فصل: فَصْلٌ: شَرَائِطُ الرُّكْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: رُكْنُ الْوَصِيَّةِ:

وَأَمَّا رُكْنُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ- رَحِمَهُمُ اللَّهُ-: هُوَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ فَمَا لَمْ يُوجَدَا جَمِيعًا لَا يَتِمُّ الرُّكْنُ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: رُكْنُ الْوَصِيَّةِ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي، وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ رَدِّهِ، وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا نَذْكُرُ.
وَقَالَ زُفَرُ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: الرُّكْنُ هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي فَقَطْ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِلْكَيْنِ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ مِلْكُ الْوَارِثِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولِهِ.
وَكَذَا مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ.
(وَلَنَا): قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى} فَظَاهِرُهُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ شَيْءٌ بِدُونِ سَعْيِهِ فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ سَعْيِهِ، وَهَذَا مَنْفِيٌّ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرُ الْمِنَّةِ؛ وَلِهَذَا تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى قَبُولِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُوصَى بِهِ قَدْ يَكُونُ شَيْئًا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ، كَالْعَبْدِ الْأَعْمَى وَالزَّمِنِ، وَالْمُقْعَدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ: أَرَيْتَ لَوْ أَوْصَى بِعَبِيدٍ عُمْيَانَ أَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ شَاءَ، أَوْ أَبَى، وَتَلْحَقُهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْهُمْ نَفْعٌ فَلَوْ لِزَمَهِ الْمِلْكُ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ لَلَحِقَهُ الضَّرَرُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ وَإِلْزَامِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ إذْ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ إلْزَامِ الضَّرَرِ، فَلَا يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ مِلْكِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَاكَ بِإِلْزَامِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ، وَهُوَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَمْ يَقِفْ عَلَى الْقَبُولِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَلْزَمُ بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبَلْ، أَوْ يَمُتْ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ بِدُونِ الْقَبُولِ، أَوْ بِدُونِ عَدَمِ الرَّدِّ، وَوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ مِنْهُ، وَلَا وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الرَّدِّ مَا دَامَ حَيًّا فَلَا يُعْتَقُ.
وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ صَارَ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ: أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ وَيَكُونَ لِوَرَثَتِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءُوا قَبِلُوا، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا (وَجْهُ) الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَبُولَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْعَقْدِ، وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ، فَيَبْطُلُ الرُّكْنُ الْآخَرُ كَمَا إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ، ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ، أَوْ أَوْجَبَ الْهِبَةَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، أَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا (وَجْهُ) الْقِيَاسِ الثَّانِي: أَنَّ الْمُوصَى لَهُ فِي حَيَاتِهِ كَانَ لَهُ الْقَبُولُ، وَالرَّدُّ فَإِذَا مَاتَ تَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ أَحَدَ الرُّكْنَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ هُوَ عَدَمُ الرَّدِّ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَلَى الرَّدِّ مِنْهُ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَتَمَّ الرُّكْنُ.
(وَأَمَّا) عَلَى عِبَارَةِ الْقَبُولِ فَنَقُولُ: إنَّ الْقَبُولَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ لَا يُشْتَرَطُ لَعَيْنِهِ بَلْ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ الرَّدِّ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِجَارِيَتِهِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّكَاحِ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيَّةَ، أَوْ يَمُوتُ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَإِذَا مَاتَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ، فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى مَاتَ، أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ، وَهُوَ يَطَؤُهَا بِالنِّكَاحِ حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا، ثُمَّ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ، فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَأَوْلَادُهَا أَحْرَارٌ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ فَلَا تَكُونُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ شَرْطٌ، فَإِنْ قَبِلَ، فَقَدْ صَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقَبُولِ، وَمَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ، ثُمَّ مَلَكَهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَأَوْلَادُهَا أَحْرَارٌ إنْ كَانُوا يُخْرَجُونَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْقَبُولِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ فِي الْجَارِيَةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَنَّ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَهُوَ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ كَذَا هاهنا وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي يُحْكَمُ بِفَسَادِ النِّكَاحِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَوْلَادَ وُلِدُوا عَلَى فِرَاشِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَدَخَلُوا تَحْتَ الْوَصِيَّةِ فَيَمْلِكُهُمْ بِالْقَبُولِ فَيُعْتَقُونَ إذَا كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مِلْكًا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، وَالْأَوْلَادُ أَرِقَّاءُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعَ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ، وَالْحُرِّيَّةِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلَيْنِ وَمَاتَ الْمُوصِي فَرَدَّ أَحَدُهُمَا وَقَبِلَ الْآخَرُ الْوَصِيَّةَ كَانَ لِلْآخَرِ حِصَّتُهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثُّلُثَ إلَيْهِمَا، وَقَدْ صَحَّتْ الْإِضَافَةُ فَانْصَرَفَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ فَإِذَا رَدَّ أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ ارْتَدَّ فِي نِصْفِهِ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي قَبِلَ كَمَنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ لِرَجُلَيْنِ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا إقْرَارَهُ ارْتَدَّ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً، وَكَانَ لَلْآخَرِ نِصْفُ الْإِقْرَارِ كَذَا هَاهُنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِهَذَا، وَالثُّلُثِ لِهَذَا فَرَدَّ أَحَدُهُمَا وَقَبِلَ الْآخَرُ أَنَّ كُلَّ الثُّلُثِ لِلَّذِي قَبِلَ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَبِلَ صَاحِبُهُ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِضَرُورَةِ الْمُزَاحَمَةِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَإِذَا رَدَّ أَحَدُهُمَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ فَكَانَ جَمِيعُ الثُّلُثِ لَهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ فِي عَقْدِ الْوَصِيَّةِ فَوَقْتُ الْقَبُولِ مَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا حُكْمَ لِلْقَبُولِ وَالرَّدِّ قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى لَوْ رَدَّ قَبْلَ الْمَوْتِ، ثُمَّ قَبِلَ بَعْدَهُ صَحَّ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَبُولُ أَوْ الرَّدُّ يُعْتَبَرُ، كَذَا الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ، وَالْجَوَابُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ السُّؤَالِ.
وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ أَوْ الرَّدُّ إذَا جَاءَ غَدٌ كَذَا هَذَا، فَإِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ يَقَعُ إيجَابًا بَعْدَ الْمَوْتِ يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّةُ اسْمٌ لِمَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي فِي مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَبِهِ تَنْفَصِلُ عَنْ الْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِيجَابَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَلَا تَرَى: أَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ بَطَلَ.
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ- فِي حَدِّ الْوَصِيَّةِ مَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي فِي مَالِهِ تَطَوُّعًا بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَوْلُهُ: مَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي فِي مَالِهِ تَطَوُّعًا بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَشْمَلُ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْوَصَايَا فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْوَصِيَّةَ بِالْقُرَبِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ: كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَكُنْ الْحَدُّ جَامِعًا.
وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي مَرَضِهِ حَدٌّ مُقَسَّمٌ وَأَنَّهُ فَاسِدٌ، وَكَذَا تَبَرُّعُ الْإِنْسَانِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مِنْ الْإِعْتَاقِ، وَالْهِبَةِ وَالْمُحَابَاةِ، وَالْكَفَالَةِ وَضَمَانِ الدَّرَكِ لَا يَكُونُ وَصِيَّةً حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مُنَجَّزٌ نَافِذٌ فِي الْحَالِ قَبْلَ الْمَوْتِ.
وَحُكْمُ الْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْمَرِيضِ وَصِيَّةً حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا تُعْتَبَرُ بِالْوَصَايَا فِي حَقِّ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ، فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً حَقِيقَةً فَلَا، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ رُبُعِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ قَدْرًا مِنْ مَالِهِ مُشَاعًا، أَوْ مُعَيَّنًا أَنَّ قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ مَالٍ هُوَ: مَالُهُ الَّذِي عِنْدَ الْمَوْتِ لَا مَا كَانَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، وَمَالُهُ يَوْمَ أَوْصَى ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَيَوْمَ مَاتَ ثَلَثُمِائَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ إلَّا مِائَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَوْمَ أَوْصَى، ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا، ثُمَّ مَاتَ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ يَوْمَ مَاتَ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَوْمَ أَوْصَى فَمَاتَ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ بَطَلَتْ، وَصِيَّتُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ؛ فَيَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ مَا كَانَ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ، وَيَصِيرُ الْمُضَافُ إلَى الْوَقْتِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ: لِفُلَانٍ ثُلُثُ مَالِي فَيُعْتَبَرُ مَا يَمْلِكُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا مَا قَبْلَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَقَالَ: إذَا أَوْصَى رَجُلٌ فَقَالَ: لِفُلَانٍ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي، أَوْ نَخْلَةٌ مِنْ نَخْلِي، أَوْ جَارِيَةٌ مِنْ جَوَارِيَّ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ غَنَمِي هَذِهِ، وَلَا مِنْ جَوَارِيَّ هَؤُلَاءِ، وَلَا مِنْ نَخْلِي هَذِهِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ فِي هَذَا تَقَعُ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا تَقَعُ يَوْمَ أَوْصَى حَتَّى لَوْ مَاتَتْ غَنَمُهُ تِلْكَ، أَوْ بَاعَهَا فَاشْتَرَى مَكَانَهَا أُخْرَى، أَوْ مَاتَتْ جَوَارِيهِ فَاشْتَرَى غَيْرَهُنَّ، أَوْ بَاعَ النَّخْلَ، وَاشْتَرَى غَيْرَهَا، فَإِنَّ لِلْمُوصَى لَهُ نَخْلَةً مِنْ نَخْلِهِ يَوْمَ يَمُوتُ.
وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ غَيْرَ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ مُضَافٌ إلَى الْمَوْتِ فَكَانَّهُ قَالَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ: لِفُلَانٍ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي فَيَسْتَحِقُّ شَاةً مِنْ الْمَوْجُودِ دُونَ مَا قَبْلَهُ قَالَ: فَإِنْ وَلَدَتْ الْغَنَمُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي، أَوْ وَلَدَتْ الْجَوَارِي قَبْلَ مَوْتِهِ، فَلَحِقَتْ الْأَوْلَادُ الْأُمَّهَاتِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَإِنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ إنْ شَاءُوا مِنْ الْأُمَّهَاتِ، وَإِنْ شَاءُوا مِنْ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ الْمُسْتَفَادُ بِالْوِلَادَةِ كَالْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ قَالَ فَإِنْ اخْتَارَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُعْطُوهُ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، وَلَهَا وَلَدٌ قَدْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنَّ وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا.
وَكَذَلِكَ صُوفُهَا، وَلَبَنُهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِشَاةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ لَكِنَّ التَّعْيِينَ مِنْ الْوَرَثَةِ يَكُونُ بَيَانًا أَنَّ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ، هِيَ مِنْ الْمُوصَى بِهَا كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِهَذِهِ الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً فَمَا حَدَثَ مِنْ نَمَائِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَ: فَأَمَّا مَا وَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اعْتِبَارُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَالْحَادِثُ قَبْلَ الْمَوْتِ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ الصُّوفُ الْمُنْفَصِلُ، وَاللَّبَنُ الْمُنْفَصِلُ قَبْلَ الْمَوْتِ لِمَا قُلْنَا، فَأَمَّا إنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ حَدَثَ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ عَنْهَا بِالتَّمْلِيكِ قَالَ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَتْ الْوَرَثَةُ لَبَنَ الشَّاةِ، أَوْ صُوفَهَا، وَقَدْ حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَعَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَهُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي هَذِهِ، أَوْ بِجَارِيَةٍ مِنْ جَوَارِيَّ هَؤُلَاءِ، أَوْ قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ لَهُ بِإِحْدَى جَارِيَتَيَّ هَاتَيْنِ فَهَذَا عَلَى هَذِهِ الْغَنَمِ، وَهَؤُلَاءِ الْجَوَارِي؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمُوصَى بِهِ، وَهُوَ الشَّاةُ مِنْ الْغَنَمِ الْمُشَارُ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ مَاتَتْ الْغَنَمُ، أَوْ بَاعَهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِهَذِهِ الشَّاةِ، أَوْ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهَلَكَتْ.
وَلَوْ وَلَدَتْ الْغَنَمُ أَوْ الْجَوَارِي فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي، ثُمَّ أَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ الْأَوْلَادِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ مُشَارٍ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ دَفَعَ الْوَرَثَةُ إلَيْهِ جَارِيَةً مِنْ الْجَوَارِي لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَكُنْ، وَجَبَتْ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا يُنْقَلُ بِالْمَوْتِ فَمَا حَدَثَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ، وَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْمَوْتِ فَحَدَثَ الْوَلَدُ عَلَى مِلْكِهِ قَالَ: فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ كُلُّهَا إلَّا وَاحِدَةً تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يُزَاحِمُهَا فِي تَعَلُّقِ الْوَصِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ ضَرُورَةُ انْتِفَاءِ الْمُزَاحِمِ، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ كُلُّهَا، وَقَدْ بَقِيَ لَهَا أَوْلَادٌ حَدَثَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ أُحْرِقَ النَّخْلُ، وَبَقِيَ لَهَا ثَمَرٌ حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَعَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ وَلَدَ جَارِيَةٍ، وَثَمَرَةَ نَخْلَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَا فَيَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ، فَإِذَا هَلَكَتْ الْأُمُّ بَقِيَ الْحَقُّ فِي الْوَلَدِ عَلَى حَالِهِ، وَلَا يَظْهَرُ فِيمَا حَدَثَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ- أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: شَرَائِطُ الرُّكْنِ:

وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوصِي، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوصَى لَهُ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوصَى بِهِ.

.الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ:

(أَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ: فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مُوَافِقًا لِلْإِيجَابِ، فَإِنْ خَالَفَ الْإِيجَابَ لَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَالَفَهُ لَمْ يَرْتَبِطْ فَبَقِيَ الْإِيجَابُ بِلَا قَبُولٍ فَلَا يَتِمُّ الرُّكْنُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ: أَوْصَيْتُ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لَكُمَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَرَدَّ الْآخَرُ لَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا جَمِيعًا فَكَانَ وَصِيَّةً لِكُلِّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ.
وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَهُمَا لَوْ قَبِلَا فَإِذَا رَدَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَهُوَ قَبُولُهُمَا جَمِيعًا، فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ أَوْصَى بِهَا لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِآخَرَ، فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَرَدَّ الْآخَرُ فَالنِّصْفُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَالنِّصْفُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِيَالِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْقَبُولِ، فَإِذَا رَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ يَتِمَّ الرُّكْنُ فِي حَقِّهِ، بَلْ بَطَلَ الْإِيجَابُ فِي حَقِّهِ فَعَادَ نَصِيبُهُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي فَصَحَّ الْقَبُولُ مِنْ الْآخَرِ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْوَصِيَّةِ كَالشَّفِيعَيْنِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا الشُّفْعَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ الْآخَرِ.

.الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُوصِي:

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُوصِي فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِذَلِكَ تَبَرُّعٌ بِإِيجَابِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فلابد مِنْ أَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ لِكَوْنِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ إذْ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ دُنْيَوِيٌّ، وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي الْقُرَبِ صَحِيحَةٌ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَازَ، وَصِيَّةَ غُلَامٍ يَافِعٍ، وَهُوَ الَّذِي قَرُبَ إدْرَاكُهُ؛ وَلِأَنَّ فِي وَصِيَّتِهِ نَظَرًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لَزَالَ مِلْكُهُ إلَى الْوَارِثِ مِنْ غَيْرِ ثَوَابٍ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ جَبْرًا شَاءَ، أَوْ أَبَى فَكَانَ هَذَا تَصَرُّفًا نَافِعًا فِي حَقِّهِ فَأَشْبَهَ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ، وَصَوْمَ التَّطَوُّعِ، وَالْجَوَابُ إمَّا إجَازَةُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ وَصِيَّةَ ذَلِكَ الصَّبِيِّ كَانَتْ لِتَجْهِيزِهِ، وَتَكْفِينِهِ، وَدَفْنِهِ.
وَوَصِيَّةُ الصَّبِيِّ فِي مِثْلِهِ جَائِزَةٌ- عِنْدَنَا- لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ.
(وَأَمَّا) قَوْلُهُ: يَحْصُلُ لَهُ عِوَضٌ، وَهُوَ الثَّوَابُ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ، فَلَا يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ كَالصَّدَقَةِ مَعَ مَا أَنَّ هَذَا فِي حَدِّ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُثَابُ عَلَى الْوَصِيَّةِ يُثَابُ عَلَى التَّرْكِ لِلْوَارِثِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى فِي بَعْضِ الْأَمْوَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَسَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ، أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا، وَقَعَتْ بَاطِلَةً، فَلَا تَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْإِدْرَاكِ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مَحْجُورًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ إذْ التِّجَارَةُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَلَوْ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ بِأَنْ قَالَ: إذَا أَدْرَكْتُ، ثُمَّ مِتُّ فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَمْ تَقَعْ صَحِيحَةً، فَلَا تُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، وَلَوْ أَوْصَيَا، ثُمَّ أُعْتِقَا وَمَلَكَا مَالًا، ثُمَّ مَاتَا: لَمْ تَجُزْ لِوُقُوعِهَا بَاطِلَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ أَضَافَ أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ قَالَ: إذَا أُعْتِقْتُ، ثُمَّ مِتَّ فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ: صَحَّ فَرْقًا بَيْنَ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيِّ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ: أَنَّ عِبَارَةَ الصَّبِيِّ فِيمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ مُلْحَقَةٌ بِالْعَدَمِ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ فَلَمْ تَصِحَّ عِبَارَتُهُ مِنْ الْأَصْلِ، بَلْ بَطَلَتْ.
وَالْبَاطِلُ لَا حُكْمَ لَهُ بَلْ هُوَ ذَاهِبٌ مُتَلَاشٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، فَأَمَّا عِبَارَةُ الْعَبْدِ: فَصَحِيحَةٌ لِصُدُورِهَا عَنْ عَقْلٍ مُمَيِّزٍ إلَّا أَنَّ امْتِنَاعَ تَبَرُّعِهِ لَحِقَ الْمَوْلَى فَإِذَا عَتَقَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا رِضَا الْمُوصِي؛ لِأَنَّهَا إيجَابُ مِلْكٍ، أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِلْكِ فلابد فِيهِ مِنْ الرِّضَا كَإِيجَابِ الْمِلْكِ بِسَائِرِ الْأَشْيَاءِ فَلَا تَصِحُّ، وَصِيَّةُ الْهَازِلِ، وَالْمُكْرَهِ، وَالْخَاطِئِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ تُفَوِّتُ الرِّضَا.
وَأَمَّا إسْلَامُ الْمُوصِي فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ وَصِيَّتِهِ فَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الَّذِي بِالْمَالِ لِلْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ التَّمْلِيكِ أَلَا تَرَى: أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْكَافِرِ، وَهِبَتُهُ فَكَذَا وَصِيَّتُهُ وَكَذَا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا أَوْصَى لِلْمُسْلِمِ، أَوْ الذِّمِّيِّ يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دَخَلَ وَارِثُهُ مَعَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَقَفَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إجَازَةِ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ مُسْتَأْمَنًا الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، أَوْ أَلْزَمَهُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ لِإِمْكَانِ إجْرَاءِ الْإِحْكَامِ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِمَّنْ لَهُ وَارِثٌ تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ وَارِثِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا: تَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، كَمَا فِي الْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَكِنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ.
وَحَقُّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّهُ لَا عِصْمَةَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ فَلَأَنْ لَا يَكُونَ لِحَقِّهِمْ الَّذِي فِي مَالِ مُورِثِهِمْ عِصْمَةٌ أَوْلَى.
وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ أَوْصَى الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِوَصِيَّةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ، أَوْ صَارُوا ذِمَّةً، ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَيَّ فِي تِلْكَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا أَجَزْتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ اُسْتُهْلِكَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَبْطَلْتُهَا؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ مِنْ أَهْلِ التَّمْلِيكِ.
أَلَا يَرَى: أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ كَالْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ جَائِزَةً فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا وِلَايَةُ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَتَنْفِيذِهَا فِي دَارِهِمْ، فَإِذَا أَسْلَمُوا أَوْ صَارُوا ذِمَّةً قَدَرْنَا عَلَى التَّنْفِيذِ فَنُنَفِّذُهَا مَا دَامَ الْمُوصَى بِهِ قَائِمًا، فَأَمَّا إذَا صَارَ مُسْتَهْلَكًا أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ، وَأَلْحَقْنَاهَا بِالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا، أَوْ صَارُوا ذِمَّةً لَا يُؤَاخَذُونَ بِمَا اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
وَبِمَا اغْتَصَبَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ كَذَا هَذَا، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُوصِي دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْمِيرَاثِ لِقَوْلِهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وَ{يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وَ{يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَقَدْ «شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» أَشَارَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الذِّكْرِ لَا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ فِي الْحُكْمِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّكَ تَأْمُرُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْحَجِّ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تَقْرَءُونَ آيَةَ الدَّيْنِ، فَقَالُوا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ، فَقَالَ: وَبِمَاذَا تَبْدَءُونَ قَالُوا بِالدَّيْنِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ ذَاكَ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعُ وَالْوَاجِبُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ، وَمَعْنَى تَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ أَنَّهُ يُقْضَى الدَّيْنُ أَوَّلًا، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَأَمَّا) مَعْنَى تَقَدُّمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْمِيرَاثِ، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُخْرِجَ الثُّلُثَ، وَيُعْزَلُ عَنْ التَّرِكَةِ، وَيَبْدَأُ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُوصَى لَهُ، ثُمَّ يُدْفَعُ الثُّلُثَانِ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ تَكُونُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الثُّلُثِ شَيْئًا قَلَّ، أَوْ كَثُرَ إلَّا.
وَيَسْتَحِقُّ مِنْهُ الْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهِ، وَيَكُونُ فَرْضُهُمَا مَعًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُهْلَكُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ جَمِيعًا، وَلَا يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ كُلَّ الثُّلُثِ مِنْ الْبَاقِي بَلْ الْهَالِكُ يَهْلِكُ عَلَى الْحَقَّيْنِ وَالْبَاقِي يَبْقَى عَلَى الْحَقَّيْنِ، كَمَا إذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْ الْمَوَارِيثِ بَعْدَ الْوَصَايَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ يُسْتَوْفَى كُلُّ الدَّيْنِ مِنْ الْبَاقِي وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْسَبُ قَدْرُ الْوَصِيَّةِ مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ، أَوَّلًا؛ لِتَظْهَرَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ، كَمَا تُحْسَبُ سِهَامُ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، أَوَّلًا لِيَظْهَرَ الْفَاضِلُ لِلْعَصَبَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ} إلَى قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا} أَيْ سِوَى مَا لَكُمْ أَنْ تُوصُوهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْصَاكُمْ اللَّهُ بِكَذَا وَتَكُونُ بَعْدُ بِمَعْنَى سِوَى وَاَللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ أَعْلَمُ.