فصل: تفسير الآيات (174- 176):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (172):

{ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (172)}
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الاخرين} أهلكناهم أشدا هلاك وأفظعه وكان ذلك الائتفاك. والظاهر العطف على {نَجَّيْنَا} [الشعراء: 170] والتدمير متراخ عن التنجية من مطلق العذاب فلا حاجة إلى القول بأن المراد أردنا تنجيته أو حكمنا بها أو معنى {فنجيناه} فاستجبنا دعاءه في تنجيته وكل ذلك خلاف الظاهر.
وجوز الطيبي كون {ثُمَّ} للتراخي في الرتبة.

.تفسير الآية رقم (173):

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)}
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} أي نوعا من المطر غير معهود فقد كان حجارة من سجيل كما صرح به في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} [هود: 82].
وجمع الأمران لهم زيادة في اهانتهم. وقيل: كان الائتفاك لطائفة والأمطار لأخرى منهم. وكانت هذه على ما روي عن مقاتل للذين كانوا خارجين من القرية لبعض حوائجهم ولعله مراد قتادة بالشذاذ فيما روي عنه {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} اللام فيه للجنس وبه يتسنى وقوع المضاف إليه فاعل ساء بناء على أنها عنى بئس. والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم وإذا لم تكن ساء كذلك جاز كونها للعهد.

.تفسير الآيات (174- 176):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)}
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم كَذَّبَ أصحاب لْئَيْكَةِ المرسلين} الأيكة الغيضة التي تنبت ناعم الشجر وهي غيضة من ساحل البحر إلى مدين يسكنها طائفة وكانوا ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام وكان أجنبيًا منهم ولذلك قيل.

.تفسير الآية رقم (177):

{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)}
{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} ولم يقل أخوهم، وقيل: {لْئَيْكَةِ} الشجر الملتف وكان شجرهم الدوم وهو المقل، وعلى القولين {كَذَّبَ أصحاب} غير أهل مدين، ومن غريب النقل عن ابن عباس أنهم هم أهل مدين.
وقرأ الحرميان. وابن عامر {ليكة} بلام مفتوحة بعدها ياء بغير ألف ممنوع الصرف هنا، وفي ص؛ قال أبو عبيدة: وجدنا في بعض كتب التفسير أن {ليكة} اسم للقرية و{أصحاب لْئَيْكَةِ} البلاد كلها كمكة. وبكة. ورأيتها في الإمام مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه في الحجر و{ق} {لْئَيْكَةِ} وفي {الشعراء وص} {ليكة} واجتمعت مصاحب الأمصار كلها بعد ذلك ولم تختلف، وفي الكشاف من قرأ بالنصب، وزعم أن {ليكة} بوزن ليلة اسم بلد فتوهم قاد أليه خط المصحف حيث وجدت مكتوبة هنا وفي {العالمين ص} بغير ألف، وفي المصحف أشياء كتبت على خلاف الخط المصطلح عليه وإنما كتبت في هاتين السورتين عل حكم لفظ اللافظ كما يكتب أصحاب النحو الآن لأن والأولى لولى لبيان لفظ المخفف. وقد كتبت في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة على أن {ليكة} اسم لا يعرف انتهى، وتعقب بأنه دعوى من غير ثبت وكفى ثبتًا للمخالف ثبوت القراءة في السبعة وهي متواترة كيف وقد انضم إليه ما سمعت عن بعض كتبت التفسير. وإن لم تعول عليه فما روي البخاري في صحيحه {أصحاب لْئَيْكَةِ} وليكة الغيضة، هذا وان الأسماء المرتجلة لا منع منها، وفي البحر أن كون مادة ل. ي. ك مفقودة في لسان العرب كما تشبث به من أنكر هذه القراءة المتواترة إن صح لا يضر وتكون التكلمة عجمية ومواد كلام العجم مخالفة في كقر مواد كلام العرب فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث، وبالجملة إنكار الزمخشري صحة هذه القراءة يقرب من الردة والعياذ بالله تعالى. وقد سبقه في ذلك المبرد. وابن قتيبة. والزجاج. والفارسي. والنحاس، وقرئ {ليكة} بحذف الهمة والقاء حركتها على اللام والجر بالكسرة وتكتب على حكم لفظ اللافظ بدون همزة وعلى الأصل بالهمزة وكذا نظائرها.

.تفسير الآيات (178- 180):

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)}
{تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين أَوْفُواْ الكيل} أي أتموه.

.تفسير الآية رقم (181):

{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)}
{وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} أي حقوق الناس بالتطفيف ولعل المبالغة المستفادة من التركيب متوجهة إِلى النهي أو أنه لا يعتبر المفهوم لنحو ما قيل في قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة} [آل عمران: 130] وأيًا ما كان ففي النهي المذكور تأكيد للأمر السابق.

.تفسير الآية رقم (182):

{وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)}
{وَزِنُواْ} الموزونات.
{بالْقسْطَاس الْمُسْتَقيم} أي بالميزان السوى، وقيل: القسطاس القبان وروي ذلك عن الحسن، وهو عند بعض معرب رومي الأصل ومعناه العدل وروي ذلك عن مجاهد. وعند آخرين عربي فقيل: هو من القسط ووزنه فعلاع بتكرير العين شذوذًا إذ هي لا تكرر وحدها مع الفصل باللام، وقيل. من قسطس وهو رباعي ووزنه فعلال، والمراد الأمر بوفاء الوزن وإتمامه والنهي عن النقص دون انلهي عن الزيادة، والظاهر أنه لم ينه عنها ولم يؤمر بها في الكيل والوزن، وكأن ذلك دليل على أن من فعلها فقد أحسن ومن لم يفعلها فلا عليه.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى {وَزِنُواْ} إلخ وعدلوا أموركم كلها يزان العدل الذي جعله الله تعالى لعباده، والظاهر إذ عادل سبحانه به {أَوْفُواْ الكيل} ما تقدم.
وقرأ أكر السبعة {بالقسطاس} بضم القاف.

.تفسير الآية رقم (183):

{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)}
{وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءهُمْ} أي لا تنقصوهم شيئًا من حقوقهم أي حق كان فإضافة أشياء جنسية ويجوز أن تكون للاستغراق، والمراد مقابلة الجمع بالجمع فيكون المعنى لا تبخسوا أحدًا شيئًا، وجوز أن يكون الجمع للإشارة إلى الأنواع فإنهم كانوا يبخسون كل شيء جليلًا كان أو حقيرًا، وهذا تعميم بعد تخصيص بعص المراد بالذكر لغاية إنهما كهم فيه، وقيل: المراد بأشيائهم الدراهم والدنانير وبخسها بالقط من أطرافها ولولاه لم يجمع. وبخس مما يتعدى إلى اثنين فالمنصوبان مفعولاه، وقيل هو متعد لواحد فالثاني بدل استمال {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} بالقتل والغارة وقطع الطريق ونحو ذلك. والعثو الفساد أو أشده و«مفسدين» حال مؤكدة، وجوز أن يكون المراد مفسدين آخرتكم فتكون حالا مؤسسة.

.تفسير الآية رقم (184):

{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)}
{واتقوا الذي خَلَقَكُمْ والجبلة الاولين} أي وذوي الجبلة أي الخلقة والطبيعة أو والمجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها وسبلهم التي قيضوا لسلوكها المتقدمين عليكم من الأمم، وجاء في رواية عن ابن عباس أن الجبلة الجماعة إذا كانت عشرة آلاف كأنها شبهت على ما قيل بالقطعة العطيمة من الجبل، وقيل: هي الجماعة الكثيرة مطلقًا كأنها شبهت بما ذكر أيضًا.
وقرأ أبو حصين. والأعمش. والحسن بخلاف عنه {الجبلة} بضم الجيم والباء وشد اللام. وقرأ السلمي {الجبلة} بكسر الجيم وسكون الباء كالخلقة، وفي نسخة عنه بفتح الجيم وسكون الباء قيل وتشديد اللام في القراءتين للمبالغة.

.تفسير الآيات (185- 186):

{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)}
{يُصْلِحُونَ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} الكلام فيه نظير ما تقدم في قصة ثمود بيد أنه أدخل الواو بين الجملتين هنا للدلالة على أن كلا من التسحير والبشرية مناف للرسالة فيكف إذا اجتمعا وأرادوا بذلك المبالغة في التكذيب، ولم تدخل هناك حيث لم يقصد إلا معنى واحد وهو كونه مسحرًا ثم قرر بكونه بشرًا مثلهم كذا في الكشاف، وفي الكشف أن فيه ما يلوح إلى اختصاص كل وضعه وإن الكلام هنالك في كونه مثلهم غير ممتاز بما يوجب الفضيلة ولهذا عقبوه بقولهم: {فأت بآيةَ} [الشعراء: 154] فدل على أنهم لم يجعلوا البشرية منافية للنبوة وإنما جعلوا الوصف تمهيدًا للاشتراك وأنه أبدع في دعواه، وههنا ساقوا ذلك مساق ما ينافي النبوة فجعلوا كل واحد صفة مستقلة في المنافاة ليكون أبلغ. وجعلوا إنكار النبوة أمرًا مفروغًا ولذا عقبوه بقولهم: {وَإِن نَّظُنُّكَ} إلخ، وقال النيسابوري في وجه الاختصاص إن صالحًا عليه السلام قلل في الخطاب فقللوا في الجواب وأكثر شعيب عليه السلام في الخطاب ولهذا قيل له: خطيب الإنبياء فأكثروا في الجواب، ولعله أراد أن شعيبًا عليه السلام في الخطاب ولهذا قيل له: خطيب الأنبياء فأكثروا في الجواب، ولعله أراد أن شعيبًا عليه السلام بالغ في زجرهم فبالغوا في تكذيبه ولا كذلك صالح عليه السلام مع قومه فتأمل، و{ءانٍ} في قوله سبحانه: {وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين} هي المخففة من الثقيلة واللام في {لِمَنْ} هي الفارقة، وقال الكوفيون: إن نافية واللام عنى إلا وهو خلاف مشهور أي وإن الشأن نظنك من الكاذبين في الدعوى أو ما نظنك إلا من الكاذبين فيها، ومرادهم أنه عليه السلام وحاشاه راسخ القدم في الكذب في دعواه الرسالة أو فيها وفي دعوى نزول العذاب الذي يشعر به الأمر بالتقوى من التهديد.
وظاهر حالهم إنهم عنوا بالظن الإدراك الجازم، وقوله عز وجل.

.تفسير الآية رقم (187):

{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)}
{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مّنَ السماء إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} من الاقتراح الذي تحته كل الإنكار على نحو {إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32] ولعلهم قابلوا به ما أشعر به الأمر بالتقوى مما ذكرنا، و«كسفا» أي قطعا كما روي عن ابن عباس. وقتادة جمع كسفة كقطعة.
وقرأ الأكثرون «كسفا» بكسر الكاف وسكون السين وهو أيضًا جمع كسفة مثل سدرة وسدر، وقيل: الكسف والكسفة كالريع والريعة وهي القطعة، والمراد بالسماء اما المظلمة وهو الظاهر وإما السحاب، والظاهر أن الجار والمجرور متعلق حذوف وقع صفة لما قبله وتعلقه بأسقط في غاية السقوط، وجوز عليه أن يراد بالسماء جهة العلو، وجواب أن محذوف دل عليه فأسقط، ومن جوز تقدم الجواب جعله الجواب.

.تفسير الآية رقم (188):

{قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بما تَعْمَلُونَ (188)}
{قَالَ رَبّى أَعْلَمُ بما تَعْمَلُونَ} أي هو تعالى أعلم بأعمالكم من الكفر والمعاصي وا تستوجبون عليها من العذاب فسينزله عليكم حسا تستوجبون في وقته المقدر له لا محالة.

.تفسير الآية رقم (189):

{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)}
{فَكَذَّبُوهُ} فاستمروا على تكذيبه وكذبوه تكذيبًا بعد تكذيب {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} وذلك على ما أخرج عبد بن حميد. وابن جرير. وابن املنذر.، وابن أبي حاتم. والحاكم عن ابن عباس أن الله تعالى بعث عليهم حرًا شديدًا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواب البيوت فدخل عليهم فخرجوا منها هرابًا إلى البرية فبعث الله تعالى عليهم سحابة فاظلتهم من الشمس وهي الظلة فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقطها الله عز وجل عليهم نارًا فأكلتهم جميعًا. وجاء في كثير من الروايات أن الله عز وجل سلط عليهم الحر سبعة أيام ولياليهن ثم كان ما كان من الخروج إلى البرية وما بعده وكان ذلك على نحو ما اقترحوه لاسيما على القول أنهم عنوا بالسماء السحاب، وفي إضافة العذاب إلى يوم الظلة دون نفسها إيذان بأن لهم عذابًا آخر غير عذاب الظلة وفي ترك بيانه تعظيم لأمره.
وقد أخرج ابن جرير. والحاكم. وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة فكذبه، وكأنه أراد بذلك مجموع عذاب الظلة الذي ذكر في الخبر السابق والعذاب الآخر الذي آذنت به الإضافة إلى اليوم {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي في الشدة والهول وفظاعة ما وقع فيه من الطامة والداهية التامة.