فصل: باب فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ:

5314- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار} الْجَانّ الْجِنّ. وَالْمَارِج اللَّهَب الْمُخْتَلِط بِسَوَادِ النَّار».

.باب فِي الْفَأْرِ وَأَنَّهُ مَسْخٌ:

5315- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُقِدَتْ أُمَّة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَلَا أَرَاهَا إِلَّا الْفَأْر، أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَان الْإِبِل لَمْ تَشْرَبهَا، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَان الشَّاء شَرِبَتْهُ؟» مَعْنَى هَذَا أَنَّ لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا حُرِّمَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل دُون لُحُوم الْغَنَم وَأَلْبَانهَا، فَدَلَّ بِامْتِنَاعِ الْفَأْرَة مِنْ لَبَن الْإِبِل دُون الْغَنَم عَلَى أَنَّهَا مَسْخ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل.
قَوْله: (قُلْت: أَأَقْرَأُ التَّوْرَاة؟) هُوَ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَام، وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار، وَمَعْنَاهُ مَا أَعْلَم، وَلَا عِنْدِي شَيْء إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَنْقُل عَنْ التَّوْرَاة وَلَا غَيْرهَا مِنْ كُتُب الْأَوَائِل شَيْئًا بِخِلَافِ كَعْب الْأَحْبَار وَغَيْره مِمَّنْ لَهُ عِلْم بِعِلْمِ أَهْل الْكِتَاب.

.باب لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ:

5317- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُلْدَغ الْمُؤْمِن مِنْ جُحْر وَاحِد مَرَّتَيْنِ» الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة: (لَا يُلْدَغ) بِرَفْعِ الْغَيْن، وَقَالَ الْقَاضِي: يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا بِضَمِّ الْغَيْن عَلَى الْخَبَر، وَمَعْنَاهُ الْمُؤْمِن الْمَمْدُوح، وَهُوَ الْكَيِّسُ الْحَازِم الَّذِي لَا يُسْتَغْفَل، فَيُخْدَع مَرَّة بَعْد أُخْرَى، وَلَا يَفْطِن لِذَلِكَ وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَاد الْخِدَاع فِي أُمُور الْآخِرَة دُون الدُّنْيَا. وَالْوَجْه الثَّانِي بِكَسْرِ الْغَيْن عَلَى النَّهْي أَنْ يُؤْتَى مِنْ جِهَة الْغَفْلَة.
قَالَ: وَسَبَب الْحَدِيث مَعْرُوف، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَ أَبَا عَزَّة الشَّاعِر يَوْم بَدْر، فَمَنَّ عَلَيْهِ، وَعَاهَدَهُ أَلَّا يُحَرِّض عَلَيْهِ وَلَا يَهْجُوهُ، وَأَطْلَقَهُ فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى التَّحْرِيض وَالْهِجَاء، ثُمَّ أَسَرَهُ يَوْم أُحُد، فَسَأَلَهُ الْمَنّ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِن لَا يُلْدَغ مِنْ جُحْر مَرَّتَيْنِ» وَهَذَا السَّبَب يُضَعِّف الْوَجْه الثَّانِي.
وَفيه أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ نَالَهُ الضَّرَر مِنْ جِهَة أَنْ يَتَجَنَّبهَا لِئَلَّا يَقَعَ فيها ثَانِيَة.

.بَاب الْمُؤْمِن أَمْره كُلّه خَيْر:

ذَكَرَ مُسْلِم فِي هَذَا الْبَاب الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّهْي عَنْ الْمَدْح، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْمَدْحِ فِي الْوَجْه.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَطَرِيق الْجَمْع بَيْنهَا أَنَّ النَّهْي مَحْمُول عَلَى الْمُجَازَفَة فِي الْمَدْح، وَالزِّيَادَة فِي الْأَوْصَاف، أَوْ عَلَى مَنْ يُخَاف عَلَيْهِ فِتْنَة مِنْ إِعْجَاب وَنَحْوه إِذَا سَمِعَ الْمَدْح.
وَأَمَّا مَنْ لَا يُخَاف عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَمَالِ تَقْوَاهُ، وَرُسُوخ عَقْله وَمَعْرِفَته، فَلَا نَهْي فِي مَدْحه فِي وَجْهه إِذَا لَمْ يَكُنْ فيه مُجَازَفَة، بَلْ إِنْ كَانَ يَحْصُل بِذَلِكَ مَصْلَحَة كَنَشَطِهِ لِلْخَيْرِ، وَالِازْدِيَاد مِنْهُ، أَوْ الدَّوَام عَلَيْهِ، أَوْ الِاقْتِدَاء بِهِ، كَانَ مُسْتَحَبًّا. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب النَّهْيِ عَنِ الْمَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ وَخِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ:

5319- قَوْله: «وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّه أَحَدًا» أَيْ لَا أَقْطَع عَلَى عَاقِبَة أَحَد وَلَا ضَمِيره؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُغَيَّب عَنَّا، وَلَكِنْ أَحْسِب وَأَظُنّ لِوُجُودِ الظَّاهِر الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ.
5320- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَطَعْت عُنُق صَاحِبك» وَفِي رِوَايَة: «قَطَعْتُمْ ظَهْر الرَّجُل» مَعْنَاهُ أَهْلَكْتُمُوهُ، وَهَذِهِ اِسْتِعَارَة مِنْ قَطْع الْعُنُق الَّذِي هُوَ الْقَتْل لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْهَلَاك، لَكِنْ هَلَاك هَذَا الْمَمْدُوح فِي دِينه، وَقَدْ يَكُون مِنْ جِهَة الدُّنْيَا لِمَا يُشْتَبَه عَلَيْهِ مِنْ حَاله بِالْإِعْجَابِ.
5321- وَقَوْله: (وَيُطْرِيه فِي الْمِدْحَة) هِيَ بِكَسْرِ الْمِيم، وَالْإِطْرَاءُ مُجَاوَزَةُ الْحَدّ فِي الْمَدْح.
5322- قَوْله: (أَمَرَنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُحْثِي فِي وُجُوه الْمَدَّاحِينَ التُّرَاب) هَذَا الْحَدِيث قَدْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِره الْمِقْدَاد الَّذِي هُوَ رَاوِيه، وَوَافَقَهُ طَائِفَة، وَكَانُوا يَحْثُونَ التُّرَاب فِي وَجْهه حَقِيقَة.
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ خَيِّبُوهُمْ، فَلَا تُعْطُوهُمْ شَيْئًا لِمَدْحِهِمْ.
وَقِيلَ: إِذَا مَدَحْتُمْ فَاذْكُرُوا أَنَّكُمْ مِنْ تُرَاب فَتَوَاضَعُوا وَلَا تُعْجَبُوا، وَهَذَا ضَعِيف.
5323- قَوْله: (حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيّ عُبَيْد اللَّه بْن عُبَيْد الرَّحْمَن عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيِّ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا: اِبْن عُبَيْد الرَّحْمَن بِضَمِّ الْعَيْن مُصَغَّرًا.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَعَ لِأَكْثَر شُيُوخنَا: اِبْن عَبْد الرَّحْمَن مُكَبَّرًا وَالْأَوَّل هُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.

.باب التَّثَبُّتِ فِي الْحَدِيثِ وَحُكْمِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ:

5325- قَوْله: (إِنَّ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يُحَدِّث، وَهُوَ يَقُول: اِسْمَعِي يَا رَبَّة الْحُجْرَة) يَعْنِي عَائِشَة، مُرَاده بِذَلِكَ تَقْوِيَة الْحَدِيث بِإِقْرَارِهَا ذَلِكَ، وَسُكُوتهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ تُنْكِر عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْإِكْثَار مِنْ الرِّوَايَة فِي الْمَجْلِس الْوَاحِد؛ لِخَوْفِهَا أَنْ يَحْصُل بِسَبَبِهِ سَهْوٌ وَنَحْوُهُ.
5326- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي غَيْر الْقُرْآن، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْر الْقُرْآن فَلْيَمْحُهُ» قَالَ الْقَاضِي: كَانَ بَيْن السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلَاف كَثِير فِي كِتَابَة الْعِلْم، فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ، وَأَجَازَهَا أَكْثَرهمْ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازهَا، وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلَاف. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث الْوَارِد فِي النَّهْي، فَقِيلَ: هُوَ فِي حَقّ مَنْ يَوْثُق بِحِفْظِهِ، وَيُخَاف اِتِّكَاله عَلَى الْكِتَابَة إِذَا كَتَبَ. وَتُحْمَل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالْإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لَا يَوْثُق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ: «اُكْتُبُوا لِأَبِي شَاه» وَحَدِيث صَحِيفَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَحَدِيث كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي فيه الْفَرَائِض وَالسُّنَن وَالدِّيَات. وَحَدِيث كِتَاب الصَّدَقَة وَنُصُب الزَّكَاة الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ كَانَ يَكْتُب وَلَا أَكْتُب، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث.
وَقِيلَ: إِنَّ حَدِيث النَّهْي مَنْسُوخ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث، وَكَانَ النَّهْي حِين خِيفَ اِخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَة، وَقِيلَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَة الْحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي صَحِيفَة وَاحِدَة؛ لِئَلَّا يَخْتَلِط، فَيَشْتَبِه عَلَى الْقَارِئ فِي صَحِيفَة وَاحِدَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا حَدِيث: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار» فَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي أَوَّل الْكِتَاب. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلاَمِ:

5327- هَذَا الْحَدِيث فيه إِثْبَات كَرَامَات الْأَوْلِيَاء.
وَفيه جَوَاز الْكَذِب فِي الْحَرْب وَنَحْوهَا، وَفِي إِنْقَاذ النَّفْس مِنْ الْهَلَاك، سَوَاء نَفْسه أَوْ نَفْس غَيْره مِمَّنْ لَهُ حُرْمَة.
وَالْأَكْمَه الَّذِي خُلِقَ أَعْمَى.
وَالْمِئْشَار مَهْمُوز فِي رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ، وَيَجُوز تَخْفِيف الْهَمْزَة بِقَلْبِهَا يَاء، وَرُوِيَ الْمِنْشَار بِالنُّونِ، وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ سَبَقَ بَيَانهمَا قَرِيبًا.
وَذُرْوَة الْجَبَل أَعْلَاهُ، هِيَ بِضَمِّ الذَّال، وَكَسْرهَا وَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَل أَيّ اِضْطَرَبَ وَتَحَرَّكَ حَرَكَة شَدِيدَة، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ رَوَاهُ: فَزَحَفَ بِالزَّايِ وَالْحَاء، وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَرَكَة، لَكِنَّ الْأَوَّل هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور.
وَالْقُرْقُور بِضَمِّ الْقَافَيْنِ السَّفِينَة الصَّغِيرَة، وَقِيلَ: الْكَبِيرَة، وَاخْتَارَ الْقَاضِي الصَّغِيرَة بَعْد حِكَايَته خِلَافًا كَثِيرًا.
وَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَة أَيْ اِنْقَلَبَتْ وَالصَّعِيد هُنَا الْأَرْض الْبَارِزَة. وَكَبِد الْقَوْس مِقْبَضهَا عِنْد الرَّمْي.
قَوْله: «نَزَلَ بِك حَذَرك» أَيْ مَا كُنْت تَحْذَر وَتَخَاف.
وَالْأُخْدُود هُوَ الشَّقّ الْعَظِيم فِي الْأَرْض، وَجَمْعه أَخَادِيد وَالسِّكَك الطُّرُق، وَأَفْوَاههَا أَبْوَابهَا.
قَوْله: «مَنْ لَمْ يَرْجِع عَنْ دِينه فَأَحْمُوهُ فيها» هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّة النُّسَخ: (فَأَحْمُوهُ) بِهَمْزَةِ قَطَعَ بَعْدهَا حَاء سَاكِنَة، وَنَقَلَ الْقَاضِي اِتِّفَاق النُّسَخ عَلَى هَذَا. وَوَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ بِلَادنَا: (فَأَقْحِمُوهُ) بِالْقَافِ، وَهَذَا ظَاهِر، وَمَعْنَاهُ اِطْرَحُوا فيها كُرْهًا. وَمَعْنَى الرِّوَايَة الْأُولَى اِرْمُوهُ فيها مِنْ قَوْلهمْ حَمَيْت الْحَدِيدَة وَغَيْرهَا إِذَا أَدْخَلْتهَا النَّار لِتُحْمَى.
قَوْله: «فَتَقَاعَسَتْ» أَيْ تَوَقَّفَتْ وَلَزِمَتْ مَوْضِعهَا، وَكَرِهَتْ الدُّخُول فِي النَّار. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

.باب حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقِصَّةِ أَبِي الْيَسَرِ:

5328- قَوْله: (عَنْ يَعْقُوب بْن مُجَاهِد أَبِي حَزْرَة) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ زَاي ثُمَّ رَاء ثُمَّ هَاء. وَأَبُو الْيُسْر بِفَتْحِ الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحْت وَالسِّين الْمُهْمَلَة، وَاسْمه كَعْب بْن عَمْرو، شَهِدَ الْعَقَبَة وَبَدْرًا وَهُوَ اِبْن عِشْرِينَ سَنَة، وَهُوَ آخِر مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْل بَدْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَة خَمْس وَخَمْسِينَ.
قَوْله: (ضِمَامَة مِنْ صُحُف) هِيَ بِكَسْرِ الضَّاد الْمُعْجَمَة أَيْ رِزْمَة يَضُمّ بَعْضهَا إِلَى بَعْض، هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم: ضِمَامَة، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع النُّسَخ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ بَعْض شُيُوخنَا: صَوَابه (إِضْمَامَة) بِكَسْرِ الْهَمْزَة قَبْل الضَّاد.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَبْعُد عِنْدِي صِحَّة مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَة هُنَا، كَمَا قَالُوا: صِنَّارَة وَإِصْنَارَة لِجَمَاعَةِ الْكُتُب، وَلِفَافَة لِمَا يُلَفّ فيه الشَّيْء. هَذَا كَلَام الْقَاضِي.
وَذَكَرَ صَاحِب نِهَايَة الْغَرِيب أَنَّ الضِّمَامَة لُغَة فِي الْإِضْمَامَة، وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة إِضْمَامَة بِالْأَلِفِ.
قَوْله: (وَعَلَى أَبِي الْيُسْر بُرْدَة وَمَعَافِرِيّ) الْبُرْدَة شَمْلَة مُخَطَّطَة، وَقِيلَ: كِسَاء مُرَبَّع فيه صِغَر يَلْبَسهُ الْأَعْرَاب، وَجَمْعه الْبُرُد وَالْمَعَافِرِيّ بِفَتْحِ الْمِيم نَوْع مِنْ الثِّيَاب يُعْمَل بِقَرْيَة تُسَمَّى مَعَافِر، وَقِيلَ: هِيَ نِسْبَة إِلَى قَبِيلَة نَزَلَتْ تِلْك الْقَرْيَة، وَالْمِيم فيه زَائِدَة.
قَوْله: «سَفْعَة مِنْ غَضَب» هِيَ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَضَمّهَا، لُغَتَانِ، وَبِإِسْكَانِ الْفَاء، أَيْ عَلَامَة وَتَغَيُّر.
قَوْله: «كَانَ لِي عَلَى فُلَان بْن فُلَان الْحَرَامِيّ» قَالَ الْقَاضِي: رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ (الْحَرَامِيّ) بِفَتْحِ الْحَاء وَبِالرَّاءِ نِسْبَة إِلَى بَنِي حَرَام، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ وَغَيْره بِالزَّايِ الْمُعْجَمَة مَعَ كَسْر الْحَاء، وَرَوَاهُ اِبْن مَاهَانِ (الْجُذَامِيّ) بِجِيمِ مَضْمُومَة وَذَال مُعْجَمَة.
قَوْله: (اِبْن لَهُ جَفْر) الْجَفْر هُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي قَوِيَ عَلَى الْأَكْل، وَقِيلَ: اِبْن خَمْس سِنِينَ.
قَوْله: (دَخَلَ أَرِيكَة أُمِّيّ) قَالَ ثَعْلَب: هِيَ السَّرِير الَّذِي فِي الْحَجْلَة، وَلَا يَكُون السَّرِير الْمُفْرَد.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ: كُلّ مَا اِتَّكَأَتْ عَلَيْهِ فَهُوَ أَرِيكَة.
قَوْله: (قُلْت: آللَّه قَالَ: اللَّه) الْأَوَّل بِهَمْزَةِ مَمْدُودَة عَلَى الِاسْتِفْهَام، وَالثَّانِي بِلَا مَدّ، وَالْهَاء فيهمَا مَكْسُورَة، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور.
قَالَ الْقَاضِي: رُوِّينَاهُ بِكَسْرِهَا وَفَتْحهَا مَعًا. وَأَكْثَر أَهْل الْعَرَبِيَّة لَا يُجِيزُونَ غَيْر كَسْرهَا.
قَوْله: (بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّاد وَرَفْع الرَّاء، وَبِإِسْكَانِ مِيم (سَمِعَ)، وَرَفْع الْعَيْن. هَذِهِ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ. وَرَوَاهُ جَمَاعَة بِضَمِّ الصَّاد وَفَتْح الرَّاء عَيْنَايَ هَاتَانِ، وَسَمِعَ بِكَسْرِ الْمِيم أُذُنَايَ هَاتَانِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، لَكِنَّ الْأَوَّل أَوْلَى.
قَوْله: (وَأَشَارَ إِلَى مَنَاط قَلْبه) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيم، وَفِي بَعْض النُّسَخ الْمُعْتَمَدَة: (نِيَاط) بِكَسْرِ النُّون، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد، وَهُوَ عِرْق مُعَلَّق بِالْقَلْبِ.
قَوْله (فَقُلْت لَهُ: يَا عَمّ لَوْ أَنَّك أَخَذْت بُرْدَة غُلَامك، وَأَعْطَيْته مَعَافِرِيَّك، وَأَخَذْت مَعَافِرِيَّهُ، وَأَعْطَيْته بُرْدَتك، فَكَانَتْ عَلَيْك حُلَّة، وَعَلَيْهِ حُلَّة) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: وَأَخَذْت بِالْوَاوِ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع النُّسَخ وَالرِّوَايَات، وَوَجْه الْكَلَام وَصَوَابه أَنْ يَقُول: أَوْ أَخَذْت (بِأَوْ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُود أَنْ يَكُون عَلَى أَحَدهمَا بُرْدَتَانِ، وَعَلَى الْآخِر مَعَافِرِيَّان.
وَأَمَّا الْحُلَّةُ فَهِيَ ثَوْبَانِ إِزَار وَرِدَاء.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: لَا تَكُون إِلَّا ثَوْبَيْنِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدهمَا يَحِلّ عَلَى الْآخِر، وَقِيلَ: لَا تَكُون إِلَّا الثَّوْب الْجَدِيد الَّذِي يُحَلّ مِنْ طَيّه.
قَوْله: «وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْب وَاحِد مُشْتَمِلًا بِهِ» أَيْ مُلْتَحِفًا اِشْتِمَالًا لَيْسَ بِاشْتِمَالِ الصَّمَّاء الْمَنْهِيّ عَنْهُ.
وَفيه دَلِيل لِجَوَازِ الصَّلَاة فِي ثَوْب وَاحِد مَعَ وُجُود الثِّيَاب، لَكِنَّ الْأَفْضَل أَنْ يَزِيد عَلَى ثَوْب عِنْد الْإِمْكَان، وَإِنَّمَا فَعَلَ جَابِر هَذَا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا قَالَ.
قَوْله: «أَرَدْت أَنْ يَدْخُل عَلَيَّ الْأَحْمَقُ مِثْلك» الْمُرَاد بِالْأَحْمَقِ هُنَا الْجَاهِل، وَحَقِيقَة الْأَحْمَق مَنْ يَعْمَل مَا يَضُرّهُ مَعَ عِلْمه بِقُبْحِهِ. وَفِي هَذَا جَوَاز مِثْل هَذَا اللَّفْظ لِلتَّعْزِيرِ وَالتَّأْدِيب، وَزَجْر الْمُتَعَلِّم وَتَنْبِيهه، وَلِأَنَّ لَفْظَة الْأَحْمَق وَالظَّالِم قَلَّ مَنْ يَنْفَكّ مِنْ الِاتِّصَاف بِهِمَا، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظ هِيَ الَّتِي يُؤَدِّب بِهَا الْمُتَّقُونَ وَالْوَرِعُونَ مَنْ اِسْتَحَقَّ التَّأْدِيب وَالتَّوْبِيخ وَالْإِغْلَاظ فِي الْقَوْل؛ لِأَنَّ مَا يَقُولهُ غَيْرهمْ مِنْ أَلْفَاظ السَّفَه.
قَوْله (عُرْجُون اِبْن طَابَ) سَبَقَ شَرْحه قَرِيبًا، وَسَبَقَ أَيْضًا مَرَّات، وَهُوَ نَوْع مِنْ التَّمْر، وَالْعُرْجُون الْغُصْن.
قَوْله: (فَخَشَعْنَا) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، كَذَا رِوَايَة الْجُمْهُور، وَرَوَاهُ جَمَاعَة بِالْجِيمِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْأَوَّل مِنْ الْخُشُوع، وَهُوَ الْخُضُوع وَالتَّذَلُّل وَالسُّكُون، وَأَيْضًا غَضّ الْبَصَر، وَأَيْضًا الْخَوْف.
وَأَمَّا الثَّانِي فَمَعْنَاهُ الْفَزَع.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ اللَّه قِبَل وَجْهه» قَالَ الْعُلَمَاء: تَأْوِيل أَيْ الْجِهَة الَّتِي عَظَّمَهَا، أَوْ الْكَعْبَة الَّتِي عَظَّمَهَا قِبَل وَجْهه.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَة» أَيْ غَلَبَتْهُ بَصْقَة أَوْ نُخَامَة بَدَرَتْ مِنْهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرُونِي عَبِيرًا فَقَامَ فَتًى مِنْ الْحَيّ يَشْتَدّ إِلَى أَهْله، فَجَاءَ بِخَلُوق» قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْعَبِير بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر الْمُوَحَّدَة عِنْد الْعَرَب هُوَ الزَّعْفَرَان وَحْده.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: هُوَ أَخْلَاط مِنْ الطِّيب تُجْمَع بِالزَّعْفَرَانِ.
قَالَ اِبْن قُتَيْبَة: وَلَا أَرَى الْقَوْل إِلَّا مَا قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ. وَالْخَلُوق بِفَتْحِ الْخَاء هُوَ طِيب مِنْ أَنْوَاع مُخْتَلِفَة يُجْمَع بِالزَّعْفَرَانِ، وَهُوَ الْعَبِير عَلَى تَفْسِير الْأَصْمَعِيّ، وَهُوَ ظَاهِر الْحَدِيث، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِ عَبِير، فَأَحْضَر خَلُوقًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا.
وَقَوْله: «يَشْتَدّ» أَيْ يَسْعَى وَيَعْدُو عَدْوًا شَدِيدًا.
فِي هَذَا الْحَدِيث تَعْظِيم الْمَسَاجِد وَتَنْزِيههَا مِنْ الْأَوْسَاخ وَنَحْوهَا.
وَفيه اِسْتِحْبَاب تَطْيِيبهَا.
وَفيه إِزَالَة الْمُنْكَر بِالْيَدِ لِمَنْ قَدَرَ، وَتَقْبِيح ذَلِكَ الْفِعْل بِاللِّسَانِ.
قَوْله: (فِي غَزْوَة بَطْن بُوَاط) هُوَ بِضَمِّ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَفَتْحهَا، وَالْوَاو مُخَفَّفَة، وَالطَّاء مُهْمَلَة.
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: قَالَ أَهْل اللُّغَة هُوَ بِالضَّمِّ، وَهِيَ رِوَايَة أَكْثَر الْمُحَدِّثِينَ، وَكَذَا قَيَّدَهُ الْبَكْرِيّ، وَهُوَ جَبَل مِنْ جِبَال جُهَيْنَة.
قَالَ: وَرَوَاهُ الْعُذْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى بِفَتْحِ الْبَاء، وَصَحَّحَهُ اِبْن سِرَاج.
قَوْله: (وَهُوَ يَطْلُب الْمَجْدِيّ بْن عَمْرو) هُوَ بِالْمِيمِ الْمَفْتُوحَة وَإِسْكَان الْجِيم، هَكَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ عِنْدنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّة الرُّوَاة وَالنُّسَخ.
قَالَ: وَفِي بَعْضهَا (النَّجْدِيّ) بِالنُّونِ بَدَل الْمِيم.
قَالَ: وَالْمَعْرُوف الْأَوَّل، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره.
قَوْله: (النَّاضِح) هُوَ الْبَعِير الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْعُقْبَة بِضَمِّ الْعَيْن فَهِيَ رُكُوب هَذَا نَوْبَة، وَهَذَا نَوْبَة.
قَالَ صَاحِب الْعَيْن: هِيَ رُكُوب مِقْدَار فَرْسَخَيْنِ.
وَقَوْله: «وَكَانَ النَّاضِح يَعْقُبهُ مِنَّا الْخَمْسَة» هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أَكْثَرهمْ: (يَعْقُبهُ) بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْقَاف، وَفِي بَعْضهَا: (يَعْتَقِبهُ) بِزِيَادَةِ تَاء وَكَسْر الْقَاف، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. يُقَال: عَقَبَهُ وَاعْتَقَبَهُ، وَاعْتَقَبْنَا وَتَعَاقَبْنَا، كُلّه مِنْ هَذَا.
قَوْله: «فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْض التَّلَدُّن» أَيْ تَلَكَّأَ وَتَوَقَّفَ.
قَوْله: «شَأْ لَعَنَك اللَّه» هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَة بَعْدهَا هَمْزَة، هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا، وَذَكَر الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّ الرُّوَاة اِخْتَلَفُوا فيه، فَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَبَعْضهمْ بِالْمُهْمَلَةِ. قَالُوا: وَكِلَاهُمَا كَلِمَة زَجْر لِلْبَعِيرِ، يُقَال مِنْهُمَا شَأْشَأْت بِالْبَعِيرِ، بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَة إِذَا زَجَرْته وَقُلْت لَهُ شَأْ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَسَأْسَأْت بِالْحِمَارِ بِالْهَمْزِ أَيْ دَعَوْته وَقُلْت لَهُ تُشُؤْ بِضَمِّ التَّاء وَالشِّين الْمُعْجَمَة وَبَعْدهَا هَمْزَة. وَفِي هَذَا الْحَدِيث النَّهْي عَنْ لَعْن الدَّوَابّ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذَا مَعَ الْأَمْر بِمُفَارَقَةِ الْبَعِير الَّذِي لَعَنَهُ صَاحِبه.
قَوْله: «حَتَّى إِذَا كَانَ عُشَيْشِيَة» هَكَذَا الرِّوَايَة فيها عَلَى التَّصْغِير مُخَفَّفَة الْيَاء الْأَخِيرَة سَاكِنَة الْأُولَى.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: صَغَّرُوهَا عَلَى غَيْر تَكْبِيرهَا، وَكَانَ أَصْلهَا عَشِيَّة، فَأَبْدَلُوا مِنْ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ شِينًا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَمْدُر الْحَوْض» أَيْ يُطَيِّنهُ وَيُصْلِحهُ.
قَوْله: «فَنَزَعْنَا فِي الْحَوْض سَجْلًا» أَيْ أَخَذْنَا وَجَبَذْنَا. وَالسَّجْل بِفَتْحِ السِّين وَإِسْكَان الْجِيم الدَّلْو الْمَمْلُوءَة، وَسَبَقَ بَيَانهَا مَرَّات.
قَوْله: «حَتَّى أَفْهَقْنَاهُ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخنَا، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ الْجُمْهُور.
قَالَ: وَفِي رِوَايَة السَّمَرْقَنْدِيّ: أَصَفَقْنَاهُ بِالصَّادِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيّ فِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رِوَايَة مُسْلِم، وَمَعْنَاهُمَا مَلَأْنَاهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَأْذَنَانِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ» هَذَا تَعْلِيم مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ الْآدَاب الشَّرْعِيَّة وَالْوَرَع وَالِاحْتِيَاط وَالِاسْتِئْذَان فِي مِثْل هَذَا، وَإِنْ كَانَ يَعْلَم أَنَّهُمَا رَاضِيَانِ، وَقَدْ أَرْصَدَا ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِمَنْ بَعْده.
قَوْله: «فَأَشْرَعَ نَاقَته فَشَرِبَتْ، فَشَنَقَ لَهَا فَشَجَّتْ فَبَالَتْ» مَعْنَى (أَشْرَعَهَا) أَرْسَلَ رَأْسهَا فِي الْمَاء لِتَشْرَب، وَيُقَال: شَنَقَهَا وَأَشْنَقهَا أَيْ كَفَفْتهَا بِزِمَامِهَا وَأَنْتَ رَاكِبهَا.
وَقَالَ اِبْن دُرَيْد: هُوَ أَنْ تَجْذِب زِمَامهَا حَتَّى تُقَارِب رَأْسهَا قَادِمَة الرَّحْل.
وَقَوْله: (فَشَجَتْ) بِفَاءٍ وَشِين مُعْجَمَة وَجِيم مَفْتُوحَات الْجِيم مُخَفَّفَة وَالْفَاء هُنَا أَصْلِيَّة يُقَال: فَشَجَ الْبَعِير إِذَا فَرَّجَ بَيْن رِجْلَيْهِ لِلْبَوْلِ، وَفَشَّجَ بِتَشْدِيدِ الشِّين أَشَدّ مِنْ فَشَجَ بِالتَّخْفِيفِ.
قَالَهُ الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ضَبْطه هُوَ الصَّحِيح الْمَوْجُود فِي عَامَّة النُّسَخ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيّ وَغَيْرهمَا مِنْ أَهْل الْغَرِيب، وَذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ: فَشَجَّتْ بِتَشْدِيدِ الْجِيم، وَتَكُون الْفَاء زَائِدَة لِلْعَطْفِ. وَفَسَّرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي غَرِيب الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ لَهُ قَالَ: مَعْنَاهُ قَطَعَتْ الشُّرْب مِنْ قَوْلهمْ: شَجَجْت الْمَفَازَة إِذَا قَطَعْتهَا بِالسَّيْرِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَقَعَ فِي رِوَايَة الْعُذْرِيّ: (فَثُجَّتْ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة وَالْجِيم.
قَالَ: وَلَا مَعْنَى لِهَذِهِ الرِّوَايَة، وَلَا لِرِوَايَةِ الْحُمَيْدِيّ.
قَالَ: وَأَنْكَرَ بَعْضهمْ اِجْتِمَاع الشِّين وَالْجِيم، وَادَّعَى أَنَّ صَوَابه (فَشَحَتْ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة مِنْ قَوْلهمْ: شَحَا فَاهُ إِذَا فَتَحَهُ، فَيَكُون بِمَعْنَى تَفَاجَّتْ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي وَالصَّحِيح مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عَامَّة النُّسَخ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ أَيْضًا صَحِيح. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «ثُمَّ جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَوْض فَتَوَضَّأَ مِنْهُ» فيه دَلِيل لِجَوَازِ الْوُضُوء مِنْ الْمَاء الَّذِي شَرِبَتْ مِنْهُ الْإِبِل وَنَحْوهَا مِنْ الْحَيَوَان الطَّاهِر، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَة فيه، وَإِنْ كَانَ الْمَاء دُون قُلَّتَيْنِ، وَهَكَذَا مَذْهَبنَا.
قَوْله: «لَهَا ذَبَاذِبُ» أَيْ أَهْدَاب وَأَطْرَاف، وَاحِدهَا ذِبْذِب بِكَسْرِ الذَّالَيْنِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَتَذَبْذَب عَلَى صَاحِبهَا إِذَا مَشَى، أَيْ تَتَحَرَّك وَتَضْطَرِب.
قَوْله: «فَنَكَّسْتهَا» بِتَخْفِيفِ الْكَاف وَتَشْدِيدهَا.
قَوْله: «تَوَاقَصَتْ عَلَيْهَا» أَيْ أَمْسَكْت عَلَيْهَا بِعُنُقِي وَخَبَنْته عَلَيْهَا لِئَلَّا تَسْقُط.
قَوْله: «قُمْت عَنْ يَسَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدَيَّ، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينه، ثُمَّ جَاءَ جَبَّار بْن صَخْر... إِلَى آخِره» هَذَا فيه فَوَائِد مِنْهَا جَوَاز الْعَمَل الْيَسِير فِي الصَّلَاة، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَه إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ كُرِهَ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمَأْمُوم الْوَاحِد يَقِف عَلَى يَمِين الْإِمَام، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى يَسَاره حَوَّلَهُ الْإِمَام. وَمِنْهَا أَنَّ الْمَأْمُومَيْنِ يُكَوِّنَانِ صَفًّا وَرَاء الْإِمَام كَمَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَة أَوْ أَكْثَر، هَذَا مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا اِبْن مَسْعُود وَصَاحِبَيْهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يَقِف الِاثْنَانِ عَنْ جَانِبَيْهِ.
قَوْله: «يَرْمُقُنِي» أَيْ يَنْظُر إِلَيَّ نَظَرًا مُتَتَابِعًا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوك» هُوَ بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْرهَا، وَهُوَ مَعْقِد الْإِزَار، وَالْمُرَاد هُنَا أَنْ يَبْلُغ السُّرَّة.
وَفيه جَوَاز الصَّلَاة فِي ثَوْب وَاحِد، وَأَنَّهُ إِذَا شَدَّ الْمِئْزَر، وَصَلَّى فيه وَهُوَ سَاتِر مَا بَيْن سُرَّته وَرُكْبَته صَحَّتْ صَلَاته، وَإِنْ كَانَتْ عَوْرَته تُرَى مِنْ أَسْفَله لَوْ كَانَ عَلَى سَطْح وَنَحْوه، فَإِنَّ هَذَا لَا يَضُرّهُ.
قَوْله: «وَكَانَ قُوت كُلّ رَجُل مِنَّا كُلّ يَوْم تَمْرَة فَكَانَ يَمَصّهَا» هُوَ بِفَتْحِ الْمِيم عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة، وَحُكِيَ ضَمّهَا، وَسَبَقَ بَيَانه.
وَفيه مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ضِيق الْعَيْش وَالصَّبْر عَلَيْهِ فِي سَبِيل اللَّه وَطَاعَته.
قَوْله: «وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا» الْقِسِيّ جَمْع قَوْس، وَمَعْنَى نَخْتَبِطُ نَضْرِب الشَّجَر لِيَتَحَاتّ وَرِقه فَنَأْكُلهُ.
«وَقَرِحَتْ أَشْدَاقنَا» أَيْ تَجَرَّحَتْ مِنْ خُشُونَة الْوَرِق وَحَرَارَته.
قَوْله: «فَأُقْسِمُ أُخْطِئهَا رَجُل مِنَّا يَوْمًا فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُهُ فَشَهِدْنَا لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا فَأُعْطِيهَا» مَعْنَى أَقْسِم أَحْلِف. وَقَوْله: «أُخْطِئهَا» أَيْ فَاتَتْهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لِلتَّمْرِ قَاسِم يَقْسِمهُ بَيْنهمْ فَيُعْطِي كُلّ إِنْسَان تَمْرَة كُلّ يَوْم، فَقَسَمَ فِي بَعْض الْأَيَّام وَنَسِيَ إِنْسَانًا فَلَمْ يُعْطِهِ تَمْرَته، وَظَنَّ أَنَّهُ أَعْطَاهُ، فَتَنَازَعَا فِي ذَلِكَ، وَشَهِدْنَا لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا فَأُعْطِيهَا بَعْد الشَّهَادَة. وَمَعْنَى (نَنْعَشهُ) نَرْفَعهُ وَنُقِيمهُ مِنْ شِدَّة الضَّعْف وَالْجَهْد.
وَقَالَ الْقَاضِي: الْأَشْبَه عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ نَشُدّ جَانِبه فِي دَعْوَاهُ، وَنَشْهَد لَهُ.
وَفيه دَلِيل لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْر.
وَفيه جَوَاز الشَّهَادَة عَلَى النَّفْي فِي الْمَحْصُور الَّذِي يُحَاط بِهِ.
قَوْله: «نَزَلْنَا وَادِيًا أَفَيْح» هُوَ بِالْفَاءِ أَيْ وَاسِعًا، وَشَاطِئ الْوَادِي جَانِبه.
قَوْله: «فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوش» هُوَ بِالْخَاءِ وَالشِّين الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يُجْعَل فِي أَنْفه خِشَاش بِكَسْرِ الْخَاء، وَهُوَ عُود يُجْعَل فِي أَنْف الْبَعِير إِذَا كَانَ صَعْبًا، وَيُشَدّ فيه حَبْل لِيَذِلّ وَيَنْقَاد، وَقَدْ يَتَمَانَع لِصُعُوبَتِهِ، فَإِذَا اِشْتَدَّ عَلَيْهِ وَآلَمَهُ اِنْقَادَ شَيْئًا وَلِهَذَا قَالَ الَّذِي يُصَانِع قَائِده. وَفِي هَذَا هَذِهِ الْمُعْجِزَات الظَّاهِرَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنهمَا لَأَمَ بَيْنهمَا» أَمَّا (الْمَنْصَف) فَبِفَتْحِ الْمِيم وَالصَّاد، وَهُوَ نِصْف الْمَسَافَة، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِفَتْحِهِ الْجَوْهَرِيّ وَآخَرُونَ.
وَقَوْله: (لَأَمَ) بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَة وَمَمْدُودَة، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، أَيْ جَمَعَ بَيْنهمَا. وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ (الْأَمَ) بِالْأَلِفِ مِنْ غَيْر هَمْزَة.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: هُوَ تَصْحِيف.
قَوْله: «فَخَرَجْت أُحْضِر» هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الْحَاء وَكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة أَيْ أَعْدُو وَأَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا.
قَوْله: «فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَة» اللَّفْتَة النَّظْرَة إِلَى جَانِب، وَهِيَ بِفَتْحِ اللَّام، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاة: (فَحَالَتْ) بِاللَّامِ، وَالْمَشْهُور بِالنُّونِ، وَهُمَا بِمَعْنًى، فَالْحِين وَالْحَال الْوَقْت، أَيْ وَقَعَتْ وَاتَّفَقَتْ وَكَانَتْ.
قَوْله: (وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَاعِيل) وَفِي بَعْض النُّسَخ (اِبْن إِسْمَاعِيل)، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، هُوَ حَاتِم بْن إِسْمَاعِيل، وَكُنْيَته أَبُو إِسْمَاعِيل.
قَوْله: «فَأَخَذْت حَجَرًا فَكَسَرْته وَحَسَرْته فَانْذَلَقَ، فَأَتَيْت الشَّجَرَتَيْنِ، فَقَطَعْت مِنْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا غُصْنًا» فَقَوْله: (فَحَسَرْته) بِحَاءِ وَسِين مُهْمَلَتَيْنِ وَالسِّين مُخَفَّفَة أَيْ أَحْدَدْته وَنَحَّيْت عَنْهُ مَا يَمْنَع حِدَّته بِحَيْثُ صَارَ مِمَّا يُمْكِن قَطْعِي الْأَغْصَان بِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله: (فَانْذَلَقَ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَيْ صَارَ حَادًّا.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ: الضَّمِير فِي (حَسَرْته) عَائِد عَلَى الْغُصْن أَيْ حَسَرْت غُصْنًا مِنْ أَغْصَان الشَّجَرَة، أَيْ قَشَّرْته بِالْحَجَرِ. وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاض هَذَا عَلَى الْهَرَوِيُّ وَمُتَابَعِيهِ، وَقَالَ: سِيَاق الْكَلَام يَأْبَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ حَسَرَهُ، ثُمَّ أَتَى الشَّجَرَة، فَقَطَعَ الْغُصْنَيْنِ، وَهَذَا صَرِيح فِي لَفْظه، وَلِأَنَّهُ قَالَ: فَحَسَرْته فَانْذَلَقَ، وَاَلَّذِي يُوصَف بِالِانْذِلَاقِ الْحَجَر لَا الْغُصْن، وَالصَّوَاب أَنَّهُ إِنَّمَا حَسِرَ الْحَجَر، وَبِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْله: (فَحَسَرْته) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ، وَكَذَا هُوَ فِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي كِتَاب الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيّ وَجَمِيع كُتُب الْغَرِيب، وَادَّعَى الْقَاضِي رِوَايَته عَنْ جَمِيع شُيُوخهمْ لِهَذَا الْحَرْف بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة، وَادَّعَى أَنَّهُ أَصَحّ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُرَفَّهَ عَنْهُمَا» أَيْ يُخَفَّف.
قَوْله: «وَكَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يُبَرِّد الْمَاء لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْجَاب لَهُ عَلَى حِمَارَة مِنْ جَرِيد» أَمَّا (الْإِشْجَاب) هُنَا فَجَمْع (شَجْب) بِإِسْكَانِ الْجِيم، وَهُوَ السِّقَاء الَّذِي قَدْ أُخْلِقَ وَبَلِيَ وَصَارَ شَنًّا. يُقَال: شَاجِب أَيْ يَابِس، وَهُوَ مِنْ الشَّجْب الَّذِي هُوَ الْهَلَاك، وَمِنْهُ حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: (قَامَ إِلَى شَجْب فَصَبَّ مِنْهُ الْمَاء، وَتَوَضَّأَ).
وَمِثْله قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابه مِنْ شَيْء» وَأَمَّا قَوْل الْمَازِرِيّ وَغَيْره أَنَّ الْمُرَاد بِالْأَشْجَاب هُنَا الْأَعْوَاد الَّتِي تُعَلَّق عَلَيْهَا الْقِرْبَة فَغَلَط؛ لِقَوْلِهِ: «يُبَرِّد فيها عَلَى حِمَارَة مِنْ جَرِيد».
وَأَمَّا (الْحِمَارَة) فَبِكَسْرِ الْحَاء وَتَخْفِيف الْمِيم وَالرَّاء وَهِيَ أَعْوَاد تُعَلَّق عَلَيْهَا أَسْقِيَة الْمَاء.
قَالَ الْقَاضِي: وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاة (حِمَار) بِحَذْفِ الْهَاء، وَرِوَايَة الْجُمْهُور (حِمَارَه) بِالْهَاءِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَمَعْنَاهُمَا مَا ذَكَرْنَا.
قَوْله: «فَلَمْ أَجِد فيها إِلَّا قَطْرَة فِي عَزْلَاء شَجْب مِنْهَا لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ شَرِبَهُ يَابِسُهُ» قَوْله: «قَطْرَة» أَيْ يَسِيرًا. و(الْعَزْلَاء) بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَبِإِسْكَانِ الزَّاي وَبِالْمَدِّ وَهِيَ فَم الْقِرْبَة. وَقَوْله: «شَرِبَهُ يَابِسُهُ» مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَلِيل جِدًّا، فَلِقِلَّتِهِ مَعَ شِدَّة يُبْس بَاقِي الشَّجْب، وَهُوَ السِّقَاء، لَوْ أَفْرَغْته لَاشْتَفَّهُ الْيَابِس مِنْهُ، وَلَمْ يَنْزِل مِنْهُ شَيْء.
قَوْله: «وَيَغْمِزهُ بِيَدَيْهِ» وَفِي بَعْض النُّسَخ: (بِيَدِهِ)، أَيْ يَعْصِرهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَادِ بِجَفْنَةٍ فَقُلْت: يَا جَفْنَة الرَّكْب، فَأَتَيْت بِهَا» أَيْ يَا صَاحِب جَفْنَة الرَّكْب، فَحَذَفَ الْمُضَاف لِلْعِلْمِ. بِأَنَّهُ الْمُرَاد، وَأَنَّ الْجَفْنَة لَا تُنَادَى، وَمَعْنَاهُ يَا صَاحِب جَفْنَة الرَّكْب الَّتِي تُشْبِعهُمْ أَحْضِرْهَا، أَيْ مَنْ كَانَ عِنْده جَفْنَة بِهَذِهِ الصِّفَة فَلْيُحْضِرْهَا، وَالْجَفْنَة بِفَتْحِ الْجِيم.
قَوْله: «فَأَتَيْنَا سِيف الْبَحْر، فَزَخَرَ الْبَحْر زَخْرَةً، فَأَلْقَى دَابَّة، فَأَوْرَيْنَا عَلَى شِقّهَا النَّار» سِيف الْبَحْر بِكَسْرِ السِّين وَإِسْكَان الْمُثَنَّاة تَحْت هُوَ سَاحِله، وَزَخَرَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَيْ عَلَا مَوْجه، وَأَوْرَيْنَا أَوْقَدْنَا.
قَوْله: «حِجَاج عَيْنهَا» هُوَ بِكَسْرِ الْحَاء وَفَتْحهَا، وَهُوَ عَظْمهَا الْمُسْتَدِير بِهَا.
قَوْله: «ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَم رَجُل فِي الرَّكْب، وَأَعْظَم جَمَل فِي الرَّكْب، وَأَعْظَم كِفْل فِي الرَّكْب، فَدَخَلَ تَحْته مَا يُطَأْطِئ رَأْسه» (الْكِفْل) هُنَا بِكَسْرِ الْكَاف وَإِسْكَان الْفَاء قَالَ الْجُمْهُور: وَالْمُرَاد بِالْكِفْلِ هُنَا الْكِسَاء الَّذِي يَحْوِيه رَاكِب الْبَعِير عَلَى سَنَامه لِئَلَّا يَسْقُط، فَيَحْفَظ الرَّاكِب، قَالَ الْهَرَوِيُّ: قَالَ الْأَزْهَرِيّ: وَمِنْهُ اِشْتِقَاق قَوْله تَعَالَى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَته} أَيْ نَصِيبَيْنِ يَحْفَظَانِكُمْ مِنْ الْهَلَكَة، كَمَا يَحْفَظ الْكِفْل الرَّاكِب. يُقَال مِنْهُ: تَكَفَّلْت الْبَعِير، وَأَكْفَلْته، إِذَا أَدَرْت ذَلِكَ الْكِسَاء حَوْل سَنَامه ثُمَّ رَكِبْته. وَهَذَا الْكِسَاء كِفْل بِكَسْرِ الْكَاف وَسُكُون الْفَاء.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَضَبَطَهُ بَعْض الرُّوَاة بِفَتْحِ الْكَاف وَالْفَاء، وَالصَّحِيح الْأَوَّل.
وَأَمَّا قَوْله: (بِأَعْظَم رَجُل) فَهُوَ بِالْجِيمِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ الْأَصَحّ، وَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِالْحَاءِ، وَكَذَا وَقَعَ لِرُوَاةِ الْبُخَارِيّ بِالْوَجْهَيْنِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَات ظَاهِرَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.