فصل: تفسير الآية رقم (138):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (138):

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
{وَجَاوَزْنَا ببَني إسْرَائيلَ البحر} شروع بعد انتهاء قصة فرعون في قصة بني إسرائيل وشرح ما أحدثوه بعد أن من الله تعالى عليهم بما من واراهم من الآيات ما أراهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه من اليهود بالمدينة فإنهم جروا معه على دأب أسلافهم مع أخيه موسى عليه السلام وإيقاظًا للمؤمنين أن لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة نعم الله تعالى عليهم فإن بني إسرائيل وقعوا فيما وقعا لغفلتهم عما من الله تعالى به عليهم، وجاوز عنى جاز وقرئ {جوزنا} بالتشديد وهو أيضًا عنى جاز فعدى بالباء أي قطعنا البحر بهم، والمراد بالبحر بحر القلزم.
وفي مجمع البيان أنه نيل مصر وهو كما في البحر خطأ، وعن الكلبي أن موسى عليه السلام عبر بهم يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصاموه شكرًا لله تعالى: {فَأَتَوْا} أي مروا بعد المجاوزة.
{عَلَى قَوْم} قال قتادة: كانوا من لخم اسم قبيلة ينسبون كما صححه ابن عبد البر إلى لخم بن عدي بن عمرو بن سبا، وقيل: كانوا من العمالقة الكنعانيين الذين أمر موسى عليه السلام بقتالهم.
{يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَهُمْ} أي يواظبون على عبادتها ويلازمونها، وكانت كما أخرج ابن المنذر. وغيره عن ابن جريج تماثيل بقر من نحاس، وهو أول شأن العجل، وقيل: كانت من حجارة، وقيل: كان بقرًا حقيقة وقرأ حمزة. والكسائي {يعكفون} بكسر الكاف {قَالُوا} عندما شاهدوا ذلك {يَا مُوسَى اجعل لَنَا إلَهًا} مثالًا نعبده {كَمَا لَهُمْ ءَالهَةٌ} الكاف متعلقة حذوف وقع صفة لإلها و{ما} موصولة و{لهم} صلتها و{آلهة} بدل من الضمير المستتر فيه، والتقدير اجعل لنا إلها كائنًا كالذي استقر هو لهم.
وجوز أبو البقاء أن تكون ما كافة للكاف، ولذا وقع بعدها الجملة الإسمية وأن تكون مصدرية، ولهم متعلق بفعل أي كما ثبت لهم {قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تعجب عليه السلام من قولهم هذا بعدما شاهدوه من الآية الكبرى والبينة العظمى فوصفهم بالجهل على أتم وجه حيث لم يذكر له متعلقًا ومفعولًا لتنزيله منزلة اللازم أو لأن حذفه يدل على عمومه أي تجهلون كل شيء فدخل فيه الجهل بالربوبية بالطريق الأولى، وأكد ذلك بأن، وتوسيط قوم وجعل ما هو المقصود بالأخبار وصفًا له ليكون كما قال العلامة كالمتحقق المعلوم وهذه كما ذكر الشهاب نكتة سرية في الخبر الموطئ لادعاء أن الخبر لظهور أمره وقيام الدليل عليه كأنه معلوم متحقق فيفيد تأكيده وتقريره ولولاه لم يكن لتوسيط الموصوف وجه من البلاغة.

.تفسير الآية رقم (139):

{إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}
{إنَّ هَؤُلاَء} أي القوم الذين يعكفون على هذه الأصنام {مُتَبَّرٌ} أي مدمر مهلك كما قال ابن عباس {مَا هُمْ فيه} من الدين يعني يدمر الله تعالى دينهم الذي هم عليه على يدي ويهلك أصنامهم ويجعلها فتاتًا {وباطل} أي مضمحل بالكلية، وهو أبلغ من حمله على خلاف الحق {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي ما استمروا على عمله من عبادتها وإن قصدوا بذلك التقرب إلى الله تعالى وأن المراد أن ذلك لا ينفعهم أصلاف، وحمل {ما كانوا يعملون} على الأصنام لأنها معمولة لهم خلاف الظاهر جدًا، والجملة تعليل لإثبات الجهل المؤكد للقوم، وفي إيقاع اسم ازشارة كما في الكشف أن اسم الإشارة بعد إفادة الإحضار وأكمل التمييز يفيد أنهم أحقاء بما أخبر عنه به بواسطة ما تقدم من العكوف، والتقديم يؤذن بأن حال ما هم فيه ليست غير التبار وحال عملهم ليست إلا البطلان فهم لا يعدونهما فهمًا لهم ضربة لازب.
وجوز أبو البقاء أن يكون {ما هم فيه} فاعل متبر لاعتماده على المسند إليه وهو في نفسه مسًا ولاحتمال أن يكون ما هم فيه مبتدأ ومتبر خبر له أو ارجح منه إلا أن المقام كما قال القطب وغيره اقتضى ذلك فليفهم.

.تفسير الآية رقم (140):

{قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}
{قَالَ أَغَيْرَ الله أَبْغيكُمْ إلَهًا} قيل: هذا هو الجواب وما تقدم مقدمة وتمهيد له، ولعله لذلك أعيد لفظ له: وقال شيخ الإسلام: هو شروع فـ بيان شؤون الله تعالى الموجبة لتخصيص العبادة به سبحانه بعد بيان أن ما طلبوا عبادته مما لا يمكن طلبه أصلًا لكونه هالكًا باطلًا أصلًا ولذلك وسط بينهما قال مع كون كل منهما كلام موسى عليه السلام، وقال الشهاب: أعيد لفظ {قال} مع اتحاد ما بين القائلين لأن هذا دليل خطابي بتفضيلهم على العالمين، ولم يستدل بالتمانع العقلي لأنهم عوام انتهى، وفي إقامة برهان التمانع على الوثنية القائلين {ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] والمجيبين إذا سئلوا من خلق السموات والأرض بخلقهن الله خفاء، والظاهر إقامته على التنويه كما لا يخفى، والاستفهام للإنكار وانتصاب {غير} على أنه مفعول أبغيكم وهو على الحذف والإيصال، والأصل أبغى لكم، وعلى ذلك يخرج كلام الجوهري وإن كان ظاهره أن الفعل متعد لمفعولين والهاء تمييز، وجوز أبو البقاء أن يكون مفعولًا به لأبغي وغير صفة له قدمت فصارت حالًا، وأيًا ما كان فالمقصود هنا اختصاص الإنكار بغيره تعالى دون إنكار الاختصاص، والمعنى أغير المستحق للعبادة أطلب لكم معبودًا {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين} أي عالمي زمانكم أو جميع العالمين، وعليه يكون المراد تفضيلهم بتلك الآيات لا مطلقًا حتى يلزم تفضيلهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما الأنبياء والملائكة عليهم السلام فلا يدخلون في المفضل عليهم بوجه بل هم خارجون عن ذلك بقرينة عقلية، والجملة حالية مقررة لوجه الإنكار، أي والحال أنه تعالى خص التفضيل بكم فأعطاكم نعمًا لم يعطها غيركم، وفيه تنبيه على ما صنعوا من سوء المعاملة والمقابلة حيث قابلوا التفضل بالتفضيل والاختصاص بأن قصدوا أن يشركوا به أخس مخلوقاته؛ وهذا الاختصاص مأخوذ من معنى الكلام وإلا فليس فيه ما يفيد ذلك، وتقديم الضمير على الخبر لا يفيده وإن كان اختصاصًا آخر على ما قيل، أي هو المخصوص بأنه فضلكم على من سواكم، وجوز أبو البقاء كون الجملة مستأنفة.

.تفسير الآية رقم (141):

{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
{وَإِذْ أنجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَونَ} بإهلاكهم وتخليصكم منهم، وإذ إما مفعول به لاذكروا محذوفًا بناءً على القول بأنها تخرج عن الظرفية أي اذكروا ذلك الوقت ويكون ذلك كناية عن ذكر ما فيه وإما ظرف لمفعول اذكروا المحذوف أي اذكروا صنيعنا معكم في ذلك الوقت، وهو تذكير من جهته تعالى بنعمته العظيمة وقرئ {نجيناكم} من التنجية، وقرأ ابن عامر {أَنجَاكُمْ} فيكون من مقول موسى عليه السلام، وقال بعضهم: إنه على قراءة الجمهور أيضًا كذلك على أن ضمير أنجنا لموسى وأخيه عليهما السلام أولهما ولمن معهما أوله وحده عليه السلام مشيرًا بالتعظيم إلى تعظيم أمر الإنجاء وهو خلاف الظاهر، وقيل: إنه من كلام الله تعالى تتميمًا لكلام موسى عليه السلام كما في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} [طه: 53] بعد قوله سبحانه: {الذى جَعَل لَكُمُ الأرض مَهْدًا} [طه: 53] وهو كالتفسير لقوله سبحانه: {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ} [الأعراف: 140].
وقوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ العذاب} أي يولونكم ذلك ويكلفونكم إياه إما استئناف بياني، كأنه قيل: ما فعل بهم أو مم أنجوا؟ فأجيب بما ذكر، وإما حال من ضمير المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما معًا لاشتماله على ضميرهما. وقوله عز اسمه: {يُقَتّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} بدل من يسومونكم مبين له، ويحتمل الاستئناف أيضًا {وَفِى ذلكم} الإنجاء أو سوء العذاب {بَلاء} نعمة أو محنة، وقيل: المراد به ما يشملهما {مّن رَّبّكُمْ} أي مالك أموركم {عظِيمٌ} لا يقادر قدره. وفي الآية التفات على بعض ما تقدم، ثم إن هذا الطلب لم يكن كما قال محيي السنة البغوي عن شك منهم بوحدانية الله تعالى وإنما كان غرضهم إلهًا يعظمونه ويتقربون بتعظيمه إلى الله تعالى وظنوا أن ذلك لا يضر بالديانة وكان ذلك لشدة جهلهم كما أذنت به الآيات، وقيل: إن غرضهم عبادة الصنم حقيقة فيكون ذلك ردة منهم، وأيًا ما كان فالقائل بعضهم لا كلهم، وقد اتفق في هذه الأمة نحو ذلك فقد أخرج الترمذي وغيره عن أبي واقد الليثي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة حنين فمر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم ويعكفون حولها يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبحان الله» وفي رواية «الله أكبر» هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138] والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم» وأخرج الطبراني وغيره من طريق كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده«قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ونحن ألف ونيف ففتح الله تعالى مكة وحنينًا حتى إذا كنا بين حنين والطائف في أرض فيها سدرة عظيمة كان يناط بها السلاح فسميت ذات أنواط فكانت تعبد من دون الله فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم صرف عنها في يوم صائف إلى ظل هو أدنى منها فقال له رجل: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها السنن قلتم والذي نفس محمد بيده كما قالت بنو إسرائيل {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} [الأعراف: 138]» وفي هذا الخبر تصريح بأن القائل رجل واحد، ولعل ذلك كان عن جهل يعذر به ولا كون به كافرًا وإلا لأمره صلى الله عليه وسلم بتجديد الإسلام ولم ينقل ذلك فيما وقفت عليه، والناس اليوم قد اتخذوا من قبيل ذات الأنواط شيئًا كثيرًا لا يحيط به نطاق الحصر، والآمر بالمعروف أعز من بيض الأنوق والامتثال بفرض الأمر منوط بالعيوق والأمر لله الواحد القهار.

.تفسير الآية رقم (142):

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
{وواعدنا موسى ثلاثين لَيْلَةً} روي أن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهم صر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى عليه السلام ربه الكتاب فأمره أن يصوم ثلاثين وهو شهر ذي القعدة فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فمه فتسوك فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة.
وأخرج الديلمي عن ابن عباس يرفعه لما أتى موسى عليه السلام ربه عز وجل وأراد أن يكلمه بعد الثلاثين وقد صام ليلهن ونهارهن كره أن يكلم ربه سبحانه وريح فمه ريح فم الصائم فتناول من نبات الأرض فمضغه فقال له ربه: لم أفطرت؟ وهو أعلم بالذي كان قال: أي رب كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح، قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك؟ ارجع فصم عشرة أيام ثم ائتني ففعل موسى عليه السلام الذي أمره ربه وذلك أمره ربه وذلك قوله سبحانه: {فَأْتُواْ بِعَشْرِ} والتعبير عنها بالليالي كما قيل لأنها غرر الشهور.
وقيل: إنه عليه السلام أمره الله تعالى أن يصوم ثلاثين يومًا وأن يعمل فيها بما يقر به من الله تعالى ثم أنزلت عليه التوراة وكلم فيها، وقد أجمل ذكر الأربعين في البقرة وفصل هنا، {وواعدنا} عنى وعدنا، وبذلك قرأ أبو عمرو. ويعقوب، ويجوز أن تكون الصيغة على بابها بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد، وقد تقدم تحقيقة. و{ثلاثين} كما قال أبو البقاء مفعول ثان لواعدنا بحذق المضاف أي إتمام ثلاثين ليلة أو اتيانها {فَتَمَّ ميقات رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} من قبيل الفذلكة لما تقدم، وكأن النكتة في ذلك أن اتمام الثلاثين بعشر يحتمل المعنى المتبادر وهو ضم عشرة إلى ثلاثين لتصير بذلك أربعين، ويحتمل أنها كانت عشرين فتمت بعشرة ثلاثين كما يقال أتممت العشرة بدرهمين على معنى أنها لولا الدرهمان لم تصر عشرة فلدفع توهم الاحتمال الثاني جيء بذلك، وقيل: إن الإتمام بعشر مطلق يحتمل أن يكون تعيينها بتعيين الله تعالى أو بإرادة موسى عليه السلام فجيء بما ذكر ليفيد أن المراد الأول، وقيل: جيء به رمزًا إلى أنه لم يقع في تلك العشر ما يوجب الجبر، والميقات عنى الوقت، وفرق جمع بينهما بأن الوقت مطلق والميقات وقت قدر فيه عمل من الأعمال ومنه مواقيت الحج، ونصب {أَرْبَعِينَ} قيل: على الحالية أي بالغًا أربعين، ورده أبو حيان بأنه على هذا يكون معمولًا للحال المحذوف لا حالًا، وأجيب بأن النحويين يطلقون الحكم الذي للعامل لمعموله القائم مقامه فيقولون في زيد في الدار إن الجار والمجرور خبر مع أن الخبر إنما هو متعلقة.
وتعقب بأن الذي ذكره النحاة في الظرف دون غيره فالأحسن أنه حال بتقدير معدودًا، وفيه أن دعوى تخصيص الذكر في الظرف خلاف الواقع كما لا يخفى على المتتبع، وأن ما زعمه أحسن مما تقدم يرد عليه ما يرد عليه، وقيل: إنه تمييز، وقيل: إنه مفعول به بتضمين {تم} معنى بلغ، وقيل: إن تم من الأفعال الناقصة وهذا خبره وهو خبر غريب، وقيل: إنه منصوب على الظرفية. وأورد عليه أنه كيف تكون الأربعين ظرفًا للتمام والتمام إنما هو بآخرها إلا أن يتجوز فيه.
{وَقَالَ مُوسَى} حين توجه إلى المناجاة حسا أمر به {لاِخِيهِ هارون} اسم أعجمي عبراني لم يقع في كلام العرب بطريق الاصالة، ويكتب بدون الف، وهو هنا بفتح النون على أنه مجرور بدلًا من أخيه أو بيانًا له، أو منصوب مفعولًا به لمقدر أعني أعني وقرئ شاذا بالضم على أنه خبر مبتدأ محذوف هو هو أو منادي حذف منه حرف النداء أي يا هرون {اخلفنى} أي كن خليفتي {فِى قَوْمِى} وراقبهم فيما يأتون وما يذرون، واستخلافه عليه السلام لأخيه مع أنه عليه السلام كان نبيًا مرسلًا مثله قيل: لأن الرياسة كانت له دونه، واجتماع الرياسة مع الرسالة والنبوة ليس أمرًا لازمًا كما يرشد إلى ذلك سبر قصص أنبياء بني اسرائيل، وذكر الشيخ الأكبر قدس سره في فتوحاته أن هارون ذكر له أن نبي بحكم الأصالة ورسول بحكم التبعية فلعل هذا الاستخلاف من آثار تلك التبعية، وقيل: إن هذا كما يقول أحد المأمورين صلحة للآخر إذا أراد الذهاب لأمر: كن عوضا عني على معنى أبذل غاية وسعك ونهاية جهدك بحيث يكون فعلك فعل شخصين {وَأَصْلَحَ} ما يحتاج إلى الاصلاح من أمور دينهم، أو كن مصلحا على أنه منزل منزلة اللازم من غير تقدير مفعول.
وعن ابن عباس أنه يريد الرفق بهم والإحسان إليهم، وقيل: المراد احملهم على الطاعة والصلاح {وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} أي ولا تتبع سبيل من سلك الافساد بدعوة وبدونها، وهذا من باب التوكيد كما لا يخفى.