فصل: (بَاب صِحَّة الِاحْتِجَاج بِالْحَدِيثِ الْمُعَنْعَن إِذَا أَمْكَنَ لِقَاءُ وَلَمْ يَكُنْ فيهمْ مُدَلِّسٌ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.(بَاب صِحَّة الِاحْتِجَاج بِالْحَدِيثِ الْمُعَنْعَن إِذَا أَمْكَنَ لِقَاءُ وَلَمْ يَكُنْ فيهمْ مُدَلِّسٌ):

حَاصِل هَذَا الْبَاب أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّه اِدَّعَى إِجْمَاع الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى أَنَّ الْمُعَنْعَن، وَهُوَ الَّذِي فيه فُلَان عَنْ فُلَان مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَال وَالسَّمَاع إِذَا أَمْكَنَ لِقَاءُ مَنْ أُضِيفَتْ الْعَنْعَنَة إِلَيْهِمْ بَعْضهمْ بَعْضًا يَعْنِي مَعَ بَرَاءَتِهِمْ مِنْ التَّدْلِيس. وَنَقَلَ مُسْلِم عَنْ بَعْض أَهْل عَصْره أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقُوم الْحُجَّةُ بِهَا، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَال، حَتَّى يَثْبُت أَنَّهُمَا اِلْتَقَيَا فِي عُمُرِهِمَا مَرَّةً فَأَكْثَرَ، وَلَا يَكْفِي إِمْكَانُ تَلَاقِيهِمَا.
قَالَ مُسْلِم: وَهَذَا قَوْل سَاقِط مُخْتَرَع مُسْتَحْدَث، لَمْ يُسْبَقْ قَائِلُهُ إِلَيْهِ، وَلَا مُسَاعِدَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْقَوْلَ بِهِ بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ وَأَطْنَبَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّه فِي الشَّنَاعَة عَلَى قَائِله، وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ- رَحِمَهُ اللَّه - بِكَلَامِ مُخْتَصَرِهِ: أَنَّ الْمُعَنْعَن عِنْد أَهْل الْعِلْم مَحْمُول عَلَى الِاتِّصَال إِذَا ثَبَتَ التَّلَاقِي، مَعَ اِحْتِمَال الْإِرْسَال، وَكَذَا إِذَا أَمْكَنَ التَّلَاقِي. وَهَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مُسْلِم قَدْ أَنْكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي رَدَّهُ هُوَ الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ: عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ، وَالْبُخَارِيّ وَغَيْرهمَا.
وَقَدْ زَادَ جَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى هَذَا؛ فَاشْتَرَطَ الْقَابِسِيّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدْرَكَهُ إِدْرَاكًا بَيِّنًا، وَزَادَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِيّ؛ فَاشْتَرَطَ طُولَ الصُّحْبَةِ بَيْنَهُمَا، وَزَادَ أَبُو عَمْرو الدَّانِيّ الْمُقْرِي؛ فَاشْتَرَطَ مَعْرِفَتَهُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ. وَدَلِيل هَذَا الْمَذْهَب الْمُخْتَار الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ اِبْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُوَافِقُوهُمَا: أَنَّ الْمُعَنْعَن عِنْد ثُبُوت التَّلَاقِي إِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الِاتِّصَال؛ لِأَنَّ الظَّاهِر، مِمَّنْ لَيْسَ بِمُدَلِّسٍ، أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى السَّمَاعِ، ثُمَّ الِاسْتِقْرَاءُ يَدُلُّ عَلَيْهِ. فَإِنَّ عَادَتَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا سَمِعُوهُ، إِلَّا الْمُدَلِّس، وَلِهَذَا رَدَدْنَا رِوَايَةَ الْمُدَلِّسِ. فَإِذَا ثَبَتَ التَّلَاقِي غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الِاتِّصَالُ، وَالْبَاب مَبْنِيّ عَلَى غَلَبَة الظَّنّ؟ فَاكْتَفَيْنَا بِهِ. وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِيمَا إِذَا أَمْكَنَ التَّلَاقِي وَلَمْ يَثْبُت؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْلِب عَلَى الظَّنّ الِاتِّصَال فَلَا يَجُوز الْحَمْل عَلَى الِاتِّصَال، وَيَصِير كَالْمَجْهُولِ؛ فَإِنَّ رِوَايَته مَرْدُودَة لَا لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهِ أَوْ ضَعْفِهِ بَلْ لِلشَّكِّ فِي حَالِهِ. وَاَللَّه أَعْلَمُ.
هَذَا حُكْمُ الْمُعَنْعَن مِنْ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ.
وَأَمَّا الْمُدَلِّس فَتَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ. هَذَا كُلّه تَفْرِيع عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ أَصْحَاب الْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول: أَنَّ الْمُعَنْعَن مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَال بِشَرْطِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَلَى الِاخْتِلَاف فيه. وَذَهَبَ بَعْض أَهْل الْعِلْم إِلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجّ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاع، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، وَدَلِيلُهُمْ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ حُصُول غَلَبَة الظَّنّ مَعَ الِاسْتِقْرَاء. وَاَللَّه أَعْلَمُ. هَذَا حُكْمُ الْمُعَنْعَن.
أَمَّا إِذَا قَالَ: حَدَّثَنِي فُلَان: أَنَّ فُلَانًا قَالَ، كَقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيّ: أَنَّ سَعِيدَ بْن الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَذَا، أَوْ حَدَّثَ بِكَذَا، أَوْ نَحْوَهُ: فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ أَنَّ كَعَنْ فَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَال بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل، وَيَعْقُوب بْن شَيْبَة، وَأَبُو بَكْرٍ: لَا تُحْمَلُ أَنَّ عَلَى الِاتِّصَالِ. وَإِنْ كَانَتْ عَنْ لِلِاتِّصَالِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا قَالَ، وَحَدَّثَ، وَذَكَرَ، وَشِبْهُهَا؛ فَكُلّه مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَال وَالسَّمَاع.
قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه: (فَيُقَالُ لِمُخْتَرِعِ هَذَا الْقَوْلِ: قَدْ أَعْطَيْت فِي جُمْلَة قَوْلِك أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ يَلْزَم بِهِ الْعَمَلُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّه تَنْبِيهٌ عَلَى الْقَاعِدَة الْعَظِيمَة الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا مُعْظَمُ أَحْكَام الشَّرْع، وَهُوَ وُجُوب الْعَمَل بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ فَيَنْبَغِي الِاهْتِمَامُ بِهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِتَحْقِيقِهَا، وَقَدْ أَطْنَبَ الْعُلَمَاء- رَحِمَهُمْ اللَّه- فِي الِاحْتِجَاج لَهَا وَإِيضَاحِهَا، وَأَفْرَدَهَا جَمَاعَة مِنْ السَّلَف بِالتَّصْنِيفِ، وَاعْتَنَى بِهَا أَئِمَّةُ الْمُحَدِّثِينَ وَأُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَوَّلُ مَنْ بَلَغَنَا تَصْنِيفُهُ فيها الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُ اللَّه، وَقَدْ تَقَرَّرَتْ أَدِلَّتُهَا النَّقْلِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ فِي كُتُبِ أُصُول الْفِقْه وَنَذْكُرُ هُنَا طُرَفًا فِي بَيَانِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمَذَاهِبِ فيه مُخْتَصَرًا.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْخَبَرُ ضَرْبَانِ: مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ.
فَالْمُتَوَاتِر، مَا نَقَلَهُ عَدَد لَا يُمْكِنُ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مِثْلِهِمْ وَيَسْتَوِي طَرَفَاهُ وَالْوَسَطُ، وَيُخْبِرُونَ عَنْ حِسِّيٍّ لَا مَظْنُونٍ وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ. ثُمَّ الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُضْبَطُ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِينَ الْإِسْلَامُ وَلَا الْعَدَالَةُ. وَفيه مَذَاهِبُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ، وَتَفْرِيعَات مَعْرُوفَة مُسْتَقْصَاة فِي كُتُبِ الْأُصُول.
وَأَمَّا خَبَر الْوَاحِد: فَهُوَ مَا لَمْ يُوجَد فيه شُرُوطُ الْمُتَوَاتِرِ سَوَاء كَانَ الرَّاوِي لَهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ. وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ؛ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْمُسْلِمِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ: أَنَّ خَبَر الْوَاحِد الثِّقَةِ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهَا، وَيُفِيدُ الظَّنَّ وَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَأَنَّ وُجُوب الْعَمَل بِهِ عَرَفْنَاهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ. وَذَهَبَتْ الْقَدَرِيَّة وَالرَّافِضَة وَبَعْض أَهْل الظَّاهِر إِلَى أَنَّهُ يَجِب الْعَمَل بِهِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُول: مَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ دَلِيلُ الْعَقْلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: مَنَعَ دَلِيلُ الشَّرْعِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى أَنَّهُ يَجِب الْعَمَل بِهِ مِنْ جِهَة دَلِيل الْعَقْل.
وَقَالَ مِنْ الْمُعْتَزِلَة: لَا يَجِب الْعَمَل إِلَّا بِمَا رَوَاهُ اِثْنَانِ عَنْ اِثْنَيْنِ.
وَقَالَ غَيْره. لَا يَجِب الْعَمَل إِلَّا بِمَا رَوَاهُ أَرْبَعَة عَنْ أَرْبَعَة. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْحَدِيث إِلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوجِبُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى أَنَّ الْآحَادَ الَّتِي فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَوْ صَحِيح مُسْلِم تُفِيدُ الْعِلْمَ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْآحَاد.
وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا الْقَوْل وَإِبْطَاله فِي الْفُصُول وَهَذِهِ الْأَقَاوِيل كُلّهَا سِوَى قَوْلِ الْجُمْهُور بَاطِلَةٌ، وَإِبْطَالُ مَنْ قَالَ لَا حُجَّةَ فيه ظَاهِرٌ؛ فَلَمْ تَزَلْ كُتُبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآحَادُ رُسُلِهِ يُعْمَلُ بِهَا، وَيُلْزِمُهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَمَلَ بِذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَلَمْ تَزَلْ الْخُلَفَاء الرَّاشِدُونَ وَسَائِر الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَفِ عَلَى اِمْتِثَال خَبَر الْوَاحِد إِذَا أَخْبَرَهُمْ بِسُنَّةٍ، وَقَضَائِهِمْ بِهِ، وَرُجُوعِهِمْ إِلَيْهِ فِي الْقَضَاء وَالْفُتْيَا، وَنَقْضِهِمْ بِهِ مَا حَكَمُوا بِهِ خِلَافه، وَطَلَبِهِمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ عِنْدَ عَدَمِ الْحُجَّة مِمَّنْ هُوَ عِنْده وَاحْتِجَاجِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَانْقِيَادِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ مَعْرُوفٌ لَا شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَالْعَقْل لَا يُحِيل الْعَمَل بِخَبَرِ الْوَاحِد وَقَدْ جَاءَ الشَّرْع بِوُجُوبِ الْعَمَل بِهِ، فَوَجَبَ الْمَصِير إِلَيْهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُوجِبُ الْعِلْمَ: فَهُوَ مُكَابِرٌ لِلْحَسَنِ. وَكَيْفَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ وَاحْتِمَالُ الْغَلَطِ وَالْوَهْمِ وَالْكَذِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مُتَطَرِّقٌ إِلَيْهِ؟ وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه حِكَايَةً عَنْ مُخَالِفِهِ: (وَالْمُرْسَلُ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ مَذَاهِب الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء: وَذَهَبَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَاز الِاحْتِجَاج بِالْمُرْسَلِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُول السَّابِقَة بَيَانَ أَحْكَام الْمُرْسَل وَاضِحَةً، وَبَسَطْنَاهَا بَسْطًا شَافِيًا، وَإِنْ كَانَ لَفْظه مُخْتَصَرًا وَجِيزًا. وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَوْله (فَإِنْ عَزَبَ عَنِّي مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَوْقَفْت الْخَبَرَ) يُقَال: عَزَبَ الشَّيْءُ عَنِّي بِفَتْحِ الزَّاي وَيَعْزِبُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْع. وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ. وَمَعْنَاهُ: ذَهَبَ.
وَقَوْله: (أَوْقَفْت الْخَبَر) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُول أَوْقَفْت وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة. وَالْفَصِيح الْمَشْهُور وَقَفْت بِغَيْرِ أَلِفٍ.
قَوْله: (فِي ذِكْرِ هِشَام لَمَّا أَحَبَّ أَنْ يَرْوِيَهَا مُرْسَلًا) ضَبَطْنَاهُ (لَمَّا) بِفَتْحِ اللَّام وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَمُرْسَلًا بِفَتْحِ السِّينِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ (لَمَّا) وَكَسْرُ سِينِ مُرْسَلًا.
قَوْله: (وَيَنْشَط أَحْيَانًا) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشِّين أَيْ يَخِفُّ فِي أَوْقَات.
قَوْله (عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: «كُنْت أُطَيِّب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِلِّهِ وَلِحُرْمِهِ») يُقَال: (حُرْمه) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ. وَمَعْنَاهُ لِإِحْرَامِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: قَيَّدْنَاهُ عَنْ شُيُوخنَا بِالْوَجْهَيْنِ، قَالَ: وَبِالضَّمِّ قَيَّدَهُ الْخَطَّابِيُّ وَخَطَّأَ الْخَطَّابِيُّ أَصْحَاب الْحَدِيث فِي كَسْرِهِ. وَقَيَّدَهُ ثَابِت بِالْكَسْرِ وَحُكِيَ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ الضَّمُّ، وَخَطَّأَهُمْ فيه، وَقَالَ: صَوَابُهُ الْكَسْرُ، كَمَا قَالَ لِحِلِّهِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَابُ التَّطَيُّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ فيه السَّلَف وَالْخَلَفُ وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَكَثِيرِينَ اِسْتِحْبَابُهُ. وَمَذْهَب مَالِكٍ فِي آخَرِينَ كَرَاهِيَتُهُ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَاب الْحَجّ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: «كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلهُ وَأَنَا حَائِض» فيه جُمَلٌ مِنْ الْعِلْم، مِنْهَا أَنَّ أَعْضَاء الْحَائِض طَاهِرَة، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَلَا يَصِحّ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُف مِنْ نَجَاسَة يَدهَا، وَفيه جَوَازُ تَرْجِيلِ الْمُعْتَكِفِ شَعْرَهُ، وَنَظَرِهِ إِلَى اِمْرَأَتِهِ، وَلَمْسِهَا شَيْئًا مِنْهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهُ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ عَلَى أَنَّ الْحَائِض لَا تَدْخُل الْمَسْجِدَ، وَأَنَّ الِاعْتِكَاف لَا يَكُون إِلَّا فِي الْمَسْجِد. وَلَا يَظْهَر فيه دَلَالَةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي كَوْنِ هَذَا هُوَ الْمَحْبُوبَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث أَكْثَرُ مِنْ هَذَا.
فَأَمَّا الِاشْتِرَاط وَالتَّحْرِيم فِي حَقِّهَا: فَلَيْسَ فيه، لَكِنْ لِذَلِكَ دَلَائِلُ أُخَر مُقَرَّرَة فِي كُتُبِ الْفِقْه. وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه بِهِ عَلَى أَنَّ قَلِيل الْمُلَامَسَة لَا تَنْقُضُ الْوُضُوء وَرُدَّ بِهِ عَلَى الشَّافِعِيّ. وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِنْهُ عَجَبٌ وَأَيُّ دَلَالَةٍ فيه لِهَذَا وَأَيْنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَسَ بَشَرَةَ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّه عَنْهَا- وَكَانَ عَلَى طَهَارَة، ثُمَّ صَلَّى بِهَا؟ فَقَدْ لَا يَكُون مُتَوَضِّئًا. وَلَوْ كَانَ فَمَا فيه أَنَّهُ: مَا جَدَّدَ طَهَارَةً، وَلِأَنَّ الْمَلْمُوس لَا يَنْتَقِض وُضُوءُهُ عَلَى أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ، وَلِأَنَّ لَمْسَ الشَّعْر لَا يَنْقُضُ عِنْد الشَّافِعِيّ، كَذَا نَصَّ فِي كُتُبِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث أَكْثَرُ مِنْ مَسِّهَا الشَّعْرَ. وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَوْله: (وَرَوَى الزُّهْرِيّ، وَصَالِح بْن أَبِي حَسَّان) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول بِبِلَادِنَا، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ مُعْظَمِ الْأُصُولِ بِبِلَادِهِمْ. وَذَكَرَ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ أَنَّهُ وَجَدَ فِي نُسْخَة الرَّازِيِّ أَحَد رُوَاتهمْ صَالِح بْن كَيْسَان.
قَالَ أَبُو عَلِيّ: وَهُوَ وَهْمٌ، وَالصَّوَاب صَالِح بْن أَبِي حَسَّان.
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث النَّسَائِيُّ، وَغَيْره مِنْ طَرِيق اِبْن وَهْب عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ صَالِح بْن أَبِي حَسَّان عَنْ أَبِي سَلَمَة. قُلْت: قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ: صَالِح بْن أَبِي حَسَّان ثِقَةٌ. وَكَذَا وَثَّقَهُ غَيْره- وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا اِشْتَبَهَ بِصَالِحِ بْن حَسَّان أَبِي الْحَرْث الْبَصْرِيّ الْمَدِينِيّ وَيُقَال: الْأَنْصَارِيّ، وَهُوَ فِي طَبَقَة صَالِح ابْن أَبِي حَسَّان هَذَا؛ فَإِنَّهُمَا يَرْوِيَانِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن، وَيَرْوِي عَنْهُمَا جَمِيعًا اِبْن أَبِي ذِئْب. وَلَكِنَّ صَالِح بْن حَسَّان مُتَّفَق عَلَى ضَعْفِهِ، وَأَقْوَالهمْ فِي ضَعْفِهِ مَشْهُورَةٌ، وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي الْكِفَايَة: أَجْمَعَ نُقَّادُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاج بِصَالِحِ بْن حَسَّان هَذَا لِسُوءِ حِفْظه وَقِلَّة ضَبْطه. وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَوْله: (فَقَالَ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير فِي هَذَا الْخَبَر فِي الْقِبْلَة: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَة أَنَّ عُمَرَ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَة أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَة اِجْتَمَعَ فيها أَرْبَعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض: أَوَّلهمْ يَحْيَى بْن كَثِير وَهَذَا مِنْ أَطْرَفِ الطُّرَفِ.
وَأَغْرَبِ لَطَائِفِ الْإِسْنَاد. وَلِهَذَا نَظَائِرُ قَلِيلَةٌ فِي الْكِتَاب وَغَيْرِهِ سَيَمُرُّ بِك إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا.
وَقَدْ جَمَعْت جُمْلَة مِنْهَا فِي أَوَّل شَرْحِ صَحِيح الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا. وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد لَطِيفَةٌ أُخْرَى: وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة الْأَكَابِرِ عَنْ الْأَصَاغِرِ؛ فَإِنَّ أَبَا سَلَمَةَ مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ، وَعُمَرَ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ سِنًّا وَطَبَقَةً؛ وَإِنْ كَانَ مِنْ كِبَارِهِمْ عِلْمًا وَقَدْرًا وَدِينًا وَوَرَعًا وَزُهْدًا وَغَيْر ذَلِكَ. وَاسْم أَبِي سَلَمَة هَذَا عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف هَذَا هُوَ الْمَشْهُور.
وَقِيلَ: اِسْمه إِسْمَاعِيل.
وَقَالَ عَمْرو بْن عَلِيّ: لَا يُعْرَفُ اِسْمُهُ.
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: كُنْيَتُهُ هِيَ اِسْمُهُ. حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ فيه الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّه.
وَأَبُو سَلَمَة هَذَا مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ، وَمِنْ أَفْقَهِهِمْ. وَهُوَ أَحَد الْفُقَهَاء السَّبْعَة عَلَى أَحَد الْأَقْوَال فيهمْ.
وَأَمَّا (يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير) فَتَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، كُنْيَته أَبُو نَصْرٍ، رَأَى أَنَس بْن مَالِكٍ، وَسَمِعَ السَّائِبَ بْن يَزِيدَ، وَكَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ. وَاسْم أَبِي كَثِيرٍ صَالِحٌ، وَقِيلَ: سَيَّارٌ وَقِيلَ: نَشِيطٌ، وَقِيلَ: دِينَارٌ.
قَوْله: (لَزِمَهُ تَرْكُ الِاحْتِجَاجِ فِي قِيَاد قَوْله) هُوَ بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْت أَيْ مُقْتَضَاهُ.
قَوْله: (إِذَا كَانَ مِمَّنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ) قَدْ قَدَّمْنَا بَيَان التَّدْلِيس فِي الْفُصُول السَّابِقَة فَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَته.
قَوْله: (فَمَا اُبْتُغِيَ ذَلِكَ مِنْ غَيْر مُدَلِّسٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ (فَمَا اُبْتُغِيَ) بِضَمِّ التَّاء وَكَسْرِ الْغَيْنِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَفِي بَعْضهَا: (اِبْتَغَى) بِفَتْحِ التَّاء وَالْغَيْن وَفِي بَعْض الْأُصُول الْمُحَقَّقَةِ: (فَمَنْ اِبْتَغَى) وَلِكُلِّ وَاحِدٍ وَجْهٌ.
قَوْله: (فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْأَنْصَارِيّ وَقَدْ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَى عَنْ حُذَيْفَة وَعَنْ أَبِي مَسْعُود الْأَنْصَارِيّ وَعَنْ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا حَدِيثًا يُسْنِدهُ) أَمَّا حَدِيثه عَنْ أَبِي مَسْعُود: فَهُوَ حَدِيث نَفَقَةِ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَأَمَّا حَدِيثه عَنْ حُذَيْفَة: فَقَوْله: أَخْبَرَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ كَائِن الْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَأَمَّا (أَبُو مَسْعُود) فَاسْمه عُقْبَةُ بْن عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْبَدْرِيِّ، قَالَ الْجُمْهُور: سَكَنَ بَدْرًا وَلَمْ يَشْهَدْهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ، وَالْحَكَم، وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق التَّابِعِيُّونَ، وَالْبُخَارِيّ: شَهِدَهَا.
وَأَمَّا قَوْله: (وَعَنْ كُلّ وَاحِد) فَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (وَعَنْ) بِالْوَاوِ وَالْوَجْهُ حَذْفُهَا فَإِنَّهَا تُغَيِّر الْمَعْنَى.
قَوْله: (وَهِيَ فِي زَعْم مَنْ حَكَيْنَا قَوْله وَاهِيَة) هُوَ بِفَتْحِ الزَّاي وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاث لُغَات مَشْهُورَة. وَلَوْ قَالَ: ضَعِيفَة بَدَلَ وَاهِيَة لَكَانَ أَحْسَنَ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَا يَدَّعِي أَنَّهَا وَاهِيَة شَدِيدَة الضَّعْف مُتَنَاهِيَة فيه، كَمَا هُوَ مَعْنَى وَاهِيَة، بَلْ يَقْتَصِر عَلَى أَنَّهَا ضَعِيفَة لَا تَقُوم بِهَا الْحُجَّةُ.
قَوْله: (وَهَذَا أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ، وَأَبُو رَافِع الصَّائِغ، وَهُمَا مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّة وَصَحِبَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ هَلُمَّ جَرًّا، وَنَقَلَا عَنْهُمَا الْأَخْبَارَ، حَتَّى نَزَلَا إِلَى مِثْل أَبِي هُرَيْرَة وَابْن عُمَر وَذَوِيهِمَا، قَدْ أَسْنَدَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) أَمَّا (أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ) فَاسْمه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مُلّ وَتَقَدَّمَ بَيَانه.
وَأَمَّا (أَبُو رَافِع): فَاسْمه نُفَيْع الْمَدَنِيّ، قَالَ ثَابِت: لَمَّا أُعْتِقَ أَبُو رَافِعٍ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيك، فَقَالَ: كَانَ لِي أَجْرَانِ فَذَهَبَ أَحَدُهُمَا.
وَأَمَّا قَوْله: (أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّة) فَمَعْنَاهُ: كَانَا رَجُلَيْنِ قَبْل بَعْثَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْجَاهِلِيَّة مَا قَبْل بَعْثَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتهمْ.
وَقَوْله: (مِنْ الْبَدْرِيِّينَ هَلُمَّ جَرًّا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اِسْتِعْمَالٍ (هَلُمَّ جَرًّا) لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُسْتَعْمَل فِيمَا اِتَّصَلَ إِلَى زَمَان الْمُتَكَلِّم بِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ مُسْلِم فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الصَّحَابَة.
وَقَوْله: (جَرًّا) مَنُونٌ قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع: قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ: مَعْنَى هَلُمَّ جَرًّا سِيرُوا وَتَمَهَّلُوا فِي سَيْرِكُمْ وَتَثَبَّتُوا، وَهُوَ مِنْ الْجَرِّ، وَهُوَ تَرْك النَّعَمِ فِي سَيْرِهَا، فَيُسْتَعْمَل فِيمَا دُووِمَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَال.
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ: فَانْتَصَبَ (جَرًّا) عَلَى الْمَصْدَر، أَيْ: جَرُّوا جَرًّا، أَوْ عَلَى الْحَال أَوْ عَلَى التَّمْيِيز.
وَقَوْله: (وَذَوِيهِمَا) فيه إِضَافَة ذِي إِلَى غَيْر الْأَجْنَاس وَالْمَعْرُوف عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَل إِلَّا مُضَافَةً إِلَى الْأَجْنَاس كَذِي مَال.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث وَغَيْره مِنْ كَلَام الْعَرَب إِضَافَةُ أَحْرُفٍ مِنْهَا إِلَى الْمُفْرَدَات كَمَا فِي الْحَدِيث: «وَتَصِل ذَا رَحِمِك» وَكَقَوْلِهِمْ: ذُو يَزِن، وَذُو نُوَاس، وَأَشْبَاههَا. قَالُوا: هَذَا كُلُّهُ مُقَدَّرٌ فيه الِانْفِصَالُ؛ فَتَقْدِيرُ ذِي رَحِمِك: الَّذِي لَهُ مَعَك رَحِمٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عُثْمَان عَنْ أُبَيّ فَقَوْله: كَانَ رَجُل لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْعَدَ بَيْتًا مِنْ الْمَسْجِد مِنْهُ الْحَدِيث. وَفيه قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطَاك اللَّه مَا اِحْتَسَبْت» أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَأَمَّا حَدِيث أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ فَهُوَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِف فِي الْعَشْر الْأُخَر فَسَافَرَ عَامًا فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمُقْبِل اِعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ، وَرَوَاهُ جَمَاعَات مِنْ أَصْحَاب الْمَسَانِيد.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ وَأَبُو مَعْمَر عَبْد اللَّه بْن سَخْبَرَة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَنْ أَبِي مَسْعُود الْأَنْصَارِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَيْنِ) أَمَّا (أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيّ): فَاسْمه سَعْد بْن إِيَاس تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَأَمَّا (سَخْبَرَة): فَبِسِينٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة سَاكِنَة ثُمَّ مُوَحَّدَة مَفْتُوحَة.
وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ رَوَاهُمَا الشَّيْبَانِيّ: فَأَحَدهمَا حَدِيث جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ أَبْدَعَ بِي وَالْآخَر جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ: «لَك بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَة سَبْعُمِائَةٍ» أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ، وَأَسْنَدَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَيْضًا عَنْ أَبِي مَسْعُود حَدِيث: «الْمُسْتَشَار مُؤْتَمَن» رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ، وَعَبْد بْن حُمَيْد فِي مُسْنَده.
وَأَمَّا حَدِيثَا أَبِي مَعْمَر فَأَحَدهمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَح مَنَاكِبنَا فِي الصَّلَاة أَخْرَجَهُ مُسْلِم. وَالْآخَر: «لَا تَجْزِي صَلَاة لَا يُقِيم الرَّجُلُ صُلْبَهُ فيها فِي الرُّكُوع» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْن مَاجَهْ وَغَيْرهمْ مِنْ أَصْحَاب السُّنَن وَالْمَسَانِيد.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ حَدِيث حَسَنٌ صَحِيح. وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه: (وَأَسْنَدَ عُبَيْد بْن عُمَيْر عَنْ أُمّ سَلَمَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) هُوَ قَوْلهَا لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَة قُلْت: غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غُرْبَة بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَاسْم أُمّ سَلَمَة هِنْد بِنْت أَبِي أُمَيَّة، وَاسْمه حُذَيْفَة، وَقِيلَ: سُهَيْل بْن الْمُغِيرَة الْمَخْزُومِيَّة، تَزَوَّجَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَة ثَلَاث، وَقِيلَ: اِسْمهَا رَمْلَة، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ قَيْس بْن أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي مَسْعُود ثَلَاثَة أَخْبَار) هِيَ حَدِيث: «إِنَّ الْإِيمَان هَاهُنَا، وَإِنَّ الْقَسْوَة وَغِلَظ الْقُلُوب فِي الْفَدَّادِينَ» وَحَدِيث: «إِنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ» وَحَدِيث لَا أَكَاد أُدْرِكُ الصَّلَاة مِمَّا يُطَوِّل بِنَا فُلَان. أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَاسْم أَبِي حَازِم عَبْد عَوْف، وَقِيلَ: عَوْفُ بْن عَبْدِ الْحَارِثِ الْبَجَلِيُّ صَحَابِيّ.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) هُوَ قَوْله أَمَرَ أَبُو طَلْحَة أُمّ سُلَيْمٍ اِصْنَعِي طَعَامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَقَدْ تَقَدَّمَ اِسْم أَبِي لَيْلَى، وَبَيَان الِاخْتِلَاف فيه وَبَيَان اِبْنه وَابْن اِبْنه.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ رِبْعِيّ بْن حِرَاشٍ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ وَعَنْ أَبِي بَكْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) أَمَّا حَدِيثَاهُ عَنْ عِمْرَان؛ فَأَحَدهمَا: فِي إِسْلَام حُصَيْنٍ وَالِدِ عِمْرَانَ وَفيه قَوْله كَانَ عَبْد الْمُطَّلِبِ خَيْرًا لِقَوْمِك مِنْك رَوَاهُ عَبْد بْن حُمَيْد فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابه عَمَل الْيَوْم وَاللَّيْلَة بِإِسْنَادَيْهِمَا الصَّحِيحَيْنِ. وَالْحَدِيث الْآخَر: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَة رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاه النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه.
وَأَمَّا حَدِيثه عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فَهُوَ: «إِذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلَاحَ فَهُمَا عَلَى جُرْف جَهَنَّم» أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيّ وَاسْم أَبِي بَكْرَة: نُفَيْع بْن الْحَارِث بْن كَلَدَة بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّام الثَّقَفِيّ. كُنِيَ بِأَبِي بَكْرَةَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى مِنْ حِصْن الطَّائِف إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَكْرَةَ. وَكَانَ أَبُو بَكْرَة مِمَّنْ اِعْتَزَلَ يَوْم الْجَمَلِ فَلَمْ يُقَاتِل مَعَ أَحَدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ.
وَأَمَّا (رِبْعِيّ) بِكَسْرِ الرَّاء (وَحِرَاش) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة فَتَقَدَّمَ بَيَانهمَا.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ نَافِع بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم عَنْ أَبِي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) أَمَّا حَدِيثه فَهُوَ حَدِيث: «مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَاره» أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي كِتَاب الْإِيمَان هَكَذَا مِنْ رِوَايَة نَافِع بْن جُبَيْر، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم أَيْضًا مِنْ رِوَايَة سَعِيدِ بْن أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ.
وَأَمَّا (أَبُو شُرَيْح) فَاسْمه: خُوَيْلِد بْن عَمْرو، وَقِيلَ: عَبْد الرَّحْمَن وَقِيلَ: عَمْرو بْن خُوَيْلِد، وَقِيلَ: هَانِئ بْن عَمْرو، وَقِيلَ: كَعْب. وَيُقَال فيه: أَبُو شُرَيْح الْخُزَاعِيّ وَالْكَعْبِيّ.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ النُّعْمَان بْن أَبِي عَيَّاش عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا الْحَدِيث الْأَوَّل: «فَمَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل اللَّه بَاعَدَ اللَّه وَجْهه مِنْ النَّار سَبْعِينَ خَرِيفًا».
وَالثَّانِي: «إِنَّ فِي الْجَنَّة شَجَرَةً يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا» أَخْرَجَهُمَا مَعًا الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم.
وَالثَّالِث: «إِنَّ أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَةً مَنْ صَرَفَ اللَّه وَجْهه» الْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَأَمَّا (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ) فَاسْمُهُ سَعْد بْن مَالِك بْن سِنَان، مَنْسُوب إِلَى خُدْرَة بْن عَوْف بْن الْحَرْث بْن الْخَزْرَج. تُوُفِّيَ أَبُو سَعِيد بِالْمَدِينَةِ سَنَة أَرْبَع وَسِتِّينَ، وَقِيلَ: سَنَة أَرْبَع وَسَبْعِينَ، وَهُوَ اِبْن أَرْبَع وَسَبْعِينَ.
وَأَمَّا (أَبُو عَيَّاش) وَالِد النُّعْمَان: فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة. وَاسْمه زَيْد بْن الصَّامِت، وَقِيلَ: زَيْد بْن النُّعْمَان، وَقِيلَ: عُبَيْد بْن مُعَاوِيَة بْن الصَّامِت، وَقِيلَ: عَبْد الرَّحْمَن.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ عَطَاء بْن يَزِيد اللَّيْثِيّ عَنْ تَمِيم الدَّارِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) هُوَ حَدِيث: «الدِّين النَّصِيحَة».
وَأَمَّا تَمِيم الدَّارِيّ فَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِم، وَاخْتَلَفَ فيه رُوَاة الْمُوَطَّأ فَفِي رِوَايَة يَحْيَى وَابْن يُكَيْر وَغَيْرهمَا (الدِّيرِيّ) بِالْيَاءِ، وَفِي رِوَايَة الْقَعْنَبِيّ وَابْن الْقَاسِم وَأَكْثَرهمْ (الدَّارِيّ) بِالْأَلِفِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَنَّهُ إِلَى مَا نُسِبَ؛ فَقَالَ الْجُمْهُور: إِلَى جَدّ مِنْ أَجْدَاده، وَهُوَ الدَّار بْن هَانِئ فَإِنَّهُ تَمِيم بْن أَوْس اِبْن خَارِجَة بْن سُورٍ بِضَمِّ السِّينِ اِبْن جَذِيمَة بِفَتْحِ الْجِيم وَكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة اِبْن ذِرَاع بْن عَدِيّ اِبْن الدَّار بْن هَانِئ بْن حَبِيب بْن نِمَارَة بْن لَخْم وَهُوَ مَالِك بْن عَدِيّ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الدَّيْرِيّ فَهُوَ نِسْبَة إِلَى دَيْرٍ كَانَ تَمِيم فيه قَبْل الْإِسْلَام وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْحَسَن الرَّازِيّ فِي كِتَابه مَنَاقِب الشَّافِعِيّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي النِّسْبَتَيْنِ: مَا ذَكَرْنَاهُ. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاء. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الدَّارِيّ بِالْأَلِفِ إِلَى دَارَيْنِ وَهُوَ مَكَان عِنْد الْبَحْرَيْنِ وَهُوَ مَحَطّ السُّفُن، كَانَ يُجْلَب إِلَيْهِ الْعِطْر مِنْ الْهِنْد، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْعَطَّارِ دَارِيّ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بِالْيَاءِ نِسْبَة إِلَى قَبِيلَة أَيْضًا. وَهُوَ بَعِيد شَاذٌّ. حَكَاهُ وَالَّذِي قَبْلَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ، قَالَ وَصَوَّبَ بَعْضهمْ الدَّيْرِيّ قُلْت: وَكِلَاهُمَا صَوَاب، فَنُسِبَ إِلَى الْقَبِيلَة بِالْأَلِفِ وَإِلَى الدَّيْرِ بِالْيَاءِ؛ لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ فيه.
قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع: وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأ دَارِيّ وَلَا إِلَّا تَمِيم. وَكُنْيَة تَمِيم أَبُو رُقَيَّة، أَسْلَمَ سَنَة تِسْع وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ اِنْتَقَلَ إِلَى الشَّام فَنَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِس، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّةَ الْجَسَّاسَةِ، وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ شَرِيفَةٌ لِتَمِيمٍ، وَيَدْخُل فِي رِوَايَة الْأَكَابِر عَنْ الْأَصَاغِر. وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ سُلَيْمَان بْن يَسَار عَنْ رَافِع بْن خَدِيج عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) هُوَ حَدِيث الْمُحَاقَلَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
قَوْله: (وَأَسْنَدَ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيث) مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث: «أَفْضَلُ الصِّيَام بَعْد رَمَضَان شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّم، وَأَفْضَل الصَّلَاة بَعْد الْفَرِيضَة صَلَاة اللَّيْل» أَخْرَجَهُ مُسْلِم مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْ الْبُخَارِيّ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحُمَيْدِيّ رَحِمَهُ اللَّه فِي آخِر مُسْنَد أَبِي هُرَيْرَة مِنْ الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ: لَيْسَ لِحُمَيْدِ بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي الصَّحِيح غَيْر هَذَا الْحَدِيث قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ عِنْد الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة شَيْء. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْحُمَيْدِيّ صَحِيح. وَرُبَّمَا اِشْتَبَهَ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِيّ هَذَا بِحُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف الزُّهْرِيّ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا.
وَقَدْ رَوَيَا لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَحَادِيث كَثِيرَة؛ فَقَدْ يَقِفُ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ عَلَى شَيْء مِنْهُمَا فَيُنْكِر قَوْل الْحُمَيْدِيّ تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّ حُمَيْدًا هَذَا هُوَ ذَاكَ وَهُوَ خَطَأ صَرِيح، وَجَهْلٌ قَبِيح، وَلَيْسَ لِلْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا فِي الْكُتُب الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ تَمَام أُصُول الْإِسْلَام الْخَمْسَة أَعْنِي: سُنَن أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيَّ غَيْر هَذَا الْحَدِيث.
قَوْله: (كَلَامًا خَلْفًا) بِإِسْكَانِ اللَّام وَهُوَ السَّاقِط الْفَاسِد.
قَوْله: (وَعَلَيْهِ التُّكْلَان) هُوَ بِضَمِّ التَّاء وَإِسْكَان الْكَاف أَيْ الِاتِّكَالُ. وَاَللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالنِّعْمَة، وَالْفَضْل وَالْمِنَّة، وَبِهِ التَّوْفِيق وَالْعِصْمَة.