فصل: تفسير الآيات (140- 141):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (134):

{وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)}
{وجنات وَعُيُونٍ} ظاهر وكذا وجه قرنهما مع الأنعام، وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (135):

{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)}
{إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إلخ في موضع التعليل أي إني أخاف عليكم إن لم تتقوا وتقوموا بشكر هذه النعم: {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} في الدنيا والآخرة فإن كفران النعمة مستتبع للعذاب كما أن شكرها مستلزم لزيادتها قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] وعلل بما ذكر دون استلزام التقوى للزيادة لأن زوال النعمة يحزن فوق ما تسر زيادتها ودرء المضار مقدم على جلب المنافع:

.تفسير الآية رقم (136):

{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136)}
{قَالُواْ سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الواعظين} فإنا لا نرعوي عما نحن عليه قالوا ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به عليه السلام، وعدلوا عن أم لم تعظ الذي يقتضيه الظاهر للمبالغة في بيان قلة اعتدادهم بوعظه عليه السلام لما في كلامهم على ما في النظم الجليل من استواء وعظه والعدم الصرف البليغ وهو عدم كونه من عداد الواعظين وجنسهم، وقيل: في وجه المبالغة إفادة كان الاستمرار و{الواعظين} الكمال واعتبارهما بقرينة المقام بعد النفي أي سواء علينا أوعظت أم استمر انتفاء كونك من زمرة من يعظ انتفاء كاملًا بحيث لا يرجى منك نقيضه، وقال في البحر: إن المقابلة بما ذكر لأجل الفاصلة كما في قوله تعالى: {سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صامتون} [الأعراف: 193] وكثيرًا ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه وليس بشيء كما لا يخفى.
وروي عن أبي عمرو. والكسائي ادغام الظاء في التاء في {وعظت} وبالإدغام قرأ ابن محيصن. والأعمش إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول فقرأ {أوعظتنا} وينبغي أن يكون إخفاء لأن الظاء مجهورة مطبقة والتاء مهموسة منفتحة فالظاء أقوى منها والإدغام إنما يحسن في المتماثلين أو في المتقاربين إذا كان الأول أنقص من الثاني.
وأما إدغام الأقوى في الأضعف فلا يحسن، وإذا جاء شيء من ذلك في القرآن بنقل الثقات وجب قبوله وإن كان غيره أفصح وأقيس. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (137):

{إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)}
{الواعظين إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الاولين} تعليل لما أدعوه من المساواة أي ما هذا الذي جئتنا به الإعادة الأولين يلفقون مثله ويدعون إليه أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم يزل الناس عليها أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا عادة الأولين الذين تقدمونا من الآباء وغيرهم ونحن بهم مقتدون، وقرأ أبو قلابة. والأصمعي عن نافع {خُلِقَ} بضم الخاء وسكون اللام، والمعنى عليه كما تقدم.
وقرأ عبد الله. وعلقمة. والحسن. وأبو جعفر. وأبو عمرو. وابن كثير. والكسائي {خُلِقَ} بفتح الخاء وسكون اللام أي ما هذا إلا اختلاق الأولين وكذبهم، ويؤيد هذا المعنى ما روى علقمة عن عبد الله أنه قرأ {إِلاَّ اختلاق الاولين} ويكون هذا كقول سائر الكفرة {أساطير الاولين} [الأنعام: 25] أو ما خلقنا هذا إلا خلق الأولين نحيي كما حيوا ونموت كما ماتوا، ومرادهم إنكار البعث والحساب المفهوم من تهديدهم بالعذاب، ولعل قولهم:

.تفسير الآية رقم (138):

{وَمَا نَحْنُ عَذَّبِينَ (138)}
{وَمَا نَحْنُ عَذَّبِينَ} أي على ما نحن عليه من الأعمال أصرح في ذلك.

.تفسير الآية رقم (139):

{فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139)}
{فَكَذَّبُوهُ} أي أصروا على تكذيبه عليه السلام {فأهلكناهم} بسببه بريح صرصر.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.

.تفسير الآيات (140- 141):

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)}
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين} هو اسم عجمي عند بعض والأكثرون على أنه عربي وترك صرفه لأنه اسم قبيلة، وهو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ومنه قيل فلان مثمود ثمدته النساء أي قطعن مادة مائة لكثرة غشيانه لهن ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى نفد مادة ماله أو ما يبقى في الجلد أو ما يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف. وفي القاموس ثمود قبيلة ويصرف وتضم الثاء وقرئ به أيضًا. وفي سبائك الذهب أنه في الأصل اسم لأبي القبيلة ثم نقل وجعل اسمًا لها، ووجه تأنيث الفعل هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ} [الشعراء: 123] وكذا الكلام في قوله سبحانه:

.تفسير الآيات (142- 145):

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145)}
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالح أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين} كالكلام فيما تقدم وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (146):

{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146)}
{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هاهنا ءامِنِينَ} إنكار لأن يتكروا فيما هم فيه من النعمة آمنين عن عذاب يوم عظيم فالاستفهام مثله في قوله تعالى السابق: {أَتَبْنُونَ} [الشعراء: 128] وقوله تعالى اللاحق: {أَتَأْتُونَ} [الشعراء: 165] وكأن القوم اعتقدوا ذلك فأنكره عليه السلام عليهم، وجوز أن يكون الاستفهام للتقرير تذكيرًا للنعمة في تخليته تعالى إياهم وأسباب نفعهم آمنين من العدو ونحوه واستدعاء لشكر ذلك بالإيمان.
وفي الكشف أن هذا أوفق في هذا المقام، وما موصولة و{هاهنا} إشارة إلى المكان الحاضر القريب أي أتتركون في الذي استقر في مكانكم هذا من النعمة، وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (147- 148):

{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)}
{فِي جنات وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} بدل من ما هاهنا بإعادة الجار كما قال أبو البقاء. وغيره، وفي الكلام إجمال وتفصيل نحو ما تقدم في قصة عاد.
وجوز أن يكون ظرفًا لآمنين الواقع حالًا وليس بذاك، والهضيم الداخل بعضه في بعض كأنه هضم أي شدخ. وسأل عنه نافع بن الأزرق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال له: المنضم بعضه إلى بعض فقال: وهل تعرف العرب ذلك، قال: نعم أما ما سمعت قول امرئ القيس:
دار لبيضاء العوارض طفلة ** مهضومة الكشحين ريا المعصم

وقال الزهري: هو اللطيف أول ما يخرج، وقال الزجاج: هو الذي رطبه بغير نوى وروي عن الحسن.
وقيل: هو المتدلى لكثرة ثمره، وقيل: هو النضيج من الرطب وروي عن عكرمة، وقيل: الرطب المذنب وروي عن يزيد بن أبي زياد، فوصف الطلع بالهضيم إما حقيقة أو مجاز وهو حقيقة وصف لثمره، وجعل بعضهم على بعض الأقوال الطلع مجازًا عن الثمر لأوله إليه، والنخل اسم جنس جمعي يذكر كما في قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر: 20] ويؤنث كما هنا، وليس ذلك لأن المراد به الاناث فإنه معلوم بقرينة المقام ولو ذكر الضمير.
وإفراده بالذكر مع دخوله في الجنات لفضله على سائر أشجارها أو لأن المراد بها غيره من الأشجار.

.تفسير الآية رقم (149):

{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)}
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا فارهين} أي أشرين بطرين كما روي عن ابن عباس. ومحمد بن العلاء، وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس تفسيره بنشطين مهتمين، وقال أبو صالح: أي حاذقين وبذلك فسره الراغب.
وقال ابن زيد: أي أقوياء، وأنت تعلم أن هذه الجملة داخلة في حيز الاستفهام السابق والأوفق به على القول الأول القول الأول وعلى القول الثاني كل من الأقوال الباقية وكلها سواء في ذلك إلا أنه يفهم من كلام بعضهم أن الفراهة حقيقة في النشاط مجاز في غيره وعليه يترجح تفسيره بنشطين إذا أريد التذكير.
وقرأ أبو حيوة. وعيسى. والحسن {تَنْحِتُونَ} بفتح الحاء. وقرئ {تنحاتون} بألف بعد الحاء إشباعًا، وعن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه أنه قرأ {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ} بالياء آخر الحروف وكسر الحاء، وعن أبي حيوة. والحسن أيضًا أنهما قرآ بالياء التحتية وفتح الحاء. وقرأ عبد الله. وابن عباس. وزيد بن علي. والكوفيون. وابن عامر {فارهين} بالف بعد الفاء، وقراءة الجمهور أبلغ لما ذكروا في حاذر وحذر. وقرأ مجاهد {متفرهين}.

.تفسير الآيات (150- 151):

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)}
{رَّبّكُمْ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ المسرفين} كأنه عني بالخطاب جمهور قومه وبالمسرفين كبراءهم وأعلامهم في الكفر والاضلال وكانوا تسعة رهط. ونسبة الاطاعة إلى الأمر مجاز وهي للآمر حقيقة وفي ذلك من المبالغة ما لا يخفى وكونه لا يناسب المقام فيه بحث. ويجوز أن تكون الإطاعة مستعارة للامتثال لما بينهما من الشبه في الافضاء إلى فعل ما أمر به أو مجازًا مرسلًا عنه للزومه له. ويحتمل أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية، وجوز عليه أن يكون الأمر واحد الأمور وفيه من البعد ما فيه والإسراف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، والمراد به هنا زيادة الفساد وقد أوضح ذلك على ما قيل بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (152):

{الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)}
{الذين يُفْسِدُونَ فِي الأرض} ولعل المراد ذمهم بالضلال في أنفسهم بالكفر والمعاصي وإضلالهم غيرهم بالدعوة لذلك، وللإيماء إلى عدم اختصاص شؤم فعلهم بهم حثًا على امتثال النهي قيل {فِى الأرض} والمراد بها أرض قمود، وقيل: الأررض كلها ولما كان {يُفْسِدُونَ} لا ينافي إصلاحهم أحيانًا أردف بقوله تعالى: {وَلاَ يُصْلِحُونَ} لبيان كمال إفسادهم وأنه لم يخالطه إطلاح أصلا.

.تفسير الآية رقم (153):

{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)}
{قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين} أي الذين سحروا كثيرًا حتى غلب على عقولهم، وقيل: أي من ذوي السحر أي الرئة فهو كناية عن كونه من الأناسي فقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (154):

{مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)}
{مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} على هذا تأكيد له وعلى الأول هو مستأنف للتعليل أي أنت مسحور لأنك بشر مثلنا لا تميز لك علينا فدعواك إنما هي لخلل في عقلك {مَا أَنتَ} أي بعلامة على صحه دعواك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} فيها.