فصل: فَصْلٌ: شَرَائِطُ الْفَرْضِيَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: حَوَلَانُ الْحَوْلِ:

وَأَمَّا حَوَلَانُ الْحَوْلِ فَلَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ مِنْ شَرَائِطِ الْجَوَازِ فَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالْكَلَامُ فِي التَّعْجِيلِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ أَصْلِ الْجَوَازِ وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِهِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُعَجَّلِ إذَا لَمْ يَقَعْ زَكَاةً.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ أَدَاءُ الْوَاجِبِ، وَأَدَاءُ الْوَاجِبِ وَلَا وُجُوبَ لَا يَتَحَقَّقُ، وَلَا وُجُوبَ قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»، وَلَنَا مَا رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ الْعَبَّاسِ زَكَاةَ سَنَتَيْنِ» وَأَدْنَى دَرَجَاتِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَوَازُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ أَدَاءُ الْوَاجِبِ وَلَا وُجُوبَ قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعٌ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ بَلْ الْوُجُوبُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ كَامِلٍ نَامٍ أَوْ فَاضِلٍ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِحُصُولِ الْغِنَى بِهِ وَلِوُجُوبِ شُكْرِ نِعْمَةِ الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ تَوَسُّعًا وَتَأْخِيرِ الْأَدَاءِ إلَى مُدَّةِ الْحَوْلِ تَرْفِيهًا وَتَيْسِيرًا عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَإِذَا عُجِّلَ فَلَمْ يَتَرَفَّهْ فَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ لَكِنْ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ بِآخِرِ الْحَوْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ لَكِنْ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ وَهُوَ أَنْ يَجِبْ أَوَّلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِهِ لِاسْتِنَادِ سَبَبِهِ وَهُوَ كَوْنُ النِّصَابِ حَوْلِيًّا فَيَكُونُ التَّعْجِيلُ أَدَاءً بَعْدَ الْوُجُوبِ لَكِنْ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا فَيَقَعُ زَكَاةً الثَّانِي إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَكِنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مَوْجُودٌ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَيَجُوزُ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ قَبْلَ الْوُجُوبِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ كَأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَسَوَاءٌ عَجَّلَ عَنْ نِصَابٍ وَاحِدٍ، أَوْ اثْنَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَفِيدُهُ فِي السَّنَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ النِّصَابِ الْمَوْجُودِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ الْأَلْفِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا، أَوْ رَبِحَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى صَارَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَتَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ جَازَ عَنْ الْكُلِّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ الْمِائَتَيْنِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ التَّعْجِيلَ عَمَّا سِوَى الْمِائَتَيْنِ تَعْجِيلٌ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ مِلْكِ الْمِائَتَيْنِ، وَلَنَا أَنَّ مِلْكَ النِّصَابِ مَوْجُودٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَالْمُسْتَفَادُ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ كَالْمَوْجُودِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ عِنْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَالْمَوْجُودِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ لَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَتْ الْأَلْفُ كَأَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ لِيَصِيرَ مُؤَدِّيًا بَعْدَ وُجُودِ الْأَلْفِ تَقْدِيرًا فَجَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: شَرَائِطُ الْجَوَازِ:

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْجَوَازِ فَثَلَاثَةٌ: أَحَدُهُمَا كَمَالُ النِّصَابِ فِي أَوَّلَ الْحَوْلِ، وَالثَّانِي كَمَالُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ النِّصَابُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ عُجِّلَ وَلَهُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ ثُمَّ كَمُلَ فِي آخِرِهِ فَتَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ لَمْ يَكُنْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً بَلْ كَانَ تَطَوُّعًا.
وَكَذَا لَوْ عُجِّلَ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ ثُمَّ هَلَكَ نِصْفُهُ مَثَلًا فَتَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ غَيْرُ كَامِلٍ لَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَمَالُ النِّصَابِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ النِّصَابُ فَأَحَدُ الطَّرَفَيْنِ حَالَ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ حَالَ الْوُجُوبِ، أَوْ حَالَ تَأَكُّدِ الْوُجُوبِ بِالسَّبَبِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَالِ الِانْعِقَادِ وَلَا حَالِ الْوُجُوبِ إذْ تَأَكُّدُ الْوُجُوبِ بِالسَّبَبِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ عِنْدَهُ وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ كَمَالِ النِّصَابِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ حَرَجًا؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ يَحْتَاجُونَ إلَى النَّظَرِ فِي ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَكُلَّ سَاعَةٍ وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى وَلَا حَرَجَ فِي مُرَاعَاةِ الْكَمَالِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ وَكَذَلِكَ جَرَتْ عَادَةُ التُّجَّارِ بِتَعَرُّفِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَى ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إلَّا أَنَّهُ لابد مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ وَإِنْ قَلَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لِيُضَمَّ الْمُسْتَفَادُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ كُلُّهُ فَقَدْ انْقَطَعَ حُكْمُ الْحَوْلِ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً فَيَقَعُ تَطَوُّعًا.
وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَعَجَّلَ زَكَاتَهُ وَانْتَقَصَ النِّصَابُ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ لَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ وَيَقَعُ الْمُؤَدَّى تَطَوُّعًا وَلَا يُعْتَبَرُ الْمُعَجَّلُ فِي تَمَامِ النِّصَابِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْمَلُ النِّصَابُ بِمَا عُجِّلَ وَيَقَعُ زَكَاةً، وَصُورَتُهُ إذَا عَجَّلَ خَمْسَةً عَنْ مِائَتَيْنِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ، أَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ جَائِزٌ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُعَجَّلَ وَقَعَ زَكَاةً عَنْ كُلِّ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي إتْمَامِ النِّصَابِ وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى مَالٌ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ فَلَا يُكَمَّلُ بِهِ النِّصَابُ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْإِمَامِ.
وَلَوْ اسْتَفَادَ خَمْسَةً فِي آخِرِ الْحَوْلِ جَازَ التَّعْجِيلُ لِوُجُودِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ زَكَاتَهَا خَمْسَةً فَانْتَقَصَ النِّصَابُ ثُمَّ اسْتَفَادَ مَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ بَعْدَ الْحَوْلِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ الثَّانِي وَتَمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي وَالنِّصَابُ كَامِلٌ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِلْحَوْلِ الثَّانِي وَمَا عُجِّلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهُ عُجِّلَ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ لِنُقْصَانِ النِّصَابِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ خَمْسَةً مِنْهَا ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ وَدَخَلَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ نَاقِصٌ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ كَامِلٌ لَا تُجْزِي الْخَمْسَةُ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَلَا عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى كَانَ النِّصَابُ نَاقِصًا فِي آخِرِهَا وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ النِّصَابُ نَاقِصًا فِي أَوَّلِهَا فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي السَّنَتَيْنِ فَلَا يَقَعُ الْمُؤَدَّى زَكَاةً عَنْهُمَا.
وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وَأَدَّى خَمْسَةً مِنْهَا حَتَّى انْتَقَصَ مِنْهَا خَمْسَةً ثُمَّ إنَّهُ عَجَّلَ عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَةً حَتَّى انْتَقَصَ مِنْهَا خَمْسَةً أُخْرَى فَصَارَ الْمَالُ مِائَةً وَتِسْعِينَ فَتَمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي وَقَدْ اسْتَفَادَ عَشْرَةً حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْخَمْسَةَ الَّتِي عَجَّلَ لِلْحَوْلِ الثَّانِي جَائِزَةٌ طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْزِئَهُ هَذِهِ الْخَمْسَةُ عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ الْأَوَّلَ لَمَّا تَمَّ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَصَارَتْ خَمْسَةٌ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَاجِبَةً وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَانْعَقَدَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ فَكَانَ تَعْجِيلُ الْخَمْسَةِ عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ تَعْجِيلًا حَالَ نُقْصَانِ النِّصَابِ فَلَمْ يَجُزْ وَالْجَوَابُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى وَتَمَامُ السَّنَةِ الْأُولَى يَتَعَقَّبُهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالْوُجُوبُ ثَبَتَ مُقَارِنًا لِذَلِكَ الْجُزْءِ، وَالنِّصَابُ كَانَ كَامِلًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ انْتَقَصَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ حَالُ وُجُودِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَكَانَ ذَلِكَ نُقْصَانُ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْكَمَالِ فِي طَرَفَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ هاهنا فَجَازَ التَّعْجِيلُ لِوُجُودِ حَالِ كَمَالِ النِّصَابِ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ الْمُعَجَّلِ:

وَأَمَّا حُكْمُ الْمُعَجَّلِ إذَا لَمْ يَقَعْ زَكَاةً أَنَّهُ إنْ وَصَلَ إلَى يَدِ الْفَقِيرِ يَكُونُ تَطَوُّعًا سَوَاءٌ وَصَلَ إلَى يَدِهِ مِنْ يَدِ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ مِنْ يَدِ الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ وَهُوَ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ أَصْلُ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لَا يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ فِيهَا بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى يَدِ الْفَقِيرِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ فِي يَدِ الْإِمَامِ قَائِمًا لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِلْ إلَى يَدِ الْفَقِيرِ لَمْ يَتِمَّ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُصَدِّقِ فِي الصَّدَقَةِ الْمُعَجَّلَةِ يَدُ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي دَفْعِ الْمُعَجَّلِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يَدَ الْفَقِيرِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْبِضُ لَهُ فَلَمْ يَتِمَّ الصَّرْفُ فَلَمْ تَقَعْ صَدَقَةً أَصْلًا.
وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اسْتَسْلَفَ الْإِمَامُ بِغَيْرِ مَسْأَلَةِ رَبِّ الْمَالِ وَلَا أَهْلِ السُّهْمَانِ يُضْمَنُ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِفِعْلِهِ وَفِعْلُهُ الْأَخْذُ وَأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَالْهَلَاكُ لَيْسَ مِنْ صُنْعِهِ بَلْ هُوَ مَحْضُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْنِي مَصْنُوعَهُ.
وَلَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ الْمُعَجَّلَ إلَى فَقِيرٍ فَأَيْسَرَ الْفَقِيرُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَسْتَرِدُّهُ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسَارُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ كَوْنَ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَهُوَ لَيْسَ مَحَلَّ الصَّرْفِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَقَعُ زَكَاةً إلَّا إذَا كَانَ يَسَارُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَصْلًا فَلَا يُقْطَعُ التَّبَعُ عَنْ أَصْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الصَّدَقَةَ لَاقَتْ كَفَّ الْفَقِيرِ فَوَقَعَتْ مَوْقِعَهَا فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْغِنَى الْحَادِثِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا إذَا دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ ثُمَّ أَيْسَرَ.
وَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ مَالِهِ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْفَقِيرِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَالَ لَهُ إنَّهَا مُعَجَّلَةٌ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وَقَعَتْ فِي مَحَلِّ الصَّدَقَةِ وَهُوَ الْفَقِيرُ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ فَلَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ كَمَا إذَا لَمْ يَقُلْ إنَّهَا مُعَجَّلَةٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ جِنْسٍ مِنْهَا ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُ الْمَالِ جَازَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي حُكْمِ مَالٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَضُمُّ الْبَعْضَ إلَى الْبَعْضِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ فَكَانَتْ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي التَّعْجِيلِ لَغْوًا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ الْمِائَتَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُ الْمَالِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ السَّوَائِمِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَعَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ هَلَكَتْ الْإِبِلُ أَنَّ الْمُعَجَّلَ لَا يَجُوزُ عَنْ زَكَاةِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَةً وَمَعْنًى فَكَانَ نِيَّةُ التَّعْيِينِ صَحِيحَةً فَالتَّعْجِيلُ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَقَعُ عَنْ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ بَعْدَ وُجُوبِهَا:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْقِطُهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا فَالْمُسْقِطُ لَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ: مِنْهَا هَلَاكُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَالْمَسْأَلَةُ قَدْ مَضَتْ.
وَمِنْهَا الرِّدَّةُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الرِّدَّةُ لَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجِبُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَإِذَا أَسْلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ كَالْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ أَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَكِنْ بِوَاسِطَةِ الطَّهَارَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ الطَّهَارَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْأَدَاءُ كَذَا هَذَا، وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا فَتَسْقُطُ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَدَاءِ بِتَقْدِيمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ كَلَامٌ فَاسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ جَعْلِ الْأَصْلِ تَبَعًا لِتَبَعِهِ وَجَعْلِ التَّبَعِ أَصْلًا لِمَتْبُوعِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهَا مَوْتُ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ، أَوْصَى بِالْأَدَاءِ وَإِمَّا أَنْ كَانَ لَمْ يُوصِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُوصِ تَسْقُطُ عَنْهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَا يُؤْمَرُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ بِالْأَدَاءِ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، أَوْ النَّذْرُ، أَوْ الْكَفَّارَاتُ، أَوْ الصَّوْمُ، أَوْ الصَّلَاةُ، أَوْ النَّفَقَاتُ، أَوْ الْخَرَاجُ، أَوْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ.
وَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ قَائِمًا فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَلَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْخَارِجَ حَتَّى صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ، أَوْصَى بِالْأَدَاءِ لَا يَسْقُطُ وَيُؤَدَّى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ عِنْدَنَا وَالْعِبَادَةُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِاخْتِيَارِ مَنْ عَلَيْهِ إمَّا بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأَمْرِهِ، أَوْ إنَابَتِهِ غَيْرَهُ فَيَقُومُ النَّائِبُ مَقَامَهُ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا بِيَدِ النَّائِبِ، وَإِذَا، أَوْصَى فَقَدْ أَنَابَ وَإِذَا لَمْ يُوصِ فَلَمْ يُنِبْ، فَلَوْ جَعَلَ الْوَارِثُ نَائِبًا عَنْهُ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ إنَابَتِهِ لَكَانَ ذَلِكَ إنَابَةً جَبْرِيَّةً وَالْجَبْرُ يُنَافِي الْعِبَادَةَ إذْ الْعِبَادَةُ فِعْلٌ يَأْتِيهِ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ جَبْرًا، وَلَوْ أَخَذَ لَا تَسْقُط عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَالثَّانِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ، وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْعُشْرُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَكَمَا ثَبَتَ ثَبَتَ مُشْتَرَكًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} أَضَافَ الْمُخْرَجَ إلَى الْكُلِّ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ جَمِيعًا فَإِذَا ثَبَتَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَعِنْدَهُ الزَّكَاةُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْفَقِيرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الدُّيُونِ وَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ بَلْ يَبْنِي الْوَارِثُ عَلَيْهِ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ أَدَّى الزَّكَاةَ، وَالْكَلَامُ فِيهِ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ الْمُؤَدِّي وَهُوَ الْمَالِكُ وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِمَوْتِهِ فَيَنْقَطِعُ حَوْلُهُ، وَعِنْدَهُ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ بَلْ هِيَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ نَفْسِ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ قَائِمٌ إذْ الْوَارِثُ يَخْلُفُ الْمُورَثَ فِي عَيْنِ مَا كَانَ لِلْمُورَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ:

وَأَمَّا زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَهُوَ الْعُشْرُ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي.
بَيَانِ فَرْضِيَّتِهِ وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ سَبَبِ الْفَرْضِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْفَرْضِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ، وَفِي بَيَانِ صِفَتِهِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْأَخْذِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَفِي بَيَانِ رُكْنِهِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُسْقِطُهُ، وَفِي بَيَانِ مَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَفِي بَيَانِ مَصَارِفِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ عَامَّةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: إنَّ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْعُشْرُ، أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَاءِ الْحَقِّ يَوْمَ الْحَصَادِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ زَكَاةَ الْحُبُوبِ لَا تُخْرَجُ يَوْمَ الْحَصَادِ بَلْ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ وَالْكَيْلِ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُهَا فَيُخْرَجُ عُشْرُهَا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْعُشْرِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَآتُوا حَقَّهُ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ يَوْمَ حَصَادِهِ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ فَكَانَ الْيَوْمُ ظَرْفًا لِلْحَقِّ لَا لِلْإِيتَاءِ.
عَلَى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْخَضْرَاوَاتِ وَإِنَّمَا يُخْرَجُ الْحَقُّ مِنْهَا يَوْمَ الْحَصَادِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَلَا يُنْتَظَرُ شَيْءٌ آخَرُ فَثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ فِي الْعُشْرِ إلَّا أَنَّ مِقْدَارَ هَذَا الْحَقِّ غَيْرُ مُبَيَّنٍ فِي الْآيَةِ فَكَانَتْ الْآيَةُ مُجْمَلَةً فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ ثُمَّ صَارَتْ مُفَسَّرَةً بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ فَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» فَصَارَ مُفَسَّرًا كَذَا هَذَا.
وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلْفُقَرَاءِ حَقًّا فِي الْمُخْرَجِ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ أَضَافَ الْمُخْرَجَ إلَى الْكُلِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ حَقًّا كَمَا أَنَّ لِلْأَغْنِيَاءِ فَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعُشْرِ حَقَّ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ عُرِفَ مِقْدَارُ الْحَقِّ بِالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ».
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْعُشْرِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْعُشْرِ إلَى الْفَقِيرِ مِنْ بَابِ شُكْرِ النِّعْمَةِ وَإِقْدَارِ الْعَاجِزِ وَتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْفَرَائِضِ وَمِنْ بَابِ تَطْهِيرِ النَّفْسِ عَنْ الذُّنُوبِ وَتَزْكِيَتِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَازِمٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: كَيْفِيَّةُ فَرْضِيَّةِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ:

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ فَرْضِيَّةِ هَذَا النَّوْعِ فَعَلَى نَحْوِ الْكَلَامِ فِي كَيْفِيَّةِ فَرْضِيَّةِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ.

.فَصْلٌ: سَبَبُ فَرْضِيَّةِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ:

وَأَمَّا سَبَبُ فَرْضِيَّتِهِ فَالْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، وَسَبَبُ وُجُوبِ الْخَرَاجِ لِلْأَرْضِ النَّامِيَةِ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، أَوْ تَقْدِيرًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ الْخَارِجَ آفَةٌ فَهَلَكَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَلَا الْخَرَاجُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ لِفَوَاتِ النَّمَاءِ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا.
وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ عُشْرِيَّةً فَتَمَكَّنَ مِنْ زِرَاعَتِهَا فَلَمْ تُزْرَعْ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ لِعَدَمِ الْخَارِجِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ يَجِبُ الْخَرَاجُ لِوُجُودِ الْخَارِجِ تَقْدِيرًا وَلَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْخَرَاجِ نَزَّةً، أَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا الزِّرَاعَةُ، أَوْ سَبْخَةً، أَوْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ فَلَا خَرَاجَ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْخَارِجِ فِيهِ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ وَإِنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ، أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي وَجْهٍ فِيهِ خِلَافٌ أَمَّا الَّذِي يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ فَهُوَ أَنْ يُعَجَّلَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَبَعْدَ النَّبَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَصَلَهُ هَكَذَا يَجِبُ الْعُشْرُ؟ وَأَمَّا الَّذِي لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ فَهُوَ أَنْ يُعَجِّلَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ لِانْعِدَامِ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ الْخَارِجِ حَقِيقَةً وَأَمَّا الَّذِي فِيهِ خِلَافٌ فَهُوَ أَنْ يُعَجِّلَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ النَّبَاتِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ لَمْ يُوجَدْ لِانْعِدَامِ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ بِالْخَارِجِ لَا الْخَارِجُ فَكَانَ تَعْجِيلًا قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ سَبَبَ الْخُرُوجِ مَوْجُودٌ وَهُوَ الزِّرَاعَةُ فَكَانَ تَعْجِيلًا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَيَجُوزُ.
وَأَمَّا تَعْجِيلُ عُشْرِ الثِّمَارِ فَإِنْ عَجَّلَ بَعْدَ طُلُوعِهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ عَجَّلَ قَبْلَ الطُّلُوعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الزَّرْعِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَجَعَلَ الْأَشْجَارَ لِلثِّمَارِ بِمَنْزِلَةِ السَّاقِ لِلْحُبُوبِ وَهُنَاكَ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ كَذَا هاهنا وَوَجْهُ الْفَرْقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّجَرَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ؟ فَأَمَّا سَاقُ الزَّرْعِ فَمَحَلٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ السَّاقَ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْحَبُّ يَجِبُ الْعُشْرُ.
وَيَجُوز تَعْجِيلُ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَقْدِيرًا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَا تَحْقِيقًا وَقَدْ وُجِدَ التَّمَكُّنُ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ كَوْنُهُ ذِمِّيًّا وَقَدْ وُجِدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: شَرَائِطُ الْفَرْضِيَّةِ:

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْفَرْضِيَّةِ فَبَعْضُهَا شَرْطُ الْأَهْلِيَّةِ وَبَعْضُهَا شَرْطُ الْمَحَلِّيَّةِ أَمَّا.
شَرْطُ الْأَهْلِيَّةِ فَنَوْعَانِ:.
أَحَدُهُمَا الْإِسْلَامُ وَأَنَّهُ شَرْطُ ابْتِدَاءِ هَذَا الْحَقِّ فَلَا يُبْتَدَأُ بِهَذَا الْحَقِّ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ابْتِدَاءً فَلَا يُبْتَدَأُ بِهِ عَلَيْهِ.
وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَحَوَّلَ إلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ حَتَّى إنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ مِنْ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ عُشْرَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ عُشْرٌ وَاحِدٌ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَرْضٍ ابْتَدَأَتْ بِضَرْبِ حَقٍّ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَتَبَدَّلَ الْحَقُّ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ كَالْخَرَاجِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْنَةُ الْأَرْضِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِكِ حَتَّى يَجِبَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِكِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: لَمَّا وَجَبَ الْعُشْرُ عَلَى الْكَافِرِ كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْكَافِرِ بِاسْمِ الْعُشْرِ يَكُونُ مُضَاعَفًا كَالْوَاجِبِ عَلَى التَّغْلِبِيِّ وَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُشْرَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ الْمَعْهُودَةُ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً كَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعُشْرِ عَلَيْهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَنْتَفِعَ الذِّمِّيُّ بِأَرْضِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ يُضْرَبُ عَلَيْهَا فَضَرَبْنَا عَلَيْهَا الْخَرَاجَ فَالْخَرَاجُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الصَّغَارِ كَمَا لَوْ جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَقْتِ صَيْرُورَتِهَا خَرَاجِيَّةً ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ كَمَا اشْتَرَى صَارَتْ خَرَاجِيَّةً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً مَا لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ إذَا مَضَتْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا سَوَاءٌ زَرَعَ، أَوْ لَمْ يَزْرَعْ كَذَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ فِي رَجُلٍ بَاعَ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنْ رَجُلٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي عَلَى زَرْعِهَا فَخَرَاجُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَخَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي مَوْضِعِ هَذَا الْعُشْرِ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْوَاجِبِ لَمَّا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ لَا تَتَغَيَّرُ صِفَتُهُ أَيْضًا.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ مَالَ الصَّدَقَةِ لَا يُؤْخَذُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَالًا مَأْخُوذًا مِنْ الْكَافِرِ فَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ.
وَلَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَلَا تَنْقَلِبُ عُشْرِيَّةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مُؤْنَةَ الْأَرْضِ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَفِي حَقِّ الذِّمِّيِّ إذَا اشْتَرَى مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضَ عُشْرٍ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَمِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْخَرَاجِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّغْيِيرِ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ.
وَلَوْ بَاعَ الْمُسْلِمُ مِنْ ذِمِّيٍّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَأَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ فَفِيهَا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَحَوَّلَتْ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ فَكَانَ انْتِقَالًا مِنْ مُسْلِمٍ إلَى مُسْلِمٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَاسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ مِنْهُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ عَادَتْ إلَى الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ إذَا فُسِخَ يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَصْلِ وَيَصِيرُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَرْتَفِعُ بِأَحْكَامِهِ وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا فَعَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَحَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ زَائِدٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا فَمُنِعَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ.
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا مَا لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ لِعَدَمِ حُدُوثِ الْعَيْبِ فَإِنْ رَدَّهَا بِرِضَا الْبَائِعِ لَا تَعُودُ عُشْرِيَّةً بَلْ هِيَ خَرَاجِيَّةٌ عَلَى حَالِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِرِضَا الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ جَدِيدٍ، وَالْأَرْضُ إذَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةً لَا تَنْقَلِبُ عُشْرِيَّةً بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ.
وَلَوْ اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَعَلَيْهِ عُشْرَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ عُشْرٌ وَاحِدٌ أَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ كُلَّ مُؤْنَةٍ ضُرِبَتْ عَلَى أَرْضٍ أَنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِ الْمَالِكِ، وَفِقْهُهُ مَا ذَكَرْنَا وَهُمَا يَقُولَانِ الْأَصْلُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ تَتَغَيَّرَ إذَا وُجِدَ الْمُغَيِّرُ وَقَدْ وُجِدَ هاهنا وَهُوَ قَضِيَّةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ، أَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْعُشْرَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَغَيَّرُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ.
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ الْعُشْرَيْنِ كَانَا لِكَوْنِهِ نَصْرَانِيًّا تَغْلِبِيًّا إذْ التَّضْعِيفُ يَخْتَصُّ بِهِمْ وَقَدْ بَطَلَ بِالْإِسْلَامِ فَيَبْطُلُ التَّضْعِيفُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُشْرَيْنِ كَانَا خَرَاجًا عَلَى التَّغْلِبِيِّ وَالْخَرَاجُ لَا يَتَغَيَّرُ بِإِسْلَامِ الْمَالِكِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْخَرَاجِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا يَتَفَرَّعُ التَّغَيُّرُ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ عُشْرٌ وَاحِدٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْبَيْعِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيَجِبُ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا كَانَ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ عَشْرٌ وَاحِدٌ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي التَّغْلِبِيِّ يَشْتَرِي أَرْضَ الْعُشْرِ مِنْ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرَانِ فِي قَوْلِهِمْ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ أَرْضَ عُشْرٍ فَبَاعَهَا مِنْ ذِمِّيٍّ فَعَلَيْهِ عُشْرَانِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّضْعِيفَ عَلَى التَّغْلِبِيِّ بِطَرِيقِ الْخَرَاجِ وَالْخَرَاجُ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ يَخْتَصُّ بِالتَّغْلَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالثَّانِي الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مَفْرُوضًا وَنَعْنِي بِهِ سَبَبَ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ أَهْلِيَّةِ وُجُوبِ الْعُشْرِ حَتَّى يَجِبَ الْعُشْرُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ»؛ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ كَالْخَرَاجِ وَلِهَذَا لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ جَبْرًا وَيَسْقُطُ عَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدَّى بِنَفْسِهِ يَقَعُ عِبَادَةً فَيَنَالُ ثَوَابَ الْعِبَادَةِ.
وَإِذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا لَا يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ فِعْلِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ثَوَابُ ذَهَابِ مَالِهِ فِي وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ ثَوَابِ الْمَصَائِبِ كُرْهًا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ جَبْرًا وَإِنْ أُخِذَ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ؛ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ وَالطَّعَامُ قَائِمٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ.
وَكَذَا مِلْكُ الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ مِلْكُ الْخَارِجِ فَيَجِبُ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَهِيَ الْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ»؛ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ لَا فِي الْأَرْضِ فَكَانَ مِلْكُ الْأَرْضِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَيَجِبُ فِي أَرْضِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ آجَرَ أَرْضَهُ الْعُشْرِيَّةَ فَعُشْرُ الْخَارِجِ عَلَى الْمُؤَاجَرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ فَكَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخَارِجَ لِلْمُؤَاجِرِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ بَدَلَهُ وَهُوَ الْأُجْرَةُ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ زَرَعَ بِنَفْسِهِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ قَابِلٌ لِلْمَنْفَعَةِ لَا الْخَارِجِ، وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ عِنْدَهُمَا وَالْخَارِجُ يُسَلَّمُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَيَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَارِجَ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ إنْ كَانَ عَيْنًا حَقِيقِيَّةً فَلَهُ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ فَيُقَابِلُهُ الْأَجْرُ فَكَانَ الْخَارِجُ لِلْآجِرِ مَعْنًى فَكَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ هَلَكَ الْخَارِجُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَصَادِ فَلَا عُشْرَ عَلَى الْمُؤَاجِرِ وَيَجِبُ الْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُؤَاجِرِ عُشْرُ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَجِبُ فِي الْخَارِجِ عِنْدَهُ حَتَّى يَسْقُطَ بِهَلَاكِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعُشْرُ بِهَلَاكِهِ وَلَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ فَيَكُونُ عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْخَارِجُ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَصَادِ، أَوْ قَبْلَهُ هَلَكَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْعُشْرِ.
وَلَوْ أَعَارَهَا مِنْ مُسْلِمٍ فَزَرَعَهَا فَالْعَشْرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَى الْمُعِيرِ وَهَكَذَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُعِيرِ.
وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ هِبَةَ الْمَنْفَعَةِ فَأَشْبَهَ هِبَةَ الزَّرْعِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لِلْمُسْتَعِيرِ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُعِيرِ فِي مُقَابِلَتِهَا عِوَضٌ فَكَانَ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.
وَلَوْ أَعَارَهَا مِنْ كَافِرٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ عِنْدَهُمَا فِي الْخَارِجِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ دَفَعَهَا مُزَارِعَةً فَإِمَّا عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَالْمُزَارِعَةُ جَائِزَةٌ وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَيْهِمَا.
وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَلَوْ كَانَ يُجِيزُهَا كَانَ يَجِبُ عَلَى مَذْهَبِهِ جَمِيعُ الْعُشْرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ فِي حِصَّتِهِ جَمِيعَ الْعُشْرِ يَجِبُ فِي عَيْنِهِ وَفِي حِصَّةِ الْمُزَارِعِ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ.
وَلَوْ غَصَبَ غَاصِبٌ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَزَرَعَهَا فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ فَالْعُشْرُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْخَارِجِ لَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ مَنْفَعَةٌ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ فَعَلَى الْغَاصِبِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ آجَرَهَا مِنْهُ وَعُشْرُ الْخَارِجِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الْخَارِجِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَخَرَاجُهَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي الْغَصْبِ إذَا لَمْ تَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ فَخَرَاجُهَا عَلَى الْغَاصِب وَإِنْ نَقَصَتْهَا فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ آجَرَهَا مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: اُنْظُرْ إلَى نُقْصَانِ الْأَرْضِ وَإِلَى الْخَرَاجِ فَإِنْ كَانَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ أَكْثَرَ مِنْ الْخَرَاجِ فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ النُّقْصَانَ فَيُؤَدِّي الْخَرَاجَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ أَقَلَّ مِنْ الْخَرَاجِ عَلَى الْغَاصِبِ وَسَقَطَ عَنْهُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ.
وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةَ وَفِيهَا زَرْعٌ قَدْ أَدْرَكَ مَعَ زَرْعِهَا أَوْ بَاعَ الزَّرْعَ خَاصَّةً فَعُشْرُهُ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْعُشْرِ وَتَقَرُّرِهِ بِالْإِدْرَاكِ.
وَلَوْ بَاعَهَا وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَإِنْ قَصَلَهُ الْمُشْتَرِي لِلْحَالِ فَعُشْرُهُ عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا لِتَقَرُّرِ الْوُجُوبِ فِي الْبَقْلِ بِالْقَصْلِ.
وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى أَدْرَكَ فَعُشْرُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِتَحَوُّلِ الْوُجُوبِ مِنْ السَّاقِ إلَى الْحَبِّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: عُشْرُ قَدْرِ الْبَقْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَعُشْرُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَكَذَلِكَ حُكْمُ الثِّمَارِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.
وَكَذَا عَدَمُ الدَّيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ وَقَدْ مَضَى الْفَرْقُ فِيمَا تَقَدَّمَ.