فصل: القول الثاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.القول الثاني:

أن أوّل ما نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ويستند هذا القول إلى حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أيّ القرآن أنزل قبل؟ فقال: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فقلت: أو: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}. فقال: أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني جاورت بحراء، فلما قضيت جواري نزلت، فاستبطنت الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو- يعني جبريل- جالس على عرش بين السماء والأرض فأخذتني رجفة فأتيت خديجة، فأمرتهم فدثروني، فأنزل الله: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ}».
والمعروف أن هذه الآية نزلت بعد فترة الوحي، فكانت أول ما نزل على الرسول بعدها. فلعل جابرا سمع من الرسول حديثه عن أول ما نزل عليه من القرآن بعد فترة الوحي فاعتبر ذلك أول ما نزل على الإطلاق. وأنه- رضي الله عنه- استخرج ذلك باجتهاده، وليس هو من روايته فيقدم عليه ما روته عائشة.

.القول الثالث:

أن أول ما نزل هو الفاتحة، ويستند هذا القول إلى حديث مرسل رواه البيهقي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لخديجة ولم يذكر في السند اسم الصحابي: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، فقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا» فقالت: معاذ الله، ما كان ليفعل بك، فو الله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث. فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له.
وقالت: اذهب مع محمد إلى ورقة. فانطلقا، فقصّا عليه، فقال: «إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد! يا محمد! فأنطلق هاربا في الأفق» فقال:
لا تفعل، إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني، فلما خلا ناداه:
«يا محمد! قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} حتى بلغ: {وَلَا الضَّالِّينَ}».
فلا يقوى على معارضة حديث عائشة رضي الله عنها السابق في بدء الوحي، ولم يقل بهذا الرأي إلا قلة من العلماء، منهم الزمخشري صاحب (الكشاف).

.القول الرابع:

أن أول ما نزل (بسم الله الرحمن الرحيم). ويستند هذا القول إلى ما أخرجه الواحدي بسنده عن عكرمة والحسن قالا: أوّل ما نزل من القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) وأول سورة (سورة اقرأ). وهذا الحديث مرسل أيضا، فليست له قوة الحديث الصحيح، ويضاف إلى ذلك أن البسملة تجيء في أول كل سورة إلا ما استثني، ومعنى ذلك أنها نزلت صدرا لسورة اقرأ.
ومما ذكرناه تعقيبا على الأقوال الثلاثة المتأخرة يترجح القول الأول، وهو أنّ أوّل ما نزل صدر سورة (اقرأ).

.2- آخر ما نزل:

أما آخر ما نزل من القرآن، ففيه أقوال كثيرة أصحّها وأشهرها أنّه قول الله تعالى في سورة البقرة: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]. فقد أخرج النسائي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية آخر ما نزل من القرآن وعاش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد نزولها تسع ليال.
ومن الأقوال التي وردت:
أن آخر ما نزل قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وهي خاتمة سورة النساء.
أو أن آخر ما نزل هو سورة الفتح: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}.
أو أن آخر ما نزل سورة المائدة، وفيها قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3].
وأصح ما يجاب به عن هذه الأقوال؛ أنها أواخر نسبية: فآية الكلالة آخر ما نزل في المواريث، وأن سورة المائدة آخر ما نزل في الحلال والحرام، وقد اتفق العلماء على أن آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] نزلت يوم عرفة من حجة الوداع.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكى لما نزلت هذه الآية، فقال له صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك يا عمر؟» فقال: أبكاني أنّا كنّا في زيادة من ديننا، فأمّا إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. قال: «صدقت». فكانت هذه الآية نعي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
أما سورة: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فإنها آخر ما نزل مشعرا بوفاة النبيّ عليه الصلاة والسلام، ويؤيده ما روي من أنه صلّى الله عليه وسلّم قال حين نزلت: «نعيت إليّ نفسي» وكذلك فهم بعض كبار الصحابة.
وأما آية: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] فهي آخر ما نزل مطلقا على الأرجح، ويؤيده ما روي أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يمكث بعدها إلا تسع ليال أو سبعة أيام، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى.

.الفصل الثالث نزول القرآن وفقا للأسباب والحكمة من ذلك:

وهذا المبحث من مباحث علوم القرآن مهم جدا لعلاقته بالتفسير والفهم لآيات الكتاب العزيز وأحكامه، لأنه يعتمد على فهم قسم من القرآن نزل لأسباب معينة؛ إجابة لسؤال، أو بيانا لحكم يتعلق بحادثة من الحوادث التي وقعت في حياة النبي عليه الصلاة والسلام.
وتنقسم آيات القرآن إزاء هذا الموضوع إلى قسمين: قسم نزل ابتداء، أي بدون سبب من الأسباب، وموضوع هذا القسم غالبا: الحديث عن الأمم الغابرة وما حلّ بها، أو عن وصف الجنة والنار. وقسم نزل عقب حادثة أو سؤال، ومعظم موضوعات هذا القسم: التشريع والأحكام والأخلاق.

.1- حكمة ارتباط الآيات بأسباب النزول:

علمنا مما سبق أن معظم الآيات المرتبطة بأسباب النزول إنما كان في التشريع والأحكام والأخلاق، والهدف منها التدرج في تحويل حياة الناس إلى الأفضل وهدايتهم إلى الأقوم، وإبعادهم عن كل ما هو سيئ وقبيح في حياتهم الجاهلية، ولذلك فإن آيات الأحكام والأخلاق لم تنزل ابتداء في فراغ، ولم تكن بعيدة عن أسبابها وظروفها العملية، حتى لا تكون نظرية وسطحية، ولا ريب أن القرآن سلك طريقا تربويا مؤثّرا حين قدّم للناس أحكامه وتوجيهاته الأخلاقية متصلة بالوقائع والأحداث، أو جوابا للأسئلة وحلا للإشكالات، حتى تمتزج الأحكام مع الوقائع وتغرس الأخلاق في تربة التطبيق العملي فور نزولها، ويكون ذلك أدعى لحفظها وبيان قيمتها.

.2- أمثلة لأسباب النزول:

1- أخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمرّ بنفر من اليهود، فقال بعضهم: لو سألتموه. فقالوا: حدثنا عن الروح. فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه، حتى صعد الوحي، ثم قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].
2- أخرج الحاكم والترمذي عن عائشة رضي الله عنها، أنه جاء عبد الله بن أم مكتوم- وهو ضرير- فقال: يا رسول الله، أرشدني، وعند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض عظماء المشركين، فجعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعرض عنه ويقبل على الآخرين، فنزل قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى} [عبس: 1- 4].
3- وأخرج الحاكم والترمذيّ عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء. فأنزل الله تعالى: {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ} [آل عمران: 195].

.3- أهمية معرفة أسباب النزول:

تظهر أهمية معرفة أسباب النزول في توضيح معاني الآيات، ومعرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، كما أن هناك أبحاثا في أصول الفقه استندت على معرفة سبب النزول، أو أفادت منها، مثل: (خصوص السبب) و: (عموم اللفظ). وقد ذهب الواحدي في كتابه (أسباب النزول) إلى أن: أسباب النزول أول ما يجب الوقوف عليه، وأول ما تصرف العناية إليه، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها. وقال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
ونذكر هنا مثالين للدلالة على أهمية العلم بأسباب النزول:
المثال الأول: قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115].
إذ قد يفهم من الآية أن يتوجه المصلي في صلاته إلى أي جهة يشاء، وأنه لا يجب عليه أن يولّي وجهه شطر المسجد الحرام، ويستوي في ذلك المسافر والمقيم. ولكننا عند ما نعرف سبب النزول لهذه الآية يظهر لنا أنها تقتصر على أحوال معينة، وليست حكما عاما يعفي من التوجّه إلى المسجد الحرام؛ فقد روى البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنها نزلت في صلاة المسافر النفل على الراحلة أينما توجّهت.
المثال الثاني: قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما} [البقرة: 158].
من المعروف أن السعي بين الصفا والمروة جزء من شعائر الحج واجب الأداء، وعبارة (لا جناح) في الآية الكريمة لا تفيد الوجوب، وقد أشكل هذا على عروة بن الزبير فسأل خالته السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فأفهمته أن نفي الجناح في الآية ليس نفيا للفرضية، إنما هو نفي لما وقر في أذهان المسلمين- وهم في مطلع عصر الإيمان- من أن السعي بين الصفا والمروة كان من عمل الجاهلية، فلقد كان على الصفا صنم يقال له: إساف، وكان على المروة صنم يقال له: نائلة، وكان المشركون في الجاهلية يسعون بين الصفا والمروة ويتمسحون بالصنمين. ولقد حطّم الصنمان بعد فتح مكة، لكن المسلمين تحرّجوا في الطواف بينهما فنزلت الآية.

.4- طريقة معرفة أسباب النزول:

إن الطريقة الوحيدة لمعرفة أسباب النزول مقصورة على النقل الصحيح، ولا يحل القول فيها إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها:

.أ- فإن رويت أسباب النزول عن الصحابة:

فهي مقبولة؛ لأن أقوال الصحابة فيما لا مجال للاجتهاد فيه حكمها حكم المرفوع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومن البعيد كل البعد أن يكون الصحابي قد قال ذلك من تلقاء نفسه.

.ب- وإن رويت أسباب النزول عن تابعي:

فحكمه أنه لا يقبل إلا إذا صحّ واعتضد بمرسل آخر، وكان الراوي له من أئمة التفسير الآخذين من الصحابة؛ كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير.

.5- اهتمام العلماء بالكتابة في أسباب النزول:

اهتم العلماء الباحثون في علوم القرآن بمعرفة سبب النزول، ولمسوا شدة الحاجة إليه في تفسير القرآن، فأفرده جماعة منهم بالكتابة والتأليف، ومن أشهرهم:
1- المحدث علي بن المديني شيخ الإمام البخاري المتوفى عام (234 هـ)، مخطوط.
2- أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري المتوفى عام (468 هـ)، مطبوع.
3- الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى عام (852 هـ)، مخطوط.
4- الإمام جلال الدين السيوطي المتوفى عام (911 هـ)، والذي قال عن نفسه: وقد ألّفت فيه- أي في أسباب النزول- كتابا حافلا لم يؤلف مثله في هذا النوع سميته: (لباب النقول في أسباب النزول)، مطبوع.

.الفصل الرّابع: المكي والمدني وخصائص كل منهما:

من المعلوم أن القرآن الكريم قد بدأ نزوله في مكة، واستمر مدة ثلاثة وعشرين عاما تقريبا، وهذه المدة تنقسم إلى قسمين: مدة إقامة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مكة قبل الهجرة، ومدة إقامته في المدينة بعد الهجرة، ومن هنا تنوّع القرآن في مجموعه إلى مكي ومدني، وقد عني العلماء والرواة من سلفنا الصالح بتمييز هذين القسمين عن بعضهما واستخراج خصائص كل منهما، وذلك للفوائد التشريعية والتاريخية التي سنذكرها في هذا البحث.

.1- تحديد المكي والمدني:

للعلماء في تحديد المكي والمدني ثلاثة اصطلاحات:
1- أن المكّي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، ويدخل في مكة ضواحيها، فيعتبر مكيّا ما أنزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمنى وعرفات والحديبية، كما يدخل في المدينة ضواحيها، فيعتبر مدنيا ما أنزل على النبيّ ببدر وأحد وسلع.
وهذا الاعتبار الاصطلاحي مبني على مكان النزول فقط، فلا يفيد الحصر، لوجود آيات في القرآن أنزلت على الرسول في غير مكة والمدينة وفي غير ضواحيهما.
2- أنّ المكي ما وقع خطابا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة، ويقال هنا: إن ما صدّر في القرآن بلفظ (يا أيها الناس) أو بصيغة (يا بني آدم) فهو مكي؛ لأن الكفر كان غالبا على أهل مكة، فخوطبوا بيا أيها الناس أو يا بني آدم، وإن كان غيرهم داخلا فيهم. أما ما صدر من القرآن بعبارة (يا أيها الذين آمنوا) فهو مدني؛ لأن الإيمان كان غالبا على أهل المدينة، وإن كان غيرهم داخلا فيهم. ويعترض على هذا القول:
أ- بأنه غير ضابط، ولا يفيد الحصر، لأن في القرآن ما نزل خطابا لغير الفريقين؛ مثل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ} [الأحزاب: 1].
ب- وهذا التقسيم غير مطّرد، لوجود آيات مدنية صدّرت بصيغة (يا أيها الناس) ووجود آيات مكية صدّرت بـ: (يا أيها الذين آمنوا).
ج- وهذا التقسيم لن يفيدنا شيئا في دراسة تاريخ القرآن الكريم؛ لما فيه من استبعاد الجانب الزمني.
3- أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان نزوله بمكة. وهذا الاصطلاح هو أصوب وأشهر الاصطلاحات الثلاثة وأولاها بالقبول، لأنه يأخذ في اعتباره تاريخ النزول، ولهذا أهمية في معرفة الناسخ والمنسوخ واستنباط الأحكام. وعليه فآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3] مدنية، مع أنها نزلت يوم الجمعة بعرفة في حجة الوداع.
وكذلك آية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها} [النساء: 58] فإنها مدنية، مع أنها نزلت بمكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم.