فصل: تفسير الآية رقم (10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (7):

{إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)}
{إِلاَّ مَا شَاء الله} استثناء مفرغ من أعم المفاعيل أي لا تنسى أصلًا مما سنقرئكه شيئًا من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه قيل أي أبدًا قال الحسن وقتادة وغيرهما وهذا مما قضى الله تعالى نسخة وأن يرتفع حكمه وتلاوته والظاهر أن النسيان على حقيقته وفي الكشاف أي إلا ما شاء الله فذهب به عن حفظك برفع حكمه وتلاوته وجعل النسيان عليه عنى رفع الحكم والتلاوة وكناية عنه لأن ما رفع حكمه وتلاوته يترك فينسى فكأنه قيل بناه على إرادة المعنيين في الكتايات سنقرئك القرآن فلا تنسى شيئًا منه ولا يرفع حكمه وتلاوته إلا ما شاء الله فتنساه ويرفع حكمه وتلاوته أو نحو هذا وأنا لا أرى ضرورة إلى اعتبار ذلك والباء في برفع إلخ للسببية والمراد إما بيان السبب العادي البعيد الذهاب الله تعالى به عن الحفظ فإن رفع الحكم والتلاوة يؤدي عادة في الغالب إلى ترك التلاوة لعدم التعبد بها وإلى عدم اخطاره في البال لعدم بقاء حكمه وهو يؤدي عادة في الغالب أيضًا إلى النسيان أو بيان السبب الدافع لاستبعاد الذهاب به عن حفظه عليه الصلاة والسلام وهو كالسبب المجوز لذلك وأيًا ما كان فلا حاجة إلى جعل معنى فلا تنسى فلا تترك تلاوة شيء منه والعمل به فتأمل ثم انه لا يلزم من كون ما شاء الله تعالى نسيانه مما قضى سبحانه إن يرتفع حكمه وتلاوته أن يكون كل ما ارتفع حكمه وتلاوته قد شاء الله تعالى نسيان النبي صلى الله عليه وسلم فإن من ذلك ما يحفظه العلماء إلى اليوم فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات الحديث وكونه صلى الله عليه وسلم نسى الجميع يعد تبليغه وبقي ما بقي عند بعض من سمعه منه عليه الصلاة والسلام فنقل حتى وصل إلينا بعيد وإن أمكن عقلًا وقيل كان صلى الله عليه وسلم يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل عليه السلام فقيل لا تعجل فإن جبريل عليه السلام مأمور أن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه ثم لا تنساه إلا ما شاء الله تعالى ثم تذكره بعد النسيان وأنت تعلم أن الذكر بعد النسيان وان كان واجبًا إلا أن العلم به لا يستفاد من هذا المقام وقيل إن الاستثناء عنى القلة وهذا جار في العرف كأنه قيل إلا ما لا يعلم لأن المشيئة مجهولة وهو لا محالة أقل من الباقي بعد الاستثناء فكأنه قيل فلا تنسى شيئًا إلا شيئًا قليلًا وقد جاء في صحيح البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أسقط آية في قراءته في الصلاة وكانت صلاة الفجر فحسب أبي أنها نسخت فسأله عليه الصلاة والسلام فقال نسيتها ثم أنه عليه الصلاة والسلام لا يقر على نسيانه القليل أيضًا بل يذكره الله تعالى أو ييسر من يذكره ففي البحر أنه صلى الله عليه وسلم قال حين سمع قراءة عباد بن بشير «لقد ذكرني كذا وكذا آية في سورة كذا وكذا» وقيل الاستثناء عنى القلة وأريد بها النفي مجازًا كما في قولهم قل من يقول كذا قيل والكلام عليه من باب:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

البيت.
والمعنى فلا تنسى إلا نسيانًا معدوما وفي الحواشي العصامية على أنوار التنزيل أن الاستثناه على هذا الوجه لتأكيد عموم النفي لا لنقض عمومه وقد يقال الاستثناء من أعم الأوقات أي فلا تنسى في وقت من الأوقات إلا وثت مشيئة الله تعالى نسيانك لكنه سبحانه لا يشاء وهذا كما قيل في قوله تعالى في أهل الجنة {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} [هود: 107] وقد قدمنا ذلك وإلى هذا ذهب الفراء فقال إنه تعالى ما شاء الله ينسى النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا إلا أن المقصود من الاستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصيره عليه الصلاة والسلام ناسيًا لذلك لقدر عليه كما قال سبحانه: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} [الإسراء: 86] ثم انا نقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك وقله له صلى الله عليه وسلم {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65] مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يشرك البتة وبالجملة ففائدة هذا الاستثناء إن يعرفه الله تعالى قدرته حتى يعلم صلى الله عليه وسلم أن عدم النسيان من فضلة تعالى واحسانه لا من قوته أي حتى يتقوى ذلك جدًا أو ليعرف غيره ذلك وأن نفي أن يشاء الله تعالى نسيانه عليه الصلاة والسلام معلوم من خارج ومنه آية {لا تحرك به لسانكلتعجل به} [القيامة: 16] الآية وقد أشار أبو حيان إلى ما قاله الفراء وإلى الوجه الذي قبله وإباهما غاية الآباء لعدم الوقوف على حقيقتهما وقال لا ينبغي أن يكون ذلك في كلام الله تعالى بل ولا في كلام فصيح وهو مجازفة منه عفا الله تعالى عنه ثم إن المراد من نفى نسيان شيء من القرآن نفى النسيان التام المستمر مما لا يقر عليه صلى الله عليه وسلم كالذي تضمنه الخبر السابق ليس كذلك وقد ذكروا أنه عليه الصلاة والسلام لا يقر على النسيان فيما كان من أصول الشرائع والواجبات وقد يقر على ما ليس منها أو منها وهو من الآداب والسنن ونقل هذا عن الإمام الرازي عليه الرحمة فليحفظ والالتفات إلى الاسم الجليل على سائر الأوجه لتربية المهابة والإيذان بدوران المشيئة على عنوان الألوهية المستتبعة لسائر الصفات وربط الآية بما قبلها على الوجه الذي ذكرناه هو الذي اختاره في الإرشاد وقال أبو حيان إنه سبحانه لما أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيح وكان لا يتم إلا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن وكان صلى الله عليه وسلم يتفكر في نفسه مخافة أن ينسى أزال سبحانه عنه ذلك بأنه عز وجل يقرئه وأنه لا ينسى إلا ما شاء أن ينسيه لمصلحة وفيه نظر لا يخفى ولو قيل إن {سنقرئك} استئناف واقع موقع التعليل للتسبيح أو للأمر به فيفيد جلالة الإقراء وأنه مما ينبغي أن يقابل بتنزيه الله تعالى وإجلاله كان أخون مما ذكر ونحوه كونه في موقع التعليل على معنى هيئ نفسك للإفاضة عليك بتسبيح الله تعالى لأنا سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ويتضمن ذلك الإشارة إلى فضل التسبيح وقد وردت أخبار كثيرة في ذلك وذكر الثعلبي بعضًا منها ونقله ابن الشيخ في «حواشيه» على تفسير البيضاوي والله تعالى أعلم بصحته {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى} تعليل لما قبله والجهر هنا ما ظهر قولًا أو فعلًا أو غيرهما وليس خاصًا بالأقوال بقرينة المقابلة أي أنه تعالى يعلم ما ظهر وما بطن من الأمور التي من جملتها حالك وحرصك على حفظ ما يوحي إليك بأسره فيقرئك ما يقرئك ويحفظك عن نسيان ما شاء منه وينسيك ما شاء منه مراعاة لما نيط بكل من المصالح والحكم التشريعية وقيل توكيد لجميع ما تقدمه وتوكيد لما بعده وقيل توكيد لقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ} إلخ على أن الجهر ما ظهر من الأقوال أي يعلم سبحانه جهرك بالقراءة مع جبريل عليه السلام وما دعاك إليه من مخافة النسيان فيعلم ما فيه الصلاح من إبقاء وانساء أو فلا تخف فإني أكفيك ما تخاف وقيل إنه متعلق بقوله تعالى: {سَبِّحِ اسم رَبّكَ الاعلى} [الأعلى: 1] وهذا ليس بشيء كما ترى.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)}
{وَنُيَسّرُكَ لليسرى} عطف على {سنقرئك} كما ينبئ عنه الالتفات إلى الحكاية وما بينهما اعتراض وارد لما سمعت وتعليق التيسير به صلى الله عليه وسلم مع أن الشائع تعليقه بالأمور المسخرة للفاعل كما في قوله تعالى: {وَيَسّرْ لِى أَمْرِى} [طه: 26] للإيذان بقوة تمكينه عليه الصلاة والسلام من اليسرى والتصرف فيها بحيث صار ذلك ملكة راسخة له كأنه عليه الصلاة والسلام جبل عليها أي نوفقك توفيقًا مستمرًا للطريقة اليسرى في كل باب من أبواب الدين علمًا وتعليمًا واهتداء وهداية فيندرج فيه تيسير تلقي طريقي الوحي والإحاطة بما فيه من أحكام الشريعة السمحة والنواميس الإلهية مما يتعلق بتكميل نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم وتكميل غيره كما يفصح عنه الفاء فيما بعد كذا في الإرشاد وقيل المراد باليسرى الطريقة التي هي أيسر وأسهل في حفظ الوحي وقيل هي الشريعة الحنيفية السهلة وقيل الأمور الحسنة في أمر الدنيا والآخرة من النصر وعلو المنزلة والرفعة في الجنة وضم إليها بعض أمر الدين وهو مع هذا الضم تعميم حسن وظاهر عليه أيضًا أمر الفاه في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (9):

{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)}
{فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى} أي فذكر الناس حسا يسرناك بما يوحي إليك واهدهم إلى ما في تضاعيفه من الأحكام الشرعية كما كنت تفعله وقيل أي فذكر بعد ما استتب أي استقام وتهيأ لك الأمر فإن أراد فدم على التذكير بعدما استقام لك الأمر من اقرائك الوحي وتعليمك القرآن بحيث لا تنسى منه إلا ما اقتضت المصلحة نسيانه وتيسيرك للطريقة اليسرى في كل باب من أبواب الدين فذاك وإلا فليس بشيء وتقييد التذكير بنفع الذكرى لما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ذكر وبالغ فيه فلم يدع في القوس منزعًا وسلك فيه كل طريق فلم يترك مضيفًا ولا مهيعًا حرصًا على الايمان وتوحيد الملك الديان وما كان يزيد ذلك بعض الناس إلا كفرًا وعنادًا وتمردًا وفسادًا فأمر صلى الله عليه وسلم تخفيفًا عليه حيث كاد الحرص على ايمانهم يوجه سهام التلف إليه كما قال تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف: 6] بأن يخص التذكير واد النفع في الجملة بأن يكون من يذكره كلًا أو بعضًا ممن يرجى منه التذكر ولا يتعب نفسه الكريمة في تذكير من لا يورثه التذكير إلا عتوا ونفورًا وفسادًا وغرورًا من المطبوع على قلوبهم كما في قوله تعالى: {فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] وقوله سبحانه: {فَأَعْرَضَ مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا} [النجم: 29] وعلمه صلى الله عليه وسلم بمن طبع على قلبه بإعلام الله تعالى إياه عليه الصلاة والسلام به فهو صلى الله عليه وسلم بعد التبليغ وإلزام الحجة لا يجب عليه تكرير التذكير على من علم أنه مطبوع على قلبه فالشرط على هذا على حقيقته وقيل إنه ليس كذلك وإنما هو استبعاد النفع بالنسبة إلى هؤلاء المذكورين نعيًا عليهم بالتصميم كأنه قيل افعل ما أمرت به لتؤجر وإن لم ينتفعوا به وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم ورجح الأول بأن فيه إبقاء الشرط على حقيقته مع كونه أنسب بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (10):

{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)}
{سَيَذَّكَّرُ مَن يخشى} أي سيذكر بتذكيرك من من شأنه أن يخشى الله تعالى حق خشيته أو من يخشى الله تعالى في الجملة فيزداد ذلك بالتذكير فيتفكر في أمر ما تذكره به فيقف على حقيته فيؤمن به وقيل إن {إن} عنى إذ كما في قوله تعالى: {وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] أي إذ كنتم لأنه سبحانه لم يخبرهم بكونهم الأعلون إلا بعد إيمانهم وقوله صلى الله عليه وسلم في زيادة أهل القبور {وَإِنَّا إِن شَاء الله تَعَالَى بِكُمْ} وأثبت هذا المعنى لها الكوفيون احتجاجًا بما ذكر ونظائره وأجاب النافون عن ذلك بما في «المغنى» وغيره وقيل هي عنى قد وقد قال بهذا المعنى قطرب وقال عصام الدين المراد أن التذكير ينبغي أن يكون بما يكون مهمًا لمن له التذكير فينبغي تذكير الكافرين بالايمان لا بالفروع كالصلاة والصوم والحج إذ لا تنفعه بدون الايمان وتذكير المؤمن التارك للصلاة بها دون الايمان مثلًا وهكذا فكأنه قيل ذكر كل واحد بما ينفعه ويليق به وقال الفراء والنحاس والجرجاني والزهراوي الكلام على الاكتفاء والأصل فذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] والظاهر أن الذين لا يقولون فهوم المخالفة سواء كان مفهوم الشرط أو غيره لا يشكل عليهم أمر هذه الآية كما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11)}
{وَيَتَجَنَّبُهَا} أي ويتجنب الذكرى ويتحاماها {الاشقى} وهو الكافر المصر على إنكار المعاد ونحوه الجازم بنفي ذلك مما يقتضي الخشية بوجه وهو أشقى أنواع الكفرة وقيل المراد به الكافر المتوغل في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم كالوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وقد روى أن الآية نزلت فيهما فإنه أشقى من غير المتوغل وقيل المراد به الكافر مطلقًا فإنه أشقى من الفاسق وقيل المفضل عليه كفرة سائر الأمم فإنه حيث كان المؤمن من هذه الأمة أسعد من مؤمنيهم كان الكافر منها أشقى من كافريهم والأوجه عندي في المراد بالأشقى ما تقدم.

.تفسير الآية رقم (12):

{الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12)}
{الذى يَصْلَى النار الكبرى} أي الطبقة السفلى من أطباق النار كما قال الفراء ولا بعد في تفاضل نار الآخرة وكون بعض منها أكبر من بعض وأشد حرارة وقال الحسن الكبرى نار الآخرة والصغرى نار الدنيا ففي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم وفي رواية للإمام أحمد عنه مرفوعًا أيضًا أن هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم فلعل السبعين وارد مورد التكثير وهو كثير.