فصل: تفسير الآيات (100- 101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (92):

{وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92)}
{لِلْغَاوِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} في الدنيا {تَعْبُدُونَ} تستمرون على عبادته.

.تفسير الآية رقم (93):

{مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)}
{مِن دُونِ الله} أي أين آلهتكم الذين كنتم تزعمون أنهم شفعاؤكم في هذا الموقف {هَلْ يَنصُرُونَكُمْ} بدفع ما تشاهدون من الجحيم وما فيها من العذاب {أَوْ يَنتَصِرُونَ} بدفع ذلك عن أنفسهم، وهذا سؤال تقريع لا يتوقع له جواب ولذلك قيل:

.تفسير الآية رقم (94):

{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)}
{فَكُبْكِبُواْ فِيهَا} أي ألقوا في الجحيم على وجوههم مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا في قعرها فالكبكبة تكرير الكب وهو مما ضوعف فيه الفاء كما قال الزجاج. وجمهور البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الثالث بدل من مثل الثاني فاصل كبكب عندهم كبب فأبدل من الباء الثانية كاف وضمير الجمع لما يعبودن من دون الله وهم الأصنام وأكد بالضمير المنفصل أعني {هُمْ} وكلا الضميرين للعقلاء واستعملا في الأصنام تهكمًا أو بناء على إعطائها الفهم والنطق أي كبكب فيها الأصنام {والغاوون} الذين عبدوها.
والتعبير عنهم بهذا العنوان دون العابدون للتسجيل عليهم بوصف الغواية، وفي تأخير ذكرهم عن ذكر آلهتهم رمز إلى أنهم يؤخرون في الكبكبة عنها ليشاهدوا سوء حالهم فينقطع رجاؤهم قبل دخول الجحيم.
وعن السدي أن ضمير {كبكبوا} ومؤكده لمشركي العرب والغاوون سائر المشركين وقيل: الضمير للمشركين مطلقًا ويراد بهم التبعة والغاوون هم القادة المتبعون، وقيل: الضمير لمشركين الإنس مطلقًا ويراد بهم التبعة والغاوون هم القادة المتبعون، وقيل: الضمير لمشركين الإنس مطلقًا و{يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} الشياطين والكل كما ترى ويبعد الأخير قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (95):

{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)}
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} فإن الظاهر أن المراد منه الشياطين وإنه عطف على ما قبله والعطف يقتضي المغايرة بالذات في الأغلب ولا حاجة إلى تخريجه على الأقل وجعله من باب:
إلى الملك الندب وابن الهمام

وقيل: المراد بجنود إبليس متبعوه من عصاة الثقلين، واختار بعض الأجلة الأولى وادعى أنه الوجه لأن السياق والسباق في بيان سوء حال المشركين في الجحيم وقد قال ذلك إبراهيم عليه السلام لقومه المشركين فلا وجاهة لذكر حال قوم آخرين في هذا الحال بل لا وجود لهم في القصة وذكر الشياطين مع المشركين لكونهم المسولين لهم عبادة الأصنام، ولا يخفى أن للتعيم وجهًا أيضًا من حيث أن فيه مزيد تهويل لذلك اليوم، وقوله تعالى: {أَجْمَعُونَ} تأكيد للضمير وما عطف عليه. وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (96):

{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)}
{قَالُواْ} إلخ استئناف وقع جوابًا عن سؤال نشأ عما قبله كأنه لما قيل كبكب الآلهة والغاوون عبدتها والشياطين الداعون إليها قيل: فما وقع؟ فقيل: قالوا أي العبدة الغاوون {وَهُمْ} أي الغاوون {فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} أي يخاصمون من معهم من الأصنام والشياطين، والجملة في موضع الحال، والمراد قالوا معترفين بخطئهم وانهماكهم في الضلالة متحسرين معيرين لأنفسهم والحال أنهم بصدد مخاصمة من معهم مخاطبين لآلهتهم حيث يجعلها الله تعالى أهلًا للخطاب.

.تفسير الآية رقم (97):

{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)}
{ءانٍ} مخففة من المثقلة واسمها على ما قيل ضمير الشأن محذوف واللام فارقة بينها وبين النافية كما ذهب إليه البصريون أي إنه أي الشأن كنا في ضلال مبين، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية واللام عنى إلا أي ما كنا إلا في ضلال واضح لا خفاء فيه، ووصفهم له بالوضوح للمبالغة في إظهار ندمهم وتحسرهم وبيان خطئهم في رأيهم مع وضوح الحق كما ينبئ عنه تصديرهم قسمهم بحرف التاء المشعرة بالتعجب على ما قيل. وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (98):

{إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)}
{إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ العالمين} ظرف لكونهم في ضلال مبين، وقيل: لمحذوف دل عليه الكلام أي ضللنا، وقيل: للضلال المذكور وإن كان فيه ضعف صناعي من حيث أن المصدر الموصوف لا يعمل بعد الوصف، ويهون أمر ذلك كون المعمول ظرفًا، وقيل: ظرف لمبين، وجوز أن تكون {إِذْ} تعليلية كما قيل به في قوله تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39]. وصيغة المضارع لاستحضار الصورة الماضية أي تالله لقد كنا في غاية الضلال الفاحش وقت تسويتنا إياكم أو لأنا سويناكم أيها الأصنام في استحقاق العبادة برب العالمين الذي أنتم أدنى مخلوقاته وأذلهم وأعجزهم.

.تفسير الآية رقم (99):

{وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)}
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ المجرمون} الظاهر بناء على ما تقدم من أن الاختصام مع الأصنام والشياطين أن يكون المراد بالمجرمين الشياطين ليكون ذلك من الاختصام معهم وإن لم يورد على وجه الخطاب كما أن ما تقدم من الاختصام مع الأصنام، وكون المراد بهم ذلك مروي عن مقاتل، وفي إرشاد العقل السليم أنه بيان لسبب ضلالهم بعد اعترافهم بصدوره عنهم، والمراد بالمجرمين رؤساؤهم وكبراؤهم، وفي قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا} [الأحزاب: 67]. وعن السدي هم الأولون الذين اقتدوا بهم، وقيل: من دعاهم إلى عبادة اوصنام من الجن والإنس. وعن ابن جريح أنهم إبليس وابن آدم القاتل لأنه أول من سن القتل والمعاصي، والقصر قيل بالنسبة إلى الأصنام، ولعلهم أرادوا بنفي الإضلال عنها إهانتها بأنها لا قدرة لها؛ وفيه تأكيد لكونهم في ضلال مبين، ولعل الأولى كونه قصرًا حقيقيًا بإدعاء أنهم الأحديون في سببية الإضلال حتى أن سببية غيرهم له كلا سببية، وهذا واضح في الشياطين لأن إضلال غيرهم من الكبراء ونحوهم بواسطة إضلالهم لأنهم الذين يزينون الباطل للمتبوع والتابع، ويمكن أن يعتبر في غيرهم بضرب من التأويل وذلك إذا أريد بالمجرمين غيرهم، ثم إن المشركين لا يزالون في حيرة يوم القيامة لا يدرون يتشبثون فلا يضر إسنادهم الإضلال تارة إلى شيء وأخرى إلى غيره على أن الإسناد إلى كل باعتبار هذا.
وجوز أن يكون الاختصام بين العبدة بعضهم مع بعض، والخطاب في {نُسَوّيكُمْ} [الشعراء: 98] للأصنام من غير التزام القول بجعلهم أهلًا له بل هو كخطاب المضطر للحجر والشجر، وفيه مبالغة في التحسر والندامة، والمعنى أن العبدة مع تخاصم بعضهم مع بعض بأن يقول أحدهم للآخر: أنت مبدأ ضلالي ولولا أنت لكنت مؤمنًا اعترفوا بجرمهم وتعجبوا وبينوا سببه، وجوز أيضًا أن يكون من الأصنام ينطقهم الله تعالى فيخاصمون العبدة فضمير {هُمْ} عائد عليهم، والمعنى قال العبدة معترفين بضلالهم متعجبين منه مبينين سببه: {إن كنا} [الشعراء: 97] إلخ والحال إن الأصنام يخاصمونهم قائلين: نحن جمادات متبرئون عن جميع المعاصي وأنتم اتخذتمونا آلهة فالقيتمونا في هذه الورطة. وهذا كله على تقدير كون جملة {قَالُواْ} [الشعراء: 96] مستأنفة كما هو الظاهر. وجوز أن يكون {جُنُودُ إِبْلِيسَ} [الشعراء: 95] مبتدأ وجملة {قَالُواْ} إلخ خبره وضمير {قَالُواْ} وكذا ما بعده عائد عليه.
وأنت تعلم أنه مع كونه خلاف الظاهر لا يتسنى على تقدير أن يراد بجنود إبليس الياطين لما أن المقول المذكور لا يصح أن يكون منهم وإذا أريد بهم متبعوه من عصاة الثقلين عبدة الأصنام وغيرهم يرد أن المقول المذكور قول فرقة منهم وهي العبدة فإسناده إلى الجميع خلاف الظاهر؛ ويبعد كل البعد بل لو قيل بفساده لم يبعد احتمال كون كل شخص سواء كان من عبدة الأصنام أو غيره يخاصم مع كل من يصادفه من غير صلاحية الآخر للاختصام ويقول ما ذكر للأصنام لغاية الحيرة والضجرة، نعم لو أريد بجنود إبليس على تقدير كونه مبتدأ ورجوع الضمائر إليه الغاوون بعينهم وتكون الإضافة للعهد، والتعبير عنهم بهذا العنوان بعد التعبير عنهم بالعنوان السابق لتذليلهم لم يبعد جدًا.
ومن الناس من جوز الابتدائية والخبرية المذكورتين وفسر الجنود بالعصاة مطلقًا. وجعل ضمير {قَالُواْ} للغاوون وضمير {هُمْ: و- يختصمون} [الشعراء: 96] للجنود أو للأصنام وفيه مع خروج الآية عليه عن حسن الانتظام ما لا يخفى على ذوي الأفهام.
وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (100- 101):

{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)}
{المجرمون فَمَا لَنَا مِن شافعين وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} مرتب على ما اعترفوا به من عظم الجناية وظهور الضلالة. والمراد التلهف والتأسف على فقد شفيع يشفع لهم مما هم فيه أو صديق شفيق يهمه ذلك وقد ترقوا لمزيد انحطاط حالهم في التأسف حيث نفوا أولًا أن يكون لهم من ينفعهم في تخليصهم من العذاب بشفاعته ونفوا ثانيًا أن يكون لهم من يهمه أمرهم ويشف عليهم ويتوجع لهم وإن لم يخلصهم وأتى بالشافع في سياق النفي جمعًا وإن كان حكم هذا الجمع في الاستغراق لمكان من الزائدة حكم المفرد بلا خلاف إنما الخلاف فيما إذا لم تزد من بعد النفي داخلة على الجمع رعاية لما كانوا يأتون به في الإثبات من الجمع.
وقال في الكشاف: جمع الشافعي لكثرة الشفعاء ووحد الصديق لقلته ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلده رحمة له وحسبة إن لم تسبق له بأكثرهم معرفة وأما الصديق الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فهو أعز من بيض الأنوق، ويجوز أن يريد بالصديق الجمع أي فإنه يطلق عليه لما أنه على زنة المصدر بخلاف الشافع. وذكر البيضاوي في توحيد الصديق وجهًا آخر أيضًا، وهو أن الصديق الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء، وحاصله أن الواحد في معنى الجمع بحسب العادة فلذا اكتفى به لما فيه من المطابقة المعنوية كما قيل:
الناس ألف منهمو كواحد ** وواحد كالألف إن أمر عنا

وقال بعض الكملة: إن إيراد الشافعين بصيغة الجمع لمجرد مصلحة الفاصلة، وأما إيراد الصديق مفردًا فلأن المقام مقام المفرد ومصلحة الفاصلة حصلت قبله وهو كما ترى، وقال سعد أفندي: لا يبعد أن يكون جمع الأول وإفراد الثاني إشارة إلى أنه لا فرق بين الاستغراقين، وفيه أن إيثار صيغة لإفادة مسألة عربية ليس من دأب القرآن المجيد، والذي أميل إليه أن الإفراد على الأصل والجمع وإن أدى مؤداه على سسن ما كانوا يقولونه ويزعمونه في الدنيا من تعدد الشفعاء ولا يضر في ذلك كون المنفي هنا أعم من المثبت هناك من حيث شموله للأصنام. والكبراء. والملائكة. والأنبياء عليهم السلام كما هو المتبادر إلى الفهم، وأخرج ابن جرير. وابن المنذر عن عكرمة عن ابن جرير أن المعنى فما لنا من شافعين من أهل السماء ولا صديق حميم من أهل الأرض.
وزعم بعضهم أنهم عنوا بالشافعين هنا ما عنوا بالمجرمين من كبرائهم وساداتهم وفرعوا النفي على قولهم: {مَا أَضَلَّنَا إِلاَّ المجرمون} [الشعراء: 99] فكأنهم قالوا: سادتنا وكبراؤنا الذين أضلونا مجرمون معذبون مثلنا فلم يقدروا على السعي في نفعنا والشفاعة لنا، وفي الكشاف فما لنا من شافعين كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين ولا صديق كما نرى لهم أصدقاء فإنه لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون قال تعالى: {الاخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] أو فما لنا من شافعين ولا صديق حميم من الذين كنا نعدم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى وكان لهم الأصدقاء من شياطين الانس أو أرادوا أنهم وقعوا في مهلكة علموا أن الشفعاء والأصدقاء لا ينفعونهم ولا يدفعون عنهم فقصدوا بنفيهم نفي ما يتعلق بهم من النفع لأن ما لا ينفع حكمه حكم المعدوم انتهى.
والظاهر على هذا الأخير أن الكلام كناية عن شدة الأمر بحيث لا ينفع فيه أحد ولو أدنى نفع وهو وجه وجيه، والوجه الأول لا يكاد يتسنى على مذهب المعتزلة الذين لا يجوزون الشفاعة في الخلاص من النار بعد دخولها أو قبله لأن الظاهر من قولهم فما لنا من شافعين كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين فما لنا من شافعين يخصلونا من النار كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين يخلصونهم منها فارتضاء الزمخشري لهذا الوجه غريب اللهم إلا أن يقال: المراد التشبيه باعتبار مطلق الشفاعة والمعتزلة يجوزون بعض أصنافها كالشافعة في زيادة الدرجات في الجنة لكن لا يخلو عن بعد والله تعالى أعلم، و{لَوْ} في قوله تعالى: