فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (13):

{ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}
{ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح {وَلاَ يحيى} أي حياة تنفعه وقيل إن روح أحدهم تصير في حلقه فلا تخرج فيموت ولا ترجع إلى موضعها من الجسد فيحيا وهو غير غني عن التقييد بنحو حياة كاملة على أنه بعد لا يخلو عن بحث وثم للتراخي في الرتبة فإن هذه الحالة أفظع وأعظم من نفس الصلى وقال عصام الدين يحتمل أن يكون هذا الكلام كناية عن عدم النجاة لأن النجاة عن العذاب إنما يكون بالعمل في دار يموت فيها العامل ويحيا والنظم أقرب إلى هذا المعنى كيف واللائق بالمعنى السابق ثم لا يكون ميتًا فيها ولا حيًا فتأمل انتهى وفي كون اللائق بالمعنى السابق ما ذكره دون ما في النظم الجليل منع ظاهر والظاهر أنه لائق به مع تضمنه رعاية الفواصل وكذا في توجيه كون ما ذكر كناية عن عدم النجاة خفاه وكأنه لذلك أمر بالتأمل وقد يقال إن مثل ذلك لكم يقال لمن وقع في شدة واستمر فيها فلا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى خلودهم في العذاب وأمر التراخي الرتبى عليه ظاهر أيضًا لظهور أن الخلود في النار الكبرى أفظع من دخولها وصليها واعلم إن عدم الموت في النار على ما صرح به غير واحد مخصوص بالكفرة وأما عصاة المؤمنين الذين يدخلونها فيموتون فيها واستدل لذلك بما أخرجه مسلم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم «(أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار يذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أذن في الشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء فينبتون نبات الحبة في حميل السيل» قال الحافظ ابن رجب أنه يدل على أن هؤلاء يموتون حقيقة وتفارق أرواحهم أجسادهم وأيد بتأكيد الفعل بالمصدر في قوله عليه الصلاة والسلام «(فأماتهم الله تعالى إماتة» وأظهر منه ما أخرجه البزار عن أبي هريرة مرفوعًا أن أدنى أهل الجنة حظًا أو نصيبًا قوم يخرجهم الله تعالى من النار فيرتاح لهم الرب تبارك وتعالى وذلك أنهم كانوا لا يشركون بالله تعالى شيئًا فينبذون بالعراء فينبتون كما ينبت البقل حتى إذا دخلت الأرواح أجسادهم فيقولون ربنا كما أخرجتنا من النار وأرجعت الأرواح إلى أجسادنا فاصرف وجوهنا عن النار فيصرف وجوههم عن النار وهذه الإماتة على ما اختاره غير واحد بعد أن يذوقوا ما يستحقونه من عذابها بحسب ذنوبهم كما يشعر به حديث مسلم وإبقاؤهم فيها ميتين إلى أن يؤذن بالشفاعة لا يجابه تأخير دخولهم الجنة تلك المدة كان تتمة لعقوبتهم بنوع آخر فتكون ذنوبهم قد اقتضت أن يعذبوا بالنار مدة ثم يحبسوا فيها من غير عذاب مدة فهم كمن أذنب في الدنيا ذنبًا فضرب وحبس بعد الضرب جزاء لذنبه ولم يبقوا أحيا فيها من غير عذاب كخزنتها إما ليكون أبعد عن أن يهولهم رؤيتها أو لتكون الإماتة وإخراج الروح من تتمة العقوبة أيضًا وقال القرطبي يجوز أن تكون إماتتهم عند إدخالهم فيها ويكون ادخالهم وصرف نعيم الجنة عنهم مدة كونهم فيها عقوبة لهم كالحبس في السجن بلا غل ولا قيد مثلًا ويجوز أن يكونوا متألمين حالة موتهم نحو تألم الكافر بعد موته وقبل قيام الساعة ويكون ذلك أخف من تألمهم لو بقوا أحياء كما أن تألم الكافر بعد موته في قبره أخف من تألمه إذا أدخل النار بعد البعث وهو كما ترى وفي مطامح الإفهام يجوز أن يراد بالاماتة المذكورة في الحديث الانامة وقد سمى الله تعالى النوم وفاة لأن فيه نوعًا من عدم الحس وفي الحديث المرفوع إذا أدخل الله تعالى الموحدين النار أماتهم فيها فإذا أراد سبحانه أن يخرجوا أمسهم العذاب تلك الساعة انتهى والمعول عليه ما ذكرناه أولًا والله تعالى أعلم.

.تفسير الآية رقم (14):

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)}
{قَدْ أَفْلَحَ} أي نجا من المكروه وظفر بما يرجوه {مَن تزكى} أي تطهر من الشرك بتذكره واتعاظه بالذكرى وحمله على ذلك مروي عن ابن عباس وغيره وأخرج البزار وابن مردويه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك «من شهد أن لا إله إلا الله وخلع الانداد وشهد أني رسول الله» واعتبر بعضهم أمرين فقال أي تطهر من الكفر والمعصية وعليه يجوز أن يكون ما تقدم من باب الاقتصار على الأهم وقيل تزكى أي تكثر من التقوى والخشية من الزكاء وهو النما وقيل تطهر للصلاة وقيل آتي الزكاة وروى هذا عن أبي الأحوص وقتادة وجماعة.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)}
{وَذَكَرَ اسم رَبّهِ} بلسانه وقلبه لا بلسانه مع غفلة القلب إذ مثل ذلك لا ثواب فيه فلا ينبغي أن يدخل فيما يترتب عليه الفلاح والذكر القلبي باستحضار اسمه تعالى في القلب وإن كان ممدوحًا بلا شبهة إلا إن أردته بخصوصه مما ذكر خلاف الظاهر وحكاه في مجمع البيان عن بعض وما روى عن ابن عباس من قوله أي ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه عز وجل ظاهر فيه وفي اقحام لفظ اسم وذهب بعض الحنفية إلى أن المراد بهذا الذكر تكبيرة الافتتاح كأنه قيل وكبر للافتتاح.
{فصلى} أي الصلوات الخمس كما أخرجه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس وروى ذلك في حديث مرفوع وقيل الصلاة المفروضة وما أمكن من النوافل واحتج بذلك على وجوب التكبيرة حيث نيط به الفلاح ووقع بين واجبين بل فرضين التزكي من الشرك والصلاة مع أن الاحتياط في العبادات واجب فلا يضر الاحتمال وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل وهو ظاهر وعلى أن التكبيرة شرط لا ركن للعطف بالفاء وعطف الكل على الجزء كعطف العام على الخاص وإن جاز لا يكون بها مع أنه لو سلم صحته بتكلف فلابد من نكتة ليدعى وقوعه في الكلام المعجز فحيث لم تظهر لم يصح ادعاؤه وبناء الركنية عليه والانصاف أنه مع ما سمعت احتجاج ليس بالقوي وقيل هو خصوص بسم الله الرحمن الرحيم قبل الصلاة وليس بشيء وعن علي كرم الله تعالى وجهه {تزكى} أي تصدق صدقة الفطر وذكر اسم ربه كبر يوم العيد فصلى صلاة العيد وعن جماعة من السلف ما يقتضي ظاهره ذلك وتعقب بأن الصلاة مقدمة على الزكاة في القرآن وأن السورة مكية ولم يكن حينئذ عيد ولا فطر ورد بأن ذلك إذا ذكرت باسمها أما إذا ذكرت بفعل فتقديمها غير مطرد ومنه {فلا صدق ولا صلى} [القيامة: 31] على أنه يجوز أن تكون مخالفة العادة هاهنا للإرشاد إلى أن هذه الزكاة المقدمة قولًا ينبغي تقديمها فعلًا على الصلاة ولهذا كانوا يخرجونها قبل أن يصلوا العيد كما جاء في الآثار وكون السورة مكية غير مجمع عليه وعلى القول كيتها الذي هو الأصح يكون ذلك مما تأخر حكمه عن نزوله وأقول يجوز أن يقال تزكى أي تطهر من الشرك بأن آمن من بقلبه وذكر اسم ربه أي قال لا إله إلا الله فصلي أي الصلاة المفروضة وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ما يؤيده فيكون تزكى إشارة إلى التصديق بالجنان وذكر اسم ربه إلى النطق باللسان وصل إلى العمل بالأركان لما أن الصلاة عماد الدين وأفضل الأعمال البدنية وناهية عن الفحشاء والمنكر فلا بدع أن تذكر فيراد جمع الأعمال البدنية والعبادات القالبية وقد يقال اقتصر على ذكر الصلاة لأن الفرائض والواجبات البدنية لم تكن تامة يوم نزول السورة وكانت الصلاة أهم ما نزل إن كان نزل غيرها وقد روى عطاء عن ابن عباس ويزيد النحوي عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن إن أول ما نزل من القرآن بمكة: {اقرأ باسم رَبّكَ} [العلق: 1] ثم {ن} ثم {المزمل} ثم {المدثر} ثم {تُبْتُ} ثم {إِذَا الشمس كُوّرَتْ} [التكوير: 1] ثم {سَبِّحِ اسم رَبّكَ} ثم إن من رادف لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان ذكر الله تعالى المطلوب هو مجموع الجملتين فلا بعد في أن يراد من ذكره تعالى في الآية وإذا اعتبر الاتيان باسمه عز وجل في الجملة الثانية على الوجه الذي أتى به ذكرًا له تعالى كان أمر الإرادة أقرب وهذا الوجه لا يخلو عن حسن وكلمة {قد} لما أنه عند الاخبار بسوء حال المتجنب عن الذكر في الآخرة يتوقع السامع الاخبار بحسن حال المتذكر فيها ولا يبعد أن تكون الجملة مستأنفة استئنافًا جوابًا لسؤال نشأ عن بيان حال المتجنب والسكوت عن حال المتذكر الذي يخشى فكأنه قيل ما حال من تذكر فقيل قد أفلح إلى آخره وكان الظاهر قد أفلح من تذكر إلا أنه وضع من تزكى إلى آخره موضع من تذكر إشارة إلى بيان المتذكر بسماته وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (16):

{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)}
{بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا} إضراب عن مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل إثر بيان ما يؤدي إلى الفلاح {لاَ تَفْعَلُونَ ذلك بَلْ تُؤْثِرُونَ} إلخ ولعله مراد من قال إنه إضراب عن {قَدْ أَفْلَحَ} [الأعلى: 14] إلخ وقيل إضراب عن بيان حال المتذكر والمتجنب إلى بيان أنه لا ينفع هذا البيان وأضعافه المتمردين على وجه يتضمن بيان سبب عدم النفع وهو ايثار الحياة الدنيا والخطاب على هذا للكفرة الأشقين من أهل مكة وعلى الأول يحتمل أن يكون لهم فالمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضاء والاطمئنان بها والإعراض عن الآخرة بالكلية كما في قوله تعالى: {إَنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بالحياة الدنيا واطمأنوا بِهَا} [يونس: 7] الآية ويحتمل أن يكون لجميع الناس على سبيل التغليب فالمراد بإيثارها ما هو أعم مما ذكر وما لا يخلو عنه الناس غالبًا من ترجيح جانب الدنيا على الآخرة في السعي وترتيب المبادئ وعن ابن مسعود ما يقتضيه والالتفات على الأول لتشديد التوبيخ وعلى الثاني كذلك في حق الكفرة ولتشديد العتاب في حق لمسلمين وقيل لا التفات لأنه بتقدير قل وقرأ عبد الله وأبو رجاء والحسن والجحدري وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو عمرو والزعفراني وابن مقسم يؤثرون بياء الغيبة وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (17):

{وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)}
{والاخرة خَيْرٌ وأبقى} حال من فاعل {تؤثرون} مؤكد للتوبيخ والعتاب أي تؤثرونها على الآخرة والحال أن الآخرة خير في نفسها لما أن نعيمها مع كونها في غاية ما يكون من اللذة خالص عن شائبة أبدى لا انصرام له وعدم التعرض لبيان تكدر نعيم الدنيا بالمنغصات وانقطاعه عما قليل لغاية الظهور.

.تفسير الآية رقم (18):

{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)}
{إِنَّ هَذَا} إشارة على ما أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد إلى قوله تعالى: {والاخرة خير وأبقى} [الأعلى: 17] وروى ذلك عن قتادة وقال غير واحد إشارة إلى ما ذكر من قوله سبحانه: {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14] إلخ وسيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث ما يشهد له وقال الضحاك إشارة إلى القرآن فالآية كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاولين} وعن ابن عباس وعكرمة والسدي إشارة إلى ما تضمنته السور جميعًا وفيه بعد.
{لَفِى الصحف الاولى} أي ثابت فيها معناه وقرأ الأعمش وهرون وعصمة كلاهما عن أبي عمرو بسكون الحاء وكذا فيما بعد وهي لغة تميم على ما في اللوامح.

.تفسير الآية رقم (19):

{صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}
{صُحُفِ إبراهيم وموسى} بدل من {الصحف الأولى} [الأعلى: 18] وفي إبهامها ووصفها بالقدم ثم بيانها وتفسيرها من تفخيم شأنها ما لا يخفى وكانت صحف ابراهيم عشرة وكذا صحف موسى عليه السلام والمراد بها ما عدا التوراة أخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب قال مائة كتابة وأربعة كتب أنزل على شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قلت يا رسول الله فما كانت صحف ابراهيم قال أمثال كلها أيها الملك المتسلط على المبتلي المغرور لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه ويتذكر فيما صنع وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال فإن في هذه الساعة عونًا لتلك الساعات واجتماعًا للقلوب وتفريغًا لها وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه مقبلًا على شأنه حافظًا للسانه فإن من حسب كلامه من عمله أقل الكلام إلا فيما يعنيه وعلى العاقل أن يكون طالبًا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال كانت عبرا كلها عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح ولمن أيقن بالنار ثم يضحك ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها ولمن أيقن بالقدر ثم يضغب ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل قلت يا رسول الله هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى قال يا أبا ذكر نعم {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى} [الأعلى: 14-17] الله والله تعالى أعلم بصحة الحديث وقرأ أبو رجاء ابرهم بحذف الألف والياء وبالهاء مفتوحة ومكسورة وعبد الرحمن بن أبي بكرة بكسرها لا غير وقرأ أبو موسى الأشعري وابن الزبير ابراهام بالغين في كل القرآن وقرأ مالك بن دينار ابراهم بألف وفتح الهاء وبغير ياء وجاء كما قال ابن خالويه ابرهم بضم الهاء بلا ألف ولا ياء وهذا من تصرفات العرب في الأسماء الأعجمية فإن براهيم على الصحيح منها وحكى الكرماني في عجائبه أنه اسم عربي مشتق من البرهمة وهي شدة النظر ونسبه قد تقدم وكذا نسب موسى صلى الله عليه وسلم.