فصل: تفسير الآية رقم (217):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (215):

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)}
{واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} أمر له صلى الله عليه وسلم بالتواضع على سبيل الاستعارة التبعية أو التمثيلية أو المجاز المرسل وعلاقته اللزوم، ويستعمل في التكبر رفع الجناح وعلى ذلك جاء قول الشاعر:
وأنت الشهير بخفض الجناح ** فلا تك في رفعه أجدلًا

و{مِنْ} قيل: بيانية لأن من اتبع في أصل معناه أعم ممن اتبع لدين أو غيره ففيه إبهام وبذكر المؤمنين المراد بهم المتبعون للدين زال ذلك، وقيل: للتبعيض بناءً على شيوع من اتبع فيمن اتبع للدين وحمل المؤمنين على من صدق باللسان ولو نفاقًا ولا شك أن المتبعين للدين بعض المؤمنين بهذا المعنى، وجوز أن يحمل على من شارف وإن لم يؤمن. ولا شك أيضًا أن المتبعين المذكورين بعضهم وفي الآية على القولين أمر بالتواضع لمن اتبع للدين.
وقال بعضهم: على تقدير كونها بيانية أن المؤمنين يراد بهم الذين لم يؤمنوا بعد وشارفوا لأن يؤمنوا كالمؤلفة مجاز باعتبار الأول وكان من اتبعك شائعًا في من آمن حقيقة. ومن آمن مجازًا فبين بقوله تعالى: {مِنَ المؤمنين} أن المراد بهم المشارفون أي تواضع للمشارفين استمالة وتأليفًا، وعلى تقدير كونها تبعيضية يراد بالمؤمنين الذين قالوا آمنا وهم صنفان. صنف صدق واتبع. وصنف ما وجد منهم إلا التصديق فقيل: من المؤمنين وأريد بعض الذين صدقوا واتبعوا أي تواضع لبعض المؤمنين وهم الذين اتبعوك محبة ومودة. وعلى هذا يكون الذين أمر صلى الله عليه وسلم بالتواضع لهم على تقدير البيان غير الذي أمر عليه الصلاة والسلام بالتواضع لهم على تقدير التبعيض. وقال بعض الأجلة الاتباع والإيمان توأمان إذ المتبادر من أتباعه عليه الصلاة والسلام اتباعه الديني وكذا المتبادر من الإيمان الإيمان الحقيقي، وذكر {مِنَ المؤمنين} لإفادة التعميم كذكر {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] بعد طائر في قوله تعالى: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} وتفيد الآية الأمر بالتواضع لكل من آمن من عشيرته صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
وقال الطيبي: الإجراء على أفانين البلاغة أن يحمل الكلام على أسلوب وضع المظهر موضع المضمر وأن الأصل وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك منهم فعدل إلى المؤمنين ليعم ويؤذن أن صفة الإيمان هي التي يستحق أن يكرم صاحبها ويتواضع لأجلها من اتصف بها سواء كان من عشيرتك أو غيرهم وليس هذا بالبعيد لكني أختار كون من بيانية وأن عموم من اتبعك باعتبار أصل معناه. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} [الشعراء: 214] بدأ صلى الله عليه وسلم بأهل بيته وفصيلته فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى: {واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين}.

.تفسير الآية رقم (216):

{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)}
{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّى بَرِيء مّمَّا تَعْمَلُونَ} الظاهر أن الضمير المرفوع في {عَصَوْكَ} عائد على من أنذر صلى الله عليه وسلم بإنذارهم وهم العشيرة أي فإن عصوك ولم يتبعوك بعد إنذارهم فقل: إني بريء من عملكم أو الذي تعملونه من دعائكم مع الله تعالى إلهًا آخر، وجوز أن يكون عائدًا على الكفار المفهوم من السياق، وقيل: هو عائد على من اتبع من المؤمنين أي فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل: إني بريء مما تعملون من المعاصي أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم. وذكر على هذا أنه صلى الله عليه وسلم لو أمر بالبراءة منهم ما بقي شفيعًا للعصاة يوم القيامة، والآية على غير هذا القول منسوخة.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: أمره سبحانه بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم، وفي البحر هذه موادعة نسختها آية السيف.

.تفسير الآية رقم (217):

{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)}
{وَتَوكَّلْ عَلَى العزيز الرحيم} فهو سبحانه يقهر من يعصيك منهم ومن غيرهم بعزته وينصرك برحمته، وتقديم وصف العزة قيل لأنه أوفق قام التسلي عن المشاق اللاحقة من القوم إليه صلى الله عليه وسلم، وجوز أن يكون ذلك لأن العزة كالعلة المصححة للتوكل والرحمة كالعلة الداعية إليه، وفسره غير واحد بتفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على أن ينفعه ويضره. وقالوا: المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله تعالى، وذكر بعضهم أن هذا من أحط مراتب التوكل وأدناها، ونقل عن بعض العارفين أنه فيما بين الناس على ثلاث درجات. الأولى: التوكل مع الطلب ومعاطاة السبب على نية شغل النفس ونفع الخلق وترك الدعوى، والثانية: التوكل مع إسقاط الطلب وغض العين عن السبب اجتهادًا في تصحيح التوكل وقمع تشرف النفس تفرغًا إلى حفظ الواجبات. والثالثة: التوكل مع معرفة التوكل النازعة إلى الخلاص من علة التوكل. وذلك أن يعلم أن الله تعالى لم يترك أمرًا مهملًا بل فرغ من الأشياء كلها وقدرها وشأنه سبحانه سوق المقادير إلى المواقيت، فالمتوكل من أراح نفسه من كد النظر والمطالعة السبب سكونا إلى ما سبق من القسمة مع استواء الحالين وهو أن يعلم أن الطلب لا ينفع والتوكل لا يمنع ومتى طالع بتوكله عوضًا كان توكله مدخولًا وقصده معلولًا وإذا خلص من رق الأسباب ولم يلاحظ في توكله سوى خالص حق الله تعالى كفاه الله تعالى كل مهم. وبين العلامة الطيبي أن في قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ} إلخ إشارة إلى المراتب الثلاث بما فيه خفاء.
وفي مصاحف أهل المدينة. والشام «فتوكل» بالفاء. وبه قرأ نافع. وابن عامر. وأبو جعفر. وشيبة. وخرج على الإبدال من جواب الشرط. وجعل في الكشاف الفاء للعطف وما بعده معطوفًا على {فَقُلْ} [الشعراء: 216] أو {فَلاَ تَدْعُ} [الشعراء: 213] وما ذكر أولًا أظهر.

.تفسير الآية رقم (218):

{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)}
{الذى يُرِيكُمُ حِينَ تَقُومُ} أي إلى الصلاة.

.تفسير الآية رقم (219):

{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)}
{وَتَقَلُّبَكَ} أي ويرى سبحانه تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى آخر كالقيام {فِى الساجدين} أي فيما بين المصلين إذا أممتهم، وعبر عنهم بالساجدين لأن السجود حالة مزيد قرب العبد من ربه عز وجل وهو أفضل الأركان على ما نص عليه جمع من الأئمة، وتفسير هذه الجملة بما ذكر مروى عن ابن عباس. وجماعة من المفسرين إلا أن منهم من قال: المراد حين تقوم إلى الصلاة بالناس جماعة، وقيل: المعنى يراك حين تقوم للتهجد ويرى تقلبك أي ذهابك ومجيئك فيما بين المتهجدين لتتصفح أحوالهم وتطلع عليهم من حيث لا يشعرون وتستبطن سرائرهم وكيف يعملون لآخرتهم كما روي أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصًا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت النحل لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله تعالى والتلاوة. وعن مجاهد أن المراد بقوله سبحانه: «وتقلبك في الساجدين» تقلب بصره عليه الصلاة والسلام فيمن يصلى خلفه فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه، ففي صحيح البخاري عن أنس قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري».
وفي رواية أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «استووا استووا استووا والذي نفسي بيده إني لاراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي» ولا يخفى بعد حمل ما في الآية ما ذكر.
وقيل: المراد بالساجدين المؤمنون، والمعنى يراك حين تقوم لأداء الرسالة ويرى تقلبك وترددك فيما بين المؤمنين أو معهم فيما فيه إعلان أمر الله تعالى وإعلاء كلمته سبحانه، وتفسير الساجدين بالمؤمنين مروى عن ابن عباس. وقتادة إلا أن كون المعنى ما ذكر لا يخلو عن خفاء.
وعن ابن جبير أن المراد بهم الأنبياء عليهم السلام، والمعنى ويرى تقلبك كما يتقلب غيرك من الأنبياء عليهم السلام في تبليغ ما أمروا بتبليغه وهو كما ترى، وتفسير الساجدين بالأنبياء رواه جماعة منهم الطبراني. والبزار. وأبو نعم عن ابن عباس أيضًا إلا أنه رضي الله تعالى عنه فسر التقلب فيهم بالتنقل في أصلابهم حتى ولدته أمه عليه الصلاة والسلام، وجوز على حمل التقلب على التنقل في الأصلاب أن يراد بالساجدين المؤمنون، واستدل بالآية على إيمان أبويه صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه كثير من أجلة أهل السنة، وأنا أخشى الكفر على من يقول فيهما رضي الله تعالى عنهما على رغم أنف على القارئ واضرابه بضد ذلك إلا أني لا أقول بحجية الآية على هذا المطلب، ورؤية الله تعالى انكشاف لائق بشأنه عز شأنه غير الانكشاف العلمي ويتعلق بالموجود والمعدوم الخارجي عند العارفين، وقالوا: إن رؤية الله تعالى للمعدوم نظير رؤية الشخص القيامة ونحوها في المنام وكثير من المتكلمين انكروا تعلقها بالمعدوم، ومنهم من أرجعها إلى صفة العلم وتحقيق ذلك في محله، وفي وصفه تعالى برأيته حاله صلى الله عليه وسلم التي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بما تقدم تحقيق للتوكل وتوطين لقلبه الشريف عليه الصلاة والسلام عليه.
وقرأ جناح بن حبيش {ويقلبك} مضارع قلب مشددًا. وخرج ذلك أبو حيان على العطف على {يراك} [الشعراء: 218] وجوز العطف على {تَقُومُ} [الشعراء: 218]. وفي الكلام على هذه القراءة إشارة إلى وقوع تقلبه صلى الله عليه وسلم في الساجدين على وجه الكمال وكمال التقلب في الصلاة كونه بخشوع يغفل معه عما سوى الله تعالى:

.تفسير الآية رقم (220):

{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}
{إِنَّهُ هُوَ السميع} بكل ما يصح تعلق السمع به ويندرج فيه ما يقوله صلى الله عليه وسلم {العليم} بكل ما يصح تعلق العلم به ويندرج فيه ما يعمله أو ينويه عليه الصلاة والسلام، وفي الجملة الإسمية إشارة إلى أنه سبحانه متصف بما ذكر أزلًا وأبدًا ولا توقف لذلك على وجود المسموعات والمعلومات في الخارج، والحصر فيها حقيقي أي هو تعالى كذلك لا غيره سبحانه وتعالى.
وكأن الجملة متعلقة بالجملتين الواقعتين في حيز الجزاء جيء بها للتحريض على القول السابق والتوكل، وجوز أن تكون متعلقة بما في حيز الصلة المراد منها التحريض على إيقاع الأقوال والأفعال التي في الصلاة على أكمل وجه فتأمل.

.تفسير الآية رقم (221):

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)}
وقوله تعالى: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين} إلخ مسوق لبيان استحالة تنزل الشياطين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بيان امتناع تنزلهم بالقرآن، وهذه الجملة وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين} [الشعراء: 210] إلخ وقوله سبحانه: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} [الشعراء: 12] إلخ اخوات وفرق بينهن بآيات ليست في معناهن ليرجع إلى المجيء بهن وتطرية ذكر ما فيهن كرة بعد كرة فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت عناية الله تعالى بها، ومثاله أن يحدث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه، والاستفهام للتقرير و{على مَنِ} متعلق بتنزل قدم عليه لصدارة المجرور وتقديم الجار لا يضر كما بين في النحو، وقال الزمخشري في ذلك: آن من متضمنة معنى الاستفهام وليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا معنى الاسم ومعنى الحرف وإنما معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما حذف من أهل والأصل أهل كما قال:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ** أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم

فإذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول: أعلى من تنزل الشياطين كقولك: أعلى زيد مررت اه. وتعقبه صاحب الفرائد بقوله: يشكل ما ذكر بقولهم: من أين أنت ومن أين جئت وقوله تعالى: {مِنْ أَىّ شَيْء خَلَقَهُ} [عبس: 18] وقوله فيم: وومم وحتام ونحوها. وأجاب صاحب الكشف بأنه لا إشكال في نحو من أين أنت؟ لأن التقدير أمن البصرة أم من الكوفة مثلا ولا يخفى أنه لا يحتاج على ما حققه النحاة إلى جميع ذلك، وجملة {على مَن تَنَزَّلُ} إلخ في موضع نصب بأنبئكم لأنه معلق بالاستفهام وهي إما سادة مسد المفعول الثاني أن قدرت الفعل متعديًا لاثنين ومسد مفعولين إن قدرته متعديًا لثلاثة، والمراد هل أعلمكم جواب هذا الاستفهام أعني على من تنزل الشياطين وأصل تنزل تتنزل فحذفت أحدى التاءين. والكلام على معنى القول عند أبي حيان كأنه قيل: قل يا محمد هل أنبئكم على من تنزل الشياطين.