فصل: تفسير الآية رقم (119):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (116):

{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)}
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط نُوحٌ} عما أنت عليه {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} أي المرميين بالحجارة كما روي عن قتادة، وهو توعد بالقتل كما روي عن الحسن، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن المعنى من المشتومين على أن الرجم مستعار للشتم كالطعن، وفي إرشاد العقل السليم أنهم قاتلهم الله تعالى قالوا ذلك في أواخر الأمر، ومعنى قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (117):

{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)}
{قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ} استمروا على تكذيبي وأصروا عليه بعد ما دعوتهم هذه الأزمنة المتطاولة ولم يزدهم دعائي إلا فرارًا. وهذا ليس بإخبار بالاستمرار على التكذيب لعلمه عليه السلام أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد إظهار ما يدعو عليهم لأجله وهو تكذيب الحق لا تخويفهم له واستخفافهم به في قولهم: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط نُوحٌ لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} [الشعراء: 116] تلطفًا في فتح باب الإجابة، وقيل: لدفع توهم الخلق فيه المتجاوز أو الحدة، وقيل: إنه خبر لم يقصد منه الإعلام أصلًا وإنما أورد لغرض التحزن والتفجع كما في قوله:
قومي هم قتلوا أميم أخي ** فلئن رميت يصيبني سهمي

ويبعد ذلك في الجملة تفريع الدعاء عليهم بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (118):

{فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)}
{فافتح بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} على ذلك أي أحكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا من الفتاحة عنى الحكومة، و{فَتْحًا} مصدر، وجوز أن يكون مفعولًا به على أنه عنى مفتوحًا وهذه حكاية إجمالية لدعائه عليه السلام المفصل في سورة نوح {وَنَجّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ المؤمنين} أي من قصدهم أو شؤم أعمالهم، وفيه إشعار بحلول العذاب بهم.

.تفسير الآية رقم (119):

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)}
{فأنجيناه وَمَن مَّعَهُ} على حسب دعائه عليه السلام {فِى الفلك المشحون} أي المملوء بهم وا يحتاجون إليه حالًا كالطعام أو مالًا كالحيوان.
والملك يستعمل واحدًا وجمعًا، وحيث أتى في القرآن الكريم فاصلة استعمل مفردًا أو غير فاصلة استعمل جمعًا كما في البحر.

.تفسير الآية رقم (120):

{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)}
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ} أي بعد إنجائهم، و{ثُمَّ} للتفاوت الرتبي، ولذا قال سبحانه بعد بعد {الباقين} أي من قومه.

.تفسير الآيات (121- 122):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)}
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم} الكلام فيه نظير الكلام فيما تقدم، وكذا الكلام في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (123):

{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)}
{كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} بيد أن تأنيث الفعل هنا باعتبار أن المراد بعاد القبيلة وهو اسم أبيهم الأقصى، وكثيرًا ما يعبر عن القبيلة إذا كانت عظيمة بالأب وقد يعبر عنها ببني أو بآل مضافًا إليه فيقال: بنو فلان أو آل فلان، وكذا الكلام في قوله سبحانه:

.تفسير الآيات (124- 127):

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127)}
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين} وحكاية الأمر بالتقوى والإطاعة ونفي سؤال الأجر في القصص الخمس وتصديرها بذلك للتنبيه على أن مبني البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو إلى الثواب ويبعده من العقاب وأن الأنبياء عليهم السلام مجتمعون على ذلك وإن اختلفوا في بعض فروع الشرائع المختلفة باختلاف الأزمنة والأعصار وإنهم عليهم السلام منزهون عن المطامع الدنيوية بالكلية.
ولعله لم يسلك هذا المسلك في قصتي موسى. وإبراهيم عليهما السلام تفننًا مع ذكر ما يشعر بذلك، وقيل: إن ما ذكر ثمة أهم وكانت منازل عاد بين عمان. وحضرموت وكانت أخصب البلاد وأعمرها فجعلها الله تعالى مفاوز ورمالًا، ويشير إلى عمارتها قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (128):

{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128)}
{أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍ} أي طريق كما روي عن ابن عباس. وقتادة.
وأخرج ابن جرير. وجماعة عن مجاهد أن الريع الفج بين الجبلين. وعن أبي صخر أنه الجبل والمكان المرتفع عن الأرض. وعن عطاء أنه عين الماء. والأكثرون على أنه المكان المرتفع وهو رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومنه ريع النبات وهو ارتفاعه بالزيادة والنماء.
وقرأ ابن أبي عبلة {رِيعٍ} بفتح الراء {ءايَةً} أي علمًا كما روي عن الحبر رضي الله تعالى عنه، وقيل: قصرًا عاليًا مشيدًا كأنه علم وإليه ذهب النقاش. وغيره واستظهره ابن المنير؛ ويمكن حمل ما روي عن الحبر عليه وحينئذٍ فقوله تعالى: {تَعْبَثُونَ} على معنى تعبثون ببنائها لما أنهم لم يكونوا محتاجين إليها وإنما بنوها للفخر بها.
والعبث ما لا فائدة فيه حقيقة أو حكمًا، وقد ذم رفع البناء لغير غرض شرعي في شريعتنا أيضًا، وقيل: إن عبثهم في ذلك من حيث أنهم بنوها ليهتدوا بها في أسفارهم والنجوم تغني عنها. واعترض بأن الحاجة تدعو لذلك لغيم مطبق أو ما يجري مجراه. وأجيب بأن الغيم نادر لاسيما في ديار العرب مع أنه لو احتيج إليها لم يحتج إلى أن تجعل في كل ريع فيكون بناؤها كذلك عبثًا.
وقال الفاضل اليمني: إن أماكنها المرتفعة تغني عنها فهي عبث، وقيل: كانوا يبنون ذلك ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم: وروي ذلك عن الكلبي. والضحاك، وعن مجاهد. وابن جبير أن الآية برج الحمام كانوا يبنون البروج في كل ريع ليلعبوا بالحمام ويلهوا به، وقيل: بيت العشار يبنونه بكل رأس طريق فيجلسون فيه ليعشروا مال من يمر بهم. وله نظير في بلادنا اليوم، ولا مستعان إلا بالله العلي العظيم.
والجملة في موضع الحال وهي حال مقدرة على بعض الأقوال.

.تفسير الآية رقم (129):

{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)}
{وَتَتَّخِذُونَ} أي تعملون {مَصَانِعَ} أي مآخذ للماء ومجاري تحت الأرض كما روي عن قتادة، وفي رواية أخرى عنه أنها برك الماء. وعن مجاهد أنها القصور المشيدة، وقيل: الحصون المحكمة. وأنشدوا قول لبيد:
وتبقى جبال بعدنا ومصانع

وليس بنص في المدعى {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي راجين أن تخلدوا في الدنيا أو عاملين عمل من يرجو الخلود فيها فلعل على بابها من الرجاء، وقيل: هي للتعليل وفي قراءة عبد الله {كَى تَخْلُدُونَ}.
وقال ابن زيد: هي للاستفهام على سبيل التوبيخ والهزء بهم أي هل أنتم تخلدون، وكون لعل للاستفهام مذهب كوفي، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: المعنى كأنكم خالدون وقرئ بذلك كما روي عن قتادة، وفي حرف أبي {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} وظاهر ما ذكر أن لعل هنا للتشبيه، وحكى ذلك صريحًا الواقدي عن البغوي.
وفي البرهان هو معنى غريب لم يذكره النحاة. ووقع في صحيح البخاري أن لعل في الآية للتشبيه انتهى.
وقرأ قتادة {تَخْلُدُونَ} مبنيًا للمفعول مخففاف ويقال: خلد الشيء وأخلده غيره، وقرأ أبي. وعلقمة {تَخْلُدُونَ} مبنيًا للمفعول مشددًا كما قال الشاعر:
وهل يعمن إلا سعيد مخلد ** قليل هموم ما يبيت بأوجال

.تفسير الآية رقم (130):

{وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)}
{وَإِذَا بَطَشْتُمْ} أي أردتم البطش بسوط أو سيف {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} مسلطين غاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب ولا نظر في العاقبة. وأول الشرط بما ذكر ليصح التسبب وتقييد الجزاء بالحال لا يصححه لأن المطلق ليس سببًا للمقيد، وقيل: لا يضر الاتحاد لقصد المبالغة، وقيل: الجزائية باعتبار الإعلام والإخبار وهو كما ترى. ونظير الآية قوله:
متى تبعثوها تبعثوها دميمة

ودل توبيخه عليه السلام إياهم بما ذكر على استيلاء حب الدنيا والكبر على قلوبهم حتى أخرجهم ذلك عن حد العبودية.

.تفسير الآية رقم (131):

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)}
{فاتقوا الله} واتركوا هذه الأفعال {وَأَطِيعُونِ} فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم.

.تفسير الآية رقم (132):

{وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بما تَعْلَمُونَ (132)}
{واتقوا الذي أَمَدَّكُمْ بما تَعْلَمُونَ} أي بالذي تعرفونه من النعم فما موصولة والعائد محذوف والعلم عنى المعرفة، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (133):

{أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)}
{أَمَدَّكُمْ بأنعام وَبَنِينَ} منزلة منزلة بدل البعض كما ذكره غير واحد من أهل المعاني، ووجهه عندهم أن المراد التنبيه على نعم الله تعالى والمقام يقتضي اعتناء بشأنه لكونه مطلوبًا في نفسه أو ذريعة إلى غيره من الشكر بالتقوى، وقوله سبحانه: {أَمَدَّكُمْ بأنعام} إلخ أوفى بتأدية ذلك المراد لدلالته على النعم بالتفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين المعاندين فوزانه وزان وجهه في أعجبني زيد وجهه لدخول الثاني في الأول لأن {مَا تَعْلَمُونَ} يشمل الأنعام وما بعدها من المعطوفات، ولا يخفى ما في التفصيل بعد الإجمال من المبالغة، وفي البحر أن قوله تعالى: {بأنعام} على مذهب بعض النحويين بدل من قوله سبحانه: {ا تَعْلَمُونَ} [الشعراء: 132] وأعيد العامل كقوله تعالى: {اتبعوا المرسلين اتبعوا مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: 20، 21] والأكثرون لا يجعلون مثل هذا إبدالًا وإنما هو عندهم من تكرار الجمل وإن كان المعنى واحدًا ويسمى التتبيع، وإنما يجوز أن يعاد العامل عندهم إذا كان حرف جر دون ما يتعلق به نحو مررت بزيد بأخيك انتهى.
ونقل نحوه عن السفاقسي، وقال أبو حيان: الجملة مفسرة لما قبلها ولا موضع لها، وبدأ بذكر الأنعام لأنها تحصل بها الرياسة والقوة على العدو والغنى الذي لا تكمل اللذة بالبنين وغيرهم في الأغلب إلا به وهي أحب الأموال إلى العرب ثم بالبنين لأنهم معينوهم على الحفظ والقيام عليها ومن ذلك يعم وجه قرنهما، ووجه قرن الجنات والعيون في قوله تعالى: