فصل: الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُوصَى بِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُوصَى بِهِ:

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُوصَى بِهِ، فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَالًا، أَوْ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابُ الْمِلْكِ، أَوْ إيجَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْإِعْتَاقِ، وَمَحَلُّ الْمِلْكِ هُوَ الْمَالُ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ مِنْ أَحَدٍ، وَلِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ، وَلَا بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُتَقَوِّمًا، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَالًا حَتَّى تُوَرَّثَ لَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا تَكُونَ مَضْمُونَةً بِالْإِتْلَافِ، فَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَلَهُ بِالْخَمْرِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْخَلِّ، وَتَجُوزُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهِبَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا، أَوْ مَنْفَعَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَسُكْنَى الدَّارِ، وَظَهْرِ الْفَرَسِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ (وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ تَحْصُلُ الْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ مِلْكُهُمْ، وَمِلْكُ الْمَنَافِعِ تَابِعٌ لَمِلْكِ الرَّقَبَةِ، فَكَانَتْ الْمَنَافِعُ مِلْكَهُمْ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ مِلْكُهُمْ، فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ وَصِيَّةً مِنْ مَالِ الْوَارِثِ، فَلَا تَصِحُّ؛ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ فِي مَعْنَى الْإِعَارَةِ إذْ الْإِعَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ كَذَلِكَ، وَالْعَارِيَّةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ، فَالْمَوْتُ لَمَّا أَثَّرَ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ صِحَّتِهِ، فَلَأَنْ يَمْنَعَ مِنْ الصِّحَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ تَمَلَّكَ حَالَ حَيَاتِهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَالْإِعَارَةِ، فَلَأَنْ يَمْلِكَ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ الْعُقُودِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ سَائِرُ الْعُقُودِ مِنْ عَدَمِ الْمَحَلِّ، وَالْحَظْرِ، وَالْجَهَالَةِ، ثُمَّ لَمَا جَازَ تَمْلِيكُهَا بِبَعْضِ الْعُقُودِ، فَلَأَنْ يَجُوزَ بِهَذَا الْعَقْدِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
(وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِمَالِ الْوَارِثِ، فَمَمْنُوعٌ، وَقَوْلُهُ: مِلْكُ الرَّقَبَةِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مُسَلَّمٌ لَكِنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ يَتْبَعُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ إذَا أُفْرِدَ الْمَنْفَعَةُ بِالتَّمْلِيكِ وَإِذَا لَمْ يُفْرَدْ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَهُنَا أُفْرِدَ بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَتْبَعُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوصِي إذَا أُفْرِدَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ بِالْوَصِيَّةِ، فَقَدْ جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِالتَّمْلِيكِ، وَلَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ، فَلَا يَبْقَى تَبَعًا لِمِلْكِ الذَّاتِ بَلْ يَصِيرُ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ، وَإِنْ جَعَلَ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودًا بِالتَّمْلِيكِ لَكِنْ فِي الْحَالِ لَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَارُ الشَّيْءُ لِلِانْتِفَاعِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ عَادَةً لَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيَنْتَفِي الْعَقْدُ بِالْمَوْتِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ، فَتَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ قَصْدُهُ تَمْلِيكَهُ الْمَنْفَعَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَتْ الْمَنَافِعُ مَقْصُودَةً بِالتَّمْلِيكِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ الْفَرْقُ، وَنَظِيرُهُ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ، وَلَوْ أَضَافَ الْوَكَالَةَ إلَى مَا بَعْدِ مَوْتِهِ؛ جَازَ حَتَّى يَكُونَ وَصِيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ مِنْ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ، أَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً عَنْ التَّوْقِيت؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ فِي مَعْنَى الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ثُمَّ الْإِعَارَةُ تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً، وَمُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ.
وَكَذَا الْوَصِيَّةُ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً، فَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْعَيْنِ مَا عَاشَ، وَإِذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ يُعْتَبَرُ فِيهَا خُرُوجُ الْعَيْنِ الَّتِي أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهَا مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا يُضَمُّ إلَيْهَا قِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَالْعَيْنُ مِلْكٌ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ؛؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ بِوَصِيَّتِهِ بِالْمَنَافِعِ مَنَعَ الْعَيْنَ عَنْ الْوَارِثِ، وَحَبَسَهَا عَنْهُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَيْنِ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَصَارَتْ مَمْنُوعَةً عَنْ الْوَارِثِ مَحْبُوسَةً عَنْهُ، وَالْمُوصِي لَا يَمْلِكُ مَنْعَ مَا زَادَ عَنْ الثُّلُثِ عَلَى الْوَارِثِ، فَاعْتُبِرَ خُرُوجُ الْعَيْنِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ (وَلِهَذَا) لَوْ أَجَّلَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ دَيْنًا مُعَجَّلًا لَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ التَّأْجِيلُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ مِلْكِ الدَّيْنِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَنْعُ الْوَارِثِ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي قَدْرِ الثُّلُثِ كَذَا هَاهُنَا، وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ خُرُوجَ الْعَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي جَمِيعِ الْمَنَافِعِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا، فَيَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ، وَيَسْكُنَ الدَّارَ مَا عَاشَ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ قَدْ بَطَلَتْ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْإِعَارَةِ، فَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَالِكِ إيَّاهُ كَمَا تَبْطُلُ الْإِعَارَةُ بِمَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ بِانْفِرَادِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْإِرْثَ، وَإِنْ كَانَ تَمَلُّكُهَا بِعِوَضٍ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَإِجَارَةِ فُلَانٍ لَا يُحْتَمَلُ فِيمَا هُوَ تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ، أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلِهِ، فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ، وَفِي النَّخْلِ ثَمَرٌ.
وَكَانَ وَجَبَ بِمَا اسْتَغَلَّ الدَّارَ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنٌ مَلَكَهَا الْمُوصَى لَهُ، وَتَرَكَهُ بِالْمَوْتِ، فَيَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، وَفِي الْمَنْفَعَةِ لَا حَتَّى أَنَّ مَا يَحْصُلُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ بَلْ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُوصَى لَهُ، فَلَا يُوَرَّثُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْمَنَافِعِ فِي قَدْرِ مَا تَخْرُجُ الْعَيْنُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ سِوَى الْعَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ، وَالدَّارِ، تُقَسَّمُ الْمَنْفَعَةُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ، وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَثُلُثَاهَا لِلْوَرَثَةِ، فَيَسْتَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ الْعَبْدَ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةُ يَوْمَيْنِ، وَفِي الدَّارِ يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا، وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ الْمَنْفَعَةُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَحَكَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ لِرَجُلٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ إنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَصِحَّ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَالشُّيُوعُ شَائِعٌ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَالشُّيُوعُ يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (وَهَذَا) لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى أَصْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ بَاطِلَةٌ عَلَى أَصْلِهِ، فَتَبْقَى السُّكْنَى كُلُّهَا عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ بَيْعَ الثُّلُثَيْنِ، أَوْ الْقِسْمَةَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ (عِنْدَ) أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُمْ ذَلِكَ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا الِامْتِنَاعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، وَحَقُّ الْغَيْرِ هاهنا تَعَلَّقَ بِالثُّلُثِ لَا بِالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِالثُّلُثِ لَا غَيْرَ، فَخَلَا ثُلُثَا الدَّارِ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَا، فَكَانَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْبَيْعِ، وَالْقِسْمَةِ.
وَكَذَا الْحَاجَةُ دَعَتْ إلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَنَافِعِ كُلِّ الدَّارِ عَلَى الشُّيُوعِ، وَذَلِكَ بِمَنْعِ جَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ رَقَبَةَ الْمُسْتَأْجَرِ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ لَكِنْ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ مَنَعَ جَوَازَ الْبَيْعِ، وَنَفَاذَهُ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ كَذَا هَاهُنَا.
وَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ مُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَنْتَفِعُ بِهَا إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْمُوصَى لَهُ سَنَةً كَامِلَةً، ثُمَّ يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَبِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ، وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ أَثْلَاثًا يَخْدُمُ الْعَبْدُ يَوْمًا لِلْمُوصَى لَهُ، وَيَوْمَيْنِ لِلْوَرَثَةِ، فَيَسْتَوْفِي الْمُوصَى لَهُ خِدْمَةَ السَّنَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا دَارًا يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا، وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا يُهَايِئَانِ مَكَانًا؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ بِالْمَكَانِ فِي الدَّارِ مُمْكِنٌ، وَفِي الْعَبْدِ لَا يُمْكِنُ لِاسْتِحَالَةِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ بِثُلُثِهِ لِأَحَدِهِمَا، وَبِثُلُثَيْهِ لِلْآخَرِ، فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْمُهَايَئَات زَمَانًا، وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ مِنْ الْوَقْتِ سَنَةً بِعَيْنِهَا بِأَنْ قَالَ: سَنَةَ كَذَا، أَوْ شَهْرَ كَذَا، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ خِدْمَةَ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَنْتَفِعُ بِهَا تِلْكَ السَّنَةَ أَوْ الشَّهْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ، فَفِي الْعَبْدِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْوَرَثَةُ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا، وَفِي الدَّارِ يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا، وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ، فَإِذَا مَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ، أَوْ ذَلِكَ الشَّهْرُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ يَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةُ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُكْمِلَ ذَلِكَ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى، أَوْ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُضِيفَتْ إلَى تِلْكَ السَّنَةِ، أَوْ ذَلِكَ الشَّهْرِ لَا إلَى غَيْرِهِمَا.
وَلَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ السَّنَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِأَنْ قَالَ: هَذَا الشَّهْرُ، أَوْ هَذِهِ السَّنَةُ يُنْظَرُ إنْ مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الشَّهْرِ، أَوْ تِلْكَ السَّنَةِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ نَفَاذُهَا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ الشَّهْرُ، أَوْ تِلْكَ السَّنَةُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ، أَوْ السَّنَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَنْتَفِعُ بِهَا فَمَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ، أَوْ السَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَفِي الْعَبْدِ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةُ يَوْمَيْنِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ، أَوْ السَّنَةُ، وَفِي الدَّارِ يَسْكُنَاهَا أَثْلَاثًا عَلَى طَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ، أَوْ بِسُكْنَى دَارِهِ لِإِنْسَانٍ، وَبِرَقَبَتِهَا لِآخَرَ، وَالرَّقَبَةُ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالرَّقَبَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَالْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَمَّا احْتَمَلَتْ الْإِفْرَادَ مِنْ الرَّقَبَةِ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى لَا تُمَلَّكَ الْوَرَثَةُ الرَّقَبَةَ، وَالْمُوصَى لَهُ الْمَنْفَعَةَ، فَيَسْتَوِي فِيهَا الْإِفْرَادُ بِاسْتِيفَاءِ الرَّقَبَةِ لِنَفْسِهِ، وَتَمْلِيكِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَالْآخَرُ بِالْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى مَلَكَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ الرَّقَبَةَ، وَصَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ الْمَنْفَعَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِرَقَبَةِ شَجَرَةٍ أَوْ بُسْتَانٍ لِإِنْسَانٍ، وَبِثَمَرَتِهِ لِآخَرَ، أَوْ بِرَقَبَةِ أَرْضٍ لِرَجُلٍ، وَبِغَلَّتِهَا لِآخَرَ، أَوْ بِأَمَةٍ لِرَجُلٍ، وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ، وَالْغَلَّةَ، وَالْحَمْلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَحْتَمِلُ الْإِفْرَادَ بِالْوَصِيَّةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ الْأَصْلَ لِنَفْسِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَمْلِكَهُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَوْجُودًا وَقْتَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَهُ، فَالْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي كَلَامِ الْمُوصِي مَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ لِلْحَالِ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ عِنْدَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ.
وَكَذَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ، أَوْ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ، أَوْ بِغَلَّةِ أَشْجَارِهِ أَوْ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ، أَوْ بِسُكْنَى دَارِهِ، أَوْ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ، أَوْ دَابَّتِهِ، وَبِالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ غَنَمِهِ،، وَبِاللَّبَنِ فِي ضَرْعِهَا، وَثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ، وَثَمَرَةِ أَشْجَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا لِلْحَالِ.
(وَأَمَّا) وُجُودُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَهَلْ هُوَ شَرْطُ بَقَاءِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الصِّحَّةِ؟ (فَأَمَّا) فِي الثُّلُثِ، وَالْعَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فَشَرْطٌ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ هَلَكَ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ.
وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِي الْبَطْنِ، وَالضَّرْعِ، وَبِمَا عَلَى الظَّهْرِ مِنْ الصُّوفِ، وَاللَّبَنِ، وَالْوَلَدِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا وَقْتَ مَوْتِهِ.
وَأَمَّا فِي الْوَصِيَّةِ بِالثَّمَرَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ الدَّارِ، وَالْعَبْدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ جِنْسَ هَذِهِ الْوَصَايَا عَلَى أَقْسَامٍ بَعْضُهَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَاَلَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ الْأَبَدَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِالْغَلَّةِ، وَسُكْنَى الدَّارِ، وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَبَعْضُهَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَا يَقَعُ عَلَى مَا يَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِي الْبَطْنِ، وَالضَّرْعِ، وَبِمَا عَلَى الظَّهْرِ، فَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا، وَلَدٌ، وَفِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، وَعَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي بَعْضِهَا إنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْحَادِثِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَلَا يَقَعُ عَلَى الْحَادِثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ كَمَا فِي الصُّوفِ، وَالْوَلَدِ، وَاللَّبَنِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ، وَتَقَعُ عَلَى مَا يَحْدُثُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْأَبَدَ، وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بِثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ.
وَالشَّجَرِ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، أَوْ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَالْحَادِثُ مِنْ الْوَلَدِ، وَأَخَوَاتِهِ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْغَلَّةِ فَإِنَّ لَهُ نَظِيرًا فِي الْعُقُودِ، وَهُوَ عَقْدُ الْمُعَامَلَةِ، وَالْإِجَارَةِ،.
وَكَذَلِكَ سُكْنَى الدَّارِ، وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ يَدْخُلَانِ تَحْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَالْإِعَارَةِ فَكَانَ لَهُمَا نَظِيرٌ فِي الْعُقُودِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ، وَالشَّجَرِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَقَعُ عَنْ الْمَوْجُودِ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَالْحَادِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّمَرَةِ يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْحَادِثِ، وَالْحَادِثُ مِنْهَا يَحْتَمِلُ الدُّخُولَ تَحْتَ بَعْضِ الْعُقُودِ، وَهُوَ عَقْدُ الْمُعَامَلَةِ، وَالْوَقْفِ، فَإِذَا ذَكَرَ الْأَبَدَ يَتَنَاوَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَبَدَ، فَإِنْ كَانَ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ دَخَلَتْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ مَا يَحْدُثُ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَتَنَاوَلُهُ، وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ الثَّمَرَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، وَالصُّوفِ، وَاللَّبَنِ، وَالْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ كَذَا الثَّمَرَةُ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الِاسْم يَحْتَمِلُ الْحَادِثَ، وَفِي حَمْلِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظِيرًا مِنْ الْعُقُودِ، وَهُوَ الْوَقْفُ، وَالْمُعَامَلَةُ، وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْأَبَدِ يَتَنَاوَلُهُ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ، وَالصُّوفِ، وَاللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُمْكِنَ التَّصْحِيحِ، وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْأَبَدِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ، وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِبُسْتَانِهِ يَوْمَ يَمُوتُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَ أَوْصَى بُسْتَانٌ، ثُمَّ اشْتَرَى بُسْتَانًا، ثُمَّ مَاتَ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ إيجَابُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُرَاعَى وُجُودُ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَيْنِ الْبُسْتَانِ، وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ الْبُسْتَانُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ مَلَكَهُ، ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِي، وَلَا بُسْتَانَ لَهُ فَاشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ ذَلِكَ وَمَاتَ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ- أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ قَوْلَهُ بُسْتَانِي يَقْتَضِي وُجُودَ الْبُسْتَانِ لِلْحَالِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَصِحَّ.
(وَالصَّحِيحُ) مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمُوصَى بِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ مِنْ الْأَصْلِ فَمَاتَ وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.
وَكَذَلِكَ الْعُرُوض كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا غَنَمَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ وَقْتَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَنَمِي يَقْتَضِي غَنَمًا مَوْجُودَةً وَقْتَ الْوَصِيَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْبُسْتَانِ.
وَعَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُسْتَانِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ لَهُ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي، أَوْ بِقَفِيزٍ مِنْ حِنْطَتِي، ثُمَّ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ وَلَا حِنْطَةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ، وَلَا حِنْطَةٌ ثُمَّ اسْتَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ، فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا، وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ: شَاةٌ مِنْ مَالِي أَوْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ مِنْ مَالِي، وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ، وَلَا حِنْطَةٌ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَيُعْطَى قِيمَةَ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ لِمَا أَضَافَ إلَى الْمَالِ، وَعَيْنُ الشَّاةِ لَا تُوجَدُ فِي الْمَالِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ قَدْرَ مَالِيَّةِ الشَّاةِ، وَهِيَ قِيمَتُهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ غَنَمِي، وَلَا مِنْ مَالِي فَمَاتَ وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْفَصْلَ فِي الْكِتَابِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ اسْمٌ لِلصُّورَةِ.
وَالْمَعْنَى جَمِيعًا إلَّا أَنَّا حَمَلْنَا هَذَا الِاسْمَ عَلَى الْمَعْنَى فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ، وَلَمْ تُوجَدْ هَاهُنَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي مَالِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَالِيَّةَ الشَّاةِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ فَيُعْطَى قِيمَةَ شَاةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَسْأَلَةً تُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ، وَهِيَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَفَلَ سَرِيَّةً فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ جَارِيَةٌ مِنْ السَّبَايَا.
فَإِنْ كَانَ فِي السَّبْيِ جَارِيَةٌ يُعْطَى مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّبْيِ جَارِيَةٌ لَا يُعْطَى شَيْئًا، وَلَوْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ جَارِيَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ السَّبْيِ فَإِنَّهُ يُعْطَى مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا قَدْرَ مَالِيَّةِ الْجَارِيَةِ كَذَا هَاهُنَا.
وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِسُكْنَى دَارِهِ، أَوْ خِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ ظَهْرِ فَرَسِهِ لِلْمَسَاكِينِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-، ولابد مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ مَعْلُومٍ.
وَعِنْدَهُمَا- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَالْوَصِيَّةُ بِسُكْنَى الدَّارِ، وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الِاخْتِلَافَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِظَهْرِ الْفَرَسِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَسَاكِينِ وَصِيَّةٌ بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ، وَالصَّدَقَةُ إخْرَاجُ الْمَالِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ، وَلِهَذَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِسَائِرِ الْأَعْيَانِ لِلْمَسَاكِينِ فَكَذَا بِالْمَنَافِعِ،، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ.
وَالرُّكُوبِ، وَالسُّكْنَى تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْفَرَسِ، وَالدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الدَّيْنِ، وَلَا يَبْقَى عَادَةً بِدُونِ النَّفَقَةِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَلْزَمَهُ النَّفَقَةُ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ، وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمُوصَى لَهُ لَا لِلْوَرَثَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْلَالُ بِأَنْ يَسْتَغِلَّ فَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَقَعْ بِالْغَلَّةِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ يَقَعُ تَبْدِيلًا لِلْوَصِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَزِمَهُ النَّفَقَةُ فَكَانَ هَذَا مُعَاوَضَةً مَعْنًى لَا وَصِيَّةً، وَلَا صَدَقَةً.
وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِظَهْرِ فَرَسِهِ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فُرَيْعَةُ مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ، أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ جَعَلَ فَرَسَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَقْفًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ.
وَعِنْدَهُمَا لَوْ جَعَلَهُ وَقْفًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا أَوْصَى بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولًا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ تُمْكِنُ إزَالَتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي مَا دَامَ حَيًّا، وَمِنْ جِهَةِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَشْبَهَتْ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَالِ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَذَا جَهَالَةُ الْمُوصَى لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا.
وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى.
بَيَانِ قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْوَصَايَا الَّتِي فِيهَا ضَرْبُ إبْهَامٍ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ اسْتِخْرَاجِ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْمَجْهُولِ بِالْحِسَابِ، وَهِيَ الْمَسَائِلُ الْحِسَابِيَّةُ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِنَصِيبٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِشِقْصٍ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ فِي حَيَاتِهِ شَيْئًا، وَإِلَّا أَعْطَاهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الْقَلِيلَ، وَالْكَثِيرَ، فَيَصِحُّ الْبَيَانُ فِيهِ مَادَامَ حَيًّا، وَمِنْ وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ لَوْ أَوْصَى بِأَلْفٍ إلَّا شَيْئًا، أَوْ إلَّا قَلِيلًا، أَوْ إلَّا يَسِيرًا، أَوْ زُهَاءَ أَلْفٍ، أَوْ جُلَّ هَذِهِ الْأَلْفِ، أَوْ عِظَمَ هَذَا الْأَلْفِ، وَذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَهُ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ، وَزِيَادَةٌ.
وَمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ فَهُوَ إلَى الْوَرَثَةِ يُعْطُونَ مِنْهُ مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ، وَالْكَثِيرَ، وَالْيَسِيرَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ فَلَا يَكُونُ قَلِيلًا إلَّا، وَبِمُقَابَلَتِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ، فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ النِّصْفُ، وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ مَجْهُولَةٌ فَيُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مِنْ الزِّيَادَةِ مَا شَاءُوا.
وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يُرَادُ بِهِ الْيَسِيرُ، وَقَوْلُهُ: جُلَّ هَذِهِ الْأَلْفِ، وَعَامَّةَ هَذِهِ الْأَلْفِ، وَعِظَمَ هَذِهِ الْأَلْفِ عِبَارَاتٌ عَنْ أَكْثَرِ الْأَلْفِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى النِّصْفِ، وَزُهَاءُ أَلْفٍ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَرِيبِ مِنْ الْأَلْفِ، وَأَكْثَرُ الْأَلْفِ قَرِيبٌ مِنْ الْأَلْفِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ مِثْلُ أَخَسِّ الْأَنْصِبَاءِ يُزَادُ عَلَى الْفَرِيضَةِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَعِنْدَهُمَا- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى السُّدُسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْ السُّدُسِ عِنْدَهُ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا مَاتَ الْمُوصِي، وَتَرَك زَوْجَةً، وَابْنًا، فَلِلْمُوصَى لَهُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ الثُّمُنُ، وَيُزَادُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ آخَرُ فَيَصِيرُ تِسْعَةً فَيُعْطَى تِسْعَةَ الْمَالِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْطَى السُّدُسُ؛ لِأَنَّهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ.
وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً، وَأَخًا لِأَبٍ، وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ السُّدُسُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ أَخَسَّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ الرُّبُعُ هَاهُنَا، وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ الزِّيَادَةُ عَلَى السُّدُسِ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، وَأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ فَزَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِثْلَ رُبُعِهَا، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَهُوَ خُمُسُ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَتَرَكَتْ زَوْجًا، وَابْنًا، وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْنِ فَلَهُ السُّدُسُ عِنْدِهِ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ، فَإِنْ تَرَكَ خَمْسَةَ بَنِينَ فَلَهُ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُجْعَلُ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ يُزَادُ عَلَيْهِ سَهْمٌ فَيُعْطَى أَرْبَعَةً إذًا، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَهْمٍ مِنْ دَارِهِ لِإِنْسَانٍ فَلَهُ السُّدُسُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْبَيَانُ إلَى الْمُقِرِّ.
وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ سَهْمًا مِنْ عَبْدِهِ يُعْتَقُ سُدُسُهُ عِنْدَهُ لَا غَيْرُ، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ السَّهْمَ اسْمٌ لِنَصِيبٍ مُطْلَقٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ بَلْ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ كَاسْمِ الْجُزْءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَهْمًا إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَيُقَدَّرُ بِوَاحِدٍ مِنْ أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَيُقَدَّرُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ يَزِيدُ ذَلِكَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُزَادُ إلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا جَوَازَ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ،، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (مَا رُوِيَ) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَقَالَ لَهُ السُّدُسُ.
(وَالظَّاهِرُ) أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَلَغَتْهُمْ فَتْوَاهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَكُونُ إجْمَاعًا.
وَرُوِيَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: السَّهْمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السُّدُسُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي أَحَدِ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ السُّدُسَ، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ سَهْمٍ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، فَلَا يُزَادُ عَلَى أَقَلِّ سِهَامِهِمْ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمٍ، أَوْ بِكُرِّ حِنْطَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ إلَّا مَحْتُومُ شَعِيرٍ جَائِزَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: دَارِي هَذِهِ، أَوْ عَبْدِي هَذَا إلَّا مِائَة دِرْهَمٍ جَازَ عَنْ الثُّلُثِ، وَبَطَلَ عَنْهُ قِيمَةُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ، وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُقَدَّرِ مِنْ الْمُقَدَّرِ فِي الْجِنْسِ، وَخِلَافِ الْجِنْسِ بَعْدَ إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُقَدَّرًا بَعْدَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ، أَوْ الْمَوْزُونَات، أَوْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْجِنْسِ، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ.
وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْعِشْرِينَ، أَوْ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إلَى الْعِشْرِينَ، أَوْ مِنْ الْعَشَرَةِ إلَى عِشْرِينَ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَلَهُ تِسْعَةَ عَشْرَ دِرْهَمًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَا بَيْنَ الْمِائَةِ، وَالْمِائَتَيْنِ، أَوْ مَا بَيْنَ الْمِائَةِ إلَى الْمِائَتَيْنِ، أَوْ مِنْ الْمِائَةِ إلَى الْمِائَتَيْنِ، فَلَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ فِي الْأَوَّلِ عِشْرُونَ، وَفِي الثَّانِي مِائَتَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَهُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ فِي الْأَوَّلِ، وَمِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ فِي الثَّانِي، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغَايَتَيْنِ يَدْخُلَانِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَا يَدْخُلَانِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ- تَدْخُلُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ،، وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي عَشَرَةٍ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَلَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ،، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ دَارِهِ فَلَهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ مُكَسَّرَةٍ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الضَّرْبَ يُرَادُ بِهِ تَكْسِيرُ الْأَجْزَاءِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْمِسَاحَةَ فِي الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الدَّارِ، وَالدَّرَاهِمُ مَوْزُونَةٌ، وَلَيْسَ لَهَا طُولٌ، وَلَا عَرْضٌ، فَلَا يُرَادُ بِالضَّرْبِ فِيهَا تَكْسِيرُ أَجْزَائِهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: الْمُكَسَّرَةُ، أَيْ: الْمُكَسَّرَةُ فِي الْمِسَاحَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ طُولُهَا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهَا عَشَرَةً.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثَوْبٍ سَبْعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ فَلَهُ كَمَا قَالَ، وَهُوَ ثَوْبٌ طُولُهُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ هَذَا اللَّفْظِ فِي الثَّوْبِ هَذَا فَيَنْصَرِفُ اللَّفْظُ إلَيْهِ.
وَلَوْ قَالَ: عَبْدَيَّ هَذَا وَهَذَا لِفُلَانٍ وَصِيَّةً وَهُمَا يُخْرَجَانِ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ أَيَّهُمَا شَاءُوا؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي جَهَالَةٍ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُوَرِّثُ حَيًّا كَانَ الْبَيَانُ إلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَهُ، وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَرَثَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: عَبْدِي هَذَا، أَوْ هَذَا حُرٌّ أَنَّ الْبَيَانَ إلَيْهِ لَا إلَى الْوَرَثَةِ، وَيَنْقَسِمُ الْعِتْقُ عَلَيْهِمَا؛؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ هُوَ إتْلَافُ الْمِلْكِ، وَقَدْ انْقَسَمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْبَيَانَ مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحِنْطَةٍ فِي جَوَالِقَ فَلَهُ الْحِنْطَةُ دُونَ الْجَوَالِقِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ الْحِنْطَةُ دُونَ الْجَوَالِقِ، وَالْجَوَالِقُ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ الْحِنْطَةِ أَلَا يَرَى لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ فِي الْجَوَالِقِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْجَوَالِقُ، وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ مَعَ الْجَوَالِقِ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْجِرَابِ الْهَرَوِيِّ فَلَهُ الْجِرَابُ، وَمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِرَابَ يُعَدُّ تَابِعًا لِمَا فِيهِ عَادَةً حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ.
وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَلَهُ الدَّنُّ، وَالْخَلُّ.
وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ فَلَهُ الْقَوْصَرَّةُ، وَمَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الدَّنَّ يُعَدُّ تَابِعًا لِلْخَلِّ، وَالْقَوْصَرَّةُ لِلتَّمْرِ، وَلِهَذَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ كَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِالسَّيْفِ فَلَهُ السَّيْفُ بِجَفْنِهِ، وَحَمَائِلِهِ (وَقَالَ) أَبُو يُوسُفَ: لَهُ النَّصْلُ دُونَ الْجَفْنِ، وَالْحَمَائِلِ، فَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الِاتِّصَالُ، وَالِانْفِصَالُ فَمَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ يَدْخُلُ، وَمَا كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ لَا يَدْخُلُ، وَالْجَفْنُ، وَالْحَمَائِلُ مُنْفَصِلَانِ عَنْ السَّيْفِ فَلَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِهِ.
وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِدَارٍ لَا يَدْخُلُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ كَذَا هَذَا، وَالْمُعْتَبَرُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ التَّبَعِيَّةُ، وَالْأَصَالَةُ فِي الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ، وَالْجَفْنُ، وَالْحَمَائِلُ يُعَدَّانِ تَابِعَانِ لِلسَّيْفِ عُرْفًا، وَعَادَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ كَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِسَرْجٍ فَلَهُ السَّرْجُ، وَتَوَابِعُهُ مِنْ اللِّبَدِ، وَالرِّفَادَةِ، وَالطَّفْرِ، وَالرِّكَابَات، وَاللَّبَبِ فِي ظَاهِر الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالسَّرْجِ إلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَتْ مِنْ تَوَابِعِهِ فَتَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ الدَّفَّتَانِ، وَالرِّكَابَانِ، وَاللَّبَبُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ اللِّبَدُ، وَلَا الرِّفَادَةُ، وَلَا الطَّفْرُ؛ لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْ السَّرْجِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمُصْحَفٍ، وَلَهُ غِلَافٌ فَلَهُ الْمُصْحَفُ دُونَ الْغِلَافِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَهُ الْمُصْحَفُ، وَالْغِلَافُ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ فَلِأَنَّ الْغِلَافَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْمُصْحَفِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْر تَسْمِيَةٍ،، وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْمُصْحَفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ، وَالْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغِلَافِهِ فَلَا يَدْخُلُ، وَزُفَرُ يَقُولُ: هُوَ تَابِعٌ لِلْمُصْحَفِ فَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِمِيزَانٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ الْكِفَّتَانِ، وَالْعَمُودُ الَّذِي فِيهِ الْكِفَّتَانِ، وَاللِّسَانِ، وَلَيْسَ لَهُ الطِّرَازْدَانُ، وَالصَّنَجَاتُ.
(وَأَمَّا) الشَّاهِينُ فَلَهُ الْكِفَّتَانِ، وَالْعَمُودُ، وَلَيْسَ لَهُ الصَّنَجَاتُ، وَالتَّخْتُ.
(وَقَالَ) زُفَرُ: إذَا أَوْصَى بِمِيزَانٍ فَلَهُ الطِّرَازْدَانُ، وَالصَّنَجَاتِ، وَالْكِفَّتَانِ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِشَاهِينِ فَلَهُ التَّخْتُ وَالصَّنْجَاتُ (1) فَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الصَّنْجَةَ وَالطِّرَازْدَانَ شَيْئَانِ مُنْفَصِلَانِ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ،، وَزُفَرُ يَجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ الْمِيزَانِ لِمَا أَنَّ الِانْتِفَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْجَمِيعِ فَصَارَ كَتَوَابِعِ السَّرْجِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِالْقَبَّانِ وَالْفرسطون فَلَهُ الْعَمُودُ، وَالْحَدِيدُ، وَالرُّمَّانَةُ، وَالْكِفَّةُ الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا الْمَتَاعُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَبَّانِ يَشْمَلُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَيُسْتَوَى فِيهَا الِاتِّصَالُ، وَالِانْفِصَالُ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِقُبَّةٍ فَلَهُ عِيدَانُ الْقُبَّةِ دُونَ كِسْوَتِهَا؛ لِأَنَّ الْقُبَّةَ اسْمٌ لِلْخَشَبِ لَا لِلثِّيَابِ، وَإِنَّمَا الثِّيَابُ اسْمٌ لِلزِّينَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: كِسْوَةُ الْقُبَّةِ، وَالشَّيْءُ لَا يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ هُوَ الْأَصْلُ.
وَكَذَا الْكِسْوَةُ مُنْفَصِلَةٌ مِنْهَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ الِاتِّصَالَ.
وَلَوْ أَوْصَى بِقُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، وَهِيَ مَا يُقَالُ لَهَا بِالْعَجَمِيَّةِ: خركاه فَلَهُ الْقُبَّةُ مَعَ الْكِسْوَةِ، وَهِيَ اللُّبُودُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَال لَهَا قُبَّةٌ تُرْكِيَّةٌ إلَّا بِلُبُودِهَا، بِخِلَافِ الْقُبَّةِ الْبَلَدِيَّةِ، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ، وَالْعَادَةُ، وَيَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحَجَلَةٍ فَلَهُ الْكِسْوَةُ دُونَ الْعِيدَانِ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْكِسْوَةِ فِي الْعُرْفِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِسَلَّةِ زَعْفَرَانٍ فَلَهُ الزَّعْفَرَانُ دُونَ السَّلَّةِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا أَجَابَ فِيهِ عَلَى عَادَةِ زَمَانِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ لَا تُبَاعُ السَّلَّةُ مَعَ الزَّعْفَرَانِ بَلْ كَانَتْ تُفْرَدُ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ.
وَأَمَّا الْآنَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ يُبَاعُ بِظُرُوفِهِ فَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَالتَّعْوِيلُ فِي الْبَابِ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْعَسَلِ وَهُوَ فِي زِقٍّ فَلَهُ الْعَسَلُ دُونَ الزِّقِّ.
وَكَذَلِكَ السَّمْنُ، وَالزَّيْتُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْعَسَلِ لَا بِالزِّقِّ، وَالْعَسَلُ يُبَاعُ بِدُونِ ظَرْفِهِ عَادَةً فَلَا يَتْبَعُهُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ لِإِنْسَانٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ ثَابِتٌ بِنَصٍّ قَاطِعٍ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّحْوِيلَ إلَى غَيْرِهِ بِالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ، أَوْ ابْنَةٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَضَمَّنْ تَحْوِيلَ نَصِيبٍ ثَابِتٍ، فَكَانَ وَصِيَّةً بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ، وَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ لِمَا نَذْكُرُ، وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ، وَلَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ جَازَتْ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَحْوِيلُ نَصِيبٍ ثَابِتٍ إلَى الْمُوصَى لَهُ بَلْ يَبْقَى نَصِيبُهُ، وَيُزَادُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فَيُعْطَى الْمُوصَى لَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ تَحْتَاجُ الزِّيَادَةُ إلَى الْإِجَازَةِ.
وَإِنْ كَانَ ثُلُثًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَلِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُ الْمَالِ، وَلِابْنِهِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلِابْنِ نَصِيبٌ، وَأَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ، وَذَلِكَ هُوَ النِّصْفُ فَكَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَا ابْنَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ هاهنا تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الِابْنِ إنْ أَجَازَ جَازَتْ الزِّيَادَةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْمُوصَى لَهُ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَكُونُ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ ابْنٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا، وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَلَا يَحْتَاجُ هاهنا إلَى الْإِجَازَةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ فَلِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُ الْمَالِ إنْ أَجَازَتْ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ النِّصْفُ، فَكَانَ مِثْلُ نَصِيبِهَا النِّصْفَ، فَكَانَ لَهُ النِّصْفُ إنْ أَجَازَتْ، وَإِلَّا فَالثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتَانِ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ، وَقَدْ جَعَلَ نَصِيبَهُ مِثْلَ نَصِيبِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَنَصِيبُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ فَكَانَ نَصِيبُهُ أَيْضًا الثُّلُثَ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ نِصْفُ الْمَالِ إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبٍ مُقَدَّرٍ لِابْنٍ مُقَدَّرٍ، وَنَصِيبُ الِابْنِ الْمُقَدَّرِ سَهْمٌ فَمِثْلُ نَصِيبِهِ يَكُونُ سَهْمًا، فَكَانَ هَذَا وَصِيَّةً لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النُّصُبِ فَالْمَسْأَلَةُ تَخْرُجُ مِنْ ثَلَاثَةِ، وَثَلَاثِينَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنِينَ ثَمَانِيَةٌ أَمَّا تَخْرِيجُهَا بِطَرِيقَةِ الْحَشْوِ فَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَزِدْ عَلَيْهِ وَاحِدًا لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ الْبَنِينَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ يُزَادُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ اضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ فِي ثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النُّصُبِ فَيَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ تَطْرَحُ مِنْهَا سَهْمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الثَّانِيَةَ تُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي نَصِيبِ الْوَرَثَةِ.
وَنَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلِ شَائِعًا فِي كُلِّ الْمَالِ فَتُنْقِصُ مِنْ كُلِّ ثُلُثٍ سَهْمًا؛ وَلِأَنَّك لَوْ لَمْ تُنْقِصْ لَا يَسْتَقِيمُ الْحِسَابُ لَوْ اعْتَبَرْتَهُ لَوَجَدْتَهُ كَذَلِكَ، فَإِذَا أَنْقَصْتَ سَهْمًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ بَقِيَ أَحَدَ عَشَرَ هُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ، وَهُوَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ النَّصِيبِ فَخُذْ النَّصِيبَ الَّذِي كَانَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَاضْرِبْهُ فِي ثَلَاثَةٍ كَمَا ضَرَبْتَ أَصْلَ الْمَالِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ اضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ كَمَا ضَرَبْتَ أَصْلَ الْمَالِ؛ لِأَنَّكَ احْتَجْتَ إلَى ضَرْبِ أَصْلِ الْمَالِ فِي ثَلَاثَةٍ مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى بَلَغَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ صَارَ تِسْعَةً، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهَا سَهْمًا كَمَا طَرَحْتَ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَيَبْقَى ثَمَانِيَةٌ فَهُوَ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ، ثُمَّ أَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ نَصِيبَهُ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ سَهْمٌ يَبْقَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ ضَمَّهُمَا ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ اثْنَانِ، وَعِشْرُونَ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً، وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ ثَمَانِيَةٌ فَاسْتَقَامَ الْحِسَابُ بِحَمْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
(وَأَمَّا) تَخْرِيجُهَا عَلَى طَرِيقِ الْخَطَأَيْنِ فَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ عَدَدًا لَوْ أَعْطَيْتَ مِنْهُ النَّصِيبَ، وَهُوَ سَهْمٌ، يَبْقَى، وَرَاءَهُ عَدَدٌ لَهُ ثُلُثٌ لِحَاجَتِك إلَى تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا جَعَلْتَ ثُلُثَ الْمَالِ أَرْبَعَةً أَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمًا مِنْ أَرْبَعَةٍ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، يَبْقَى سَهْمَانِ ضُمَّهُمَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ لَمَّا كَانَ أَرْبَعَةً كَانَ ثُلُثَاهُ مِثْلَيْهِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، وَمَتَى ضَمَمْتَ اثْنَيْنِ إلَى ثَمَانِيَةٍ صَارَتْ عَشَرَةً، وَحَاجَتُكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لَا غَيْرُ لِلْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّك قَدْ أَعْطَيْتَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمًا، فَظَهَرَ أَنَّكَ قَدْ أَخْطَأْتَ بِزِيَادَةِ سَبْعَةٍ فَزِدْ فِي النَّصِيبِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْخَطَأَ مَا جَاءَ إلَّا مِنْ قِبَلِ نُقْصَانِ النَّصِيبِ، فَظَهَرَ أَنَّ النَّصِيبَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَزْيَدَ مِنْ سَهْمٍ فَزِدْ فِي النَّصِيبِ فَاجْعَلْهُ سَهْمَيْنِ.
فَيَصِيرُ الثُّلُثُ خَمْسَةً فَأَعْطِ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ سَهْمَيْنِ، ثُمَّ أَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ سَهْمًا مِمَّا بَقِيَ، يَبْقَى سَهْمَانِ ضُمَّهُمَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَحَاجَتُكَ إلَى سِتَّةٍ فَظَهَرَ أَنَّكَ أَخْطَأْتَ فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ بِزِيَادَةِ سِتَّةِ أَسْهُمٍ.
وَكَانَ الْخَطَأُ الْأَوَّلُ بِزِيَادَةِ سَبْعَةٍ فَانْتَقَصَ بِزِيَادَةِ سَهْمٍ فِي النَّصِيبِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ، فَعَلِمْتَ أَنَّك مَهْمَا زِدْتَ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا يَنْتَقِصُ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ سَهْمٌ، وَأَنَّكَ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَذْهَبَ مَا بَقِيَ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ، وَالْبَاقِي مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ سِتَّةٌ فَاَلَّذِي يَذْهَبُ بِهِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْخَطَأِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ مِنْ النَّصِيبِ فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سِتَّةَ أَسْهُمٍ، فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً فَهَذَا هُوَ النَّصِيبُ،، وَبَقِيَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ أَعْطِ مِنْهَا سَهْمًا لِلْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ يَبْقَى سَهْمَانِ ضُمَّهُمَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ اثْنَانِ، وَعِشْرُونَ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً، وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنِينَ ثَمَانِيَةٌ، وَطَرِيقَةُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ، أَوْ الْأَكْبَرِ، أَوْ الصَّغِيرِ، أَوْ الْكَبِيرِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
أَمَّا طَرِيقَةُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَوْ الصَّغِيرِ: فَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّك أَخْطَأْت مَرَّتَيْنِ، وَأَرَدْتَ مَعْرِفَةَ الثُّلُثِ فَاضْرِبْ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَالثُّلُثَ الثَّانِي فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ فَمَا اجْتَمَعَ فَاطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الثُّلُثُ، وَإِنْ أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ النَّصِيبِ فَاضْرِبْ النَّصِيبَ الْأَوَّلَ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَاضْرِبْ النَّصِيبَ الثَّانِي فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ النَّصِيبُ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثُّلُثُ الْأَوَّلُ أَرْبَعَةٌ، وَالْخَطَأُ الثَّانِي سِتَّةٌ فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي سِتَّةٍ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً، وَعِشْرِينَ، وَالثُّلُثُ الثَّانِي خَمْسَةٌ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ سَبْعَةٌ فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي سَبْعَةٍ فَتَكُونُ خَمْسَةً، وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ أَرْبَعَةً، وَعِشْرِينَ مِنْ خَمْسَةٍ، وَثَلَاثِينَ فَيَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَالنَّصِيبُ الْأَوَّلُ سَهْمٌ، وَالْخَطَأُ الثَّانِي سِتَّةٌ فَاضْرِبْ سَهْمًا فِي سِتَّةٍ تَكُونُ سِتَّةً، وَالنَّصِيبُ الثَّانِي سَهْمَانِ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ سَبْعَةٌ فَاضْرِبْ سَهْمَيْنِ فِي سَبْعَةٍ فَتَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَاطْرَحْ الْأَقَلَّ، وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَبْقَى ثَمَانِيَةٌ فَهُوَ النَّصِيبُ.
(وَأَمَّا) طَرِيقَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، أَوْ الْأَكْبَرِ: فَهِيَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لَك الْخَطَأُ الْأَوَّلُ فَلَا تَزِدْ فِي النَّصِيبِ، وَلَكِنْ ضَعِّفْ مَا وَرَاءَ النَّصِيبِ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ اُنْظُرْ فِي الْخَطَأَيْنِ، وَاعْمَلْ مَا عَمِلْتَ فِي طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ، إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَهَرَ الْخَطَأُ الْأَوَّلُ سَبْعَةٌ فَضَعِّفْ مَا وَرَاءَ النَّصِيبِ مِنْ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَزِيدَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ فَتَصِيرُ سِتَّةً فَصَارَ الثُّلُثُ مَعَ النَّصِيبِ سَبْعَةً فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ سَهْمًا، وَأَعْطِ بِالْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى ثُلُثَ الْبَاقِي، وَذَلِكَ سَهْمَانِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ ضُمَّ ذَلِكَ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى ثَلَاثَةٍ فَظَهَرَ الْخَطَأُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ الثُّلُثِ فَخُذْ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ سِتِّينَ، وَخُذْ الثُّلُثَ الثَّانِي، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَذَلِكَ سِتُّونَ، يَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ، وَإِنْ أَرَدْت مَعْرِفَةَ النَّصِيبِ فَخُذْ النَّصِيبَ الْأَوَّلَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَخُذْ النَّصِيبَ الثَّانِي، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ ثُمَّ اطْرَحْ سَبْعَةً مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ فَهُوَ النَّصِيبُ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسُ بَنِينَ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ، أَحَدِهِمْ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، فَالْفَرِيضَةُ مِنْ أَحِدٍ، وَخَمْسِينَ سَهْمًا لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ ثُلُثِ مَا بَقِيَ ثُلُثُهُ، وَلِكُلِّ ابْنٍ ثَمَانِيَةٌ.
(أَمَّا) تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقِ الْحَشْوِ: فَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَتُفْرِزُ نَصِيبَهُمْ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَتَزِيدُ عَلَيْهِ سَهْمًا آخَرَ لِأَجْلِ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ فَتَصِيرُ سِتَّةً فَاضْرِبْهَا فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ لِأَجْلِ وَصِيَّتِهِ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهَا سَهْمًا وَاحِدًا لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ تُوجِبُ نُقْصَانًا فِي نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلِ، وَثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ ثَمَانِيَةٌ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ ثُلُثٍ سَهْمٌ فَوَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ هَذَا الثُّلُثِ سَهْمٌ؛ لِذَلِكَ قُلْنَا: إنَّهُ يُطْرَحُ مِنْ هَذَا الثُّلُثِ سَهْمٌ فَيَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَا الْمَالِ مِثْلَاهُ.
وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ، وَخَمْسُونَ وَثُلُثُ الْمَالِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ قَدْرَ النَّصِيبِ فَخُذْ النَّصِيبَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَاضْرِبْهُ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ اضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ: ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ فَتَصِيرُ تِسْعَةً ثُمَّ اُنْقُصْ مِنْهَا وَاحِدًا لِأَجْلِ الْمُوصَى لَهُ كَمَا نَقَصْتَ فِي الِابْتِدَاءِ، فَيَبْقَى ثَمَانِيَةٌ فَذَلِكَ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ يَبْقَى إلَى تَمَامِ الْمَالِ تِسْعَةٌ فَأَعْطِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ ثُلُثَهَا، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَيَبْقَى سِتَّةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَتَصِيرُ أَرْبَعِينَ سَهْمًا فَتُقَسَّمُ بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسِ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةٌ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ.
(وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَطَأَيْنِ: فَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ عَدَدًا لَوْ أَعْطَيْتَ مِنْهُ سَهْمًا، وَهُوَ النَّصِيبُ يَبْقَى وَرَاءَهُ عَدَدٌ لَهُ ثُلُثٌ لِحَاجَتِكَ إلَى إعْطَاءِ الْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدِ النَّصِيبِ، وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَاجْعَلْ ثُلُثَ الْمَالِ أَرْبَعَةً فَأَنْفِذْ مِنْهُ الْوَصِيَّتَيْنِ، فَأَعْطِ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمًا، وَالْآخَرَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَهُوَ سَهْمٌ آخَرُ فَيَبْقَى وَرَاءَهُ سَهْمَانِ ضُمَّهُمَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَتَصِيرُ عَشَرَةً بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسِ فَتَبَيَّنَ أَنَّك قَدْ أَخْطَأْتَ بِخَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ حَاجَتَكَ إلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّكَ قَدْ أَعْطَيْت لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمًا فَلَا تَحْتَاجُ إلَّا إلَى خَمْسَةٍ فَأَزِلْ هَذَا الْخَطَأَ، وَذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ فِي النَّصِيبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَطَأَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ نُقْصَانِ النَّصِيبِ فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا فَتَصِيرُ الثُّلُثَ عَلَى خَمْسَةٍ، فَنَفِّذْ مِنْهَا الْوَصِيَّتَيْنِ فَأَعْطِ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ.
وَالْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى سَهْمًا يَبْقَى سَهْمَانِ ضُمَّهُمَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسِ فَيَظْهَرُ أَنَّكَ أَخْطَأْتَ بِسَهْمَيْنِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَكَ إلَى عَشَرَةٍ.
وَكَانَ الْخَطَأُ الْأَوَّلُ خَمْسَةً فَذَهَبَ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ ثَلَاثَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّكَ مَهْمَا زِدْتَ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا تَمَامًا يَذْهَبُ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّك تَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَذْهَبَ مَا بَقِيَ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ، وَهُوَ سَهْمَانِ، وَطَرِيقَةُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى النَّصِيبِ ثُلُثَيْ سَهْمٍ حَتَّى يَذْهَبَ الْخَطَأُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ بِزِيَادَةِ سَهْمٍ تَامٍّ إذَا كَانَ يَذْهَبُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ يُعْلَمُ ضَرُورَةً أَنَّ بِزِيَادَةِ كُلِّ ثُلُثٍ عَلَى النَّصِيبِ يَذْهَبُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ، فَيَذْهَبُ بِزِيَادَةِ ثُلُثَيْ سَهْمٍ سَهْمَانِ فَصَارَ النَّصِيبُ سَهْمَيْنِ، وَثُلُثَيْ سَهْمٍ، وَتَمَامُ الثُّلُثِ وَرَاءَهُ ثَلَاثَةٌ فَصَارَ الثُّلُثُ كُلُّهُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَيْ سَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَاضْرِبْ خَمْسَةً، وَثُلُثَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ خَمْسَةً فِي ثَلَاثَةٍ تَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَثُلُثَانِ فِي ثَلَاثَةِ تَكُونُ سَهْمَيْنِ فَذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ مِثْلَا ذَلِكَ فَتَصِيرُ أَحَدًا، وَخَمْسِينَ، وَالنَّصِيبُ سَهْمَانِ، وَثُلُثَا سَهْمٍ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً.
؛ لِأَنَّ سَهْمَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ سِتَّةٌ، وَثُلُثَانِ فِي ثُلُثَيْنِ سَهْمَانِ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً فَذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ بَقِيَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ تِسْعَةٌ فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ ثُلُثَهَا، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ يَبْقَى سِتَّةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَتَصِيرُ أَرْبَعِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ ثَمَانِيَةٌ.
(وَأَمَّا) تَخْرِيجُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لَك الْخَطَأُ فَلَا تَزِيدْ عَلَى النَّصِيبِ شَيْئًا، وَلَكِنْ اضْرِبْ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَالثُّلُثَ الثَّانِي فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ فَمَا بَلَغَ فَاطْرَحْ مِنْهُ أَقَلَّهُمَا مِنْ أَكْثَرِهِمَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَالثُّلُثُ الْأَوَّلُ هاهنا كَانَ أَرْبَعَةً، وَالْخَطَأُ الثَّانِي كَانَ سَهْمَيْنِ فَاضْرِبْ سَهْمَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً، وَالثُّلُثُ الثَّانِي خَمْسَةٌ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ كَانَ خَمْسَةً فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَاطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، وَعِشْرِينَ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَهَكَذَا اعْمَلْ فِي النَّصِيبِ، وَهُوَ أَنَّك تَضْرِبُ النَّصِيبَ الْأَوَّلَ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَالنَّصِيبَ الثَّانِي فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ فَمَا بَلَغَ فَاطْرَحْ مِثْلَ أَقَلِّهِمَا مِنْ أَكْثَرِهِمَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ النَّصِيبُ، وَالنَّصِيبُ الْأَوَّلُ سَهْمٌ، وَالْخَطَأُ الثَّانِي سَهْمَانِ فَسَهْمٌ فِي سَهْمَيْنِ يَكُونُ سَهْمَيْنِ، وَالنَّصِيبُ الثَّانِي سَهْمَانِ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ خَمْسَةٌ فَاضْرِبْ سَهْمَيْنِ فِي خَمْسَةٍ تَكُونُ عَشْرَةً، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ، وَهُوَ سَهْمَانِ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ عَشَرَةٌ فَيَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ النَّصِيبُ، وَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَارَ الْحُسَّابُ فِي الْخَطَأَيْنِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ اللِّينِ، وَالسُّهُولَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زِيدَ عَلَى النَّصِيبِ بَعْدَ ظُهُورِ الْخَطَأَيْنِ يَتَعَيَّنُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءِ مِنْ الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى الضَّرْبِ، وَفِيهِ نَوْعُ عُسْرٍ.
(وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ: فَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ لَك الْخَطَأَ الْأَوَّلَ فَلَا تَزِدْ عَلَى النَّصِيبِ، وَلَكِنْ ضَعِّفْ مَا وَرَاءَ النَّصِيبِ وَوَرَاءَ النَّصِيبِ هاهنا ثَلَاثَةٌ فَإِذَا ضَعَّفْتَ الثَّلَاثَةَ صَارَتْ سِتَّةً، وَالثُّلُثُ سَبْعَةٌ فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ سَهْمًا، وَبِثُلُثِ مَا يَبْقَى سَهْمَيْنِ، يَبْقَى أَرْبَعَةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ، وَحَاجَتُك إلَى خَمْسَةٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّك قَدْ أَخْطَأْتَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اضْرِبْ هَذَا الْخَطَأَ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ يَصِيرُ اثْنَيْنِ، وَخَمْسِينَ، وَاضْرِبْ الْخَطَأَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي الثُّلُثِ الثَّانِي، وَهُوَ سَبْعَةٌ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَتَصِيرُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَفِي النَّصِيبِ اعْمَلْ هَكَذَا فَاضْرِبْ النَّصِيبَ الْأَوَّلَ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالنَّصِيبَ الثَّانِي فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ فَتَصِيرُ خَمْسَةً ثُمَّ اطْرَحْ خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ النَّصِيبُ، وَطَرِيقَةُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَسْهَلُ.
وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ، أَحَدِهِمْ وَلِآخَرَ بِرُبُعِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدِ النَّصِيبِ، فَالْمَسْأَلَةُ تُخَرَّجُ مِنْ تِسْعَةٍ، وَسِتِّينَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ أَحَدَ عَشَرَ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِرُبُعِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ أَحَدَ عَشَرَ.
(أَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ فَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَتَزِيدَ عَلَيْهَا سَهْمًا لِأَجْلِ صَاحِبِ النَّصِيبِ فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ اضْرِبْ السِّتَّةَ فِي مَخْرَجِ الرُّبُعِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ لِأَجْلِ صَاحِبِ الرُّبْعِ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهَا سَهْمًا لِمَا ذَكَرْنَا فَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَجُمْلَةُ الْمَالِ تِسْعَةٌ وَسِتُّونَ، وَالنَّصِيبُ سَهْمٌ مَضْرُوبٌ فِي أَرْبَعَةٍ، ثُمَّ الْأَرْبَعَةُ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهُ سَهْمًا يَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ، فَيَبْقَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ اثْنَا عَشَرَ فَأَعْطِ مِنْهَا رُبْعَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ يَبْقَى تِسْعَةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ لِكُلِّ وَاحِد أَحَدَ عَشَرَ فَاسْتَقَامَ الْحِسَابُ.
(وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَطَّائِينَ: فَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ عَدَدًا لَوْ أَعْطَيْتَ مِنْهُ النَّصِيبَ يَبْقَى وَرَاءَهُ عَدَدٌ لَهُ رُبْعٌ، وَأَقَلُّهُ خَمْسَةٌ فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ سَهْمًا يَبْقَى أَرْبَعَةٌ فَأَعْطِ رُبْعَ مَا يَبْقَى سَهْمًا، وَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى خَمْسَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنِينَ سَهْمٌ لِيَكُونَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ نَصِيبِ صَاحِبِ النَّصِيبِ، فَظَهَرَ أَنَّكَ أَخْطَأْت بِثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا فَيَصِيرُ الثُّلُثُ سِتَّةً فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ، وَبِرُبْعِ مَا يَبْقَى سَهْمًا يَبْقَى ثَلَاثَةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ فَيَصِيرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَظَهَرَ لَك أَنَّكَ أَخْطَأْتَ بِخَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ حَاجَتَك إلَى عَشَرَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ سَهْمَانِ كَمَا لِلْمُوصَى لَهُ النَّصِيبُ إلَّا أَنَّهُ انْتَقَصَ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ الْأَوَّلَ كَانَ بِثَمَانِيَةٍ، وَفِي هَذِهِ الْكَرَّةِ بِخَمْسَةٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّك مَهْمَا زِدْتَ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا كَامِلًا يَذْهَبُ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ ثَلَاثَةٌ فَزِدْ ثُلُثَيْ سَهْمٍ عَلَى سَهْمَيْنِ حَتَّى يَذْهَبَ الْخَطَأُ كُلُّهُ، فَصَارَ النَّصِيبُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَيْ سَهْمٍ وَوَرَاءَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَيَصِيرُ الثُّلُثُ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَيْ سَهْمٍ.
وَانْكَسَرَ بِالْأَثْلَاثِ فَاضْرِبْ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَيْ سَهْمٍ فِي ثَلَاثَةٍ لِيَزُولَ الْكَسْرُ فَيَصِيرُ ثَلَاثَةً، وَعِشْرِينَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَهُوَ سِتَّةٌ، وَأَرْبَعُونَ، فَكُلُّ الْمَالِ تِسْعَةٌ وَسِتُّونَ، وَالنَّصِيبُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثَانِ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ، وَالْبَاقِي إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ اثْنَا عَشَرَ، ثَلَاثَةٌ مِنْهَا وَهِيَ رُبْعُ مَا بَقِيَ مِنْ كُلِّ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ، فَيَبْقَى تِسْعَةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ فَيَصِيرُ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنِينَ أَحَدَ عَشْرَ، وَالتَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَصْغَرِ، وَالْأَكْبَرِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَلِآخَرَ بِخُمْسِ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، فَالْمَسْأَلَةُ تَخْرُجُ مِنْ سَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ الْخُمُسِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ.
(أَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ: فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّك تَأْخُذُ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَتَزِيدُ عَلَيْهَا وَاحِدًا كَمَا فَعَلْتَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ اضْرِبْ سِتَّةً فِي مَخْرَجِ الْخَمْسِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فَتَصِيرُ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ اُنْقُصْ مِنْهَا وَاحِدًا لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا فَيَبْقَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ النَّصِيبَ فَخُذْ النَّصِيبَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي خَمْسَةٍ، ثُمَّ اضْرِبْ خَمْسَةً فِي ثَلَاثَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَصِيرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اُنْقُصْ مِنْهَا سَهْمًا فَيَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَهَذَا هُوَ النَّصِيبُ.
فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ، يَبْقَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخُمُسِ خُمُسَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ يَبْقَى هُنَاكَ اثْنَا عَشَرَ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ فَتَصِيرُ سَبْعِينَ فَاقْسِمْهَا بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ لِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ.
(وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَطَّائِينَ فَعَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا أَنَّك تَجْعَلُ ثُلُثَ الْمَالِ عَدَدًا لَوْ أَعْطَيْنَا مِنْهُ نَصِيبًا يَبْقَى وَرَاءَهُ عَدَدٌ لَهُ خُمْسٌ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ سِتَّةٌ فَتُعْطِي مِنْهَا سَهْمًا بِالنَّصِيبِ، وَسَهْمًا بِخُمْسِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، فَيَبْقَى وَرَاءَهُ أَرْبَعَةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ فَتَصِيرُ سِتَّةَ عَشَرَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّك أَخْطَأْت بِأَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ حَاجَتَكَ إلَى خَمْسَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنِينَ سَهْمٌ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ، فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا فَيَصِيرُ الثُّلُثُ سَبْعَةً فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ، ثُمَّ أَعْطِ بِخُمْسِ مَا بَقِيَ سَهْمًا فَيَبْقَى هُنَاكَ أَرْبَعَةٌ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّك أَخْطَأْت فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ بِزِيَادَةِ ثَمَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ حَاجَتَك إلَى عَشَرَةٍ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ كَمَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ، فَظَهَرَ لَك أَنَّ بِزِيَادَةِ كُلِّ سَهْمٍ عَلَى النَّصِيبِ يَذْهَبُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْخَطَأِ، وَأَنَّك تَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَذْهَبَ مَا بَقِيَ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ فَزِدْ سَهْمَيْنِ، وَثُلُثَيْ سَهْمٍ عَلَى سَهْمَيْنِ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَيْ سَهْمٍ.
وَمَا وَرَاءَهُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فَصَارَ الثُّلُثُ تِسْعَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَيْ سَهْمٍ فَاضْرِبْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ فَتَصِيرُ جُمْلَةُ الْمَالِ سَبْعَةً وَثَمَانِينَ، فَالنَّصِيبُ أَرْبَعَةٌ، وَثُلُثَانِ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَالْبَاقِي إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَخْرِجْ مِنْهَا الْخُمْسَ، وَضُمَّ الْبَاقِي إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ عَلَى مَا عَلَّمْنَاكَ، وَطَرِيقُنَا الْجَامِعُ الْأَصْغَرُ، وَالْأَكْبَرُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ فَالْمَسْأَلَةُ تُخَرَّجُ مِنْ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ، فَالنَّصِيبُ عَشَرَةٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ عَشَرَةٌ.
(أَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ فَهُوَ أَنَّك تَأْخُذُ نَصِيبَ الْوَرَثَةِ عَلَى عَدَدِهِمْ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَتَزِيدُ عَلَيْهَا وَاحِدًا فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ اضْرِبْ سِتَّةً فِي ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ: إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا سَهْمًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي نَصِيبِ الْوَرَثَةِ، وَهِيَ شَائِعَةٌ فِي كُلِّ الْمَالِ فَتَزِيدُ عَلَى كُلِّ ثُلُثٍ سَهْمًا كَمَا كُنْتَ تُنْقِصُ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ كُلِّ ثُلُثٍ سَهْمًا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَاكَ مَا كَانَ لِذَاتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِاسْتِقَامَةِ الْحِسَابِ، وَهَاهُنَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ فَتُزَادُ فَتَصِيرُ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ.
وَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ النَّصِيبِ فَالنَّصِيبُ كَانَ وَاحِدًا فَاضْرِبْهُ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ اضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا فَتَصِيرُ تِسْعَةً ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا وَاحِدًا كَمَا زِدْتَ فِي الِابْتِدَاءِ فَتَصِيرُ عَشَرَةً فَهَذَا هُوَ النَّصِيبُ، وَبَقِيَ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْمَالِ تِسْعَةٌ فَاسْتَثْنِ مِنْ النَّصِيبِ مِقْدَارَ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا اسْتَثْنَيْتَ مِنْ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةً يَبْقَى لِلْمُوصَى لَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَضُمَّ الْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ مَعَ مَا بَقِيَ، وَهُوَ تِسْعَةٌ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ فَتَصِيرُ خَمْسِينَ فَاقْسِمْهَا عَلَى الْبَنِينَ الْخَمْسِ لِكُلِّ ابْنٍ عَشَرَةٌ، مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَأَمَّا طَرِيقَةُ الْخَطَّائِينَ: فَهِيَ أَنْ تَجْعَلَ الثُّلُثَ عَلَى عَدَدٍ لَوْ أَعْطَيْتَ مِنْهُ نَصِيبًا يَبْقَى وَرَاءَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ اسْتَثْنَيْتَ مِنْ النَّصِيبِ ثُلُثَ مَا يَبْقَى يَبْقَى وَرَاءَهُ سَهْمٌ.
وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الثُّلُثَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ، ثُمَّ اسْتَثْنِ مِنْهُ مِثْلَ ثُلُثِ مَا يَبْقَى، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا.
وَحَاجَتُكَ إلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ مِثْل مَا أَعْطَيْتَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ، فَظَهَرَ أَنَّكَ أَخْطَأْتَ بِزِيَادَةِ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً وَوَرَاءَهُ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ اسْتَثْنِ مِنْهُ سَهْمًا، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَتَصِيرُ سِتَّةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُكَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةٌ، مِثْلُ مَا أَعْطَيْتَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ، فَظَهَرَ أَنَّكَ أَخْطَأْتَ بِسَهْمٍ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ كَانَ بِأَرْبَعَةٍ، فَظَهَرَ أَنَّ بِزِيَادَةِ سَهْمٍ عَلَى النَّصِيبِ يَذْهَبُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْخَطَأِ، فَتَعْلَمُ أَنَّ بِزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ أُخَرَ يَذْهَبُ مَا بَقِيَ مِنْ الْخَطَأِ، فَرُدَّ ثُلُثًا آخَرَ فَيَصِيرُ النَّصِيبُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَ سَهْمٍ، وَمَا بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَتَصِيرُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَ سَهْمٍ، فَاضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَهَذَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَالنَّصِيبُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثُ سَهْمٍ مَضْرُوبٍ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ عَشَرَةً، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ سَبْعَةٌ، وَهِيَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلِكُلِّ ابْنٍ عَشَرَةٌ فَخَرَجَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ.
وَهَذَا إذَا اسْتَثْنَى ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، فَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى رُبْعَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ الْخَمْسِ إلَّا رُبْعَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، فَالْفَرِيضَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، النَّصِيبُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ.
(أَمَّا) طَرِيقَةُ الْحَشْوِ: فَمَا ذَكَرْنَا أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَتَزِيدَ عَلَيْهِ سَهْمًا فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ اضْرِبْهُ فِي مَخْرَجِ الرُّبْعِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا وَاحِدًا لِمَا ذَكَرْنَا فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، هَذَا لِمَعْرِفَةِ أَصْلِ الْمَالِ.
(وَأَمَّا) مَعْرِفَةُ النَّصِيبِ: فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَاضْرِبْهُ فِي أَرْبَعَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ اضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ فَزِدْ عَلَيْهَا وَاحِدًا لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا، فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ هَذَا هُوَ النَّصِيبُ، فَيَبْقَى إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْمَالِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَعِشْرُونَ اثْنَا عَشَرَ فَاسْتَرْجِعْ مِنْ النَّصِيبِ بِحُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ رُبْعَ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَبَقِيَ لِلْمُوصَى لَهُ عَشَرَةٌ، ثُمَّ ضُمَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَاسْتَرْجِعْ مِنْ النَّصِيبِ بِحُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ رُبْع ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَبَقِيَ لِلْمُوصَى لَهُ عَشَرَةٌ، ثُمَّ ضُمَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَتَصِيرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَضُمُّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ خَمْسُونَ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَسِتِّينَ، فَاقْسِمْ بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ.
(وَأَمَّا) طَرِيقَةُ الْخَطَّائِينَ: فَهِيَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ عَدَدًا إذَا أَعْطَيْتَ مِنْهُ النَّصِيبَ يَبْقَى وَرَاءَهُ أَرْبَعَةٌ، وَإِذَا اسْتَثْنَيْتَ مِنْ النَّصِيبِ مِثْلَ رُبْعِ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ يَبْقَى وَرَاءَهُ سَهْمٌ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ سِتَّةٌ فَاجْعَلْهَا ثُلُثَيْ الْمَالِ، فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِثْلَ رُبْعِ مَا بَقِيَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ فَتَصِيرُ خَمْسَةً ثُمَّ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَتَصِيرُ سَبْعَةَ عَشَرَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّك أَخْطَأْتَ بِزِيَادَةِ سَبْعَةٍ، وَإِنَّ حَاجَتَكَ إلَى الْعَشَرَةِ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ، مِثْلُ مَا أَعْطَيْتَ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِثْلُ نُصِبْهُمْ فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ مِثْلَ رُبْعِ مَا يَبْقَى، وَهُوَ سَهْمٌ، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَصِيرُ خَمْسَةً فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَيَظْهَرُ أَنَّك أَخْطَأْتَ فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ بِأَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ حَاجَتَكَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةٌ مِثْلُ مَا أَعْطَيْتَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ، وَتَبَيَّنَ لَكَ أَنَّك مَهْمَا زِدْتَ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا انْتَقَصَ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ سِهَامِ الْخَطَأِ أَرْبَعَةٌ، وَأَنَّكَ تَحْتَاجُ إلَى إذْهَابِهَا، فَزِدْ فِي النَّصِيبِ قَدْرَ مَا يَذْهَبُ بِهِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا، وَثُلُثَ سَهْمٍ حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ سِهَامُ الْخَطَأِ كُلُّهَا فَصَارَ النَّصِيبُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَ سَهْمٍ، وَمَا بَقِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَ سَهْمٍ فَاضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ خَمْسَةً، وَعِشْرِينَ، وَهِيَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ، وَجُمْلَتُهُ خَمْسَةٌ، وَسَبْعُونَ، وَالنَّصِيبُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَثُلُثُ سَهْمٍ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ اسْتَثْنِ مِنْهَا ثَلَاثَةً فَيَبْقَى عَشَرَةٌ، ثُمَّ ضُمَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ يَصِيرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَضُمُّ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَسِتِّينَ، وَاقْسِمْهُ بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالتَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ، وَالْأَكْبَرِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ كَانَ ثَلَاثُ بَنِينَ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، فَالْمَسْأَلَةُ تُخَرَّجُ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ الثُّلُثُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالنَّصِيبُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ تِسْعَةٌ، وَتَخْرِيجُهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا سَهْمًا لِأَجْلِ النَّصِيبِ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ اضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ فِي ثَلَاثَةٍ؛؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ زِدْ وَاحِدًا فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشْرَ فَهَذَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ.
(وَأَمَّا) مَعْرِفَةُ النَّصِيبِ الْكَامِلِ فَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ النَّصِيبَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَاضْرِبْهُ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً، ثُمَّ اضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ لِمَكَانِ الثُّلُثِ فَتَصِيرُ تِسْعَةً، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا وَاحِدًا كَمَا زِدْت فِي الثُّلُثِ فَتَصِيرُ عَشَرَةً فَهُوَ النَّصِيبُ الْكَامِلُ، فَأَعْطِ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ عَشَرَةً مِنْ الثُّلُثِ، وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَيَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْ النَّصِيبِ بِسَبَبِ الِاسْتِثْنَاءِ ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ وَاحِدٌ، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ، فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً.
فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فَضَلَتْ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصِيرُ ثَلَاثِينَ لِكُلِّ ابْنٍ عَشَرَةٌ مِثْلُ النَّصِيبِ الْكَامِلِ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ تِسْعَةٌ.
(وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَطَّائِينَ: فَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ عَدَدًا لَوْ أَعْطَيْتَ بِالنَّصِيبِ شَيْئًا، ثُمَّ اسْتَرْجَعْتَ مِنْ النَّصِيبِ بِالِاسْتِثْنَاءِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، يَبْقَى فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ خَمْسَةٌ فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ سَهْمًا لِمَكَانِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً فَهِيَ فَاضِلَةٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَصَارَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى سِتَّةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْتَ بِالنَّصِيبِ الْكَامِلِ سَهْمَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْتَ بِثَمَانِيَةٍ، فَزِدْ عَلَى النَّصِيبِ سَهْمًا آخَرَ حَتَّى إذَا أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً يَبْقَى بَعْدَهُ مَالُهُ ثُلُثٌ لِمَكَانِ الِاسْتِثْنَاءِ.
فَاجْعَلْ الثُّلُثَ سِتَّةً فَأَعْطِ النَّصِيبَ ثَلَاثَةً يَبْقَى ثَلَاثَةٌ ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْ النَّصِيبِ سَهْمًا فَصَارَ مَعَك أَرْبَعَةٌ فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَصَارَ سِتَّةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى تِسْعَةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ ابْنٍ مِثْلُ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْت فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ بِزِيَادَةِ سَبْعَةٍ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ كَانَ بِزِيَادَةِ ثَمَانِيَةٍ، فَتَبَيَّنَ لَك أَنَّ كُلَّ سَهْمٍ زِيدَ عَلَى الثُّلُثِ يُذْهِبُ سَهْمًا مِنْ الْخَطَأِ، فَزِدْ سَبْعَةً عَلَى الثُّلُثِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ سِتَّةٌ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ، فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ عَشَرَةً يَبْقَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ اسْتَرْجِعْ سَهْمًا فَصَارَ أَرْبَعَةً فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثِ الْمَالِ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصِيرُ ثَلَاثِينَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَطَرِيقَةُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهُوَ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى النَّصِيبِ عِنْدَ ظُهُورِ الْخَطَأَيْنِ، وَلَكِنْ خُذْ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَثَلَاثُونَ، ثُمَّ خُذْ الثُّلُثَ الثَّانِي، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ يَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَبْقَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ.
(وَأَمَّا) مَعْرِفَةُ النَّصِيبِ: فَخُذْ النَّصِيبَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَتَصِيرُ سَبْعَةً ثُمَّ خُذْ النَّصِيبَ الثَّانِي، وَذَلِكَ سَهْمَانِ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَتَصِيرُ سِتَّةَ عَشَرَ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَبْقَى تِسْعَةٌ فَهُوَ النَّصِيبُ، ثُمَّ الْبَاقِي عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا.
(وَأَمَّا) طَرِيقَةُ الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ: فَهُوَ أَنْ تُضَعِّفَ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ سِوَى النَّصِيبِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَضَعِّفْهَا فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً ثُمَّ زِدْ عَلَيْهِ النَّصِيبَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ فَتَصِيرُ تِسْعَةً فَهُوَ الثُّلُثُ الثَّانِي، فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً يَبْقَى سِتَّةٌ فَثُلُثُ مَا بَقِيَ سَهْمَانِ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْ النَّصِيبِ ثُلُثَ مَا يَبْقَى، وَذَلِكَ سَهْمَانِ، وَضُمَّهُمَا إلَى مَا مَعَكَ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً فَهِيَ فَاضِلَةٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ، وَحَاجَتُك إلَى تِسْعَةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةٌ فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْت بِزِيَادَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ فِي طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ فِي طَرِيقَةِ الْخَطَّائِينَ كَانَ بِزِيَادَةِ ثَمَانِيَةٍ، فَخُذْ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ فِي طَرِيقَةِ الْخَطَّائِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ، ثُمَّ خُذْ الثُّلُثَ الثَّانِي، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَتَصِيرُ اثْنَيْنِ، وَسَبْعِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَبْقَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ.
(وَأَمَّا) مَعْرِفَةُ النَّصِيبِ: فَخُذْ النَّصِيبَ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَّائِينَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي مِنْ الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ بِسَبْعَةَ عَشَرَ، وَخُذْ النَّصِيبَ الثَّانِي، وَذَلِكَ سَهْمٌ مِنْ طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ بِثَمَانِيَةٍ، وَاطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَيَبْقَى تِسْعَةٌ فَهُوَ النَّصِيبُ يَبْقَى ثَلَاثُونَ بَيْنَ الْبَنِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ، هَذَا إذَا قَالَ: إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ (فَأَمَّا) إذَا قَالَ: إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ فِي تَخْرِيجِهِ ضَرْبُ تَفَاوُتٍ.
(أَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ: فَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، وَتَزِيدَ عَلَيْهِ وَاحِدًا، ثُمَّ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ النِّصْفِ، وَهُوَ سَهْمَانِ، وَإِنَّمَا ضَرَبْنَا هَذَا فِي سَهْمَيْنِ، وَالْأَوَّلَ فِي ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوصِي هاهنا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى بَعْدَ الْوَصِيَّةِ الْحَاصِلَةِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ مَعَهُ سَهْمَانِ، حَتَّى إذَا اسْتَرْجَعْت مِنْهُ شَيْئًا يَكُونُ الْمُسْتَرْجَعُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَمَقْصُودُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى بَعْدَ النَّصِيبِ قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ مِثْلَ ثَلَاثَةٍ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ ثَلَاثَةٌ قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ، حَتَّى إذَا اسْتَرْجَعْت شَيْئًا يَكُونُ الْمُسْتَرْجَعُ رُبْعَهُ، فَإِذَا ضَرَبْت أَرْبَعَةً فِي اثْنَيْنِ بَلَغَ ثَمَانِيَةً ثُمَّ تَزِيدُ وَاحِدًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً فَهَذَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
(فَأَمَّا) مَعْرِفَةُ النَّصِيبِ فَخُذْ النَّصِيبَ، وَذَلِكَ وَاحِدٌ، وَاضْرِبْهُ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ، فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً فَاضْرِبْ الثَّلَاثَةَ فِي مَخْرَجِ النِّصْفِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ زِدْ عَلَيْهِ سَهْمًا فَتَصِيرُ سَبْعَةً فَهُوَ النَّصِيبُ، فَأَعْطِ صَاحِبَ النَّصِيبِ سَبْعَةً يَبْقَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ سَهْمًا فَضُمَّهُ إلَى ذَلِكَ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثِ الْمَالِ فَيَصِيرُ وَاحِدًا وَعِشْرِينَ لِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةٌ.
(وَأَمَّا) طَرِيقَة الْخَطَّائِينَ: فَهِيَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ عَدَدًا لَوْ أَعْطَيْت مِنْهُ نَصِيبًا، وَاسْتَرْجَعْت مِنْهُ شَيْئًا يَكُونُ الْمُسْتَرْجَعُ مِثْلَ نِصْفٍ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ ادْفَعْ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ سَهْمًا، ضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ، وَهِيَ اثْنَانِ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمُ الْمَالِ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَتَصِيرُ أَحَدَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى سِتَّةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْت بِزِيَادَةِ خَمْسَةٍ فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا، وَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ سَهْمًا، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى تِسْعَةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً فَظَهَرَ أَنَّك قَدْ أَخْطَأْت بِزِيَادَةِ أَرْبَعَةٍ، فَظَهَرَ أَنَّك كُلَّمَا زِدْت دِرْهَمًا يَزُولُ خَطَأُ دِرْهَمٍ، فَزِدْ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى النَّصِيبِ قَدْرَ خَطَأِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فَبَلَغَ سَبْعَةً، وَبَقِيَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ سَهْمَانِ فَاسْتَرْجِعْ مِنْهُ سَهْمًا، وَضُمَّهُ مَعَ الْبَاقِي إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَصَارَ أَحَدًا، وَعِشْرِينَ، فَأَعْطِ لِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةً، وَلِلْمُوصَى لَهُ سِتَّةً هَذَا إذَا قَيَّدَ قَوْلَهُ: إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بِالنَّصِيبِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ.
(فَأَمَّا) إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ: إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ عَامَّةُ الْحُسَّابِ يَعْنِي: الْمَعْرُوفِينَ بِعِلْمِ الْحِسَابِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَغَيْرِهِ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ الْعَامَّةِ: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيَّ، فَقَدْ أَتَى بِوَصِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَاسْتَحَقَّ رُبْعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَصِيبَهُ مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ كَأَنَّهُ أَحَدُ بَنِيهِ، فَلَمَّا قَالَ: إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ، فَقَدْ اسْتَخْرَجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْضَ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ يُحْتَمَلُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ بَعْدَ النَّصِيبِ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ النَّصِيبِ أَقَلُّ، وَالْمُسْتَخْرَجُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَكْثَرُ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فِي اسْتِخْرَاجِهِ، وَفِي اسْتِخْرَاجِ الزِّيَادَةِ شَكٌّ فَلَا يَثْبُتُ اسْتِخْرَاجُ الزِّيَادَةِ بِالشَّكِّ، بَلْ تَبْقَى الزِّيَادَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِاسْتِخْرَاجِ بَعْضِ الْكَلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، بَلْ هُوَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْمُسْتَثْنَى فِي صَدْرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ بِكَلَامِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَلَفْظُ الْوَصِيَّةِ هاهنا مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالْمُسْتَثْنَى يَحْتَمِلُ الْأَقَلَّ، وَالْأَكْثَرَ، فَلَا يَتَنَاوَلُ اللَّفْظُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ، وَهُوَ الْأَقَلُّ.
وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا رُبْعَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ فَالْمَسْأَلَةُ تُخَرَّجُ مِنْ أَحَدٍ وَخَمْسِينَ، النَّصِيبُ إثْنَاء عَشَرَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ خَمْسَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ.
(أَمَّا) تَخْرِيجُهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ: فَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَتَزِيدَ عَلَيْهِ وَاحِدًا فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي مَخْرَجِ السَّهْمِ الْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَتَصِيرُ سِتَّةَ عَشَرَ، ثُمَّ زِدْ سَهْمًا فَتَصِيرُ سَبْعَةَ عَشَرَ هَذَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَجُمْلَتُهُ وَاحِدٌ وَخَمْسُونَ، هَذَا لِمَعْرِفَةِ أَصْلِ الْمَالِ.
(وَأَمَّا) مَعْرِفَةُ النَّصِيبِ: فَهِيَ أَنْ تَأْخُذَ النَّصِيبَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَتَضْرِبُهُ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً ثُمَّ تَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ فِي مَخْرَجِ السَّهْمِ الْمُسْتَثْنَى، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ تَزِيدُ عَلَيْهِ سَهْمًا فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ هَذَا هُوَ النَّصِيبُ، بَقِيَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِثْلَ رُبْعِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ سَهْمٌ، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ فَصَارَ خَمْسَةً فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَيَبْلُغُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ، فَأَعْطِ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَمَا أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ.
(وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَطَّائِينَ: فَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ سِتَّةٍ لِيَبْقَى بَعْدَ إعْطَاءِ النَّصِيبِ، وَالِاسْتِرْجَاعِ مِنْهُ مِثْلُ رُبْعِ مَا يَبْقَى فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ مِثْلَ رُبْعِ مَا يَبْقَى، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَضُمَّهُ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَتَصِيرُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى سِتَّةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْت بِزِيَادَةِ أَحَدَ عَشَرَ، فَزِدْ فِي النَّصِيبِ سَهْمًا تَصِيرُ ثَلَاثَةً فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ سَهْمًا، وَضُمَّهُ مَعَ الْبَاقِي إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى تِسْعَةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً.
فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْت بِزِيَادَةِ عَشَرَةٍ، وَظَهَرَ أَنَّ كُلَّ سَهْمٍ زَائِدٍ يُزِيلُ خَطَأَ سَهْمٍ، فَزِدْ عَلَى النَّصِيبِ قَدْرَ الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ لِيَزُولَ الْخَطَأُ، فَصَارَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةَ عَشْرَ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ سَهْمًا، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَتَصِيرُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ كَانَ لَهُ خُمْسَ بَنِينَ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا ثُلُثَ وَرُبْعَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، فَتَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ: أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ خَمْسَةً، وَتَزِيدَ عَلَيْهَا وَاحِدًا فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ تَضْرِبُ سِتَّةً فِي مُخْرَجِ الْجُزْءِ الْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ مِثْلُ الثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَتَصِيرُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ تَزِيدُ ثُلُثَ مُخْرَجِ الْمُسْتَثْنَى، وَرُبْعَهُ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ، وَثُلُثُهُ، وَرُبْعُهُ سَبْعَةٌ فَتَصِيرُ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ فَهَذَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٍ وَخَمْسُونَ.
(وَأَمَّا) مَعْرِفَةُ النَّصِيبِ: فَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ النَّصِيبَ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَتَضْرِبَهُ فِي مُخْرَجِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً ثُمَّ تَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ فِي مُخْرَجِ السَّهْمِ الْمُسْتَثْنَى، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَتَصِيرُ سِتَّةً، وَثَلَاثَةً ثُمَّ تَزِيدُ عَلَيْهِ مِثْلَ ثُلُثِهِ وَرُبْعِهِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ النَّصِيبُ، بَقِيَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَأَعْطِ بِالنَّصِيبِ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِثْلَ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَرُبْعِهِ بَعْدَ النَّصِيبِ، وَذَلِكَ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ، وَضُمَّهَا إلَى مَا بَقِيَ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَتَصِيرُ سَبْعَةً وَخَمْسِينَ، ثُمَّ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ فَتَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، فَأَعْطِ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْت بِالنَّصِيبِ قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ.
وَلَوْ قَالَ: إلَّا ثُلُثَ، وَرُبْعَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ الْحَاصِلَةِ فَتَخْرِيجُهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ: أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ خَمْسَةً ثُمَّ زِدْ عَلَيْهِ وَاحِدًا فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ تَضْرِبُهُ فِي خَمْسَةٍ لِمَا بَيَّنَّا فَتَصِيرُ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهِ مُخْرَجَ الثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَتَصِيرُ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ فَهُوَ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ.
(وَأَمَّا) مَعْرِفَةُ النَّصِيبِ: فَخُذْ النَّصِيبَ، وَذَلِكَ وَاحِدٌ، وَاضْرِبْهُ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ فَصَارَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ زِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ مُخْرَجِ الثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ فَتَصِيرُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ.
وَبَقِيَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَعْطِ صَاحِبَ النَّصِيبِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ اسْتَرْجِعْ مِنْهُ مِثْلَ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَرُبْعِهِ بَعْدَ النَّصِيبِ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَضُمَّهَا إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ تَبْلُغُ مِائَةً، وَعَشَرَةً لِكُلِّ ابْنٍ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مِثْلُ مَا أَعْطَيْت صَاحِبَ الْوَصِيَّةِ قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ دِرْهَمٌ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
وَلَوْ تَرَكَ خَمْسَةَ بَنِينَ وَقَدْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَثُلُثَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَالثُّلُثُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَالنَّصِيبَيْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَالْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ تُعْطِي ثُلُثَيْ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ سَهْمَانِ مِنْ ذَلِكَ يَبْقَى سَهْمٌ يُرَدُّ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ، فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ: أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَتَزِيدَ عَلَيْهِ بِالنَّصِيبَيْنِ سَهْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنَيْنِ، فَكَانَ الْبَنُونَ سَبْعَةً فَتَصِيرُ الْفَرِيضَةُ مِنْ سَبْعَةٍ.
ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ الثُّلُثِ فَتَصِيرُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهُ أَرْبَعَةً: سَهْمَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبَيْنِ، وَسَهْمَيْنِ بِثُلُثَيْ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ لِتَخْرِيجِ الْمَسْأَلَةِ فَيَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ، وَهُوَ الثُّلُثُ، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ النَّصِيبِ.
فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنْ تَأْخُذَ النَّصِيبَيْنِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ، وَتَضْرِبَهُمَا فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرَ سِتَّةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ اضْرِبْهُ فِي ثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ فَيَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهُ أَرْبَعَةً مِثْلَ مَا طَرَحْتَ مِنْ الْأَوَّلِ يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَهُوَ النَّصِيبَانِ، يَبْقَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ.
فَأَعْطِ بِثُلُثَيْ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ، يَبْقَى سَهْمٌ فَاضِلٌ عَنْ الْوَصَايَا يُرَدُّ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ لِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةٌ، وَهُوَ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَطَّائِينَ: فَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ سِهَامًا لَوْ أَعْطَيْت بِالنَّصِيبَيْنِ سَهْمَيْنِ يَبْقَى بَعْدَهُ مَا يُخَرَّجُ مِنْهُ ثُلُثَانِ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فَأَعْطِ بِالنَّصِيبَيْنِ سَهْمَيْنِ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ فَأَعْطِ بِثُلُثَيْ مَا يَبْقَى سَهْمَيْنِ يَبْقَى سَهْمٌ يُرَدُّ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَتَصِيرُ أَحَدَ عَشَرَ، وَحَاجَتُنَا إلَى خَمْسَةٍ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْت بِزِيَادَةِ سِتَّةٍ فَزِدْ فِي ثُلُثَيْ الْمَالِ سَهْمَيْنِ فَتَصِيرُ سَبْعَةً فَأَعْطِ بِالنَّصِيبَيْنِ أَرْبَعَةً يَبْقَى ثَلَاثَةٌ فَأَعْطِ بِثُلُثَيْ مَا يَبْقَى سَهْمَيْنِ يَبْقَى سَهْمٌ فَزِدْهُ إلَى ثُلُثِ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَصِيرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْت بِالنَّصِيبَيْنِ أَرْبَعَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ، وَهُمْ خَمْسَةٌ فَيَكُونُ لَهُمْ عَشَرَةٌ، فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْت فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ بِزِيَادَةِ خَمْسَةٍ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ كَانَ سِتَّةً فَمَتَى زِدْت سَهْمَيْنِ ذَهَبَ بِهِ مِنْ الْخَطَأِ سَهْمٌ، فَعُلِمَ أَنَّ كُلَّ سَهْمٍ يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ يَذْهَبُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ الْخَطَأِ، فَيُزَادُ اثْنَا عَشَرَ عَلَى الثُّلُثِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ حَتَّى يَزُولَ الْخَطَأُ كُلُّهُ فَتَصِيرُ سَبْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ، ثُمَّ الْبَاقِي إلَى آخِرِهِ.
وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ، فَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَهُوَ خَمْسَةٌ فَتَصِيرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَتَأْخُذُ الثُّلُثَ الثَّانِي، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ، وَتَضْرِبُهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَتَصِيرُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ.
(وَالْوَجْهُ) فِي مَعْرِفَةِ النَّصِيبِ: أَنْ تَأْخُذَ النَّصِيبَ الْأَوَّلَ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ، وَتَضْرِبُهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، فَتَصِيرُ عَشَرَةً، ثُمَّ تَضْرِبُ النَّصِيبَ الثَّانِي، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَيَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَهُوَ النَّصِيبَانِ.
(وَأَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ: فَهُوَ أَنْ تُضَعِّفَ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ إلَّا النَّصِيبَيْنِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ زِدْ عَلَيْهِ النَّصِيبَيْنِ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً، وَهَذَا هُوَ الثُّلُثُ فَأَعْطِ بِالنَّصِيبَيْنِ سَهْمَيْنِ فَيَبْقَى سِتَّةٌ، وَأَعْطِ ثُلُثَيْ مَا يَبْقَى أَرْبَعَةً يَبْقَى سَهْمَانِ، يُرَدُّ إلَى ثُلُثَيْ الْمَال، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّك أَعْطَيْت بِالنَّصِيبَيْنِ سَهْمَيْنِ فَيَجِب أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، فَالْخَطَأُ الثَّانِي فِي الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ زِيَادَةُ ثَلَاثَةٍ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ فِي الْخَطَأَيْنِ كَانَ زِيَادَةَ سِتَّةٍ، فَخُذْ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ فِي الْخَطَأَيْنِ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي، وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَتَصِيرَ خَمْسَةً وَسِتِّينَ، وَخُذْ الثُّلُثَ الثَّانِي فِي الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، وَاضْرِبْهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ.
(وَالْوَجْهُ) فِي مَعْرِفَةِ النَّصِيبِ أَنْ تَأْخُذَ مَا جُمِعَ مِنْ الْخَطَأَيْنِ أَحَدُهُمَا سِتَّةٌ، وَالْآخِرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَاطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ، فَإِذَا طَرَحَتْ سِتَّةً مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَبْقَى سَبْعَةٌ فَهُوَ النَّصِيبُ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَا يَبْقَى، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْفَرِيضَةُ مِنْ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ، وَالثُّلُثُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَالنَّصِيبَانِ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى وَاحِدٌ.
(وَتَخْرِيجُهَا) عَلَى طَرِيقَةِ الْحَشْوِ: أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ خَمْسَةً ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا النَّصِيبَيْنِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ فَتَصِيرُ سَبْعَةً ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهَا النَّصِيبَيْنِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ يَبْقَى تِسْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ، فَقَدْ طَرَحَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَهْمَيْنِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ طَرَحَ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ بِالنَّصِيبَيْنِ، وَسَهْمَيْنِ بِثُلُثَيْ مَا يَبْقَى، فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ يَجِبُ أَنْ يَطْرَحَ هاهنا أَيْضًا أَرْبَعَةً.
(وَالْوَجْهُ) فِي مَعْرِفَةِ النَّصِيبِ: أَنْ تَأْخُذَ النَّصِيبَيْنِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ، وَتَضْرِبْهُمَا فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ سِتَّةً ثُمَّ تَضْرِبُ سِتَّةً فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهُ سَهْمَيْنِ يَبْقَى سِتَّةَ عَشَرَ فَهُوَ النَّصِيبُ، وَبَقِيَ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْمَالِ ثَلَاثَةٌ فَأَعْطِ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى ثُلُثَهُ، وَذَلِكَ سَهْمٌ، يَبْقَى سَهْمَانِ يُرَدُّ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ فَتَصِيرُ أَرْبَعِينَ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْبَنِينَ لِكُلِّ ابْنٍ ثَمَانِيَةٌ.
(وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَطَّائِينَ: فَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ خَمْسَةً فَأَعْطِ بِالنَّصِيبَيْنِ سَهْمَيْنِ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ فَأَعْطِ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى سَهْمًا يَبْقَى سَهْمٌ تُرَدُّ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى خَمْسَةٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّكَ أَخْطَأْتَ بِزِيَادَةِ سَبْعَةٍ فَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ فَتَصِيرُ سَبْعَةً، فَأَعْطِ بِالنَّصِيبَيْنِ أَرْبَعَةً يَبْقَى ثَلَاثَةٌ فَأَعْطِ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى سَهْمًا يَبْقَى سَهْمَانِ تُضَمُّ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَصِيرُ سِتَّةَ عَشَرَ، وَحَاجَتُك إلَى عَشَرَةٍ، فَظَهَرَ أَنَّك أَخْطَأْت فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ بِزِيَادَةِ سِتَّةٍ، وَالْخَطَأُ الْأَوَّلُ كَانَ زِيَادَةَ سَبْعَةٍ، فَعَلِمْت أَنَّ كُلَّ سَهْمَيْنِ تُزَادُ فِي الثُّلُثِ تُذْهِبُ مِنْ الْخَطَأِ سَهْمًا، فَزِدْ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا، حَتَّى يَزُولَ الْخَطَأُ كُلُّهُ، فَإِذَا زِدْت عَلَى خَمْسَةٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَصِيرُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ، ثُمَّ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا.
(وَالتَّخْرِيجُ) عَلَى طَرِيقَةِ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ، وَالْأَكْبَرِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا.
فَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَتَرَك أُمًّا وَابْنَتَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ وَعُصْبَةً وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ إحْدَى ابْنَتَيْهِ، وَبِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ لِآخَرَ، فَالْفَرِيضَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ، وَالنَّصِيبُ سِتَّةَ عَشَرَ، وَثُلُثُ الْبَاقِي اثْنَانِ وَلِلْبِنْتَيْنِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَلِلْأُمِّ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْمَرْأَةِ سِتَّةٌ، وَلِلْعَصَبَةِ سَهْمَانِ، هَكَذَا خَرَّجَهَا مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الْأَصْلِ، وَمَشَايِخُنَا- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- خَرَّجُوهَا مِنْ نِصْف مَا خَرَّجَهَا فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ.
(وَطَرِيقُ) هَذَا التَّخْرِيجِ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِحَاجَتِك إلَى الثُّمْنِ، وَالثُّلُثَيْنِ، وَالسُّدُسِ، فَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْعَصَبَةِ سَهْمٌ، فَالْبِنْتَانِ يَسْتَحِقَّانِ السَّهْمَيْنِ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقُونَ يَسْتَحِقُّونَ سَهْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ الثُّلُثُ، فَصَارَ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّ عَدَدَ الْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ سِهَامَهُمْ ثَلَاثَةٌ فَاجْعَلْ كَأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ بَنِينَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، وَبِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ.
وَلَوْ كَانَ هَكَذَا فَالْجَوَابُ سَهْلٌ، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ ثَلَاثَةً، وَتَزِيدَ عَلَيْهَا سَهْمًا لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى، وَتَضْرِبَهَا فِي ثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَتَصِيرَ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهَا سَهْمًا لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ، فَيَصِيرُ ثُلُثُ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فَتَصِيرُ جُمْلَةُ الْمَالِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ، وَالنَّصِيبُ سَهْمٌ وَاحِدٌ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ تِسْعَةً ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهَا سَهْمًا فَيَبْقَى ثَمَانِيَةٌ فَأَعْطِ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثَمَانِيَةً، وَأَعْطِ ثُلُثَ مَا يَبْقَى، وَذَلِكَ سَهْمٌ وَاحِدٌ فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَبَقِيَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ ضُمَّهَا إلَى الثُّلُثَيْنِ، وَهُوَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَمَانِيَةٌ مِثْلُ مَا أَعْطَيْت لِصَاحِبِ النَّصِيبِ، وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْعَصَبَةِ سَهْمٌ فَخُرِّجَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ نِصْفِ مَا خُرِّجَ فِي الْكِتَابِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ فَالْفَرِيضَةُ مِنْ سِتِّمِائِةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالنَّصِيبُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَثُلُثُ الْبَاقِي سِتَّةَ عَشَرَ، وَطَرِيقُ التَّخْرِيجِ أَنْ تَجْعَلَ كَأَنَّ عَدَدَ الْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ زِدْ عَلَيْهَا سَهْمًا لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ اضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا سَهْمًا فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ فَتَصِيرُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ، وَالنَّصِيبُ سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ فَذَلِكَ تِسْعَةٌ ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا سَهْمًا فَتَصِيرُ عَشَرَةً، ثُمَّ اسْتَثْنِ مِنْهَا سَهْمًا مِثْلَ ثُلُثِ مَا يَبْقَى، وَضُمَّهُ إلَى مَا بَقِيَ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ ضُمَّ الْأَرْبَعَةَ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ فَتَصِيرُ ثَلَاثِينَ لِكُلِّ بِنْتٍ عَشَرَةٌ مِثْلُ مَا أُعْطِيت قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ خَمْسَةٌ بَقِيَ خَمْسَةٌ بَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَالْعَصَبَةِ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، وَحَقَّ الْعَصَبَةِ فِي سَهْمٍ فَيَكُونُ حَقُّهَا ثَلَاثَةَ أَضْعَافِ حَقِّ الْعَصَبَةِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْكَسْرِ فَاجْعَلْ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ فَاضْرِبْ أَصْلَ الْحِسَابِ فِي أَرْبَعَةٍ فَتَكُونُ مِائَةً وَسِتَّةً وَخَمْسِينَ مِنْهَا تُخَرَّجُ السِّهَامُ عَلَى الصِّحَّةِ، وَهُوَ رُبْعُ مَا خَرَّجَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الْمَرْأَةِ، وَبِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ، فَالْفَرِيضَةُ مِنْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَالنَّصِيبُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَثُلُثُ الْبَاقِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَجْعَلَ كَأَنَّ عَدَدَ الْوَرَثَةِ ثَمَانِيَةٌ لِأَنَّ السِّهَامَ ثَمَانِيَةٌ فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، فَزِدْ عَلَيْهِ سَهْمًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهَا سَهْمًا فَيَبْقَى سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ فَهَذَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَجَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ، وَالنَّصِيبُ سَهْمٌ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَصِيرُ تِسْعَةً ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهَا سَهْمًا فَيَبْقَى ثَمَانِيَةٌ، وَثُلُثُ مَا يَبْقَى سِتَّةٌ فَيَبْقَى اثْنَا عَشَرَ ضُمَّهَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَخَمْسُونَ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ لِلْمَرْأَةِ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَتَبَيَّنَ أَنَّكَ.
أَعْطَيْت لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِهَا مِثْلَ نَصِيبِهَا ثَمَانِيَةً فَيَبْقَى سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ لَا تَسْتَقِيمُ بَيْنَ الْأُمِّ، وَالْبِنْتَيْنِ، وَالْعَصَبَةُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْبِنْتَيْنِ ثُلُثَا أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ.
وَلَيْسَ لَهَا ثُلُثٌ صَحِيحٌ، وَلِلْأُمِّ سُدُسُهَا، وَلَيْسَ لَهَا سُدُسٌ صَحِيحٌ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ بَيْنَ مُخْرَجِ السُّدُسِ وَحِسَابِنَا مُوَافَقَةٌ بِنِصْفٍ، وَنِصْفٍ، فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي وَفْقِ الْآخَرِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ فِي ثَلَاثَةٍ، فَيَبْلُغُ الْحِسَابُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ فِي الْحِسَابِ الْأَوَّلِ صَارَ لَهُ ثَلَاثَةٌ فِي الْحِسَابِ الثَّانِي، كَانَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي ثَمَانِيَةٍ فَصَارَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَحَقُّ الْبِنْتَيْنِ فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَحَقُّ الْأُمِّ فِي عَشَرَةٍ، وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثَةٍ، فَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَحَقُّ الْعَصَبَةِ فِي دِرْهَمَيْنِ، وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ مَضْرُوب فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسَةُ بَنِينَ فَأَوْصَى لِأَحَدِهِمْ بِكَمَالِ الرُّبُعِ، بِنَصِيبِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازُوا، فَالْفَرِيضَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ النَّصِيبُ اثْنَانِ، وَتَكْمِلَةُ الرُّبْعِ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَ نَصِيبِهِ، وَالرُّبْعِ سَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هاهنا وَصِيَّةٌ لِأَجْنَبِيٍّ لَكَانَ لَهُ الرُّبْعُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ أَرْبَاعًا فَاحْتَجْنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ رُبْعٌ، وَلِبَاقِيهِ رُبْعٌ، وَأَقَلُّهُ سِتَّةَ عَشَرَ فَيُعْطَى لَهُ رُبْعُ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ أَرْبَاعًا لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةٌ، وَلَهُ أَرْبَعَةٌ فَتَبَيَّنَّ أَنَّهُ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا سَهْمًا.
فَإِذَا أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ فَخُذْ حِسَابًا لَهُ ثُلُثٌ، وَرُبْعٌ، وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ فَثُلُثُهُ أَرْبَعَةٌ، وَرُبْعُهُ ثَلَاثَةٌ فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِكَمَالِ الرُّبْعِ سَهْمَانِ، وَلِلْآخَرِ سَهْمًا؛ لِأَنَّ ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ كَمَالِ الرُّبْعِ سَهْمٌ بَقِيَ اثْنَانِ ضُمَّهُمَا إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ فَتَصِيرُ بَيْنَ الْبَنِينَ الْخَمْسَةِ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ.
(فَتَبَيَّنَّ) أَنَّا إذَا أَعْطَيْنَا لَهُ رُبْعَ الْمَالِ فَنَصِيبُهُ بِنَصِيبِهِ سَهْمَانِ مِثْلُ مَا أَصَابَ هَؤُلَاءِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
(وَمِنْهَا) التَّقْدِيرُ بِثُلُثِ الْمَالِ إذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ، وَلَمْ يُجِزْ الزِّيَادَةَ، فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ، وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: فَبِثُلُثَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: فَبِنِصْفِهِ؟ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا، قَالَ: فَبِثُلُثِهِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ آخِرَ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ»؛ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ إيجَابُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ حَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ إلَّا فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، فَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إجَازَتِهِمْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي الْمَرَضِ، أَوْ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى زَمَانِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْمَوْتِ لَا وَقْتُ وُجُودِ الْكَلَامِ.
وَاعْتِبَارُهَا وَقْتَ الْمَوْتِ يُوجِبُ اعْتِبَارَهَا مِنْ الثُّلُثِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَقْتُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِالتَّرِكَةِ، إذْ الْمَوْتُ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ مَرَضٍ، وَحَقُّهُمْ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَّا فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ الثُّلُثُ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا تَجُوزُ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ، وَالصَّدَقَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إيجَابُ الْمِلْكِ لِلْحَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا حَالَ الْعَقْدِ، فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا فَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ فَيَجُوزُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِذَا كَانَ مَرِيضًا كَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَكَذَا الْإِعْتَاقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَالْبَيْعُ، وَالْمُحَابَاةُ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَإِبْرَاءُ الْغَرِيمِ، وَالْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْخَطَأِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ.
وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ.
وَكَذَا إنْ شَاءَ الْكَفَالَةَ بِالدِّينِ فِي حَالِ الْمَرَضِ، وَضَمَانِ الدَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا تُعْتَبَرُ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِيهِ كَمَا يُتَّهَمُ فِي الْهِبَةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِكَفَالَتِهِ بِالدَّيْنِ حَالَ صِحَّتِهِ فَحُكْمُ هَذَا الدَّيْنِ حُكْمُ دَيْنِ الْمَرَضِ حَتَّى لَا يُصَدَّقَ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، وَيَكُونُ الْمَكْفُولُ لَهُ مَعَ غُرَمَاءِ الْمَرَضِ سَوَاءً، وَلَوْ كَفَلَ فِي صِحَّتِهِ، وَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى مَا يُسْتَقْبَلُ بِأَنْ قَالَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ: كُفِلْتَ بِمَا يَذُوبُ لَك عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ وَجَبَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ دِينٌ فِي حَالِ مَرَضِ الْكَفِيلِ فَحُكْمُ هَذَا الدِّينِ، وَحُكْمُ دَيْنِ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ حَتَّى يَضْرِبَ الْمَكْفُولُ لَهُ بِجَمِيعِ مَا يَضْرِبُ بِهِ غَرِيمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَة وُجِدَتْ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِيمَنْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَ أَنَّهُ مِيرَاثٌ، وَلَوْ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَهِيَ لَهَا مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَعْطَاهَا شَيْئًا فِي حَيَاتِهِ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْهَا لَا تُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً لِكَوْنِهَا تَمْلِيكًا، وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْك؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ، وَالثَّانِي يُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ إيجَابُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ لِكَوْنِهَا حُرَّةً، فَكَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لَهَا.
وَلَوْ أَوْصَى بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا وَارِثَ لَهُ تَجُوزُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ إلَّا مِنْ الثُّلُث، وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَأَجَازَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاع النَّفَاذِ فِي الزِّيَادَةِ لَحِقَهُ، وَإِلَّا فَالْمَنْفَذُ لِلتَّصَرُّفِ، وَهُوَ الْمِلْكُ- قَائِمٌ فَإِذَا أَجَازَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، ثُمَّ إذَا جَازَتْ بِإِجَازَتِهِ فَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ الزِّيَادَةَ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي لَا مِنْ قِبَلِ الْوَارِثِ، فَالزِّيَادَةُ جَوَازُهَا جَوَازُ وَصِيَّتِهِ مِنْ الْمُوصِي، لَا جَوَازُ عَطِيَّةٍ مِنْ الْوَارِثِ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: جَوَازُهَا جَوَازُ هِبَةٍ، وَعَطِيَّةٍ حَتَّى يَقِفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى الْقَبْضِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَقِفُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ النَّفَاذَ لَمَّا، وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ فَدَلَّ أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ مِنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ مِنْ ثُلُثِهِ وَثَبَتَ أَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْمُوصِيَ بِالْوَصِيَّةِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ النَّفَاذُ لِصُدُورِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحِلِّ، وَإِنَّمَا الِامْتِنَاعُ لِمَانِعٍ، وَهُوَ حَقُّ الْوَارِثِ، فَإِذَا أَجَازَ فَقَدْ أَزَالَ الْمَانِعَ، وَيَنْفُذُ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ لَا بِإِزَالَةِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ شَرْطٌ، وَالْحُكْمُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ لَا إلَى الشَّرْطِ، وَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى السَّبَبِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ كُلَّهَا شُرُوطُ الْأَسْبَابِ، لَا شُرُوطُ الْأَحْكَام عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ خُرِّجَ الْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ.
(وَأَمَّا) إجَازَتُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ- فَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ ثُلُثِهِ لَا لِكَوْنِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ تَمْلِيكًا، وَإِيجَابًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تُنَبِّئُ عَنْ التَّمْلِيكِ بَلْ هِيَ إزَالَةُ الْمَانِعِ عَنْ وُقُوعِ التَّصَرُّفِ تَمْلِيكًا بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ مَالِ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي هَذَا الْإِسْقَاطِ فَيُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهُ بِالتَّمْلِيكِ بِالْهِبَةِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ أَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ، وَرَدَّ بَعْضُهُمْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْمُجِيزِ مِنْهُمْ، وَبَطَلَتْ بِقَدْرِ أَنْصِبَاءِ الرَّادِّينَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وِلَايَةَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ فَتَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِهِ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَيَنْفُذُ، ثُمَّ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إجَازَةُ مَنْ أَجَازَ إذَا كَانَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا.
فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ لَا تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ، فَإِنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا لَكِنَّهُ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ- جَازَتْ إجَازَتُهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا كَانَتْ إجَازَتُهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثَهُ لَا تَجُوزُ إجَازَتُهُ إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا وَرَثَةُ الْمَرِيضِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا تَجُوزُ إجَازَتُهُ، وَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ وَقْتُ الْإِجَازَةِ هُوَ مَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا تُعْتَبَرُ الْإِجَازَةُ حَالَ حَيَاتِهِ حَتَّى إنَّهُمْ لَوْ أَجَازُوا فِي حَيَاتِهِ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى- رَحِمَهُ اللَّهُ-: تَجُوزُ إجَازَتُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَحَالَ حَيَاتِهِ، وَإِذَا أَجَازُوا فِي حَيَاتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ إذَا أَجَازُوا بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ إجَازَتَهُمْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ صَادَفَتْ مَحِلَّهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ هَذَا الْمَرَضِ مَرَضَ الْمَوْتِ إلَّا بِالْمَوْتِ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ بِالْإِجَازَةِ فَجَازَتْ إجَازَتُهُمْ.
(وَلَنَا) أَنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْلَمُ بِكَوْنِ الْمَرَضِ مَرَضَ الْمَوْتِ عِنْد الْمَوْتِ، فَإِذَا مَاتَ الْآنَ عُلِمَ كَوْنُهُ مَرَضَ الْمَوْتِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُمْ الْآنَ إلَّا أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ حَقُّهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ اسْتَنَدَ الْحَقُّ الثَّابِتُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ، وَالِاسْتِنَادُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ لَا فِي الْمَاضِي، وَإِجَازَتُهُمْ قَدْ مَضَتْ لَغْوًا ضَائِعًا؛ لِانْعِدَامِ الْحَقِّ حَالَ وُجُودِهَا فَلَا تَلْحَقُهَا الْإِجَازَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ فِي حَالِ الْمَرَضِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ الْمَحْضِ: أَنَّ الْمَرِيضَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ الْمَحْضِ لَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَرَامًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ فِي الْمَرَضِ عَلَى طَرِيقِ الظُّهُورِ الْمَحْضِ إبْطَالَ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْحَقِّ لِلْحَالِ؛ لِإِبْطَالِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ اعْتِبَارُهُ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَيَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ لَا فِي الْمَاضِي.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ، أَوْ عَبْدٍ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ لَهُ فَأَجَازَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ مَا لَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ لَيْسَ بِجَوَازِ وَصِيَّتِهِ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا جَوَازُهُ جَوَازُ هِبَةٍ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ فَلَمْ تَكُنْ إجَازَتُهُ إجَازَةَ إسْقَاطِ حَقٍّ بَلْ هُوَ عَقْدُ هِبَةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُوصِي صَادَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ، فَوَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ، فَإِذَا أَجَازَهُ الْغَيْرُ فَوَقَعَ هِبَةً مِنْ جِهَتِهِ لَا وَصِيَّةً مِنْ الْمُوصِي كَأَنَّهُ وَهَبَهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ سَلَّمَ جَازَتْ الْهِبَةُ، وَإِلَّا فَلَا، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ إنَّهَا تَجُوزُ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّسْلِيمُ إلَى الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ هُنَاكَ وَقَعَ وَصِيَّةً لِمُصَادِفَتِهِ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى التَّسْلِيمِ، وَإِنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَى الْإِجَازَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْإِجَازَةُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ، وَنُفِّذَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصَى بِهِ جُزْءًا مُسَمًّى كَالثُّلُثِ، وَالنِّصْفِ، أَوْ كَانَ جَمِيعَ الْمَالِ، أَوْ كَانَ عَيْنًا مُشَارًا إلَيْهَا بِأَنْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لَهُ أَوْ ثَوْبٍ لَهُ إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كَانَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ مَالِهِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُخْرِجُ فَلَهُ مِنْهُ قَدْرُ مَا يُخْرِجُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَلَهُ ثُلُثُهُ، وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاحِدَةً أَوْ اجْتَمَعَتْ الْوَصَايَا إنَّهُ يُنَفَّذُ الْكُلُّ مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ الْكُلِّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ الْكُلِّ يَتَضَارَبُ فِيهِ، وَيُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّقَدُّمِ.
وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: أَنَّ الْوَصَايَا إذَا اجْتَمَعَتْ فَالثُّلُثُ لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ كَانَ يَسَعُ كُلَّ الْوَصَايَا، وَإِمَّا أَنْ لَا يَسَعَ الْكُلَّ، فَإِنْ كَانَ يَسَعُ الْكُلَّ تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِالْكُلِّ، وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهَا فِي الْكُلِّ فَتُنَفَّذُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصَايَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَالْوَصِيَّةِ بِالْقُرَبِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ الْفَرْضِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَالْأُضْحِيَّةَ، وَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَصَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَإِعْتَاقِ النَّسَمَةِ، وَذَبْحِ الْبَدَنَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ لِلْعِبَادِ كَالْوَصِيَّةِ لِزَيْدٍ، وَعَمْرٍو، وَبِكْرٍ، وَخَالِدٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الثُّلُث لَا يَسَعُ الْكُلَّ لَكِنْ الْوَرَثَةُ أَجَازَتْ فَأَمَّا إذَا كَانَ الثُّلُثُ لَا يَسَعُ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ؛ فَالْوَصَايَا لَا تَخْلُو: إمَّا إنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ-، وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِالْقُرَبِ، أَوْ كَانَ بَعْضُهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْبَعْضُ لِلْعِبَادِ، فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ الْكُلُّ فَرَائِضَ أَوْ وَاجِبَاتٍ، أَوْ نَوَافِلَ أَوْ اجْتَمَعَ فِي الْوَصَايَا مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ، وَالتَّطَوُّعَاتِ.
فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ فَرَائِضَ مُتَسَاوِيَةً يَبْدَأُ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ بِالذَّاتِ فَيُرَجَّحُ بِالْبِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبِدَايَةَ دَلِيلُ اهْتِمَامِهِ بِمَا بَدَأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ عَادَةً، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالزَّكَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، وَالزَّكَاةُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ، وَالْعِبَادَةُ الْبَدَنِيَّةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّفْسَ أَنْفَسُ، وَأَعَزُّ مِنْ الْمَالِ فَكَانَ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَعَزِّ الْأَشْيَاءِ، وَأَنْفَسِهَا عِنْدَهُ فَكَانَ أَقْوَى فَكَانَتْ الْبِدَايَةُ بِهِ أَوْلَى عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ، وَالزَّكَاةُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَدَنِ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقَدُّمِ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: أَنَّ الْحَجَّ تَمَحَّضَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالزَّكَاةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْعَبْدِ فَيُقَدَّمُ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ، وَغِنَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالُوا فِي الْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ: إنَّهُمَا يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا وَاجِبَانِ بِإِيجَابِ اللَّهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ وُجُوبِهِمَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، وَالْكَفَّارَاتُ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِأَسْبَابٍ تُوجَدُ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ الْقَتْلِ، وَالظِّهَارِ، وَالْيَمِين، وَالْوَاجِبُ ابْتِدَاءً أَقْوَى فَيُقَدَّم، وَالْكَفَّارَاتُ مُتَقَدِّمَة عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ، وَالْكَفَّارَاتُ فَرَائِضُ، وَالْفَرْضُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَاجِبِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَلَا نَصَّ فِي الْكِتَابِ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَإِنَّمَا عُرِفَتْ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، فَكَانَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَقْوَى فَكَانَ أَوْلَى وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُضْحِيَّةَ أَيْضًا وَاجِبَةً عِنْدَنَا لَكِنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهَا، وَالْأُضْحِيَّةَ وُجُوبُهَا مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ فَالْمُتَّفَقُ عَلَى الْوُجُوبِ أَقْوَى فَكَانَ بِالْبِدَايَةِ أَوْلَى، وَكَذَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ تِلْكَ الْكَفَّارَةِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِأَخْبَارٍ مَشْهُورَةٍ.
وَالثَّابِتُ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ.
وَقَالُوا: إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْذُورِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتِدَاءً، وَالْمَنْذُورُ بِهِ، وَجَبَ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ أَيْضًا بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الْعَبْدِ فَتُقَدَّمُ الصَّدَقَةُ، وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ: أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا مِنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ بَلْ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَالْوَفَاءُ بِالْمَنْذُورِ بِهِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَهُوَ النَّصُّ الْمُفَسَّرُ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}، وَالْفَرْضُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَاجِبِ، وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}، وَالْمَنْذُورُ بِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْوَفَاءِ بِيَقِينٍ وَفِي وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةَ شُبْهَةُ الْعَدَمِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ.
وَالْأُضْحِيَّةُ تُقَدَّمُ عَلَى النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَهُمَا، وَالشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-، وَالْوَاجِبُ، وَالسُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ أَوْلَى مِنْ النَّافِلَةِ، فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُوصِي أَنَّهُ قَصَدَ تَقْدِيمَهَا عَلَى النَّافِلَةِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَهُ سَهْوًا فَيُقَدَّمُ بِدَلَالَةِ حَالَةِ التَّقْدِيمِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ بِالذِّكْرِ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصَايَا بِالْقُرَبِ إعْتَاقٌ مُنَجَّزٌ، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ إعْتَاقٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ التَّدْبِيرُ، فَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ الْمُنَجَّزَ، وَالْمُعَلَّقَ بِالْمَوْتِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَانَ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ.
(وَأَمَّا) الْوَصِيَّةُ بِالْإِعْتَاقِ، فَإِنْ كَانَ إعْتَاقًا وَاجِبًا فِي كَفَّارَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكَفَّارَاتِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْوَصَايَا الْمُتَنَفَّلِ بِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْإِعْتَاقِ يَلْحَقُهَا الْفَسْخ كَمَا يَلْحَقُ سَائِرَ الْوَصَايَا فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْإِعْتَاقِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ مِثْلَ سَائِرِ الْوَصَايَا فَلَا تُقَدَّمُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ الْمُنَجَّزِ فِي الْمَرَضِ، وَالْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُمَا الْفَسْخُ فَكَانَ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا.
وَإِنْ كَانَتْ الْوَصَايَا بَعْضُهَا لِلَّهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَعْضُهَا لِلْعِبَادِ، فَإِنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ يَتَضَارَبُونَ بِوَصَايَاهُمْ فِي الثُّلُثِ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْعِبَادَ فَهُوَ لَهُمْ لَا يُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ لِمَا نُبَيِّنُ، وَمَا كَانَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجْمَعُ ذَلِكَ فَيَبْدَأُ مِنْهَا بِالْفَرَائِضِ، ثُمَّ بِالْوَاجِبَاتِ، ثُمَّ بِالنَّوَافِلِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْوَصَايَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصِيَّةٌ لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مَعَ الْوَصَايَا بِالْقُرَبِ، وَيَجْعَلُ كُلَّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرْبِ مُفْرَدَةً بِالضَّرْبِ، فَإِنْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَلِزَيْدٍ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ، وَسَهْمٌ لِلْحَجِّ، وَسَهْمٌ لِلزَّكَاةِ، وَسَهْمٌ لِلْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ غَيْرُ الْأُخْرَى فَتُفْرَدُ كُلُّ جِهَةٍ بِسَهْمٍ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، فَإِنْ قِيلَ: جِهَاتُ الْقُرَبِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا كُلِّهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ طَلَبُ مَرِضَاتِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَابْتِغَاءِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْرِبَ لِلْمُوصَى لَهُ بِسَهْمٍ، وَالْقُرَبِ بِسَهْمٍ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَهُوَ ابْتِغَاءُ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَلَبُ مَرْضَاتِهِ لَكِنَّ الْجِهَةَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَضْرِبُ بِسَهْمِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكُلِّ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْجِهَةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا اُعْتُبِرَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ كَذَا هاهنا هَذَا؛ إذْ كَانَتْ الْوَصَايَا كُلّهَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ بَعْضهَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَعْضُهَا لِلْعِبَادِ.
(فَأَمَّا) إذَا كَانَتْ كُلُّهَا لِلْعِبَادِ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: (إمَّا) إنْ كَانَتْ كُلُّهَا فِي الثُّلُثِ لَمْ يُجَاوِزْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا قَدْرَ الثُّلُثِ.
(وَإِمَّا) إنْ جَاوَزَتْ، فَإِنْ لَمْ تُجَاوِزْ بِأَنْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِالرُّبْعِ، وَلِآخَرَ بِالسُّدُسِ فَإِنَّهُمْ يَتَضَارَبُونَ فِي الثُّلُثِ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ فَيَضْرِبُ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِثُلُثِ الثُّلُثِ.
وَصَاحِبُ الرُّبْعِ بِرُبْعِ الثُّلُثِ، وَصَاحِبُ السُّدُسِ بِسُدُسِ الثُّلُثِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمْ بِقَدْرِ فَرِيضَتِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا يُقَدَّم بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ هَذِهِ الْوَصَايَا أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ: الْإِعْتَاقُ الْمُنَجَّزُ فِي الْمَرَض، أَوْ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَهُوَ التَّدْبِيرُ أَوْ الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فِي الْمَرَضِ فَيُقَدَّمُ هُوَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا الَّتِي هِيَ لِلْعِبَادِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصَايَا بِالْقُرَبِ فَيَبْدَأُ بِذَلِكَ قَبْلَ كُلِّ وَصِيَّةٍ ثُمَّ يَتَضَارَبُ أَهْلُ الْوَصَايَا فِيمَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْض فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمُرَجَّحِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا كُلَّهَا اسْتَوَتْ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ سَبَبِ صَاحِبِهِ، وَالِاسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ، وَلَا اسْتِوَاءَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي مَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ الْمُنَجَّزَ، وَالْمُعَلَّقَ بِالْمَوْتِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالْمُحَابَاةُ تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ ضَمَانٍ، وَهُوَ الْبَيْعُ؛ إذْ هُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ الْبَيْعُ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَكَانَتْ الْمُحَابَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَقْدِ الضَّمَانِ أَقْوَى فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ.
وَإِنْ اجْتَمَعَ الْعِتْقُ، وَالْمُحَابَاة وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ قَبْلَ الْعِتْقِ يَبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ، وَإِلَّا اسْتَوَيَا هَكَذَا رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَبْدَأ بِالْعِتْقِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى مِنْ الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالْمُحَابَاةُ تَحْتَمِلُ، وَفِي بَابِ الْوَصَايَا يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى إذَا كَانَ الثُّلُثُ لَا يَسَعُ الْكُلَّ، وَلِهَذَا قُدِّمَ الْعِتْقُ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّمَةً فِي الذِّكْرِ عَلَى الْعِتْقِ عَلَى أَنَّ التَّقَدُّمَ فِي الذِّكْرِ يُعْتَبَرُ تَرْجِيحًا، وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي رُكْنِ الْعِلَّةِ، وَلَا اسْتِوَاءَ هاهنا لِمَا بَيَّنَّا، فَبَطَلَ التَّرْجِيحُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ ضَمَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَالْعِتْقُ تَبَرُّعٌ مَحَضٌ، فَلَا يُزَاحِمُهَا.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْعِتْقِ تَقَدَّمَتْ فِي الذِّكْرِ أَوْ تَأَخَّرَتْ إلَّا أَنَّ مُزَاحَمَةَ الْعِتْقِ إيَّاهَا حَالَةَ التَّأْخِيرِ ثَبَتَ لِضَرُورَةِ التَّعَارُضِ حَالَةَ التَّقَدُّمِ عَلَى مَا نَذْكُرهُ.
(وَأَمَّا) قَوْلُهُمَا: إنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي فَإِنَّ مَنْ بَاعَ مَالَهُ بِالْمُحَابَاةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ فَاسْتَوَيَا فِي عَدَمِ احْتِمَالِ الْفَسْخِ مِنْ جِهَة الْمُوصِي، وَهُوَ الْمُعْتَقُ، وَالْبَائِعُ، فَإِذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ بِالْمُحَابَاةِ تَرَجَّحَتْ بِالْبِدَايَةِ لِكَوْنِ الْبِدَايَةِ بِهَا دَلِيلَ الِاهْتِمَامِ، وَلَا يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْعِتْقِ عِنْدَ الْبِدَايَةِ بِهِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمُحَابَاةِ بِعَقْدِ الضَّمَانِ يَقْتَضِيَ تَرْجِيحَهَا عَلَى الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ، فَتَعَارَضَ الْوَجْهَانِ، فَسَقَطَا وَالْتَحَقَا بِالْعَدَمِ، فَبَقِيَ أَصْلُ التَّعَارُضِ بِلَا تَرْجِيحٍ، فَتَقَعُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَ الْمُحَابَاةِ، وَالْعِتْقِ، فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا.
وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي نَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُفْسَخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالرُّؤْيَةِ، وَالشَّرْطِ، وَالْإِقَالَةِ؛ إذْ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- فَكَانَتْ الْمُحَابَاةُ مُحْتَمِلَةً لِلْفَسْخِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْعِتْقُ لَا يَحْتَمِلُهُ رَأْسًا، فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْمُحَابَاةِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهَا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ: إنَّ عَدَمَ احْتِمَالِ الْعِتْقِ لِلْفَسْخِ إنْ كَانَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ عَلَى الْمُحَابَاةِ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعَلُّقِ الْمُحَابَاةِ بِعَقْدِ الضَّمَانِ يَقْتَضِي تَرْجِيحًا عَلَى الْعِتْقِ، فَوَقَعَ التَّعَارُضُ، فَتُرَجَّحُ الْمُحَابَاةُ بِالْبِدَايَةِ، وَإِذَا لَمْ يَبْدَأْ بِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ التَّرْجِيحُ، فَبَقِيَتْ الْمُعَارَضَةُ، فَثَبَتَتْ الْمُزَاحَمَةُ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ تَقْدِيمُ الْعِتْقِ عَلَى الْمُحَابَاةِ؛ إذَا بَدَأَ بِالْعِتْقِ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ لِلْعِتْقِ عِنْدَ وُقُوعِ التَّعَارُضِ، وَلَا يُقَدَّمُ غَيْرُهُ بَلْ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا (وَمِنْهُمْ) مِنْ قَالَ: تَعَلُّقُ الْمُحَابَاةِ بِعَقْدِ الضَّمَانِ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُهَا بِهِ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ مِنْ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ احْتِمَالِ الْفَسْخِ بِدَلِيلِ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ لَا يُنَفَّذُ، وَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالْمُعَارَضَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْفَسْخِ لِكَوْنِهَا عَقْدَ ضَمَانٍ، فَلَا يُعَارِضُهَا الْعِتْقُ إلَّا عِنْدَ الْبِدَايَة، وَعَلَى الْجُمْلَةِ تَقْرِيرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى عُقُولِنَا مُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ، وَفَرَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا، فَقَالَ: إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ- يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ، وَبَيْنَ الْمُحَابَاةِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْعِتْقَ الْأَوَّلَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ، وَلَوْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَّتَيْنِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ الْعِتْقِ نِصْفَيْنِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ هَذَا إذَا كَانَ مَعَ الْوَصَايَا لِلْعِبَادِ عِتْقٌ أَوْ مُحَابَاةٌ.
، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَضْرِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِالسُّدُسِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ- يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا: سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ السُّدُسِ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ: ثُلُثُ الْمَالِ ثَلَاثَةٌ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَجُمْلَةُ الْمَالِ تِسْعَةٌ ثُلُثُهُ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُمَا بِالثُّلُثِ، وَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَثُلُثَاهُ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ لِلْوَرَثَةِ، فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ، وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمَانِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سَهْمٌ، وَالْبَاقِي، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ سِتَّةٍ لِلْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَلِآخَرَ بِالرُّبُعِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ: لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ.
أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُهَا، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَيَكُونُ كُلُّ الْمَالِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ: الثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَالثُّلُثَانِ، وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مَا أَوْصَى لَهُ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ مَا أَوْصَى لَهُ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَالْبَاقِي، وَهُوَ خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَلِآخَرَ بِالرُّبْعِ وَلِآخَرَ بِالسُّدُسِ، فَثُلُثُ الْمَالِ تِسْعَةٌ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ: لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمَانِ، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ، وَثُلُثَا الْمَالِ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَيَكُونُ جُمْلَتُهُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، سِهَامُ الْوَصِيَّةِ مِنْهَا تِسْعَةٌ: ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، وَسَهْمَانِ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، سِهَامُ الْوَرَثَةِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصَايَا مَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ.
، فَإِنْ كَانَ بِأَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَآخَرَ بِالنِّصْفِ، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ فَالثُّلُث لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَالنِّصْفُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمَانِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ ثَلَاثَةٌ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- عَلَى خَمْسَةٍ: لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الثُّلُثُ سَهْمَانِ.
وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ، مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ فَالرُّبْعُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ، وَالنِّصْفُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ وَالرُّبْعُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَقَدْ زَالَ بِإِجَازَتِهِمْ، وَإِنْ رَدُّوا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ تُنَفَّذْ، وَإِنْ نُفِّذَتْ فَفِي الثُّلُثِ لَا غَيْرُ.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تَعَالَى: يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: عَلَى ثَلَاثَةٍ سَهْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ عِنْدَهُ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ يَضْرِبُ بِالرُّبْعِ، فَيُحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ، وَرُبْعٌ، وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ ثُلُثُهَا أَرْبَعَةٌ، وَرُبْعُهَا ثَلَاثَةٌ فَتُجْعَلُ وَصِيَّتُهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ، وَذَلِكَ ثُلُثُ الْمِيرَاثِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ: سَبْعَةٌ مِنْهَا لِلْمُوصَى لَهُمَا: أَرْبَعَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ، وَثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ عِنْدَهُمَا، وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ يَضْرِبُ بِالرُّبْعِ، وَالرُّبْعُ مِثْلُ نِصْفِ النِّصْفِ فَيَجْعَلُ كُلَّ رُبْعٍ سَهْمًا، فَالنِّصْفُ يَكُونُ سَهْمَيْنِ، وَالرُّبْعُ سَهْمًا، فَيَكُونُ ثَلَاثَةً فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ، وَسَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ: أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ فِي الثُّلُثِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ: فِي الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، وَفِي الْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالْمُحَابَاةِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ، فَإِنَّهُ يَضْرِبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِجَمِيعِ وَصِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ لَا مَال لَهُ غَيْرُهُمَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمَا، وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ، وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ- عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ، وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْر، وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ، وَيَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ، وَيَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الْمُحَابَاةِ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ فُلَانٍ، وَالْآخَرُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ- بَيْعًا بِالْمُحَابَاةِ، وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا مَثَلًا أَلْفٌ، وَمِائَةٌ، وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ، فَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ الْأَوَّلُ مِنْ فُلَانٍ بِمِائَةٍ، وَالْآخَرُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ بِمِائَةٍ، فَهاَهُنَا حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ، وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ مُحَابَاتُهُمَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا يَضْرِبُ أَحَدُهُمَا فِيهَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ.
وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ، إذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِالدَّيْنِ، وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ فَالثُّلُثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي الْوَصِيَّةِ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ كَالرُّبْعِ، وَالسُّدُسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِاسْمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ النِّصْفِ، وَنَحْوِهِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا مَا أَمْكَنَ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِمْ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّ الضَّرْبِ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ؛ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ.
فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ رَدِّ الْوَرَثَةِ وَصِيَّةٌ بَاطِلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِيَقِينٍ.
وَالضَّرْبُ بِالْوَصِيَّةِ الْبَاطِلَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِيَقِينٍ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزِّيَادَةِ وَصِيَّةٌ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ صَادَفَتْ حَقَّ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنَّهَا وَقَفَتْ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَالرَّدِّ، فَإِذَا رَدُّوا تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَاطِلَةً، وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَعْنِي بِهِ اسْتِحْقَاقًا، وَتَسْمِيَةً، وَهِيَ تَسْمِيَةُ النِّصْفِ فَالْكُلِّ، فَلَمْ تَقَعْ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً فِي مَخْرَجِهَا، وَقَوْلُنَا: بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا لَا يَحْتَمِلُ النَّفَاذَ لِحَالٍ.
أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ لَنُفِّذَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ، وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ بِخِلَافِ الْمَوَاضِعِ الْخَمْسِ فَإِنَّ هُنَاكَ مَا وَقَعَتْ بَاطِلَةً بِيَقِينٍ بَلْ تَحْتَمِلُ التَّنْفِيذَ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَظْهَرَ مَالٌ آخَرُ لِلْمَيِّتِ يُخْرَجُ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الثُّلُث فَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَا وَقَعَتْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، فَلَمْ تَقَعْ بَاطِلَةً بِيَقِينٍ.
وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَدْخُلُ ذَلِكَ الْمَالُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يُشْكِلُ بِالْوَصِيَّةِ بِيَقِينٍ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ بِأَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ، وَبِثُلُثَيْهِ لِآخَرَ، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَرَدَّتْ الْوَرَثَةُ أَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثَيْنِ لَا يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ الزَّائِدِ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَتُنَفَّذُ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ فَيَنْتَفِي أَنْ يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثَيْنِ بِالثُّلُثِ الزَّائِدِ، وَمَعَ هَذَا لَا يَضْرِبُ عِنْدَنَا، فَأُشْكِلَ الْقَدْرُ، وَبِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَاكَ وَقَعَتْ صَحِيحَةً فِي مَخْرَجِهَا مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ بِالرُّبْعِ، وَالسُّدُسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَخَارِجُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّسْمِيَةِ صَادَفَتْ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْوَصِيَّتَيْنِ، فَإِذَا رَدَّتْ الْوَرَثَةُ فَالرَّدُّ وَرَدَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ جَمِيعًا فَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ قَالَ: الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَأْخُذُ الثُّلُثَيْنِ خَاصَّةً، وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَ صَاحِبِ الْجَمِيعِ، وَبَيْنَ صَاحِبِ الثُّلُثِ.
وَقَالَ حَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَيْسَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ لِلْمُوصَى لَهُ رُبْعَ الْمَالِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تَعَالَى فِيهَا مَا رَوَى عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ-؛ لِأَنَّهُ قِسْمَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُنَازَعَةِ، وَمَا ذَكَرَ حَسَنٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- اعْتِبَارَ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْقِسْمَةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةُ مِنْ أُصُولِهِمَا لَا مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ اعْتِبَارَ الْمُنَازَعَةِ فِي الْقِسْمَةِ (وَوَجْهُهُ) هاهنا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يُعْطَى كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ.
وَأَمَّا قَدْرُ الثُّلُثِ فَيُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ- فَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ؛ إذْ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَيَكُونُ أَصْلُ مَسْأَلَةِ الْحِسَابِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ: الثُّلُثَانِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ إلَّا أَنَّهُ يَنْكَسِرُ الْحِسَابُ فَيَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَصِيرُ سِتَّةً فَيُسَلَّمُ ثُلُثَاهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَثُلُثُهَا، وَهُوَ سَهْمَانِ يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ خَمْسَةٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ.
وَأَمَّا الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ عِنْدَهُمَا هاهنا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ، وَهُوَ سَهْمٌ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِكُلِّ الْمَالِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَيُجْعَلُ الْمَالُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ، وَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ هَذَا إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ رَدَّتْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ الثُّلُثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ، إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْرِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ أَرْبَاعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ هَذَا إذَا اجْتَمَعَتْ الْوَصَايَا فِيمَا سِوَى الْعَيْنِ.
، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الْوَصَايَا فِي الْعَيْنِ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِي عَيْنٍ مُشَارٍ إلَيْهَا بِأَنْ أَوْصَى بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ لِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ الْعَيْنِ- فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: تُقَسَّمُ الْعَيْنُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا عَلَى عَدَدِهِمْ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَدْرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ،، وَلَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ تِلْكَ الْعَيْنِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِجَمِيعِ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ بِعَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَوْصَيْتُ بِعَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ آخَرَ، وَالْعَبْدُ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى عَدَدِهِمَا، وَهُمَا اثْنَانِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْعَبْدِ، وَلَا يَضْرِبُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِهِ لِثَلَاثَةٍ أَوْ لِأَرْبَعَةٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ-: يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ، وَيَتَّفِقُ الْجَوَابُ فِي تَقْدِيمِ مَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ثَمَرَةُ اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ فِيمَا إذَا انْضَمَّتْ إلَى الْوَصِيَّةِ لَهُمَا وَصِيَّةٌ لِثَالِثٍ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ، وَأَلْفَا دِرْهَمٍ سِوَى ذَلِكَ فَأَوْصَى بِالْعَبْدِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ بِنِصْفِ الْعَبْدِ، وَهَذَا بِنِصْفِهِ، وَهَذَا بِنِصْفِهِ، وَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَلْفٍ، فَيَقْتَسِمُونَ بِالثُّلُثِ أَرْبَاعًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ،، وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ-: يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُمَا بِالْعَبْدِ بِجَمِيعِ الْعَبْد، وَالْمُوصَى لَهُ بِأَلْفِ يَضْرِبُ بِأَلْفٍ فَيَقْتَسِمُونَ الثُّلُث أَثْلَاثًا بِنَاءً عَلَى الْأَصْل الَّذِي ذَكَرنَا فِيمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُث عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ، فَهُمَا يَقُولَانِ:؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَة وَقَعَتْ لِجَمِيعِ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ، كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ، وَأَصْحَابِ الْعَوْلِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: إنَّ الْمُوصَى قَدْ أَبْطَلَ وَصِيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْعَيْنِ فَلَهُ وِلَايَةُ الْإِبْطَالِ.
أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُبْطِلَ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْعَيْنِ، فَالضَّرْبُ بِالْجَمِيعِ يَكُونُ ضَرَبًا بِوَصِيَّةٍ بَاطِلَةٍ فَكَانَ بَاطِلًا، بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلِأَنَّهُ إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ حَقِّهِ، وَبِخِلَافِ أَصْحَابِ الْعَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ سَبَبٌ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ فَيَضْرِبُونَ بِجَمِيعِ مَا ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آخَرُ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى لِرَجُلِ آخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ، وَهُوَ قَدْرُ أَلْفِ دِرْهَمٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ: خَمْسُمِائَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ وَخَمْسُمِائَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ غَيْر أَنَّ مَا أَصَابَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَكُونُ فِي الْعَبْد، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعَبْدِ، وَمَا أَصَابَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَكُونُ بَعْضُهُ فِي الْعَبْدِ، وَهُوَ سُدُسُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ، وَهُوَ عُشْرُ الْعَبْدِ، وَالْبَعْضُ فِي الدَّرَاهِمِ، وَهُوَ خُمْسُ الْأَلْفَيْنِ، فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِسُدُسِ الْعَبْدِ، وَبِخُمْسِ الْأَلْفَيْنِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ، وَصِيَّتَانِ: وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ تَنَاوَلَتْ الْعَبْدَ لِكَوْنِهِ مَالًا فَاجْتَمَعَتْ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ فَسُلِّمَ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ: ثُلُثَاهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَالثُّلُثُ يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، فَيَكُونُ عَلَى الْحِسَاب مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ، وَأَقَلُّ حِسَابٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الثُّلُثُ ثَلَاثَةٌ: قِسْمَانِ خَلَيَا عَنْ مُنَازَعَةِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَسُلِّمَ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ بَقِيَ سَهْمٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيَكُونُ بَيْنهمَا فَيَنْكَسِرُ فَنَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ سِتَّةً فَثُلُثَا السِّتَّةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ سُلِّمَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَثُلُثُهَا، وَهُوَ سَهْمَانِ يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ، وَإِذَا صَارَ الْعَبْدُ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ عَلَى سِتَّةٍ يَصِيرُ كُلُّ أَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى سِتَّةٍ فَصَارَ الْأَلْفَانِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْهُمَا: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَصَارَ لَهُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الدَّرَاهِم، وَسَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ كُلّهَا فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ فِي الدَّرَاهِمِ فَصَارَتْ وَصِيَّتُهُمَا جَمِيعًا عَشَرَةُ أَسْهُمٍ فَاجْعَلْ ثُلُثَ الْمَالِ عَلَى عَشْرَةِ أَسْهُمٍ، فَالثُّلُثَانِ عِشْرُونَ سَهْمًا فَالْكُلُّ ثَلَاثُونَ سَهْمًا، وَالْعَبْدُ ثُلُثُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَارَ الْعَبْدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ، وَالْأَلْفَانِ عَلَى عِشْرِينَ سَهْمًا فَادْفَعْ وَصِيَّتَهُمَا مِنْ الْعَبْدِ فَوَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ خَمْسَةٌ، وَهُوَ نِصْفُ الْعَبْدِ، وَوَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ، وَذَلِكَ خُمْسُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ، وَادْفَعْ وَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَذَلِكَ عِشْرُونَ سَهْمًا: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَهُوَ خُمْسُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ فَبَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لَا وَصِيَّةَ فِيهَا فَيَدْفَعُ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَكْمُلُ لَهُمْ الثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ قَدْ أَخَذَ مِنْ الْأَلْفَيْنِ أَرْبَعمِائَةِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ نِصْفُهُ، وَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الدَّرَاهِم، وَذَلِكَ خُمْسُهَا؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا الْأَلْفَيْنِ عَلَى عِشْرِينَ سَهْمًا، وَأَرْبَعَةٌ مِنْ عِشْرِينَ خُمْسُهَا، وَحَصَلَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ سَهْمٌ، وَذَلِكَ خُمْسُ الْعَبْدِ، وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ عِشْرُونَ سَهْمًا، وَهِيَ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ خُمُسَاهُ، هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-.
(وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِهِمَا فَيُقْسَمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ، فَصَاحِبُ الْعَبْدِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ ثُلُثِهِ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ سَهْمًا، فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَصَاحِبُ الْعَبْدِ يَضْرِبُ بِالْجَمِيعِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ، وَذَلِكَ سَهْمٌ فَصَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَإِذَا صَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ مَعَ الْعَوْل صَارَ كُلُّ أَلْفٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ بِغَيْرِ عَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْعَوْلِ فِي الْأَلْفِ فَصَارَتْ الْأَلْفَانِ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُهَا، وَذَلِكَ سَهْمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ وَصِيَّتَهُمَا سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ كُلُّهَا فِي الْعَبْدِ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ فِي الدَّرَاهِم، وَسَهْمٌ فِي الْعَبْدِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ ثُلُثَ الْمَالِ وَاجْعَلْ الْعَبْدَ ثُلُثَ الْمَالِ، وَاجْعَلْ الْعَبْدَ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَادْفَعْ إلَيْهِمَا وَصِيَّتَهُمَا مِنْ الْعَبْدِ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ بَقِيَ سَهْمَانِ فَاضِلَانِ لَا وَصِيَّةَ فِيهِمَا فَادْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُمْ الثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ قَدْ أَخَذَ سَهْمَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِم، وَانْتَقَصَ نَصِيبُ الْوَرَثَةِ مِنْ الدَّرَاهِم، فَيَدْفَعُ سَهْمَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ إلَيْهِمْ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُمْ الثُّلُثَانِ، وَقَدْ جَعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ، وَهُوَ الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ فَالثُّلُثَانِ يَكُونَانِ اثْنَيْ عَشَرَ، فَادْفَعْ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ سَهْمَيْنِ ثُمَّ ضُمَّ السَّهْمَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِمَا إلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُمْ الثُّلُثَانِ فَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَسَهْمَانِ مِنْ الْعَبْدِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَذَلِكَ نِصْفُ الْعَبْدِ، كُلُّهُ فِي الْعَبْدِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ فِي الْعَبْدِ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْعَبْدِ، وَسُدُسُ الْأَلْفَيْنِ، وَهُمَا سَهْمَانِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ قِيمَتُهُمَا وَاحِدَةٌ لَا مَال لَهُ غَيْرُهُمَا فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَلِآخَر بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنهمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُنَازَعَةِ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعِنْدَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ إلَّا فِي مَوَاضِع الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْقِسْمَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة- رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ: وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ، وَالثُّلُثَانِ يُسَلَّمَانِ لِصَاحِبِ الْجَمِيع بِلَا مُنَازَعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ صَاحِبُ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالثُّلُثُ، وَهُوَ سَهْمٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ سَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَنَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَصِيرُ سِتَّةً قُلْنَا: السِّتَّةُ تُسَلَّمُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَالثُّلُثُ، وَهُوَ سَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ فَصَارَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ فَلَمَّا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ صَارَ الْعَبْدُ الْآخَرُ عَلَى سِتَّةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَصَارَ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ، وَسَهْمٌ فِي الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ وَصِيَّةٌ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ جَمِيع الْمَالِ اثْنَا عَشَرَ فَثُلُثُهَا أَرْبَعَةٌ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى--: أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَنَطْرَحُ مِنْ وَصِيَّتِهِ سَهْمًا فَتَصِيرُ وَصِيَّتُهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَوَصِيَّةُ الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَمَالُهُ عَبْدَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ عَلَى عَشَرَةٍ، وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَبْدٍ مِقْدَارُ نِصْفِ الْمَالِ فَيَدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّتَهُمَا فِيهِ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِمَا بِوَصِيَّةِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدِ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ سَهْمٌ وَاحِد فِي الْعَبْدِ، فَيَدْفَع ذَلِكَ إلَيْهِ فَبَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَنِصْفٌ فَادْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ سَهْمَانِ، وَيَدْفَعُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَيَبْقَى مِنْ هَذَا الْعَبْدِ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ يَدْفَعُ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَتْ كُلُّهَا سَبْعَةَ أَسْهُمٍ، وَهِيَ ثُلُثُ الْمَالِ، فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ مِنْهُمَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمَانِ، وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ، وَمِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ ثُلُثَا الْمَالِ فَاسْتَقَامَ الْحِسَابُ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: فَيُقْسَمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَنَقُولُ: اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ: وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ، وَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِالْجَمِيعِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَضْرِب بِثُلُثِهِ، وَهُوَ سَهْمٌ فَصَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَهُوَ مَعْنَى الْعَوْلِ فَلَمَّا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ بِالْعَوْلِ يُجْعَلُ الْعَبْدُ الْآخَرُ عَلَى ثَلَاثَةٍ بِغَيْرِ عَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْعَوْلِ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ فَسَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَصَارَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ: سَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ، وَسَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ، وَالْجَمِيعُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَالَهُ عَبْدَانِ فَيَصِيرُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى سَبْعَةٍ، وَنِصْفٍ فَيَدْفَعُ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الْعَبْدِ مِنْ الْعَبْدِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ سَهْمٌ يَبْقَى مِنْ هَذَا الْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ فَيُدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَيُدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ سَهْمٌ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَبْقَى سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَنِصْفٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَسِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَنِصْفٌ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ فَاسْتَقَامَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ.