فصل: فَصْلٌ: شَرَائِطُ الْوُجُوبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: شَرَائِطُ الْوُجُوبِ:

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ خَطَأً إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِي عَمْدِهِ يَسْتَوِي فِيهِ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ الْجِنَايَاتِ الَّتِي فِي عَمْدِهَا الْقِصَاصُ، وَمَا لَا قِصَاصَ فِي عَمْدِهَا.

.فَصْلٌ: بَيَانُ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ:

وَأَمَّا بَيَانُ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَاَلَّتِي لَا تَتَحَمَّلُهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْأَحْرَارِ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ فِي الذُّكُورِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فِي الْإِنَاثِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، قَالَ أَصْحَابُنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَاقِلَةُ تَتَحَمَّلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ التَّحَمُّلَ مِنْ الْعَاقِلَةِ لِتَفْرِيطٍ مِنْهُمْ فِي الْحِفْظِ وَالنُّصْرَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى التَّحَمُّلَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا ذَلِكَ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْشِ الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهُوَ الْغُرَّةُ، وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَلِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ بِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَرْشُ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّ لَهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا، هُوَ ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَحَمَّلَهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ الْأُنْمُلَةَ لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْإِصْبَعِ فَكَانَتْ جُزْءًا مِمَّا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَهُوَ الْإِصْبَعِ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ ثُمَّ مَا كَانَ أَرْشُهُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ يُؤْخَذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتِدْلَالًا بِكَمَالِ الدِّيَةِ فَإِنَّ كُلَّ الدِّيَةِ تُؤْخَذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ إجْمَاعًا فَكُلَّمَا كَانَ مِنْ الْأَرْشِ قَدْرُ ثُلُثِ الدِّيَةِ يُؤْخَذُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ فِي الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ هَكَذَا فَإِذَا ازْدَادَ الْأَرْشُ عَلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ فَقَدْرُ الثُّلُثِ يُؤْخَذُ فِي سَنَةٍ، وَالزِّيَادَةُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ فِي كُلِّ الدِّيَةِ تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ إذَا انْفَرَدَتْ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَالثُّلُثَانِ فِي سَنَتَيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي السَّنَةِ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ الدِّيَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبِيدِ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبِيدِ لَهُ حُكْمُ الْأَمْوَالِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَضَمَانُ الْمَالِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الَّذِي يَجِبُ فِيهِ أَرْشٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ:

وَأَمَّا الَّذِي يَجِبُ فِيهِ أَرْشٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحُكُومَةِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْحُكُومَةُ، وَفِي تَفْسِيرِ الْحُكُومَةِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ مِنْ الْجِنَايَاتِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ اعْتِبَارُهَا بِإِيجَابِ الْجَابِرِ أَوْ الزَّاجِرِ مَا أَمْكَنَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي كَسْرِ الْعِظَامِ كُلِّهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا السِّنَّ خَاصَّةً لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ بِصِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ فِيمَا سِوَى السِّنِّ مُتَعَذَّرٌ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ فِيهِ بِأَرْشٍ مُقَدَّرٍ فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ، وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ فِي السِّنِّ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ فِيهَا بِأَرْشٍ مُقَدَّرٍ أَيْضًا فَلَمْ تَجِبْ فِيهَا الْحُكُومَةُ.
وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الذَّاهِبِ نُورُهَا وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ الْقَائِمَةِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ وَذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ- حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هاهنا الْمَنْفَعَةُ، وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَلَا زِينَةَ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَيْنَ الْقَائِمَةَ الذَّاهِبَ نُورُهَا لَا جَمَالَ فِيهَا عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهَا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْفَعَةُ، وَمَعْنَى الزِّينَةِ فِيهَا تَابِعٌ فَلَا يَتَقَدَّرُ الْأَرْشُ لِأَجْلِهِ.
وَفِي الْإِصْبَعِ وَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ أَيْضًا لِانْعِدَامِ الْمَنْفَعَةِ وَالزِّينَةِ لَكِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ النَّفْسِ، وَأَجْزَاءُ النَّفْسِ مَضْمُونَةٌ مَعَ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ وَالزِّينَةِ لِمَا ذَكَرْنَا.
(وَأَمَّا) الصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَمْشِ وَلَمْ يَقْعُدْ وَرِجْلُهُ وَلِسَانُهُ وَأُذُنَهُ وَأَنْفُهُ وَعَيْنُهُ وَذَكَرُهُ: فَفِي أَنْفِهِ وَأُذُنِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ إذَا كَانَ يُحَرِّكُهُمَا.
وَكَذَا فِي ذَكَرِهِ إذَا كَانَ يَتَحَرَّكُ، وَفِي لِسَانِهِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لَا الدِّيَةُ وَإِنْ اسْتَهَلَّ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صِيَاحٌ وَأَمَّا الْعَيْنَانِ فَإِنْ كَانَ يُسْتَدَلُّ بِشَيْءٍ عَلَى بَصَرِهِمَا فَفِيهِمَا مِثْلُ عَيْنِ الْكَبِيرِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ.
(أَمَّا) الْأَنْفُ وَالْأُذُنُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْجَمَالُ لَا الْمَنْفَعَةُ، وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الصَّغِيرِ بِكَمَالِهِ كَمَا يُوجَدُ فِي الْكَبِيرِ.
(وَأَمَّا) الْأَعْضَاءُ الَّتِي يُقْصَدَ بِهَا الْمَنْفَعَةُ فَلَا يَجِبُ فِيهَا أَرْشٌ كَامِلٌ حَتَّى يُعْلَمَ صِحَّتُهَا بِمَا ذَكَرْنَا فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَيَجِبُ فِيهِ أَرْشٌ كَامِلٌ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يَقَعُ الشَّكُّ فِي وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ كَمَالِ الْأَرْشِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَصْلَ هُوَ الصِّحَّةُ وَالْآفَةُ عَارِضٌ فَكَانَتْ الصِّحَّةُ ثَابِتَةً ظَاهِرًا لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ هَذَا الْأَصْلَ فِي الصَّغِيرِ بَلْ الْأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ لِأَنَّهُ كَانَ نُطْفَةً وَعَلَقَةً وَمُضْغَةً فَمَا لَمْ يُعْلَمْ صِحَّةُ الْعُضْوِ فَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ مُتَعَارِضٌ لِأَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْجَانِي أَصْلٌ أَيْضًا فَتَعَارَضَ الْأَصْلَانِ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِالْأَصْلِ عَلَى الصِّحَّةِ عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ إنْ كَانَتْ ثَابِتَةً ظَاهِرًا بِحُكْمِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حُجَّةُ الدَّفْعِ لَا حُجَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ كَحَيَاةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِدَفْعِ الْإِرْثِ لَا لِاسْتِحْقَاقِهِ، وَفِي الظُّفْرِ إذَا نَبَتَ لَا شَيْءَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَادَتْ الْمَنْفَعَةُ وَالزِّينَةُ.
وَإِنْ مَاتَ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَكَذَا إذَا نَبَتَ عَلَى عَيْبٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ دُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّابِتَ عِوَضٌ عَنْ الذَّاهِبِ فَكَأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِمٌ وَدَخَلَهُ عَيْبٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ إذَا نَبَتَ أَسْوَدُ إنَّ فِيهِ حُكُومَةً لِمَا أَصَابَ مِنْ الْأَلَمِ بِالْجِرَاحَةِ الْأُولَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَلَمَ مَضْمُونٌ.
وَفِي ثَدْيِ الرَّجُلِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا أَرْشَ مُقَدَّرٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا جَمَالَ فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ فِيهِمَا، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَفِي حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ حُكْمُ عَدْلٍ دُونَ مَا فِي ثَدْيَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ لِلْحَلَمَةِ حَتَّى لَوْ قَطَعَ الْحَلَمَةَ ثُمَّ الثَّدْيَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ لَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْحَلَمَةِ وَالْحُكُومَةُ فِي الثَّدْيِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الثَّدْيِ الرَّضَاعُ وَذَلِكَ يَبْطُلُ بِقَطْعِ الْحَلَمَةِ.
وَكَذَلِكَ الْأَنْفُ مَعَ الْمَارِنِ حَتَّى لَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ دُونَ الْأَنْفِ تَجِبُ الدِّيَةُ.
وَلَوْ قَطَعَ مَعَ الْمَارِنِ لَا تَجِبُ إلَّا دِيَةٌ.
وَاحِدَةٌ.
وَلَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ ثُمَّ الْأَنْفَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ فَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأَنْفِ الْحُكُومَةُ، وَكَذَلِكَ الْجَفْنُ مَعَ الْأَشْفَارِ حَتَّى لَوْ قَطَعَ الشَّفْرَ بِدُونِ الْجَفْنِ يَجِبُ الْأَرْشُ الْمُقَدَّرُ.
وَلَوْ قَطَعَ الْجَفْنَ مَعَهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ الْأَرْشُ كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ وَلَوْ قَطَعَ الشَّفْرَ ثُمَّ الْجَفْنَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ يَجِبُ فِي الشَّفْرِ أَرْشُهُ.
وَفِي الْجَفْنِ الْحُكُومَةُ لِأَنَّهُ قَطَعَ الشَّفْرَ وَهُوَ كَامِلُ الْمَنْفَعَةِ، وَقَطَعَ الْجَفْنَ وَهُوَ نَاقِصُ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا الْأَرْشُ النَّاقِصُ، وَهُوَ الْحُكُومَةُ وَلَوْ قَطَعَ أَنْفًا مَقْطُوعَ الْأَرْنَبَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَنْفِ الْجَمَالُ، وَقَدْ نَقَصَ جَمَالُهُ بِقَطْعِ الْأَرْنَبَةِ فَيَنْتَقِصُ أَرْشُهُ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ كَفًّا مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفِّ الْبَطْشُ وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْأَصَابِعِ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ ذَكَرًا مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الذَّكَرِ تَزُولُ بِزَوَالِهَا فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ أَرْشٍ مُقَدَّرٍ، وَلَا قِصَاصَ فِيهِ فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ (وَلَوْ) قَطَعَ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا بِأَنْ قَطَعَهُمَا مِنْ جَانِبٍ عَرْضًا يَجِبُ دِيَتَانِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ الْجِمَاعِ بِقَطْعِ الذَّكَرِ وَمَنْفَعَةَ الْإِنْزَالِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ فَقَدْ وُجِدَ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ فِي قَطْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ قَطَعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ بِأَنْ قَطَعَهُمَا طُولًا فَإِنْ قَطَعَ الذَّكَرَ أَوَّلًا تَجِبُ دِيَتَانِ أَيْضًا: دِيَةٌ بِقَطْعِ الذَّكَرِ لِوُجُودِ تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ، وَدِيَةٌ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ بِقَطْعِ الذَّكَرِ لَا تَنْقَطِعُ مَنْفَعَةُ الْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِ الذَّكَرِ، وَإِنْ بَدَأَ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ الذَّكَرِ فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأُنْثَيَيْنِ كَانَتْ كَامِلَةً وَقْتَ قَطْعِهِمَا، وَمَنْفَعَةُ الذَّكَرِ تَفُوتُ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِنْزَالُ بَعْدَ قَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ فَنَقَصَ أَرْشُهُ وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَ رَجُلٍ فَنَبَتَ أَبْيَضَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَالَ) أَبُو يُوسُفَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفِيهِ مَا نَقَصَ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّعْرِ الزِّينَةُ، وَالزِّينَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأَحْرَارِ، وَلَا زِينَةَ فِي الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ فَلَا يَقُومُ النَّابِتُ مَقَامَ الْفَائِتِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّيْبَ فِي الْأَحْرَارِ لَيْسَ بِعَيْبٍ بَلْ هُوَ جَمَالٌ وَكَمَالٌ فَلَا يَجِبُ بِهِ أَرْشٌ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ فَإِنَّ الشَّيْبَ فِيهِمْ عَيْبٌ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يُنْقِصُ الثَّمَنَ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْجَانِي؟.
وَفِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ خُدُوشٌ فِيهَا حُكْمُ عَدْلٍ (وَكَذَلِكَ) رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَالشَّرْعُ مَا وَرَدَ فِيهِ بِأَرْشٍ مُقَدَّرٍ فَتَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ، وَالْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْمُتَلَاحِمَةِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى الْمَعْنَى بَلْ إلَى الِاسْمِ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الشَّجَّةُ الَّتِي قَبْلَ الْبَاضِعَةِ أَقَلَّ مِنْهَا أَرْشًا.
وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ أَرْشُ الشَّجَّةِ الَّتِي ذَهَبَتْ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرَ مِمَّا ذَهَبَتْ الْبَاضِعَةُ زَائِدًا عَلَى أَرْشِ الْبَاضِعَةِ فَكَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَارَةِ.
وَفِيمَا سِوَى الْجَائِفَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي فِي الْبَدَنِ إذَا انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لَا شَيْءَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيهِ أَرْشُ الْأَلَمِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أُجْرَةُ الطَّبِيبِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَكَذَا فِي شَعْرِ سَائِرِ الْبَدَنِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنْ نَبَتَ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ فَإِنْ كَانَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا يُقَوَّمُ الْعَبْدُ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ وَغَيْرَ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ فَيَجِبُ نُقْصَانُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا فَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَلَا جِنَايَةَ بِهِ، وَيُقَوَّمُ وَبِهِ الْجِنَايَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَعَلَيْهِ الْقَدْرُ مِنْ الدِّيَةِ (وَقَالَ) الْكَرْخِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تُقَرَّبُ هَذِهِ الْجِنَايَةُ إلَى أَقْرَبِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَيَنْظُرُ ذَوَا عَدْلٍ مِنْ أَطِبَّاءِ الْجِرَاحَاتِ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ هاهنا فِي قِلَّةِ الْجِرَاحَاتِ وَكَثْرَتِهَا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَيَأْخُذُ الْقَاضِي بِقَوْلِهِمَا وَيَحْكُمُ مِنْ الْأَرْشِ بِمِقْدَارِهِ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ الْمُقَدَّرَةِ (وَجْهُ) مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ فَيُقَدَّرُ الْعَبْدُ حُرًّا فَمَا أَوْجَبَ نَقْصًا فِي الْعَبْدِ يُعْتَبَرُ بِهِ الْحُرُّ.
وَكَانَ الْكَرْخِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يُنْكِرُ هَذَا الْقَوْلَ وَيَقُولُ: هَذَا يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ فَظِيعٍ، وَهُوَ أَنْ يَجِبَ فِي قَلِيلِ الشِّجَاجِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ فِي كَثِيرِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ شَجَّةِ السِّمْحَاقِ فِي الْعَبْدِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ لَأَوْجَبْنَا فِي السِّمْحَاقِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الْجِنَايَةُ عَلَى مَا هُوَ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ:

وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى مَا هُوَ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْجَنِينُ بِأَنْ ضُرِبَ عَلَى بَطْنِ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حُرًّا بِأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً عَلِقَتْ مِنْ مَوْلَاهَا أَوْ مِنْ مَغْرُورٍ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَإِمَّا أَنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَإِنْ كَانَ حُرًّا وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ الْغُرَّةُ.
وَالْكَلَامُ فِي الْغُرَّةِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ وُجُوبِهَا وَفِي تَفْسِيرِهَا وَتَقْدِيرِهَا وَفِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَفِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ لَهُ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْغُرَّةُ وَاجِبَةٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا وَقْتَ الضَّرْبِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ لَمْ تُخْلَقْ فِيهِ الْحَيَاةُ بَعْدُ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ شَيْءٌ إلَّا نُقْصَانُ الْبَهِيمَةِ، كَذَا هَذَا، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبَةِ بِالدِّيَةِ وَبِغُرَّةِ الْجَنِينِ» وَرُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ اُخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ الْجَنِينَ فَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ تَعَالَى هَلْ سَمِعْتُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَقَامَ الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: كُنْتُ بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ وَذَكَرَ الْخَبَرَ وَقَالَ فِيهِ: فَقَامَ عَمُّ الْجَنِينِ فَقَالَ إنَّهُ أَشْعَرَ، وَقَامَ وَالِدُ الضَّارِبَةِ فَقَالَ: كَيْفَ نَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ، وَدَمُ مِثْلِ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ»، وَرُوِيَ: «كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ، فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ»، فَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ شَهِدَ مَعَكَ بِهَذَا؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فَشَهِدَ، فَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِيهَا بِرَأْيِنَا وَفِيهَا سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ أَيْضًا حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ وَلِأَنَّ الْجَنِينَ إنْ كَانَ حَيًّا فَقَدْ فَوَّتَ الضَّارِبُ حَيَاتَهُ، وَتَفْوِيتُ الْحَيَاةِ قَتْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا فَقَدْ مَنَعَ مِنْ حُدُوثِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَضْمَنُ كَالْمَغْرُورِ لَمَّا مَنَعَ مِنْ حُدُوثِ الرِّقِّ فِي الْوَلَدِ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى بِالْغُرَّةِ وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ فَدَلَّ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ.
وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَنِينٍ إنَّمَا هُوَ مُضْغَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِمَا قُلْنَا.
وَلِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِوَاءِ الْخِلْقَةِ يَتَعَذَّرُ الْفَصْلُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِيهِ.
(وَأَمَّا) تَفْسِيرُ الْغُرَّةِ فَالْغُرَّةُ فِي اللُّغَةِ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَذَا فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» فَسَّرَ الْغُرَّةَ بِالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَمْسِمِائَةٍ».
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ خَرَجَتْ تَفْسِيرًا لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى فَصَارَتْ الْغُرَّةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمًا لِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ يَعْدِلُ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ خَرَجَتْ تَفْسِيرًا لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ تَقْدِيرُ الْغُرَّةِ بِالْخَمْسِمِائَةِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- مَقْدِرَةٌ بِسِتِّمِائَةٍ.
وَهَذَا فَرْعُ أَصْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الدِّيَةِ فَالدِّيَةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عِنْدَنَا مَقْدِرَةٌ بِعَشْرَةِ آلَافٍ فَكَانَ نِصْفُ عُشْرِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَعِنْدَهُ مُقَدَّرَةٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَكَانَ نِصْفُ عُشْرِهَا سِتَّمِائَةٍ ثُمَّ ابْتَدَأَ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَمْسِمِائَةٍ»، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْغُرَّةُ فَالْغُرَّةُ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قَضَى عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبَةِ بِالدِّيَةِ وَبِغُرَّةِ الْجَنِينِ».
وَرُوِيَ أَنَّ عَاقِلَةَ الضَّارِبَةِ قَالُوا: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ، وَدَمُ مِثْلِ هَذَا بَطَلَ؟ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِالدِّيَةِ كَانَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ أَضَافُوا الدِّيَةَ إلَى أَنْفُسِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَلِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ فَكَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالدِّيَةِ.
(وَأَمَّا) مَنْ تَجِبُ لَهُ فَهِيَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْجَنِينِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهَا لَا تُورَثُ وَهِيَ لِلْأُمِّ خَاصَّةً (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأُمِّ فَكَانَ الْأَرْشُ لَهَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا.
(وَلَنَا) أَنَّ الْغُرَّةَ بَدَلُ نَفْسِ الْجَنِينِ، وَبَدَلُ النَّفْسِ يَكُونُ مِيرَاثًا كَالدِّيَةِ (وَالدَّلِيلُ) عَلَى أَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِ الْجَنِينِ لَا بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ أُمِّ الْوَلَدِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ.
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ جَنِينَ أُمِّ الْوَلَدِ جُزْءٌ وَلَوْ كَانَ فِي حُكْمِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْأُمِّ لَكَانَ جُزْءًا مِنْ الْأُمِّ حُرًّا، وَبَقِيَّةُ أَجْزَائِهَا أَمَةً، وَهَذَا لَا يَجُوزُ (وَالدَّلِيلُ) عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قَضَى بِدِيَةِ الْأُمِّ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبِغُرَّةِ الْجَنِينِ»، وَلَوْ كَانَ فِي مَعْنَى أَجْزَاءِ الْأُمِّ لَمَا أَفْرَدَ الْجَنِينَ بِحُكْمٍ بَلْ دَخَلَتْ الْغُرَّةُ فِي دِيَةِ الْأَمَةِ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْأُمِّ فَمَاتَتْ أَنَّهُ تَدْخُلُ دِيَةُ الْيَدِ فِي النَّفْسِ.
وَكَذَا لَمَّا أَنْكَرَتْ عَاقِلَةُ الضَّارِبَةِ حَمْلَ الدِّيَةِ إيَّاهُمْ فَقَالَتْ: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَمِثْلُ دَمِهِ يُطَلُّ؟ لَمْ يَقُلْ لَهُمْ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنِّي أَوْجَبْت ذَلِكَ بِجِنَايَةِ الضَّارِبَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا بِجِنَايَتِهَا عَلَى الْجَنِينِ وَلَوْ كَانَ وُجُوبُ الْأَرْشِ فِيهِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ لَرُفِعَ إنْكَارُهُمْ بِمَا قُلْنَا فَدَلَّ أَنَّ الْغُرَّةَ وَجَبَتْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ لَا بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْأُمِّ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِنَفْسِهِ لَا بِالْأُمِّ.
وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا لِأَنَّهُ قَاتِلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَسْبَابِ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الضَّارِبِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الضَّارِبَةِ لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ مَعَ أَنَّ الْحَالَ حَالُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا وَلِأَنَّ وُجُوبَهَا مُتَعَلِّقُ بِالْقَتْلِ وَأَوْصَافٍ أُخْرَى لَمْ يُعْرَفْ وُجُودُهَا فِي الْجَنِينِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أَيْ كَانَ الْمَقْتُولُ، وَلَمْ يُعْرَفْ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَكَذَا إيمَانُهُ وَكُفْرُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.
(أَمَّا) الْحَقِيقَةُ فَلَا شَكَّ فِي انْتِفَائِهَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْكُفْرَ لَا يَتَحَقَّقَانِ مِنْ الْجَنِينِ.
وَكَذَلِكَ حُكْمًا لِأَنَّ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْحَيَاةِ وَلَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ بَابِ الْمَقَادِيرِ، وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالتَّوْقِيفِ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَالسَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْجَنِينِ الَّذِي أُلْقِيَ مَيِّتًا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلِأَنَّ وُجُوبَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْسِ الْمُطْلَقَةِ، وَالْجَنِينُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ مَعَ مَا أَنَّ الضَّرْبَ لَوْ وَقَعَ قَتْلُ نَفْسٍ لَكَانَ قَتْلًا تَسْبِيبًا لَا مُبَاشَرَةً.
وَالْقَتْلُ تَسْبِيبًا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: وَلَا كَفَّارَة عَلَى الضَّارِبِ وَإِنْ سَقَطَ كَامِلَ الْخَلْقِ مَيِّتًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَاجِبٌ وَلْيَتَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا يَشَاءُ إنْ اسْتَطَاعَ وَيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِمَّا صَنَعَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُنَا كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَنُدِبَ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِالْكَفَّارَةِ لِمَحْوِهِ هَذَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، فَأَمَّا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْهَا شَيْئًا، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
(أَمَّا) حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ فَلِمَا قُلْنَا وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَقْتَ الضَّرْبِ فَحَصَلَ الضَّرْبُ قُتِلَ النَّفْسُ، وَأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ هَذَا إذَا أَلْقَتْ جَنِينًا وَاحِدًا.
فَأَمَّا إذَا أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَإِنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْإِتْلَافُ إلَّا أَنَّهُ أَتْلَفَهُمَا بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَنْ أَتْلَفَ شَخْصَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالضَّرْبِ كَمَا فِي الْكَبِيرَيْنِ فَإِنْ أَلْقَتْ أَحَدَهُمَا مَيِّتًا وَالْآخَرَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ فِي الْمَيِّتِ الْغُرَّةُ وَفِي الْحَيِّ الدِّيَةُ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ الْمَيِّتِ وَالدِّيَةِ فِي الْجَنِينِ الْحَيِّ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْجَمْعُ فِي الْإِتْلَافِ وَالْإِفْرَادِ فِيهِ فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ مِنْ الضَّرْبَةِ وَخَرَجَ الْجَنِينُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةٌ فِي الْأُمِّ وَدِيَةٌ فِي الْجَنِينِ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِمَا وَهُوَ قَتْلُ شَخْصَيْنِ.
فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِهَا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْأُمِّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْجَنِينِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَنِينِ الْغُرَّةُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ إنْ أَتْلَفهُمَا جَمِيعًا فَيُؤَاخَذُ بِضَمَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى كَوْنُ الْجَنِينِ مَضْمُونًا أَصْلًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ احْتِمَالِ عَدَمِ الْحَيَاةِ، وَازْدَادَ هاهنا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِالضَّرْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِمَوْتِ الْأُمِّ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا الضَّمَانَ فِيهِ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالضَّمَانِ فِي حَالٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي فِي نَفْيِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ حُرًّا فَأَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا فَإِنْ خَرَجَ فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مَا نَقَصَ الْأُمَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ.
أَمَّا الْكَلَامُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَبِنَاءً عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْعَبْدِ ضَمَانُ النَّفْسِ أَمْ ضَمَانُ الْمَالِ؟ فَعَلَى أَصْلِهِمَا ضَمَانُ النَّفْسِ حَتَّى قَالَا أَنَّهُ لَا تُزَادُ قِيمَتُهُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ بَلْ تَنْقُصُ هَاهُنَا.
وَكَذَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- ضَمَانُهَا ضَمَانُ الْمَالِ حَتَّى قَالَ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فَصَارَ جَنِينُهَا كَجَنِينِ الْبَهِيمَةِ، وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ كَذَا هَاهُنَا.
(وَأَمَّا) الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ أَمْ بِأُمِّهِ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ عَلَى أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ لَا بِأُمِّهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ ضَمَانَ جَنِينِ الْحُرَّةِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ.
وَلَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا بِأُمِّهِ لَسَلِمَ لَهَا كَمَا يَسْلَمُ لَهَا أَرْشُ عُضْوِهَا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْجَنِينَ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ ضَمَانٌ فَهَذَا الِاعْتِبَارُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ رَقِيقًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ خَمْسُمِائَةٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الذَّكَرِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْأُنْثَى، وَالْقِيمَةُ فِي الرَّقِيقِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَنِينِ الرَّقِيقِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا اعْتِبَارًا بِالْحُرِّ وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى اعْتِبَارًا بِالْحُرَّةِ.
وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قِيمَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ فَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ مَيِّتَيْنِ أَوْ جَنِينَيْنِ حَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ مَا فِيهِ حَالَ الِانْفِرَادِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ فَإِنْ أَلْقَتْ أَحَدَهُمَا مَيِّتًا وَالْآخَرَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ ضَمَانُهُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ مِنْ الضَّرْبِ وَخَرَجَ الْجَنِينُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ فِي الْأُمِّ وَقِيمَةٌ فِي الْجَنِينِ، وَإِنْ خَرَجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ فَعَلَيْهِ فِي الْأُمِّ الْقِيمَةُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْجَنِينِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجِبُ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ الْغُرَّةُ فَفِي الرَّقِيقِ نَصِفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجِبُ فِي الْمَضْرُوبَةِ- إذَا كَانَتْ حُرَّةً- الدِّيَةُ فَفِي الْأَمَةِ الْقِيمَةُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ هُنَاكَ شَيْءٌ لَا يَجِبُ هُنَا شَيْءٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي جَانِبِ الْحُرِّ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ يَكُونُ فِي مَالِ الضَّارِبِ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَالًّا وَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَالْوَاجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلِ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالتَّحَمُّلِ فِي الْغُرَّةِ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.