فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (1):

{وَالْعَصْرِ (1)}
{والعصر} قال مقاتل أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها لأنها الصلاة الوسطى عند الجمهور لقوله عليه الصلاة والسلام شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ولما في مصحف حفصة والصلاة الوسطى صلاة العصر وفي الحديث: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» وروي أن امرأة كانت تصيح في سكك المدينة دلوني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآها عليه الصلاة والسلام فسألها ماذا حدث فقال يا رسول الله إن زوجي غاب فزنيت فجاءني ولد من الزنا فألقيت الولد في دن خل فمات ثم بعت ذلك الخل فهل لي من توبة فقال عليه الصلاة والسلام أما الزنا فعليك الرجم بسببه وأما القتل فجزاؤه جهنم وأما بيع الخل فقد ارتكبت كبيرًا لكن ظننت أنك تركت صلاة العصر ذكر ذلك الإمام وهو لعمر إمام في نقل مثل ذلك مما لا يعول عليه عند أئمة الحديث فإياك والاقتداء به وخصت بالفضل لأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واستغالهم عايشهم وقيل أقسم عز وجل بوقت تلك الصلاة لفضيلة صلاته أو لخلق آدم أبي البشر عليه السلام فيه من يوم الجمعة وإلى هذا ذهب قتادة فقد روي عنه أنه قال العصر العشى أقسم سبحانه به كما أقسم بالضحى لما فيهما من دلائل القدرة وقال الزجاج العصر اليوم والعصر الليلة وعلية قول حميد بن ثور.
ولم يلبث العصران يوم وليلة ** إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

وقيل العصر بكرة والعصر عشية وهما إلا برادان وعليه وعلى ما قبله يكون القسم بواحد من الأمرين غير معين وقيل المراد به عصر النبوة وكأنه عني به وقت حياته عليه الصلاة والسلام فإنه أشرف الأعصار لتشريف النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هو زمان حياته صلى الله عليه وسلم وما بعده إلى يوم القيامة ومقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار ويؤذن بذلك ما رواه البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما بقاؤكم فيمن سلف قلبكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس» وشرفه لكونه زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأمته التي هي خير أمة أخرجت للناس ولا يضره تأخيره كما لا يضر السنان تأخره عن أطراف مرانه والنور تأخره عن أطراف أغصانه وقال ابن عباس هو الدهر أقسم عز وجل به لاشتماله على أصناف العجائب ولذا قيل له أبو العجب وكأنه تعالى يذكر بالقسم به ما فيه من النعم وأضدادها لتنبيه الإنسان المستعد للخسران والسعادة ويعرض عز وجل لما في الأقسام به من التعظيم بنفي أن يكون له خسران أو دخل فيه كما يزعمه من يضيف الحوادث إليه وفي إضافة الخسران بعد ذلك للإنسان اشعار بأنه صفة له لا للزمان كما قيل:
يعيبون الزمان وليس فيه ** معايب غير أهل للزمان

وتعقب بأن استعمال العصر بذلك المعنى غير ظاهر.

.تفسير الآية رقم (2):

{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)}
{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} أي خسران في متاجرهم ومساعيهم وصرف أعمارهم في مباغيهم التي لا ينتفعون بها في الآخرة بل را تضربهم إذا حلوا الساهرة والتعريف للاستغراق بقرينة الاستثناء والتنكير قيل للتعظيم أي في خسر عظيم ويجوز أن يكون للتنويع أي نوع من الخشر غير ما يعرفه الإنسان.

.تفسير الآية رقم (3):

{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
{إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فإنهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفاني الخسيس واشتروا الباقي النفيس واسبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيا لها من صقفة ما أربحها ومنفعة جامعة للخير ما أوضحها والمراد بالموصول كل من اتصف بعنوان الصلة لا علي كرم الله تعالى وجهه وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فقط كما يتوهم من اقتصار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الذكر عليهما بل هما داخلان في ذلك دخولًا أوليًا ومثل ذلك اقتصاره في الإنسان الخاسر على أبي جهل وهو ظاهر وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم وقوله تعالى: {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} إلخ بيان لتكميلهم لغيرهم أي وصى بعضًا بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من الإيمان بالله عز وجل واتباع كتبه ورسله عليهم السلام في كل عقد وعمل {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى ما يبتلى الله تعالى به عباده من المصائب والصبر المذكور داخل في الحق وذكر بعده مع إعادة الجاروالفعل المتعلق هو به لإبراز كمال العناية به ويجوز أن يكون الأول عبارة رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضى الله تعالى والثاني عبارة رتبة العبودية التيهي الرضا بما فعل الله تعالى فإن المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تتوق إليه من فعل أو ترك بل هو تلقي ما ورد منه عز وجل بالجميل والرضا به باطنًا وظاهرًا وقرأ سلام وهرون وابن موسى عن أبي عمرو والعصر بكسر الصاد والصبر بكسر الباء قال ابن عطية وهذا لا يجوز ألا في الوقف على نقل الحركة وروي عن أبي عمرو بالصبر بكسر الباء اشماما وهذا كما قال لا يكون أيضًا إلا في الوقف وقال صاحب اللوامح قرأ عيسى البصرة بالصبر بنقل حركة الراء إلى الباء لئلا يحتاج إلى أن يؤتى ببعض الحركة في الوقف ولا إلى أن يسكن فيجمع بين ساكنين وذلك لغة شائعة وليست بشاذة بل مستفيضة وذلك دلالة على الاعراب وانفصال من التاء الساكنين وتأدية حق الموقوف عليه من السكون انتهى ومن هذا كما في البحر قوله:
أنا جرير كنيتي أبو عمرو ** اضرب بالسيف وسعد في العصر

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان يقرى والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر وانه لقيه إلى آخر الدهر وأخرج عبد بن حميد وابن أبي داود في المصاحف عن ميمون بن مهران أنه قرأ والعصر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا إلخ وذكر انها قراءة ابن مسعود هذا واستدل بعض المعتزلة بما في هذه السورة على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار لأنه لم يستثن فيها عن الخسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلخ وأجيب عنه بأنهلا دلالة في ذلك على أكثر من كون غير المستثنى في خسر وأما على كونه مخلدًا في النار فلا كيف والخسر عام فهو اما بالخلود ان مات كافرًا وأما بالدخول في النار ان مات عاصيًا ولم يغفروا ما بفوت الدرجات العاليات إن غفر وهو جواب حسن وللشيخ الماتريدي رحمه الله تعالى في التفصي عن ذلك تكلفات مذكورة في التأويلات فلا تغفل وفي السورة من الندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ما لا يخفى.

.سورة الهمزة:

مكية وآيها تسع بلا خلاف في الأمرين ولما ذكر سبحانه فيما قبلها أن الإنسان سوى من استثنى في خسر بين عز وجل فيها أحوال بعض الخاسرين فقال عز من قائل:
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}
{وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} تقدم الكلام على اعراب مثل هذه الجملة والهمز والكسر كالهمز واللمز الطعن كاللهز شاعا في الكسر من اعراض الناس والغض منهم واغتيابهم والطعن فيهم وأصل ذلك كان استعارة لأنه لا يتصور الكسر والطعن الحقيقيان في الأجسام فصار حقيقة عرفية ذلك وبناء فعلة يدل على الاعتياد فلا يقال ضحكة ولعنة إلا للمكثر المتعود قال زياد الأعجم.
إذا لقيتك عن شحط تكاشرني ** وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وجماعة عن ابن عباس أن سئل عن ذلك فقال هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغري بين الإخوان وأخرج ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وغيرهما عن مجاهد الهمزة الطعان في الناس واللمزة الطعان في الأنساب وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية الهمز في الوجه واللمز في الخلف وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن جريج الهمز بالعين والشدق واليد واللمز باللسان وقيل غير ذلك وما تقدم أجمع. وقرأ الباقر رضي الله تعالى عنه لكل همزة لمزة بسكون الميم فيهما على البناء الشائع في معنى المفعول وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك فيضحك منه ويشتم ويهمز ويلمز ونزل ذلك على ما أخرج بن أبي حاتم من طريق ابن إسحق عن عثمان بن عمر في أبي بن خلف وعلى ما أخرج عن السدى في أبي بن عمر والثقفي الشهير بالاخنس بن شريق فإنه كان متغتابًا كثير الوقعية وعلى ما قال ابن اسحق في أمية بن خلف الجمحي وكان يهمز النبي صلى الله عليه وسلم ويعيبه وعلى ما أخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد في جميل بن عامر وعلى ما قيل في الوليد بن المغيرة واغتيابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وغضه منه وعلى قول في العاص بن وائل ويجوز أن يكون نازلًا في جميع من ذكر لكن استشكل نزولها في الأخنس بأنه على ما صححه ابن حجر في «الإصابة» أسلم وكان من المؤلفة قلوبهم فلا يتأتى الوعيد الآتي في حقه فامًا أن لا يصح ذلك أو لا يصح إسلامه وأيضًا استشكلت قراءة الباقر رضي الله تعالى عنه بناء على ما سمعت في معناها وكون الآية نازلة في الوليد بن المغيرة ونحوه من عظماء قريش وبه اندفع ما في التأويلات من أنه كيف عيب الكافر بهذين الفعلين مع أن فيه حالا أقبح منهما وهو الكفر وأما ما أجاب به من أن الكفر غير قبيح لنفسه بخلافهما فلا يخفى ضعفه لأن فوت الاعتقاد الصحيح أقبح من كل شيء قبيح وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (2):

{الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)}
{الذى جَمَعَ مَالًا} بدل من {كل} بدل كل وقيل بدل بعض من كل وقال الجاربردي يجوز أن يكون صفة له لأنه معرفة على ما ذكره الزمخشري في قوله تعالى: {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} [ق: 21] إذ جعل جملة معها سائق حالا من كل نفس لذلك ولا يخفى ما فيه ويجوز أن يكون منصوبًا أو مرفوعًا على الذم وتنكير مالا للتفخيم والتكثير وقد كان عند القائلين إنها نزلت في الأخنس أربعة آلاف دينار وقيل عشرة آلاف وجوز أن يكون للتحقير والتقليل باعتبار أنه عند الله تعالى أقل وأحقر شيء وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر والاخوان جمع بشد الميم للتكثير وهو أوفق بقوله تعالى: {وَعَدَّدَهُ} أي عدة مرة بعد أخرى حباله وشغفا به وقيل جعله أصنافًا وأنواعًا كعقار ومتاع ونقود حكاه في التأويلات وقال غير واحد أي جعله عدة ومدخرًا لنوائب الدهر ومصائبه وقرأ الحسن والكلبي وعدده بالتخفيف فقيل معناه وعده فهو فعل ماض فك إدغامه على خلاف القياس كما في قوله:
مهلا اعاذل هل جربت من خلقي ** إنى أجود لأقوام وان ضننوا

وقيل هو اسم عنى العدد المعروف معطوف على ماله أي جمع ماله وضبط عدده وأحصاه وليس ذلك على ما في الكشف من باب:
علفتها تبنا وماء باردًا

لأن جمع العدد عبارة عن ضبطه وإحصائه فلا يحتاج إلى تكلف وعلى الوجهين أيد بالقراءة المذكورة المعنى الأول لقراءة الجمهور وقيل هو اسم عنى الاتباع والأنصار يقال فلان ذو عدد وعدد إذا كان له عدد وافر من الأنصار وما يصلحهم وهو معطوف على ماله أيضًا أي جمع ماله وقومه الذين ينصرونه.

.تفسير الآية رقم (3):

{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}
{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} جملة حالية أو استئنافية وأخلده وخلده عنى أي تركه خالذًا أي ما كثا مكثًا لا يتناهى أو مكثا طويلًا جدًا والكلام من باب الاستعارة التمثيلية والمرادان المال طول أمله ومناه الأماني البعيدة فهو يعمل من تشييد البنيان وغرس الأشجار وكرى الأنهار ونحو ذلك عمل من يظن أنه ماله أبقاه حيا والاظهار في مقام الاضمار لزيادة التقرير والتعبير بالماضي للمبالغة في المعنى المراد وجوز أن يراد انه حاسب ذلك حقيقة لفرط غروره واشتغاله بالجمع والتكاثر عما امامه من قوارع الآخرة أو لزعمه إن الحياة والسلامة عن الأمراض والآفات تدور على مراعاة الأسباب الظاهرة وإن المال هو المحور لكرتها والملك المطاع في مدينتها وقيل المراد انه يحسب المال من المخلدات ولا نظر فيه إلى أن الخلود دنيوي أو أخروي ذكرًا أو عينًا إنما النظر في إثباتا هذه الخاصة للمال والغرض منه التعريض بأن ثم مخلدًا ينبغي للعاقل أن يكب عليه وهو السعي للآخرة وهو بعيد جدًا ولذا لم يجعل بعض الأجلة التعريض وجهًا مستقلًا وزعم عصام الدين أنه يحتمل أن يكون فاعل أخلد الحاسب ومفعوله المال أن يظن أن يحفظ ماله أبدًا ولا يعرف أنه مرعض للحوادث أو للمفارقة بالموت كما قيل بشر مال البخيل بحادث أو وارث وهو لعمري مما لا عصام له.