فصل: (فصل):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.(فصل):

قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رضي الله عنه: اعلم أن لإبراهيم بن سفيان في الكتاب فائتا لم يسمعه من مسلم يقال فيه: أخبرنا إبراهيم عن مسلم. ولا يقال فيه: أخبرنا مسلم. ولا: حدثنا مسلم. وروايته لذلك عن مسلم إما بطريقة الإجازة، وإما بطريقة الوجادة، وقد غفل أكثر الرواة عن تبيين ذلك وتحقيقه في فهاريسهم وتسميعاتهم وإجازاتهم وغيرها، بل يقولون في جميع الكتاب: أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا مسلم. وهذا الفوات في ثلاثة مواضع محققة في أصول معتمدة، فأولها في كتاب الحج، في باب الحلق والتقصير، حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ المحلقين» برواية بن نمير، فشاهدت عنده في أصل الحافظ أبي القاسم الدمشقي بخطه ما صورته: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن مسلم، قال: حدثنا بن نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عمر... الحديث، وكذلك في أصل بخط الحافظ أبي عامر العبدري، إلا أنه قال: حدثنا أبو إسحاق. وشاهدت عنده في أصل قديم مأخوذ عن أبي أحمد الجلودي ما صورته: من ها هنا قرأت على أبي أحمد حدثكم إبراهيم عن مسلم. وكذا كان في كتابه إلى العلامة. وقال الشيخ رحمه الله: وهذه العلامة هي بعد ثمان ورقات أو نحوها عند أول حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خارجا إلى سفر كبر ثلاثا»، وعندها في الأصل المأخوذ عن الجلودي ما صورته: إلى هنا قرأت عليه - يعني على الجلودي - عن مسلم، ومن هنا قال: حدثنا مسلم. وفي أصل الحافظ أبي القاسم عندها بخطه: من هنا يقول: حدثنا مسلم. وإلى هنا شك.
الفائت الثاني لإبراهيم أوله في أول الوصايا، قَوْلُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لمحمد بن المثنى في حديث بن عمر: «ما حق امرئ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فيه...» إلى قوله في آخر حديث رواه في قصة حويصة ومحيصة في القسامة: حدثني إسحاق بن منصور، أخبرنا بشر بن عمرو، قال سمعت مالك بن أنس... الحديث، وهو مقدار عشر ورقات، ففي الأصل المأخوذ عن الجلودي والأصل الذي بخط الحافظ أبي عامر العبدري ذكر انتهاء هذا الفوات عند أول هذا الحديث وعود قول إبراهيم: حدثنا مسلم. وفي أصل الحافظ أبي القاسم الدمشقي شبه التردد في أن هذا الحديث داخل في الفوات أو غير داخل فيه، والاعتماد على الأول.
الفائت الثالث أوله قول مسلم في أحاديث الإمارة والخلافة: حدثني زهير بن حرب، حدثنا شبابة، حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «إنما الإمام جنة»، ويمتد إلى قوله في كتاب الصيد والذبائح: حدثنا محمد بن مهران الرازي، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الخياط، حديث أبي ثعلبة الخشني: «إذا رميت سهمك...» فمن أول هذا الحديث عاد قول إبراهيم: حدثنا مسلم. وهذا الفوات أكثرها، وهو نحو ثماني عشرة ورقة، وفي أوله بخط الحافظ الكبير أبي حازم العبدري النيسابوري، وكان يروي الكتاب عن محمد بن يزيد العدل عن إبراهيم ما صورته: من هنا يقول إبراهيم: قال مسلم. وهو في الأصل المأخوذ عن الجلودي وأصل أبي عامر العبدري وأصل أبي القاسم الدمشقي بكلمة (عن) وهكذا في الفائت الذي سبق، في الأصل المأخوذ عن الجلودي وأصل أبي عامر العبدري وأصل أبي القاسم، وذلك يحتمل كونه روى ذلك عن مسلم بالوجادة، ويحتمل الإجازة، ولكن في بعض النسخ التصريح في بعض ذلك أو كله بكون ذلك عن مسلم بالإجازة، والله أعلم.
هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله.

.(فصل):

قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله: اعلم أن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا وكثير من الأعصار قبله إثبات ما يروى؛ إذ لا يخلو إسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه، ولا يضبط ما في كتابه ضبطا يصلح لأن يعتمد عليه في ثبوته، وإنما المقصود بها إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله كرامة.
وإذا كان كذلك فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من صحيح مسلم وأشباهه أن ينقله من أصل مقابل على يدي ثقتين بأصول صحيحة متعددة، مروية بروايات متنوعة؛ ليحصل له بذلك - مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف- الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول، فقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة تتنزل منزلة التواتر أو منزلة الاستفاضة.
هذا كلام الشيخ، وهذا الذي قاله محمول على الاستحباب والاستظهار، وإلا فلا يشترط تعداد الأصول والروايات، فإن الأصل الصحيح المعتمد يكفي، وتكفي المقابلة به، والله أعلم.

.(فصل):

اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان؛ البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار، الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث، وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ شيخ الحاكم أبي عبد الله بن البيع: كتاب مسلم أصح. ووافقه بعض شيوخ المغرب، والصحيح الأول، وقد قرر الإمام الحافظ الفقيه النظار أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله في كتابه المدخل ترجيح كتاب البخاري، وروينا عن الإمام أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله أنه قال: ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري. قلت: ومن أخصر ما ترجح به اتفاق العلماء على أن البخاري أجلَّ من مسلم وأعلم بصناعة الحديث منه، وقد انتخب علمه، ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب، وبقي في تهذيبه وانتقائه ست عشرة سنة، وجمعه من ألوف مؤلفة من الأحاديث الصحيحة، وقد ذكرت دلائل هذا كله في أول شرح صحيح البخاري، ومما ترجح به كتاب البخاري أن مسلما رحمه الله كان مذهبه بل نقل الإجماع في أول صحيحه: أن الإسناد المعنعن له حكم الموصول بسمعت بمجرد كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد وإن لم يثبت اجتماعهما. والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما، وهذا المذهب يرجح كتاب البخاري، وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في صحيحه بهذا المذهب؛ لكونه يجمع طرقا كثيرة يتعذر معها وجود هذا الحكم الذي جوزه، والله أعلم.
وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة وهي كونه أسهل متناولا من حيث إنه جعل لكل حديث موضعا واحدا يليق به جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها، وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها، ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه، بخلاف البخاري؛ فإنه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة، وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم أنه أولى به، وذلك لدقيقة يفهمها البخاري منه، فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا الحديث، وقد رأيت جماعة من الحفاظ المتأخرين غلطوا في مثل هذا؛ فنفوا رواية البخاري أحاديث هي موجودة في صحيحه في غير مظانها السابقة إلى الفهم، والله أعلم.
ومما جاء في فضل صحيح مسلم ما بلغنا عن مكي بن عبدان - أحد حفاظ نيسابور- أنه قال: سمعت مسلم بن الحجاج رضي الله عنه يقول: لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند يعني صحيحه. قال: وسمعت مسلما يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال: إنه صحيح وليس له علة خرجته. وذكر غيره ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي بإسناده عن مسلم رحمه الله قال: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.

.(فصل):

قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله: شرط مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة، من أوله إلى منتهاه، سالما من الشذوذ والعلة.
قال: وهذا حد الصحيح؛ فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء شرط من هذه الشروط، وبينهم خلاف في اشتراطه كما إذا كان بعض الرواة مستورا أو كان الحديث مرسلا، وقد يكون سبب اختلافهم أنه: هل اجتمعت فيه هذه الشروط أم انتفى بعضها؟ وهذا هو الأغلب في ذلك، كما إذا كان الحديث في رواته من اختلف في كونه من شرط الصحيح، فإذا كان الحديث رواته كلهم ثقات غير أن فيهم أبا الزبير المكي مثلا، أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن عبد الرحمن أو حماد بن سلمة، قالوا فيه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وليس بصحيح على شرط البخاري؛ لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة، ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم، وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة مولى بن عباس، وإسحاق بن محمد الفروي وعمرو بن مرزوق، وغيرهم ممن احتج بهم البخاري ولم يحتج بهم مسلم.
قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه المدخل إلى معرفة المستدرك: عدد من خرج لهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرج لهم مسلم أربعمائة وأربعة وثلاثون شيخا، وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم البخاري في الجامع الصحيح ستمائة وخمسة وعشرون شيخا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في صحيحه في باب صفة صلاة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ كل شيء صحيح عندي وضعته ها هنا - يعني في كتابه هذا الصحيح - وإنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه. فمشكل؛ فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفا في صحتها؛ لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه.
قال الشيخ: وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن مراده أنه لم يضع فيه إلا ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه، وإن لم يظهر اجتماعها في بعض الأحاديث عند بعضهم.
والثاني: أنه أراد أنه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متنا أو إسنادا، ولم يرد ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته، وهذا هو الظاهر من كلامه، فإنه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة: «فإذا قرأ فأنصتوا» هل هو صحيح؟ فقال: هو عندي صحيح. فقيل: لِمَ لَمْ تضعه ها هنا؟ فأجاب بالكلام المذكور. ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في إسنادها أو متنها لصحتها عنده، وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر، وقد استدركت وعللت.
هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله.

.(فصل):

قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله: ما وقع في صحيحي البخاري ومسلم مما صورته صورة المنقطع ليس ملتحقا بالمنقطع في خروجه من حيز الصحيح إلى حيز الضعيف، ويسمى هذا النوع تعليقا؛ سماه به الإمام أبو الحسن الدارقطني، ويذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، وكذا غيره من المغاربة، وهو في كتاب البخاري كثير جدًّا، وفي كتاب مسلم قليل جدًّا.
قال: فإذا كان التعليق منهما بلفظ فيه جزم بأن من بينهما وبينه الانقطاع قد قال ذلك أو رواه، واتصل الإسناد منه على الشرط، مثل أن يقولا: روى الزهري عن فلان. ويسوقا إسناده الصحيح؛ فحال الكتابين يوجب أن ذلك من الصحيح عندهما، وكذلك ما روياه عمن ذكراه بلفظ مبهم لم يعرف به وأورداه أصلا محتجين به، وذلك مثل: حدثني بعض أصحابنا. ونحو ذلك، قال: وذكر الحافظ أبو علي الغساني الجياني أن الانقطاع وقع فيما رواه مسلم في كتابه في أربعة عشر موضعا؛ أولها في التيمم قوله في حديث أبي الجهم: وروى الليث بن سعد. ثم قوله في كتاب الصلاة في باب الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: حدثنا صاحب لنا عن إسماعيل بن زكريا عن الأعمش. وهذا في رواية أبي العلاء بن ماهان وسلمت رواية أبي أحمد الجلودي من هذا، فقال فيه مسلم: حدثنا محمد بن بكار، قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا. ثم في باب السكوت بين التكبير والقراءة قوله: وحدثت عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب. ثم قوله في كتاب الجنائز في حديث عائشة رضي الله عنها في خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى البقيع ليلا: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الْأَعْوَرَ وَاللَّفْظُ لَهُ، قال: حدثنا بن جريج. وقوله في باب الحوائج في حديث عائشة رضي الله عنها: حدثني غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أبي أويس. وقوله في هذا الباب: وروى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ ربيعة. وذكر حديث كعب بن مالك في تقاضي بن أبي حدرد، وقوله في باب احتكار الطعام في حديث معمر بن عبد الله العدوي: حدثني بعض أصحابنا، عن عمرو بن عون. وقوله في صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا أبو أسامة. وذكر أبو علي أنه رواه أبو أحمد الجلودي عن محمد بن المسيب الأرغياني، عن إبراهيم بن سعيد.
قال الشيخ ورويناه من غير طريق أحمد عن محمد بن المسيب، ورواه غير ابن المسيب عن إبراهيم الجوهري. وسنورد ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقوله في آخر الفضائل في حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أرأيتكم ليلتكم هذه» رواية مسلم إياه موصولا عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه. ثم قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، قال: أخبرنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب. ورواه الليث، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، كلاهما عن الزهري بإسناد معمر كمثل حديثه، وقول مسلم في آخر كتاب القدر في حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لتركبن سنن من قبلكم»: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي مريم، وهذا قد وصله إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن محمد بن يحيى، عن ابن أبي مريم. قال الشيخ: وإنما أورده مسلم على وجه المتابعة والاستشهاد. وقوله فيما سبق في الاستشهاد والمتابعة في حديث البراء بن عازب في الصلاة الوسطى بعد أن رواه موصولا: ورواه الأشجعي عن سفيان الثوري إلى آخره. وقوله أيضا في الرجم في المتابعة لما رواه موصولا من حديث أبي هريرة في الذي اعترف على نفسه بالزنا: ورواه الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن بن شهاب بهذا الإسناد. وقوله في كتاب الإمارة في المتابعة لما رواه متصلا من حديث عوف بن مالك: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم». ورواه مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ.
قال الشيخ وذكر أبو علي فيما رواه عندنا من كتابه في الرابع عشر حديث بن عمر: «أرأيتكم ليلتكم هذه» المذكور في الفضائل، وقد ذكره مرة أخرى، فيسقط هذا من العدد، ويسقط الحديث الثاني لكون الجلودي رواه عن مسلم موصولا، وروايته هي المعتمدة المشهورة، فهي إذا اثنا عشر لا أربعة عشر.
قال الشيخ وأخذ هذا عن أبي علي أبو عبد الله المازري صاحب المعلم؛ فأطلق أن في الكتاب أحاديث مقطوعة في أربعة عشر موضعا، وهذا يوهم خللا في ذلك، وليس ذلك كذلك، وليس شيء من هذا والحمد لله مخرجا لما وجد فيه من حيز الصحيح، بل هي موصولة من جهات صحيحة، لا سيما ما كان منها مذكورا على وجه المتابعة في نفس الكتاب وصلها، فاكتفى بكون ذلك معروفا عند أهل الحديث، كما أنه روى عن جماعة من الضعفاء اعتمادا على كون ما رواه عنهم معروفا من رواية الثقات، على ما سنرويه عنه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ جازمة مثبتة على الصفة التي ذكرناها، كمثل ما قال فيه: قال فلان. أو: روى فلان. أو: ذكر فلان. أو نحو ذلك، ولم يصب أبو محمد بن حزم الظاهري؛ حيث جعل مثل ذلك انقطاعا قادحا في الصحة، واستروح إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في إباحة الملاهي، وزعمه أنه لم يصح في تحريمها حديث، مجيبا عن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف...» إلى آخر الحديث، فزعم أنه - وإن أخرجه البخاري - فهو غير صحيح؛ لأن البخاري قال فيه: قال هشام بن عمار. وساقه بإسناده، فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام، وهذا خطأ من ابن حزم من وجوه؛ أحدها: أنه لا انقطاع في هذا أصلا من جهة أن البخاري لقي هشاما وسمع منه، وقد قررنا في كتابنا علوم الحديث أنه إذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأي لفظ كان، كما يحمل قول الصحابي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. على سماعه منه إذا لم يظهر خلافه، وكذا غير (قال) من الألفاظ.
الثاني: أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخاري. الثالث: أنه إن كان ذلك انقطاعا فمثل ذلك في الكتابين غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف من عادتهما وشرطهما، وذكرهما ذلك في كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة، فلن يستجيزا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت، بخلاف الانقطاع أو الإرسال الصادر من غيرهما، هذا كله في المعلق بلفظ الجزم، أما إذا لم يكن ذلك منهما بلفظ جازم مثبت له عمن ذكراه عنه على الصفة التي تقدم ذكرها، مثل أن يقولا: روي عن فلان. أو: ذكر عن فلان. أو: في الباب عن فلان. ونحو ذلك، فليس ذلك في حكم التعليق الذي ذكرناه؛ ولكن يستأنس بإيرادهما له.
وأما قول مسلم في خطبة كتابه: وقد ذكر عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننزل الناس منازلهم» فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته، وبالنظر إلى أنه احتج به وأورده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد يقتضي حكمه بصحته، ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه كتاب معرفة علوم الحديث بصحته، وأخرجه أبو داود في سننه بإسناده منفردا به، وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون ابن أبي شبيب، ولم يدركها.
قال الشيخ وفيما قاله أبو داود نظر؛ فإنه كوفي متقدم، قد أدرك المغيرة ابن شعبة، ومات المغيرة قبل عائشة، وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي كاف في ثبوت الإدراك، فلو ورد عن ميمون أنه قال: لم ألق عائشة. استقام لأبي داود الجزم بعدم إدراكه، وهيهات ذلك.
هذا آخر كلام الشيخ.
قلت: وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده، وقال: هذا الحديث لا يعلم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا من هذا الوجه، وقد روي عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا. والله أعلم.

.(فصل):

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ: جميع ما حكم مسلم رحمه الله بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه؛ وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع.
قال الشيخ: والذي نختاره أن تلقي الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول يوجب العلم النظري بصدقه خلافا لبعض محققي الأصوليين، حيث نفى ذلك بناء على أنه لا يفيد في حق كل منهم إلا الظن، وإنما قبله لأنه يجب عليه العمل بالظن، والظن قد يخطئ.
قال الشيخ: وهذا مندفع لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، وقد قال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع علماء المسلمين على صحتها.
قال الشيخ: ولقائل أن يقول: إنه لا يحنث، ولو لم يجمع المسلمون على صحتها للشك في الحنث، فإنه لو حلف بذلك في حديث ليست هذه صفته لم يحنث، وإن كان راويه فاسقا، فعدم الحنث حاصل قبل الإجماع، فلا يضاف إلى الإجماع.
قال الشيخ: والجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا، وأما عند الشك فعدم الحنث محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا، فعلى هذا يحمل كلام إمام الحرمين، فهو اللائق بتحقيقه، فإذا علم هذا فما أخذ على البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه؛ لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول، وما ذلك إلا في مواضع قليلة، سننبه على ما وقع في هذا الكتاب منها إن شاء الله تعالى.
وهذا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ الله هنا.
وقال في جزء له: ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت يقينا؛ لتلقى الأمة ذلك بالقبول، وذلك يفيد العلم النظري، وهو في إفادة العلم كالمتواتر، إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري، وتلقى الأمة بالقبول يفيد العلم النظري، وقد اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق.
قال الشيخ في علوم الحديث: وقد كنت أميل إلى أن ما اتفقنا عليه فهو مظنون، وأحسبه مذهبا قويا، وقد بان لي الآن أنه ليس كذلك، وأن الصواب أنه يفيد العلم. وهذا الذي ذكره الشيخ في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والأكثرون؛ فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن، فإنها آحاد؛ والآحاد إنما تفيد الظن على ما تقرر، ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما، وهذا متفق عليه، فإن أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها، ولا تفيد إلا الظن، فكذا الصحيحان، وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه، بل يجب العمل به مطلقا، وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ اشتد إنكار بن برهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ، وبالغ في تغليطه، وأما ما قاله الشيخ رحمه الله في تأويل كلام إمام الحرمين في عدم الحنث فهو بناء على ما اختاره الشيخ، وأما على مذهب الأكثرين فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى تستحب له الرجعة، كما لو حلف بمثل ذلك في غير الصحيحين فإنا لا نحنثه لكن تستحب له الرجعة احتياطا لاحتمال الحنث، وهو ظاهر، وأما الصحيحان فاحتمال الحنث فيهما في غاية من الضعف، فلا تستحب له المراجعة لضعف احتمال موجبها، والله أعلم.

.(فصل):

قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: روينا عن أبي قريش الحافظ قال: كنت عند أبي زرعة الرازي، فجاء مسلم بن الحجاج فسلم عليه وجلس ساعة، وتذاكرا، فلما قام قلت له: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح. قال أبو زرعة: فلمن ترك الباقي.
قال الشيخ: أراد أن كتابه هذا أربعة آلاف حديث أصول دون المكررات، وكذا كتاب البخاري؛ ذكر أنه أربعة آلاف حديث بإسقاط المكرر، وبالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا، ثم إن مسلما رحمه الله رتب كتابه على أبواب، فهو مبوب في الحقيقة، ولكنه لم يذكر تراجم الأبواب فيه لئلا يزداد بها حجم الكتاب، أو لغير ذلك.
قلت: وقد ترجم جماعة أبوابه بتراجم بعضها جيد وبعضها ليس بجيد؛ إما لقصور في عبارة الترجمة، وإما لركاكة لفظها، وإما لغير ذلك، وأنا إن شاء الله أحرص على التعبير عنها بعبارات تليق بها في مواطنها، والله أعلم.

.(فصل):

سلك مسلم رحمه الله في صحيحه طرقا بالغة في الاحتياط والإتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علومه، وشدة تحقيقه بحفظه، وتقعدده في هذا الشأن، وتمكنه من أنواع معارفه، وتبريزه في صناعته، وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه، لا يهتدي إليها إلا أفراد في الأعصار، فرحمه الله ورضي عنه، وأنا أذكر أحرفا من أمثلة ذلك، تنبيها بها على ما سواها، إذ لا يعرف حقيقة حاله إلا من أحسن النظر في كتابه، مع كمال أهليته ومعرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة كالفقه والأصولين والعربية وأسماء الرجال ودقائق علم الأسانيد والتاريخ ومعاشرة أهل هذه الصنعة ومباحثتهم، ومع حسن الفكر ونباهة الذهن ومداومة الاشتغال به، وغير ذلك من الأدوات التي يفتقر إليها.
فمن تحري مسلم رحمه الله اعتناؤه بالتمييز بين (حدثنا) و(أخبرنا) وتقييده ذلك على مشايخه، وفي روايته، وكان من مذهبه رحمه الله الفرق بينهما، وأن (حدثنا) لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة، و(أخبرنا) لما قرئ على الشيخ، وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق، قال محمد بن الحسن الجوهري المصري: وهو مذهب أكثر أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد.
وروي هذا المذهب أيضا عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب والنسائي، وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث، وذهب جماعات إلى أنه يجوز أن تقول فيما قرئ على الشيخ: (حدثنا) و(أخبرنا). وهو مذهب الزهري ومالك وسفيان ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان، وآخرين من المتقدمين، وهو مذهب البخاري وجماعة من المحدثين، وهو مذهب معظم الحجازيين والكوفيين.
وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز إطلاق (حدثنا) ولا (أخبرنا) في القراءة، وهو مذهب بن المبارك ويحيى ابن يحيى وأحمد ابن حنبل، والمشهور عن النسائي، والله أعلم.
ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة، كقوله: حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، قال أو قالا حدثنا فلان، وكما إذا كان بينهما اختلاف في حرف من متن الحديث أو صفة الراوي أو نسبه أو نحو ذلك، فإنه يبينه، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى، وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى، ولكن كان خفيا لا يتفطن له إلا ماهر في العلوم التي ذكرتها في أول الفصل، مع اطلاع على دقائق الفقه ومذاهب الفقهاء، وسترى في هذا الشرح من فوائد ذلك ما تقر به عينيك إن شاء الله تعالى.
وينبغي أن ندقق النظر في فهم غرض مسلم من ذلك.
ومن ذلك تحريه في رواية صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة، كقوله: حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا توضأ أحدكم فليستنشق» الحديث. وذلك لأن الصحائف والأجزاء والكتب المشتملة على أحاديث بإسناد واحد إذا اقتصر عند سماعها على ذكر الإسناد في أولها، ولم يجدد عند كل حديث منها وأراد إنسان ممن سمع كذلك أن يفرد حديثًا منها غير الأول بالإسناد المذكور في أولها، فهل يجوز له ذلك؟ قال وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الإسماعيلي: الشافعي الإمام في الحديث والفقه والأصول يُجوِّز ذلك. وهذا مذهب الأكثرين من العلماء، لأن الجميع معطوف على الأول، فالإسناد المذكور أولا في حكم المعاد في كل حديث.
وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني: الفقيه الشافعي الإمام في علم الأصولين والفقه وغير ذلك لا يجوز ذلك. فعلى هذا من سمع هكذا فطريقه أن يبين ذلك كما فعله مسلم، فمسلم رحمه الله سلك هذا الطريق ورعا واحتياطا وتحريا وإتقانا رضي الله عنه، ومن ذلك تحريه في مثل قوله: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا سليمان - يعني بن بلال - عن يحيى وهو بن سعيد، فلم يستجز رضي الله عنه أن يقول: سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد. لكونه لم يقع في روايته منسوبا، فلو قاله منسوبا لكان مخبرا عن شيخه أنه أخبره بنسبه ولم يخبره، وسأذكر هذا بعد هذا في فصل مختص به إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك احتياطه في تلخيص الطرق وتحول الأسانيد مع إيجاز العبارة وكمال حسنها.
ومن ذلك حسن ترتيبه وترصيفه الأحاديث على نسق يقتضيه تحقيقه وكمال معرفته بمواقع الخطاب ودقائق العلم وأصول القواعد وخفيات علم الأسانيد ومراتب الرواة وغير ذلك.