ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم بِكَمَالِهَا. وَقَوْله: «قَبْل أَنْ يُصَلِّي أَوْ نُصَلِّي» الْأَوَّل بِالْيَاءِ وَالثَّانِي بِالنُّونِ وَالظَّاهِر أَنَّهُ شَكّ مِنْ الرَّاوِي، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب الْأُضْحِيَّة عَلَى الْمُوسِر. فَقَالَ جُمْهُورهمْ: هِيَ سُنَّة فِي حَقّه إِنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْر لَمْ يَأْثَم، وَلَمْ يَلْزَمهُ الْقَضَاء، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو بَكْر وَعُمَر بْن الْخَطَّاب وَبِلَال وَأَبُو مَسْعُود الْبَدْرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَلْقَمَة وَالْأَسْوَد وَعَطَاء وَمَالك وَأَحْمَد وَأَبُو يُوسُف وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَالْمُزَنِيّ وَابْن الْمُنْذِر وَدَاوُد وَغَيْرهمْ، وَقَالَ رَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَاللَّيْث: هِيَ وَاجِبَة عَلَى الْمُوسِر، وَبِهِ قَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: وَاجِبَة عَلَى الْمُوسِر إِلَّا الْحَاجّ بِمِنَى، وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن: وَاجِبَة عَلَى الْمُقِيم بِالْأَمْصَارِ، وَالْمَشْهُور عَنْ أَبِي حَنِيفَة أَنَّهُ إِنَّمَا يُوجِبهَا عَلَى مُقِيم يَمْلِك نِصَابًا. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.بَاب وَقْتهَا:

وَأَمَّا وَقْت الْأُضْحِيَّة فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْبَحهَا بَعْد صَلَاته مَعَ الْإِمَام، وَحِينَئِذٍ يُجْزِيه بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تَجُوز قَبْل طُلُوع الْفَجْر يَوْم النَّحْر، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَعْد ذَلِكَ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر وَآخَرُونَ: يَدْخُل وَقْتهَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس، وَمَضَى قَدْر صَلَاة الْعِيد وَخُطْبَتَيْنِ، فَإِنْ ذَبَحَ بَعْد هَذَا الْوَقْت أَجْزَأَهُ، سَوَاء صَلَّى الْإِمَام أَمْ لَا، وَسَوَاء صَلَّى الضُّحَى أَمْ لَا، وَسَوَاء كَانَ مِنْ أَهْل الْأَمْصَار أَوْ مِنْ أَهْل الْقُرَى وَالْبَوَادِي وَالْمُسَافِرِينَ، وَسَوَاء ذَبَحَ الْإِمَام أُضْحِيَّته أَمْ لَا، وَقَالَ عَطَاء وَأَبُو حَنِيفَة: يَدْخُل وَقْتهَا فِي حَقّ أَهْل الْقُرَى وَالْبَوَادِي إِذَا طَلَعَ الْفَجْر الثَّانِي، وَلَا يَدْخُل فِي حَقّ أَهْل الْأَمْصَار حَتَّى يُصَلِّي الْإِمَام وَيَخْطُب، فَإِنْ ذَبَحَ قَبْل ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ.
وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز ذَبْحهَا إِلَّا بَعْد صَلَاة الْإِمَام وَخُطْبَته وَذَبْحه، وَقَالَ أَحْمَد: لَا يَجُوز قَبْل صَلَاة الْإِمَام، وَيَجُوز بَعْدهَا قَبْل ذَبْحِ الْإِمَام، وَسَوَاء عِنْده أَهْل الْأَمْصَار وَالْقُرَى، وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يَجُوز بَعْد صَلَاة الْإِمَام قَبْل خُطْبَته وَفِي أَثْنَائِهَا، وَقَالَ رَبِيعَة فِيمَنْ لَا إِمَام لَهُ: إِنْ ذَبَحَ قَبْل طُلُوع الشَّمْس لَا يُجْزِيه، وَبَعْد طُلُوعهَا يُجْزِيه.
وَأَمَّا آخِر وَقْت التَّضْحِيَة فَقَالَ الشَّافِعِيّ: تَجُوز فِي يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة بَعْده، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَجُبَيْر بْن مُطْعِم وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَسُلَيْمَان بْن مُوسَى الْأَسَدِيُّ فَقِيهُ أَهْل الشَّام، وَمَكْحُول وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالك وَأَحْمَد: تَخْتَصّ بِيَوْمِ النَّحْر وَيَوْمَيْنِ بَعْده، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ وَابْن عُمَر وَأَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: تَجُوز لِأَهْلِ الْأَمْصَار يَوْم النَّحْر خَاصَّة، وَلِأَهْلِ الْقُرَى يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق، وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ: لَا تَجُوز لِأَحَدٍ إِلَّا فِي يَوْم النَّحْر خَاصَّة، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّهَا تَجُوز فِي جَمِيع ذِي الْحِجَّة. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز التَّضْحِيَة فِي لَيَالِي أَيَّام الذَّبْح، فَقَالَ الشَّافِعِيّ: تَجُوز لَيْلًا مَعَ الْكَرَاهَة، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَالْجُمْهُور.
وَقَالَ مَالِك فِي الْمَشْهُور عَنْهُ وَعَامَّة أَصْحَابه وَرِوَايَة عَنْ أَحْمَد: لَا تُجْزِيهِ فِي اللَّيْل، بَلْ تَكُون شَاة لَحْم.
3622- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اِسْم اللَّه» هُوَ بِمَعْنَى رِوَايَة: «فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّه» أَيْ قَائِلًا: بِاسْمِ اللَّه، هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَعْنَاهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَرْبَعَة أَوْجُه: أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ: فَلْيَذْبَحْ لِلَّهِ، وَالْبَاء بِمَعْنَى اللَّام.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ فَلْيَذْبَحْ بِسُنَّةِ اللَّه.
وَالثَّالِث: بِتَسْمِيَةِ اللَّه عَلَى ذَبِيحَته إِظْهَارًا لِلْإِسْلَامِ، وَمُخَالَفَة لِمَنْ يَذْبَح لِغَيْرِهِ، وَقَمْعًا لِلشَّيْطَانِ.
وَالرَّابِع: تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ وَتَيَمُّنًا بِذِكْرِهِ كَمَا يُقَال: سِرْ عَلَى بَرَكَة اللَّه، وَسِرْ بِاسْمِ اللَّه، وَكَرِهَ بَعْض الْعُلَمَاء أَنْ يُقَال: اِفْعَلْ كَذَا عَلَى اِسْم اللَّه، قَالَ: لِأَنَّ اِسْمه سُبْحَانه عَلَى كُلّ شَيْء، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيث يَرُدّ عَلَى هَذَا الْقَائِل.
3623- قَوْله: «شَهِدْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْم أَضْحَى ثُمَّ خَطَبَ»، قَوْله: (أَضْحَى) مَصْرُوف، وَفِي هَذَا أَنَّ الْخُطْبَة لِلْعِيدِ بَعْد الصَّلَاة، وَهُوَ إِجْمَاع النَّاس الْيَوْم، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه وَاضِحًا فِي كِتَاب الْإِيمَان، ثُمَّ فِي كِتَاب الصَّلَاة.
3624- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ شَاة لَحْم» مَعْنَاة: أَيْ لَيْسَتْ ضَحِيَّة، وَلَا ثَوَاب فيها، بَلْ هِيَ لَحْم لَك تَنْتَفِع بِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّمَا هُوَ لَحْم قَدَّمْته لِأَهْلِك».
قَوْله: «إِنَّ عِنْدِي جَذَعَة مِنْ الْمَعْز فَقَالَ: ضَحِّ بِهَا وَلَا تَصْلُح لِغَيْرِك»، وَفِي رِوَايَة: «وَلَا تَجْزِي جَذَعَة عَنْ أَحَد بَعْدك».
3625- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَجْزِي» فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاء هَكَذَا الرِّوَايَة فيه فِي جَمِيع الطُّرُق وَالْكُتُب، وَمَعْنَاهُ: لَا تَكْفِي مِنْ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِد عَنْ وَلَده} وَفيه أَنَّ جَذَعَة الْمَعْز لَا تَجْزِي فِي الْأُضْحِيَّة، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ.
قَوْله: «يَا رَسُول اللَّه إِنَّ هَذَا يَوْم اللَّحْم فيه مَكْرُوه» قَالَ الْقَاضِي: كَذَا رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِم (مَكْرُوه) بِالْكَافِ وَالْهَاء مِنْ طَرِيق السِّنْجَرِيّ وَالْفَارِسِيّ، وَكَذَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ، قَالَ: رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِم مِنْ طَرِيق الْعُذْرِيّ (مَقْرُوم) بِالْقَافِ وَالْمِيم، قَالَ: وَصَوَّبَ بَعْضهمْ هَذِهِ الرِّوَايَة وَقَالَ: مَعْنَاهُ يُشْتَهَى فيه اللَّحْم، يُقَال: قَرِمْت إِلَى اللَّحْم وَقَرِمْته إِذَا اِشْتَهَيْته، قَالَ: وَهِيَ بِمَعْنَى قَوْله فِي غَيْر مُسْلِم: عَرَفْت أَنَّهُ يَوْم أَكَلَ وَشَرِبَ فَتَعَجَّلْت وَأَكَلْت وَأَطْعَمْت أَهْلِي وَجِيرَانِي، وَكَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّ هَذَا يَوْم يُشْتَهَى فيه اللَّحْم» وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ، قَالَ الْقَاضِي: وَأَمَّا رِوَايَة (مَكْرُوه) فَقَالَ بَعْض شُيُوخنَا: صَوَابه (اللَّحَم فيه مَكْرُوه) بِفَتْحِ الْحَاء أَيْ تَرْك الذَّبْح وَالتَّضْحِيَة، وَبَقَاء أَهْله فيه بِلَا لَحْم حَتَّى يَشْتَهُوهُ مَكْرُوه، وَاللَّحَم- بِفَتْحِ الْحَاء- اِشْتِهَاء اللَّحْم، قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ لِي الْأُسْتَاذ أَبُو عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان: مَعْنَاهُ ذَبْح مَا لَا يُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّة مِمَّا هُوَ لَحْم مَكْرُوه لِمُخَالَفَةِ السُّنَّة، هَذَا آخِر مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: مَعْنَاهُ: هَذَا يَوْم طَلَب اللَّحَم فيه مَكْرُوه شَاقّ، وَهَذَا حَسَن. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «عِنْدِي عَنَاق لَبَن» الْعَنَاق بِفَتْحِ الْعَيْن، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْز إِذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَسْتَكْمِل سَنَة، وَجَمْعهَا أَعْنُق وَعُنُوق.
وَأَمَّا قَوْله: «عَنَاق لَبَن» فَمَعْنَاهُ: صَغِيرَة قَرِيبَة مِمَّا تَرْضَع.
قَوْله: «عِنْدِي عَنَاق لَبَن هِيَ خَيْر مِنْ شَاتَيْ لَحْم» أَيْ: أَطْيَب لَحْمًا وَأَنْفَع لِسِمَنِهَا وَنَفَاسَتهَا. وَفيه: إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَقْصُود فِي الضَّحَايَا طِيب اللَّحْم لَا كَثْرَته، فَشَاة نَفِيسَة أَفْضَل مِنْ شَاتَيْنِ غَيْر سَمِينَتَيْنِ بِقِيمَتِهَا، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الْإِيمَان مَعَ الْفَرْق بَيْن الْأُضْحِيَّة وَالْعَقّ، وَمُخْتَصَره أَنَّ تَكْثِير الْعَدَد فِي الْعَقّ مَقْصُود فَهُوَ الْأَفْضَل بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ خَيْر نَسِيكَتَيْك» مَعْنَاهُ: أَنَّك ذَبَحْت صُورَة نَسِيكَتَيْنِ، وَهُمَا هَذِهِ وَاَلَّتِي ذَبَحَهَا قَبْل الصَّلَاة، وَهَذِهِ أَفْضَل لِأَنَّ هَذِهِ حَصَلَتْ بِهَا التَّضْحِيَة، وَالْأُولَى وَقَعَتْ شَاة لَحْم، لَكِنْ لَهُ فيها ثَوَاب لَا بِسَبَبِ التَّضْحِيَة فَإِنَّهَا لَمْ تَقَع أُضْحِيَّة، بَلْ لِكَوْنِهِ قَصَدَ بِهَا الْخَيْر وَأَخْرَجَهَا فِي طَاعَة اللَّه، فَلِهَذَا دَخَلَهُمَا أَفْعَل التَّفْضِيل، فَقَالَ: هَذِهِ خَيْر النَّسِيكَتَيْنِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَة تَتَضَمَّن أَنَّ فِي الْأُولَى خَيْرًا أَيْضًا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَجْزِي جَذَعَة عَنْ أَحَد بَعْدك» مَعْنَاهُ: جَذَعَة الْمَعْز، وَهُوَ مُقْتَضَى سِيَاق الْكَلَام، وَإِلَّا فَجَذَعَة الضَّأْن تُجْزِي.
3627- قَوْله: «عِنْدِي جَذَعَة خَيْر مِنْ مُسِنَّة» الْمُسِنَّة: هِيَ الثَّنِيَّة، وَهِيَ أَكْبَر مِنْ الْجَذَعَة بِسَنَةٍ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْجَذَعَة أَجْوَدَ لِطِيبِ لَحْمهَا وَسِمَنهَا.
3630- قَوْله: «وَذَكَرَ هَنَة مِنْ جِيرَانه» أَيْ حَاجَة.
قَوْله فِي حَدِيث أَنَس فِي الَّذِي رَخَّصَ لَهُ فِي جَذَعَة الْمَعْز: (لَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ رُخْصَته مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا) هَذَا الشَّكّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْم أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب السَّابِق بِأَنَّهَا لَا تَبْلُغ غَيْره وَلَا تُجْزِي أَحَدًا بَعْده.
قَوْله: «وَانْكَفَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا» اِنْكَفَأَ: مَهْمُوز أَيْ: مَالَ وَانْعَطَفَ، وَفيه إِجْزَاء الذَّكَر فِي الْأُضْحِيَّة، وَأَنَّ الْأَفْضَل أَنْ يَذْبَحهَا بِنَفْسِهِ، وَهُمَا مُجْمَع عَلَيْهِمَا. وَفيه: جَوَاز التَّضْحِيَة بِحَيَوَانَيْنِ.
قَوْله: «فَقَامَ النَّاس إِلَى غُنَيْمَة فَتَوَزَّعُوهَا أَوْ قَالَ: فَتَجَزَّعُوهَا» هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد، وَهَذَا شَكّ مِنْ الرَّاوِي فِي أَحَد اللَّفْظَتَيْنِ، وَقَوْله: (غُنَيْمَة) بِضَمِّ الْغَيْن تَصْغِير الْغَنَم.
قَوْله فِي حَدِيث مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْغُبَرِيّ: «ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْل الصَّلَاة أَنْ يُعِيد ذِبْحًا» أَمَّا (ذِبْحًا) فَاتَّفَقُوا عَلَى ضَبْطه بِكَسْرِ الذَّال أَيْ: حَيَوَانًا يُذْبَح، كَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ}.
وَأَمَّا قَوْله: (أَنْ يُعِيد) فَكَذَا هُوَ فِي بَعْض الْأُصُول الْمُعْتَمَدَة بِالْيَاءِ مِنْ الْإِعَادَة، وَفِي كَثِير مِنْهَا (أَنْ يُعِدّ) بِحَذْفِ الْيَاء، وَلَكِنْ بِتَشْدِيدِ الدَّال مِنْ الْإِعْدَاد، وَهُوَ التَّهْيِئَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.