فصل: فَصْلٌ: ثُبُوتُ النَّسَبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: وَقْتُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ:

وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِهِ، فَوَقْتُ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ وَبِالْخِيَارِ، وَأَهْلِيَّةُ الِاخْتِيَارِ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي تَعْلَمُ فِيهِ بِالْعِتْقِ، وَبِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا، وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ أَوْ عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، فَلَمْ تَخْتَرْ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا وَلَهَا بِمَجْلِسِ الْعِلْمِ إذَا عَلِمَتْ بِهِمَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْخِيَارِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهَا، وَهِيَ صَغِيرَةٌ، فَلَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ إذَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهَا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ، وَلَيْسَ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وُجِدَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَلَوْ تَزَوَّجَتْ مُكَاتَبَةٌ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، فَأُعْتِقَتْ، فَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا خِيَارَ لَهَا (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ لَهَا، وَالْمَهْرُ مُسَلَّمٌ لَهَا.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيَّرَ بَرِيرَةَ، وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً»؛ وَلِأَنَّ عِلَّةَ النَّصِّ عَامَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَكَذَا الْمِلْكُ يَزْدَادُ عَلَيْهَا كَمَا يَزْدَادُ عَلَى الْقِنَّةِ.

.فَصْلٌ: وَأَمَّا مَا يَبْطُلُ بِهِ:

فَهَذَا الْخِيَارُ يَبْطُلُ بِالْإِبْطَالِ نَصًّا، وَدَلَالَةً مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي خِيَارِ الْإِدْرَاكِ، وَيَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ بَلْ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِرِضَاهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّ بِالْعِتْقِ ازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا، فَتَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ، ولابد لِلتَّأَمُّلِ مِنْ زَمَانٍ، فَقُدِّرَ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ.
وَخِيَارُ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ مِنْ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّ بِالْبُلُوغِ مَا ازْدَادَ الْمِلْكُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأَمُّلِ، فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا لِلتَّأَمُّلِ، فَكَانَ دَلِيلَ الرِّضَا، وَفِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ثَبْتُ الْمَجْلِسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غَيْرُ مَعْقُولٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا ازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا جَعَلَهَا الْعَقْدُ السَّابِقُ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ النِّكَاحِ، فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا حَتَّى وَقْتِ الْفُرْقَةِ كَانَتْ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا تَفْتَقِرُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ، وَأَمَّا بَقَاءُ الزَّوْجِ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ، فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ لَازِمًا حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ، وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ، وَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِإِيفَاءِ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ، وَالنَّفَقَةِ، فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ، وَهُوَ التَّفْرِيقُ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَقَدْ فَاتَ الْعِوَضُ بِالْعَجْزِ، فَلَا يَبْقَى النِّكَاحُ لَازِمًا كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ مَعِيبًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فَوَاتَ الْعِوَضِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ لَازِمًا، فَكَذَا، فَوَاتُ الْمُعَوَّضِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ.
(وَلَنَا) أَنَّ التَّفْرِيقَ إبْطَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَهَذَا فِي الضَّرَرِ، فَوْقَ ضَرَرِ الْمَرْأَةِ بِعَجْزِ الزَّوْجِ عَنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ الْفَرْضَ، وَيَأْمُرُهَا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ، وَبِالِاسْتِدَانَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَى وَقْتِ الْيَسَارِ، فَتَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْ إذَا أَيْسَرَ الزَّوْجُ، فَيَتَأَخَّرُ حَقُّهَا إلَى يَسَارِ الزَّوْجِ وَلَا يَبْطُلُ، وَضَرَرُ الْإِبْطَالِ فَوْقَ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ بِخِلَافِ التَّفْرِيقِ بِالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ؛ وَلِأَنَّ هُنَاكَ الضَّرَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا ضَرَرُ إبْطَالِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ يَفُوتُ عَنْ الْوَطْءِ، وَضَرَرُهَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ كَثِيرُ ضَرَرٍ لِعَجْزِهِ عَنْ الْوَطْءِ.
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَإِنَّهَا مَحَلٌّ صَالِحٌ لِلْوَطْءِ، فَلَا يُمْكِنُهَا اسْتِيفَاءُ حَظِّهَا مِنْ هَذَا الزَّوْجِ، وَلَا مِنْ زَوْجٍ آخَرَ لِمَكَانِ هَذَا الزَّوْجِ، فَكَانَ الرُّجْحَانُ لِضَرَرِهَا، فَكَانَ أَوْلَى بِالدَّفْعِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، فَقَدْ قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ أَنْ يُرَاجِعَهَا عَلَى قَصْدِ الْإِمْسَاكِ، وَالتَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ هُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مَعَ مَا أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}، فَالْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ عَنْ النَّفَقَةِ بِالْتِزَامِ النَّفَقَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ إذَا كَانَ قَادِرًا، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالتَّطْلِيقِ مَعَ إيفَاءِ حَقِّهَا فِي نَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ نَفَقَةِ الْحَالِ، فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ التَّسْرِيحِ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّفْرِيقَ بِإِبْطَالِ النِّكَاحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّفْرِيقَ، وَالتَّبْعِيدَ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ، وَهُوَ تَخْلِيَةُ السَّبِيلِ، وَإِزَالَةُ الْيَدِ إذْ حَقِيقَةُ التَّسْرِيحِ هِيَ التَّخْلِيَةُ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِإِزَالَةِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ، وَعِنْدَنَا لَا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةُ الْحَبْسِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ النَّفَقَةُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ فَمَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْعِوَضَ مَا يَكُونُ مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ نَصًّا، وَالنَّفَقَةُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، فَلَا تَكُونُ عِوَضًا بَلْ هِيَ بِمُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ.
وَعِنْدَنَا وِلَايَةُ الِاحْتِبَاسِ تَزُولُ عِنْدَ الْعَجْزِ، ثُمَّ إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِوَضٌ لَكِنَّ بَقَاءَ الْمُعَوَّضِ مُسْتَحِقًّا يَقِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ فِي الْجُمْلَةِ لَا عَلَى وُصُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ، وَالنَّفَقَةُ هاهنا مُسْتَحَقَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ إلَيْهَا لِلْحَالِ، فَيَبْقَى الْعِوَضُ حَقًّا لِلزَّوْجِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ حُكْمِ النِّكَاحِ:

وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ النِّكَاحِ، فَنَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي الْأَصْلِ أَحَدِهِمَا: فِي بَيَانِ حُكْمِ النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ مَا يَرْفَعُ حُكْمَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ، فَالنِّكَاحُ لَا يَخْلُو (إمَّا) أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا، وَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ (أَمَّا).
النِّكَاحُ الصَّحِيحُ، فَلَهُ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ، وَبَعْضُهَا مِنْ التَّوَابِعِ، أَمَّا الْأَصْلِيَّةُ مِنْهَا، فَحِلُّ الْوَطْءِ إلَّا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَفِي الظِّهَارِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} نَفَى اللَّوْمَ عَمَّنْ لَا يَحْفَظُ فَرْجَهُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَدَلَّ عَلَى حِلِّ الْوَطْءِ إلَّا أَنَّ الْوَطْءَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ خُصَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، وَالنِّفَاسُ أَخُو الْحَيْضِ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}.
وَالْإِنْسَانُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي حَرْثِهِ مَعَ مَا أَنَّهُ قَدْ أَبَاحَ إتْيَانَ الْحَرْثِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ شَيْئًا اتَّخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ»، وَكَلِمَةُ اللَّهِ الْمَذْكُورَةُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ لَفْظَةُ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ بِلَفْظَةِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَغَيْرِهِمَا فِي مَعْنَاهُمَا، فَكَانَ الْحِلُّ ثَابِتًا؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ ضَمٌّ وَتَزْوِيجٌ لُغَةً، فَيَقْتَضِي الِانْضِمَامَ، وَالِازْدِوَاجَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِحِلِّ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ كَمَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا، فَزَوْجُهَا يَحِلُّ لَهَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُطَالِبَهَا بِالْوَطْءِ مَتَى شَاءَ إلَّا عِنْدَ اعْتِرَاضِ أَسْبَابٍ مَانِعَةٍ مِنْ الْوَطْءِ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالظِّهَارِ وَالْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تُطَالِبَ زَوْجَهَا بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ حِلَّهُ لَهَا حَقُّهَا كَمَا أَنَّ حِلَّهَا لَهُ حَقُّهُ، وَإِذَا طَالَبَتْهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ.

.فَصْلٌ: ما يحلُّ للزوج من زوجته:

وَمِنْهَا حِلُّ النَّظَرِ، وَالْمَسِّ مِنْ رَأْسِهَا إلَى قَدَمَيْهَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ، فَوْقَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ، فَكَانَ إحْلَالُهُ إحْلَالًا لِلْمَسِّ، وَالنَّظَرُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَلْ يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؟ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسُّ وَالنَّظَرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

.فَصْلٌ: مِلْكُ الْمُتْعَةِ:

وَمِنْهَا مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ اخْتِصَاصُ الزَّوْجِ بِمَنَافِعِ بُضْعِهَا وَسَائِرِ أَعْضَائِهَا اسْتِمْتَاعًا أَوْ مِلْكُ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ فِي حَقِّ التَّمَتُّعِ عَلَى اخْتِلَافِ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاخْتِصَاصُ الْحَاجِزُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِزَوْجٍ آخَرَ لَا يَحْصُلُ السَّكَنُ؛ لِأَنَّ قَلْبَ الزَّوْجِ لَا يَطْمَئِنُّ إلَيْهَا، وَنَفْسَهُ لَا تَسْكُنُ مَعَهَا، وَيَفْسُدُ الْفِرَاشُ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ لَازِمٌ فِي النِّكَاحِ، وَأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَيَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْمِلْكِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا الْحُكْمُ عَلَى الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمَهْرِ، وَالْمَهْرُ عَلَى الرَّجُلِ، وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أَنَّ الدَّرَجَةَ هِيَ الْمِلْكُ.

.فَصْلٌ: مِلْكُ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ:

وَمِنْهَا مِلْكُ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ، وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ}، وَالْأَمْرُ بِالْإِسْكَانِ نَهْيٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَالْإِخْرَاجِ إذْ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ}؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ لَاخْتَلَّ السَّكَنُ وَالنَّسَبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيبُ الزَّوْجَ، وَيَحْمِلُهُ عَلَى نَفْيِ النَّسَبِ.

.فَصْلٌ: وُجُوبُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ:

وَمِنْهَا، وُجُوبُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ، وَأَنَّهُ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا لَا وُجُودَ لَهُ بِدُونِهِ شَرْعًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ إحْدَاثِ الْمِلْكِ عَلَى مَا مَرَّ، وَثُبُوتُ الْعِوَضِ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْمُعَوَّضِ.

.فَصْلٌ: ثُبُوتُ النَّسَبِ:

وَمِنْهَا ثُبُوتُ النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً لَكِنَّ سَبَبَهُ الظَّاهِرَ هُوَ النِّكَاحُ لِكَوْنِ الدُّخُولِ أَمْرًا بَاطِنًا، فَيُقَامُ النِّكَاحُ مَقَامَهُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمَشْرِقِيُّ بِمَغْرِبِيَّةٍ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ حَقِيقَةً لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ النِّكَاحُ.

.فَصْلٌ: وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى:

وَمِنْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}، وَقَوْلِهِ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}، وَالْأَمْرُ بِالْإِسْكَانِ أَمْرٌ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ لِلْكَسْبِ لِكَوْنِهَا عَاجِزَةً بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لِضَعْفِ بِنْيَتِهَا وَالْكَلَامُ فِي سَبَبِ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا، وَمِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْهَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النَّفَقَةِ.

.فَصْلٌ: حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ:

وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَهِيَ حُرْمَةُ أَنْكِحَةِ فِرَقٍ مَعْلُومَةٍ ذَكَرْنَاهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرْنَا دَلِيلَ الْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِهَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ، وَقَدْ بَيَّنَّا جُمْلَةَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهَا.

.فَصْلٌ: الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا:

وَمِنْهَا الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}.

.فَصْلٌ: وُجُوبُ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي حُقُوقِهِنَّ:

وَمِنْهَا، وُجُوبُ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي حُقُوقِهِنَّ.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ امْرَأَةٍ، فَعَلَيْهِ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ فِي حُقُوقِهِنَّ مِنْ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ أَوْ أَمَتَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَالسُّكْنَى وَالْبَيْتُوتَةِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} عَقِيبَ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} أَيْ: إنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ فِي نِكَاحِ الْمَثْنَى، وَالثَّلَاثِ، وَالرُّبَاعِ، فَوَاحِدَةً نَدَبَ سُبْحَانَهُ وَتُعَالَى إلَى نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ تَرْكِ الْعَدْلِ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا يُخَافُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، فَدَلَّ أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ وَاجِبٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي آخِرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَعُولُوا} أَيْ: تَجُورُوا، وَالْجَوْرُ حَرَامٌ، فَكَانَ الْعَدْلُ وَاجِبًا ضَرُورَةً؛ وَلِأَنَّ الْعَدْلَ مَأْمُورٌ بِهِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} عَلَى الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ إلَّا مَا خُصَّ أَوْ قُيِّدَ بِدَلِيلٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقِسْمَةِ، وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ أَنْتَ، وَلَا أَمْلِكُ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَشِقُّهُ مَائِلٌ»، وَيَسْتَوِي فِي الْقَسْمِ الْبِكْرُ، وَالثَّيِّبُ وَالشَّابَّةُ وَالْعَجُوزُ، وَالْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْقَسْمِ، وَهُوَ النِّكَاحُ، فَيَسْتَوِيَانِ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ، وَلَا قَسْمَ لِلْمَمْلُوكَاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْ: لَا لَيْلَةَ لَهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَصَرَ الْإِبَاحَةَ فِي النِّكَاحِ عَلَى عَدَدٍ لِتَحَقُّقِ الْجَوْرِ فِي الزِّيَادَةِ، ثُمَّ نَدَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ فِي الزِّيَادَةِ، وَأَبَاحَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ الْجَوْرِ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ قَسْمٌ إذْ لَوْ كَانَ لَكَانَ فِيهِ خَوْفُ الْجَوْرِ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ النِّكَاحُ، وَلَمْ يُوجَدْ.
وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً، وَالْأُخْرَى أَمَةً، فَلِلْحُرَّةِ يَوْمَانِ، وَلِلْأَمَةِ يَوْمٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِلْحُرَّةِ ثُلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ، وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ»؛ وَلِأَنَّهُمَا مَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ النِّكَاحُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بَعْدَ نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَلَا مَعَ نِكَاحِهَا.
وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَلَمْ يَتَسَاوَيَا فِي السَّبَبِ، فَلَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ الْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابِيَّةَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْمُسْلِمَةِ وَبَعْدَهَا، وَمَعَهَا.
وَكَذَا لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، فَتَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ، فَيَتَسَاوَيَانِ فِي الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تُنْبِئُ عَنْ الْكَمَالِ، وَالرِّقُّ يُشْعِرُ بِنُقْصَانِ الْحَالِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ فِي الشَّرْعِ فِي الْمَالِكِيَّةِ وَحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَالْعِدَّةِ وَالْحَدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَا فِي الْقَسْمِ، وَهَذَا التَّفَاوُتُ فِي السُّكْنَى، وَالْبَيْتُوتَةِ يَسْكُنُ عِنْدَ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ.
وَعِنْدَ الْأَمَةِ لَيْلَةً.
فَأَمَّا فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَالْمَلْبُوسِ، فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَاتِ اللَّازِمَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالْمَرِيضُ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ كَالصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا»، فَلَوْ سَقَطَ الْقَسْمُ بِالْمَرَضِ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِئْذَانِ مَعْنًى، وَلَا قَسْمَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا سَافَرَ حَتَّى لَوْ سَافَرَ بِإِحْدَاهُمَا، وَقَدِمَ مِنْ السَّفَرِ، وَطَلَبَتْ الْأُخْرَى أَنْ يَسْكُنَ عِنْدَهَا مُدَّةَ السَّفَرِ، فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ السَّفَرِ ضَائِعَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ دُونَهُنَّ لَكِنْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَيَخْرُجُ بِمِنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ دَفْعًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ، فَكَذَلِكَ.
فَأَمَّا إذَا سَافَرَ بِهَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُ لِلْبَاقِيَاتِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ بِالْقُرْعَةِ لَا يُعْرَفُ أَنَّ لَهَا حَقًّا فِي حَالَةِ السَّفَرِ أَوْ لَا، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِإِظْهَارِ الْحَقِّ أَبَدًا لِاخْتِلَافِ عَمَلِهَا فِي نَفْسِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ بَلْ مَرَّةٌ هَكَذَا، وَمَرَّةٌ هَكَذَا، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ.
وَلَوْ وَهَبَتْ إحْدَاهُمَا قَسْمَهَا لِصَاحِبَتِهَا أَوْ رَضِيَتْ بِتَرْكِ قَسْمِهَا؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهَا، فَلَهَا أَنْ تَسْتَوْفِيَ، وَلَهَا أَنْ تَتْرُكَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا كَبُرَتْ، وَخَشِيَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَقِيلَ فِيهَا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}، وَالْمُرَادُ مِنْ الصُّلْحِ هُوَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَطَلَبَتْ قَسْمَهَا، فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ إبَاحَةً مِنْهَا، وَالْإِبَاحَةُ لَا تَكُونُ لَازِمَةً كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُبِيحُ مَنْعَهُ، وَالرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ بَذَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مَالًا لِلزَّوْجِ؛ لِيَجْعَلَ لَهَا فِي الْقَسْمِ أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَفْعَلَ، وَيَرُدَّ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ لِمَنْعِ الْحَقِّ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَذَلَ الزَّوْجُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَالًا لِتَجْعَلَ نَوْبَتَهَا لِصَاحِبَتِهَا أَوْ بَذَلَتْ هِيَ لِصَاحِبَتِهَا مَالًا لِتَتْرُكَ نَوْبَتَهَا لَهَا لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَيُسْتَرَدُّ الْمَالُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُعَاوَضَةُ الْقَسْمِ بِالْمَالِ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَذَا هَذَا، هَذَا إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
فَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَطَالَبَتْهُ بِالْوَاجِبِ لَهَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَشَاغَلَ الرَّجُلُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِالصِّيَامِ أَوْ بِالصَّلَاةِ أَوْ بِأَمَةٍ اشْتَرَاهَا قَسَمَ لِامْرَأَتِهِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ لَيْلَةً، وَقِيلَ لَهُ تَشَاغَلْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَثَلَاثَ لَيَالٍ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالْأَمَةِ، وَهَكَذَا كَانَ الطَّحَاوِيُّ يَقُولُ: إنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا يَوْمًا وَاحِدًا يَسْكُنُ عِنْدَهَا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ، وَأَشْغَالِهِ (وَجْهُ) هَذَا الْقَوْلِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ زَوْجَهَا إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرَتْ أَنَّهُ يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فَقَالَ: عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَحْسَنَكِ ثَنَاءً عَلَى بَعْلِكِ، فَقَالَ: كَعْبٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهَا تَشْكُو إلَيْكَ زَوْجَهَا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: كَعْبٌ إنَّهُ إذَا صَامَ النَّهَارَ، وَقَامَ اللَّيْلَ، فَكَيْفَ يَتَفَرَّغُ لَهَا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِكَعْبٍ اُحْكُمْ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: أَرَاهَا إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ يُفْطِرُ لَهَا يَوْمًا، وَيَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهَذَا الْقَوْلِ.
وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبَنَا؛ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ فِي الْقَسْمِ إنَّمَا تَحْصُلُ بِمُشَارَكَاتِ الزَّوْجَاتِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرُهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُشَارَكَةُ، فَلَا يَقْسِمُ لَهَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ لَا تُدَاوِمْ عَلَى الصَّوْمِ، وَوَفِّ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا كَذَا قَالَهُ الْجَصَّاصُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: أَوَّلًا كَمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ كَعْبٌ، وَهُوَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهَا عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا أُخَرَ سِوَاهَا، فَلَمَّا لَمْ يَتَزَوَّجْ، فَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَاءَ؛ صَرَفَ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجَاتِ، وَإِنْ شَاءَ؛ صَرَفَهُ إلَى صِيَامِهِ، وَصَلَاتِهِ، وَأَشْغَالِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا، فَطَالَبْنَ بِالْوَاجِبِ مِنْهُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَيْلَةٌ مِنْ الْأَرْبَعِ، فَلَوْ جَعَلْنَا هَذَا حَقًّا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَا يَتَفَرَّغُ لِأَعْمَالِهِ، فَلَمْ يُوَقِّتْ فِي هَذَا وَقْتًا.
وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً؛ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَخِيرًا إنْ صَحَّ الرُّجُوعُ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ لَهَا كَمَا يَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَعَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ يَجْعَلُ لَهَا لَيْلَةً مِنْ كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ حَقَّ إسْقَاطِ حَقِّهَا عَنْ سِتَّةِ أَيَّام، وَالِاقْتِصَارَ عَلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ؛ لِأَنَّ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ، وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً وَاحِدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَتَزَوَّجْ، فَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَكَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ؛ صَرَفَ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجَاتِ، وَإِنْ شَاءَ؛ صَرَفَهُ إلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَإِلَى أَشْغَالِ نَفْسِهِ، وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ أَيْضًا، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ.