فصل: تفسير الآية رقم (167):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (155):

{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)}
{قَالَ هذه نَاقَةٌ} أي بعد ما أخرجها الله تعالى بدعائه.
روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء تخرج من صخرة عينوها ثم تلد سقبا فقعد عليه السلام يتذكر فقال له: جبريل عليه السلام صل ركعتين وسل ربك ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سقبًا مثلها في العظم فعند ذلك قال لهم: هذه ناقة {لَّهَا شِرْبٌ} أي نصيب مشروب من الماء كالسقى والقيت للنصيب من السقى والوقت وكان هذا الشرب من عين عندهم.
وفي مجمع البيان عن علي كرم الله تعالى وجهه أن تلك العين أول عين نبعت في الأرض وقد فجرها الله عز وجل لصالح عليه السلام {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} فاقتنعوا بشربكم ولا تزاحموها على شربها.
وقرأ ابن أبي عبلة {شُرْبَ} بضم الشين فيهما، واستدل بالآية على جواز قسمة ماء نحو الآبار على هذا الوجه.

.تفسير الآية رقم (156):

{وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)}
{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} كضرب وعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه وهو أبلغ من عظم العذاب وهذا من المجاز في النسبة، وجعل {عظِيمٌ} صفة {عَذَابِ} والجر للمجاورة نحو هذا جحر ضب خرب ليس بشيء.

.تفسير الآية رقم (157):

{فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157)}
{فَعَقَرُوهَا} نسب العقر إليهم كلهم مع أن عاقرها واحد منهم وهو قدار بن سالف وكان نساجًا على ما ذكره غير واحد، وجاء في رواية أن مسطعًا ألجأها إلى مضيق في شعب فرماها بسهم فأصاب رجلها فسقطت ثم ضربها قدار لما روي أن عاقرها قال: لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقول: أترضين؟ فتقول: نعم وكذلك الصبيان فرضوا جميعًا، وقيل: لأن العقر كان بأمرهم ومعاونتهم جميعًا كما يفصح عنه قوله تعالى: {فَنَادَوْاْ صاحبهم فتعاطى فَعَقَرَ} [القمر: 29] وفيه بحث {فَأَصْبَحُواْ نادمين} خوفًا من حلول العذاب كما قال جمع، وتعقب بأنه مردود بقوله تعالى: {وَقَالُواْ} أي بعد ما عقروها: {وَقَالُواْ ياصاح ائتنا بما تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} [الأعراف: 77]، وأجيب بأن قوله بعد ما عقروها في حيز المنع إذ الواو لا تدل على الترتيب فيجوز أن يريدوا بما تعدنا من المعجزة أو الواو حالية أي والحال أنهم طلبوها من صالح ووعدوه الإيمان بها عند ظهورها مع أنه يجوز ندم بعض وقول بعض آخر ذلك بإسناد ما صدر من البعض إلى الكل لعدم نهيهم عنه أو نحو ذلك أو ندموا كلهم أو لا خوفًا ثم قست قلوبهم وزال خوفهم أو على العكس، وجوز أن يقال: إنهم ندموا على عقرها ندم توبة لكنه كان عند معاينة العذاب وعند ذلك لا ينفع الندم، وقيل: لم ينفعهم ذلك لأنهم لم يتلافوا ما فعلوا بالإيمان المطلوب منهم.
وقيل: ندموا على ترك سقبها ولا يخفى بعده، ومثله ما قيل: إنهم ندموا على عقرها لما فاتهم به من لبنها، فقد روي أنه إذا كان يومها أصدرتهم لنا ما شاؤوا.

.تفسير الآية رقم (158):

{فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)}
{فَأَخَذَهُمُ العذاب} الموعود وكان صيحة خمدت لها أبدانهم وانشقت قلوبهم وماتوا عن آخرهم وصب عليهم حجارة خلال ذلك.

.تفسير الآيات (159- 160):

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)}
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} وكانوا من أصهاره عليه السلام.

.تفسير الآيات (161- 165):

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165)}
{أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} إنكار وتوبيخ. والاتيان كناية عن الوطء. و{الذكران} جمع ذكر مقابل الأنثى. والظاهر أن {مّن العالمين} متصل به أي أتأتون الذكران من أولاد بني آدم على قرط كثرتهم وتفاوت أجناسهم وغلبة إناثهم على ذكر انهم كأن الإناث قد أعوزتكم فالمراد بالعالمين الناس لأن المأتى الذكور منهم خاصة والقرينة إيقاع الفعل والجمع بالواو والنون من غير نظر إلى تغليب. وأما خروج الملك والجن فمن الضرورة العقلية. ويجوز أن يكون متصلًا بتأتون أي أتأتون من بين من عداكم من العالمين الذكر أن لا يشارككم غبه غيركم فالمراد بالعالمين كل من يتأتى منه الاتيان. والعالم على هذا ما يعلم به الخالق سبحانه. والجمع للغليب وخروج غيره لما مر. ولا يضر كون الحمار. والخنزير يأتيان الذكور في أمر الاختصاص للندرة أو لاسقاطهما عن حيز الاعتبار، وجوز أن يراد بالعالمين على الوجه الثاني الناس أيضًا، وإذا قيل بشمولهم لمن تقدم من العالمين تفيد الآية أنهم أول من سن هذه السنة السيئة كما يفصح عنه قوله تعالى: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين} [الأعراف: 80].

.تفسير الآية رقم (166):

{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)}
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ} لأجل استمتاعكم، وكلمة {مِنْ} في قوله تعالى: {مّنْ أزواجكم} للبيان إن أريد بما جنس الإناث، ولعل في الكلام حينئذ مضافين محذوفين أي وتذرون إتيان فروج ما خلق لكم أو للتبعيض إن أريد بما العضو المباح من الأزواج. ويؤيده قراءة ابن مسعود {مَا إصلاح لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أزواجكم} وحينئذ يكتفي بتقدير مضاف واحد أي وتذرون اتيان ما خلق. ويكون في الكلام على ما قيل تعريض بأنهم كانوا يأتون نساءهم أيضًا في محاشهن ولم يصرح بإنكاره كما صرح بإنكار اتيان الذكر ان لأنه دونه في الإثم.
وهو على المشهور عند أهل السنة حرام بل كبيرة. وقيل: هو مباح، وقد تقدم الكلام في ذلك مبسوطًا عند الكلام في قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223] وقيل: ليس في الكلام مضاف محذوف أصلًا، والمراد ذمهم بترك ما خلق لهم وعدم الالتفات إليه بوجه من الوجوه فضلًا عن الاتيان، وأنت تعلم أن المعنى ظاهر على التقدير، وقوله تعالى: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} اضراب انتقالي والعادي المتعدى في جميع المعاصي وهذا من جملتها أو متجاوزون عن حد الشهوة حيث زدتم على سائر الناس بل أكثر الحيوانات.
وقيل: متجاوزون الحد في الظلم حيث ظلمتم باتيان ما لم يخلق للاتيان وترك اتيان ما خلق له، وفي البحر أن تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيمًا لفعلهم وتنبيهًا على أنهم محتصون بذلك كأنه قيل: بل أنتم قوم عادون لا غيركم.

.تفسير الآية رقم (167):

{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)}
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لُوطٍ} عن توبيخنا وتقبيح أمرنا أو عما أنت عليه من دعوى الرسالة ودعوتنا إلى الإيمان وإنكار ما أنكرته من أمرنا {لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} أي من المنفيين من قريتنا المعهودين، وكأنهم كانوا يخرجون من غضبوا عليه بسبب من الأسباب، وقيل: بسبب إنكار تلك الفاحشة من بينهم على عنف وسوء حال، ولهذا هددوه عليه السلام بذلك، وعدلوا عن لنخرجنك الأخصر إلى ما ذكر؛ ولا يخفى ما في الكلام من التأكيد.

.تفسير الآية رقم (168):

{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168)}
{قَالَ إِنّى لِعَمَلِكُمْ مّنَ القالين} أي من المبغضين غاية البغض، قال الراغب: يقال قلاه ويقليه فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمى من قولهم: قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة إذا رميتها فكأن المقلو يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله. ومن جعله من الياء فهو من قليت السويق على المقلاة فكأن شدة البغض تقلى الفؤاد والكبد وتشويهما، فقول أبي حيان: أن قلى عنى أبغض يائي، والذي عنى طبح وسوى واوى ناش من قلة الاطلاع، والعدول عن قالى إلى ما في النظم الجليل لأنه أبلغ فإنه إذا قيل: قالي لم يفد أكثر من تلبسه بالفعل بخلاف قوله: {مّنَ القالين} إذ يفيد أنه مع تلبسه من قوم عرفوا واشتهروا به فيكون راسخ القدم عريق العرف فيه، وقد صرح بذلك ابن جنى. وغيره، واللام في «لعملكم» قيل للتبيين كما في سقيالك فهو متعلق حذوف أعني أعني، وقيل: هي للتقوية ومتعلقها عند من يرى تعلق حرف التقوية محذوف أي إني من القالين لعملكم من القالين. وقيل: هي متعلقة بالقالين المذكور ويتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها فتقدم حيث لا يقدم غيرها، والمراد بعملهم إما ما أنكره عليه السلام عليهم من اتيان الذكرتن وترك ما خلق ربهم سبحانه لهم وإما ما يشمل ذلك وسائر ما نهاهم عنه وأمرهم بضده من الأعمال القلبية والقالبية، وقابل عليه السلام تهديدهم ذلك بما ذكر تنبيهًا على عدم الاكتراث به وأنه راغب في الخلاص من سوء جوارهم لشدة بغضه لعملهم ولذلك أعرض عن محاورتهم وتوجه إلى الله تعالى قائلًا:

.تفسير الآية رقم (169):

{رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)}
{رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي من شؤم عملهم أو الذي يعملونه وعذابه الدنيوي. وقيل: يحتمل أن يكون دعاء بالنجاة من التلبس ثل عملهم وهو بالنسبة إلى الأهل دونه عليه السلام إذ لا يخشى تلبسه بذلك لمكان العصمة. واعتراض بأن العذاب كذلك إذ لا يعذب من لم يجن وفيه منع ظاهر. كيف وقد قال سبحانه: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]. وقيل: قد يدعو المعصوم بالحفظ عن الوقوع فيما عصم عنه كما يدل عليه قوله تعالى: حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاصنام} [إبراهيم: 35] وهو مسلم إلا أن الظاهر أن المراد النجاة مما ينالهم بسبب عملهم من العذاب الدنيوي. ويؤيده ظاهر قوله تعالى:

.تفسير الآيات (170- 171):

{فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)}
{فنجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزًا فِي الغابرين}.
والظاهر أن المراد بأهل بيته. وجوز أن يكون المراد بهم من تبع دينه مجازًا فيشمل أهل بيته المؤمنين وسائر من آمن به. وقيل: لا حاجة إلى هذا التعميم إذ لم يؤمن به عليه السلام إلا أهل بيته. والمراد بهذه العجوز امرأته عليه السلام وكانت كافرة مائلة إلى القوم راضية بفعلهم. والتعبير عنها بالعجوز للإيماء إلى أنه مما لا يشق أمر هلاكها على لوط عليه السلام وسائر أهله قتضى الطبيعة البشرية. وقيل: للإيماء إلى أنها قد عسيت في الكفر ودامت فيه إلى أن صارت عجوزًا، والغابر الباقي بعد مضي من معه. وأنشد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيذلك قول عبيد بن الأبرص:
ذهبوا وخلفني المخلف فيهم ** فكأنني في الغابرين غريب

والمراد فنجيناه وأهله من العذاب بإخراجهم من بينهم ليلًا عند مشارفة حلوله بهم إلا عجوزًا مقدرة في الباقين في العذاب بعد سلامة من خرج. وإنما اعتبر البقاء في العذاب دون البقاء في الدار لما روي أنها خرجت مع لوط عليه السلام فأصابها حجر في الطريق فهلكت، وقيل: المراد من الباقين في الدار بناء على أنها لهلاكها كأنها ممن بقي فيها أو أنها خرجت ثم رجعت فهلكت كما في بعض الروايات أو أنها لم تخرج مع لوط عليه السلام أصلًا كما في البعض الآخر منها. وقيل: الغابر طويل العمر وكأنه إنما أطلق عليه ذلك لبقائه مع مضي من كان معه. والمراد وصف العجوز بأنها طاعنة في السن. وقرأ عبد الله كما روي عنه مجاهد {وواعدنا أن نؤتيه أهله أجمعين إلا عجوزًا في الغابرين.